إسلام ويب

شرح لامية الأفعال [7]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن مضارع (فعَل) بالفتح له قواعد متعددة: منها أن لكسر عينه جوالب، وهي أن يكون الحرف الأول منها واواً، وإذا كانت العين مضاعفة لازمة، وإذا كانت عينه ياء، وإذا كانت لامه ياء. ومن القواعد أن لضم عينه جوالب، وهي التضعيف مع التعدي، وإذا كانت عينه واواً، وإذا كانت لامه واواً، وإذا كانت (فعَل) تدل على المغالبة.

    1.   

    أهم القواعد الضابطة لمضارع (فَعَل) بالفتح

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فقد ذكرنا أن الفعل الثلاثي له ثلاثة أوزان على الراجح، وهي: (فعَل)، و(فعِل)، و(فعُل)، وذكرنا أبنيتها، بمعنى: أوزان الماضي فيها، وما يتعلق بها، ومعانيها -أي: ما تصاغ له- وذكرنا من تصاريفها تصاريف (فعُل) بالضم، و(فعِل) بالكسر؛ أي: المضارع المصوغ منهما، والآن نصل إلى تصاريف (فعَل) بالفتح؛ أي: المضارع الذي يصاغ منها، وإنما أخر (فَعَل) لكثرة الكلام عليها، فمضارع (فعُل) له قاعدة واحدة، لم يشذ منها إلا كلمة واحدة، ومضارع (فعِل) له قاعدة واحدة، وقد شذ منه خمسة وعشرون فعلاً كما سبق، أما مضارع (فعَل) بالفتح فله قواعد متعددة:

    القاعدة الأولى: هي أن لكسر عين مضارع (فَعَل) بالفتح أربعة جوالب، هي: الواو فاءً، معناها: إذا كان الحرف الأول منها واواً، فهذا جالب لكسر عين المضارع، الثاني: التضعيف مع اللزوم إذا كانت مضاعفة لازمة، فهذا جالب لكسر عين مضارعها، الثالث: الياء عيناً، معناه: إذا كانت الياء الحرف الأوسط من فعل بالفتح، فهذا جالب لكسر عين مضارعها، الجالب الرابع: الياء لاماً، معناه: إذا كانت الياء الحرف الأخير من (فَعَل) بالفتح، فهذا جالب لكسر عين مضارعها؛ إذاً هذه الجوالب الأربع للكسر.

    القاعدة الثانية: أن لمضارع (فَعَل) بالفتح أربعة جوالب للضم، وهي: التضعيف مع التعدي، إذا كانت (فَعَل) بالفتح مضاعفة متعدية، فهذا جالب لضم عين مضارعه، الثاني: الواو عيناً، معناه: إذا كانت الواو الحرف الأوسط من (فَعَل) بالفتح، فهذا جالب لضم عين مضارعها، الثالث: الواو لاماً، إذا كانت الواو الحرف الأخير من (فَعَل) بالفتح، فهذا جالب لضم عين مضارعها، الجالب الرابع: بذل الفخر، معناها: إذا كانت (فَعَل) تدل على المغالبة ضم عين مضارعها، وعلى غلبة أحد الطرفين على الآخر، فذلك جالب لضم عين مضارعها، فإذاً هذه أربعة جوالب للضم.

    القاعدة الثالثة: أن لفتح عين مضارع (فَعَل) بالفتح جالبين، وهما: العين الحلقية، معناه: إذا كانت (فَعَل) حلقية العين، الحرف الأوسط منها حرف حلق من حروف الحلق الستة، التي هي: الهمزة، والهاء، والعين، والغين، والحاء، والخاء، فذلك جالب لفتح مضارعها، الثاني: اللام الحلقية، معناه: إذا كانت اللام؛ أي: الحرف الأخير من (فَعَل) بالفتح حلقية -أحد حروف الحلق الستة- فذلك جالب لفتح عين مضارعها، وهذه الجوالب يقع التعارض بين بعضها، بين ما يمكن اجتماعه منها، وبين ما لا يمكن اجتماعه، وسنضع لها جدولاً؛ لأنها عشرة جوالب: أربعة للكسر، وأربعة للضم، واثنان للفتح، الجميع عشرة جوالب، بعضها لا يمكن اجتماعه، مثل: التعدي واللزوم في المضعف، الواو عيناً والياء عيناً، الواو لاماً والياء لاماً، مستحيل اجتماعهما، العين الحلقية والياء عيناً، أو الواو عيناً، مستحيل الاجتماع، اللام الحلقية مع الياء لاماً، أو الواو لاماً، مستحيل، فلا يمكن أن يزاحم لزوم المضعف؛ فإذاً هذه لا يمكن اجتماعها، البقية يمكن اجتماعها، وسنذكر مواضع لتغليب بعضها على بعض (قواعد التغليب)، نقول: الأصل غلبة جالب الكسر، ثم يليه جالب الضم، ثم يليه جالب الفتح، لكنه في بعض المواضع يغلب جالبُ الضم جالبَ الكسر، وفي بعض المواضع يغلب جالب الكسر جالب الضم.. إلخ.

    القاعدة الرابعة هي: أن (فَعَل) بالفتح إذا لم يكن لها أحد هذه الجوالب العشرة، فإنه يرجع فيها إلى ما اشتهر في لسان العرب، والمشتهر ينقسم إلى قسمين: إلى مشتهر بالكسر، ومشتهر بالضم، فالمشتهر بالكسر نسميه باب: (ضَرَب)؛ لأن ضرب ليس فيها أحد من هذه الجوالب، وقد اشتهر مضارعها بالكسر (يضرِب)، والمشتهر بالضم هو القسم الثاني، وهذا نسميه باب: (نَصَر)؛ لأن (نَصَر) ليس فيها جالب من هذه الجوالب العشرة، ومضارعها اشتهر بالضم، نقول فيه: (ينصُر).

    القاعدة الخامسة: إذا لم يرد الجالب ولا الشهرة في مضارع (فَعَل) بالفتح، فأنت بالخيار فيه: بين الكسر، والضم، وهذه القاعدة سنذكر فيها خلافاً على أربعة أقوال.

    فإذاً هذه هي أهم قواعد مضارع (فَعَلَ) بالفتح، ونظراً لكثرة الكلام فيها وتشعبه أخرها، فقال ابن مالك رحمه الله:

    1.   

    جوالب الكسر لعين مضارع (فعَل)

    ذا الواو فاءً أو اليا عيناً أو كأتى كذا المضاعف لازماً كحن طلا

    وقال قبله:

    وأدم كسراً لعينٍ مضارعٍ يلي فعلا

    الجالب الأول: ما كان واوي الفاء في (فعَل)

    معناه: أدم الكسر فيه، أي أن كل ما كان واوي الفاء في (فَعَل) بالفتح، فإن مضارعه الأصل فيه الكسر، إلا ما سيستثنى، وسنذكر ما يستثنى منه، عندما يعارضه جالب آخر أقوى منه.

    (وأدم كسراً لعين مضارع يلي فعلا)، ومعنى (يلي فعلا): أن المضارع هو الدرجة الثانية في التصريف بعد الماضي، تقول: (فَعَل، يفعَل) كما هنا، كذلك (وقف، يقِف)، فتكسر المضارع هنا؛ لأنه من فعل بالفتح، ولأن فاءه واو، هذا جالب لكسر عين المضارع، (ذا الواو فاء)، ومحله إذا كان غير حلقي اللام، أما إذا كان حلقي اللام، فإن جالب الفتح يغلب جالب الكسر فيه، وذلك مثل: (وَضَع)، فإن مضارعها (يَضَع)، كما سنذكره، ومثال (فَعَل) بالفتح التي فاؤها واو: (وقَفَ، يقِف)، و(وَعَد، يَعِد)، ذا الواو فاء، ولا نطيل البحث هنا في هذا، فلا نحتاج إلى الاستقصاء فيه؛ لأن الشذوذ فيه قليل، بخلاف ما سنتكلم عليه في التضعيف، التضعيف يكثر الشذوذ فيه.

    أما (الواو فاءً) فقد سبق التلميح إلى أن ذلك أيضاً جالب لكسر عين المضارع في (فَعِل) بالكسر، وإن كان ابن مالك لم يصرح بهذا ولا أحد من أهل التصريف، لكن بالتتبع وجدنا الأفعال التي شذ مضارعها بالكسر من (فَعِل) بالكسر، أكثرها واوية الفاء، كما سبق التنبيه عليها؛ وعلى هذا فسنعرف المناسبة بين الواو إذا كانت فاء الكلمة مع الكسر في عينها؛ لأن الواو فيها ثقل، فينبغي التدرج منها، وأول ما يلي الضم الكسر، فهو أسهل؛ فلذلك يكثر الكسر في المضارع إذا كان ماضيه واوي الفاء مطلقاً، سواء كان من (فعَل) أو (فعِل).

    الجالب الثاني: ما كانت عينه ياء في (فعَل)

    (أو اليا عيناً)، كذلك أدم كسراً لعين مضارع (يلي فعلا): إذا كان ذا الياء عيناً، ذا الواو فاءً، أو ذا الياء عيناً، (ذا) معناها: صاحب، (الياء عيناً)، وهي حال هنا من قوله: (يلي فعلا): مضارع ذا الواو فاءً، أو مضارع ذا الياء عيناً، إذا كانت الياء عين فعل، معناه: الحرف الأوسط منها؛ لأن هذه الحروف، حروف (فَعَل) هي ميزان الصرف، فالحرف الأول من المادة يسمى فاء، والحرف الأوسط منها يسمى عيناً، والحرف الأخير منها يسمى لاماً دائماً، كما قال ابن مالك:

    بضمن بفعل قابل الأصول في وزن وزائد من لفظه اكتفي

    (زائد): أتى به بلفظه، مثل: (أفعل)، الفاء هي الحرف الثاني منها؛ لأن الحرف الأول زائد، ومثل: (استخرج)، فالفاء هي الحرف الرابع منها؛ لأن الحروف الثلاثة الأولى منها زوائد، ومثل: انطلق، فالفاء هي الحرف الثالث منها؛ لأن الحرفين الأولين زائدان، (أو اليا عيناً)، ولو حلقي اللام، (اليا عيناً) من أقوى جوالب الكسر في (فَعَل) بالفتح، وهي مثل: (جاء)، فهي من المجيء، فأصلها (جَيَأ)، لكن تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله؛ فوجب قلبه ألفاً، فقيل: (جاء)، ومضارعها (يجيء) بالكسر، وكذلك (باع)، فهي أصلها (بيَع) أيضاً، لكن تحرك حرف العلة، وانفتح ما قبله؛ فوجب قلبه ألفاً، فقيل: (باع)، ومضارعها (يبيع)، وأما (طاح) (يطوح) و(يطيح) فواوية يائية، (طاح) (فَعَل) بالفتح، ومضارعها سمع فيه: (يطيح) و(يطوح)، فيقال: لا بد أن تكون إحداهما شاذة، لكن يجاب عن هذا بأنه لا شذوذ فيه؛ لأنه في لغة العرب من الواوي اليائي، فالعرب يستعملونه واوياً من الطوح، ويستعملونه يائياً من الطيح، ومعناهما واحد.

    فيقال: (طَوَح) و(طَيح)، في الأصل، لكن تحرك حرف العلة، وفتح ما قبله، فوجب قلبه ألفاً، فالماضي لا يفرق فيه بين الواوي واليائي، لكن المضارع يفرق فيه بينهما، (طاح)، بمعنى: سقط، هذا أصلها، وتطلق أيضاً على السقوط المتناهي، وعلى وصول المطر إلى الأرض، ونحو ذلك، وأما (طوَّح) فبمعنى: ضرب في الأرض وامتجع فيها، و(أطاح الشيء) معناه: وهبه ونحله، ومنه قول الشاعر:

    ليبك يزيدَ ضارعٌ لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح

    (تطيح) بمعنى: تعطي الطوائح، وأصل ذلك: أن الذي يضرب الشجر ليسقط له الثمر أو الورق كأنه يسأله، يستجديه؛ لذلك قال: مختبط، المختبط هو السائل، (مما تطيح الطوائح): مما يأتيه مما يسأله، فهذه من الواوي اليائي، والواوي اليائي كثير، وقد نظم فيه ابن النحاس قصيدته المشهورة، يقول فيها:

    قل إن نسبت عزوته وعزيته وكَنَوْت أحمد كنية وكنيته

    الجالب الثالث: ما كانت لامه ياء في (فعَل)

    (أو كأتى): هذه حال أخرى معطوفة على سابقتيها، معناه: وأدم الكسر، (وأدم كسراً لعين مضارع يلي فعلا): إذا كان كأتى، (يلي): (فَعَلَ) كـ(أتى)، (كأتى): حال، معناه: حال كونه كأتى، والمقصود بذلك: إذا كان يائي اللام، فـ(أتى) يائية اللام؛ لأن الحرف الأخير منها ياء أصلها (أَتَيَ)، وتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله؛ فوجب قلبه ألفاً، فقيل: (أتى)، ومضارعها (يأتي)، (أتاه، يأتيه)، ومثلها: (هداه، يهديه)، وقد شذ من هذا الجانب كلمة واحدة وهي: (أبى)، فهي فعل بالفتح، يائية اللام، ومع ذلك لم يرد في مضارعها الكسر، لم يقل العرب: (يأبيه)، وإنما يقولون: (يأباه)؛ ولذلك قال: (وشذ ياباه في يابيه)، و(شذ يأباه)، وهي فتح مضارع (أبى)، (في يأبيه): يقصد أن الأصل في المضارع أن يكون بالكسر، وإن لم يسمع، ومن النادر الكسر فيها الذي هو الأصل، وأما (كناه، يكنوه ويكنيه) فواوية يائية، (كناه) أيضاً سمع فيها: (يكنيه، ويكنوه)، (يكنيه) بالكسر، و(يكنوه) بالضم، ولا شذوذ فيها؛ لأن يكنيه من (كنى)، من الكنية، فهي يائية، و(يكنوه) من الكنوة، فهي واوية، وسنبين الواو إذا كانت لام (فَعَل) بالفتح، فذلك داع لضم عين مضارعها، جالب اللفظ، نعم، نسميها الجوالب، ونسميها الدواعي، وأما (كناه، يكنوه، ويكنيه) فواوية يائية، وقد ذكرها ابن النحاس أيضاً في قصيدته، فقال:

    قل إن نسبت عزوته وعزيته وكنوت أحمد كنية وكنيته

    قال الشاعر:

    وإني لأكنو عن قذورَ بغيرها وأعرب عنها مرة فأصارح

    (وإني لأكنو): جاءت هكذا (لأكنو)، وجاءت (لأكني)، (عن قذورَ بغيرها)، (قذور): من أعلام النساء، ومعناه: التي تستقذر كل شيء لزهوها، (أكنو عنها بغيرها)، معناه: لا أصرح باسمها، (وأعرب عنها مرة فأصارح): قد يصرح باسمها.

    وصافحت منْ لاقيت في البيت دونها وكل الهوى مني لمن لا أصافح

    هذا الصاحب الثاني.

    الجالب الرابع: التضعيف في عين (فعَل) ولامها، مع اللزوم

    قال: (كذا المضاعف لازماً كـ(حَنَّ طلا))، الجالب الرابع من جوالب الكسر هو: التضعيف مع اللزوم، فإذا كان الفعل على وزن (فَعَل) بالفتح، وكان مضاعفاً؛ أي: تماثلت عينه ولامه، وكان لازماً؛ أي: غير ناصب للمفعول، فإن ذلك جالب لكسر عين مضارعه، وذلك مثل: (حنَّ طلاً)؛ أي: صغير، (الطلا): الصغير من أولاد الوحش ومن أولاد البقر، وغير ذلك، فمضارعها (يحِن)، و(حَنَّ إلى وطنه) معناه: اشتاق إليه، فتقول فيها: (يحِن، حنيناً)، وكذلك (أَنَّ المريضُ يئن)، معناه: صوت لتألمه، وهذا فيه شذوذ سيبينه.

    المضاعف اللازم شذ منه عدد من الأفعال، جاء مضارعها بالضم، وأما (أبى) التي ذكرناها من الشاذ مما لامه ياء، ولم يسمع منها سواها، فقد ألمح الحسن -في نظمه الذي سبق لما لا نظير له- إلى أن الفاء الحلقية التي فيها يمكن أن تعتبر جالباً للفتح؛ لأنها سمعت مؤثرة في ثلاثة أفعال، فحرف الحلق إنما يؤثر في فتح عين المضارع، حيث كان عيناً أو لاماً، الجوالب الآن، فجوالب الفتح ما هي؟

    حرف الحلق إذا كان عيناً، وحرق الحلق إذا كان لاماً، أما حرف الحلق إذا كان فاءً كان هو الحرف الأول، فإننا وجدناه مؤثراً فقط في ثلاثة أفعال، هي: (أبى، يأبى)، و(هلك، يهلك)، و(أثَّ الشعر، يأث)، فهذه ثلاثة أفعال، الحرف الأول منها حلقي، وجاء مضارعها بالفتح؛ ولذلك قال: (إلا أبى فمنه أثَّ الشعر وهلك العاتي وعض الصفر)، يمكن أن تعد معها أيضاً (عض)، مع أننا ذكرنا أن الفتح الذي فيها من باب التداخل من (فعِل) بالكسر، ويمكن أن يقال أيضاً ذلك في (هلك)، فيمكن أن تكون من باب التداخل؛ لأن فيها (هَلَك)، و(هلِك).

    1.   

    جوالب الضم لعين مضارع (فعَل)

    وضم عين معداه ويندر ذا كسرٍ كما لازم ذا ضم احتملا

    قال: (وضم عين معداه): انتهينا من جوالب الكسر، ونصل إلى جوالب الضم، فيقول: (وضم عين معداه)، (معداه)؛ أي: المضاعف، معناه: إذا كانت (فَعَل) بالفتح مضاعفة؛ أي: تماثل عينها ولامها، وكانت متعدية؛ أي: ناصبة للمفعول، فإن ذلك داع لضم عين الفعل المضارع منها، وذلك مثل: (مده، يمده) و(رده، يرده) و(شده، يشده).

    الأفعال التي استعملت متعدية، واستعملت لازمة

    وفيه شذوذ أيضاً مثلما ذكرنا في اللازم، قال: (وشذ كسره كضم اللازم)، فإن التضعيف -كما ذكرنا- فيه شذوذ من الطرفين، التضعيف إذا كان مع اللزوم داع (جالب) للكسر، وإذا كان مع التعدي جالب للضم، لكن شذ من اللازم أفعال بالضم، وشذ من المتعدي أفعال بالكسر كما سيبينه؛ ولذلك قال: (ويندر ذا كسر كما لازم ذا ضم احتملا)، (ويندر ذا كسر) معناه: ويندر أن تجد مضارع (فَعَل) بالفتح المضعفة المتعدية مكسوراً، هذا لازم، (كما لازم ذا ضم احتملا): كما أن اللازم من (فَعَل) بالفتح المضعف سمع الضم في مضارعه في بعض الأفعال، فاحتملت؛ أي: نقلت عن العرب، قال الحسن:

    وفي الصحاح انبناء الضم فيه على لمح التعدي لذاك اللمح قد نقلا

    فرداً بذب ونص غض حف به وحط عق وصفَّ منَّ لا حللا

    هذان البيتان كان ينبغي ألا يأتي بهما هنا، كان اللازم أن يؤخرهما، وسيذكر ذلك، سيقول: (ولولا أن هذا حشو بيت لأضفت هنا في الصحاح البيتين)، لكن نظراً لأن محلهما في حشو البيت - في وسط البيت- أتى بهما في هذا الموضع، قال: وفي الصحاح للجوهري، ويبدو أن الصحاح لم يكن من مراجعه المباشرة، وإنما كان يرجع إليه بالواسطة؛ ولذلك قال هنا: كما نقل الحضرمي كلاماً مفاده: أن انبناء الضم فيه على لمح التعدي، فذكر أنه لم يرجع إلى الصحاح مباشرة في هذا، وإنما رجع إلى الحضرمي، والكلام الذي ذكره الحضرمي هنا ونقله من الصحاح، فـالحضرمي ذكر هنا في المضعف اللازم من (فَعَل) بالفتح الذي مضارعه بالكسر خمسين مثالاً (خمسين فعلاً)، حيث قال: ومثال النوع الرابع -وهو المضاعف اللازم من (فَعَل) المفتوح- (تبت يداه، تتب): خسرت، و(دب على الأرض، يدب)، و(غب اللحم، يغب): إذا بات، وفي وروده يوماً، ونزوله يوماً، قال فيها: (غب)، أيضاً، و(رث الحبل يرث): بَلِي، و(ضج، يضج، ضجيجاً): صرخ، كـ(عج، يعج) و(صح جسمه، يصح)، و(كد في عمله، يكد): باشره بشدة، و(ند البعير، يند): شرد، و(صر، يصر): صرخ، ومنه: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ [الذاريات:29]، و(فر، يفر)، (قرت نفسه من أكل شيء، تقر): نفرت، و(كز عنه، يكز): انقبض، و(هزت الريح، تهز، هزيزاً): سمع لها دوي، و(بض الماء، يبض): قطر، و(أطَّ القتب، يئط): صوت من ثقل الحمل، و(غط النائم، يغط)، و(حق الشعر، يحق): اغبر لبعد عهده بالدهن، و(خف الشيء، يخف، خفة)، و(رف إليه، يرف): دبَّ، و(ذف، يذف): أسرع، كـ(زف، يزف)، ومنه: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ [الصافات:94]، و(هف، يهف)، و(شف الدرهم، يشف): زاد، و(شف أيضاً): نقص، من الأضداد، وكذا (طف، يطف): زاد، و(طف، يطف): نقص، و(عف الرجل عن المحارم، يعف، عفة)، و(قف شعره، يقف): قام من الفزع، و(حق الأمر، يحق): وجب، و(دق، يدق، دقة) و(رق المملوك، يرق): صار رقيقاً، والثوب: ضد غلظ، و(نقت الضفدع، تنق)، و(رك الثوب، يرك، فهو ركيك): رق، و(حل الشيء، يحل): ضد حرم، و(الهدي): بلغ محله، وهو الموضع الذي يحل فيه ذبحه، والدين: بلغ أجله، و(ذل، يذل، ذُلاً بالضم): ضد العز، و(ذِلاً بالكسر): ضد الصعوبة، و(زل عن الطريق، يزل): عدل، و(صَلَّ الخلف، يصل، صليلاً): صوت، و(ضل عن الطريق، يضل): ضد اهتدى، ومنه: فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي[سبأ:50]، و(ضل في الشيء، ضلالاً): غاب، ومنه: أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ[السجدة:10]، وقوله: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ[الأحقاف:28]، و(قل الشيء، يقل)، و(كل الميت، يكل، كلالة، ومن الشيء كلالاً): أعيا، و(السيف كلولاً): لم يقطع، و(تم الأمر، يتم)، و(جم الماء، يجم): اجتمع، و(خم اللحم، يخم): أنتن، و(رَمَّ العظم، يَرِمُّ).

    و(خنَّ صوته، يخن، خنيناً): خرج من أنفه في بكاء أو ضحك، و (رَنَّ، يرن، رنيناً): صوت بنياحة أو غناء، و(طن الطست، يطن): صَوَّت، وعن بلده: بَعُد، هذه خمسون، وقد ذكر أمثلة أخرى لكل نوع من هذه الأنواع:

    فالنوع الأول: وهو ما كان واوي الفاء، من (فَعَل) بالفتح، ذكر له سبعين مثالاً، (وثب، يثب) و(وجب، يجب) و(وقف، يقف).. إلخ، ذكر كثيراً، سبعين فعلاً متوالية.

    والنوع الثاني: وهو ما عينه ياء، من (فعَل) بالفتح، ذكر منه ثمانين فعلاً.

    والنوع الثالث: الذي هو ما لامه ياء من (فعَل) بالفتح، ذكر منه ستين فعلاً، هو يذكر كثيراً من الأمثلة، نعم، يحاول هو الاستقصاء، لكن كلام الحسن هنا يقصد به قوله هو.

    تنبيه: (أشار في الصحاح إلى أن الذي سهل مجيء الوجهين في هذه الأفعال لزومها مرة، وتعديها أخرى): فهذا الكلام ليس فيه تصريح؛ لأن بناء الضم فيه إنما هو على لمح التعدي، لكن فيه إشارة إلى ذلك، قال: (أشار في الصحاح إلى أن الذي سهل مجيء الوجهين في هذه الأفعال لزومها مرة، وتعديها أخرى): وذكر فيه في مادة (بته، يبته) أنها أربعة، فلم يذكر مجيء الوجهين في هذه الأفعال في (هره)، وحكاها في القاموس، وكلام الناظم يوهم الحصر في هذه الخمسة، وعبر في التسهيل بقوله: (والتزم في المضاعف المعدى غير المحفوظ كسره)، لكنه لم يزد في شرحه على الخمسة، وقد ظفرت في القاموس بأربعة أفعال، وبعضها في الصحاح أيضاً، مع ما سبق من حصره لها في الأربعة ... وهي: (نَثَّ الخبرَ، ينثه)، و(بثه): أفشاه، و(شج رأسه، يشجه)، التي سينظمها هو.

    ليس الكلام السابق هو مقصود الحسن رحمه الله، بل المقصود قول الحضرمي رحمه الله، أشار في الصحاح إلى أن الضم لا يأتي في المضاعف اللازم إلا لملاحظة التعدية -كما نبهنا على ذلك بالأمثلة الخمسة السابقة- فحينئذ ينبغي تعليل المستثنى المحكوم عليه بالشذوذ، ففي عد الناظم من اللازم لنحو (جل)، مثل: (جلا) و(هبت الريح)، و(ذرت الشمس)، و(سح المطر)، و(خش عليه)، و(غل)؛ أي: دخل فيها، و(جن الليل) و(رش المطر)، و(رش المزن)، و(زل)؛ أي: راث، و(كمَّ النخل) إشكال، فإنها وإن احتملت في مثل هذا الترتيب لازمة أصلها التعدي، من قولهم: (جل البعير، يجُلُّه)، (يجُلُّه): إذا التقطه، وكان القوم عند جلائلهم، ثم حذفوا المفعول؛ لأنه فضلة، (وكأن الريح هبت الأشجار الساكنة)؛ أي: حركتها، ومن (ذَرَّ الملح أو غيره)، (وكأن الشمس ذرت شعاعها)، ومن (سحقت الماء)، ومن (خش متاعه) و(غله)؛ أي: أخفاه، وأدخله في شيء، ومن (جنه الليل)؛ أي: ستره، ومن (رش المكان)؛ أي: بله، وكأن المزن رش الأرض، ومن (زل التراب)؛ أي: صبه، وكأن الحيوان زل روثه، ومن (كممت الشيء)؛ أي: سترته، فهذه العشرة أصلها التعدية، ثم طرأ عليها اللزوم في إسنادها إلى هذه الأشياء، فاستصحب الضم فيها، والعجب أنهم عدوها من اللازم، ولم يعدوا (ذب عنه -بالمعجمة- يذب)؛ أي: رفع، و(نص له على كذا ينص)؛ أي: عينه له وأظهره، و(غض من طرفه، يغض)، وكذا من صوته وقدره، و(حط بالمكان، يحط)؛ أي: نزل، و(خط بالقلم، يخط)؛ أي: كتب، و(حف القوم به، يحفون)؛ أي: أحدقوا، و(صفوا، يصفون)؛ أي: وقفوا صفوفاً، و(عق عن ولده، يعق)، و(حل بالمنزل، يحل)، و(مَنَّ الله عليه، يمن)، ولا شك أن العشرة مشهورة الاستعمال، متداولة في مثل هذا الإسناد، غير معداة فيه، وقد التزموا فيها الضم، ولكن أصلها التعدي، (ذب الذباب، يذبه)، و(رص الشيء)؛ أي: رفعه، و(غض طرفه)، و(حط رحله)، و(خط رسالته)، و(حفه، يحفه)، نحو: وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ [الكهف:32]، و(صف قدميه)، و(عق العقيقة)، و(حل المنزل)؛ أي: نزله، و(مَنَّ عليه النعمة)؛ أي: عدها وذكرها، ومنه: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ [الشعراء:22].

    وحينئذ ففهمنا أن تلحق هذه العشرة أيضاً بما ذكره الناظم من اللازم المضموم، فتزاد على الثمانية والعشرين، وعلى ما زدناه عليها، وإما أن تسقط العشرة التي انتقدنا على الناظم عدادها من اللازم، والمرجع في علوم العربية إلى النقل والاستقراء، والحافظ حجة على من لم يحفظ، والله أعلم.

    إذاً؛ هذا كلام الحضرمي، وهو واضح جداً؛ فلذلك احتاج الحسن رحمه الله إلى نظمه، فقال: (وفي الصحاح كما نقل الحضرمي كلام مفاده أن انبناء الضم فيه) (انبناء) معناه: مجيء الضم فيه، هذا الضم المعهود الذي هو ضم عين مضارعه، (فيه)؛ أي: في اللازم من (فَعَل) بالفتح المضعف، (على لمح التعدي)، إنما هو مبني على لمح التعدي، معناه: أن اللمح هو الإشارة بالطرف، الإشارة الخفية تسمى لمحاً، ومنه اشتقاق (لمح البصر)، والمقصود بذلك: أن هذه الأفعال استعملت متعدية، واستعملت لازمة، فعندما استعملت لازمة اصطحب لها حالها قبل اللزوم، فكأن الضم هو الأصل فيها؛ لأن الضم كان مع التعدية، فلما لزم وحذف مفعولها بقي الضم فيها؛ فلذلك قال: (على لمح التعدي)، (لاتضاح ذاك اللمح)؛ أي: لاتضاح ذلك اللمح، في هذه الأفعال قد نقل الضم، (فرداً)، معناه: لا كسر معه، و (فرداً) حال من الضم، لا كسر معه في تسعة أفعال، وهو ذكر هنا أنها تسعة، ولكن الواقع أن الحضرمي ذكر أنها عشرة؛ لأن الحضرمي هنا عد قوله قال: (ذب) بخطه؛ لأنه قال: (ذب) و(نص) و(غض) و(حط بالمكان) و(خط بالقلم) و(حث القوم) و(صفوا) و(عق عن ولده) و(حل بالمنزل) و(مَنَّ الله عليه)، فهي عشرة أفعال، لكن الحسن اختصر فأتى بـ(حط) و(خط) بالإعجام والإهمال، فجعله فعلاً واحداً، لكن تصريحاً بما ذكره الحضرمي أولى، الحضرمي ذكر أنها عشرة؛ فلذلك قال: (فرداً بذب)، فـ(ذب) ظاهرها أنها فعل على وزن (فَعَل) بفتح مضاعف لازم، وكان اللازم في مضارعها أن يقال: (يذب)؛ لأن (ذب عنه)، بمعنى: نافح دونه، (ذب عنه) معناه: نافح دونه ورَدَّ عنه، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، ومضارعه سمع بالضم، وقياسه بالكسر، لكن نظراً لأنها سمعت متعدية كان الضم فيها سهلاً؛ لأن الأصل فيها التعدية.

    وكذلك (نص عليه)، نص على كذا، تقول: نص على هذا الكلام الحضرمي، فهي (فَعَل) بالفتح مضاعف لازم، وأصل قياس مضارعها أن يكون بالكسر، لكنه لم يسمع، إنما سمع فيها الضم (يَنُصُّ)؛ وذلك لأن استعمالها في الأصل كان بالتعدية، (نص الشيء)؛ أي: بمعنى رفعه، وسنذكر ذلك، وكذلك (غض من بصره)، و(غض من صوته) و(غض من قدره) و(قدر عدوه)، فكل هذا بمعنى: نقص، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، وأصل مضارعه أن يكون بالكسر، لكنه لم يسمع فيه إلا الضم، لكن ذلك باعتبار أنه جاء متعدياً في الأصل كما سنبينه، وكذلك (حف به) بمعنى: أحدق، فتقول: (حف به)، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، أصل مضارعه أن يكون بالكسر، وإنما سمع فيه الضم؛ لأن أصله التعدي كما سنبينه، ومنه قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر:75]، واللزوم في (غَضَّ) مثل قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، وكذلك (حط بالمكان) معناه: نزل فيه، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، وأصل مضارعه الكسر، ولكنه سمع فيها الضم؛ لأن أصلها التعدي كما سنبينه، وكذلك (خط) بالخاء، بمعنى: كتب، فهي أيضاً (خط بالقلم)، (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، أصل مضارعه الكسر، ولم يسمع، وإنما سمع الضم؛ بناءً على أن أصلها التعدي، أصلها: (خط الكتاب، يخطه)، كما سنبينه، وكذلك (عق عن ولده)، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، أصل مضارعه الكسر، ولم يسمع، وإنما سمع الضم؛ لأن أصلها التعدي، ومعناها: ذبح عنه عقيقة، وكذلك (صف القوم) معناه: قاموا صفوفاً: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات:1]، فهي (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، وأصل مضارعها الكسر، ولم يسمع فيها، وإنما سمع فيها (يصُفُّ) بالضم، فأصل ذلك أنها جاءت متعدية في الأصل، وكذلك (مَنَّ عليه) بمعنى: أنعم، تقول فيها: (مَنَّ، يمنُّ)، مع أنها (فَعَل) بالفتح، مضاعف لازم، أصلها يقال: (يمن)، ولم يسمع، إنما سمع الضم؛ اعتباراً بالأصل.

    (لا حللا)، لا يعد من هذا (حل المكان) و(حل به)، لا يعد منه (حل المكان)، وإن كان الحضرمي قد عدها؛ لأن الحضرمي ذكر كسره عند قول المصنف: (محل من نزلا) في المفعَل والمفعِل، فذكر أنه جاء بوجهين: (حل بالمكان، يحِل و يحُل)؛ وعلى هذا لا تكون مثل هذه الأفعال التي لم يسمع فيها إلا الضم، فـ(يحِل) للزوم، و(يحُل) للتعدي؛ فلذلك قال: (لا حللا)، لا تكون من هذه الأفعال، إذاً هذا الفعل العاشر الذي ذكره الحضرمي، وقد استثناه هو؛ فإذاً الصواب مع الحسن في قوله: (في تسعة أفعال)، فالصواب مع الحسن حينئذ، لا مع الحضرمي؛ لأنه ذكر (حل بالمكان، يحل)، وفي الواقع أن هذه فيها (يحِل) أيضاً، وقد ذكرها الحضرمي في موضع آخر كما سيأتي.

    ولأن في القاموس (حل المكان وبه، يحِل ويحُل)، وقد جاء في شرح حاشية الصبان على الأشموني على الألفية أن (حل) ثلاثة: حل العقدة: ك(رَدَّ)، فمضارعها: يحلها، على القياس، فهي مضاعف متعدٍّ، مضارعه بالضم على القياس، وهذه ك(حل) معناه: مضارعها (يحِل) على القياس أيضاً، فهي مضاعف لازم، مضارعه بالكسر على القياس.

    و(حل) بمعنى: نزل، فبالضم والفتح فيها (حل المكان)، و(حل بالمكان)، فحل المكان؛ أي: حل المكان، وحل بالمكان، فـ(حل المكان، يحلُّهُ)، و(حل بالمكان، يحِله)، بالكسر، فورد التعدي واللزوم، بالكسر مع اللزوم، وبالضم مع التعدي.

    أمثلة على استعمال هذه الأفعال معداة ناصبة للمضارع واشتهاره

    قال الحسن: واستعمال هذه معداة شهير؛ أي: استعمال هذه الأفعال معداة ناصبة للمضارع شهير، فأول الأفعال (ذب)، ما مثال تعديه؟ قول الشاعر:

    بذب الذم عن حسبي بمالي وزبونات أشوس تيحان

    ولو سألت سراة الحي سلمى على أن قد تلون بي زماني

    لخَبَّرَها ذوو أحساب قومي وأعدائي فكل قد بلاني

    بذب الذم عن حسبي بمالي وزبونات أشوس تيحان

    يقول: (ولو سألت سراة الحي) معناه: قادة الحي وعلية القوم فيهم، (سراة الحي سلمى، على أن قد تلون بي زماني): مع أنني قد تلون بي زماني بين الفقر والغنى، والخوف والأمن، وغير ذلك، (على أن قد تلون بي زمان لخبرها ذوو أحساب قوي وأعدائي) معناه: ولخَبَّرها أعدائي أيضاً، (فكل قد بلاني) معناه: عرف واقعي، بماذا يخبرونها؟ (لخبرها) مفعوله قوله: (بذب الذم عن حسبي بمالي): لخبروها، (بذب) معناه: بطرد ورد الذم، جاءت (ذب) هنا معداة بنفسها؛ فنصبت الذم، هذا دليل على أنها من (فَعَل) بالفتح المضاعف المعدى الذي مضارعه بالضم، وإنما استصحب لها الضم في المضارع عند اللزوم، فلا تكون لازمة، وإنما تكون من باب حذف المفعول فقط، إذا سمعت (ذب عنه) فاعلم أن المفعول محذوف، معناه: ذب عنه عدوه، أو ذب عنه غيره؛ فعلى هذا لا تكون من اللازم، (بذب الذم عن حسبي)، معناه: عن مفاخري، (بمالي): فيدفع عن مفاخره بماله، فيدفع المال ليذب ذلك الذم عنه، (وزبونات أشوس تيحان)، (الزبونات) معناه: وسائل الدفع في الحرب، والمقصود بها أنواع الأسلحة، و(الأشوس) معناه: الذي ينظر بمؤخر عينه من الخيلاء والكبر، ويقصد بذلك: الشجاعة، (تيحان) معناه: ملك مترفع.

    الفعل الثاني هو (نص)، يقال: (نص) عليه، لكن مع ذلك يقال: (نصه)، ومنه قول امرئ القيس:

    وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش إذا هي نصته ولا بمعطل

    (إذا هي نصته) معناه: رفعته، (نص) جاءت نص معداة بنفسها، فنصبت المفعول، ومثل هذا قول الشاعر الآخر:

    ونُصَّ الحديث إلى أهله فإن السلامة في نصه

    (نص الحديث)؛ أي: ادفعه وانسبه إلى أهله، (فإن السلامة في نصه)، فجاءت معداة؛ فإذاً لا غرابة إذا ضم عين مضارعها .

    أظن أنه لـصالح بن عبد القدوس، قتل على الفور، قتله المهدي، جاء هو تائباً إلى المهدي، فذكر أنه قد تاب من الزندقة، وأنه كان يعتقدها، فلما أراد الخروج، قال: أنشدني سينيتك، فأنشده قصيدته السينية، فلما وصل إلى آخرها قال:

    والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يُوارى في ثرى رمسه

    فقال: حكم الشيخ على نفسه، يا حرسي، اقطعوا له رأسه. حكم على نفسه؛ لأنه قال:

    والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه

    هو كبير السن، وقد أقر على نفسه بالزندقة، يمكن أن يكون تابَ، لكن هذا ردع لمن وراءه، ما هو حكيم.

    الفعل الثالث من هذه الأفعال هو: (غض من بصره)، و(غض من قدر فلان)، و(غض من صوته): وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ[لقمان:19]، وهذا أيضاً سمع معدىً، ومنه قول جرير:

    فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا

    (غض الطرف) جاء معدى بنفسه، فهذا مما سهل مجيء المضارع منه مضموماً، وهذا خطاب للراعي الذي يهجوه بهذه القصيدة التي مطلعها:

    أقلي اللوم عاذل والعتابا وقولي إن أصبت لقد أصابا

    قال:

    فغض الطرف إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابا

    (فغض الطرف إنك من نمير) أي: من قبيلة بني نمير، وهم بنو عمه، كعب وكلاب قبيلتان من بني عامر بن صعصعة، وبنو نمير من بني عامر بن صعصعة، لكنه فضل كعباً وكلاباً على بني نمير.

    وكذلك (حف)، وهي الفعل الرابع، فقد جاء في القرآن معدىً بنفسه، كقوله تعالى: وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ [الكهف:32]، وكذلك (حط)، هذا سقط من الطرة هنا بيت، وهو قول امرئ القيس:

    مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل

    (مكر مفر): فهو حذفه، ينبغي أن تنبه على هذا، أنه حذف من الطرة هذا البيت.

    مكر مفر مقبل مدبر معاً كجلمود صخر حطه السيل من عل

    فجاء بـ(حط) معداة بنفسها، حيث نصبت المفعول، وكذلك (خط)، فمن تعديها قول الشاعر:

    تخطه من بوادي المصر كاتبة قد طالما ضربت باللام والألف

    (تخطه): جاءت معداة بنفسها، (من بوادي المصر) معناه: من البوادي التابعة للمصر، (كاتبة): (قد طالما ضربت باللام والألف)، كتبت، وهذا البيت مستغنىً عنه بالآية؛ لأن في الآية قول الله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت:48]، (تخطه بيمينك)، جاء الفعل هنا معدىً بنفسه.

    وكذلك (عق)، قال: يقال: (عق ثوبه): شقه، ولم يذكر له شاهداً في الطرة، (عق ثوبه) بمعنى: شقه، وكذلك (عق العقيقة) بمعنى: ذبحها، لكن كان اللازم أن يستشهد له بقول الشاعر:

    أحب بلاد الله ما بين منعهم إلي وسلمى أن يصوب سحابها

    بلاد بها عق الشباب تميمتي وأول أرض مس جلدي ترابها

    (عق الشباب تميمتي): فجاءت (عَقَّ) هنا معداة بنفسها، والمقصود بذلك: شقها، و(التميمة): كان العرب يعلقونها على الأطفال قبل البلوغ، فإذا بلغوا شُقت عنهم: قطعت، كما قال الشاعر:

    ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي

    بلاد بها نيطت علي تمائمي ومزقن عني حين تم بها عقلي

    فلذلك قال: (عق الشباب تميمتي).

    وكذلك (صَفَّ)، فمن تعديه قول امرئ القيس:

    فظل صحابي يشتوون بنعمة يصفون غاراً باللكيك الموشق

    (باللكيك): كتب هنا (باللفيف) في الطرة عندك، (يصفون غاراً باللكيك الموشق)، (يصفون غاراً): جاءت معداة بنفسها، والمقصود: أن أصحابه عندما أصابوا الصيد وقتلوه ظلوا يشتوون لحمه، (بنعمة)؛ أي: في سعة من العيش، (يصفون غاراً باللكيك الموشق)؛ أي: يملئون الغار الذي هو الحفرة التي يُشتوى فيها، (يصفونها)؛ أي: يملئونها (باللكيك): وهو اللحم السمين، (الموشق) معناه: المقطع.

    وأما (مَنَّ) فمن تعديها قول الله تعالى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ [الشعراء:22]، (تمنها)، فجاءت معداة بنفسها.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767305310