إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الزكاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الزكاة - (باب حد الغنى) إلى (باب مسألة الرجل ذا سلطان)

شرح سنن النسائي - كتاب الزكاة - (باب حد الغنى) إلى (باب مسألة الرجل ذا سلطان) للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بيّن الشرع الحنيف حد الغنى، ونهى عن الإلحاف في السؤال، وبيّن حده، وأن الصدقة لا تحل لغني وقادر على الكسب، وجوز السؤال في أمر لابد منه، وأن ذلك لا يعد من المسألة المذمومة.

    1.   

    حد الغنى

    شرح حديث: (... قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه ... قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حد الغنى.

    أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة، قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه؟ أو ماذا أغناه؟ قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب )، قال يحيى : قال سفيان: وسمعت زبيداً يحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].

    يقول النسائي رحمه الله: حد الغنى، أي: المقصود الغنى الذي ليس للإنسان أن يسأل، وعنده ذلك المقدار الذي يغنيه ويكفيه، هذا هو المقصود بالغنى، وليس المقصود بالغنى الغنى الذي يقابل الفقر الذي يكون معه المال الذي يزكى، وكون الإنسان يكون عنده المال الذي يحول عليه الحول ويزكيه، الذي هو النصاب فأكثر، ليس هذا هو المقصود هنا؛ لأن الغنى يراد به الغنى الذي يكون معه إخراج الزكاة لكونه غنياً، والغنى الذي عنده ما يكفيه، فلا يسأل الناس، ولا يمد يده للناس؛ لأن عنده ما يكفيه، والذي في التراجم هنا: الغنى الذي ليس للإنسان أن يسأل، والغنى الذي فيه حصول الزكاة، وهو المقابل الفقير، هو الذي جاء في حديث معاذ بن جبل في بعث النبي صلى الله عليه وسلم إياه إلى اليمن، وفيه: (أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فالغني في هذا الحديث: هو الذي يخرج الزكاة، وعنده مال يزكى، ويقابله الفقير الذي هو بخلافه، ولكن الغنى الذي هنا غير الغنى الذي في حديث: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)؛ لأن ذلك الغنى الذي يكون معه إخراج الزكاة، ووجود مال يزكى، والغنى هنا الذي ليس للإنسان أن يسأل، وعنده ذلك المقدار الذي يغنيه ويكفيه، هذا هو المقصود بالتراجم.

    وأورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

    ( من سأل وله ما يغنيه جاءت خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة )كدوحاً بالدال.

    خموشاً أو كدوحاً في وجهه يوم القيامة، يعني: جاءت مسألته على هذه الوصف، وعلى هذه الهيئة، خموشاً وكدوحاً في وجهه، والخموش هي: التي تكون في الوجه نتيجة لخمش شيء له، إما عود أو حديد، أو ما إلى ذلك من الأشياء التي يكون فيها تغيير البشرة بتشققها نتيجة لأشياء تمر عليها تجرحها وتجعلها متغيرة، أو كدوحاً وهي بمعناها، (أو) للشك، يعني: هل قال الرسول: خموشاً أو قال كدوحاً؟ وهي بمعنى واحد.

    [ قيل: يا رسول الله، ماذا يغنيه، أو ماذا أغناه؟ ].

    لأن الذي جاء في الحديث: وله ما يغنيه، فسأله عن المراد بهذا الغنى الذي يمنعه من السؤال، قالوا: وما الذي يغنيه؟ أو ما الذي أغناه؟ حتى لا يكون أهلاً للسؤال، وحتى لا يجوز له أن يسأل، قال: قدر خمسين.

    (خمسون درهماً أو حسابها من الذهب).

    خمسون درهماً التي هي وقية وربع، وهي ربع النصاب في الزكاة؛ لأن نصاب الفضة مائتا درهم، والخمسون هي ربعها، يعني: من كان عنده ما يعادل ربع النصاب من الفضة، أو ما يعادل هذا المقدار من الفضة من الذهب، فعنده ما يغنيه وليس له أن يسأل.

    الحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من سأل وله ما يغنيه جاءت)، أي: مسألته خموشاً، أو كدوحاً يوم القيامة، وهذا فيه أن الإنسان يؤاخذ، ويعاقب، ويجازى يوم القيامة وفقاً لما حصل منه، وذلك لأنه أراق ماء وجهه، وأذهب ماء وجهه في سؤال الناس، وهو غير محتاج إلى سؤالهم، وغير مضطر إلى ذلك، فتأتي يوم القيامة مسألته على هذا الوصف في وجهه، وكان عقابه أن يكون ذلك ظاهراً على وجهه، كما أضاع، أو أتلف، أو أذهب ماء وجهه في سؤال الناس، وكونه لم يستحِ ولم يبالِ، فإن ذلك الجزاء يكون على وجهه يوم القيامة خموشاً أو كدوحاً، وعندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القيد في ذم المسألة، وهو أن له ما يغنيه، سألوه عن الذي يغنيه، والذي يكفيه بحيث لا يكون أهلاً للسؤال، فقال عليه الصلاة والسلام: ( خمسون درهماً أو ما يعادلها من الذهب ).

    الحاصل أن الحديث مطابق للتراجم، من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم بين حد الغنى الذي يمنع المسألة، والذي لا يسوغ معه سؤال الناس، وهو أن يكون عنده قدر خمسين درهماً أو ما يعادلها من الذهب.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... قيل: يا رسول الله! وماذا يغنيه .... قال: خمسون درهماً أو حسابها من الذهب)

    قوله: [ أحمد بن سليمان ].

    هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.

    [ عن يحيى بن آدم ].

    هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سفيان الثوري ].

    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، ثبت، فقيه، إمام، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن حكيم بن جبير ].

    ضعيف، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    [ عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ].

    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.

    [ عن أبيه ].

    هو عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الله بن مسعود ].

    هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكانت وفاته سنة 32هـ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ليس من العبادلة الأربعة المشهورين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم في طبقة واحدة من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأما عبد الله بن مسعود فإنه متقدم عليهم لمدة طويلة، وكان متقدم الوفاة، وهؤلاء من صغار الصحابة، أدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وأخذ عنهم من لم يأخذ عن ابن مسعود، فـابن مسعود قال بعض أهل العلم: أنه أحد العبادلة، لكن الصحيح والمشهور أن العبادلة هم في طبقة واحدة، وهم من طبقة صغار الصحابة الذين عاشوا بعد ابن مسعود وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وحديث عبد الله بن مسعود أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    ثم إن النسائي أشار أو ذكر إلى أن سفيان الثوري روى الحديث من طريق أخرى غير هذه الطريق التي فيها الرجل الضعيف، وهي طريق قوية، وهي أن سفيان روى الحديث من طريق أخرى عن زبيد اليامي، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، فعلى هذا فالحديث جاء من طريقين: طريق فيها مقدوح ومجروح، وطريق فيها ثقة، وهو زبيد بن الحارث اليامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    وعلى هذا فوجود الضعيف بالإسناد الأول لا يؤثر شيئاً على صحة الحديث؛ لأن الحديث ثابت بالطريق الثانية التي فيها رواية سفيان عن زبيد بن الحارث اليامي، وزبيد في الإسناد بدل حكيم بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    باب الإلحاف في المسألة

    شرح حديث: (لا تلحفوا في المسألة...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإلحاف في المسألة: أخبرنا الحسين بن حريث ، قال: أخبرنا سفيان ، عن عمرو ، عن وهب بن منبه ، عن أخيه، عن معاوية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لا تلحفوا في المسألة، ولا يسألني أحد منكم شيئاً وأنا له كاره فيبارك له فيما أعطيته ) ].

    أورد النسائي هذه التراجم وهي: الإلحاف في المسألة، وهي: شدة الطلب والإلحاح في المسألة، هذا هو المقصود بالإلحاف بها، فـالنسائي أورد حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه تحت هذه التراجم، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تلحفوا في المسألة )، لا تلحفوا، أي: لا تطلبوا وتشتدوا في الطلب، فإنه لا يسألني أحد فأعطيه وأنا كاره فيبارك له فيه؛ لأن الإنسان قد يشتد عليه في الطلب، ويبالغ فيه، فيدفع للتخلص من هذا الإلحاح، وهذا الإلحاف الذي قد حصل، لكن يكون عن غير طيب نفس، وعدم ارتياح للإخراج.

    فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الإلحاف في المسألة، وأرشد إلى أنه قد يعطي وهو كاره لهذا الإعطاء، لكن بسبب هذا الإلحاف أعطى، فيقول عليه الصلاة والسلام: إذا كان الأمر كذلك أو أعطى الإنسان وهو كاره مع إلحافه ولشدته في الطلب، فإنه لا يبارك له في ذلك الذي أعطي، وإنما يكون الإنسان يسأل عند الضرورة، ولا يلحف في المسألة ولا يشتد في المسألة، لا يلحف فيها، لا يشتد بها، ولا يشدد في الطلب، وإنما يسأل بدون إلحاف، وبدون شدة، وتضييق على المسئول.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحلفوا في المسألة ...)

    قوله: [ أخبرنا الحسين بن حريث ].

    هو المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [ عن سفيان ].

    هو ابن عيينة، سفيان بن عيينة الهلالي المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عمرو ].

    هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن وهب بن منبه ].

    ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه أخرج له في التفسير فقط، ولم يخرج له في السنن.

    [ عن أخيه ].

    هو همام بن منبه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن معاوية ]

    هو ابن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    من الملحف

    شرح حديث: (من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ من الملحف؟

    أخبرنا أحمد بن سليمان أخبرنا يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف) ].

    أورد النسائي بعد ما ذكر النهي عن الإلحاف في المسألة عقد هذه التراجم بعدها، وهي: من الملحف؟ من هو الملحف الذي يتوجه إليه النهي؟ فأورد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، يعني: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من سأل وعنده أربعون درهماً فهو الملحف )، التي هي وقية وهي خمس نصاب الفضة؛ لأن نصاب الفضة مائتا درهم، والأربعون هي خمسها، فمن سأله وعنده هذا المقدار الذي هو أربعون درهماً، وهو خمس النصاب الذي تجب فيه الزكاة، فإنه هو الملحف الذي جاء النهي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإلحاف في المسألة، فلما ذكر النهي عن الإلحاف أتى بهذه التراجم بعدها لبيان من هو الملحف؟ وهو الذي عنده ما يكفيه، أو عنده ما يغنيه عن المسألة، وذلك أربعون درهماً فأكثر.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من سأل وله أربعون درهماً فهو الملحف)

    قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن داود بن شابور ].

    الثلاثة الأولون تقدم ذكرهم، وهم أحمد بن سليمان الرهاوي ويحيى بن آدم الكوفي، وسفيان بن عيينة المكي، هؤلاء تقدم ذكرهم.

    [ عن داود بن شابور ].

    ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والترمذي ، والنسائي.

    [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ].

    هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، هذا هو عمرو بن شعيب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.

    يروي عن أبيه شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو أيضاً صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وفي جزء القراءة وأصحاب السنن الأربعة.

    وشعيب بن محمد يروي عن جده عبد الله بن عمرو، والمقصود بالجد هو جد شعيب، وليس جد عمرو الذي هو جده الأول، وإن كان ذاك جده؛ لأن جد أبيه جد له، لكن المقصود أن عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى هذا فيكون متصلاً ولا انقطاع فيه؛ لأن شعيباً بن محمد بن عبد الله بن عمرو ثبت سماعه من جده عبد الله بن عمرو، فالحديث متصل، ولا انقطاع فيه، وبعض العلماء يقول: إن الضمير يرجع إلى عمرو فيكون يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن أبيه محمد، ومحمد يروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون منقطعا مرسلا؛ لأن محمداً ما أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن على القول المشهور عن أهل العلم، وأن عمرو يروي عن أبيه شعيب ، وشعيب يروي عن جده، يكون الحديث متصلاً لا انقطاع فيه، وقد سبق أن مر بنا قريباً حديث فيه هذا التفصيل، وهو أن عمرو روى عن أبيه شعيب، وشعيب روى عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تقدمت الإشارة إليهم قريباً.

    شرح حديث: (من استغنى أغناه الله عز وجل ... ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة حدثنا ابن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته وقعدت، فاستقبلني وقال: ( من استغنى أغناه الله عز وجل، ومن استعف أعفه الله عز وجل، ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف )، فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية فرجعت، ولم أسأله ].

    أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري، وهو دال على ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص المتقدم، وذلك أن أبا سعيد الخدري أرسلته أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المقصود من الإرسال هو السؤال كما جاء في آخر الحديث، وجاء وجلس فاستقبله الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: ( من استغنى أغناه الله).

    (من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله)، (ومن استكفى كفاه الله عز وجل، ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف).

    (ومن سأل وله قيمة أوقية)، يعني: أوقية أو ما يساويها أو مقدارها، (فقد ألحف)، وهذا فيه بيان التراجم، والشاهد للتراجم وهي: من الملحف، هو الذي يسأل وله قيمة أوقية، يعني: مقدار أوقية، أوقية أو ما يعادلها، فقد ألحف، ففيه بيان: من هو الملحف؟ وهي التراجم التي عقدها النسائي، وهو أنه يسأل وله أوقية أو ما يعادلها أو قيمتها، والأوقية كما عرفنا هي أربعون درهماً؛ لأن النصاب خمس أواق كما سبق أن مر في الحديث: ( ليس فيه ما دون خمس أواق صدقة)؛ لأن الأوقية أربعون درهماً، والنصاب مائتا درهم، ففيه بيان الشاهد للتراجم، وأن من كان كذلك فهو الملحف، والجمل الثلاث التي تقدمت فيها أن الجزاء من جنس العمل، فمن استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله.

    [ قال: فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية ].

    فقلت: أي: قال أبو سعيد : ناقتي الياقوتة -اسمها الياقوتة- خير من أوقية؛ لأن الرسول قال: عنده قيمة أوقية، فهذا عنده ناقة وهي خير من أوقية، فرجع ولم يسأل، وهذا يبين أنه كان ذاهباً للسؤال، وأن أمه أرسلته للسؤال، ولكنه لما سمع هذا الكلام رجع دون أن يسأل؛ لأن عنده أكثر من أوقية، وهي هذه الناقة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (من استغنى أغناه الله... ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف...)

    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن ابن أبي الرجال ].

    هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المشهور أبوه بأبي الرجال ، وعبد الرحمن بن أبي الرجال، وأبو الرجال وهو: محمد بن عبد الرحمن الأنصاري، مشهور بهذه الكنية التي هي أبو الرجال، وهي لقب في الحقيقة وليست كنية، ولكنها على صيغة الكنية؛ لأن له أولاداً، له عدة أولاد رجال، فأطلق عليه ذلك، فقيل له: أبو الرجال ، وعبد الرحمن هذا هو ابن أبي الرجال، وهو صدوق يخطئ، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

    تكنيته بهذا اللقب لها وجه؟

    كما هو معلوم سببه كون له أولاد، قيل: أنهم عشرة، أو قريب من ذلك، فقيل له: أبو الرجال، هذا هو سبب التلقيب.

    [ عن عمارة بن غزية ].

    لا بأس به، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة، وكلمة لا بأس به هي بمعنى: صدوق دون الثقة، إلا عند يحيى بن معين فعنده لا بأس به توثيق تعادل ثقة، في اصطلاح يحيى بن معين أنه إذا قال عن شخص: لا بأس به، فيعني أنه ثقة.

    [ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ].

    ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة، مثل عمارة بن غزية ، الذين خرجوا لـعبد الرحمن هم الذين خرجوا لـعمارة بن غزية المتقدم الذي هو تلميذه.

    [عن أبيه أبي سعيد الخدري] .

    هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبو سعيد، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري وعائشة أم المؤمنين، ستة رجال وامرأة واحدة.

    1.   

    إذا لم يكن له درهم وكان له عدلها

    شرح حديث: (... من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها.

    قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن القاسم أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: ( نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقالت لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسله لنا شيئاً نأكله، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك، فولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ليغضب على أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً، قال الأسدي : فقلت: للقحة لنا خير من أوقية، والأوقية أربعون درهماً، فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل ) ].

    [ (إذا لم يكن عنده دراهم وكان له عدلها) ].

    إذا لم يكن عنده دراهم وكان له عدلها، يعني: ما يساويها ويقابلها؛ لأن التراجم السابقة: من هو الملحف؟ أو حد الغنى، يعني: كون عنده خمسون درهماً، أو أربعون درهماً، والملحف من له أربعون درهماً ويسأل، قال: إذا لم يكن له أربعون نقودا، ولكن عنده ما يعادلها، وما يقابلها ويساويها من غير النقود، يعني: فالحكم كذلك، فأورد النسائي حديث الأسدي الذي نزل هو وأهله في البقيع، أي: في ناحيته وجهته، وليس معنى ذلك أنهم نزلوا في المقبرة، ولكنهم نزلوا في جهتها أو على حدها أو على طرفها، فقالت امرأته: لو ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته لنا شيئاً نأكله، فذهب إليه وإذا عنده رجل يسأله، يعني: حاجته مثل حاجته، فاكتفى بسؤال ذلك السائل الذي سبقه، وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا أجد ما أعطيك إياه)، فرجع الرجل وهو مغضب وهو يقول: لعمري إنك تعطي من شئت؟

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليغضب عليّ أن لا أجد ما أعطيه).

    ثم بعد ذلك قال: (من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً).

    ثم قال: (من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً)، ومحل الشاهد منه قوله: أو عدلها؛ لأنه ذكر الأوقية، ثم قال: (أو عدلها)، ومحل التراجم إذا لم يكن عنده دراهم، ولكن عنده عدل هذه الدراهم، ففيه: التنصيص على عدل الدراهم، وما يعادلها ويساويها من الأموال الأخرى التي هي غير الدراهم، ( من سأل وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً ).

    قال الأسدي: فقلت: للقحة لنا خير من أوقية، يعني: معهم لقحة، وهي خير من أوقية، وهذا من جنس حديث أبي سعيد المتقدم الذي قال: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية، يعني: فهذا أيضاً فهمه مثل فهم هذا، وقياسه مثل قياسه؛ لأنه قال: ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أربعون درهماً وهي أوقية، وعنده شيء أحسن منها وهي الناقة، فرجع ولم يسأل، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه بعد ذلك شعير وزبيب، فأعطاهم نصيباً من هذا الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

    (قسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل)، قوله: (فقسم) بالتشديد، أي أنه قسم لهم فأعطاهم قسماً منه.

    فقسم منه حتى أغنانا الله، يعني معناه: أنه حصل لهم غنى بعد ذلك، بسبب الاستعفاف كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من استغنى أغناه الله، ومن استعف عفه الله ).

    تراجم رجال إسناد حديث: (... من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً ...)

    قوله: [ قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ].

    قال النسائي : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وهذه من العبارات التي يعبر بها النسائي في روايته عن شيخه الحارث بن مسكين ، وفي بعضها يقول: أخبرني الحارث بن مسكين ، أو أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وفي بعض الأسانيد ما يقول: أخبرنا، ولكن يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وذلك أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كان راضياً عنه، وكان يأذن له في حضور درسه، فكان يسمع، وفي هذه الحال يقول: أخبرنا قراءة عليه وأنا أسمع؛ لأنه مأذون له في السماع، والنسائي قصد تحمله وتحمل غيره، وفي بعض الأحوال حصل بينه وبينه وحشة، فكان لا يريده أن يحضر مجلسه، ولا أن يأخذ عنه الحديث، فكان يأتي ويجلس من وراء ستار ويسمع، ولكنه يميز هذا بأن لا يقول: أخبرني؛ لأن الحارث بن مسكين ما قصد إخباره، بل منعه من أن يأتي إلى درسه وإلى مجلسه، فكان يقول: قال الحارث بن مسكين: قراءة عليه وأنا أسمع، يعني: قال هذا الكلام وهو يسمع، ولم يقل: أخبرني؛ لأنه ما قصد إخباره، بل لم يرد إخباره، بل أراد أن لا يحضر إلى مجلسه، فكان يفرق بين ما سمعه في الحالتين التي كان مأذوناً له، يقول: أخبرني الحارث بن مسكين ، والحالة التي كان من وراء الستار ويسمع، يقول: قال الحارث بن مسكين ، والعلماء اعتبروا هذا، يعني: الإنسان إذا سمع وإن لم يقصده بالتحديث، فإنه ما دام سمعه فيتحمل عنه، وإن كان الحديث لغيره وليس له، فإنه يتحمل عنه، وهي من طرق التحمل، ويجوز التحمل بهذه الطريقة، والحارث بن مسكين هو مصري، ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.

    [ قوله: عن ابن القاسم ].

    هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.

    [ عن مالك ].

    هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن زيد بن أسلم ].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عطاء بن يسار ].

    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ (عن رجل من بني أسد) ].

    عن رجل من بني أسد، هو مبهم، ومعلوم أن الشخص المبهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في حكم المعلوم، المجهول فيهم في حكم المعلوم، فيكفي أن يضاف الشخص إلى صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يذكر عنه أنه صحابي ولو كان غير معروف شخصه، أو معروف حاله، فإنه لا يسأل عن من وصف بأنه صحابي، ولهذا فإنه ما من راو من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفة حاله وشخصه، إلا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يحتاج الأمر إلى ذلك، بل يكفي أن يقال عن الواحد منهم: أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكفيهم ذلك شرفاً وفضلاً؛ لأن من عدله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يحتاج بعد ذلك إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين.

    شرح حديث: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر عن أبي حصين عن سالم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ) ].

    أورد النسائي حديث أبي هريرة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)، لا تحل الصدقة لغني؛ لأن الصدقة إنما تعطى للفقراء لا للأغنياء، ولهذا جاء في حديث معاذ : (تؤخذ من أغنيائهم)، فيؤخذ منهم ولا يعطوا الأغنياء، تؤخذ منهم الصدقات، ولا يعطوا شيئاً من الصدقات؛ لأن الصدقات إنما هي للفقراء والمساكين، وليست للأغنياء، لكن سبق أن عرفنا أنه لو أخرج زكاته لشخص يظن أنه فقير فتبين أنه غني، فإنها تجزئ، وقد سبق أن مر بنا الحديث في ذلك، حديث الرجل الذي خرج بصدقته وحلف أن يخرج الصدقة، ووضعها في يد غني، وفي يد زانٍ وفي يد سارق، والصدقة لا تعطى للغني، الغني تؤخذ منه الصدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فهي لا تعطى لغني.

    (ولا لذي مرة سوي)، يعني: قوة ونشاط، وقدرة على الاكتساب، و(سوي)، يعني: سوي الأعضاء، ليس عنده نقص في أعضائه، يمنعه من العمل، أو يمنعه من التحصيل، فالصدقة لا تحل لهؤلاء، ولا لهؤلاء، لا تحل للغني، ولا لذي المرة السوي، لكن لو أعطي من الزكاة، ويظن أنه محتاج، وأنه فقير، فهو مثل ما أعطيت لغني، مثلما لو أعطيت لغني، فإنها تجزئ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)

    قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].

    هو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [ عن أبي بكر ].

    هو ابن عياش، أبو بكر بن عياش، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    لكن إخراج مسلم له إنما هو في المقدمة.

    [ عن أبي حصين ].

    هو عثمان بن عاصم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سالم ].

    هو سالم بن أبي الجعد، وهو ثقة، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي هريرة ].

    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

    1.   

    مسألة القوي المكتسب

    شرح حديث: (... ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ مسألة القوي المكتسب.

    أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ، قالا: حدثنا يحيى عن هشام بن عروة حدثني أبي حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار رضي الله عنه: أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، وقال محمد: بصره، فرآهما جلدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن شئتما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب ) ].

    أورد النسائي هذه التراجم وهي:[ مسألة القوي المكتسب ].

    يعني: ليس له أن يسأل وهو قوي مكتسب؛ لأنه سبق أن مر: ( لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي )، فالذي عنده قوة، وعنده قدرة على الاكتساب، وهو سليم الأعضاء، فليس له أن يسأل، بل عليه أن يشتغل، كما سبق في الأحاديث: ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يسأل أحداً مما أعطاه الله من فضله، أعطاه أو منعه )، فالصبر على التعب، مع القدرة على التحصيل، خير وأفضل من إضاعة ماء الوجه بالسؤال، ومن التعرض لذل السؤال، فالقوي المكتسب الذي عنده قدرة ليس له أن يسأل، بل عليه أن يشتغل، وأن يعمل، اللهم إلا إذا كان ممن تحل له المسألة كما سبق أن مر في حديث قبيصة بن مخارق ، يعني: كونه تحمل حمالة، أما كونه يسأل شيئاً لنفسه، وهو قوي مكتسب، فهذا لا ينبغي له، بل عليه أن يشتغل، وأن يحمل على ظهره، أو يشتغل أي عمل، يعني: مشروع يستفيد منه ويفيد.

    وقد سبق أن مر بنا عن بعض الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحثهم على الصدقة، فلا يجد أحدهم شيئاً يتصدق به، فيذهب للسوق ويحمل على ظهره، فيأتي بالمد، متصدقاً به، يعني: قد استفاد وأفاد.

    (فقلب فيهما البصر، وقال محمد: بصره).

    ثم عبيد الله بن عدي بن الخيار، وهو معدود في صغار الصحابة، وقال بعضهم: إنه من كبار التابعين؛ لأنه مولود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مميزاً في زمن الفتح، يعني: فتح مكة، ويروي عن اثنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءا يسألانه، وكان جلدين، يعني: نشيطين، يظهر عليهما القوة والنشاط في أجسامهما، فقلب فيهما البصر، وهذه في رواية عمرو بن علي شيخه الأول، وأما رواية شيخه الثاني محمد بن المثنى : قلب فيهما بصره، يعني: الفرق بينهما أن أحداً قال: البصر، والثاني قال: بصره، هذا بالضمير الذي هو مضافاً إليه، وذاك بأل التي هي عوض عن المضاف إليه، أي: أن هذين الشيخين للنسائي أحدهما عبارته قلب البصر، والثاني عبارته قلب بصره، وفي بعض الروايات: (صوب فيهما النظر، وصعده، ينظر فوق وينزل، فرآهما جلدين نشيطين) وقال: (إن شئتما)، وفي بعض الروايات: (أعطيتكما، لكن لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب).

    (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)، وهذا محل الشاهد، وكلمة: (قوي مكتسب) هي مثل ذي مرة سوي، ذي مرة يعني: قوة ونشاط، سوي يعني: سليم الأعضاء ليس مقطوع اليد، أو مقطوع اليدين، أو مقطوع الرجل، أو ما إلى ذلك مما يكون الإنسان عنده صحة وعافية، ولكنه غير سليم الأعضاء، فما يستطيع أن يكتسب لهذا النقص الذي فيه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (ولا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب)

    قوله: [ أخبرنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى ].

    عمرو بن علي ومحمد بن المثنى، وهما شيخا النسائي، وهما شيخان لأصحاب الكتب الستة، يعني: هذان الشخصان شيخان لأصحاب الكتب الستة، وأصحاب الكتب الستة رووا عنهما مباشرة وبدون واسطة، وهما ثقتان.

    [ عن يحيى ].

    هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن هشام بن عروة ].

    هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبيه ]

    هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ].

    هو معدود في الصحابة، وقال العجلي: أنه من كبار التابعين، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

    عن رجلين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أخبراه عن أنفسهما أنهما جاءا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما قال، وهما مبهمان، وقد عرفنا في حديث الأسدي أن الرجل المبهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضر إبهامه، ولا تضر جهالة الصحابة؛ لأن المجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم.

    في حديث الرجل من بني أسد الذي نزل في البقيع، فيه كلمة هل أسأل عنها الآن أم فيما بعد؟

    وكلمة لعمري، هذه كلمة ليست قسماً، ولكن يؤتى بها من الألفاظ المؤكدة للكلام، مثل: حقاً، ولا جرم، فإنها ألفاظ مؤكدة، وليست من ألفاظ القسم، ولهذا استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، كما في حديث الرقية، حيث قال: (تلك لعمري من أكل برقية باطلاً فقد أكلت برقية حقاً)، ويستعملها العلماء كثيراً، وهي من الألفاظ المؤكدة، وليست من قبيل القسم، وبعض العلماء يقول: هي قسم، ولكن في الحقيقة هي من الألفاظ المؤكدة للقسم، وقائلها ليس مقسماً، وإن كان بعض العلماء يقول: إنها قسم، لكن المشهور أنها ليست بقسم، وللشيخ حماد الأنصاري رحمه الله مقال حول هذه الكلمة، وأنها ليست بقسم، والمقال منشور في مجلة الجامعة، بحث حول لعمري، وأنها ليست بقسم، وأتى بكلام العلماء فيها.

    1.   

    مسألة الرجل ذا سلطان

    شرح حديث: (إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ مسألة الرجل ذا سلطان.

    أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا محمد بن بشر أخبرنا شعبة عن عبد الملك عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء كدح وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو شيئاً لا يجد منه بدا ) ].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: سؤال الرجل ذا سلطان، يعني: أن يسأل سلطاناً، يعني: ولياً لأمر المسلمين الذي هو السلطان، فكونه يسأله فسؤاله ليس كسؤال غيره من الناس؛ لأن له نصيباً في بيت المال، وله حقاً في بيت المال، فإذا سأله فإنما يسأل من شيء له فيه مشاركة، ولهذا جاء تمييز السلطان على غيره، وأن سؤال السلطان ليس كسؤال غيره ممن يسأل الناس أموالهم، لأن هذا له فيه مشاركة، وله فيه نصيب، فإذا سأل فإنما يسأل لكون له فيه مشاركة وله نصيب، هذا وجه تخصيص السلطان بتمييزه بأنه ليس سؤاله كسؤال غيره، وأورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المسائل)، يعني: سؤال الناس، جمع مسألة وهي سؤال الناس كدوح، أو خدوش.

    (فمن شاء كدح وجهه، ومن شاء ترك)، ليس المقصود التخيير، وأن الإنسان يفعل كذا أو يفعل كذا، بل هذا من باب التوبيخ، ومثل قوله: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]؛ لأنه ليس أمر تخيير بين الإيمان والكفر، بل الإيمان هو المطلوب، والكفر محذر منه، ولكن هذا من باب التهديد، ومن باب التوبيخ، فهذا مثله؛ لأنه قال: (كدوح يكدح بها الرجل وجهه)، فليس مخيراً بين أن يأتي بما فيه هذا الذنب، وبين غيره، فهذا التخيير على سبيل التوبيخ، يعني: معناه لا يفعل.

    (إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو شيئا لا يجد منه بدا).

    إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان؛ لأن له نصيباً في بيت المال، فإذا كان محتاجاً إلى ذلك، فسؤاله السلطان ليس مما يدخل في المنع، وليس مما يدخل في ذلك الذنب؛ لأن له فيه مشاركة، يعني: في بيت المال الذي هو بيد السلطان، أو في أمر لا بد له منه، يعني: مضطر إلى ذلك، كما جاء في حديث قبيصة بن مخارق الذي تقدم، يعني: (إنسان أصابته فاقة، فيسأل حتى يصيب سداداً من عيش، أو قواماً من عيش)، فإذا كان الأمر لا بد منه فإنه معذور، أما إذا كان له بد، يعني: يكون عنده أربعون درهماً فأكثر، فإنه يكون سأل وعنده ما يغنيه، فيكون مذموماً.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إن المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ... إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ...)

    قوله: [ أخبرنا أحمد بن سليمان عن محمد بن بشر ].

    أحمد بن سليمان ، مر ذكره.

    و محمد بن بشر هو العبدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن شعبة ].

    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [ عن عبد الملك ].

    هو عبد الملك بن عمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن زيد بن عقبة ].

    ثقة، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.

    [ عن سمرة بن جندب ].

    صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755929471