إسلام ويب

تفسير سورة غافر [21 - 25]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • على الإنسان أن يسير في الأرض وينظر ويتفكر في آثار السابقين الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى بسبب كفرهم وعنادهم، وعليه أن يعتبر بهؤلاء، وألا يسلك ما سلكوا من الطرق المنحرفة حتى لا يصيبه ما أصابهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ...)

    الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة غافر: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر:21-25].

    في هذه الآيات من سورة غافر يخبرنا الله سبحانه وتعالى بعلمه العظيم، فإنه سبحانه يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، وبقضائه المحكم بين عباده، وبفصله بالحق بينهم، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ [غافر:20]، فيجازي سبحانه وتعالى المحسن على إحسانه بالحسنى وزيادة، ويجازي المسيء على إساءته، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ [غافر:20]، أي: ما يعبدونه من أوثان ومن أصنام لا يقضون بشيء، ولا يملكون أن يفصلوا بين الخلق، وأن يقضوا بينهم، فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيرهم.

    قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر:20]، فالله هو الذي أحاط سمعه كل شيء، وأحاط علمه وبصره بكل شيء، يعلم ما ظهر وما خفي، يعلم ما قاله الإنسان وما أخفاه في صدره وما أكنه، يعلم نيته، يعلم ما في حاضر وما في مستقبل هذا الإنسان، وإلى أي شيء يصل يوم القيامة، إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر:20].

    ثم يأمر عباده أن يسيروا في الأرض فيتفكروا في مصارع السابقين، فقد عاش على هذه الأرض أناس قبلهم، عاشوا كما عاش هؤلاء، وخاضوا كما خاض هؤلاء، فأهلك الله عز وجل السابقين، فما ينتظر هؤلاء اللاحقون من الله عز وجل إلا مصير السابقين، قال تعالى: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا [غافر:21]، ويعتبروا بما وقع على الأرض، فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ [غافر:21]، كيف كانت العاقبة والنهاية، فهم عملوا في هذه الأرض، واستمتعوا بخلاقهم، وخاضوا في هذه الدنيا، ثم في النهاية أماتهم الله وأهلكهم سبحانه وتعالى فلم يملكوا لأنفسهم شيئاً.

    قال تعالى: فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ [غافر:21]، لكنهم مضوا وذهبوا، لقد كانوا في هذه الدنيا ملوكاً، كانوا رؤساء، كانوا أقوياء، كانوا أغنياء، خاضوا في هذه الدنيا، ألا تعتبرون بما حدث لهؤلاء؟ كيف كان عاقبة الذين كانوا في الماضي؟ كَانُوا هُمْ، وقد عبر بكان التي تفيد أن الشيء انتهى وصار أثراً بعد عين، فبعدما كانوا حاضرين صاروا آثاراً، وصاروا ذكراً، وصاروا عبرة يعتبر بهم الناس، فكرر سبحانه (كانوا)، ليؤكد أنهم كانوا في الماضي وانتهى أمرهم وذهبوا إلى ربهم ليجازيهم بأعمالهم.

    كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [غافر:21]، هؤلاء السابقون يذكر الله سبحانه وتعالى أنهم كانوا أشد من هؤلاء الموجودين الآن، فقد كان السابقون من الكفار أشد من اللاحقين الموجودين.

    وقوله: (مِنْهُمْ) هذه قراءة الجمهور، أما ابن عامر فقرأها: (كانوا هم أشد منكم) أي: أنتم أيها الموجودون أضعف منهم في الأبدان، فهم كانوا أقوى منكم، كانوا أطول منكم، وكان لهم في هذه الدنيا أعمار، فمنهم من عاش ألف سنة، ومنهم من عاش ثلاثمائة سنة، ومنهم من عاش خمسمائة سنة، فقد عاشوا سنين طويلة، فهل نفعتهم أعمارهم وقد كانوا يكفرون بالله سبحانه؟ وهل نفعهم إعمارهم لهذه الأرض وقد كانوا يكفرون بالله سبحانه وتعالى؟ وهل انتفعوا بهذه الآثار التي خلفوها من ورائهم؟ فهم قد ذهبوا وتركوا الآثار، فانظروا إليها واعتبروا يا أولي الأبصار.

    قال تعالى: كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ [غافر:21]، فترون آثارهم، يسير الإنسان فيقول: هذه آثار الأقدمين، هنا كان قوم عاد إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ [الفجر:7]، كانت بيوتهم عظيمة في هذه الجبال، وكانوا يتخذون من هذه الآثار ما يدل على قوتهم فرحين بذلك، أرادوا أن يظهروا مهاراتهم وأن يظهروا قوتهم، لكنهم خالفوا ربهم، وخالفوا أنبياءهم عليهم الصلاة والسلام، فكفروا وذهبوا وبقيت الآثار تدل على أصحابها الذين صاروا ذكراً بعد ذلك، قال سبحانه: كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ [غافر:21]، لم يأخذهم ظلماً سبحانه، وحاشا له أن يظلم أحداً من عباده، وإنما أخذهم بسبب ذنوبهم، بسبب ما اقترفوا من أعمال سيئة.

    قال تعالى: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [غافر:21]، أي: لم يكن لهم من ينصرهم، ومن يقيهم عذاب رب العالمين سبحانه وتعالى، وكلمة (واق): نكرة في سياق النفي تفيد العموم، فلا كبير ولا صغير ولا شيء يقيهم من الله سبحانه وتعالى، فما وجدوا لهم أحداً ينصرهم من عذاب الله.

    وقرأها الجمهور بالوقف على تسكين القاف (واقْ)، وقرأها ابن كثير وقفاً: (من واقي) فيقف عليها بالياء، فإذا وصل وصلها بغير ياء (من واق ذلك بأنهم).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ...)

    ثم قال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [غافر:22]، إذاً هذا الأخذ الذي أخذهم الله سبحانه والعذاب الذي أصابهم من الله سبحانه كان لأنهم كفروا بالله سبحانه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ [غافر:22]، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ يعقوب (كانت تأتيهُم رسلهم بالبينات) بضم الهاء.

    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا [غافر:22]، أي: جحدوا هذه الآيات التي رأوها مع الأنبياء، وكذبوا ربهم سبحانه، وكذبوا رسل ربهم عليهم الصلاة والسلام، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ [غافر:22]، وانظر إلى هذا التعبير (أَخَذَهُمُ)، فأنت تأخذ الشيء فتمسكه حتى لا يفلت منك، فأخذهم الله سبحانه وتعالى، أي: أمسك بهم فعذبهم فلم يقدروا على الإفلات، ولم يقدروا على الهرب، فما أبقى منهم أحداً، فهو سبحانه قوي شديد العقاب، فإن من صفاته العظيمة الجليلة سبحانه صفة القوة، فهو القوي سبحانه وتعالى، فلا شيء يقدر أن ينازع أو يغالب ربه سبحانه عز وجل.

    فالله هو القوي الحميد العزيز سبحانه وتعالى، قال تعالى: إِنَّه قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [غافر:22]، إذا أخذ أحداً لم يفلته، إذا عذب أحداً كانت عقوبة الله أشد ما يكون فلا يقدر أحد أن يقاومها أو يفلت منها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ... فقالوا ساحر كذاب)

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ [غافر:23-24]، هذه قصة من قصص القرآن العظيم، يسوق لنا ربنا فيها قصة موسى عليه الصلاة والسلام، وموسى عليه الصلاة والسلام هو الرسول صاحب الشريعة قبل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فكثيراً ما يذكر الله عز وجل موسى عليه الصلاة والسلام بياناً لأن موسى كان صاحب شريعة، فإذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً [هود:17]، مع أن الذي كان قبل النبي صلى الله عليه وسلم هو عيسى عليه الصلاة والسلام، ولكن ذكر (كِتَابُ مُوسَى)؛ لأنه كان كتاب تشريع، فالتوراة كتاب شريعة والقرآن كتاب شريعة مهيمن على ما قبله من الكتب، فهذا القرآن شاهد على صحة ما جاء قبل ذلك، وناسخ لما جاء قبل ذلك من شرائع من عند رب العالمين، والشريعة الباقية هي ما في هذا القرآن العظيم، وهو ما جاء به النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر موسى عليه الصلاة والسلام، أما عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فهو قد جاء ليحكم بشريعة موسى، وإن كان قد أحل لهم بعض الذي حرم عليهم، لكنه لم يلغ شريعة موسى، فكأن صاحب الشريعة قبل النبي صلى الله عليه وسلم هو موسى عليه الصلاة والسلام، والكتاب الذي كان قبل القرآن هو التوراة؛ لأن الإنجيل لم يكن كتاب شريعة، بل كان كتاب مواعظ فقط، أما التوراة فكان كتاب شريعة، فعندما تذكر القرآن يذكر قبله التوراة؛ لأن التشابه بينهما أن هذه شريعة وهذه شريعة، فموسى كان صاحب شريعة ونبينا صلى الله عليه وسلم كذلك، أما عيسى فكان يحكم بشرع من قبله، بشرع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا [غافر:23]، وفي الإسراء قال: تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ [الإسراء:101]، إذاً أرسل الله عز وجل موسى إلى فرعون وملئه بآيات بينات، وفي الأعراف ذكر أنها آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:133]، فاستكبر هؤلاء وكانوا قوماً مجرمين.

    ذكر ربنا سبحانه وتعالى أنه أرسل موسى بآيات من عنده، أي: بمعجزات، وبـ(سُلْطَانٍ مُبِين)، والسلطان: هو الحجة، وكأن المقصود بها التوراة التي جاءت من عند رب العالمين سبحانه، فقد أنزل عليه ألواح التوراة حين ناجى ربه سبحانه وتعالى، فقوله: وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ [غافر:23]، أي: بحجة بينة واضحة جلية من عند الله، تبين عن نفسها وتفصح عن حقيقتها وصدقها، هذا معنى كلمة (مُبِينٍ)، أي: بين واضح.

    وقوله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا [غافر:23]، وهي تسع آيات، وقد ذكرها الله سبحانه وتعالى وهي: اليد، والعصا، وقال: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ [الأعراف:130]، فهذه أربع آيات: اليد، والعصا، والسنون، ونقص من الثمرات، وقال: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:133]، فذكر تسع آيات أرسل بها موسى إلى هؤلاء الكفار حتى يؤمنوا، لكنهم كما قال عنهم: فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ [الأعراف:133].

    لقد أرسل الله عز وجل موسى بهذه الآيات: إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ [غافر:24]، فرعون من هؤلاء الكفار الذين طغوا وأفسدوا في الأرض، قال لقومه وقد كانوا ضعاف العقول: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، إذاً فرعون كان ملكاً اغتر بملكه فاستكبر وزعم أنه إله، بل تجاوز ذلك وقال إنه رب، وهو كذاب مجرم، يقول للناس: أنا إله فاعبدوني، وهو بذلك كأنه يقول: أنا أجلب الود، أنا أرزق، أنا أحيي، أنا أميت، وهو يعلم أنه كذاب فيما يقول، ولذلك أذله الله عز وجل أعظم الذل وأفظع الذل وأشنع الذل حين ألقاه في اليم وقال: الْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92].

    وهامان رأس من رءوس الكفر، وهو تابع لفرعون، فقد كان وزير فرعون، ففرعون غره ملكه، وهامان غرته وزارته، وهما من أهل مصر، ومن ملوك مصر، وفرعون كان الملك وهامان كان الوزير، أما قارون فكان من بني إسرائيل، ابن عم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فسبحان من جمع هؤلاء: فرعون هذا الرجل الملك المتكبر، وهذا الوزير الطاغي، وقارون الغني صاحب الأموال، الذي هو من بني إسرائيل الذين ذاقوا العذاب من فرعون وملئه، وهذا الرجل مع غناه العظيم وهو من بني إسرائيل لكنه لم يعطف على قومه، بل خرج من هؤلاء واستكبر على قومه واغتر بما هو فيه، وحسد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن آتاه الله عز وجل الرسالة، فكان مع فرعون على موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فجمعه الله عز وجل معهم في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا جمعهم على الكفر، وفي الآخرة جمعهم في النار.

    قال تعالى: إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ [غافر:24]، فماذا قال هؤلاء لموسى؟ قالوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ [غافر:24]، قالوا له: أنت ساحر، وأنت كذاب، حتى قارون يقول ذلك مجاملة لهؤلاء، يقولها وهو يعلم أن موسى صادق عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ...)

    قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [غافر:25]، أي: جاءهم بالآيات البينات من عند رب العالمين، جاءهم بالتوراة التي فيها شرع رب العالمين، جاءهم بالمعجزات الظاهرة القوية التي ضجوا من هولها وهرعوا إلى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يطلبون منه أن يجيرهم من ذلك، قال تعالى عنهم: قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134]، يتوسلون إلى موسى: ادع ربك يكشف عنا هذا العذاب ونحن سنؤمن، فالله عز وجل يرسل عليهم آية وراء آية ولكنهم لا يفهمون، كلما كشف عنهم آية من العذاب كلما ازداد عتوهم وإفسادهم ورجعوا إلى كفرهم.

    قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ [غافر:25]، وهذه هي المرة الثانية التي يأمرون فيها بذلك، فالمرة الأولى قبل مولد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين رأى فرعون الرؤيا وفسرها له قومه بأنه سوف يخرج من بني إسرائيل من يكون ضياع ملكه وهلاكه على يديه، فلما سمع بذلك أمر بقتل كل الصبيان من بني إسرائيل الذين يولدون.

    فإذا بقومه بعد ذلك يقولون له: إذا قتلت الجميع فمن سيخدمنا بعد ذلك؟ هؤلاء بنو إسرائيل يتزاوجون رجالاً مع نساء، فحين تقتل الصبيان كلهم لا يبقى إلا النساء، فيقول له الكهنة: إنه في عام كذا سوف يولد كذا، وليس كل عام، فإذا به يرجع عن قراره ويقول: اقتلوا الصبيان في عام واستحيوهم في عام، ويرينا الله عز وجل الآية العظيمة، فيولد هارون على نبينا وعليه الصلاة والسلام -وهو أكبر من موسى- يولد في العام الذي لا يقتل فيه الصبيان، فيعيش هارون عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويولد موسى في العام الذي يقتل فيه الصبيان، فالمفروض أن يقتله فرعون، لكن يرينا الله عز وجل أن هذا الجبار الطاغية فرعون الذي يريد قتل موسى لا يقدر على شيء، فالله عز وجل ينشئ موسى ويحفظه، بل ويربيه في بيت هذا الذي يريد قتله، فسبحان من يسبب الأسباب ويدبر مقاليد الكون سبحانه تبارك وتعالى.

    فيعيش موسى في بيت فرعون، وينشأ فيه، ويكون سبباً في عزة بني إسرائيل بعد ذلهم على يد فرعون، ثم يكون سبباً في إهلاك فرعون بما يأتي بعد ذلك.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756214039