إسلام ويب

تحكيم الشرعللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إقامة الحدود الشرعية أعظم دليل على تحكيم الشريعة، وإذا لم تتم الحدود خرب الدين، وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدود في حياته، وفي هذه المادة شرح حديث من البخاري فيه إقامة حد الزنا، كما تجد في شرحه فوائد عظيمة عن أسباب وحلول لمشاكل عصرية تؤدي إلى تلك الجريمة.

    1.   

    حديث البخاري في حكم النبي بحد الزنا

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعــد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

    إخواني في الله: روى الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى في صحيحه في باب الشروط التي لا تحل في الحدود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- أنهما قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر- وهو أفقه منه-: نعم. فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل؟ قال: إن ابني كان عسيفاً عند هذا، فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله. الوليدة والغنم ردٌ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).

    هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه يخبرنا عن حادثة من الحوادث التي وقعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف حَكَمَ فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟

    هذان الرجلان جاءا من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما- يشتكي-: (يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله) يلح على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضي له بكتاب الله، وهذا من قلة فقهه؛ إذ أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله لا يحتاج إلى إلحاح ولا إلى زيادة في الطلب، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يقضي بغير كتاب الله مطلقاً.

    قال الخصم الآخر- وكان أفقه منه-: (نعم. فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي) كان مؤدباً في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: نعم أوافق خصمي على ما قال، اقض بيننا بكتاب الله، ولكن أرجو أن تسمح لي أن أتكلم وأفصل لك في الموضوع، و(حسن السؤال نصف العلم) فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الثاني: قل؟ قال: (إن ابني كان عسيفاً- يعني: أجيراً، أو خادماً- عند هذا الرجل- الخصم: ابني كان خادماً عند خصمي -فزنا بامرأته- ابني الشاب الأعزب زنا بامرأة هذا الرجل وهو خادم عنده -وإني أخبرت، وفي رواية أخرى: فسألت من لا يعلم- سألت أناساً جهالاً لا يعلمون بأحكام الدين -فقالوا: إن على ابني الرجم، فلما علمت هذا الحكم ذهبت إلى هذا الرجل زوج المرأة، فحاولت أن أرضيه بشيء من المال، فأرضيته، فاصطلحنا واتفقنا على أن أعطيه مقابل الزنا الذي حصل بامرأته، أعطيه مائة شاة ووليدة -أي: جارية- بعد ذلك سألت أهل العلم بكتاب الله فأخبروني أن ما على ابني هو مائة جلدة وتغريب عام) أن يذهب به بعيداً عن وطنه وبلدته لمدة عام زائداً الجلد مائة جلدة، وهذا هو حد الزاني غير المحصن الأعزب الذي لم يتزوج، وأن على امرأة هذا الرجل الآخر الرجم -لا بد أن ترجم لأنها محصنة ومتزوجة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله -يعني: بحكم الله تعالى سواءً في القرآن أو في السنة- الوليدة والغنم ردٌ عليك) يأيها الخصم! أرجع المائة شاة والجارية إلى الرجل فهذا شيء باطل، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد الصحابة الذين كانوا يوكلون بإقامة الحدود، وقال: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا الرجل -اذهب عليها وقررها- فإن اعترفت، فارجمها. قال: فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).

    1.   

    فوائد من حديث حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا

    هذا الحديث- أيها الإخوة- يشتمل على أصول عظيمة من أصول الإسلام، وعلى فوائد مهمة، وعلى تحذيرات ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا إليها ويعوها ويعرفوها حق المعرفة، ويرعوها حق الرعاية.

    الانتباه لقضية الخدم ومن في البيت

    أولاً: لقد كان ولد هذا الرجل خادماً عند رجلٍ آخر، فزنا بامرأته.

    مشكلة الخدم- أيها الإخوة- مشكلة عويصة وكبيرة وخطيرة جداً، ومهدمةٌ لأخلاق البيوت، وقاضية على العفة والطهارة، إذا لم يلتزم فيها بآداب الدين وأحكامه، ومشكلة الخدم في عصرنا هذا أضحت من المشاكل العظيمة التي احتار فيها الناس، وبعضهم أودت بهم وببيوتهم إلى مهاوي من الرذيلة والفساد، وفتحت على المسلمين أبواباً من الشرور لا زالت تستفحل حتى الآن.

    ترى الرجل عنده خادمة في البيت شابةٌ جميلةٌ، وعنده أولادٌ بالغون.. كبار.. عزاب يختلطون بهذه الخادمة، وتجد كذلك خادماً، أو سائقاً شاباً موجوداً في البيت.. بهي الطلعة.. مفتول العضلات، يخالط الفتيات من البنات في هذا البيت، ويخالط الزوجة في البيوت، هذه- أيها الإخوة- من الطامات والبلايا التي ابتلينا بها في هذا العصر، فنشأ عن هذا مشاكل كبيرة، وبلايا عظيمة، وانتهاك لحرمات الله، وجرائم أخلاقية تتنافى مع شرع الله لا أول لها ولا آخر، وأصبح أولاد الزنا مشكلة من المشاكل المتولدة عن قضية الخدم، ونحن في هذا المقام لن نناقش هذه القضية، لأن الوقت لا يسمح لها الآن، ولعل الفرصة تتاح لهذا في المستقبل.

    الاختلاط سبب الفتن

    ما هو السبب في الفتنة؟ لماذا تحدث الطامة، وتحدث البلية من هؤلاء الخدم؟

    أحد الأسباب لهذه الجرائم التي تحصل- ما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث فقال-: وإنما وقع له- يعني: للشاب- ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال، فيستفاد منه:

    الحث على إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتوصل بها الشيطان إلى الإفساد، المرأة بطبيعة الحال إذا رأت رجلاً أجنبياً أمامها فجأة، فإنها تنفر منه وتهرب عنه، هذا لو كان في قلبها إيمان واعتراف بحدود الله ومحارمه، فإذاً: لماذا نجد الفاحشة -أحياناً- تقع بين هذا النوع من النساء والخدام والسائقين في البيوت؟

    السبب- أيها الإخوة- طول الملازمة المقتضية لمزيد من التأنيس والإدلال.. العشرة.. والمعاشرة.. كثرة المخالطة والمعايشة مع هذا السائق، أو هذا الخادم هي التي تفضي إلى المحرم.. المقابلة الأولى قد لا توقع إلى محرم، وقد لا تفضي إلى شيء، ولكن زيادة الخلطة والمخالطة والمعاشرة تجعل الجو طبيعياً جداً، وتجعل وجود هذا الأجنبي في البيت بين النساء أمراً عادياً لا ينقد، هذا هو بداية الفساد، وهذا هو الجو المهيأ لوقوع الرذيلة والفاحشة.

    إيجاد الحلول لوجود الخدم والسائقين في البيوت

    أيها الإخوة: إن وجود الخدم والسائقين داخل البيوت يعاشرون نساءنا ويتجولون بينهن من الخطورة بمكان؛ لأنه سيزيل حاجز الكلفة بين هذا السائق، أو هذا الخادم وهذه المرأة، سيصبح هذا الرجل كأنه من أهل البيت لا فرق بينه وبين الزوج أو الابن أو الأخ، يدخل متى شاء ويخرج متى شاء، يدخل والمرأة في حالة من التكشف كأنها أمام زوجها، وكأنه لا يوجد عندها رجل أجنبي، وهذه المخالطة وهذه الإزالة للحاجز هي التي توقع في الجريمة، وهي التي تهيئ أسباب الفساد، لذلك كان لا بد من إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة هي التي تفضي إلى الفساد، مَن مِن الناس اليوم الذين يوجد عندهم خدم وسائقون يفصلون بين بيت الخدم وبيت النساء؟

    مَن مِن اليوم يمنع السائق من الدخول إلى داخل البيت، ويبقي السائق في حجرة خارجية خارج سور البيت، أو له باب آخر مختلف عن باب البيت؟

    من الذي يحرص على منع الاختلاط؟

    إنهم قلة من الناس جداً، بل إن هذا الفصل غير واقعٍ تقريباً في أحوال البيوت اليوم، ولذلك- يا إخواني- نسمع بالمآسي، ونسمع بالطامات، ونسمع بمواليد يولدون لا يمتون بصلة إلى الأب، أو الزوج في البيت.

    هذه مشاكل- أيها الإخوة- نشأت عن إهمال حدود الله تعالى، وعدم تعظيم حرمات الله.

    فالحذر الحذر من هذه الفتنة العظيمة، والطامة الكبيرة، التي عمت ودخلت كل بيت، فأصبحت من الفتن.

    الله الله في بيوتكم.. الله الله في نسائكم.. الله الله في محارم الله.. الغيرة الغيرة- أيها الإخوة- على حدود الله ومحارمه.. جنب أولادك ونفسك ونساء بيتك هذه المحرمات التي شاعت بسبب تعود الناس عليها وعدم إنكارها.

    1.   

    وجوب التحاكم إلى شرع الله

    هناك قضية أخرى من القضايا الأصولية العظيمة في هذا الحديث وهي: وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً [الزمر:23] وأوحى إلى رسوله عليه الصلاة والسلام وحياً -قرآناً وسنةً- لا لتبقى على الرفوف معزولة عن واقع الناس وحياتهم، وإنما ليحكم بين الناس بما أنزل الله، ويحكم من بعده عليه الصلاة والسلام بما أنزل الله تعالى.

    يجب التحاكم إلى الكتاب والسنة، ونبذ أي مصدر آخر للتشريع غير القرآن والسنة، وأي مصدر من المصادر يُتحاكم إليه غير الكتاب والسنة فهو طاغوت من الطواغيت، ومحادة لله تعالى، وإشراكٌ به -عز وجل- شركاً أكبر يخرج عن الملة، وينقل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر- والعياذ بالله- وكثيرٌ من الناس اليوم يتحاكمون إلى الهوى، أو إلى العادات والتقاليد، أو إلى شرائع شرعوها بينهم- ما أنزل الله بها من سلطان- فيقعون في الكفر- والعياذ بالله- وقد لا يعذرون بجهلهم، وهذا الرجل في هذا الحديث مثالٌ على الجاهل الذي ظن بأن هذا الحد الذي وقع فيه ابنه من الأشياء التي يمكن أن يصالح عليها بالمال فجاء إلى هذا الرجل، وقال له: ما يرضيك؟ كيف أرضيك؟ هذا ابني زنا بزوجتك. ماذا يرضيك؟

    فدفع له مائة شاة وجارية؛ لكي يرضا ذلك الرجل عن الزنا الذي حصل بزوجته- والعياذ بالله- هذا تحاكمٌ إلى عادات أو تقاليد أو أعراف أو أهواء موجودة في المجتمع، نسف صلى الله عليه وسلم هذا الحكم من أصوله واجتثه، وقال: (المائة شاة والوليدة ردٌ عليك) ارجع ما دفعت إليه هذا باطل لا يجوز.

    خطر التحاكم إلى غير شرع الله

    كثيرٌ من الناس اليوم يجعلون القرآن والسنة في جانب، ويتحاكمون إلى العادات والتقاليد، أو الأشياء التي شرعت من دون الكتاب والسنة، أو الأهواء التي اتبعت يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:60].

    أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50].

    وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49].

    وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].

    وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].

    وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] ثلاثة أوصاف في سورة المائدة بينت قضية الحكم، يجب أن يكون الحكم لله، لا تُحكِّم عادة، ولا تقليد، ولا عرف من الأعراف، ولا هوى من الأهواء، ولا أشياء شرعها البشر من عند أنفسهم، لا يجوز تحكيم إلا القرآن والسنة وإلا فلسنا بمسلمين.

    ولذلك- أيها الإخوة- حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله من فوق سبع سماوات أن يجلد هذا الشاب مائة جلدة، وأن ترجم المرأة؛ لأنها زانية محصنة قد تزوجت، ثم زنت بعد إحصانها وزواجها، فوجب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، وأقيم الحد عليها بعد اعترافها.

    حدود الله لا يساوم عليها ولا يتراضى فيها

    لم يرض الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم الجاهلي الذي ابتدعه هذا الرجل، واتفق عليه هو وصاحبه، وكثير من الناس اليوم يتراضون فيما بينهم بأحكام لم ينزل الله بها من سلطان، ويعرضون عن القرآن والسنة، وينسون حق الله بالحدود.

    رجل يزني بامرأة رجل آخر، ثم يقول له: ما الذي يرضيك حتى أدفعه لك؟! أين حكم الله؟ هل هذا هو حكم الله؟!! التعويضات المالية في عملية الزنا هي حكم الله؟! لا والله.

    لذلك كان من محادة الله تعالى ومعاداته ما يقع في تشريعات كثيرٍ من البشر اليوم أنهم قالوا: لو أن رجلاً زنا بامرأة وهي راضية برضاها وهو راضٍ، فلا شيء عليهما، لماذا؟

    قالوا: لأنهما رضيا.. كل منهما راضٍ بالزنا، فلا شيء عليهما، تعالى الله عما يقول الكافرون علواً كبيراً.

    ويأتي رجلٌ آخر يقول: أنا أتفق مع البنك على الربا أنا راضٍ وهو راضٍ بالربا، كلنا راضين، لا أحد مكره على هذا، إذاً الربا حلال، لماذا؟ لأنني أنا راضٍ والطرف الآخر راضٍ أيضاً، هذا هو عين الكفر.. هذا هو عين الوقوع في محرمات الله تعالى، إذا كنت أنت راضٍ وهي راضية، فهل رضي الله عزَّ وجلَّ عن هذا الأمر الذي ستقدم عليه وتفعله؟

    كثيرٌ من الناس يحتجون بمبدأ الرضا في العقود حتى ولو كانت مخالفة لشرع الله تعالى، وهذا- أيها الإخوة- خطرٌ عظيمٌ جسيمٌ يهدد الأمة ويسلخها سلخاً عن دين الله، ويبعدها إبعاداً كبيراً عن أحكام الله وشرائعه.

    إذا كنت راضياً والطرف الآخر راضٍ، والله لم يرض عن هذا العمل، وقال الله في كتابه: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء:22] أو قال في كتابه أنه يحارب من يفعل هذا الفعل، ثم أنت تقول: أنا راضٍ والطرف الآخر راضٍ، فنحن نقدم على هذا الفعل، ما دام أنه لا أحد مكره، فإن الله لا بد أن يحاربك، ولا بد أن ينتقم منك، وقد ينتقم في الدنيا قبل الآخرة.

    لا بد- أيها الإخوة- من الاحتكام إلى القرآن والسنة وتطبيق الحدود، وعدم المساومة عليها بالأموال، وعدم التراضي، إذا وصل الحد إلى القاضي أو الإمام، فلا يجوز التراجع عنه مطلقاً، لا بد من الاحتكام إلى كتاب الله تعالى.

    أين حق الله الذي ضيع في كثيرٍ من الحدود التي يقع فيها الناس اليوم؟

    الحدود والمحرمات التي يقترفونها.. يتحاكمون فيها إلى من؟

    يجب العودة إلى الكتاب والسنة.

    أيها الإخوة المسلمون! وفقني الله وإياكم لتحكيم شرع الله في أنفسنا، والعودة إلى القرآن والسنة، تطبيقهما في واقعنا، ونسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الإشراك به، أو تحكيم غير كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الرجوع إلى أهل العلم في مسائل الشرع

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    كان من الفوائد غير ما تقدم في هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى فائدة عظيمة جليلة، وهي: الرجوع إلى أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة، فإن هذا الرجل سأل بادئ ذي بدء أناساً غير عالمين بكتاب الله، فقالوا له: إن على ابنك الرجم، وليس على الولد الرجم؛ لأنه أعزب غير متزوج وزنا، ففي هذه الحالة ليس عليه الرجم، فأخبروه بهذا الحكم المخالف لحكم الله تعالى مما جعله يفتدي ولده من هذا الرجل بتلك الأموال العظيمة التي دفعها إليه، فلما سأل أهل العلم أخبروه.

    قال في الحديث: (ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم) ثم إني سألت أهل العلم، قال الله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43] وهذه من المصائب التي وقع فيها الناس اليوم، فإذا أرادوا أن يسألوا عن حكم من الأحكام، فإنهم لا يسألون المحققين من العلماء، ولا يسألون من عرف بالعلم والتقوى من العلماء، وإنما تجد أحدهم يسأل جاهلاً مثله أو أقل منه، وتجد أحدهم يسأل كبيراً في بيته، أو في عشيرته، ثم يحتكم إلى قوله، وتجد أحدهم يسأل قاصاً من القصاصين، أو أديباً من الأدباء، أو مؤرخاً من المؤرخين ممن لا علاقة له بفقه الكتاب والسنة مطلقاً، فترى الناس لا يميزون اليوم بين أهل العلم وغيرهم، فيسألون من شاءوا ممن واجهوا وممن سمعوا عنهم وحتى ولو كانوا ليسوا من أهل العلم.

    لابد أن نتحرى من هم العلماء الصالحون، ولابد من السؤال عنهم ثم سؤالهم، قال الله تعالى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً [الفرقان:59] لابد من الرجوع إلى الخبراء بالكتاب والسنة.

    الناس اليوم إذا مرضوا اختاروا أحسن الأطباء والمتخصصين في هذا المرض، فإذا وقعوا في مرض من الدين لم يرجعوا إلى المختص بهذا المرض، وإنما سألوا أي واحد من الناس.

    أنتم ونحن مسئولون جميعاً عمن نسأل في ديننا، ستسأل أمام الله تعالى هذه المسألة التي وقعت لك من سألت فيها؟ لماذا سألت فلاناً من الناس فيها؟ ستسأل يوم القيامة لماذا انتخبت فلاناً من الناس وسألته؟

    هل لأنك تعرف بأنه يصدر الفتاوى السهلة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟

    هل لأنه يقول ويحكم بالأسهل -بغض النظر عن كونه حقاً أو غير حق- فأنت تسأله لمجرد أنه يفتيك بالأسهل؟

    أم لمجرد أنك توهمت أن عنده شيئاً وليس عنده شيء، أو لمجرد أنه قد نفخ نفسه أمام الناس بالعلم، وادعى به ثم أنت تسأله؟

    لابد أن تتحرى -يا أخي المسلم- من تسأل، لا تسأل أي أحد، ارجع إلى العلماء الأجلاء، ونحن والحمد لله -أيها الإخوة- في مجتمعنا هذا يوجد عندنا علماء أجلاء من كبار العلماء في العالم، لكن للأسف معطلين لا يرجع إليهم الناس ولا يسألونهم ولا يتصلون عليهم هاتفياً أو يكاتبونهم أو يسافرون إليهم.

    الواحد إذا أراد أن يستورد بضاعةً أو يجلب عاملاً أو سائقاً سافر من أجله آلاف الأميال، أما إذا وقع له شيء في الدين فإنه لا يكلف نفسه السفر ولو لبضع مئات من الأميال، مع أن هذا دين وليس تجارة.. ليس مالاً.. ليس عرضاً دنيوياً.

    الناس يسافرون إلى أعراض دنيوية المسافات الشاسعة، ثم لا يكلف نفسه مطلقاً لا بالاتصال ولا بالكتابة ولا بالسفر إلى العلماء الأجلاء وهم موجودون في بلده ليسوا ببعيدين عنه، لا يكلف نفسه الاتصال بهم وسؤالهم، ويسأل أي واحد من الناس أو يحكم هواه هو، فيقول: لعل هذه المسألة ما فيها شيء، لعل هذه القضية حلال.. إن الله غفور رحيم.. هذه فاتت وماتت، وهي لم تمت بل هي مسطرة عند الله تعالى.

    فلابد من الرجوع إلى العلماء لا أدعياء العلم ولا الجهلة، ولا تسأل قاصاً أو مؤرخاً أو أديباً عن مسألة شرعية تتعلق بالكتاب والسنة، أو تسأل واعظاً.

    هناك فرق بين الواعظ والعالم.. الواعظ قد يذكرك بالله والجنة والنار، لكن قد لا يستطيع أن يحكم، أو يفتيك في مسألة تتعلق في الفقه أو تتعلق بالحلال أو الحرام، يجب أن تفرق بين الواعظ الذي يبكيك وتشعر بأن كلامه يطري القلب فقط، وبين العالم الذي تعلَّم العلم وأفنى فيه عمره وطبقه وخشع لله من أجل هذا العلم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] العلماء الحقيقيون هم الذين يخشون الله، لابد من الرجوع إليهم وسؤالهم، والتحري عنهم والتثبت، تسأل من؟ وما هو دليله على كلامه الذي يقوله لك؟ عند ذلك تكون على صراط مستقيم.

    اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الديان، أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه.

    اللهم إنا نسألك التحاكم إلى القرآن والسنة، اللهم وفقنا العودة للقرآن والسنة والتحاكم إليهما ونبذ الشرائع الضالة التي اخترعها البشر.

    اللهم إنا نسألك أن تحمي بلدك هذا وبلاد المسلمين من شر كل ملحد وطاغوت.

    اللهم من أراد ببلدنا هذا أو بلاد المسلمين سوءاً فاردد كيده في نحره، واجعله عبرةً لمن يعتبر.

    اللهم من أراد دينك بسوءٍ فاقطع يده وشتت شمله، ودمره تدميراً، وانصر دينك وكتابك ورسولك على سائر الأديان والملل.

    اللهم واجعل دينك عاماً منتصراً على سائر الأديان، واجعل عقيدة التوحيد مهيمنة على سائر العقائد والبدع.

    اللهم واجعلنا من أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا نبيك صلى الله عليه وسلم وما حرفوا دينك وما بدلوه تبديلاً.

    اللهم واجعلنا من المتمسكين بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم العاضين عليها بالنواجذ، وجنبنا الإحداث والبدع.

    اللهم واجعلنا من المتمسكين بشرعك الحافظين لحدودك.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر اليهود والكفرة والملحدين وسائر أعداء الدين.

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا نوراً من الإيمان تقذفه في قلوبنا نرى به طريق الحق.

    اللهم وارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعذنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم وأظللنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

    اللهم واجعلنا ممن سلمتهم على الصراط يوم الفزع الأكبر، اللهم سلمنا على الصراط، اللهم سلمنا على الصراط واجعلنا ممن يجوز عليه إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

    وصلوا على نبيكم الرحمة المهداة، سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755925797