إسلام ويب

واحة القرآن - سورة الفلق [1]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • سورة الفلق من أعظم سور القرآن، ما تعوذ متعوذ بمثلها، فقد جمعت الاستعاذة من كل أنواع الشرور، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بها، ويعوذ بها الحسن والحسين، وكان يأمر بقراءتها قبل النوم وعلى المريض، وهي علاج شافٍ وحصن حصين واقٍ من السحر وشر الليل المظلم

    1.   

    مكانة سورة الفلق وأهميتها في الاستعاذة من الشرور

    الشيخ محمد الخضيري: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فما من أحد منا إلا وهو يعلم أن هناك شروراً تحيط به من كل جانب، ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذه منها، وهذا ديدن كل مسلم يؤمن بالله جل وعلا أن يستعيذ بالله من هذه الشرور، لكن ما هو الأسلوب الأمثل؟ وما هو الدعاء الجامع؟ وما هي العوذة التي إذا استعاذ الإنسان بها وقالها كفته هذه الشرور كلها؟

    قد كفانا ربنا سبحانه وتعالى، فأنزل لنا سورتين عظيمتين قد جمعت كل الشرور الداخلية والخارجية، المحيطة بنا، والتي لا تفتأ أن تصيبنا بشيء من ضررها وشرها، إنها سورة الفلق وسورة الناس، وفي هذه الحلقة نتحدث عن سورة الفلق، ونبين ما فيها من المعاني الجليلة الجميلة، ومعي الدكتور أبو عمر عبد الحي يوسف ، جزاه الله عني وعن الإسلام والمسلمين كل خير، نحاول قدر المستطاع أن نلقي الضوء على هذه السورة.

    1.   

    المواضع التي يقرأ فيها بالمعوذتين والإخلاص

    الشيخ عبد الحي يوسف: أكرمك الله فضيلة الشيخ! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أوى أحدهم إلى فراشه بأن يقرأ هذه السورة، ومعها التي قبلها والتي بعدها.

    الشيخ محمد الخضيري: تعني: الإخلاص، والفلق، والناس.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وقد ثبت عن أمنا عائشة : ( بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام ينفث في يديه بالإخلاص والمعوذتين، -يعني: يقرأ فيهما ثم ينفخ- ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات ).

    وكذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ السور الثلاث دبر كل صلاة مرة واحدة، إلا بعد صلاة الفجر والمغرب فكان يقرؤهن ثلاث مرات، وكان من هديه صلوات ربه وسلامه عليه إذا اشتكى أحد من أصحابه بأنه يقرأ عليه هاتين السورتين المباركتين، وينفث عليهما، وقد قال لـعقبة بن عامر رضي الله عنه: ( ألم تر آيات أنزل علي، لم يتعوذ متعوذ بمثلهن قط، وقرأ هاتين السورتين الكريمتين ).

    الشيخ محمد الخضيري: وكان عليه الصلاة والسلام قبل أن تنزل عليه هاتان السورتان يعوذ الحسن و الحسين من الجان وعين الإنسان، فلما نزلت هاتان السورتان عدل عنها، واكتفى بهما وترك ما سواهما؛ لأنهما سورتان جامعتان، ما تركتا شيئاً من الخير إلا احتوتاه.

    1.   

    وقفة مع قوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق)

    الشيخ عبد الحي يوسف: بدأت هذه السورة مثلما بدأت التي قبلها والتي بعدها بالأمر (قل)، دلالةً على أهمية المأمور به، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، ثم بعد ذلك ذكر ربنا جل جلاله أربعة أنواع من الشرور: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:2-5].

    معنى الاستعاذة والفرق بين العياذ واللياذ

    الشيخ عبد الحي يوسف: وأول ما يلزم أبا عبد الله ! أن نبين معنى الاستعاذة: (قل أعوذ).

    الشيخ محمد الخضيري: (أعوذ) بمعنى: التجئ وأعتصم، المستعيذ يلتجئ ويعتصم بالمستعاذ به، وهو الله سبحانه وتعالى، ويطلب منه أن يكفيه من كل شر، مثل أن يلحقك عدو أو إنسان غاشم يريد أن يلحق بك سوءاً، فإنك تذهب إلى أقرب شيء لتلوذ به، أو تعوذ به من شر ذلك الذي يريد بك سوءاً، فهذه هي حقيقة الاستعاذة، وقد فرق العلماء بين العياذ واللياذ: بأن العياذ لطلب التحصين من الشر، واللياذ لطلب الخير.

    الشيخ عبد الحي يوسف:

    يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به فيما أحاذره

    لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره

    المقصود بالفلق ومناسبة إضافته إلى الرب سبحانه وتعالى

    الشيخ محمد الخضيري: ويأتي بعد ذلك قوله: (برب الفلق)، ما المقصود بالفلق؟

    الشيخ عبد الحي يوسف: الفلق قيل: هو الصبح؛ لأنه ينفلق من الليل، كما قال سبحانه: وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ [التكوير:18]، وقوله: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام:96].

    وقيل: كل ما ينفلق من غيره: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95]، فالحبة تنفلق من القشرة، والصبح ينفلق من الليل، والقمر ينفلق، والمولود ينفلق، فكل ما ينفلق من غيره مقصود، ولعل هذا القول أقرب، وهو أنه يراد به العموم.

    الشيخ محمد الخضيري: فإن قيل شيخنا الكريم! في قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]: ما مناسبة أن ينسب، أو أن يضاف الرب إلى الفلق؟ فيقال: رب الفلق، الذي يظهر لي -والله أعلم- بالتأمل أن الرب سبحانه وتعالى يقول: أنتم في هذه الدنيا في ليل مدلهم، وفي ظلمة شديدة، والعادة أن الظلمة مظنة إصابة الإنسان بالسوء، فهذه السورة مثل الفلق، أو مثل الصبح الذي يخرج من الليل، كأنها أخرجتكم من هذه الشرور فأمنتم، وأضاءت لكم الطريق والله أعلم.

    الشيخ عبد الحي يوسف: الله يجزيك الخير، هذه فائدة طيبة.

    ومن معاني الاستعاذة أيضاً الالتصاق، ولذلك تقول العرب: أطيب اللحم أعوذه، أي: أكثره التصاقاً بالعظم.

    1.   

    المراد بقوله سبحانه: (من شر ما خلق)

    الشيخ عبد الحي يوسف: ثم قال سبحانه: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2]، وهذا عموم، وسيأتي بعد ذلك التفصيل في هذا العموم.

    الشيخ محمد الخضيري: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2]، كما ذكرتم وأسلفتم أنه مراد به كل شيء خلق الله فيه شراً حتى أنفسنا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا )، فكل شيء خلقه الله عز وجل فيه شر، فنحن نستعيذ بالله منه بهذه الكلمة العامة الشاملة التي لم تدع شيئاً.

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهذا عموم بعده خصوص، وأيضاً: الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعمم ثم يخصص كما في حديث تعويذه للحسن و الحسين ( أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة )، بعدما يقول: ( أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق )، وفي بعض الألفاظ: ( من شر ما خلق، وبرأ، وذرى )، صلوات الله وسلامه عليه.

    مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2]، أي: من شر كل ذي شر الله آخذ بناصيته.

    1.   

    وقفة مع قوله تعالى: (ومن شر غاسق إذا وقب)

    الشيخ عبد الحي يوسف: ثم بعد ذلك يأتي التفصيل وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3].

    الحكمة من تكرار لفظ الشر في سورة الفلق

    الشيخ عبد الحي يوسف: أولاً: نقف عند تكرار (ومن شر)، يعني: قال سبحانه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:1-2]، ما قال: ومن غاسق إذا وقب، ومن النفاثات في العقد، وإنما قال: (ومن شر)، (ومن شر)، (ومن شر)، أذكر أن العلامة ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير نبه على أن هذا أبلغ في الدعاء، والاستجداء، والطلب من الله عز وجل، بأن تكرر لفظة الشر في هذه المذكورات مرةً بعد مرة، ونحن نعلم بأنه ليس في القرآن لفظ يعاد هكذا عبثاً أو حشواً معاذ الله، بل لا بد له من معنى قد ندركه، وقد لا ندركه، ولذلك تكرر.

    معنى الغاسق ومناسبة بدء الاستعاذة به

    الشيخ محمد الخضيري: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3]، ما هو الغاسق؟

    الغاسق: هو الليل في كلام العرب، وبدأ به؛ لأن الليل مجمع الشرور في الغالب، فالحيات والثعابين والهوام والسباع والعقارب في الغالب لا تتحرك إلا في ظلمة الليل، والسراق وقطاع الطريق لا يتحركون إلا في الليل، والآن القنوات الفضائية، والإذاعات الغنائية، والفساق والفجار لا ينشطون إلا في الليل، والليالي الحمراء التي يحييها كثير من شياطين الإنس لا تكون إلا في الليل، والمؤامرات التي تحاك ضد الناس، وضد أهل الخير، وضد الإسلام والمسلمين لا تكون إلا في الليل؛ فلذلك جاءت الاستعاذة بالله عز وجل من شر الغاسق، أي: الليل.

    (إذا وقب) أي: دخل، وقد ورد: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فرأى القمر، فقال: استعيذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب )، فهنا قد يفهم بعض الناس أن الغاسق يطلق على الليل ويطلق على القمر، فنقول: في كلام العرب الغاسق: هو الليل، والقمر هو آية الليل، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بالإشارة للقمر الإشارة إلى آية الليل، ولم يرد عليه الصلاة والسلام أن يخص القمر بذلك.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، صحيح. ونقرأ في القرآن: وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ [الانشقاق:17-18].

    تعويذ الأطفال بسورة الفلق ومنعهم من الخروج في الليل

    الشيخ محمد الخضيري: في قضية الغاسق يا أبا عمر ! الحقيقة نحن نلاحظ أن الناس يهملون أطفالهم في الليل ويدعونهم، وهم عرضة للشرور، فنقول:

    أولاً: إذا أقبل الليل كفوا صبيانكم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم.

    وثانياً: أكثروا من تعويذهم إذا كانوا لا يحسنون أن يتعوذوا بأنفسهم، وعلموهم التعويذ، وذلك بأن يقرءوا هذه السورة في مساء كل ليلة حتى يعيذهم الله سبحانه وتعالى من هذه الشرور، والآن نلاحظ أبا عمر! كثرة ما يشكو الناس من إصابة أبنائهم بالمس، وإصابتهم بالعين، وإصابتهم بالسحر، والسبب إهمالهم لهذه السورة ولسورة الناس في أن يعوذوا بها أنفسهم، ويعوذوا بها أولادهم.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم صحيح، جزاك الله خيراً.

    1.   

    وقفة مع قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد)

    الشيخ عبد الحي يوسف: ثم يأتي بعد ذلك الشر الثالث: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]، والنفاثات هاهنا كما قيل: هن السواحر اللائي يعقدن عقداً ثم ينفثن فيها، فيحصل التأثير بإذن الله، والسحر قد يمرض، وقد يقتل، وقد يفرق بين المرء وزوجه، لكن كما قال ربنا: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102].

    سبب تخصيص النساء السواحر بالذكر

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهاهنا طرح المفسرون سؤالاً، قالوا: لماذا خص الله النساء بالذكر فقال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]، مع أن عادة الخطاب في القرآن أنه يقصره على الذكور والنساء يدخلن فيه تبعاً؟ فقال بعضهم: خص النساء بالذكر لأن السحر عليهن أغلب، وهو فيهن أكثر.

    وقيل: ليس المراد خصوص النساء، وإنما المراد النفوس، مثلما قيل في قوله سبحانه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ [النور:4]، فبعضهم قال: الأنفس المحصنات، وهنا قال: (النفاثات) أي: النفوس التي تمارس هذا النوع من الشر ذكوراً كانوا أو إناثاً: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4].

    حكم السحر وحد فاعله

    الشيخ عبد الحي يوسف: وهذا السحر هو من كبائر الذنوب كما بين نبينا عليه الصلاة والسلام أنه من السبع الموبقات، فقد أمرنا ربنا جل جلاله بأن نستعيذ بالله من شره: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4].

    الشيخ محمد الخضيري: أبا عمر ! وهذه الاستعاذة من شره تدل على تحريمه.

    الشيخ عبد الحي يوسف: لا شك في ذلك.

    الشيخ محمد الخضيري: وكما ذكرت فالسحر من أعظم المصائب التي تنزل بالأمة، وابتليت بها هذه الأمة في هذا الزمان وكثر فيها، نسأل الله العافية والسلامة، وأسوأ شيء فيه أن يتخذ ديناً، فقد تجد الإنسان يتدين لله عز وجل بالسحر، فيسحر الناس، وقد يكون والعياذ بالله متلبساً بلبوس الدين، وهو يمتهن السحر، ويسخر الناس لخدمته، ويأكل أموالهم بالباطل ويؤذيهم في أبدانهم، وفي أعراضهم، وفي أحوالهم، وفي أموالهم عبر هذا السحر، ونحن نقول: إن هذا السحر بوابة الكفر، نسأل الله العافية والسلامة، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102]، وحد الساحر عندنا في الإسلام ضربة بالسيف، يعني: يقتل الساحر ولا يتسامح معه حتى يستراح من شره.

    الشيخ عبد الحي يوسف: نعم، لا شك بأن هذه مسائل تحتاج إلى مزيد بيان، وأقترح أبا عبد الله ! لو وافقتني أن تكون حلقة أخرى في بيان معاني هذه السورة المباركة، نسأل الله عز وجل أن يعلمنا من القرآن ما جهلنا، وأن يذكرنا منه ما نسينا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيه عنا.

    والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756252245