إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - ما يقرأ في صلاة الجنازة وما جاء في الإسراع بالجنازة

شرح رياض الصالحين - ما يقرأ في صلاة الجنازة وما جاء في الإسراع بالجنازةللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جاء الإسلام شاملاً كاملاً مستوعباً لجميع نواحي حياة الإنسان، مشرعاً له في كل شأن من شئون حياته، وفي كل مرحلة من مراحل عمره من يوم ولادته إلى يوم وفاته، وحتى بعد وفاته فلم يترك شيئاً عبثاً. وإن مما شرعه الإسلام بعد وفاة هذا الإنسان الصلاة عليه وغسله ودفنه وقضاء ديونه، وغير ذلك.

    1.   

    الدعاء في صلاة الجنازة وكيفيته

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد الله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب: ما يقرأ في صلاة الجنازة

    عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراًمن داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيرا من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار قال عوف : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) رواه مسلم ].

    وأما كيفية صلاة الجنازة:

    فإنه يقرأ في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى: بفاتحة الكتاب.

    وبعد التكبيرة الثانية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، قائلاً: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آله إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

    وبعد التكبيرة الثالثة: يدعو للميت.

    ثم بعد التكبيرة الرابعة: يدعو لنفسه، ويدعو للميت، ويدعو للمؤمنين. فالدعاء يكون بعد التكبيريتين الثالثة والرابعة.

    وقد جاءت أحاديث جامعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الدعاء في صلاة الجنازة، فمن حفظها ودعا بها للميت فقد قال شيئاً عظيماً، وأتى بخير كثير في الدعاء لهذا المتوفى.

    ومن ذلك: حديث عوف بن مالك الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم دعاء الميت: (اللهم! اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراًمن داره، وأهلا خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار).

    يقول عوف بن مالك رضي الله عنه راوي الحديث: حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت؛ وذلك من جمال هذا الدعاء، فبسبب أنه دعاء كامل وجامع فقد تمنى رضي الله عنه أن لو كان هو هذا الميت، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، وبالرحمة، والعفو والمعافاة في الدنيا فاسأل الله العفو والعافية، بأن يعافيك في بدنك، وفي دينك، وفي أهلك ومالك.

    وأما في القبر فقد انتهى التكليف الذي كان في الدنيا، إذاً المعافاة في القبر هي: النجاة من أثر الذنوب وعقوبتها، والنجاة من العذاب في القبر، والنجاة من العذاب يوم القيامة، فهذه هي المعافاة للميت، ومن عافاه الله سبحانه فقد فاز فوزاً عظيما.

    شرح ألفاظ دعاء الميت في حديث عبد الرحمن بن عوف

    فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله)، أي: المكان الذي نزل فيه، وكأن المقصود الضيافة؛ لأن النزل هو: الضيافة، فكأن هذا الميت ضيفاً على الله عز وجل، فكأنك تقول لله عز وجل: هذا ضيف نزل عندك، فأكرم هذا الضيف، كما أمرتنا أن نكرم الضيوف في الدنيا، فتفضل عليه بأن تكرمه، وقد نزل عندك.

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وأكرم نزله ووسع مدخله)، فلأن القبر إما أن يضيق على صاحبه، فيكون ضيقاً جداً، وإما أن يوسع لصاحبه فيكون كمد البصر، وذلك بحسب عمل صاحب القبر، الذي عمله في الدنيا.

    وكذلك إما يكون القبر روضة من رياض الجنة، أي: جنة عظيمة، ورياض واسعة، وإما أن يكون حفرة -والعياذ بالله- من حفر النار.

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) أي: نقه من الخطايا، واغفرها له، واغسلها وامحها عنه، بحيث يصير نقياً كالثوب الأبيض ناصع البياض الذي ليس فيه شيء من آثار الدنس.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأبدله داراً خيراً من داره)؛ لأن داره كانت في الدنيا بكدرها وضيقها، فدعا له صلى الله عليه وسلم بأن يبدله داراً هي أفضل منها، وهي: الجنة.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه) يعني: من الحور العين في الجنة، إذا أدخله الله عز وجل جنته.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار)، فيه عظم هذا الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في معافاة هذا الإنسان في كل أحواله، من وقت ما يقدم على ربه وهو في قبره إلى أن يبعث، ويدخل الجنة.

    ولذلك فإن الصحابي راوي الحديث تمنى أن يكون هو هذا الإنسان المتوفي، ولا يوجد أحد يتمنى الموت، ولكن مع هذا الدعاء العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم -ودعاءه مستجاب عليه الصلاة والسلام- فقد تمنى أن يكون هو هذا الميت.

    1.   

    دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للميت في حديث أبي قتادة

    ومن الأدعية الواردة في صلاة الجنازة:

    ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد عند الترمذي من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي قتادة ، وفيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا).

    فهذا هو الذي تدعو به للميت ثم تدعو لنفسك وللمسلمين أيضاً، فبعد التكبيرة الثالثة تخص الميت بالدعاء، وإن شئت جعلت الدعاء له في التكبيرتين الثالثة والرابعة ولا تحرم نفسك والمسلمين من الدعاء، فلعل الله عز وجل أن يستجيب، ولعلك أن تستحضر في هذا الوقت الإخلاص والخشوع والخوف من الله عز وجل، فيستجيب الله دعاءك، فلا تحرم نفسك من أن تدعو لنفسك وتدعو للمؤمنين.

    ولكن بجوامع الدعاء التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دعا بقوله: (اللهم! اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وذكرنا وأنثانا، وصغيراً وكبيرنا، وشاهدنا وغائبنا اللهم! من أحييته منا، فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) فهذا دعاء شامل كامل من النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، صلوات الله وسلامه عليه.

    فيدعو ربه سبحانه بقوله: اللهم! اغفر للجميع، ويخصه، وإن كان حقيقة التخصيص فيه التعميم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (لحينا) يخص كل الأحياء والإنسان إما حي وإما ميت، وقد قال في الدعاء: اغفر لحينا وميتنا، فحقيقته هي: التعميم فقد عم النبي صلى الله عليه وسلم الجميع بقوله: (اغفر لحينا وميتنا).

    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وشاهدنا وغائبنا) فإن الناس إما شاهد، وإما غائب، فالشاهد هو الموجود، والغائب إما أن يكون غائباً الآن، وإما أن يكون تحت التراب، فكأنه جمع الجميع بقوله.

    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وذكرنا وأنثانا)؛ لأن الناس إما ذكور وإما إناث، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم للجميع.

    وكذلك قوله: (وصغيرنا وكبيرنا) نفس الأمر أي: أن الناس إما صغار وإما كبار، فكأن هذا الدعاء هو الأولى؛ لأنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه من التأكيد الشيء الكثير، وقد تفنن في الانتقاء صلوات الله وسلامه عليه.

    فكأنه يقول: اللهم! اغفر للجميع. ولكن بتفنن جميل في الدعاء. فشمل دعاؤه صلى الله عليه وسلم الجميع.

    وقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان) أي: أن الله إما أن يقدر لنا الحياة، وإما أن يقدر لنا الموت، فيقول: إذا قدرت لنا الحياة فأحيينا على الإسلام، وثبتنا عليه، وإن قدرت لنا الموت فتوفنا على الإيمان.

    ثم قال: (اللهم! لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) أي: هذا الإنسان الذي توفي وفارقنا، اللهم! لا تحرمنا أجر أن صلينا عليه وشيعناه ودعونا له.

    وكذلك لا تفتنا بعده؛ فقد مات هذا الإنسان، ومددت لنا في أعمارنا، فلا تجعلنا فتنة للناس بعد موته، ولا تفتنا بغيرنا في هذه الحياة الدنيا.

    1.   

    الأمر بإخلاص الدعاء للميت

    مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في أمر الجنائز ما رواه أبو داود ، وحسنه الشيخ الألباني : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) وهذا الأمر مهم جداً وليس الأمر من الذي يصلي عليه، ولكن من الذي يؤم، والمهم أن يخلص الجميع في الدعاء للميت.

    وإذا كانت الصلاة على الميت في المسجد فأولى الناس بالصلاة عليه هو إمام المسجد، وهذا بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه)، وأما إذا كانت الصلاة خارج المسجد كأن يصلون عند المقبرة، أو في المصلى، أو في غيرهما، فليتقدم وصي الميت إن كان أوصى أن فلاناً يصلي عليه، وإن كان الأفضل في الإمامة على كل الأحوال في أي صلاة جماعة سواء كانت صلاة على الميت أو غيرها أن يؤم القوم أحفظهم لكتاب الله، وذلك لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فهذا هو المقدم في الإمامة، إذ قدمته الشريعة، ولا يؤخر من قدمته الشريعة.

    وقد تجد أحياناً بعض الناس يظن أن المسألة من باب التزين والتجمل، فتجد أن أولياء الميت وأهله يتخاصمون فيما بينهم فيمن سيصلي على هذا المتوفى، والأهم من ذلك هو الإخلاص في الدعاء، سواء كنت إماماً أو كنت مأموماً، فإذا أخلصت في الدعاء استجاب الله سبحانه وتعالى، ولن يكون هناك فرق سواء كنت إماماً أو مأموماً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (أخلصوا له الدعاء).

    فالمطلوب إذاً: أن تستحضر النية الصالحة، وتستحضر أنك ستكون مكانه في يوم من الأيام، ولا تدري هل سيصلي عليك مجموعة كبيرة أو عدد قليل، وهل سيخلصون لك في الدعاء أم لا؟ فلذلك عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فإنك إذا كنت في هذا الموقف فإنك تحب من الناس أن يدعوا لك بإخلاص، فادع لهذا المتوفى، كما تحب أن يدعى لك، ولا تبخل بالدعاء فإنك لن تخسر شيئاً، ولن تدفع من جيبك، وإنما الله عز وجل هو الذي يعطي، فادع له بالجنة، وادع له بالفردوس الأعلى فيها، وادع له بالرحمة، فلعل الملائكة أن تدعوا لك، وتقول: ولك مثله، ولك مثله، فادع لأخيك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، واسأل له التثبيت، وادع له بما تحب أن يدعى لك.

    ذكر الإمام النووي رحمه الله هنا حديثاً آخر رواه أبو داود بإسناد ضعيف، ورجاله ثقات إلا: علي بن شماخ ،لم يوثقه سوى ابن حبان ، فالحديث في إسناده ضعف يسير.

    قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم! أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت توفيتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له، فاغفر له) فأنت أيها المسلم جئت لتصلي على المتوفى وتشفع له.

    الشفاعة معناها: أن لا تجعله وحده، فأنت شفعته، أي: صرت معه تدفع عنه بدعائك وبإخلاصك، فلذلك قال: (جئنا شفعاء له، فاغفر له) لعل الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عنه، ويعفو عن سيئاته.

    ومن الأحاديث الصحيحة:

    ما رواه أبو داود عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: اللهم! إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم! فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم).

    فيستحب أن تدعو بأي دعاء شئت؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل كل الأدعية في صلاة واحدة، ولكن مرة قال بكذا. ومرة قال بكذا، ومن هنا فإننا نعرف أن طول صلاة الجنازة غير مستحب، فلا تكون صلاة طويلة جداً بحيث يمل الناس، يقفون حتى لا يجدوا شيئاً يقولونه، ولكن تكون الصلاة بقدر ما دعا النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وإن شئت جمعت حديثين أو ثلاثة أحاديث فيما جاء من ذلك، ودعوت بهما للميت، ولكن البعض أحياناً قد يقف ويدعو للميت دعاءً طويلاً، حتى يمل من خلفه، ويظلوا سكوتاً، لا يعرفون ماذا يقولون، فيذهب عنهم الإخلاص، ويشق عليهم بذلك.

    ولذلك عندما قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب الإطالة بعد التكبيرة الرابعة، فإنه يقصد: الإطالة بقدر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، لأن بعض العلماء يقولون: لا يوجد بعد التكبيرة الثالثة دعاء، وإنما تكبر، وتقف شيئاً يسيراً، وتسلم من غير دعاء، فالإمام النووي يقول: قف، وادع بعد الثالثة بمثل هذا الدعاء الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    السؤال في القبر

    ويسأل الإنسان في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي جاء فيكم؟ والسؤال صعب جداً؛ لأن الإنسان وهو في قبره وقد انصرف الناس من حوله، يأتيه ملكان، فينهرانه بشدة، فمثلاً: لو كنت واقفاً في الطريق وصاح أحد عليك بصوت عال فإنك تفزع وتخاف وأنت قوي قادر، فما بالك وأنت داخل القبر ، مربوط في كفنك، لا تعرف ماذا ستفعل؟! نسأل الله العفو والعافية.

    فيأتيه ملكان شديدا الانتهار، أصواتهما وصراخهما عال وشديد جداً، لا يسمعهما أحد إلا هذا المتوفى، فينهرانه ويجلسانه، ويسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وما تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا ينفع الإنسان إلا ما كان عليه في الدنيا من عبادة الله والخوف منه سبحانه، وهنا يثبت الله الذي يريد أن يثبته، فلا أحد معك في قبرك وإن أقصى شيء يسمعه الإنسان المتوفى هو قرع النعال، وهي حالة من حالات الفزع التي تكون على الإنسان، فقد أصبح لوحده الآن، وهذا فيه إفزاع للإنسان، فإنه وهو في قبره لا أحد معه، فكل الناس رجعوا وتركوه، فإذا كان عبداً مؤمناً فإن الله يثبته في هذه الحالة.

    فيجيب قائلاً: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلوات الله وسلامه عليه، فيسألانه: ما معرفتك به؟ فيجيب بقوله: جاءنا بالبينات فصدقت وآمنت، أي: أعطاني كتاباً من عند الله سبحانه، أعطانا سنته صلوات الله وسلامه عليه، فقد أتى بآيات معجزات، فعرفنا أنه رسول الله، فهو ثابت يجيب لا يتزعزع ولا يتزلزل فينجح في الامتحان، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم:27]، فإذاً يضل الإنسان إذا كان ظالماً وفاجراً وشقياً كافراً في هذه الدنيا، فإذا سأله الملكان في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: لا أدري، لا أدري، فيزيغ، ولعله في الدنيا كان يقول: لا إله إلا الله، ولكنه لم يثبت عليها في قبره، فقد ضاعت منه هذه الكلمة؛ لأن الذنوب ثقلت لسانه في وقت وفاته، فلم يقدر على هذه الكلمة، ثم لما كان في قبره فإن ذنوبه واستهزاؤه بالمؤمنين، أضاع عن خاطره ذلك، في موقف فيه الفزع، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ولا دريت، دعاء عليه، أي: إن شاء الله ما دريت، ولا تليت، أي: ما قرأت القرآن قبل ذلك، ولا تعلمت آداب هذه الشريعة، فقد كنت غافلاً، ولاعباً، وماشياً في الدنيا كأهل الباطل شمالاً ويميناً، ناسياً ربك تبارك وتعالى، والآن ننساك ونتركك وحيداً في قبرك.

    فينادي مناد: أن كذب عبدي. ويقال له: إنه محمد صلى الله عليه وسلم، ألا تعرف النبي صلى الله عليه وسلم؟!! فيقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت، أي: قلدت الناس، أي: أن الناس كانوا يقولون شيئاً، فقلته، فقلدت الناس، عملت مثل ما عمل الناس.

    وكثير من الناس لا يعرف أنه قال: لا إله إلا الله، أو لا يذكر الله إلا عندما يتعارك مع الناس، فيرفع صوته، ويقول: لا إله إلا الله، وهو يتعارك، أما وهو طبيعي فلا يذكر الله، بل ينساه سبحانه وتعالى، وعندما يحب أن يتعجب يقول: سبحان الله، لا أعرف ماذا كذا وكذا، فيقولها على وجه التعجب والإنكار أما أن يجلس يذكر الله سبحانه وتعالى خاشعاً له، متأدباً معه فلا يفعل ذلك.

    فإذا كان هذا الإنسان الذي في قبره قد نسي الله سبحانه وتعالى في الدنيا، وكان فاجراً شقياً، فإنه يقول: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته يعني: كان مع الناس يقول كما يقولون: لا إله إلا الله فقال: كما قال الناس، فلم ينفعه ذلك في قبره، وإذا به يسمع قائلاً يقول: افتحوا له باباً إلى النار، وأروه منزله من النار، وافرشوا له لوحين من النار والعياذ بالله، فيصير القبر عليه حفرة من حفر النيران نسأل الله العفو والعافية.

    ولذلك فعندما تدعو لميت فاستحضر هذا كله، وأنه مسكين، قد ذهب إلى ربه، فيحتاج إلى الدعاء، فادع له بالتثبيت، وادع له بالمغفرة.

    في نهاية هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فقه فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم! فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم).

    من الأحاديث التي جاءت في ذلك:

    ما روى الحاكم وقال: صحيح، وإن كان في إسناده ضعف، عن عبد الله بن أبي أوفى : أنه كبر على جنازة ابنة له أربع تكبيرات.

    وروى البيهقي بإسناد صحيح فيه فقام بعد الرابعة كقدر ما بين التكبيرتين، وساقه الإمام النووي من رواية الحاكم ولكنها بإسناد ضعيف، ولكن ورد مثلها، ورواها البيهقي بإسناد صحيح، وفيه: أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه كبر على جنازة ابنة له أربع تكبيرات، فقام بعد الرابعة، كقدر ما بين التكبيرتين، يعني: كأن كثيراً منهم كانوا يصلون فإذا أتوا بالتكبيرة الرابعة لا يدعون، وإنما يسلمون فوراً فهو قام مثلما قام قبلها في الدعاء الذي في التكبيرة الثالثة، يستغفر ويدعو لها.

    ثم قال: بعدما جلس فترة، أي: إن راوي الحديث يقول: كبر أربعاً، فمكث ساعة حتى ظننت أنه سيكبر خمساً، ثم سلم عن يمين وعن شمال، وكلمة: ساعة بمعنى: لحظة، أي: شيئاً من الزمن، وليس معنى الساعة ستين دقيقة، ولكن المقصد منه لحظة، فهو وقف قليلاً، أي: فترة، يدعو للميتة فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ أي: إنك بعد التكبيرة الرابعة وقفت تدعو أيضاً، كأنهم نسوا هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان كثيرون لا يفعلونه فقد كانوا يدعون بعد التكبيرة الثالثة، وأما بعد الرابعة فيسلمون فوراً، فلما قالوا له ذلك قال: إني لا أزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    باب الإسراع بالجنازة

    الإسراع بالجنازة سنة، والإسراع أنواع:

    إسراع من لحظة ما يتوفى الميت، فهو إسراع في التجهيز، وإسراع في استخرج تصريح بدفنه، وإسراع في حفر القبر، وإسراع في إحضار المغسل، وإسراع في إحضار الكفن، فلا يطول هذا الشيء وإنما بقدر ما يجتمع الناس الذين يصلون عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لنا في الحديث أنه: (إذا صلى عليه أربعون يشهدون أن لا إله إلا الله) أي: أربعون من الموحدين، وفي الحديث الآخر: (مائة يوحدون الله سبحانه إلا شفعوا فيه) فإذاً نحرص على أن يصلي على هذا المتوفى على الأقل أربعون شخصاً يصلون عليه، أو مائة، والناس الذين يحضرون في الجنائز كثيرون، فإذاً لا داعي للإسراع الذي يجعل الكثيرين لا يشهدون الجنازة، وأيضاً لا داعي للإبطاء الممل الذي يجعل الناس يقولون: لن نحضر جنازة مرة ثانية؛ لأنهم يؤخرونا ويعطلونا، فالأمر على الوسط، فالإسراع يكون بالتجهيز، وتبلغ من سيحضر الجنازة، بحيث إنه يصلى على الميت إذا توفي، ويدفن في اليوم الذي توفى فيه.

    إلا أن يتعذر ذلك، كما في عادة بعض البلدان أن المقبرة تقفل بعد العشاء، فمن الصعب أن نذهب بعد العشاء ونفتح له قبراً، ولكن في مكة والمدينة المقبرة مفتوحة في أي وقت، ففي أي وقت يدفن الإنسان المتوفى، فعلى ذلك إذا كانت عادة أهل البلاد الإسراع لمثل ذلك، فيدفن ولا يؤخر إلى الصباح حتى يحضر الناس.

    وينظر أيضاً هل يتغير الميت أو لا يتغير، وأي إنسان يتوفى إذا مر عليه وقت فإنه يتغير، فالإنسان بداخله معدة وأمعاء فتتحلل، ويخرج منه رائحة كريهة، وليس هذا دليل على أن ذلك الرجل سيء، والميت يتحلل في قبره، وتأكله الدود، إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإلا ما يكون من أمر الشهداء في من شاء الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: إذا كان الميت رائحته قد تغيرت فلا أحد يسيء فيه الظن، وإذا كان مستوراً داخل صندوق، وقد تغير الميت، فاتركه على وضعه، وصل عليه وهو على هذه الحالة، وقبل إنزاله القبر افتح الصندوق وأنزل الميت في قبره، واستره، واجعل له أعذاراً مثل أن تقول: تأخر أهله في الدفن، وأحسن الظن في أخيك المسلم، ولا تدري إذا كان حدث له هذا الشيء، فأنت ماذا سيحصل لك في مثل موقفه؟ فلا تسيء الظن في أحد.

    وأحياناً تأتي الجنائز خارج المسجد، وأهل الميت يقولون: سنصلي عليه داخل السيارة، فافهم أنه بدأ يتغير، فلا تحرج الناس، بأنه يجب أن ننزله وندخله داخل المسجد، فتتأذى وتؤذي الناس، بل اتركه في مكانه، وصلوا عليه في مكانه والغالب والعادة هو هذا الشيء، فهم يرفضون أن ينزلوه من داخل السيارة؛ لأن رائحته قد تغيرت، حتى لا يتأذى منه أهل المسجد، فدعه على مكانه، وصل عليه في المكان الذي هو فيه.

    وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)، يعني: في كل الأحوال الإسراع أفضل، فإن كان إنساناً صالحاً فاذهب به لما ينتظره في قبره من نعيم الله سبحانه، ومن رضاه.

    وإذا كان إنساناً غير صالح، كأن يكون شريراً وغير جيد، فاذهب به أيضاً إلى المقبرة، ففي الحالتين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم).

    ويستحب أن يكون الإسراع الذي لا يشق على الناس ولا يرهقهم، فلا تضع الميت داخل النعش، ثم تحمله وتجري به وما زال أهل المسجد في المسجد، وما زال الذين يلبسون أحذيتهم في المسجد.

    فإذاً: لا بد من الإسراع في تجهيز الميت، والإسراع في دفنه، والمشي الذي لا يشق على الناس، وخاصة عندما يكون هناك كبار سن يمشون وراءها، ويريدون الوصول إلى المقابر، فإنه يصعب عليهم الجري مع من يجري، فإذاً يكون الإسراع بالجنازة، من غير أن نشق على الناس، ومن غير أن يختلف كلام الناس، كما يحدث في جنائز كثيرة، وأحياناً بعض الناس، يخرجون وراء الجنازة، وبعد أن يمشوا عشرة أو اثنتي عشرة خطوة يرجعون؛ لأن الجنازة فاتت، ولن يستطيعوا إدراكها، فيكون نصف المشيعون قد تخلفوا؛ بسبب الجري والإسراع، وقد كانوا يريدون أن يصلوا عليها.

    ومن الأحاديث في ذلك:

    ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق).

    وقوله: (فاحتملها الرجال على أعناقهم)، احتج بهذه الجزئية بعض العلماء الأفاضل في أنه لا بد من حمل الجنازة على الأكتاف، وأنه لا يجوز حملها في سيارة إسعاف ولا غيرها وهذا احتجاج خاطئ ولا وجه له، وإنما حديث النبي صلى الله عليه وسلم وصف لحال موجود عندهم.

    ولم ينكر على الصحابة حين توفي شهداء أحد وجاء أهل المدينة يحملون الشهداء على الجمال، والجمل مثل السيارة، إذاً: فهذا الأمر راجع للأيسر على الناس، فإن كان الأيسر أن تحمله في النعش فاحمله، وإن كان الأيسر أن تحمله في سيارة فاحمله فيها ولا وجه للقول بأن هذا الأفضل، وإنما الأفضل ما لا يشق على الناس في ذلك، فالأمر بحسب الأيسر على الناس.

    قال عليه الصلاة والسلام: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني)، فإذا كان الميت صالحاً فإن الملائكة تبشره بقولها: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان. فالإنسان يبشر عندما تخرج روحه، فتبشره الملائكة بأن ربك غير غضبان عليك، فلا تخف، فإذا دخل قبره كان التثبيت من الرب سبحانه، كما قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27]، فروح الإنسان وهو على نعشه، ذاهبين به إلى القبر، تقول: أسرعوا؛ لأنه يرى النعيم الذي ينتظره هنالك، فيريد أن يسرعوا به إلى مكانه، فتقول روحه: قدموني.

    وإذا كانت غير صالحة وكان الميت إنساناً فاجراً أو شقياً، فتقول لأهله: يا ويلها! ولاحظ حسن التعبير والالتفات فلم يقل: يا ويلي! حتى لا يرجع الضمير إلى المخبر، وإنما الذي يقول ذلك هو الميت، فتقول هذه الجثة وهذه الروح: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها، والكون كله وأهله لا يسمعون شيئاً، وأهله يزيدون عليه المصيبة التي هو فيها، فيصيحون عليه، ويزيدونه عذاباً فوق ما هو فيه، وهو يقول: يا ويله! أين تذهبون به؟ فأنتم لا ترون الذي أراه، قال عليه الصلاة والسلام: (يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان) فالإنسان لا يسمع هذا الصوت، ولو أن صوت الميت سمعه الناس لصعقوا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو سمع الإنسان لصعق)، من فزعه، وهول ما يراه، فإذاً: لو رأى الناس الذي يراه الميت، ولو كشف لهم عن الغيب فرأوا ما يكون في قبره لكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تسمعون ما أسمع لما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون) أي: لو كانوا يسمعون ما يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، ويرون ما يراه من الغيب، ومن عذاب أهل النار، وما يكون من السؤال في القبر، وسؤال يوم القيامة، ولو يعرفون ما عرفه النبي صلى الله عليه وسلم، لما استمتعوا بشيء من الدنيا، ولكن الله الكريم سبحانه وتعالى حجب عنا ذلك، وأخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإيمان الذي يطلبه الله عز وجل من عباده هو الإيمان بالغيب كما قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3]، ولذلك حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومما أعده الله عز وجل للأشرار والفجار.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756246983