وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأعراف المكية المباركة الميمونة، وأعيد إلى أذهانكم أنها تعالج العقيدة الإسلامية: التوحيد والنبوة والبعث الآخر، والتشريع والتقنين.
معنى التشريع: أنه لا حق لإنسان أن يشرع أو يقنن؛ إذ هذا حق الخالق الرازق المدبر، أما أنت أيها الإنسان فقط طبق ما شرع الله لك، أما أن تعتدي على منصب الربوبية وتقنن وتشرع فهذا مقت لصاحبه وخزي وعار ودمار.
والآيات ما زلنا فيها مع بني إسرائيل، فهيا نستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما فيها إن شاء الله.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف:158-162].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه الآيات بعضها شرحناه فيما مضى ودرسناه، فلنوجز القول فيه ثم نشرح الآيات الثلاث التي ما درست قبل ولا شرحت.
وذكرنا لطيفة لهذه القضية، وهي: أن الله علم ما سيكون في هذا الكون، علم أن هذه الأرض تصبح كأنها بلد واحد بهذه المواصلات العجيبة وهذه الآلات التي أصبح العالم الإسلامي كأنه بلد إسلامي، فما هناك حاجة إلى تعدد الرسل، هذا علم الله الأزلي، فكانت الرسالة المحمدية عامة للناس أجمعين، واسمع ما يقول له ربه وهو يخاطبه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الأعراف:158]، إذاً: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ [الأعراف:158] حتى ما يبقى ريب ولا شك ولا اضطراب، الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ [الأعراف:158]، وأخيراً: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
مجرد الإيمان بدون الاتباع لن يسلم صاحبه ولن ينجو من العذاب، إيمان أولاً ثم المشي وراءه باتباعه، هذا الذي يعدكم للكمال والإسعاد في الدنيا والآخرة، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، وقلنا: (لعل) هنا إعدادية: ليعدكم بذلك إلى سعادة الدنيا والآخرة.
وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ [الأعراف:159] جماعة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:159].
ثم بعد مبعث الخاتم صلى الله عليه وسلم فمن آمن به منهم فقد اهتدى وعمل الصالحات، ومن كفر بنبوة خاتم النبيين فلا إيمان له ولا إسلام ولا هداية ولا عدل.
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ [الأعراف:160]، لما خرج موسى مع بني إسرائيل من مصر انتهى الاستعمار الفرعوني، مزق الله فرعون ودولته، خرج موسى ببني إسرائيل، نزل بعيداً عن البحر الأحمر فوجد قوماً يعبدون العجل فعبد قومه العجل معهم، فأدبهم الله، كل هذا مر وتقدم، ثم مشوا في طريقهم إلى أرض القدس لإخراج العمالقة الكفرة منها وإقامة دين الله فيها، فنفخ الشيطان في بعضهم وقالوا: كيف نقاتل العمالقة؟ وفشلوا وأبوا أن يمشوا مع موسى، فانتقم الله منهم فضربهم بأربعين سنة تيهاناً في الأرض عقوبة من الله لهم، وتقدم هذا في السياق في سورة المائدة، هنا في هذا التيهان استسقى قوم موسى قالوا: عطشنا فانظر كيف نشرب، هيأ لنا الشرب والسقيا. وكان بيده عصا، فأوحى الله إليه أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ [الأعراف:160]، فضربه فانفلق، فانفجر منه اثنتا عشرة عيناً، بحيث كل قبيلة تشرب وحدها، حتى لا يصطدموا ببعضهم، وتحدث عداوات وقتال وهم ما زالوا ما تربوا بعد، فهذا من تدبير الله عز وجل.
أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ [الأعراف:160] وانفجرت اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ [الأعراف:160]، بنو فلان هذه عينهم، بنو فلان هذه عينهم، خشية أن يصطدموا ويتقاتلوا؛ لأنهم ما ربوا في حجور الصالحين، والدليل أنهم عاشوا مع فرعون الكافر يعبدونه، والدليل أنهم لما خرجوا من مصر عبدوا العجل، لما شاهدوا قوماً يعبدون عجلاً عبدوه معهم، ويكفي أنهم مع قوة الله وقدرته ومع موسى كليم الله وهارون أخيه خافوا أن يقاتلوا العمالقة.
إذاً: فهذا الضعف نتيجة عدم التربية في حجور الصالحين، كما نقول هذا لنذكر به إخواننا، فالذين ما يتربون في حجور الصالحين ثم يكبرون وتحاول أن تربيهم فتربيتهم ليست أصيلة، لا تعجب إن انقلبوا وقالوا الباطل والشر، أما الذين ربوا في حجور الصالحين من آباء وأمهات وتعودوا على الصدق والوفاء والحياء فما يستطيع أحد أن يفسدهم.
وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ [الأعراف:160]، من الذي يتكلم بهذا؟ الله جل جلاله، وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى [الأعراف:160]، الحلوى يجدونها على أوراق الشجر، والسلوى طير أتى الله به يأخذونه بأيديهم، يتساقط أمامهم ليأكلوا اللحم؛ إذ ما هناك فاكهة ولا خبز، وإنما المن والسلوى.
وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى [الأعراف:160]، وقلنا لهم: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [الأعراف:160]، ولكن وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الأعراف:160]، ما الذي ورطهم في هذه الورطة؟ ذنوبهم، هل ظلمهم الله عز وجل؟ لو استقاموا على منهج الحق وما عبدوا العجل ما كانوا سيقعون في التيه، لولا أنهم أبوا أن يقاتلوا لدخلوا أرض القدس، ولكن هذه المحن المتتالية عليهم بسبب ظلمهم لأنفسهم.
قال الجبار جل جلاله: وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الأعراف:160] فالله منزه عن الظلم، ومن يستطيع أن يظلمه؟ هذه الآيات سبق أن درسناها.
ومات الجيل الأول أو أكثره ونشأ جيل جديد مترب في حجور الصالحين، الجيل الأول القاسي القلوب المتهتك بالضلالات والخرافات أكثره مات، فأين عاش الجيل الجديد؟ في تربية موسى وهارون وبين أيديهما وأيدي صلحاء بني إسرائيل.
إذاً: فلما انتهت مدة التيه تمت الأربعون سنة وقادهم يوشع بن نون عليه السلام إلى قتال العمالقة وإخراجهم من أرض القدس لأنهم مشركون كفرة، ومن عجيب ما أخبرنا به الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه وعده ربه بدخول البلاد، وكادت الشمس تغرب، وما عليه بنو إسرائيل أن يوم السبت يوم راحة ليس يوم عمل، فخاف يوشع إذا غربت الشمس وجيوشهم على أبواب المدينة أنهم ما يكملون فتحها ودخولها، فتعود الحرب من جديد، فرفع يديه وسأل ربه وقال للشمس: قفي، فوقفت، وواصل غزوه وفتحه حتى دخل البلاد وانهزم العمالقة، أخبرنا بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوشع بن نون.
هنا قال تعالى: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ [الأعراف:161] من القائل؟ يوشع. اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ [الأعراف:161] وقد أعلمناكم أن القرية في عرف القرآن: المدينة الكبيرة، ما هي القرية في عرف الاصطلاح الجغرافي المادي المعاصر، وحسبك أن تقرأ عن مكة: وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى [الأنعام:92] أم العواصم والحواضر هي مكة.
إذاً: فالقرية: المدينة الجامعة لأنواع البشر، وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ [الأعراف:161] بعدما فتح الله عليهم، وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ [الأعراف:161] كانوا محرومين من أنواع الطعام، قضوا أربعين سنة في الجدب والصحراء، وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ [الأعراف:161] وفيها الفواكه والخضار واللحوم والأطعمة، أي: أرض القدس.
إذاً: لما قالوا لموسى ما قالوا كتب الله عليهم التيه أربعين سنة، ومات موسى وهارون، والآن نحن مع يوشع بن نون القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم.
قال لهم: قولوا حطة، ما دام قد فتح الله عليكم البلاد فقولوا وأنتم داخلو المسجد: احطط عنا خطايانا يا ربنا، يكفي ذنوبنا التي مضت، وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [الأعراف:161] كيف يدخلون الباب سجداً؟ ليس معناه أنهم يمشون على وجوههم، وهل هناك من يمشي على وجهه؟ تلك الحية والثعبان، فمعناه أنهم يدخلون منحنين متطامنين راكعين، ويطلق الركوع على السجود والسجود على الركوع؛ إعلان عن توبتهم النصوح ورجوعهم إلى الحق.
فزين لهم الشيطان وهو متمكن من بعضهم فقالوا: حنطة، والحنطة معروفة، يرغبون في القمح، قال لهم: قولوا: حطة بمعنى: احطط عنا خطايانا يا ربنا التي ارتكبناها، فقالوا: حنطة، ودخلوا البلد يزحفون على استاهم تكبراً، ما يركعون ويسجدون، دخلوا يزحفون.
والشاهد عندنا: انظر الفرق بين أولئك وهؤلاء في ذلك الزمان قبل ثلاثة آلاف سنة، هؤلاء من بني إسرائيل أبو أن يسجدوا، فدخلوا يزحفون على استاهم، واسمع الآية الكريمة تقول: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:161]، وعد الصدق من رب العالمين، قال لهم: اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ [الأعراف:161] أي: المدينة أريحا وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ [الأعراف:161] أذن الله لكم وأباح لكم وَقُولُوا حِطَّةٌ [الأعراف:161] كلمة التوبة، أي: استغفروا الله لذنوبكم الماضية وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [الأعراف:161] معلنين عن توبتكم وتواضعكم لله عز وجل، إذا فعلتم هذا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ [الأعراف:161] جمع خطيئة، وما أكثر خطاياهم مثلنا!
الإحسان نوعان: إحسان بمعنى إجادة العبادات وإتقانها، وأدائها على الوجه المطلوب المقنن المشرع من قبل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان صياماً أو صلاة أو رباطاً أو جهاداً، العبادات التي تعبد الله بها الناس، الإحسان فيها هو أن تؤدى أولاً لوجه الله، لا يلتفت صاحبها إلى غير الله قط، ذم الناس، سبوا، شتموا، أحسنوا، شكروا، مدحوا.. لا يلتفت، وهذا عام في كل العبادات التي أمر الله بها فعلاً أو قولاً أو اعتقاداً، يجب ألا تلتفت فيها إلى غير الله؛ لتكون من المحسنين.
ثانياً: أن تؤديها كما بينها رسول الله مقننة لا تزيد ولا تنقص، ولا تقدم ولا تؤخر، ولا تضعها في غير زمانها، وإلا فهي باطلة باطلة باطلة.
معاشر المستمعين! لو نبقى سبعة أيام في هذه القضية خير من سبعين عاماً نعيشها بعد اليوم، الله يحب المحسنين، الله مع المحسنين، الإحسان ثلث الدين الإسلامي.
قسم الدين الإسلامي ثلاثة أقسام: والله! لقسم منه هو الإحسان؛ إذا الدين الإسلامي: الإيمان، الإسلام، الإحسان.
جبريل يسأل رسول الله رب العالمين والناس حضور وهم أصفياء وكمل أفضل منا، ويسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، هذا هو دين الله.
قلت لكم: الإحسان أولاً: ألا تلتفت بقلبك ولا وجهك وأنت تؤدي تلك العبادة إلى غير الله، دع الناس يمدحوا، يذموا، يعطوا، يمنعوا، يخوفوا.. لا تلتفت، هذا أول شرط وهو الإسلام، إسلام القلب والوجه لله عز وجل.
الجواب: هذه العبادات هي كالكيماويات، أرأيتم الأدوية أم لا؟ لو يزيد فيها مقداراً على المقدار المحدد تفسد أم لا؟ بل تقتل، كل الأدوية بانتظام، بموازين، بمقادير، لو زيد فيها أو نقص منها هل تصلح؟ والله! ما تصلح ولا تنفع، فهذه العبادات والله مقننة ذلك التقنين؛ من أجل أن تزكي النفس البشرية، من أجل أن تطهر النفس البشرية، هذا هو سرها، هذه العبادات كلها من أجل تزكية النفس البشرية حتى يحبها الله ويقبلها ويرضى عنها ويسكنها في جنانه مع أوليائه، فالعبادة إذا حصل فيها ازدياد أو نقص بطل مفعولها.
على سبيل المثال: صلاة المغرب كم ركعة؟ ثلاث، لو أن محسناً مؤمناً قال: أنا أزيد ركعة أفضل لي من ثلاث! فهل يجد فقيهاً يقول: صلاتك صحيحة؟ والله! ما يجد.
صلاة العصر كم؟ أربع، قال: أنا مشغول سأصلي ثلاثاً، هل هناك فقيه يقول: صلاتك صحيحة؟ والله! ما يوجد، وقيسوا على هذا.
رمضان تسعة وعشرون وثلاثين، فقال أهل البلاد: نصوم واحداً وثلاثين! فهل هناك فقيه يقول: صيامكم صحيح؟ بل هم آثمون، أو يجمعون على أن ينقصوا يوماً يقولون: نكتفي هذا العام بثمانية وعشرين، هل يقال: صاموا رمضان؟ والله! ما صاموا.
لو أن هناك شخصاً صلى ركعة ثم بعد الركعة الثانية أحرم: الله أكبر، فهل تصح صلاته؟ والله! ما تصح، باطلة، الإحرام أول ما تدخل في الصلاة.
وكذلك الحج، هل هناك بيت في الأرض ولو بني بالذهب ولو بني بما شاء الله أن يبنى يطاف به ويثاب الطائفون به؟ والله! ما كان، لو طاف الناس بالحجرة الشريفة سبعين يوماً ما أكلوا ولا شربوا فوالله! لا حسنة واحدة، لماذا؟ لأن الطواف فرضه الله وشرعه في البيت العتيق فقط، فمن طاف بقبر، أو ضريح، أو بمسجد، أو بشجرة لجهله فوالله لا حسنة.
وكذلك الحج، لو قالت الناس: نريد أن ننقل هذا العام الوقوف إلى أحد، أحد أفضل من عرفة، فالاجتماع هذه السنة بعد الحج في أحد، فهل يقال: حجوا؟ والله! ما حجوا، ولا قبل حجهم، لماذا يا شيخ؟ لأن المكان غير المكان، الحج حدده الله بعرفة ففعلوه في جدة أو في المدينة، والله! لا يقبل.
ثانياً: الإحسان الآخر هو الإحسان إلى الناس، إلى الفقراء، إلى المساكين، إلى المصابين، إلى الأرامل، تحسن إليهم.
وإحسان عام لكل إنسان، لا تسب مؤمناً، ولا تشتمه، ولا تعيره، ولا تقبحه، ولا تؤذه في عرضه، ولا في ماله، وأن تبتسم في وجهه وتسلم عليه وترد السلام، هذا الإحسان مراد لله ومطالب به المؤمنون، هؤلاء المحسنون ماذا قال تعالى عنهم: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:161] من خير الدنيا والآخرة، وعد الصدق .
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ [الأعراف:162]، والرجز: البلاء، المرض القاتل، بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف:162] أي: بسبب ظلمهم الذي لازمهم وعاشوا عليه زمناً طويلاً.
من فعل بهم هذا؟ هذا الجبار، هذا الرحمن، هذا الله الذي لا إله إلا هو، هذا الواحد القهار، هذا الذي أكرمنا بالإيمان به وبرسوله، وها نحن في بيت الله نتلو كتاب الله، نسمع كلام الله، والله! إنه لكلام الله.
أية نعمة أعظم من هذه النعمة؟ أنت تفرح إذا سمعت كلام أمك أو كلام أبيك أو أخيك، أليس كذلك؟ وكلام ربك أعظم، فلولا نعمة الإسلام لما كان لنا هذا، بلايين البشر محرومون من هذا، ولا سمعوا لله كلمة.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: عموم رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكافة الناس عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم ].
من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] من هذه الآية أخذنا هذا، مع العلم أن كل آية في كتاب الله من الستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آيه تدل دلالة قطعية على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تخلو آية من هداية، وعرف هذا الثالوث الأسود المجوس واليهود والنصارى، فخافوا على معتقداتهم، فصرفوا المسلمين عن كلام ربهم، ووضعوا قاعدة: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر! فكمموا العالم الإسلامي قروناً لا يقول أحدهم: قال الله، فماذا نصنع بالقرآن إذاً؟ قالوا: اقرءوا على الموتى، فحولنا القرآن الذي به الحياة إلى الموتى، فيا للعجب! يا للعجب! القرآن الذي يهدي به الله العقلاء البصراء ليستقيموا نصرفه عنهم ونقرؤه على الموتى! كيف يعقل هذا الكلام؟ هل الميت يقوم يصلي؟ يقوم يستغفر؟ يسدد ديونه؟ والله! ما كان، والله! ما كان، كيف نقرأ القرآن على ميت؟ هذا عجب ما تصورتموه، والله! إنه عجب.
عرفنا أن الهداية الأولى أخذناها من: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، [ ثانياً: هداية الإنسان فرداً أو جماعة أو أمة إلى الكمال والإسعاد متوقفة على اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ].
هدايتك أيها الإنسان سواء كنت وحدك أو في جماعة، هدايتك متوقفة على اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] أي: لكي تهتدوا. هل هناك من لا يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ويهتدي إلى الجنة؟ والله! ما كان.
[ ثالثاً: إنصاف القرآن للأمم والجماعات، فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق، وذلك بعد فساد بني إسرائيل، وقبل مبعث النبي الخاتم، أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق إلا من آمن به واتبعه؛ وذلك لنسخ سائر الشرائع بشريعته ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى [الأعراف:159] هذا مدح وثناء، وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف:159]، ما غمطهم حقهم ونظر إليهم بالعموم وهم فسدة فجرة، بل قال: يوجد منهم الصالحون. الله أكبر!
قال: [ إنصاف القرآن للأمم والجماعات، فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق، وذلك بعد فساد بني إسرائيل، وقبل مبعث النبي الخاتم، أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق إلا من آمن به واتبعه؛ وذلك لنسخ سائر الشرائع بشريعته ]، القوانين التي كانت تنفع نسخها الله فلم تنفع بعد، وجاء بجديد بتطور الحال.
[ رابعاً: إذا أنعم الله على عبد أو أمة نعمة ثم لم يشكرها تسلب منه أحب أم كره، وكائناً من كان ].
هذه قاعدة: إذا أنعم الله على عبد أو أمة أو فرد أو جماعة نعمة ثم لم يشكرها سلبت منه أحب أم كره، وكائناً من كان، شريفاً أو وضيعاً، في العرب أو العجم، ومعنى هذا أننا في نعمة، فهيا نشكرها.
فقد حرم من الصلاة والزكاة والإيمان والطهر والصفاء بلايين البشر، ونحن في هذه النعمة نقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونذكر الله ونعبده بما شرع، آمنون سعداء، فإذا لم نكثر حمد الله والثناء عليه فنخشى أن تسلب منا كما سلبت من أجدادنا.
والله تعالى أسأل أن يزيد في توفيقنا وأن يحفظنا وسائر المؤمنين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر