وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ما زلنا مع شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للعلامة اللالكائي .
سنتكلم إن شاء الله عن صفات ذاتية ثبوتية لله جل وعلا، فالله جل وعلا سميع بسمع، بصير ببصر، قادر بقدرة، وهذا أمر مهم جداً.
أورد النسائي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] قال: وسع علمه السماوات والأرض، فـابن عباس هنا يؤول الكرسي بالعلم، وهذا التفسير خطأ ليس بصحيح، ويرد على هذا الكلام من وجهين:
الوجه الأول: عندنا قاعدة مهمة في مسألة الاعتقاد: أن ثبِّت العرش ثم انقش، يعني: أثبت السند ثم قل: إنَّ هذا هو قول ابن عباس ، وبتتبع السند وجدنا أن السند إلى ابن عباس ضعيف، كما أنه قد ورد بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (الكرسي موضع القدمين) فهذا يرد على التأويل الأول الضعيف.
الوجه الثاني: إن قلنا: إنه قد ثبت عن ابن عباس في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أن الكرسي هو العلم، فهذا مخالف لظاهر الآية، وقد قعدنا قاعدة مهمة لأهل الاعتقاد، وهي: أن اللفظ يكون على ظاهره ما لم تأت قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، وتأويل الكرسي الذي هو معلوم عندنا في اللغة بالعلم مفتقر إلى قرينة.
قلنا: علم الله جل وعلا صفة ذاتية ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة والعقل، ثم قلنا: العلم: علم غيب وعلم شهادة، وعلم الغيب ينفرد به الله جل وعلا، فالغيب ينقسم إلى غيب مطلق وغيب نسبي، وبينا أن علم الشهادة ممكن أن يتعلمه عباد الله سبحانه.
قال الشافعي : من أنكر علم الله فهو كافر، كما روى اللالكائي عن الشافعي قال: قال حفص الفرد : علم الله مخلوق، قال الشافعي : كفرت بالله العظيم، وجه كفره بالله العظيم أنه كذب صريح القرآن.
أيضاً عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه أنه لما سأله علي بن الجهم : من قال بالقدر يكون كافراً؟ قال: إذا قال: إن الله لم يكن عالماً حتى خلق علماً فعلمه فجحد علم الله جل وعلا فهو كافر.
إذاً: حكم من أنكر علم الله جل وعلا أنه كافر.
اليوم نتكلم عن صفات مهمة من الصفات الثبوتية الذاتية لله جل وعلا: أن الله جل وعلا سميع بسمع بصير ببصر قادر بقدرة، وفي هذا الكلام رد صريح على أهل الاعتزال الذين ينفون علم الله جل وعلا، ورد على الأشاعرة كما سنبين، فالذين يؤولون سمع الله وبصر الله بالعلم، يقولون: سميع بصير أي: بعلمه لا بسمع ولا ببصر، ويستدلون على ذلك بقول الله تعالى: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، وقوله تبارك وتعالى: لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42]، وقوله جل وعلا: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وقوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1].
كذلك لما علت أصوات الصحابة رضوان الله عليهم في الدعاء، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ولكنكم تدعون سميعاً بصيراً) هنا قرن بين صفة السمع وصفة البصر لله عز وجل، وفي الانفراد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أحمد في مسنده: (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فأثبت الرؤية لله جل وعلا.
أما بالنسبة للقدرة في السنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك) فقوله: (وأستقدرك بقدرتك) هذا هو الشاهد.
وأيضاً في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـأبي موسى الأشعري مرشداً إياه: (قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة)، فأثبت القوة لله جل وعلا التي هي بمعنى القدرة، هذا بالنسبة للكتاب والسنة.
وأيضاً ثبت في السنة السمع وحده، قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن التي تشتكي زوجها كانت تتحدث مع النبي صلى الله عليه وسلم وإني في ناحية البيت ويخفى عليَّ بعض حديثها، والله جل وعلا يقول: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]).
الوجه الأول: أن الله قد وصف بعض عباده بهذه الصفات، وهذه الصفات صفات كمال، فإن كان للمرء صفات كمال فالقاعدة تقول: كل صفة كمال اتصف بها المخلوق فمن باب أولى أن يتصف بها الخالق، قال الله تعالى: فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2] فجعل له السمع والبصر، ولذلك قال: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً [الأحقاف:26]، فالله جل وعلا أثبت لهم هذه الصفات وهي صفات كمال، فمن باب أولى أن يتصف الله جل وعلا بالسمع والبصر، وكذلك الله جل وعلا يتصف بالقدرة، ومازالت العرب تتشرف أمام الناس بالقدرة على القتال، وبالقدرة على الجماع، وتحمل المشاق، وهذه صفة كمال لهم، فمن باب أولى أن يتصف الله جل وعلا بالقدرة كما يليق بجلال سبحانه وتعالى.
الوجه الثاني: أن هذه الصفات التي يتصف الله بها جل وعلا لو كانت عارية عن أحد، لكانت صفات نقص، فلو لم يتصف الله جل وعلا بهذه الصفات لكانت صفات نقص، والله له الكمال المطلق؛ ولذلك عاب الله جل وعلا على من يعبد من له صفات النقص، ما لا يسمع ولا يبصر ولا يقدر؛ ولذلك قال الله تعالى على لسان إبراهيم: لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم:42] أي: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يقدر أن يفعل لك خيراً أو يدفع عنك ضراً؟ فهذه من باب العقل صفات نقص، والله له صفات الكمال المطلقة.
إذاً هذه الصفات الثلاث ثابتة لله جل وعلا بالكتاب والسنة والعقل.
وقولنا: إن الله سبحانه يسمع بسمع فيه رد على المعتزلة الذين قالوا: يسمع بعلم، وقالوا في قول الله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58] أي: عليماً بأفعال العباد وأقوالهم، فهم لا يثبتون لله سمعاً، لكن نحن نقول: إن الله يسمع.
فلا بدَّ أن نستحضر صفة السمع عندما نرفع أيدينا إلى الله جل وعلا وأن يكون دعاؤنا بصدق وإخلاص، فالله يسمع دعاءنا فيستجيب لنا، ولعل رجلاً مخلصاً واحداً قام في ثلث الليل الآخر فرفع يده فدعا الله جل وعلا؛ فسمع الله مناجاته وصوته الخافت، ويتذلّله وانكساره بين يديه جل وعلا استجاب الله له ورفع الغمة عن الأمة، والله جل وعلا وسع سمعه كل الأصوات، فهو يسمع من يخفت صوته مناجاة له؛ كما في حديث أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مررت بك يا
القسم الثاني: سمع تأييد ونصرة وتسديد، وهذا السمع لو استحضره أهل الإيمان وأهل الصدق وأهل الجهاد لفازوا به، وهذا السمع يُقبل عليه كل مسلم مؤمن صادق مصدق بقوة الله وقدرته، فموسى وهارون لما خافا من بطش فرعون، فقالا: إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى [طه:45]، قال الله تعالى مجيباً لهما: لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] أي: أسمع ما يقال لكما، واعلما أن نصري لكما بالتأييد والتسديد موجود. فهذا سمع تأييد ونصرة وتسديد، فما أفقر العباد الآن إلى سمع الله جل وعلا سمع التأييد والتسديد والنصرة.
القسم الثالث: من أقسام السمع لله جل وعلا: سمع التهديد والوعيد، وما أحرى الكفار والمنافقين أن يستحضروا سمع الله جل وعلا الذي فيه الزجر والردع والتهديد والوعيد، هذا السمع نستنبطه من قول الله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، هذا تهديد شديد؛ لأن الله يسمع المنافق الذي يكيد في الليل بالمؤمنين، ويسمع الكافر الذي يريد أن ينكس راية لا إله إلا الله ويرفع راية الكفر، فالله يسمع ذلك ويهدد بأنه يسمع ذلك؛ لأنهم راجعون إليه وسيحاسبهم.
أيضاً قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ [التوبة:78] أي: إن كان مكراً دبر بليل وعاونهم على ذلك المنافقون فهو يعلمه، كما ذكر في غزوة الأحزاب أن المنافقين الذين تخلوا عن الله جل وعلا وعن رسوله ومشوا في ركاب الكفار، فإن الله يسمع هذا التدبير بالليل وهذا المكر ويهددهم بهذا السمع، أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ أي: أنهم سيرجعون إليه وسيحاسبهم على ذلك؛ لأنه يسمع سرهم ونجواهم.
القسم الأخير: سمع إجابة الدعاء وسمع إثابة.
وفي ذلك رد على المعتزلة الذين يقولون: أثبتم السمع فقد شبهتم الخالق بالمخلوق، وجعلتم أذناً لله، فنقول: لا يستلزم إثبات صفة السمع إثبات الأذن التي هي الآلة حاشا لله، فلا نثبت ولا ننفي.
أما بالنسبة للبصر فبصر الله جل وعلا يدرك كل المبصرات، ويرى كل شيء، يرى مخ ساق النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، لا تعطي عنه سماء سماء، ولا أرض أرضاً.
وهذه الرؤية تجعل الإنسان يرتدع ويخشى الله الذي يراه، ويرى تحركاته، ويرى ما يدبر بليل، ويرى ما يهدم به الدين، فقد أحاط الله بكل شيء رؤية، كما قال الله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
وبصرٌ يراد به التأييد والنصرة والتسديد، لقول الله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46].
وبصر يراد به الإثابة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
أي: أنه يراك ويرى منك طاعتك ودعاءك وتذللك وانكسارك لله جل وعلا؛ فيثيبك على ذلك.
وأيضاً: قول الله تعالى: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96] تحتمل أيضاً هذه الإثابة؛ لأن الله بصيرٌ بالذي يعمل الخير، فيثيبه على ذلك.
وأيضاً قول الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219] فيراك حين تقوم الليل فيثيبك على هذا، فهذا أيضاً بصر إثابة وبصر تهديد؛ لأن الله يرى ما يحدث فيهدد من يخالف شرعه، أو يخذل دينه ولا ينصره.
قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14] أي: يرى ما يفعل فيحاسبه عليه، وقال جل وعلا: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] فهذا تهديد للمنافقين الذين ينافقون ويدسون السم لأهل الإسلام، فالله جل وعلا يخذلهم، بل ويهددهم بأنه يرى عملهم، بل وسيرى الناس عملهم في الدنيا فضيحة لهم، ثم يرجعون إليه ويبعثون؛ فيحاسبهم على نفاقهم أشد الحساب، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.
وهناك دليلٌ من كتاب الله أن بعض الأشياء ترى من دون عين جارحة كالنار قال الله تعالى: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا [الفرقان:12] فالنار رأت الكفار ولم يثبت لها العين الجارحة.
والله سبحانه قد يبتلي قلب المرء؛ ليعلم هل هو صادق أم أنه لا يريد نصرة الله ولا نصرة رسوله ودينه؟ فهو سبحانه قادر على تغيير الإرادات، فيغير إرادة من يريد إهلاك المسلمين فيصبح يريد الخير للمسلمين، وقد حدث ذلك قديماً وسيحدث حديثاً.
نقول: إن القوة الخفية التي هي قوة الله جل وعلا فوق ذلك كله، والذي يعلم قدرة المليك المقتدر يعلم أن قوة الله جل وعلا ليست في الموت فقط، أو أن يذيق الكافرين الموت، أو يقلب هذا على ذاك، لا، بل غيَّر الله سبحانه قلب رجل واحد وحوله من الكفر إلى الإسلام، ألا وهو نعيم بن مسعود الغطفاني وكان بغية غطفان هو تمر المدينة وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلخل الصفوف بذكاء منه، فقال: (أبايعكم على ثلث تمر المدينة على أن ترجعوا بجيوشكم، فقال
قال الله تعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) من يستطيع حرب الله جل وعلا؟! من يقوى على أن يقاتل الله جل وعلا؟! من قاتل أولياء الله فالحرب بينه وبين الله، فإنَّ الله يقول: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].
قدرة الله المادية ظهرت جلية في أكثر من صورة من صور غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ففي غزوة بدر كان عدد المسلمين أربعة عشر رجلاً وثلاثمائة، وعدد المشركين ما يقارب ألفاً، وجعل الله النصر للمؤمنين: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12].
وأيضاً في غزوة مؤتة كان الروم ثلاثمائة ألف بعددهم وعتادهم بينما عدد المسلمين ثلاثة آلاف، لا يمكن لعقل أن يتصور النصر للمؤمنين، لكن قدرة الله فوق كل قدرة، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284]، فالله قادرٌ على أن يرسل الملائكة يقاتلون من أجل نصرة دينه، قال الله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21]، ومن استيقن هذه الآية علم أن الله غالب على أمره، وعلم أن الله ناصر دينه، وأن الله جل وعلا قال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47].
ففي غزوة مؤتة أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم يخبره ما حصل للمسلمين فيها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في الناس باكياً على مقتل هؤلاء الصحابة، ثم قال: (ثم استلم الراية سيف من سيوف الله جل وعلا استله الله على أعدائه، فجعل النصرة على يديه) أي: جعل الله النصر على يد خالد بن الوليد .
لما فقه هرقل هذا الكلام قال لـخالد : أأنزل الله لك سيفاً من السماء تقاتل به فلا تنكل أبداً؟ وعمر بن الخطاب الذي يفقه أن النصر ليس من خالد ولا من أحد، وإنما النصر من عند الله، أول ما صار خليفة عزل خالداً ، ولما سئل وعوتب على ذلك قال: حتى لا يظن الناس أن النصر من خالد ، ولما تولى الراية أبو عبيدة بن الجراح جعل الله النصر على يديه؛ لأن النصر من عند الله جل وعلا، والقدرة قدرة الله، فمن استيقن بقدرة الله أتاه نصر الله، أما من لم يستيقن بقدرة الله جل وعلا فهو المخذول.
والرد عليهم بأمور:
الأول: الأدلة التي سردناها من الكتاب والسنة في عدم استلزام السمع والبصر للعلم.
الثاني: نقول: إنكم خالفتم إجماع الصحابة.
الثالث: أنتم خالفتم ظاهر القرآن وظاهر السنة بدون قرينة.
الرابع: العقل يرد عليكم، فلا يستلزم العلم السمع والبصر، فالأعمى يعلم بوجود السماء ولا يراها، فهل يستلزم علم الأعمى بالسماء أن يراها؟ لا، أيضاً: الأصم الذي لا يسمع يعلم أن الناس يتكلمون ولا يسمع كلامهم، فلا يستلزم العلم صفة السمع والبصر وأيضاً القدرة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر