إسلام ويب

دراسة موضوعية [5]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الكلام في بعض الصفات كالكلام في جميعها، فمن أثبت لله تعالى بعضها ونفى بعضها لزمه إثباتها كلها؛ إذ لا فرق بينها، وصفات الله تعالى غير محصورة بعدد معين، وهي مذكورة في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى كسورة الإخلاص وآية الكرسي، وغيرها من آيات الذكر الحكيم.

    1.   

    التأصيل العلمي وأهميته

    لا يخفى أهمية دراسة العلم وتحصيله، وقد كتب علماء السلف رضوان الله عليهم كثيراً من الكتب في بيان ذلك، وتضمنت كتب أصول الفقه في باب الاجتهاد والتقليد ما يبين أهمية العلم وضرورته للإنسان، وضرورته للأمة في كل وقت وفي كل مرحلة.

    ويوجد لدى كثير من الناس مع الأسف زهد مذموم، هذا الزهد هو الزهد عن العلم، وكثير من الناس لديه أفكار غريبة، وهي في الحقيقة من الأفكار الرديئة التي يلقيها الشيطان في النفوس، وهي أن العلم سهل ويمكن تحصيله، وأن الكتب اليوم تملأ المكتبات وأن الإنسان إذا أراد العلم فيمكن له أن يشتري هذه الكتب ويحقق ويبحث، وباستطاعته أن يحصل العلم من خلال هذه الكتب، والتهوين من شأن العلم بهذه الطريقة، والتهوين من شأن مدارسة العلم والترقي فيه، لا شك أنه خطأ، وأن هذا يدل على جهل صاحبه بمقام العلم، فإن العلم لا يحصل من خلال القراءة فقط، فإن القراءة وتكثير القراءة هي جزء من التثقيف، فيمكن للإنسان أن يكون مثقفاً لديه معلومات مفرقة من هنا وهناك، ولديه ثقافة خصوصاً إذا كان ذكياً ويحفظ، ويمكن أن يكون لدى الإنسان شيء من هذه المعلومات، لكن ليس شأن العلم هكذا، وإنما شأن العلم أن يحفظ الإنسان العلم بالتدريج، ويأخذ المسائل الصغيرة، ثم يأخذ المسائل التي هي أكبر منها، ثم التي بعدها وهكذا، وتكون دراسته دراسة مؤصلة.

    والتأصيل العلمي لا شك أنه لا يعتمد على كثرة القراءة المجردة، فإن كثرة القراءة كما سبق تنتج إنساناً مثقفاً لديه معلومات متنوعة، وأما التأصيل العلمي فإن الإنسان يبني نفسه كما تبنى البيوت الآن، فأولاً يبدأ بالقواعد، ثم بعد ذلك يبني نفسه حتى يكتمل بناؤه العلمي.

    ولهذا نجد الفروق واضحة بين العلماء والمثقفين، بين العلماء الذين درسوا العلم وخبروه، وعرفوا جوانبه، وعرفوا دلالاته، وعرفوا معانيه، وما يوجد في المسائل العلمية من الغموض ونحو ذلك، وبين المثقفين الذين لديهم معلومات مفرقة من هنا وهناك؛ ولهذا يا إخواني! أدعوكم وأدعو نفسي أولاً إلى أن نعتني عناية كبيرة بمسألة تأصيل العلم، وأن يكون التثقيف في الأوقات التي يكون للإنسان قدرة على أن يثقف نفسه، فالثقافة مهمة جداً، لكن العلم المقصود به هو أن الإنسان يدرس العقيدة والفقه والحديث والأصول، فيدرس هذه العلوم جميعاً بطريقة متأنية، فيأخذ المسائل الصغيرة حتى يعرف طريقة أهل العلم في الاستدلال، وكيفية التعامل مع الأدلة، وهذا هو ديدن السلف وطريقة السلف السابقين رضوان الله عليهم.

    فإن علماً كاملاً مثل أصول الفقه تم استنباطه من خلال النظر في فتاوى الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف كانوا يفتون، وكيف كانوا يستدلون، وطريقة الاستدلال عندهم، ومناهج الأدلة ونحو ذلك، فتكون علم كامل هو (علم أصول الفقه)، وهو علم معياري يبين للإنسان كيف يمكن له أن يستدل ويكون استدلاله صحيحاً.

    وإن كان مع الأسف قد دخلته علوم المتكلمين بسبب اشتغال أهل الكلام بالأصول، فأدخلوا فيه كثيراً من القضايا النظرية التجريدية المحضة، وأدخلوا فيه شيئاً من البدع التي كانت عندهم، لكن يبقى أن لهذا العلم جلالته وأهميته في ضبط مناهج الأدلة والاستدلال.

    فينبغي للإنسان أن يهتم بالعلم، وأن يعظم هذا الجانب، وأن يهتم به اهتماماً كبيراً، وأن يصبر ويحرص، وأن يجتهد وأن يضبط وقته ليلاً ونهاراً؛ من أجل تحصيل هذه العلوم الشريفة، فإن الأمة بحاجة إلى علماء عاملين، وكان الإمام البخاري رحمه الله يقول فيما رواه عنه اللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) يقول: سمعت أكثر من ألف -وذكر من علماء الشام والعراق واليمن ومصر.. وغيرها- كلهم يقول: أن الإيمان قول وعمل، يعني: أنهم ألف عالم من العلماء كان في زمانه كلهم على عقيدة أهل السنة يرون أن الإيمان قول وعمل، فهؤلاء الذين لقيهم البخاري فقط، وقد يكون هناك أشخاص كثيرون لم يلقهم البخاري ولم يرهم وهم علماء.

    فنحن بحاجة إلى إعادة الحركة العلمية لأمتنا، ولهذا مع الأسف فإن العلماء اليوم يعدون على الأصابع، أقصد العلماء العاملين الذين يعرفون الأدلة الشرعية، وأما الذين يحسنون الكلام فهم كثير، ولهذا جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه في بيانه لأوصاف آخر الزمان: أنه سيأتي على الناس زمان يكثر فيه الخطباء، ويقل فيه الفقهاء والعلماء. فالخطباء الذين يحسنون الكلام، والذين يحسنون الوعظ، والذين يحسنون الكتابة كثير، لكن أصحاب الفقه الذين يعرفون مقاصد الشريعة، والذين يعرفون مقاصد هذا الدين، والذين يدركون هذه الحقائق بشكلها الشرعي الصحيح، هم في الحقيقة قلة في الناس، ولهذا كما قلت: نحن بحاجة إلى هذا الأمر.

    1.   

    ظهور الفتن في هذا الزمان والمخرج من ذلك

    ونحن اليوم مع الأسف نعيش في زمن انفتحت فيه الثقافات بعضها على بعض من خلال الاتصالات، ومن خلال المواصلات، ومن خلال الإنترنت، ومن خلال الغزو الفضائي، من خلال السيطرة العالمية على أمة الإسلام، فأصبح في الأمة كثير من المناهج والأفكار، هذا على مستوى الأمة عموماً، وحتى على مستوى الصالحين الذين يسمون إعلامياً (إسلاميين)، والإسلاميون اليوم لديهم كثير من المناهج والآراء والأفكار، وفي كل فترة من الفترات تسمع عن أفكار وآراء جديدة يتبناها أشخاص يحسبون على الدعوة الإسلامية، وهي في غاية الغرابة وفي منتهى الغرابة!

    وهم مع الأسف أيضاً يوجد لهم أتباع، والسبب في هذا يعود إلى عدم وجود تأصيل علمي حقيقي في أوساط شباب الدعوة الإسلامية، فأصبح الكثير يعتمد على العاطفة المجردة، وأصبح الكثير يعتمد على التقليد، فيقلد فلاناً من أهل العلم، أو فلاناً من المثقفين، أو فلاناً من الكتاب، أو فلاناً من الوعاظ، ولهذا إذا اختلفوا اختلف الدعاة، وإذا اتفقوا اتفق الدعاة، وهذا من الخطأ، ولهذا يتميز منهج أهل السنة عن غيره من المناهج أن أصحابه لا يعتمدون على التقليد، وإنما يعتمدون على فهم مقاصد هذا الدين فهماً صحيحاً، والالتزام بها، وكل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة وكل فتنة وكل مشكلة تحصل في حياة المسلمين فإن لها حكماً شرعياً، وفي بعض الأحيان يكون هذا الحكم من الوضوح بمكان، لكن كثيراً من الناس لعدم فقهه ولعدم فهمه ولعدم إدراكه لا يفرقون بين المسائل القطعة والمسائل الظنية، ولا يفرقون بين مسائل الإجماع ومسائل الخلاف، وما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ فيه الخلاف، وكيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع هذه الفتنة، وكيف يمكن له أن يتعامل مع أهل العلم ومع طلاب العلم ونحو ذلك، وكثير من القضايا اليوم مع الأسف غائبة؛ بسبب عدم التأصيل العلمي لدى الشباب.

    ففي كل فترة من الفترات تظهر لنا فكرة جديدة، فمثلاً من الأفكار التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة فكرة الرؤى والمنامات التي بدأ كثير من الناس يشطح فيها شطحات عجيبة جداً، إلى درجة أنه يكاد يكون بعض المعبرين كهنة في الحقيقة، فبعضهم يتعلق بالأوهام، ولهذا تجد كثيراً من الناس محطمين مع الأسف، والمفترض في المؤمن أنه لا يكون محطماً ولا يكون ضعيفاً حتى ولو غلب الكفار، وحتى ولو كانت لهم سيطرة، وحتى ولو كان لهم وجود كبير في العالم أقوى من وجود المسلمين، وحتى ولو كان لهم تأثير، فيبقى أن أهل الإسلام لديهم من العزة والقوة النفسية ما يتميزون به عن غيرهم من أصحاب الأديان والمناهج والفلسفات الأخرى.

    فالرؤى والأحلام اليوم صارت مشكلة، وصار كثير من الناس يفسر الأحاديث النبوية في قضايا الفتن والملاحم وما يتعلق بها تفسيراً مبنياً على الأحلام، فكما أن مسائل الرقى والقراءة على المرضى الذين فيهم سحر، أو الذين لديهم عين أو نحو ذلك صار فيه انحرافات كبيرة عند بعض القراء، وتوصلوا إلى درجة أن صاروا قريبين من المخرفين، ويقولون: نحن نتعاون مع الجن المسلمين ونحو ذلك من الأشياء الغريبة!

    مع أن فكرة التعاون مع الجن المسلمين قد تحدث عنها أهل العلم قديماً لكن بشكل عام، وأما الواقع الموجود فكثير من الناس تتلاعب بهم الشياطين، ويقولون: نحن نتعامل مع الجن المسلمين في علاج المرضى، فكما أن هذا وقع فيه انحراف كبير فأيضاً وقع في موضوع الرؤى والأحلام والمنامات كثير من الخرافات وكثير من الآراء العجيبة، فبدأ كثير من الناس يقول: إن حاكم العراق هو السفياني الذي ورد في الحديث، وينسى أن الحديث موضوع، فأهم شيء أنه ورد في الحديث وانتهى الموضوع، وأصبح كثير من المرتزقة الذين يريدون الأموال ويريدون العبث بعواطف الناس يؤلفون كتباً في معركة هرمجدون؛ لأنها معركة مشهورة، ثم يجمع من الأحاديث الباطلة والموضوعة والخرافات وغرائب الأخبار وينشرها على أنها هي الإسلام الصحيح الذي يجب على الإنسان أن يعتقده، وبعض الناس أصبح المصدر الأساسي له في فهم الواقع وفي إدراكه وفي التعامل مع مجريات الأحداث هي منتديات الإنترنت، فيدخل هذا المنتدى وهذا المنتدى ويقرأ لهذا ويقرأ لذاك وكثير منهم قد يكون من النصارى، أو قد يكون بعضهم من أصحاب الطوائف المنحرفة يتقمص شخصية داعية ربما يكون مجاهداً أو صالحاً أو نحو ذلك، ثم ينشر في الناس عقائد فاسدة.

    ولو أننا قارنا بين انتشار الفرق والعقائد الفكرية القديمة وكيفية تغلغل الأديان المنحرفة الأخرى -خصوصاً اليهود والنصارى ونحوهم- في محاولة إفساد الأمة الإسلامية لوجدنا نفس القضية تدور الآن لكن بطرق وبأشكال مختلفة، فهذه العقول الكثيرة من شباب الدعوة الإسلامية كيف تضبط من الانحراف، هذه العقول المنتشرة الآن على خارطة العالم الإسلامي كله كيف يمكن لنا أن نحفظها من الزلل، وأن نحفظها من البدع، سواء كانت هذه البدع قديمة أو جديدة؛ لأنه بعض الأحيان قد ينتسب شخص إلى عقيدة صحيحة مثل عقيدة أهل السنة والجماعة ولا يعرف من البدع إلا البدع التي تكلم عنها العلماء قديماً، لكن البدع الجديدة المعاصرة لا يعرفها، لأنه لم يدرس العلم على أساس التفقه والفهم بحيث يمكن له يحكم على هذا بأنه الأمر بدعة أو ليس ببدعة، حتى ولو كان أمراً جديداً.

    فما درس على هذا الأساس -أساس التفقه- وإنما درس على أساس الحفظ، فيحفظ أن التكبير الجماعي بدعة، ويحفظ مثلاً أن قول: الله.. الله.. الله ونحو ذلك من بدع الصوفية بدعة، ويحفظ مثلاً أنواعاً من البدع التي ذكرها أهل العلم قديماً في كتبهم وبينوا أنها من البدع والضلالات، لكن الأشياء الجديدة قد لا يدرك أنها من البدع أو ليست من البدع، وقد يشك فيها، وفي بعض الأحيان قد يتبناها جهلاً منه خصوصاً إذا ورد في حديث من الأحاديث شبهة أو رائحة تدل عليه.

    ولهذا نحن بحاجة إلى من يتفقه ويعرف أحكام الدين، ولسنا بحاجة إلى من يحفظ أخبار العلماء السابقين وما أفتوا به مجرد حفظ، وإنما نريد فيه يفهم لماذا اعتبروا هذا العمل بدعة؟ ولماذا اعتبروا هذا القول بدعة، ولماذا صنفوا هذه العقيدة من عقائد المبتدعة ولم يجعلوها من عقائد أهل السنة؟ فهل مجرد كونها أمراً جديداً كاف في كونها بدعة؟ هذا ليس بأمر منطقي.

    ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على الدراسة والفهم والتفهم، وألا يكون عنده تخبط فكري أو تخبط علمي، فتارة يكون هنا وتارة يكون هناك، وتارة يكون في هذا الدرس وتارة يكون في درس آخر، وتارة يقرأ في هذا الكتاب ولا يكمله، ثم يبدأ في كتاب آخر ولا يتمه، فيكون متخبطاً بدون فائدة، ويضيع العمر بدون أن يستفيد أو يفيد الآخرين.

    فهذه مقدمة أحببت أن أنبه عليها في بداية هذا الدرس الذي أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للتفقه فيه، وأن نتفهم ما فيه من المسائل إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الخيلاء

    قال الشيخ: بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله في كتابه (حلية طالب العلم) في حديثه عنه آداب الطالب في نفسه:

    [الأمر الخامس: خفض الجناح، ونبذ الخيلاء والكبرياء:

    تحل بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق، وسكون الطائر من الوقار والرزانة وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعز العلم، ذليلاً للحق، وعليه: فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء؛ فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً، ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي.

    قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته فإن ذلك من الخيلاء. ا.هـ

    وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى.

    واحذر داء الجبابرة: الكبر، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصي الله به، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان.

    العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي

    فالزم رحمك الله اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء، أو غطرسة، أو حب ظهور، أو عجب ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علماً أو رفعة في ولاية فالزم ذلك تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس.

    وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب الستة بكر بن عبد الله المزني رحمهم الله تعالى قال: سمعت إنساناً يحدث عن أبي أنه كان واقفاً بعرفة فرق، فقال: لولا أني فيهم لقلت: قد غفر لهم، خرجه الذهبي ثم قال: قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها]. ا.هـ

    خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء من الأخلاق العظيمة، فيلتزم الإنسان التواضع ويبتعد عن الكبر حتى لو رأى في نفسه شيئاً من العلم، أو شيئاً من الفهم، أو أي أمر من الأمور، ويحرص الإنسان دائماً على ألا ينظر إلى نفسه؛ فالالتفات إلى النفس من أعظم الطرق الموصلة إلى الكبرياء، والتفكير فيما عند الإنسان ومحاولة مقارنة ما عنده بما عند الآخرين هي البوابة التي تفسد على الإنسان أدبه وخلقه.

    وقصة موسى مع الخضر عليه السلام من أعظم الأحاديث الواردة في الأدب العلمي، فموسى عليه الصلاة والسلام نبي من أولي العزم من الرسل، وهو من أفاضل الأنبياء جميعاً، وهو بلا شك أفضل من الخضر في العموم، لكن عندما وقف عليه السلام أمام الناس ذكر لهم أنه لا يوجد أحد أعلم منه، فأراد الله عز وجل أن ينبهه إلى هذا الأدب العظيم وهو التواضع، فبين له الله أن عبده الخضر أعلم. فما كان من موسى عليه السلام إلا أن طلب اللحوق به والتعلم على يديه وحرص على ذلك.

    ولهذا ينبغي الحرص دائماً على التعلم والاستفادة، سواء كانت هذه الاستفادة من الأقران أو من الأصحاب أو من أهل العلم، سواء كان قرينك في السن أو أكبر منك أو أصغر؛ ولهذا توجد في كتب أهل العلم رواية الأكابر عن الأصاغر في الحديث، فتجد رجلاً عالماً كبيراً يروي عمن هو أصغر منه، فينبغي على الإنسان دائماً أن يربي نفسه على هذا الخلق.

    1.   

    من آداب طالب العلم التحلي بالقناعة والزهادة

    قال المصنف رحمه الله: [الأمر السادس: القناعة والزهادة:

    التحلي بالقناعة والزهادة، وحقيقة الزهد الزهد في الحرام، والابتعاد عن حماه بالكف عن المشتبهات، وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس].

    هذه حقيقة الزهد، إذاً فالزهد ليس بلبس الثوب الخشن، وليس الزهد بالتقلل من الأكل، وليس الزهد في الظاهر فقط، وإنما أساس الزهد زهد القلب، فإن الإنسان إذا كان قلبه غير معلق بالدنيا فإن هذا من أعظم الزهد.

    وقد مرت على الأمة فترة من الفترات ظن الكثير أن الزهد يتعلق بالظاهر، فإذا لبس الإنسان ثوباً خشناً، أو كان الإنسان بعيداً عن الملابس الغالية أو الأشياء الغالية في بيته أو في أي مكان اعتبروا ذلك من الزهد، وهذا مظهر وليس بأساس في الزهد ولا في حقيقة الزهد، فحقيقة الزهد هو زهد القلب، فإذا زهد القلب في الحرام فإنه يترتب عليه عدم التعلق بالدنيا.

    وقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـعبد الرحمن بن عوف من الأموال ما يفرق بالفئوس، لكنه كان في أيديهم وليس في قلوبهم، ولما توفي طلحة بن عبيد الله كما ذكر الحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء) كان لديه أكثر من ألفي ألف دينار من الذهب، يعني: مليونين، وكان له بستان كبير في الطائف، لكن مع هذا لم تشغلهم هذه الأموال عن الدعوة إلى الله، وعن الإصلاح، وعن تعلم العلم، وعن نشر الخير بين الناس، وعن الجهاد في سبيل الله، فقد كان هؤلاء -وهم تجار الصحابة- في أوائل الصفوف دائماً في الجهاد في سبيل الله.

    وكان عبد الله بن المبارك من تجار العلماء، وكان رحمه الله دائماً يجاهد في سبيل الله، حتى إنه كتب قصيدة مشهورة إلى الفضيل بن عياض يقول فيها:

    يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

    ثم يقول:

    من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب

    فهذا رجل تاجر ومع هذا يشارك في القتال، فاحتمال قتله واحتمال استشهاده كبير، ومع هذا كان بهذه المثابة.

    وهناك كثير من الصالحين في هذا العصر يملكون المليارات من الأموال، ومع هذا خرجوا بأنفسهم وأموالهم يجاهدون في سبيل الله، فهذا هو الزهد الحقيقي، وهو زهد القلب في هذه الدنيا، والشعور بأنها حطام زائل، وأنها ستذهب، ولهذا لا يتعلق بها القلب، وبناءً على هذا سيمتنع عن الحرام، وسيمتنع عن كل ما يغضب الله سبحانه وتعالى.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ويؤثر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: لو أوصى إنسان لأعقل الناس صرف إلى الزهاد].

    أي: لأنهم عرفوا الدنيا على حقيقتها.

    التفريق بين الزهد الحقيقي والزهد الزائف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: قد صنفت كتاباً في البيوع، يعني: الزاهد من يتحرز عن الشبهات والمكروهات في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف ا.هـ

    وعليه فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول ولا يرد مواطن الذلة والهوان].

    ولهذا ينبغي على الإنسان أن يجتهد في أن يكون معتدلاً -كما قال الشيخ- في لباسه، وفي أكله، وفي شربه، فيكون بين الثراء الفاحش الذي لا داعي ولا مبرر له، وبين من يهين نفسه ويحقرها بشكل غير صحيح.

    وأعظم من حاول إفساد هذا المصطلح السني الكبير -وهو الزهد- الصوفية؛ ولهذا فمن طوائف الصوفية طائفة يقال لها: الملامتية، فالملامتية أو الملامية يظهرون أمام الخلق أموراً تشينهم، فقد ينام أحدهم في الزبالة، وقد ينام مع كلب، وقد يظهر بعض الأحيان أموراً تزعج الناس بحجة أنه يريد أن يدفع عن نفسه شبهة الرياء، ولهذا كان أحد كبار الصوفية -كما ترجم له الشعراني في الطبقات- يسمى إبراهيم العريان ، وسموه العريان ؛ لأنه كان يأتي ويخطب الناس عرياناً، وقد وقف في يوم من الأيام على الناس وهو عريان فقال: السلطان ودمياط، وباب اللوق بين الصورين، ويذكر أشياء من هذا القبيل.

    ويروى أنه كان يرى في اليوم الواحد وهو يخطب في أكثر من مكان في نفس الوقت، فقد كانوا يستخدمون السحر في هذا، ويعتبرون هذه كلها من الكرامات، وقد بعضهم يكذب.

    ويحدث واحد من الإخوة أنه زار بلاد الجابون، وأنه كان هناك أحد كبار الصوفية لا يصلي مع الناس الجماعة، ويقول: إنه يصلي كل يوم من رمضان في الحرم، وإنه التقى بموسى عليه السلام في الطواف، وإنه في المسعى التقى بإبراهيم، وإن إمام الحرم أخطأ فما رد عليه أحد إلا هو، فجاءه جبريل من السماء وقال له: إن الله يشكرك على هذا العمل الذي قمت به، وهو أنك رددت على الإمام عندما أخطأ، ويقول: إن الذي ينقله من هناك إلى الحرم هو البراق ينزل به جبريل من السماء!

    فهناك خرافات كثيرة هذا نموذج منها، وقد حطمت كثيراً من مقومات المسلمين وجعلتهم فرصة مناسبة للاستعمار، والكلام عن الصوفية كثير جداً، فقد فهموا من الزهد الزهد الظاهري فقط، بل إنهم دخلت لهم فلسفات الأمم الأخرى مثل الزهد الهندي، فالهنود كانوا يعتمدون في الزهد على رياضات نفسية جاء بها بوذا ، فكانوا يعذبون الجسد حتى يصفوا الروح ويصلوا إلى درجة النيرفانا كما يسمونها، وهي الحياة السعيدة المثالية.

    وأما الزهد عند أهل السنة فهو زهد القلب فيما حرم الله سبحانه وتعالى، ويترتب على هذا في الظاهر أن يزهد الإنسان في المحرمات.

    ومع الأسف أن الصوفية عندما دخلت في حياتهم الأموال، وبقي عندهم شيء من التفكير في الزهد أصبح كثير من الناس يأتي في رمضان فتجد السجدة في وجهه، وتجد معه مسبحة طويلة، وهو في الصف الأول، فتجده يسبح بألوان متعددة من البدع ويكثر من التسبيح وبناته في الدول الغربية يعاقرن الخمر، ويجلسن مع الغربيين، وأولاده كذلك، وأمواله في بنوك الربا يأكل عليها الربا أضعافاً مضاعفة، فانظروا هذا التخبط في فهم الدين، وسببه البعد عن السنة، وتغير المفاهيم الصحيحة.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطي المتوفى في السابع عشر من الشهر الثاني عشر عام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله: لقد جئت من بلاد شنقيط ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو القناعة، ولو أردت المناصب لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم بنيل المآرب الدنوية، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، آمين].

    نكتفي بهذا القدر.

    1.   

    إلزام المبتدعة النفاة بإثبات صفات الله

    بالنسبة للمحور الذي ما زلنا نتحدث فيه هو صفات الله عز وجل وأسمائه، وسبق أن قدمنا بقاعدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وبينا كيف أن أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفات لله عز وجل، وينفون عنها مشابهة المخلوقات، وبينا أن المبتدعة لم يستطيعوا تفهم كيفية الإثبات مع نفي المشابه، وظنوا أن هناك تلازماً أكيداً بين إثبات الصفات ومشابهة المخلوقات، وظنوا أن كل من يثبت الصفات الواردة في النصوص الشرعية لابد أن يعتقد أنها مشابهة للمخلوقات.

    وبينا سابقاً أن هذا لا يلزم، وأن الفارق بين الخالق والمخلوق من الأمور الضرورية في نفس الإنسان، وأنه إذا وصف الله عز وجل بصفات فإن هذه الصفات حتى ولو كان العقل لا يدرك منها إلا الشيء الموجود في الظاهر بالنسبة لديه وهي صفات المخلوقين، فإن هذا لا يعني أن هذا واقع على صفات الله سبحانه وتعالى، ولهذا نجد أن هؤلاء المعطلة يثبتون بعض الصفات، وينفون عنها المشابهة، فنقول لهم: كيف تثبتون هذا البعض؟

    فإذا قلتم: ننفي عنه المشابه، قلنا: وكذلك بقية الصفات نثبتها لله وننفي عنها مشابهة المخلوقات.

    فإن قالوا: لا، إذا أثبتم لزمت المشابهة، قلنا: وكذلك إذا أثبتم صفة العلم والقدرة والإرادة ونحو ذلك لزمت المشابهة.

    قالوا: نحن ننفي مشابهة صفات المخلوق.

    قلنا: وكذلك هنا، فليس هناك فرق بين هذا وذاك، فالجميع صفات لله عز وجل.

    حتى ولو أن المتكلم معنا جهمي ينكر الأسماء والصفات جميعاً، فإنا نقول: هل تعتقد أن الله عز وجل موجود؟

    فإن قال: نعم أعتقد أن الله موجود، فإنه يلزمه أن يقول: وجود الله مختلف عن وجود المخلوق؛ لأن الله عز وجل له صفة تختلف عن صفة المخلوق، فإن قال ذلك، قلنا: إذا كان وجوده غير وجود المخلوق وأنه لا يشبهه، فكذلك ما يتعلق ببقية صفاته، فهي ليست كالمخلوق، وقد تحدثنا عن هذا بشيء من التفصيل والإطالة في المرة الماضية.

    وفي الدروس القادمة إن شاء الله نتحدث عن صفات الله عز وجل بشكل مفصل، فالكلام الأول كان كلاماً إجمالياً، والآن سيكون الكلام كلاماً تفصيلياً بإذن الله تعالى، وقبل أن نتحدث بشكل تفصيلي نبحث هنا مسألة وهي:

    1.   

    صفات الله غير محصورة بعدد معين

    هل يمكن لنا أن نحصر صفات الله سبحانه وتعالى؟ يعني: هل صفات الله عز وجل محصورة بعدد معين؟

    والجواب: ليست صفات الله عز وجل محصورة بعدد معين، فإن القاعدة: أن كل اسم من أسماء الله عز وجل يدل على صفة من الصفات، وهذا هو مقتضى كون أسماء الله عز وجل حسنى، فإن الله عز وجل يقول: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، والحسنى هنا على وزن فعلى، يعني: التي بلغت الغاية في الحسن والكمال والجمال.

    ومن مقتضى كونها بلغت الغاية في الحسن والجمال أن تكون ذات معان ودلالات، فاسم الله عز وجل (الرحمن) يؤخذ منه صفة وهي الرحمة، وكذلك العزيز يؤخذ منه العزة ونحو ذلك.

    وأما الذين يقولون إن أسماء الله محضة لا تدل على صفات، فلا شك أن هؤلاء قد فرغوا هذه الأسماء من معانيها، فحينئذٍ لا يكون لوصفها بالحسن مجال، ويكون وصف الله عز وجل لأسمائه بالحسنى رد ظاهر على المعتزلة الذين يرون أن أسماء الله محضة لا تدل على معان.

    وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن أسماء الله عز وجل غير محصورة في عدد معين، فورد في حديث الدعاء من الحزن: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك.. إلى أن قال: أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهذا هو موطن الشاهد: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، وهذا يدل على أن هناك أسماء لله عز وجل استأثر بها فلم يخبر بها العباد، ولا بد أن تكون هذه الأسماء لها معان وصفات.

    وهل يمكن لنا أن نحصر أسماء الله عز وجل وصفاته الموجودة في النصوص الشرعية؟ نعم يمكن لنا أن نأخذ أسماء الله وصفاته الموجودة في القرآن والموجودة في السنة؛ لأن الآيات القرآنية معلومة ومحددة بالنسبة لدينا، وكذلك السنة النبوية في الجملة.

    1.   

    أقسام الصفات الواردة في الواسطية ولمعة الاعتقاد وحائية ابن أبي داود

    والصفات الموجودة في الكتب الثلاثة التي ندرسها (حائية ابن أبي داود ) و(لمعة الاعتقاد) و(الواسطية) يمكن أن نقسم الكلام عليها إلى قسمين: مسائل كبرى، يعني: مسائل مشهورة وكبيرة وواقع فيها خلاف مشهور، وتحدث عنها مثلاً ابن تيمية في (الواسطية) حديثاً طويلاً، وهذه يمكن أن نحصرها في ثلاثة صفات: صفة الكلام، والرؤية، والعلو والمعية، فهذه الثلاث تحدث عنها ابن تيمية بالذات في (الواسطية) بشكل مطول، ولهذا سنقف معها في درس خاص لوحدها.

    النوع الثاني من الصفات: هي الصفات التفصيلية التي يمكن أن نأخذها من النصوص التي استدل بها هؤلاء العلماء؛ لأن ابن تيمية عندما ذكر قاعدة أهل السنة في الصفات ذكر مجموعة من الآيات في الصفات، وذكر مجموعة من الأحاديث في الصفات، وهكذا فعل ابن قدامة رحمه الله قبله، فذكر مجموعة من الآيات وبعض الأحاديث في صفات الله عز وجل، وكل آية من هذه الآيات مشتملة على مجموعة من الصفات.

    ثم نجد ابن تيمية رحمه الله تحدث عن الثلاث التي سبق أن ذكرناها بشكل مطول، أعني: صفة الكلام، والرؤية، والعلو والمعية، فأطال الحديث عنها؛ لأنها مسائل مشتهرة ووقع فيها الخلاف، واشتهر هذا الخلاف كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى.

    والمسائل التفصيلية يمكن أن نقسمها إلى قسمين: صفات مشتركة بين هذه الكتب جميعاً، وصفات غير مشتركة، وأكثر من بين الصفات تفصيلاً هو ابن تيمية في رحمه الله (الواسطية)، فالأدلة التي ساقها أكثر من الأدلة التي في (لمعة الاعتقاد).

    وأما بالنسبة لـابن أبي داود فإنه اكتفى بالمسائل المشهورة مثل: الكلام والرؤية والعلو والمعية، وأما بقية الصفات فإنه لم يطل فيها؛ لأن نظمه مختصر ومحدود، فالصفات المشتركة بين (اللمعة) و(الواسطية) هي صفة الوجه واليد والنزول والمجيء والإتيان والرضا والمحبة والغضب والسخط والكره والعجب والضحك والاستواء والعلم ونفي المثيل والشبيه، فهذا ما يتعلق بالصفات المشتركة بين الكتابين.

    وأما الصفات غير المشتركة فقد انفردت (لمعة الاعتقاد) بصفة النفس، وأما (الواسطية) فقد انفردت بمجموعة كبيرة من الصفات لم يذكرها ابن قدامة رحمه الله في (لمعة الاعتقاد)؛ لأنه لم يكثر من الأدلة التي في الصفات، فمن ذلك مجموعة كبيرة من الأسماء تزيد عن العشرين، مثل: الأحد، والصمد، والحي، والقيوم، والعلي، والعظيم، والأول، والآخر، والظاهر، والباطن، والعليم، والحكيم، والخبير، والرزاق ذو القوة، والمتين، والسميع، والبصير، والغفور، والودود، والرحمن، والرحيم، والعفو، والقدير.

    وأما بقية الصفات التي ليست موجودة في (اللمعة) فهي مجموعة من الصفات منها: صفة السمع والبصر والمشيئة والإرادة والرحمة والمغفرة والقدرة ونفي الشريك والفرح والرجل والقدم والقرب، والمكر والكيد بأهله، ونفي الولادة، ونفي السنة والنوم، ونفي الإحاطة بعلمه.

    فهذه الصفات ليست كل الصفات الواردة في النصوص، فهناك صفات كثيرة واردة في النصوص لم يذكرها هنا؛ لأنه لم يرد الاستقصاء، فـابن قدامة رحمه الله في (اللمعة) لم يقصد الاستقصاء، وكذلك ابن تيمية رحمه الله في (الواسطية)، وإنما هي عبارة عن أمثلة يمثلون بها على القاعدة الأساسية في هذا الباب العظيم من أبواب الدين.

    والطريقة التي سنستخدمها في استعراض هذه الصفات هو أن نقرأ مجموعة من النصوص ثم نستخرج منها الصفات بصورة مختصرة، ونعلق عليها تعليقاً خفيفاً؛ لأنها طويلة جداً، فنبدأ بالواسطية.

    1.   

    الصفات الإلهية الموجودة في سورة الإخلاص

    يقول شيخ الإسلام رحمه الله: [وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن، حيث يقول: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] ].

    هذه السورة تعدل ثلث القرآن؛ لأنها تتحدث عن التوحيد، والتوحيد هو ثلث القرآن؛ لأن القرآن عبارة عن أحكام، وقصص، وعقائد، والتوحيد هو ثلث موضوعات القرآن، ولهذا اعتبرت ثلث القرآن.

    ويمكن أن نستخرج الصفات ونبين معناها:

    قوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، (الله) اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، والصفة المأخوذة منه هي صفة الألوهية، ومعنى (الألوهية) استحقاق العبادة، يعني: أنه هو المألوه وحده؛ ولهذا قال العلماء في الإله: إن الإله مأخوذ من الوله أو الأله، وهو التعبد، والتأله: هو التعبد، والألوهية هي العبودية؛ ولهذا يقول رؤبة بن العجاج :

    لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تأله

    فالتسبيح والترجيع وصفه وجعله من التأله، والتأله معناه التعبد، فالإله معناه: المعبود، والإله على وزن فعال، بمعنى مفعول؛ لأن فعال يأتي بمعنيين: فاعل ومفعول، يعني: آله ومألوه، وهو هنا بمعنى مألوه، أي: معبود، فهو سبحانه وتعالى المألوه المعبود محبة ورجاء وخوفاً وإنابة ورغبة وخشوعاً وخشية، فهو المستحق وحده سبحانه وتعالى للعبادة.

    إذاً: فالصفة التي نأخذها من (الله) هي صفة الألوهية.

    قوله: (أحد) الصفة التي نأخذها منه الأحدية، يعني: أن الله واحد.

    فهو واحد في ربوبيته: فلا خالق ولا رازق ولا فاعل إلا هو سبحانه وتعالى.

    وواحد في ألوهيته: فلا معبود ولا محبوب ولا مخوف منه خوف التأله إلا هو سبحانه وتعالى.

    وواحد في أسمائه وصفاته: فله الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تليق بأحد سواه سبحانه وتعالى.

    قوله: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2]:

    لفظة (الله) سبق الحديث عنها.

    و(الصمد) اسم من أسماء الله، وقد فسره المفسرون بثلاثة معانٍ:

    المعنى الأول: أن (الصمد) معناه: السيد الكامل في سؤدده.

    والمعنى الثاني: أن (الصمد) بمعنى: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها.

    والمعنى الثالث: هو ما فسره به ابن عباس وعليه جمهور علماء السلف والخلف؛ أن (الصمد) الذي لا جوف له، وهو يدل على معنى الغنى، وكل المخلوقات لها أجواف؛ لأنها تفتقر إلى الأكل والشرب ونحو ذلك مما يسد رمق هذا الجوف، وأما الإله سبحانه وتعالى فهو مصمت لا جوف له سبحانه وتعالى، ومعناه: أنه هو الغني الذي لا يحتاج لأحد، وهو المالك لكل شيء، وهو المعطي لكل شيء سبحانه وتعالى.

    قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3].

    (لم يلد) يعني: ليس له أولاد، (ولم يولد) يعني: ليس له آباء.

    وقوله: (لم يلد ولم يولد) هذه من الصفات السلبية.

    وقد سبق أن بينا أن الصفات تنقسم إلى قسمين: صفات ثبوتية وصفات سلبية.

    والصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: صفات ذاتية وصفات فعلية.

    فالصفات الذاتية: هي الملازمة لله سبحانه وتعالى، وهي ليست متعلقة بمشيئته، وهي لا تنفك عنه بأي وجه من الوجوه، مثل صفة الألوهية، فهو المعبود على كل حال، ومثل صفات: العلم والوجه والقدم والعينين ونحو ذلك من الصفات التي تليق بالله سبحانه وتعالى.

    قوله: (لم يلد) فيه رد على النصارى الذين قالوا: إن عيسى ابن الله.

    وفيه رد على بعض اليهود الذين قالوا: إن عزيراً ابن الله.

    وفيه رد على الفلاسفة الذين قالوا: إن هذا الكون ناتج عن الله عز وجل بدون إرادة ولا مشيئة، وإنه يتضمن كل خصائص الإلهية، وإنه نتج كنتوج الضوء من الشمس، وإن هذا النتوج أو هذا الصدور أو الفيض موجب لا علاقة له بالإرادة بأي وجه من الوجوه.

    ففيه رد على هذه الطوائف، وقد تحدث ابن تيمية رحمه الله في هذه الموضوعات بشكل مطول في أجزاء التفسير الموجودة في الفتاوى في تفسير سورة الإخلاص، فأطال فيها وذكر مسائل بديعة وجميلة جداً، فأنصح الإخوة بمراجعتها.

    وفيه رد أيضاً على المشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون.

    قالوا: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، (الكفو، والكفؤ) هو الند والمثيل والشبيه، وقد نفى الله عز وجل عن نفسه أن يكون له كفؤ سواء فيما يتعلق بربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته، فلا مثيل له أبداً، وهذه أيضاً من الصفات السلبية.

    1.   

    إثبات ما وصف الله به نفسه في آية الكرسي

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما وصف به نفسه في أعظم آية في كتابه، حيث يقول: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]].

    قوله تعالى: [اللَّهُ [البقرة:255]] وهذا سبق أن تحدثنا عنه أنه يتضمن صفة الإله [لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]]، هي شهادة أن لا إله إلا الله، وهي تفسير لمعنى الإله، وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، فلا معبود ولا محبوب إلا هو سبحانه وتعالى.

    وقوله: [الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]]:

    (الحي) اسم من أسماء الله، وهو يتضمن صفة الحياة لله سبحانه وتعالى، وهي من الصفة الذاتية الثابتة له.

    و[(القيوم)] يتضمن صفة القيام على الخلق، فهو سبحانه وتعالى قيوم السموات والأراضين، وهو القائم على هذه المخلوقات، وهو المدبر لها سبحانه وتعالى.

    وقوله: [لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]].

    هذه من الصفات السلبية، فهو لا ينام، (والسنة) معناها: النعاس، فهو لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] لكمال حياته وكمال قيوميته سبحانه وتعالى.

    وقوله: [لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255]]، والصفة الموجودة هنا هي الغنى أو الملك، فهو مالك ما في السموات وما في الأرض؛ لأن اللام هنا في قوله (له) للملكية.

    وقوله: [مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]] والصفة المأخوذة هنا هي صفة الإذن، وهناك فرق بين الإذن والأذن، فالإذن معناه: الإباحة والسماح، يعني: أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإباحته له ذلك وإذنه له.

    وأما الأذن الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أَذَن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن)، فإنه بمعنى الاستماع، يعني: ما استمع لشيء كاستماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن.

    وبعض الناس فهم من هذا الحديث أنه يتضمن إثبات صفة الأُذن لله، وهناك فرق بين الأَذَن والأُذُن، فالأذن لم يرد في النصوص الشرعية وصف الله عز وجل بها، وإنما الوارد في هذا الحديث الأَذَن، ومعناه: الاستماع، وهي صفة فعلية.

    وقوله: [يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255]]، هذه فيها إثبات صفة العلم، وصفة العلم ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي من أبرز الصفات الذاتية، وهي من الصفات التي يمكن الاستدلال عليها عقلاً، فلو أردت أن تثبت صفة العلم لله عز وجل لشخص لا يؤمن بالقرآن فلا تأت وتقول له مثلاً: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255]، فإنه يقول لك: أنا لا أثبت القرآن أصلاً. فتستدل عليه بالمخلوقات، فالمخلوقات الموجودة إن كان يثبت أن الله خالقها فلابد أن يثبت أنه عالم بها؛ لأن الخلق معناه التقدير، والتقدير لابد أن يسبقه علم، ولهذا يقول الله عز وجل: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    ولو أنك جئت لشخص وقلت له بعد أن طبع هذا الكتاب وصفت حروفه، وقلت: إن هذا يجهل ما في هذا الكتاب، أو إنه ليس عنده علم به، فهل يمكن أن يقتنع أحد بكلامك؟ لا يمكن؛ لأن هذا مخالف للعقل، فالعقل يدل على أنّ خالق الشيء ومدبر الشيء لابد أن يكون عالماً به؛ لأن الخلق فرع عن العلم.

    وقوله: [وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255]] وهذا أيضاً فيه إثبات صفة العلم الواسع المحيط بكل شيء، فالله عز وجل وسع علمه كل شيء، وإثبات صفة العلم فيه الرد على الفلاسفة الذين يقولون: إن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها، وقد كفرهم العلماء، وممن كفرهم أبو حامد الغزالي في كتابه (تهافت الفلاسفة)، فإنه كفر الفلاسفة بسبب ثلاث مقالات:

    المقالة الأولى: قولهم بقدم العالم.

    والمقالة الثانية: قولهم بإنكار البعث الجسماني، وقالوا: إن البعث يكون للأرواح فقط ولا يكون للأجسام.

    والمقالة الثالثة: إنكارهم لعلم الله بالجزئيات، وقولهم: بأن الله يعلم الكليات فقط وأما الجزئيات فإنه لا يعلمها.

    وقوله: [وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] (الكرسي) هنا ليس من صفات الله، وإنما هو من مخلوقات الله، فإضافة الكرسي إلى الله في قوله: وسع كرسيه إضافة خلق، فإن الإضافة كما سبق أن شرحناها تنقسم إلى قسمين: إضافة أعيان، وإضافة أوصاف.

    فإضافة الأعيان هي القائمة بذاتها، والأوصاف لا تقوم بذاتها، فإضافة الأعيان إلى الله سبحانه وتعالى إضافة خلق وتشريف، وأما إضافة الأوصاف إلى الله فهي إضافة صفات له سبحانه وتعالى، وإضافة الأعيان إلى الله هو مثل: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله، وعباد الرحمن.. ونحو ذلك، ومن ضمن ذلك (كرسيه).

    والكرسي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، وهذا الأثر المروي عن ابن عباس ورد من قوله ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن، رواه ابن أبي عاصم في (السنة)، وقد حسن إسناده الشيخ الألباني في تخريجه لأحاديث السنة الذي سماه (ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة)، لكن هذا الأثر مع أنه من قول ابن عباس إلا أنه في صفات الله عز وجل، وهذا مما لا مجال للرأي فيه، ولهذا فله حكم الرفع.

    والمرفوع نوعان: المرفوع حقيقة، والمرفوع حكماً.

    فالمرفوع حقيقة هو المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ففيه: قال رسول الله.

    وأما المرفوع حكماً فهو الأثر أو الخبر الذي يذكره بعض الصحابة الذين ليس لهم اشتغال بالإسرائيليات مما لا مجال للاجتهاد فيه، فهذا مرفوع حكماً.

    والكرسي أصغر من العرش الذي استوى عليه الرب سبحانه وتعالى، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الكرسي في العرش كحلقة ألقيت في فلاة) يعني: في صحراء كبيرة، مع أن السموات والأرض أيضاً كسبعة دنانير ألقيت في ترس بالنسبة للكرسي.

    قوله: [وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255]]، هذه من الصفات السلبية، يعني: لا يتعبه؛ وذلك لكمال قوته وكمال قدرته سبحانه وتعالى.

    قوله: [وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] ]، (العلي) اسم من أسماء الله يتضمن صفة العلو، (والعظيم) اسم من أسماء الله يتضمن صفة العظمة، وسيأتي معنا إن شاء الله الحديث عن العلو تفصيلاً.

    1.   

    إثبات الأول والآخر والظاهر والباطن من أسماء الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] ].

    وهذه الآية فيها خمس صفات وخمسة أسماء.

    قوله: (هو الأول) يتضمن صفة الأولية.

    (والآخر) يتضمن صفة الآخرية.

    (والظاهر) يتضمن صفة الظاهرية، وهي الفوقية والعلو.

    (والباطن) يتضمن صفة الباطنية.

    (وهو بكل شيء عليم) يتضمن صفة العلم.

    ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، و(الباطن) هو بمعنى القرب والمعية والعلم بأحوال العباد على التفصيل، والقدرة عليها.

    فهو الأول ليس قبله شيء سبحانه وتعالى، والمخلوقات بعده، وهو الآخر فليس بعده شيء، والمخلوقات أنها حتى ولو كان بعضها خالداً في الجنة إلا أن هذا الخلود لا يتم إلا بتخليد الله عز وجل له، فلا شك أنه سبحانه وتعالى قبل كل شيء وبعد كل شيء.

    قال المصنف: [وقوله سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] ].

    فيه إثبات صفة الحياة لله عز وجل، وقوله: (الذي لا يموت) هذا بيان لها، وقد سبق أن تحدثنا عن صفة الحياة في آية الكرسي.

    1.   

    إثبات صفات العلم والحكمة والخبرة لله تعالى من القرآن

    قال المصنف: [وقوله: وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2] ].

    هذه أسماء لله عز وجل، و(العليم) يتضمن صفة العليم، و(الحكيم) يتضمن صفة الحكمة لله عز وجل.

    قال المصنف: [وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18] ].

    هذه تتضمن صفة الحكمة والخبرة أيضاً.

    قال المصنف: [يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا [سبأ:2] ].

    وهذه فيها إثبات صفة العلم لله عز وجل، وهي من الصفات الذاتية الثابتة له.

    قال المصنف: [وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلا هو [الأنعام:59] ].

    وهذه فيها إثبات صفة العلم أيضاً.

    قال المصنف: [وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] ].

    وهذا يدل على سعة علم الله عز وجل، وأنه لا شيء يمكن أن يكون خارجاً عن علم الله عز وجل، فالله عز وجل عالم بكل شيء على التفصيل.

    قال المصنف: [وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر:11] ].

    وهذه النصوص كلها فيها إثبات صفة العلم، وصفة العلم من أبرز الصفات، وصفة العلم لا ينكرها الأشاعرة، ولا ينكرها المعتزلة، لكن المعتزلة يؤولونها فيقولون: هو عليم، وعلمه هو ذاته، فهم يردون العلم إلى الذات، وبعضهم قد يقول: عليم بلا علم، يعني: ليست هناك صفة اسمها العلم مستقلة عن الذات، لكن يمكن أن تكون الذات عالمة، ولو أنكروا صفة العلم لكفروا، ولهذا كفر السلف أوائل القدرية الذين كانوا يقولون: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العباد إلا بعد وقوعها، وقد انقرضت هذه الطائفة.

    قال المصنف: [لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الطلاق:12] ] فيه إثبات صفة القدرة لله عز وجل.

    قال المصنف: [وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] ] وفيه إثبات صفة العلم، وقوله: (قد أحاط بكل شيء علماً) فيه رد صريح على الفلاسفة الذين قالوا: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.

    قال المصنف: [إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58] ].

    هذه من أسماء الله عز وجل، وهي تتضمن صفات، فالرزاق يتضمن صفة الرزق، و(ذو القوة) من أصرح الصفات، و(ذو القوة) أي: صاحب القوة، أي: صاحب هذه الصفة، و(المتين) اسم من أسماء الله يتضمن صفة المتانة، والمتانة صفة ذاتية لله عز وجل معناها القوة، فالمتين معناه القوي.

    1.   

    الأسئلة

    تفسير الإحاطة وهل يحاط يوم القيامة بوجه الله تعالى

    السؤال: ما هي الإحاطة، وهل يمكن الإحاطة بوجه الله يوم القيامة؟

    الجواب: لا يمكن الإحاطة بالله عز وجل ولا بصفاته ولا بعلمه، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، والإحاطة معناها الإدراك التفصيلي، ولهذا يقول الله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:103]، فنفى الإدراك هنا، وليس هو نفياً للرؤية، فالإدراك معناه: الإحاطة والمعرفة التفصيلية بالمرئي، لكن الرؤية يمكن أن تقع بدون إحاطة، ولهذا أنت ترى السماء ولا تحيط بها؛ لأن السماء كبيرة جداً، إلى درجة أن الإنسان في أي مكان في الأرض يراها، فأنت عندما تنظر إلى السماء وأنت في جدة لست محيطاً بها، فالسماء التي تكون على الأرجنتين لا تدري عنها أنت شيئاً، والسماء التي تكون في العراق لا تدري عنها، والسماء التي تكون في أي بلد من البلدان لم ترها ولم تدرِ عنها، فإذا كان هذا في مخلوق من مخلوقات الله فكيف بصفات الله عز وجل التي هي أعظم من ذلك.

    صفة الرزق ليست هي صفة الغنى

    السؤال: ألا نستطيع أن نقول إن صفة الرزق هي نفسها صفة الغنى؟

    الجواب: لا، الغنى شيء والرزق شيء آخر، فالغنى يتضمن معنى الملك؛ لأن الغني قد يرزق وقد لا يرزق، وقد يعطي وقد لا يعطي، بينما الرزق يتضمن صفة الكرم والعطاء، وهناك بعض أسماء الله عز وجل وبعض صفات الله عز وجل يكون بينها تداخل من حيث المعنى لشمولها، وإن كانت هي منفصلة، ويوصف الله عز وجل بهذه وبهذه.

    جنس العرب أفضل من جنس العجم

    السؤال: هل جنس العرب أفضل من جنس العجم؟ وهل هذا عقيدة أهل السنة والجماعة؟ وهل هذه الأفضلية يتعبد بها الإنسان ويؤجر عليها؟

    الجواب: لا شك أن العرب أفضل من العجم من حيث الجنس لا من حيث الأفراد؛ فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل اختار كنانة من ولد إسماعيل)، وولد إسماعيل هم العرب، فاختار كنانة من ولد إسماعيل حتى وصل الاختيار إلى بني هاشم، ثم اختار النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه خيار من خيار) .

    فهذا الاختيار الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل عن الأفضلية، لكن الأفضلية هنا هي أفضلية الجنس عموماً، وأفضلية الصفات، بينما الأفراد ليست كذلك، فالعرب عموماً أفضل لما فيهم من الأخلاق والآداب والطباع والصفات الجميلة، لكن هذا لا يعني أن كل عربي أفضل من كل عجمي، ولهذا وجد من العلماء ومن السلاطين ومن الصالحين من العجم من هو أفضل بمئات المرات من أشراف مشهورين من العرب.

    وهذه قضية ينبغي التنبه لها، فلو أحصينا العلماء العجم لوجدنا منهم أصحاب الكتب الستة تقريباً، ومن السلاطين العجم الذين كان لهم آثار كبيرة جداً: صلاح الدين الأيوبي فهو من الأكراد، والعثمانيون الأتراك كان لهم أثر كبير، خصوصاً الأوائل منهم الذين نشروا العلم، وإن كان بعضهم قد خالطه شيء من التصوف، لكنهم استطاعوا أن ينشروا الإسلام في أوروبا، وأن يؤثروا تأثيراً كبيراً جداً فيها، ونفع الله عز وجل بهم، ولهذا ينبغي الانتباه لهذه القضية، فلا شك أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، لكن الأفراد كلٌ بحسبه، كما قال الله عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

    وينبغي إدراك قضية أن أفضلية الجنس ليس مرجحاً للإنسان يوم القيامة بأنه يكون أفضل من غيره، لكن الهدف من الحديث عن فضيلة جنس العرب الرد على الشعوبيين، فقد ظهرت حركة قومية عند العرب يطالبون بالوحدة العربية مع اختلاف الأديان ومع اختلاف المذاهب ونحو ذلك، ويواجهون العجم حتى ولو كانوا مسلمين، وظهرت أيضاً في العجم حركة شعوبية تجتمع حول العجم، وتكره العرب وتبغضهم، فهذه كلها من عادات الجاهلية ومن أفكار الجاهلية التي يجب البعد عنها.

    حكم عمالة بعض الحكومات الإسلامية مع الكفار

    السؤال: ورد في حديث الذبابة: بأن رجلاً دخل الجنة في ذبابة، ورجلاً دخل النار في ذبابة، والمعنى الظاهر من الحديث: أنه من قرب شيئاً لغير الله ولو ذبابة دخل النار، فكيف بمن قرب إلى غير الله قربات كثيرة وليس قرباناً واحداً، ما هو حكم من قرب إلى الكفار فلذة أكباده من المجاهدين، وما زال العدو الكافر يريد المزيد؟

    الجواب: ليس هناك ارتباط، فالتقريب في الحديث هو الذبح، والعمالة التي تحصل عند بعض الحكومات الإسلامية في التعاون مع الكفار ضد المسلمين هذه قضية أخرى، فتبحث في مسألة الموالاة والمعاداة.

    وأما حديث الذبابة فهو من حيث الصنعة الحديثية فيه ضعف وانقطاع، فإن طارق بن شهاب ليس من الصحابة وإنما هو من التابعين، والحديث على هذا يكون حديثاً ضعيفاً، وأما ما يتعلق بمعاونة الكفار على المسلمين فلا شك أن هذا مذموم، وهو من أعظم نواقض الإسلام والعياذ بالله.

    حكم من أعان الكافر على قتل المسلم

    السؤال: هل يرتد المسلم إذا أعان كافراً على قتل مسلم أو أسره؟

    الجواب: لا شك أن من نواقض الإسلام إعانة الكفار على المسلمين، فإعانة الكفار على المسلمين من الردة، وقد تحدث عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مظاهرة الكفار على المسلمين، وهي مشهورة تعتبر من الكفر بالله.

    لكن ينبغي إدراك أنه ليس كل من يعين الكفار على المسلمين يكون كافراً، فقد يكون مضطراً، فبعض الأحيان لا يكون أمامه إلا هذا الخيار مثلاً، وقد يكون متأولاً، فهناك عدة أعذار يمكن أن تحصل؛ ولهذا ليس هناك تلازم بين كفر الفعل وبين كفر الفاعل، علماً أنه إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع فإنه يكفر، وكثير من الناس مع الأسف لوجود انحراف في حياة المسلمين ووقوع كفريات كثيرة: سواء من عدد من الحكومات أو عدد من الأفراد، وجد توسع في مجال التكفير، فأصبح كثير من الناس عنده أن كل من ارتكب الكفر فهو كافر، فهذا لا يلزم، فقد يرتكب بعض الناس الكفر ويساعد الكفار على المسلمين بنوع من أنواع المساعدة لتأول عنده، كما فعل حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب رسالة إلى أهل مكة يخبرهم فيها بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وهذا فيه إعانة للكفار، لكنه عندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم بيّن العذر الذي عنده، فقال: إن لأصحابك أقواماً في مكة يحمون أموالهم وبيوتهم ودورهم وليس لي أحد، فأردت أن يكون لي بها -يعني: بهذه الرسالة- يد عندهم، أي: بحيث إنهم يحمون ما يتعلق بأملاكه في مكة، فمع أن الفعل نفسه كفر إلا أن حاطباً لم يكن كذلك.

    فينبغي إدراك هذه القاعدة، وهي قاعدة من أهم القواعد!

    علماً أن مسائل التكفير فيما يتعلق بالأمور العامة لا يصح أن تكون فردية بالنسبة للأشخاص، خصوصاً الأشخاص الذين يرتبون عليها أعمالاً جهادية، أو أعمالاً -مثلاً- دعوية، أو فتاوى فقهية، فينبغي أن تكون هذه من الأمور التي يتشاور فيها أهل العلم، ويكون رأيهم فيها ظاهراً وواضحاً، حتى لو كان بعض أهل العلم قد لا يستطيع أن يصرح برأيه كاملاً لكن أهل العلم لا يمكن أن يجمعوا على قول باطل وفاسد كما قد يتصور البعض، فينبغي إدراك هذه القضية إدراكاً جيداً.

    نصيحة في كيفية التعامل مع الفتن التي تمر بالأمة الإسلامية

    السؤال: لا يخفى ما يمر به العالم الإسلامي في هذا الزمان الذي تكالب فيه أعداء الإسلام، فما توجيهكم لنا في مقابل هذه الفتن؟ وما هي الطريقة الصحيحة في التعامل مع ما يعرف بشبكة المعلومات من الأخبار؟

    الجواب: أما بالنسبة لما يتعرض له العالم الإسلامي فلا شك أن السنوات الأخيرة حصلت فيها فتن عظيمة في حياة المسلمين وكبيرة، فينبغي في التعامل مع هذه الفتن عدة أمور:

    الأمر الأول: الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله على فهم السلف، والعناية بطلب العلم وإدراك العلم إدراكاً صحيحاً.

    الأمر الثاني: الالتفاف حول أهل العلم، وأن يحرص الإنسان على استفتاء العلماء، وأن يبتعد عن الاجتهاد الفردي، فإن الاجتهاد الفردي يضر به ويضر بالآخرين، فينبغي أن يحرص على أنه إذا مر عليه إشكال في فتنة أن يأتي إلى أهل العلم ويستفتيهم.

    ومن أعظم الأخطاء في الحقيقة: وجود بعض الدعاة أو بعض الصالحين الذين يقعون في أعراض أهل العلم، فيتهمون بعضهم بالعمالة، ويتهمون بعضهم بالنفاق، وقد يلعنونهم، وقد يسبونهم ويشتمونهم، وهذا كله -والعياذ بالله- من الغلو ومن الإثم، فينبغي البعد عن هذا الأمر، وأن يحرص الإنسان على احترام أهل العلم وتقديرهم، والحرص على الاجتماع معهم.

    وهذا لا يعني أنه إذا أخطأ عالم من العلماء أن يتبعه الإنسان في خطئه، فإذا أخطأ عالم من العلماء فلست ملزماً باتباعه في خطئه، لكن هناك فرق بين أن يرد عليه ولا يتبع، وبين السب والشتم وقلة الأدب مع أهل العلم، لا شك أن هذا مذموم، وأنه ينبغي على الإنسان أن يحرص دائماً على احترام أهل العلم وتقديرهم حتى ولو وقع بعضهم في شيء من الخطأ وشيء من الزلل، فهذا خلق مهم ينبغي أن يكون عند الإنسان خصوصاً مع أهل العلم وأهل الفضل.

    الأمر الثالث: أن أحداث الفتن العامة هذه ينبغي أن تكون شورى بين الدعاة والمصلحين عموماً، وأن يبتعد الأشخاص عن الأعمال الفردية التي لا يكون لها فائدة في كثير من الأحيان.

    الأمر الرابع: أن يبتعد الإنسان عن الأفكار الشاذة والأفكار التي تكون فيها شيء من الغلو، فليس كل حماس ولا كل موقف شديد يكون صالحاً.

    وكثير من الناس مع الأسف يتصور أن بعض الدعاة -مثلاً- ليس لهم موقف، أو أن بعض العلماء ليس لهم موقف قوي من الحكومات، فيفهم من هذا أنهم ليسوا على المستوى المطلوب! وهذا خطأ، فليس قوة الموقف هو المعيار على صحة هذا الموقف أو عدم صحته، فينبغي إدراك هذه القضية إدراكاً جيداً، والمهم في هذا هو أن يحرص الإنسان على اتباع السنة وعلى الحذر من الوقوع في البدع، وعلى البعد عن المتشابهات، فإذا كان عندك أمران: أمر واضح بَيّن وأمر مشتبه فرد المشتبه إلى الواضح البين، وإياك والمتشابهات؛ فإن المتشابهات كثيراً ما تهلك الناس!

    وأما ما يتعلق بالمعلومات التي تعرض في الإنترنت أو غيرها، فالإنترنت هي عبارة عن حياة مفتوحة يوجد فيها الكذاب، ويوجد فيها الخبيث، ويوجد فيها السيئ، ويوجد فيها أصحاب العقول المستقيمة، ويوجد فيها أصحاب العقول المخرفة والمنحرفة والضالة، ويوجد العاقل والمجنون، وتشمل جميع فئات وأطياف الناس، فينبغي للإنسان أن يكون حذراً وألا يقبل كل شيء، فهناك مواقع مثلاً قد تكون مفيدة لبعض العلماء أو بعض الصالحين المعروفين، فتحترم نفسها وتحسن للناس بتقديم مادة علمية مفيدة، وهناك منتديات يكتبها أشخاص بأسماء وهمية مستعارة لا تعرف، فقد يكتب -كما قلت لكم- شخص نصراني متقمصاً شخصية داعية مجاهد من أحسن الناس، ثم يكتب عن أمور فيها انحراف وخطورة على عقيدة الإنسان، وفي بعض الأحيان قد لا تكون واضحة، ما دام أن الأسماء مجهولة ومستعارة غير معروفة فيصبح بريق الألفاظ وحسن العبارة وتنميق الكلام هو المؤثر في النفس، وأنت ينبغي عليك أن تبتعد عن مثل هذه المصادر، فهذه ليست مصادر موثوقة سواء في الأخبار، أو حتى في بناء المواقف وبناء الأفكار والعقائد، فينبغي الحذر من هذه القضية!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756684113