وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، دعا إلى الحق، وهدى إلى الخير، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
أيها الإخوة! خطبة اليوم خطبة طويلة بعض الشيء، وأعتذر إليكم ابتداءً؛ ولكنني أعود في هذه الخطبة -وسأعود بكم مراراً وتكراراً إن شاء الله- إلى الحديث الذي لا مفر منه، وإلى الموضوع الذي لا غنى عنه، إلى حديث العلاقة الحميمة العميقة الجذور، البعيدة الآماد، إلى حديث الحياة الزوجية مرة أخرى، وما ذاك إلا لأجل البحث عن حلول ومخارج لما يقع في حياة الناس اليوم من خلاف وشحناء وبغضاء بين مَن جعلهما الله لباساً لبعضهما: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187].
أيها الإخوة: بعض مَن تزوج في هذه الصيف طَلَّق ولم يكن سيئاً، ولم تكن الزوجة سيئة؛ ولكن انعدام الفهم للحياة الزوجية هو السبب الأول والرئيس، والذين طَلَّقوا لم يكونوا شخصاً أو اثنين أو ثلاثة، بل أكثر من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله!
أيها الإخوة: إن أكبر خطأ نرتكبه في حياتنا اليوم هو أننا نعامل نساء اليوم كما كان آباء الأمس يعاملون نساءهم.
إن المرأة اليوم تختلف عن مرأة الأمس، فهي اليوم تواجه موجات من الثقافات والآراء، إنها اليوم تشاهد وتقرأ وتسمع وترى ما لم يُرَ مِن قبل، وهي في أمَسِّ الحاجة اليوم إلى الإقناع والحجة، كما هي في نفس الوقت بحاجة إلى الحب والعطف والتقدير.
وتعالوا لأسأل نفسي وإياكم أيها الإخوة الكرام:
مَن منا يدخل بيته مسلِّماً تعلو الابتسامة وجهه؟!
مَن منا يُبْدِي إعجابه بما عملته زوجته أثناء غيابه من تنظيم، أو ترتيب، أو أكل، أو شرب؟!
مَن منا تخرجُ منه عبارات الثناء واللطف والتقدير؟!
مَن منا يجلس مع زوجته ليحدثها ويشاركها في همومه، ويطلب منها رأيها ويثني عليه، حتى ولو لم يكن رأيُها بذلك الرأي؟!
مَن منا ينتزع نفسه من سهراته وجلساته ليسهر مع الزوجة والأولاد؟!
مَن منا يخصص يوماً ليخرج فيه مع زوجته ليغيِّر من جو المنزل ورتابة الحياة؟!
مَن منا يشتري الهدية المقبولة بين فترة وأخرى ويفاجئ بها الزوجة، ويقدمها لها معبراً عن حبه وتقديره وارتباطه بها؟!
مَن منا يستعد للتنازل عن رأيه في مقابل رأي زوجته الذي لن يضره أبداً أن يأخذ به أحياناً؟
مَن منا يغير الموضوع الذي يحتدم حوله النقاش إلى وقت آخر، ويدخل إلى موضوع آخر بعيداً عن كل مسببات الخصام والبغضاء؟!
مَن منا يلتمس حاجات الزوجة ومطالبها، ويسعى جاهداً لتحقيقها مؤكداً بذلك على اهتمامه بخصوصياتها، وحرصه على تحقيق طلباتها؟!
مَن منا يقدر أهل زوجته، ويُحسن إليهم امتداداً لتقدير الزوجة ومراعاةًَ لشعورها؟!
مَن منا يتغاضى عن العيوب والزلات، وينبِّه عليها بطريقة حكيمة وغير مباشرة؟!
مَن منا يساعد زوجته في شئون منزله تخفيفاً عليها ورحمةً بها؟!
مَن منا يفعل ..؟! ومَن منا يفعل ..؟! ومَن منا .. ؟! ومَن منا ..؟!
أين المنهج الشرعي في التعامل مع المرأة؟
إننا لا نسمع عن شيء من ذلك حتى في قصص المتيمين وأصحاب الهوى في هذا الزمان!
قيل: بلى.
قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقَلَبَ فوَضَعَ رداءه، وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، ثم لَمْ يلبث إلا ريثما أني قد رقدتُ، فأخذ رداءه رويداً، وانتعل رويداً، وفتح الباب فخرج، ثم أجافه رويداً، قالت: فجعلتُ درعي في رأسي، واختمرتُ وتقنعتُ بإزاري، ثم انطلقتُ على إثره حتى جاء البقيع فأقام، ثم أطال القيام، ثم لم يلبث أن رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفتُ، فأسرع فأسرعتُ، فهرول فهرولتُ، فأحضر فأحضرتُ -أي: فعدَى فعدوتُ- فسبقتُه فدخلتُ، فليس إلا أن اضطجعتُ فدخل فقال: ما لك يا عائش ؟ -لأنها رابَتْه في ارتفاع نَفَسها وفي توترها-.
قلت: لا شيء.
قال: لَتُخْبِرِنِّي أو لَيُخْبِرَنِّي اللطيفُ الخبير.
قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي. فأخبرتُه الخبر.
قال: فأنت السواد الذي رأيته أمامي؟
قلت: نعم. قالت: فلهدني -أي: ضربني في صدري- لَهْدَةً خفيفة، ثم قال: أظننتِ يا عائشة أن يحيف الله عليك ورسوله؟
فقلت: مهما يكتم الناس يعلمه الله..
) إلى آخر الحديث.هكذا أيها الإخوة تحدِّث أم المؤمنين رضي الله عنها بموقف من مواقفها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ليلة من الليالي حين رأته يستعد للخروج، فانتابتها الشكوك، وأخذتها الغيرة حتى وجدت في نفسها أن تلبس لباسها، وتلحق به في محاولة لاستكشاف وجهته عليه الصلاة والسلام، ولم يزد النبي عليه الصلاة والسلام على أن ضربها ضربة خفيفة معاتباً لها على غَيرتها تلك التي لم تكن في مكانها.
ومع ذلك -أيها الإخوة الكرام!- لم يكن ذلك الموقف من أم المؤمنين رضي الله عنها، هو الموقف الأول، بل لقد حدَّثت رضي الله عنها فقالت: (افتقدتُ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننتُ أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسستُ ثم رجعتُ، فإذا هو راكع وساجد يقول: سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت، فقلت: -أي:
كل ذلك -أيها الإخوة- لم يخرج بالنبي صلى الله عليه وسلم عن الحق وحسن العشرة، والتلطف مع أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها في مراعاةٍ لمشاعرها، إلى الدرجة التي يقف فيها المرء مبهوراً مذهولاً من سعة صدره صلى الله عليه وسلم!
وإليكم هذا الموقف الآخر الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم عند
وإني لأتصور هذا الموقف نفسَه يتكرر في بيت أحد الناس في مثل هذا الزمان، وأخشى أن أقول -أيها الإخوة- إن هذا الموقف ربما يكون سبباً في وقوع كارثة أو عاصفة أو إعصار لا يُبقي ولا يذر، ولا ينتهي حتى يُخلِّف الحطام والخراب.
بل إن الأمر يصل إلى الحد الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وخياركم خياركم لأهله) وإلى حد قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً، وألطفهم بأهله) بل إنه قال رداً على سؤال بعض أصحابه: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبِّح، ولا يهجُر إلا في البيت) وواضحٌ غايةَ الوضوح من هذا الحديث النهيُ الواضح عن الضرب والتقبيح والإهانة، فإنها ليست من المروءة بمكان أبداً، ولن يضرب المرأةَ إلا اللئيمُ العاجز، يقول صلى الله عليه وسلم: (ولن يَضرب خيارُكم) أي: لن يجرؤ أحدٌ على أن يضرب المرأة وفيه خير أبداً، إلا إذا نشزت المرأة فإنها توعظ بالحكمة والحسنى، فإن أصرت هُجِرت في الفراش، فإن لم ترتدع تُضرَب ضرباً غير مبرح، أي: غير مؤلم أو ضار؛ لأن القصد هو الإصلاح لا الإيذاء، ولا الإضرار، ولا الإساءة، ولا الانتقام، ولا الاستعراض لعضلات الرجل أمام المرأة المسكينة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لن يَضرب خيارُكم) فخذوا هذا الحديث أو دعوه.
أما ضرب الوجه أو الرأس أو استخدام العصا وكل قريب من اليد فذلك هو التوحش والعنف، وهو أيضاً من الهمجية والجهالة والرعونة، وإني لأعجب ممن يدعي لنفسه الرجولة ثم يدخل بيته ساخطاً لاعناً فاحشاً ضارباً منكِّلاً بكل مَن في البيت!
إن الحديث -أيها الإخوة!- ينهى عن التقبيح، حتى عن التحقير والإساءة وجرح المشاعر، فما بالكم بمن يمد يده ويضرب ويدمي ويوجع ولا حول ولا قوة إلا بالله!
وحين دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وجدها تبكي، فسألها: (ما يبكيك؟ قالت: قالت لي فقال عليه الصلاة والسلام -في لمسة عاطفية وإنسانية رائعة راقية-: إنك لابنة نبي -أي: موسى بن عمران عليه السلام- وإن عمك نبي -أي: هارون عليه السلام- وإنك لَتَحْتَ نبي -أي: زوجة نبي- ففيمَ تفخر عليك حفصة ؟!
ويزيد عليه الصلاة والسلام الصورة وضوحاً وإشراقاً وروعةً أنه لم ينسَ الملاطفة والملاعبة والدقائق الصغيرة، فمن المواقف التي لا تفوت على مثله عليه الصلاة والسلام قول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله للنبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على المكان الذي شربتُ منه، وأتعرَّق العرق -أي: العظم الذي فيه بقية من لحم- وأنا حائض، ثم أناوله للنبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه على الموضع الذي كان فمي عليه) هل سمعتم أن أحداً من العاشقين عبر التاريخ فعل ذلك؟!
هل سمعتم عن مثل هذه الملاطفة، وهذا التودد الذي وصل إليه سيد ولد آدم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟!
أي روعة يضربها لنا من خلال هذا الموقف وغيرِه من المواقف؟!
تقول عائشة رضي الله عنها: (كنت ألعب بالبنات -أي: دُمَى العرائس- عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صغيرة، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل يتقنعن منه -أي: يدخلن وراء الستار- فإذا رأى ذلك أرسلهن إليَّ فيلعبن معي).
وثبت أيضاً عنها رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أصحابه بالتقدم، فتقدموا، فجاء إليَّ فطلب مني أن أسابقه، قالت: فسبقتُه، قالت رضي الله عنها: فسكتَ عني دهراً، حتى إذا كنتُ معه في سفر آخر، وحَمَلتُ اللحم -أي: بدنتُ- ونسيتُ الذي كان، وخرجت معه مرة أخرى قال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي لأسابقك. فقلت: يا رسول الله! كيف أسابقك وأنا على هذه الحال. فقال: لَتَفْعَلِنَّ. قالت: فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك السبقة
وجلس يوماً عليه الصلاة والسلام مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال لها ممازحاً: (والله إني لأعلم رضاك من غضبك. فقالت: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن كنتِ راضية قلتِ: لا ورب محمد، وإن كنتِ غاضبة قلتِ: لا ورب إبراهيم. قالت: نعم. بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا أهجر إلا اسمك
إنني أريد أن أقول: إن المرأة ستظل في النهاية امتداداً لشخصية الرجل، وتصرفات الرجل، ولا بد من اليقين بأن المرأة ستظل امرأة، وأن المبالغة في تقويم المرأة قد يؤدي إلى كسرها الذي هو الطلاق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (استوصوا بالنساء خيراً).
أيها الإخوة! أؤكد على أمر مهم يغفل عنه كثير من الأزواج: البيت الذي هو مملكة الزوجة لا بد أن يُترك لها، وأن تدير مملكتها كما تريد، ما دام أن الأمر لا يخرج إلى محرم أو محظور، دعها -أيها الزوج- تجدد وتغير وتبدل، وقابل ذلك بالثناء والشكر والتقدير، بل والمساعدة في ذلك، حتى ولو لم يعجبك ما تفعل، فتستطيع بما بينك وبينها من المودة أن تغير ما تشاء، وبالأسلوب المناسب والأمثل وفي الوقت المناسب.
أمر آخر: بعض الكلمات والعبارات والتصرفات قد تكون سبباً في تمتين عُرَا البيت، وزيادة الألفة والمحبة بين الزوجين، كتبادل المشاعر، والتأكيد على الحب بين فينة وأخرى، وكتبادل الهدايا.
وبعضها قد يكون سبباً في هدم البيوت وتوهين عراها، كالسخرية من شكل الزوجة أو من لبسها، أو من بعض ما تقوم به في البيت.
فاتقوا الله في النساء، وأحسنوا التعامل معهن!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
أيها الإخوة: الجدال بالتي هي أحسن، والحوار مع الزوجة بالطريقة المثلى أمر مهم وضروري، فمما لا شك فيه أن الحوار والجدال يَحدث بين الزوجين؛ ولكن بطرق مختلفة وأساليب متعددة، والأسلوب الأمثل هو الحوار الهادئ، والنقاش العاقل، مع التحلي بالصبر ورحابة الصدر، والتنازل عن بعض ما يمكن التنازل عنه كسباً لودها، وجلباً لتقديرها، وجبراً لخاطرها، فالمرأة تحب أن يسمع لها زوجها كما تسمع له، وتحب أن تنقل له وجهة نظرها ليعيش مع أفكارَها وخواطرَها، فكم من حوار هادئ أزال شحناء وبغضاء كانت توغِرُ الصدر وتجلب الهم! وكم أبْعَدَ مِن جفاء كان يذكي العداء، ويؤجج البغضاء! وكم أزال مِن سوء فَهمٍ وظنٍ كان يفسد الوُد، وينغِّص الحياة! وكم أعاد من ابتسامة كانت غائبة زمناً طويلاً عن بيت يمتلئ بالحياة! وكم أعاد الحياة والسعادة والسَّكَن والأُنْس!
فلماذا لا نجرب أيها الإخوة؟!
لماذا لا نعطي لنسائنا قيمة كما نعطيها للآخرين في خارج المنزل؟!
لماذا لا نبلغ أعلى الدرجات في كمال الخُلُق مع أهلينا بدلاً من أن تكون أخلاقنا الخيرة في خارج المنزل؟!
إن جلسة واحدة في منزل أو في مكان هادئ كفيلة بأن تزيل كل أسباب الخلاف.
إن بيننا وبين الحياة الكريمة السعيدة في منازلنا خطوات تبدأ بالتنازل والتواضع، والإيمان بأهمية الحوار في الحياة الزوجية.
وللتأكيد على ذلك فقد نشرت بعض المراكز المتخصصة في إحدى الدول العربية، دراسة أُجريت لمعرفة أسباب الطلاق، فوَجَدَت أن السبب الأول وبنسبة (30 %) يعود إلى انعدام الحوار بين الزوجين.
وأجريت دراسةٌ عالمية في إحدى عشرة دولة فوُجِد أن السبب الأول للطلاق يعود إلى انعدام الحوار؛ وذلك بنسبة (92 %).
فأقول: ذلك فضل الله أولاً وآخراً على من يشاء من عباده، ولكن لو جربنا هذا الأسلوب مرة واحدة أو اثنتين أو ثلاث سنجد أن حياتنا ستتطور إلى الأحسن والأكمل، وستسري فيها روح أخرى جديدة تكسبها حيوية، وتزيدها قوةً وتماسكاً.
ثم أيها الإخوة: ما يدريكم أن في نفوس الزوجات ما فيها، وأنها لسبب أو لآخر تكتم بعض معاناتها في نفسها، ولم تجد الفرصة لتخرجها إلى الزوج، ولربما كانت المرأة بحاجة إلى كلمة الزوج يشعرها فيها بأنه حريص على سماع ما عندها لكي يشاركها همومها وآلامها؟!
أقول: لربما تكون المفاجأة التي لا يمكن أن يتوقعها الرجل حين تفيض الزوجة بما في نفسها من آلام وآمال، وأحداث وأشجان.
أليس هذا أفضل من أن تتحدث بما يدور بينكما هنا أو هناك فتنشر أحوالكما، وتبث أخباركما، وتهتك ستر بيتكما بين الناس؟!
أما الأمر الذي أود أن أنبه عليه أخيراً: فهو: أن بعض الأزواج يعاملون زوجاتهم كما يعاملون الرجال، متناسين أن المرأة ليست كالرجل، وأن خصائص المرأة من الناحية النفسية والطبية تُبَيِّنُ بوضوح أن المرأة تختلف عن الرجل اختلافاً كبيراً، وأن تلك الخصائص تحتاج إلى تعامل يناسبها، ويراعي ضعفها وحاجتها، ويخطئ الرجل خطأ كبيراً في أمرين:
- حين يعامل المرأة كما يعامل الرجل.
- وحين يعاملها وفق تصوراته وأفكاره ومبادئه دون أن يخطر في باله لحظة أنها كائن آخر، سِمَتُها العامة وصفتُها الغالبة: الضعف والحاجة إلى المعين، والسند القويم الذي هو الرجل.
وإذا كان الأمر كذلك فإن الرجل مطالَب بأن يفقه ويفطن إلى بعض ما يجعله يملك زمام زوجته، بل ويزيدها حباً فيه، ورغبة إليه، وطاعة له، وتنفيذاً لرغباته وتوجيهاته.
وثقوا -أيها الإخوة- أن المرأة لا يمكن أن تعيش إلا بالرجل، ولا يمكن أن تتخلى عنه أبداً لحاجتها إليه، ولربما كانت أغنى وأحسن منه في أمور كثيرة؛ ولكنها مع ذلك تراه كل شيء في حياتها، وترى الدنيا بمنظاره، وتحب إذا أحب، وتبغض إذا أبغض، وترضى حين يرضى، وتغضب حين يغضب.
وفي السيرة مَثَلٌ على قدرة الرجل وتأثيره على قلب زوجته: فقد جاء في السير في غزوة أُحُد أن حمنة بنت جحش رضي الله عنها نُعِيَ إليها أخوها عبد الله ، فصبرت واحتسبت واسترجعت، ثم نُعِي إليها خالها حمزة بن عبد المطلب فصبرت واسترجعت، ثم نُعِي إليها زوجها مصعب بن عمير فبكت وصاحت ووَلْوَلَت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن زوج المرأة منها لبمكان).
ففي قلب كل زوجة مكان للرجل؛ ولكن الخلافات قد تغطي أحياناً هذه العلاقة، فيظن الزوج أن زوجته لا تريده، وأنها أصبحت تبغضه، وهذا في الحقيقة ليس بصحيح، بل تظل المرأة تحمل في طياتها حب الرجل والخوف عليه، ولربما لِحادثةٍ بسيطة يقع فيها الرجل تظهر على المرأة علامات الحب والخوف على الزوج، مما يجعل الرجل يشعر بالذنب لظنه السيئ في زوجته وفي صدق مودتها، فالزوج من المرأة بمكان وأيُّ مكان!
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر