أما وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
فلا يزال الكلام موصولاً في: باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب، ويفسدون الإيمان.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي رحمه الله يقول: صحبة من لا يخشى العار عار يوم القيامة].
أي: صحبة الإنسان المتبلد الحس، الذي لا يهمه أن يعيش عيشة كريمة أو مهينة في وسط قوم؛ عار في وجه الصاحب والصديق في الدنيا ويوم القيامة، خاصة إذا كان هذا العار إنما يلحق المرء في دينه لا في أخلاقه وسلوكه؛ إذ إن أعظم العار أن يعير الإنسان في دينه.
قال: [وقال عون بن عبد الله : لا تجالسوا أهل القدر ولا تخاصموهم -أي: لا تناقشوهم ولا تجادلوهم-؛ فإنهم يضربون القرآن بعضه ببعض].
وهذه من علامات أهل البدع: أنهم يضربون القرآن بعضه ببعض، فتأتي له بآية فيأتي لك بآيتين، وتأتي له بآيتين فيعطيك عشراً، ولذلك أنتم تعلمون أن هذا خلق مذموم ذمه النبي عليه الصلاة والسلام، فقد خرج إلى أصحابه ذات ليلة ليخبرهم بليلة القدر، فوجد أن بعض أصحابه قد تلاحوا، أي: تخاصموا وتجادلوا في مسألة ما، فغضب لذلك غضباً شديداً، وقال: (أتضربون القرآن بعضه ببعض وأنا بين أظهركم! والله لقد خرجت لأخبركم بليلة القدر، فلما رأيتكما تتلاحيا ذهبت عني).
أي: أنا أنهاكم عن الزنا والسرقة وشرب الخمر، ومع هذا لو زنيت وسرقت وشربت الخمر أحب إلي من أن تلقى الله برأي عمرو بن عبيد ، وأحب إلي من أن تلقاه تابعاً لمنهج الاعتزال ولهذه الفرقة الضالة، وليس في هذا تهوين من شأن المعاصي -السرقة، الزنا، شرب الخمر- وإنما هذا فيه بيان فظاعة البدع خاصة إذا كانت في أصل الدين.
[قال سعيد بن عامر : ما رأينا رجلاً قط كان أفضل من يونس .
وقال أيوب : ما عددت عمرو بن عبيد عاقلاً قط].
أي: ما ظننت في يوم أنه عاقل قط؛ لأنه كان يتكلم بكلام أهل القدر والاعتزال، وهو كلام لا يدل على سلامة العقل.
فهذه الآية أصلاً نزلت في الكفار، لكن أجراها أبو الدرداء على أهل البدع، فقال: وجه الشبه كبير جداً بين أهل البدع والضلالات وبين أهل الكفر، ولذلك لو جلست مع إنسان من أهل البدع فلابد أن تسمع منه كلاماً أحلى من العسل، بل ويثني عليك خيراً، فإذا قمت سلقك بألسنة حداد، وهذا شأنهم؛ لأن النفاق أسرع إلى الكافرين وأصحاب الأهواء، بخلاف أهل السنة فإنهم يتقربون إلى الله تبارك وتعالى بالصدق، ويعلمون أن الصدق طريق البر، وأن البر يهدي إلى الجنة.
قال: [وقال أبو موسى الأشعري : لئن أجاور يهودياً ونصرانياً وقردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني صاحب هوى يمرض قلبي].
هذا هو الفضيل بن عياض الذي لو جلس مع آلاف المبتدعة فإنهم لا يضرونه شيئاً، بل إن أهل البدع يهابون مجالسة الفضيل، ومع هذا فإنه يقول: لأن يكون بيني وبين أصحاب الأهواء حصن من حديد أحب إلي من أن تكون سبل المجاورة مفتوحة بيني وبينهم، وهذا مع سلامة معتقده، وصحة منهجه، وتبحره في العلم، وإيمانه العظيم وغير ذلك، فما بال الذي فقد المؤهلات التي كانت بين جنبي الفضيل، وأخذ يتصدى لهم، بل ويطالب بالتصدي لهم؟! إن هذا أمر على خلاف ما كان عليه سلفنا رضي الله عنهم.
وهذا يدل على جواز غيبة الفاسق المبتدع الذي يجاهر ببدعته؛ حتى يحذره الناس، وهذا من باب النصيحة في الدين، كما في هذا النص: أن الحمار أفضل وأشرف من أصحاب الأهواء والبدع؛ إذ إن للحمار منفعة عظيمة على الأقل، فتحمل عليه متاعك، ويحملك من بلد إلى آخر، وأما المبتدع فلا فائدة فيه، بل المضرة كلها تأتي من قبله، ولذلك فضِّل الحمار على أصحاب البدع.
أي: إذا كنت مجاوراً لرجل من أهل البدع فأحب إلى الله عز وجل أن تهجر هذا المكان، وهذا كان شأن أهل العلم حتى في مجرد المعصية لا في البدع والضلالة الكبرى فقط.
وقد جاء عن أحمد بن حنبل رحمه الله: أنه كان إذا دعي إلى عرس أو غيره فذهب فوجد معصية لله عز وجل ترك المكان وانصرف، وهذا في مجرد المعصية التي ربما لا تضر بصاحبها كثيراً مقارنة بأصول الابتداع في الدين، فإن هذا أمر شنيع أيما شناعة؛ لأن صاحب المعصية يفعلها ويعلم أنها معصية، وهو إلى التوبة أسرع، بخلاف صاحب الهوى والابتداع في الدين؛ فإنه يعتقد أنه على الحق، ولذلك يزداد صلابة وقوة وتمسكاً لبدعته، وقل أن يرجع إلا إذا وفق لرجل من أهل السنة يأخذ بيديه بعد طول عناء، فربما يوفق للتوبة وربما لا يوفق، والغالب أن أصحاب البدع لا يوفقون إلى التوبة، ولذلك جاء عند ابن ماجه وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله احتجر التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)، أي: أن المطلوب أن يدع البدعة أولاً، ثم بعد ذلك يتقبل الله عز وجل منه، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، فهم يتخيرون ويسلكون طريق الهداية أولاً، والله تعالى بعد ذلك يوفقهم إذا علم منهم حسن نيتهم، وتوجههم الصحيح إليه.
وقول أحمد بن سنان هذا شبيه بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم، وذلك في معرض كلامه عن حرمة مشابهة أهل الكتاب، فقال: ويقرب منهم أهل البدع. أي: لما تكلم عن حرمة بيع الدور والمحلات وغيرها للنصارى؛ قال: وجه الحرمة أنه يرفع شعار الكفر عليها، أي: يضع الصليب على باب البيت، أو يضع صورة اليسوع، أو صورة مريم رحمها الله، وهذا فيه إظهار لشعائر الكفر، ولذلك حرم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم أن يتعامل المسلم مع الكفار في أن يبيع له داراً، أو يمكنه من إظهار شعار الكفر.
وأنتم تعلمون أن الدجال أعظم فتنة بين يدي الساعة؛ لما يرى الناس بأعينهم من فتنته التي لا يمكن أن يصبر عليها أحد، بل الناظر لأول وهلة فيما يأتي به الدجال يصدقه، فيزعم أنه نبي، ثم يزعم أنه إله، وفي زعمه النبوة خلاف بين أهل العلم، والراجح أنه يزعم أنه إله، ويأتي بأفعال إنما هي من خصائص إلهية، ولكن الله مكنه من ذلك فتنة للناس، ولم يتركهم هكذا، وإنما بين لهم خطره، وبين لهم ماذا سيصنع، فإنه يجوب الأرض شرقاً وغرباً في أربعين، وخطوته عند منتهى بصره، وهذا شيء خارق للعادة.
والأمر الثاني: أنه يكون في إحدى يديه خبز، وفي الأخرى نار، فأما الذي هي نار فهي في الحقيقة خبز، وأما التي فيها خبز فهي النار، ويدعو الناس في وقت جذب وفقر وقحط أن يأكلوا من يده التي بها الخبز، فيطعمهم النار وهم لا يعرفون؛ لأن الناس تقبل على الخبز وتخاف من النار.
وهو يوقف على مشارف مكة والمدينة فلا يدخلهما، وهذه خاصية للبلدين الشريفين، فيخرج إليه عالم من علماء المدينة في آخر الزمان، فيضربه بالسيف حتى يسقط على الأرض فلقتين، ويمشي بين الفلقتين والناس ينظرون، وهو يقول: أما ترون؟ أي: أما ترون أن هذا الرجل قد شق نصفين؟ ثم يدعوه فيقوم، أي: يقول له: قم فيقوم، فيقف أمامه حياً، ولا يفعل هذا إلا إله وذلك قد سبقه إليه عيسى ابن مريم، لكن عيسى بن مريم إنما فعل ذلك بإذن الله وأمر الله وإرادة الله وليس من عنده، فـالدجال فعل ذلك ليصدق الناس أنه إله؛ لأن الإله هو الذي يحي الموتى، فهذا قد أماته وأحياه في نظر الجهال، ولكن هذا العالم الذي خرج إليه قال له: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فأنت المسيح الدجال الذي حذرنا منك النبي عليه الصلاة والسلام.
فيذكر الإمام هنا أن مجاورة أصحاب الأهواء والبدع كالسعي خلف المسيح الدجال، وهو قريب، فهذه فتنة وتلك فتنة أخرى، ويجمعهما أنهما فتنتان.
والعجيب قوله: (فإن الرجل يأتيه وهو يرى أنه كاذب)، أي: أن الرجل يذهب إلى المسيح الدجال وهو على يقين أنه إنسان كاذب، (ثم ما يلبث أن يتبعه؛ لما يرى من الشبهات)، وهب أنه لم يتبعه فإنه لا يمكن أن يرجع من عنده سالماً، بل الشكوك والشبهات قد أكلت قلبه وعقله، ولذلك الواحد من أهل السنة الذي يتأهل للخصومات والمنازعات والمناظرات والمجادلات إنما يذهب فيعرض نفسه للفتنة، فيسمع الشبهات من أصحاب الأهواء، وبعد أن كان عنده يقين جازم أن هؤلاء على الضلال والبدعة فإذا به يرجع وقد اقتنع بكلامهم، أو على الأقل عذرهم فيما هم عليه؛ لما عندهم من الشبهات، والذي فيه خير يرجع متشككاً يبحث عن إجابة لهذه الشبهات إما في بطون الكتب، وإما بالاتصال بأهل العلم وغير ذلك، والمهم: أنه كلف نفسه ما لا يطيق، فأذل نفسه وأذل دينه في قلبه.
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ينبغي لأحدكم أن يذل نفسه، قالوا: كيف يذل أحدنا نفسه يا رسول الله؟! قال: يعرض نفسه لما لا يطيق)، فهذا باب من أبواب الذل: أن تتصدى لما لا تحسنه، ولذلك يقول العلماء: لو أن الجاهل سكت لقل الخلاف، أي: لو قال: أنا جاهل لا أعرف شيئاً؛ فسيقل الخلاف جداً، لكن قضية واحدة عرضت على مائة جاهل، ولكل جاهل فيها قول، وكل الأقوال مطرحة لا قيمة لها، إذ إنها كلام الجهال لا يبنى على دليل، ولو أن كل متخصص في فن يجيده تصدى له دون غيره لكان الأمر أحسن من ذلك بكثير.
قال: [وعن عمران قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من سمع منكم بخروج
أي: حتى مالوا إليهم وصاروا منهم، مع أنهم ذهبوا إليهم ليجادلوهم، وليستخرجوا مذاهبهم، ويعلموا ما عندهم من باطل للرد عليهم، ثم ما لبثوا أن وقعوا فيما وقعوا فيه؛ بسبب شبهات كانت أقوى منهم.
قال: وعن البتي قال: كان عمران بن حطان رجلاً من أهل السنة المتمسكين الداعين إليها، فقدم غلام من أهل عمان مثل البغل، فقلبه في مقعد -أي: في جلسة واحدة- ويقال: إن انقلاب عمران بن حطان ليس على يدي هذا الغلام، وإنما على يد امرأة جميلة تزوجها، وكانت من أهل القدر -أي: ممن تنكر القدر- فقال عمران: أتزوجها وأجتهد عليها].
وهذه شبهة أيضاً لإخوة يتزوجون بنات متبرجات، والمهم أنها بنت جميلة، وشعرها أصفر، وعيونها خضر، ويقول: هذه هي عروسة المستقبل، وأما مسألة الحجاب والنقاب فهذه مسائل سهلة نستطيع أن نجتهد عليها إن شاء الله، وإنما أخذ بلبه وفؤاده جمالها، وإذا بها تجتهد عليه فيترك الصلاة والصيام والالتزام وكل شيء.
فـعمران بن حطان قال: أتزوجها واجتهد عليها أيما اجتهاد، لكن الذي حصل أنها أخرجته من السنة وأدخلته في البدعة، وذلك بعد أن كان داعية إلى السنة وليس سنياً فقط.
وقوله: (فقدم غلام من أهل عمان مثل البغل). هذه صفة مشتركة بين أهل البدع جميعاً، إما في عقله، وإما في بدنه.
قال: [وقال أحمد بن أبي الحواري : قال لي عبد الله بن بسر -وكان من الخاشعين، ما رأيت قط أخشع منه-: ليس السنة عندنا أن ترد على أهل الأهواء، ولكن السنة عندنا ألا تلكم أحداً منهم].
هذا هو منهج أهل السنة، لذا ينبغي علينا أن نحذر من أهل البدع، فلا أحد ينتخب واحداً منهم، ولا أقول: نذهب ننتخب الباقين، لا، فنحن نعتقد أن هذا المجلس مجلس كفري لا ينبغي لمسلم قط أن يشارك فيه، والإمام الشافعي يقول: من شرع فاستحسن فقد أشرك، فهذا المجلس ليست له أدنى مشروعية في دين الله عز وجل، لكن إذا تحتم الأمر اتركوا الناس ينتخبون من أرادوا، لكننا نحذر دائماً من أهل البدع، والصراحة أن هذا رجل من أساتذة الشيعة الكبار هناك، فلماذا يدخل المجلس؟ حتى يؤصل للتشيع في داخل المجلس، ويطالب بحقوق الشيعة في البلد، ونحن لا نتعرض لـرجب ولا لغيره من رءوس الشيعة هنا، وإنما نحذر منهم من بُعد؛ التزاماً بما كان عليه سلفنا في نهجهم مع أصحاب البدع.
قال: [ليس السنة عندنا أن ترد على أهل الأهواء، ولكن السنة عندنا ألا تلكم أحداً منهم؛ حتى لا تفتن].
قال: [وعن أيوب أنه قال: لست براد عليهم بشيء أشد من السكوت].
أي: إذا أردت أن تغيض واحداً منهم فلا ترد عليه، حتى ينصرف في الأخير وهو محروق القلب.
قال: [فكتب إليه أحمد فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحذور، الذي كنا نسمع وأدركنا عليه من أدركنا عليه من أهل العلم أنهم كانوا يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور في التسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك -أي: في نفس الوقت- وهم لا يرجعون -أي: عن بدعهم وأهوائهم- فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم، والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم، فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من علم صالح يقدمه لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة].
أي: حتى لو نجا من الجلوس مع البدع فإنه سينجو وفي ذهنه شبهات القوم، فلا يسأل عن الحجة والدليل والبرهان، فما الفرق بينه وبين أصحاب الأهواء إلا درجة؟! فالشبهات قد استقرت عنده،لكنه لا يزال يرفض النهج كله، وإنما أصابته شبهات القوم، فهو يسأل عن الحجة.
قال: [فيحمل نفسه على المحال فيه، وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل؛ ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد من ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه، فهو يريد أن يزين ذلك بالحق والباطل، وإن وضح له الحق في غيره، ونسأل الله التوفيق لنا، ولك والسلام عليك].
فانظر إلى نصيحة الإمام أحمد بن حنبل لرجل من أصحاب القرن الثالث، وهو من القرون الخيرة أصحاب العلم والفضل والعبادة وغير ذلك، وقد كان عندهم من الأعمال التي تحصنهم بين يدي الله عز وجل الكثير، ومع هذا كل منهم ينصح الآخر، والآخر هذا لا يقل عنه في الإمامة في الدين، فقد كان ينصحه بعدم الجلوس إلى أصحاب الأهواء، وكثير كثير جداً من أصحاب الأهواء إنما ذهب في هذا الهوى بسبب مصاحبة هؤلاء، ومصادقتهم، أو مجالستهم أو غير ذلك.
وأذكر قديماً سنة: (1974م) و(1975م) لما انتشر فكر التكفير في بلادنا، كنا نسمع عن جماعة التكفير، فحب الاستطلاع والاستشراف كان يدفع الواحد منا إلى أن يجلس مع هؤلاء، ومعلوم أن عندهم آيات وأحاديث معينة لا يتعدونها، فتخرج من عنده وتقول: والله إن كلامه حق، وبصراحة إن كلامه طيب، ثم يقول لك: أنا سأسافر يومياً لحضور الدرس معهم.
فأنا قلت في يوم من الأيام سنة 1976م -وأنا في الثانوية العامة بعد مقتل الذهبي بثلاثة أيام-: أحضر الدرس أنا وزملائي وأرد عليهم، فحضرت درساً لزعيم من زعمائهم وهو يشرح صحيح مسلم، فقال: الإمام النووي يقول في شرح حديث: (الحكمة يمانية والفقه يمان، أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً)، يقول: أهل اليمن. المقصود بهم: أهل المدينة! وهذا كفر بالإجماع! فقلت له: ما الذي يكفره بهذا؟ هب أنه أخطأ، فهل يقال للمخطئ: أنت كافر؟ فقال لي: ما اسمك؟ فقلت له: معرفة اسمي وعنواني ليست قضية، فأنت تتكلم في العلم في هذا الوقت، قلت له هاتين الكلمتين، ولم أفق بعدها إلا بساعتين أو ثلاث إلا وأنا خارج المسجد، والمسجد مقفل ولا أحد بجواري نهائياً، فقلت: هذا هو الطريق، المطلوب أننا نشرب ولا نرد.
وبعد ذلك لما وقفت على كتاب الشريعة للإمام الآجري وهو يتكلم في نفس الباب: التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب، والتحذير من مجالسة أهل البدع، عرفت أن هذا هو الحق.
يا إخواني! أنا أحترم جداً كلمة: على منهج السلف؛ لأنها عصمة من الله عز وجل، فالذي عملوه نحن نعمله، وهم أعلم منا، بل هم أولى مننا بالعلم، وأفضل منا، وأعبد منا، وأتقى منا، وأعرف منا، وكل المؤهلات قد اجتمعت فيهم، وإذا كانت الأمة لا تجمع على الضلال فمن باب أولى ألا يجمع على الضلال أصحاب القرون الخيرية، وإذا كان الله تعالى بين أن الخير في هذه الأمة فالمخاطب بذلك أولاً هم الصحابة رضي الله عنهم، لذا فالمهم دائماً أن تجعل بينك وبين سلفك حبلاً ممدوداً متصلاً مرتبطاً بهم كل الارتباط، ولو حلت عقدة من هذا الحبل لانحلت عقدة من دينك، فلابد أن تتأكد من صلتك بسلفك.
وأصحاب القماطر: هم أصحاب الدفاتر، وكأنه يريد أن يقول: عليكم بأصحاب الحديث؛ لأن أصحاب القماطر إنما معهم أحبار وألواح يكتبون فيها، وهي صفة أصحاب الحديث.
وإياكم ومجالسة أصحاب الأهواء، وأصحاب الكلام، وأصحاب التصوف، قال: [عليكم بأصحاب القماطر، فإنهم بمنزلة المعادن مثل الغواص هذا يخرج درة، وذاك يخرج قطعة ذهب.
قال: [وعن ابن سيرين: أنه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع أصبعيه في أذنيه، ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه، حتى يقوم من مجلسه.
قال: وعن صالح المري قال: دخل على ابن سيرين فلان -يعني: رجلاً مبتدعاً- وأنا شاهد، ففتح باباً من أبواب القدر فتكلم فيه -أي: هذا المبتدع-، فقال له ابن سيرين : أحب لك أن تقوم وإما أن نقوم].
أي: إما أن تنصرف أنت الآن وإما انصرفنا.
وأنا أريد أن أسأل سؤالاً: هل ابن سيرين لم يكن يستطيع أن يرد عليه ويلقمه حجراً؟ لا، فـابن سيرين تربية الصحابة، وهو من كبار التابعين في البصرة، فما الذي يمنعه أن يلقم هذا المبتدع حجراً إلا أنه علم أن الأصل عند سلفه من الصحابة هجران وترك مجالسة ومكالمة ومحادثة أصحاب الأهواء، فأراد أن ينهج سير أصحابه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومن كبار التابعين.
قال: [وقال ابن عون : من يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع]. يعني: فأهل البدع أمرهم معروف ومفضوح، لكن الخشية كل الخشية من إنسان يجالسهم؛ لأنه لا يأمن أن ينجرف في هواهم.
قال: [وعن يحيى بن أبي كثير قال: إذا لقيت صاحب بدعة قد أخذ في طريق فخد في طريق آخر]. وأنتم تعرفون حديث: (ما سلكت يا
قال: [وعن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال: سألت أبا عبد الله عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعته: يجالس؟ قال: لا يجالس، ولا يكلم؛ لعله يتوب. أي: ينبغي أن ينفض عنه جميع الناس؛ لعله يتأثر بذلك فيتوب].
قال: [وقال الإمام أحمد بن حنبل : أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم، ولا يخالطهم، ولا يأنس بهم.
قال: [وعن أيوب السختياني أنه دعي إلى غسل ميت فخرج مع القوم، فلما كشف عن وجه الميت عرفه -أنه من أهل البدع- فقال: أقبلوا قبل صحابكم، فلست أغسله، رأيته يماشي صاحب بدعة].
أي: أنه ليس مبتدعاً جزماً، وإنما رأيته يماشي أصحاب البدع، ولذلك ترك غسله، والصلاة عليه، لا لكفره، وإنما لبدعته، وحتى يكون في ذلك أعظم زاجر للناس عن أن يماشوا، أو يجالسوا أو يحاكوا أصحاب البدع.
وفي الحديث: و(المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فإن المقارن بالمقارن يقتدي
وقال: [اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب من هو مثله.
قال شعبة: وجدته مكتوباً عندي فإنما يصاحب الرجل من يحب]. أي: وجد في كتاب مكتوباً عنده: إنما يصاحب الرجل من يحب.
[وقال ابن مسعود: اعتبروا الناس بأخدانهم -أي: برفقائهم وأقرانهم-؛ فإن الرجل لا يخادن إلا من يعجبه نحوه]. أي: من يعجبه طريقه ومنهجه ومسلكه.
وقال: [اعتبروا الناس بأخدانهم، المسلم يتبع المسلم، والفاجر يتبع الفاجر].
قال: وعن المدائني قال: قيل للبيد -وهو لبيد بن ربيعة العامري الشاعر الكبير- بعد ما أسلم: مالك لا تقول الشعر؟ -لأن لبيداً لما أسلم قلل جداً من الشعر- فقال: إن في البقرة وآل عمران شغلاً عن الشعر، إلا أني قد قلت بيتاً واحداً -أي بعد إسلامه-:
ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح]
والنبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب لذلك مثلاً فقال: (مثل الجليس الصلح وجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير)، مع أن نافخ الكير هذا ربما يكون في باب المعاصي، لكن الحديث محمول على جميع المعاصي والأهواء، (فأما الجليس الصالح -وهو حامل المسك- فإما أن تبتاع منه -أي: تشتري منه المسك والطيب- وإما أن تجد منه ريحاً طيباً، وأما جليس السوء -هو نافخ الكير- فإما أن يحرق ثيابك)، فإنك لو جلست بجوار حداد ينفخ الكير فإنه لابد من شظايا تقع على ملابسك فتحرقها.
قال: [قال محمد بن عبيد الله الغلابي : كان يقال: يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة].
أي: أن أهل الأهواء عندهم قدرة فائقة على كتم عندهم من فكر وضلال وهوى، لكن الذي يفضحهم هو التآلف والصحبة، فتجد الواحد منهم يميل إلى إلفه وشكله، فإذا كان فلان يماشي فلاناً فلابد أن هناك شيئاً لازماً، ووحدة فكر بينهم؛ لأن الألفة والصحبة دائماً تفضح ما وراءها.
قال: [وقال قتادة: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله؛ لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم].
قال: [وقال مالك بن دينار: الناس أجناس كأجناس الطير، الحمام مع الحمام، والغرب مع الغراب، والبط مع البط، الصعو مع الصعو، وكل إنسان مع شكله]. والصعو: طائر.
قال: [وسمعت مالك بن دينار يقول: من خلط خلط له، ومن صفى صفي له، وأقسم بالله لئن صفيتم ليصفين لكم]. أي: لئن أخلصتم في اتباع السنة فإن الله تعالى يوفقكم إلى ذلك.
قال: [قال الأوزاعي : يعرف الرجل في ثلاثة مواطن: بألفته، ويعرف في مجلسه، ويعرف في منطقه]. فهذه ثلاثة أمور تبين من هذا الرجل.
قال: [قال أبو حاتم : وقدم موسى بن عقبة الصوري بغداد فذكر لـأحمد بن حنبل، فقال: انظروا على من نزل، وإلى من يأوي]. فالنبي عليه الصلاة والسلام لما نزل المدينة نزل على بني النجار، وبنو النجار هم أفضل الأنصار، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على خيرة الأنصار، ولم ينزل على أي واحد منهم، وإنما نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
قال: [فقد فاض البحر العميق، فاستغني عن هذا التمييز والنظر والتدقيق، وفقدت تلك الأعيان، وصارت الزندقة يتفكه بها الأحداث والشبان، ظاهرة في السوقة والعوام، وصار التعريض تصريحاً، والتمريض تصحيحاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مسكنا الله وإياكم بعروته الوثقى، وأعاذنا وإياكم من مضلات الهوى، ولا جعلنا ممن باع آخرته بالدنيا؛ إنه سميع قريب].
قال: [وقال الفضيل: ليس للمؤمن أن يقعد مع كل من شاء؛ لأن الله عز وجل يقول: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:68]].
لأن الأعجمي يأخذه من يسبق إليه. وهذا الكلام يا إخواني! أحرى أن نقتدي به، فمن سعادة الشاب والأعجمي إذا دخلا في الإسلام أن يوفقا لرجل من أصحاب السنة يحملهما عليها، ويؤدبهما بآدابها، ويخلقهما بأخلاقها؛ لأن الغالب أن الشباب فيهم فورة وفتوة وقوة، ويحبون إظهار ذلك، فإذا لم تضبط هذه الشهوة في عقله وقلبه فلابد أنه سيفرط بها.
والأعجمي غالباً إنما يوفق للإسلام على يد صوفي أو شيعي أو مرجئ أو خارجي أو أشعري، وهذا وإن كان شراً إلا أنه أفضل من أن يلقى الله بالكفر البواح، فالإنسان لما يلقى الله تعالى متأولاً لبعض الصفات فهذا بلا شك أرحم من أن يلقى الله بالكفر البواح، وإن كان شراً.
ولذلك نجد شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: الفرقان بين الحق والباطل، وهو كتاب عظيم جداً، وننصح دائماً بقراءته، وقبل قرائته ننصح بالصبر عليه؛ لأن هذا الكتاب من أصعب عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية ، فهو يؤصل فيه مذهب سلفنا رضي الله عنهم في الحق والباطل، وفي الخير والشر، وفي كثرة الذنوب وقلتها، وغلبة ذلك بالعمل الصالح، أو غلبته على العلم الصالح، فيقول: بعض الشر أهون من بعض، ولئن يلقى العبد الله تعالى ببدعة خير من أن يلقاه بالكفر البواح.
وهذا كلام جميل ومتين، وهو كلام أئمة فتح الله عليهم، لكن بلا شك أن أسعد الأحوال أن يوفق الإنسان لمن يأخذ بيديه إلى الله عز وجل أخذاً طيباً، أخذاً مباركاً، أخذاً مستقيماً، ولذلك يحرص أهل البدع دائماً على أن ينزلوا في أماكن فيها شباب متعجل ومتسرع، فيرى أن التغيير مثلاً لابد أن يكون باليد وبالسلاح وغير ذلك، وما عندهم قط إلا الحمية التي في الغالب تهلك صاحبها؛ لأنها غير منضبطة بأصول شرعية أو علمية أو سلفية، فسرعان ما يكلف هذا الساخن بخط يركبه فيودي به إلى الهاوية، إذ إن هذا أمر لا يعنيه، ولم يفكر فيه، والمهم أن الشيخ أمره بكذا، أو العالم أمره بكذا، ولو أنه علم أن كلمة (عالم) لا تطلق على كل أحد ما تبعه، وإنما هو أخ مثله تماماً، وربما سبقه إلى إطلاق لحيته، وتقصير ثوبه بعام أو عامين، ولا يلزم منه أن يكون طلب العلم، بل جلهم لم يطلب العلم، وليس عنده استعداد قط لطلب العلم، وإذا ذكر العلم تندر وتفكه بمن يهتمون بطلب العلم، وهذا أمر فيه سوء أدب شديد جداً مع طلب العلم الذي أمرنا به شرعاً.
قال: [وقال عمرو بن قيس الملائي : إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه].
أي: إذا رأيت الشاب في أول التزامه مع أهل السنة وأصحاب الاستقامة والفكر السليم؛ فارجو خيره.
قال: [وإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه]، أي: لا تؤمل عليه، ولا تعقد عليه الأمل؛ لأن الأمل فيه قليل إن لم يكن نادراً.
قال: [فإن الشاب على أول نشؤه.
قال: وسمعت عمرو بن قيس يقول: إن الشاب لينشأ، فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم، وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب]. أي: يفسد ويتلف.
قال: [فرحم الله أئمتنا السابقين، وشيوخنا الغابرين، فلقد كانوا لنا ناصحين، وجمعنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، ولا جعلنا من الأئمة المضلين، ولا ممن خلف محمداً صلى الله عليه وسلم في أمته بمخالفته، وجاهده لمحاربته، والطعن على سنته، وشتم صحابته، ودعا الناس بالغش لهم إلى الضلال، وسوء المقال].
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: يا أخي الكريم! إذا كنت تسأل عن حكم شرعي فيما يتعلق بالحل والحرمة؛ فالتعامل مع أهل الكتاب بيعاً وشراء حلال، لكن في حقيقة الأمر إذا كنا نقول بحل الأمر فلا يلزم منه تنفيذ ذلك، أي: لا يلزم منه أن نتعامل معهم، وإن كنا نعتقد أن التعامل معهم حلال، وإن اضطررنا إلى التعامل معهم كان بها، وإلا فلابد أن تعلم أن شراءك أو أن دفع جنيه واحد لأمثال هؤلاء يساوي شراء رصاصة لقتل إخوانك في شرق الأرض وغربها، فأنا في كل المحاضرات أدعو لمقاطعة اليهود والنصارى تديناً، وإن كنت أعتقد جواز التعامل معهم، لكن لابد أن تعلم أن التعامل معهم إنما هو تأييد لهم، ودحر وقتل لإخوانك في فلسطين وفي غيرها.
وأنتم تعملون بفضل الله عز وجل أن محلات سنتيبري قد تكبدت خسائر بلغت الملايين، وهذا من الله عز وجل أولاً، ثم من تسخير الله تعالى الدعاة لمحاربة هذا اليهودي الكافر الإنجلتري، وقد كتب على محلاته في إنجلترا: ممنوع دخول الكلاب والعرب! ونحن فعلاً كلاب وأوسخ من الكلاب لما يحصل لإخواننا في فلسطين هذا ونحن ننظر، فنحن لا نستحق أن نحيا كحياة الكلاب.
لكن على أية حال من جهة الحل والحرمة: هو حلال، وأنا لا أحب ذلك، وأظن أن هذا البلاء لو وجد في القرون الخيرية لأمرنا السلف وأهل العلم في تلك الأزمنة بذلك.
فهذا سنتبري -كما ذكرنا- بفضل الله أولاً ثم بدعوة الشيوخ بمقاطعته قد حصل له خسائر رهيبة، وهو جريء لا يضره ولا تهمه هذه الخسائر؛ لأنه مسنود من قبل معابد اليهود، ومن قبل الكنائس كذلك، وهو يهودي لكن غصب على النصارى أن يساعدوه؛ لأنهم يدركون -اليهود والنصارى- أن الحرب مع عدو آخر، فإذا تخلصوا -وهيهات أن يتخلصوا من هذا العدو- فإن الحرب تدور بينهما؛ إذ إن بينهم من العداء ما ليس بين المسلمين وبينهم، لكن فقه الدعوة وفقه الواقع عندهم يقول: لابد من الترابط ولو في الظاهر والأمور المادية؛ لأنهم يدركون أن العدو الأخطر على وجودهم على هذه الأرض هم المسلمون.
الجواب: هذه بلا شك بلية عظيمة جداً ابتلى بها كثير من الإخوة، لذا لابد أن يعلموا أن أثقل صلاة على المنافقين هما صلاة العشاء والفجر، وأن صلاة الفجر بالذات فيها من الخير ما ليس في غيرها؛ إذ إنها صلاة مشهودة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، وأن من صلى الفجر فكأنما قام الليل كله، وغير ذلك من فضائل وخير هذه الصلاة، فليحرص عليها جميع الإخوة.
الجواب: على أية حال الحق حق، والباطل باطل، والتشيع باطل، ولا يلزم منه أن يهزمهم الله في كل موقع، وحزب الله في لبنان عندهم من الأخطاء العقدية ما ليس عند أهل إيران، وهم أشد تمسكاً بتشيعهم ربما من خميني إيران نفسه، وهم يعادون أهل السنة أيما عداء، فإذا نظرت إلى حربهم وإن شئت فقل: جهادهم المزعوم مع اليهود، فهذه والله يا إخواني! مسرحية يطول شرحها.
والمهم أن عداء حزب الله الشيعي لأهل السنة في لبنان أعظم من عدائهم لليهود، وقد صنفت في ذلك كتب، وقد كان الشرطة في عهد الدولة الفاطمية في مصر يدخلون بيوت أهل السنة، فإذا وجدوا فيها مصحفاً أحرقوه، وإذا وجدوا فيها كتاباً للبخاري أو مسلم أو موطأ مالك قتلوا صاحبه، فهل فعل هذا الإنجليز مثلاً لما كانوا في فترة الاحتلال في هذه البلاد؟! لم يكن ذلك.
لكن على أية حال النتيجة التي وصل إليها الحزب الشيعي في لبنان أمر طيب؛ لأن الحق أحق أن يتبع، والله تعالى يقول: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8]، فلا شك إذا كان الترجيح بين الشيعة واليهود، فالشيعة أقرب إلينا، بل عامة الشيعة جهلة لا يعرفون شيئاً، ولذلك نقول: هم أقرب إلينا، وهم معذورون بنشوئهم في بقعة من الأرض لا تعرف إلا التشيع، وهذا بالنسبة للعامة، وأما بالنسبة للرءوس الكبار فإنهم غير معذورين، ولهم أحكام تختلف عن أحكام بقية عامة الشيعة، وهم بلا شك إذا احتاجوا إلى تأييد أو نصرة أو دعاء أو غير ذلك فعلنا، مع كرهنا لما هم عليه من بدعة وضلالة.
الجواب: دخول الكنيسة لرجل من أهل العلم لدعوة من فيها إلى الإسلام جائز، وإلا فلا.
الجواب: الحديث أخرجه مسلم : (أتى رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار، فولى الرجل مدبراً وهو يبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوه، فدعوه فقال: إن أبي وأباك في النار)، وهذا قطع منه عليه الصلاة والسلام أنه أباه في النار، وعلى أية حال نحن لا نحب أن نثير مثل هذه المسائل، ولكن إذا سئلنا عنها لا نألوا جهداً في بيانها، فالمقطوع به أن والد النبي عليه الصلاة والسلام كان مشركاً عابد وثن، وأنه مات على ذلك، وليس هو من أهل الفترة، أي: لم يكن موحداً على ملة إبراهيم، ولم يمت كما مات ورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهما من أهل الفترة الذين كانوا على ملة إبراهيم عليه السلام فقد كان مشركاً ومات على شركه.
ثم ما الفارق بين عم النبي عليه الصلاة والسلام، وبين أبي النبي عليه الصلاة والسلام، وبين جد النبي عليه الصلاة والسلام؟ لا فرق.
إذاً: فالمرء إنما يحاسب بعمله هو، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يا
ثم كونه في النار أو في الجنة؛ هذه مسألة بالنسبة لنا لا ينبني عليها عمل، والأحاديث التي رويت: (أن الله تبارك وتعالى إكراماً لنبيه أحيا والد نبيه، فآمن به ثم مات)، هذه أحاديث موضوعة ومكذوبة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم من الذي رآه وقد أحياه الله مرة أخرى، ثم آمن ثم مات بعد ذلك؟! فلم ترو لنا كتب الموضوعات حتى شاهداً على ذلك.
وعلى أية حال لا أحب الخوض في هذه المسألة؛ فإن قول النبي عليه الصلاة والسلام إذا صح فإنه ترد به أقوال كثيرة.
الجواب: لا، هو من أصحاب المعاصي.
الجواب: لا، ولذلك قال الإمام الشافعي: من شرع، أي: من قال قولاً واعتبره شرعاً، وألزم الناس به، وحملهم على العمل بهذا القول، فهذا باب من أبواب التشريع، وأما إنسان يعمل خيراً أو يعمل عملاً صالحاً، والناس يقولون له: والله أنت جيد، وربنا يوفقك، وينصرك وغير ذلك، فيفرح بهذا الكلام، فهذا ليس من باب التشريع.
الجواب: بلا شك أن هذه معصية كبيرة جداً أن تقول البنت لوالديها: لستما أبويّ، إذ إن هذه براءة، وهي كبيرة من الكبائر، وعليها أدلة من الكتاب والسنة، وأغلب الظن أنها قالت ذلك في وقت غضب شديد سيطر عليها، فهذه الأخت يلزمها الاستغفار، واستسماح والديها فيما صدر منها، وأن تعتذر لهما، وتبين عذرها في ذلك، وأن ذلك كان في وقت غضب لم تتمالك نفسها فيه بسبب معصية أخيها.
الجواب: لو كان الأمر بيدك فبإمكانك أن تقدم الاستقالة ولا نرى غيرها، وإن كان هذا ليس بإمكانك، أي: ليس من حقك قانوناً أن تفعل هذا، أو أنك ستتعرض للمساءلة أكثر مما كنت تتوقع؛ فإنك تجمع في نيتك بين الفرضين، فتصلي الفجر في المسجد أو في البيت، والسؤال إنما ينصب على الصلوات الأخرى، فإذا كان الأمر كذلك فلا بأس أن تجمع في نيتك بين الفرضين، أي: تؤخر الظهر إلى العصر، وتؤخر المغرب إلى العشاء إذا اضطررت إلى ذلك حسبما سألت، وإلا فالأصل ألا تضيع فرضاً حتى يدخل الفرض الآخر.
الجواب: الذي ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام: (كان يقبر أصحابه ويقول: باسم الله، وعلى ملة رسول الله)، فإذا دفن على جنبه الأيمن متوجهاً إلى القبلة وفرغ من دفنه قام النبي عليه الصلاة والسلام على قبر هذا يدعو له خاصة، ويدعو كل واحد بما تيسر له من دعاء لهذا الميت، وأما الدعاء الجماعي فليس مشروعاً -إذا كنت تسأل عن هذا بالذات- لأنه حرمان لأجر كثير ممن شارك في الجنازة، ومخالف لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ادعوا لأخيكم فإنه الآن يسأل)، ولو كان الدعاء الجماعي مشروعاً لدعا النبي عليه الصلاة والسلام وأمن أصحابه، وإنما يدعو كل واحد على حاله بما تيسر له.
الجواب: الإفادة أن هذا المكان لا يحل لك أن تجلس فيه؛ لأنك مع الوقت ستألف هذا المجلس، وتألف أصحابه، ثم بعد ذلك تشاركهم فيما هم عليه من معاصي.
الجواب: يكون عاصياً ومرتكباً لكبيرة من أعظم الكبائر، فإذا كان من أكبر الكبائر قتل المرء لأخيه، أي: قتل المسلم لأخيه المسلم، فما بالك بقتل المسلم لنفسه؟! إن هذا من أكبر الكبائر، وأغلظ المعاصي، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فمات، فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، والخلود في هذا الحديث: هو المكث الطويل لا الخلود الأبدي الذي يضاهي خلود الكافرين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر