إسلام ويب

شروط الأضحيةللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأضحية من السنن التي رغب فيها الشرع وحث عليها، فجدير بمن وسع الله عليه أن يتقرب إلى الله بهذا النسك، ولابد أن يعلم أن للأضحية شروطاً قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي مراعاتها حتى يقبل هذا النسك.

    1.   

    فضيلة الأشهر الحرم

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:

    فإن أشهر الحرم قال الله سبحانه وتعالى فيها: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36] ، والأشهر الحرم فسرها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر الله المحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) ، فلا ينبغي أن نظلم في هذه الأشهر أنفسنا؛ فإن الإثم فيها أعظم من الإثم في غيرها، والذنب في هذه الأيام أعظم من الذنب في غيرها، دل على ذلك قوله تعالى في الآية السالفة الذكر، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه في مكة يوم النحر: (أتدرون أي شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم -مع معرفتهم بالشهر- قال: أليس بذي الحجة؟ أليس بالشهر الحرام؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: أي بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليست البلدة؟ قالوا: بلى قال: أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس بيوم النحر؟ قالوا: بلى، فقال عليه الصلاة والسلام: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذه، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ فرب مبلغ أوعى من سامع)وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)

    فلهذه الأشهر حرمة، فجدير بكل مسلم أن يحافظ على لسانه الذي طالما جال في الأعراض، وليحافظ على يده التي طالما امتدت إلى المآثم، وليحافظ على بصره الذي ذهب يمنة ويسرة طول العام، فليحافظ الشخص على سمعه، وعلى بصره، وعلى يديه ورجليه، وعلى قلبه في هذه الأشهر، فالذنب فيها أكبر والإثم فيها أعظم، وليحرص على عمل الخير من صدقة وصلة وبر وعيادة للمرضى وصيام وصلاة، إلى غير ذلك من أنواع البر في هذه الأيام، فالأجور فيها أعظم، كما أن الآثام فيها أعظم، فجدير بكل مسلم ألا يحرم نفسه من الخير في هذه الأيام.

    1.   

    الأضحية وشروطها

    في شهر ذي الحجة يكون الناس على مشارف يوم النحر الذي تجهز الأضاحي له، فجدير بكل من وسع الله عليه أن يبدأ في تجهيز أضحيته التي يقدر عليها، لكن بالشروط التي بينها رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم -أي: إذا أعسر عليكم- فاذبحوا جذعة من الضأن)، والحديث في صحيح مسلم، وإن كان بعض المعاصرين انتقدوه بما لا وجه له.

    والمسنة: هي الثني من كل شيء، فهي الثني من المعز، والثني من البقر، والثني من الإبل.

    أما الثني من المعز أو من الضأن فما بلغ سنة ودخل في الثانية.

    وأما الثني من البقر فما أتم سنتين ودخل في الثالثة.

    وأما الثني من الإبل فما بلغ خمس سنوات ودخل في السنة السادسة.

    وأما الجذع من الضأن الذي رخص فيه رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام لمن لم يجد المسنة فمن العلماء من قيده بسنة، ومنهم من قال: ستة أشهر فما زاد.

    فعلى ذلك لا يجوز لك أن تذبح بقرة أو ثوراً أضحيته وهو دون العامين، ولا يجوز لك أن تذبح جملاً دون خمس سنوات أضحية لك، ولا يجوز لك أن تذبح من المعز ما عمره أقل من السنة، فإنك إن فعلت فطعامك لحم وليس من النسك في شيء، إنما النسك أن يكون على ما وصف رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (لا تذبحوا إلا مسنة)، وكما أسلفنا فالمسنة: هي الثني من كل شيء، فهذا قول محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.

    ويجب أن تتقى العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعيوب المشهورة الكبيرة التي يطبق الناس على أنها عيب، والكبيرة التي لا تنقي. أي: ضعيفة.

    فضيلة الأضحية

    قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، فكما أن الصلاة يتقرب العبد بها إلى ربه فكذلك النحر يتقرب به العبد إلى ربه، فإذا اشتريت لحماً وأكلت لحماً في هذا اليوم فلحمك إنما هو طعام ليس من النسك في شيء.

    ولذلك إذا جاء شخص يستفتي ويسأل ويقول: هل لي أن أشتري لحماً إن كان هذا اللحم الذي سأشتريه أكثر وأعظم من لحم الشاة التي تذبح عقيقة أو ستذبح أضحية نقول له: لحمك إنما هو طعام ليس لك فيه شيء إلا أجر الإطعام، وليس لك فيه أجر القربة إلى الله، فالذبح في حد ذاته قربه يتقرب بها العبد إلى ربه، وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163]فالنسك هو الذبح على رأي جمهور أهل العلم، فيجب أن يكون الاستهلال لله، فإذا أهللت لله تثاب، كما أن الذي يهل لغير الله سبحانه وتعالى يأثم، فذات الذبح والتقرب به إلى الله فيه أجر، أما شراء اللحم فليس فيه كبير أجر، ولذلك ينصح إخواننا الذين لم يوسع الله سبحانه عليهم، والذين قدر الله عليهم في أرزاقهم أن يشتركوا سبعة في بقرة فيقتسمونها، فلهم في ذلك أجر أفضل من أجر الشراء من الجزار، فهذا هدي نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

    وجدير بنا أن نلفت النظر أيضاً إلى سنة أخرى لمن لم يوفقوا للحج، ولمن لم يستطيعوا الحج وحيل بينهم وبينه وثم أقارب أو جيران لهم سيحجون، وهذه سنة هجرت وأغفلت، وقد كان رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك عندما كان لا يحج، فقد حيل بينه وبين الحج عليه الصلاة والسلام فقلد بدنه وأرسل هديه كي يذبح بمكة، فهذه سنة غفل عنها الناس، ألا وهي أن من لم يستطع الذهاب إلى الحج فله أن يعطي رجلاً يذبح عنه هدياً في مكة، وذلك لأن سوق الهدي الآن من المشقة بمكان، فتجوز حينئذٍ الوكالة فيه، فيجوز لرجل يريد التقرب إلى الله أن يعطي جاراً له من الحجيج ما يهدي به عنه، أو يوكله في الشراء والذبح عنه بمنى أو بمكة فكل فجاج منى ومكة منحر كما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، فهذه سنة خفيت على كثيرين، ولا نكاد نرى من يفعلها إلا غبرات من النساء كبيرات السن اللواتي يرسلن ببعض الحبوب لحمام الحرم بزعمهن أن في هذا قربة إلى الله، ولهن ما نوين، لكن السنة في ذلك إرسال الهدي، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام في زمنه -إذا كان ذلك ميسراً- يشعر البدن ويقلد الهدي ويرسله مع الزائرين إلى مكة.

    ثم ليطلب المحروم من الحج من ربه سبحانه أن يكتب له ثواب هذا الحج، فالأعمال إن لم تنل بالأبدان تنال بالنيات، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا شاركوكم الأجر، حبسهم العذر)، وقد قال الشاعر:

    يا قاصدين إلى البيت الحرام لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا

    إلى أن قال: فمن سار بروحه فقد راحا

    فتمنوا من ربكم أن يكتب لكم الأجور بكونكم حيل بينكم وبين ذلك، وقد قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)

    اللهم يا ربنا يا سميع الدعاء: احشرنا مع نبينا محمد سيد ولد آدم في أعلى جنة الخلد التي أعدت للمتقين، وارزقنا أخلاقاً كأخلاق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، واجعلنا يا ربنا في عداد المحسنين السابقين إلى الخيرات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756323834