إسلام ويب

لباب النقول في أسباب النزول [8]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القرآن الكريم فيه أنواع مختلفة من الأحكام والأخبار والقصص، فمن أخباره ما حكاه الله عز وجل عن موقف المشركين من التوحيد ودعوة الله عز وجل لهم إلى التفكر في خلقه، ومنها ما حكاه عن جرائم اليهود بأكلهم أموال الناس بالباطل وكتمانهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أحكامه أنه كتب القصاص بين المسلمين في قتل العمد، وبين أنه لا يقتل إلا القاتل، ومنها بيان حل الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان، وبيان حرمة أكل الأموال بالباطل والإدلاء بها إلى الحكام لأخذها بطريق محرم.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( إن في خلق السماوات والأرض .... )

    الآية الرابعة والستون بعد المائة من سورة البقرة: قول الله عز وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[البقرة:164].

    سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قول الله عز وجل: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[البقرة:163] تعجب المشركون وقالوا: كيف يسع العالم إله واحد؟! وقد حكى ربنا عنهم أنهم قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ[ص:5]، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.

    وهناك سبب آخر، وهو أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقاً فأتنا بآية، وادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهباً -أي: جبل الصفا- نتقوى به على عدونا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية يخبرهم فيها أنهم لا يحتاجون إلى هذا الدليل، وهو جعل الصفا ذهباً، فهناك آيات أعظم وأجل، وهي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.

    فهذه آيات عظيمة، كما قال سبحانه: لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[غافر:57].

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا )

    الآية السبعون بعد المائة: قول الله عز وجل: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا[البقرة:170] هذه الآية نزلت في اليهود، قال ابن عباس : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، ورغبهم فيه، وحذرهم عذاب الله ونقمه، فقال مالك بن عوف و رافع بن حريملة : بل نتبع -يا محمد-! ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيراً منا.

    أي: لن نستمع إلى القرآن الذي تتلوه، ولا الخير الذي جئت به، بل نحن على ما كان عليه آباؤنا؛ لأن آباءنا كانوا أعلم وخيراً منا.

    وهذا القول قالته كل أمة كافرة، قال تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ[الزخرف:23]، فكل أمة كافرة كانت تقول ذلك، وإلى الآن تجد بعض الناس ممن تلبسوا بشيء من البدع أو الأمور الشركية إذا قيل لهم: قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، يقولون: هذا الذي وجدنا عليه آباءنا، ونحن لن نغيره، وأنت جئتنا بدين جديد.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً .... )

    الآية الرابعة والسبعون بعد المائة: قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ[البقرة:174].

    هذه الآية نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم، وكانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من غيرهم، خافوا ذهاب مأكلتهم، وزوال رياستهم، فعمدوا إلى صفة محمد صلى الله عليه وسلم فغيروها، وقد حكى الله عنهم في القرآن قوله: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ[التوبة:34]، وهذه حيلة رجال الدين في كل ملة إذا فسدت القلوب والعياذ بالله، يتخذون من الدين سبباً ووسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، مثلما يفعل الآن زعماء الروافض ممن ينتسبون إلى الإسلام، حيث يفرضون على الناس الخمس في أي شيء يكتسب، ومثلما يفعل رهبان النصارى، فإذا وقع الإنسان في خطيئة فلا بد أن يأتي إلى الراهب ويقول: إني قد فعلت كذا وكذا وكذا، ويطلب منه المغفرة، فيرفع الراهب الصليب دلالة على أنه قد قبلت توبته، وغفرت خطيئته، ويضع بعد ذلك هذا التائب في الصندوق شيئاً معلوماً.

    ومثل ذلك ما يفعله بعض علماء المسلمين حين يبدل الفتاوى ويغيرها من أجل أن يشتري بآيات الله ثمناً قليلاً.

    فاليهود علموا أنهم لو تابعوا محمد صلى الله عليه وسلم على دينه فإنهم سيصبحون كسائر الناس، وكعامة المسلمين، وستذهب رئاستهم وملكهم، فعمدوا إلى تغيير صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو عندهم في التوراة: أنه رجل ربعة أبيض مشرب بحمرة إلى غير ذلك من صفاته صلوات الله وسلامه عليه، فغيروا هذه الصفات، فقالوا: إنه رجل طويل آدم -أي: أسمر- وسبط الرأس، وقالوا: هذا النبي لا يشبه ذا الصفة الموجودة عندنا، فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[البقرة:174].

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ... )

    الآية السابعة والسبعون بعد المائة: قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ..[البقرة:177].

    هذه الآية جاءت في ثنايا الحديث عن تحويل القبلة، وقد كانت النصارى تستقبل المشرق، وكان اليهود يستقبلون المغرب، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ[البقرة:177]، ولكن البر يتمثل في أمور قلبية، وأمور تعبدية، وأمور أخلاقية سلوكية، ولذا قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ[البقرة:177] وهذه مسائل عقدية قلبية وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ[البقرة:177] يعني: وهو محب لهذا المال ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ[البقرة:177] وهذه كلها عبادات وشعائر.

    ثم ذكر الأخلاق بقوله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[البقرة:177]، فهذه هي حقيقة البر.

    قال أهل التفسير: هذه الآية أجمع آية لخصال البر في القرآن.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى )

    الآية الثامنة والسبعون بعد المائة: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى[البقرة:178].

    نزلت هذه الآية في حيين من العرب اقتتلا في الجاهلية، وكان أحد الحيين قد قهر الآخر وظهر عليه، فلما جاء الله بالإسلام وأسلموا قال ذلك الحي المنتصر: والله لا نقتل بالأنثى منا إلا الذكر منهم، ولا نقتل بالعبد منا إلا الحر منهم، فأنزل الله عز وجل هذه الآية يبين فيها أن المفترض قتل القاتل وحده، وأن لا يتعدى القتل إلى غيره، فيقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى للأنثى.

    وليس المقصود من الآية أن الأنثى لا يقتل بها الذكر، فقد أجمع أهل العلم على أن الرجل لو قتل امرأة فإنه يقتل بها.

    إذاً: الآية ليست على ظاهرها الذي يفهم، وإنما يفهم معناها بمعرفة سبب نزولها، وهو أنه لا يقتل إلا القاتل.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )

    الآية الرابعة والثمانون بعد المائة: قول الله عز وجل: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة:184].

    نزلت هذه الآية -كما قال مجاهد - في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، والمرأة العجوز، والمريض الذي لازمه مرضه، هؤلاء جميعاً ليس عليهم الصيام، وإنما عليهم الإطعام.

    قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )) ولا بأس بأن يطعموا جميعاً دفعة واحدة، كما كان يفعل أنس بن مالك رضي الله عنه، فقد كان يصنع جفنة من ثريد ويدعو ثلاثين مسكيناً فيطعمهم.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ... )

    الآية السادسة والثمانون بعد المائة: قول الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ[البقرة:186].

    نزلت إجابة لسؤال رجل أعرابي قال: (يا رسول الله! أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟) أي: أقريب ربنا فنتكلم بالنجوى -وهي المخافتة- أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية يبين أنه قريب من عباده يسمع دعوة الداعي، ويجيبه جل جلاله.

    وهذه الآية مثلها قوله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً[الأعراف:55] ولذلك فإن الدعاء كلما كان مخافتة كلما كان أظهر في الافتقار؛ لأنك عندما تتكلم مع من دونك قد تصرخ عليه وترفع صوتك، وإذا تكلمت مع من هو أعلى منك شأناً فإنك تخفض صوتك، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى[النحل:60].

    وهناك ناحية أخرى، وهي أن المخافتة في الدعاء أدل على الإيمان، أي أنك تؤمن بأن الله يسمعك جل جلاله، وأنه لا تخفى عليه خافية، وذلك أبلغ في الأدب.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم )

    الآية السابعة والثمانون بعد المائة: قول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ[البقرة:187].

    أخرج الإمام أحمد و ابن جرير عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد.

    أي: ليس من حقه أن يستيقظ فيأكل أو يشرب، فلا طعام ولا شراب، إلا إذا غربت الشمس من اليوم الذي يليه.

    قال: وإن عمر بن الخطاب كان عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده، أي: جلس عنده في الليل يتكلمان في مصالح المسلمين، فرجع من عنده، فأراد امرأته -أي: أراد أن يأتي أهله-، فقالت له امرأته: إني قد نمت، فقال لها: ما نمت، -وهي أدرى بحالها- ووقع عليها، وصنع كعب مثل ذلك، فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح فأنزل الله هذه الآية وفيها الفرج: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ[البقرة:187]، وقال عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ[البقرة:187]، وقد كان رجال إذا أرادوا الصوم -كما روى البخاري عن سهل بن سعد - ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله عز وجل: مِنَ الْفَجْرِ[البقرة:187] فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.

    وجاءت تسمية الرجل الذي فعل ذلك في بعض الروايات بأنه عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه.

    1.   

    سبب نزول قوله تعالى: ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )

    الآية الثامنة والثمانون بعد المائة: قول الله عز وجل: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[البقرة:188] أي: للباطل، وللغش، وللرشوة، وللربا، وللكذب، ولشهادة الزور قال تعالى: وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ[البقرة:188] أي: ترفعوا القضايا إلى المحاكم لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ[البقرة:188] أي: طائفة من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)) بأن هذا المال حرام عليكم أكله.

    وقد نزلت هذه الآية في رجلين اختصما في أرض، وأراد أحدهما أن يحلف، فنزلت هذه الآية، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها) أي: أن بعض الناس يخاصم في قضية، وهو يعلم أنه على باطل، فلو حكم القاضي له بناء على الظاهر لكون المحامي ذكياً مثلاً، أو لأنه زور أوراقاً وشهادات وغير ذلك، فهل يحل له هذا المال؟ لا يحل له أبداً.

    قال أهل العلم: إن حكم القاضي لا يحل الحرام مطلقاً، وقد تكون الخصومة بين الزوجين، بحيث يطلق الرجل المرأة، وبدأ بعد ذلك يذلها، ولا يعطيها النفقة الواجبة، ويكون له منها أولاد، فتشفع الشفعاء، ويتوسط الوسطاء، فأبى، فترفع الزوجة عليه قضية، والله يعلم أن عنده من المال الشيء الكثير، لكنه يذهب إلى القاضي، ويدعي بأنه عاطل عن العمل، وأنه مدين، وأنه مفلس، وأنه غريم، وأنه مريض، وأنه وأنه، ويقيم على ذلك شهادة الزور، والله يعلم أنه يطيق أن يدفع المليون، فيقول له القاضي: ادفع كذا وكذا وهو ما لا يكفي للخبز الجاف، ويقول للمرأة: ما عندنا إلا هذا، وبعد ذلك يماطل الرجل في أداء هذا القليل، ولو مات فإنه يلقى الله غارماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أحرج في الضعيفين: اليتيم والمرأة) فإن طلقتها فلا تظلمها، واتق الله عز وجل فيها، وأد إليها حقوقها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755928834