إسلام ويب

تفسير سورة محمد [31 - 34]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله سبحانه وتعالى يبتلي العباد ليميز الخبيث من الطيب، وهو يعلم ذلك من قبل أن يخلقهم، ولكنه سبحانه يظهر ذلك ويجعله علم شهادة، والكافر مهما عمل صالحاً لا يتقبل الله منه لكفره، والمؤمن قد يحبط عمله بمن أو عجب أو رياء أو سمعة أو غير ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:31-35].

    في هذه الآيات يخبر الله سبحانه وتعالى عباده أنه يبتليهم، وهذا المعنى تكرر في القرآن، لما خلق الله عز وجل هؤلاء الخلق، والكل يدعي أنه يعبد الله سبحانه، والكل يدعي أنه يحب الله سبحانه وأنه يتبع سبيل الله سبحانه، فاختبرهم الله وابتلاهم وامتحنهم، هل يتبعون طريقه وهم على الحق أم أنهم يدعون ما لا يعملون؟

    فأنزل الكتاب وأرسل الرسل ودل على طريق الخير وكلف العباد، وأخبر أنه سيبتلي عباده، فقال: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، فالشر فتنة للعباد والخير فتنة للعباد، والتكاليف الشرعية ابتلاء للعباد وامتحان لهم، هل يسيرون على طريق الله سبحانه أم أنهم يتنكبون عن هذا الطريق ويعرضون عن الدين حين يرون التكاليف شاقة عليهم وصعبة عليهم؟

    فقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ [محمد:31] فعل مضارع في أوله اللام التي للتوكيد، وفي آخره النون المثقلة دليل على أنَّ هناك قسماً في هذه الجملة، والمعنى: والله لنبلونكم، فهذا واقع في جواب القسم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد:31] أي: إلى أن نعلم: الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31].

    والله سبحانه قبل أن يخلق العباد قد علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكل شيء يعلمه الله سبحانه وتعالى، ومن هم أصحاب الجنة، ومن هم أصحاب السعير، ومن يموت كبيراً، ومن يموت صغيراً، ومن يستحق كذا، ومن يستحق كذا، قال الله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] فالله يعلم كل شيء سبحانه.

    هنا يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ [محمد:31] أي: حتى نظهر علمنا ذلك، قد علمنا علم غيب والآن علم شهادة، وهو ظهور هذا الشيء الذي علمناه، ويقيناً سيكون ما علمناه عنكم، فالله عز وجل هو الذي خلق العباد، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    فالله هو الذي خلقهم، ويعلم أن هؤلاء يستحقون الجنة فهم أهلها، ولذلك خلقهم سبحانه وتعالى، وخلق العباد ويعلم ما يعملون سبحانه، ولكن يوم القيامة حين يقال للعباد: ادخلوا الجنة يقال لهم: عملتم كذا وعملتم كذا، فأنتم تستحقون الجنة، ادخلوا الجنة جزاءً بما كنتم تعملون.

    إذاً: جزاءً من الله عطاءً حساباً، ولكن قبل ذلك هي رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، وحين يقول: ادخلوا النار لن يقول: خلقتكم للنار، ولا يقول لهم: إني خلقتكم وأفضت من نوري ولم يأتكم شيء من نوري، ولكن يقول: جزاءً بما كنتم تعملون، ولا ينكر العباد مما عملوه شيئاً، إذاً: إدخالهم الجنة هو بأعمالهم وإن كان قبل ذلك برحمة رب العالمين سبحانه؛ لأن الأعمال لا تساوي أن تكون ثمناً لجنة الله سبحانه ولكنها سبب لدخول الجنة.

    كذلك الأعمال سبب لدخول النار، استحقوا النار بأعمالهم، ولا يقدرون أن يعترضوا على الله عز وجل يوم القيامة، فلا يقولون: يا ربنا أنت الذي فعلت بنا ذلك، أنت الذي قدرت ذلك، لا يقدرون لأنه يقول: هذه صحيفة أعمالك اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14].

    وحين يكذب المنافقون ويقولون: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] يختم على أفواههم وتنطق جوارحهم بما كانوا يفعلون، فتعترف عليهم أعضاؤهم فيستحقون أشد العذاب والعياذ بالله.

    إذاً: الله يعلم قبل أن يخلق العباد إلى أي طريق يسيرون عليه ويصيرون من أهله، ولكن: حَتَّى نَعْلَمَ [محمد:31] أي: حتى نظهر علمنا، حتى يكون العلم الآن مشاهداً وعلم شهادة، حتى تروا وحتى يرى المؤمنون وحتى يرى الكفار ما يصنع هؤلاء.

    فإذا جاءوا يوم القيامة شهد بعضهم على بعض، فلان كان يشرب الخمر، فلان كان يأكل خنزيراً، وفلان كان يفعل كذا، وفلان كان يفعل كذا، والعبد يعترف على نفسه: فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا، فيقول الله: هل ظلمك كتبتي؟ هل ظلمك الحفظة؟ يقول: لا، أنا الذي فعلت هذا الشيء.

    إذاً: أظهر الله عز وجل ما كان خافياً من علمه في خلق هؤلاء، وأوجدهم فعملوا ما علم الله عز وجل أنهم يعملون، فقوله: حَتَّى نَعْلَمَ [محمد:31] أي: حتى نشاهد، فنشاهد ذلك ويظهر ذلك، فنرى أعمالكم، وكما علمناها غيباً نعلمها مشاهدة، ويعلمها المؤمنون وتعلمها الملائكة، ويشهد بعضهم على البعض.

    قال تعالى: الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] أي: الذي يجاهد في سبيل الله عز وجل والذي يجاهد في غير سبيل الله سبحانه، والذي يصبر على أمر الله، والذي لا يصبر على أمر الله.

    إذاً: سنبلوكم بالتكاليف الشرعية: الصلاة، الصيام، الحج، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، نبلوكم بالجهاد في سبيل الله، وبالأشياء التي فيها كلفة وفيها شيء من المشقة حتى ننظر كيف تعملون.

    وقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ [محمد:31] بنون العظمة ونون الجمع، قراءة الجمهور: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] بنون الجمع ونون العظمة تعبيراً عن عظمة رب العالمين سبحانه.

    وقراءة شعبة عن عاصم : (وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلوا أخباركم) بالياء المضارعة ضمير المتكلم، فالله عز وجل يقول للغائب: (يبلوكم الله سبحانه)، فقوله: (وليبلونكم) أي: الله سبحانه.

    وقراءة رويس عن يعقوب : (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوُ أخباركم) فيقرأ للاستئناف هنا: (ونبلوُ أخباركم)، فعلى قراءة الجمهور: (ونبلوَ أخباركم) عطف على منصوب، وقراءة رُويس بدء بجملة جديدة، يعني: ولا يزال الله عز وجل يبلوُ أخباركم سبحانه.

    إذاً: المعنى هنا: سيمتحنكم الله سبحانه وتعالى، وسيختبركم الله سبحانه بالتكاليف الشرعية حتى يظهر من الذي يجاهد نفسه ويجاهد هواه ويجاهد شيطانه ويجاهد المنافقين والكفار، ومن الذي يجاهد في سبيل الله، ومن الذي ينكص على عقبيه ولا يفعل ذلك، ومن الذي يصبر على المشاق وعلى التكاليف الشرعية وعلى أمر الله، ومن الذي لا يصبر على ذلك. وقد قال الله عز وجل في سورة العنكبوت: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].

    فالله سبحانه وتعالى يقول: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا [العنكبوت:2] كذا هملاً وسدى؟ لا، بل لابد أن نبلوكم وأن نفتنكم ونختبركم؛ حتى يظهر الجيد ويتميز من الرديء، قال: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] يعني: نظهر أعمالكم.

    إذاً: (يبلوكم): يختبركم، (ونبلو) بمعنى: نظهر ونكشف ما بداخلكم من أسرار فتكون معلنة وتكون منظورة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول ...)

    قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] الله الغني عن العباد، الله الغني عن المؤمنين وعن الكافرين وعن جميع خلقه سبحانه وتعالى، فإن الله هو الغني الحميد، ويخبر هنا عن الكفار فيقول: كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى [محمد:32].

    أقام الله عز وجل عليهم الحجة فعرفوا الطريق، وأن هذا طريق الله سبحانه فمضوا في الطريق الآخر، فطريق الله هذا في هذا الشق وهم في هذا الجانب، فشاقوا، والمشاقة: المعاندة والمحادة، ذهبوا إلى الناحية الثانية، فمعنى قوله تعالى: شَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32] من المشاققة، يشاقق الإنسان: يخاصم، يجدك أنت في جانب وهو يأخذ الجانب الآخر.

    فهؤلاء شَاقُّوا الرَّسُولَ [محمد:32] أي: عاندوا الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فكفروا بالله سبحانه وتعالى ومنعوا الناس من الدخول في سبيل الله وطريقه وهداه، ومنعوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يبلغوا رسالة الله سبحانه وتعالى، وصاروا أعداءً يتربصون برسول الله وبالمؤمنين وبدين الله وشاقوا الرسول.

    قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [محمد:32] أي: هؤلاء لن يضروا الله شيئاً مهما عملوا.

    وقوله تعالى: وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] فهم كفار كفروا وصدوا عن سبيل الله وعاندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كفر على كفر على كفر، وهؤلاء يحبط الله سبحانه وتعالى أعمالهم.

    فلن يضروا الله شيئاً مهما اجتمعوا على دين الله سبحانه، فالله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر دينه سبحانه وتعالى وسيحبط أعمال هؤلاء، وكان الكفار يعملون أعمالاً هي في زعمهم أعمال صالحة، كانوا يحجون البيت وكانوا يطعمون الحجيج ويسقونهم وكانوا يفعلون أشياء من البر ومن الصلة ولكنهم يصدون عن سبيل الله.

    فكانوا مع صدهم عن سبيل الله عز وجل يظنون أنهم يعملون خيراً ويقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] أي: نحن نعمل الخير، والله سبحانه وتعالى سيحبطه لهم، ولن ينتفعون به أبداً، ففي غزوة بدر كان من الكفار من يسمون بالمطعمين، يطعمون في يوم عشرة جمال أو تسعة جمال، فهذا الذي يدفع من ماله تسعة جمال من أجل أن يأكل جيش الكفار هو يفعل ذلك ظناً منه أنه يعمل طاعة؛ ولذلك كانوا يقولون: اللهم أقطعنا للرحم فأحنه اليوم، يعني هم في ظنهم أن الذي يعملونه ليس قطعاً للرحم، والنبي صلى الله عليه وسلم يطلب منهم صلة الرحم، فيقولون: لسنا نحن الذين قطعنا الرحم، أنت الذي قطعت الرحم، فالكافر حين يفعل المعصية ويفعل الكفر يظن أن هذا هو الصواب؛ لأنه لا يريد أن يفكر، فحين يقال: أنتم قطعتم الرحم، قال تعالى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] أي: راعوا المودة التي بيني وبينكم، واتركوني أبلغ رسالة الله.

    يقولون: لا أنت الذي تقطع الأرحام، فقد أتيت بدين فرقت به بين الولد وأبيه، الولد صار مسلماً وأبوه بقي كافراً، فأنت الذي فرقت، وأنت الذي قطعت الأرحام.

    ولذلك كان دعاؤهم يدل على غبائهم حين يدعون ويقولون: إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال:32] يطلبون من الله عز وجل العذاب فيقولون: فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ [الأنفال:32].

    فهذا دعاء في منتهى الغباء، لأن الإنسان يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأنزل علينا رحمة من عندك، فاهدنا إليه، فدلنا عليه، فخذ بأيدينا إليه، ولا يدعو بالعذاب لنفسه.

    فأي عقول عند هؤلاء؟ يدعون بذلك وكأنهم في غاية اليقين، إذاً هم لا يريدون أن يفكروا في هذا الدين، وفيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وصدهم عن ذلك ومنعهم الحسد للنبي صلى الله عليه وسلم والحقد عليه؛ لأنه جاءته الرسالة من عند رب العالمين، فلا يريدون أن ينظروا حتى ولو كانت النتيجة أن يكونوا هم القتلى، أو يكونوا هم المشردين، لكن لا يدخلون في هذا الدين!

    فقال الله عز وجل: سَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ [محمد:32] طالما أنهم ألغوا عقولهم فيستحقون من الله عز وجل أشد العقوبة؛ لأن الله خلق العقل ليتفكر به الإنسان، وليهتدي به وليستدل به على ربه سبحانه، أما أنه يستغل عقله للمعاندة والمشاقة حتى ولو كان يعلم أن هذا هو الحق، ويدعو على نفسه بأنه يكون من المهلكين فيستحق ما سأل الله عز وجل لنفسه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ...)

    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] التحذير للمؤمنين أن يكونوا مثل هؤلاء الكفار، احذر أيها العبد المؤمن أن تحبط عملك فتستوي مع هذا الكافر، وإن كان هناك فرق بين المؤمن وبين الكافر.

    فالكافر عمله كله محبط، والمؤمن لا يكون عمله كله محبطاً إلا بالكفر والردة عن دين الله سبحانه تعالى، فإذا كفر وارتد حبط العمل، فالله يحذر المؤمن، احذر أن تكفر، واحذر أن تشرك بالله، واحذر أن ترائي، واحذر أن تعجب بعملك، واحذر أن تزهو وأن تفاخر بعمل، وأن تكاثر بشيء فتفتخر به على خلق الله، واحذر أن تطلب الدنيا بعملك، واحذر أن تمن بعملك على دين الله سبحانه وتعالى، فإنَّ هذه محبطات للعمل، والإنسان لا يعمل العمل لغير الله، أو رياءً وسمعةً وشركاً بالله عز وجل، فالله أغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل منه هذا العمل.

    وحين يعمل العمل ليزهو به فلا ثواب له في هذا العمل، وحين يعمل العمل ويكون عمله لله ثم بعد ذلك يمن به على الله عز وجل ويمن به على المؤمنين أبطل عمله بذلك، فهذه أشياء تحبط عمل الإنسان، منها: الشرك بالله عز وجل والكفر والردة، ومن هذه الأشياء: الغرور، والعجب بالعمل، وأن يمن بعمله على ربه سبحانه وتعالى.

    فيحذر الله المؤمنين فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] أي: احذروا من أن تبطلوا أعمالكم، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أشياء تحبط العمل، كالشرك الخفي، كأن يقوم ويصلي ثم ينظر إلى الناس، ويزين صلاته للناس وليس لله سبحانه وتعالى، والإنسان يترك العمل الصالح بعدما كان يعمل، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يمل حتى تملوا) فالإنسان يعمل العمل فيكون له أجره، فإذا مل وترك ومن بهذا العمل أبطل هذا العمل وقضى عليه.

    ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله)، ويقيناً أن هذا الذي حبط عمله ما حبط كل عمله؛ لأنه لم يكفر بالله عز وجل إلا إذا تركها معتقداً أنها ليست واجبة، فهذا كفر بإنكار شيء معلوم من الدين بالضرورة، ولكن إذا تركها وهو قادر على أن يصليها لا عذر له في ذلك.

    والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في النوم تفريط)، أي: الإنسان معذور إذا نام وفاتته الصلاة، (ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى) إذاً: لا يكون التفريط من الإنسان إلا إذا خرج وقت الصلاة وهو قادر على أن يصليها حتى انتهى وقت هذه الصلاة.

    إذاً: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من ضيع وقت الصلاة حتى انتهى وقتها، ومن فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله، فقوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] أي: بمنٍّ وعجب وشرك وردة وغيرها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار ...)

    قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [محمد:34] رحمة الله عظيمة، فيقول: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ[محمد:34] فيها رحمة رب العالمين سبحانه، فالكافر الذي يصد عن سبيل الله ولا يزال على ذلك حتى قبيل الوفاة فيتوب إلى الله يغفر الله له.

    فإذا كان كل حياته كافراً ويصد عن سبيل الله ويشاقق الرسول وفي النهاية تدركه الرحمة ويتوب إلى الله يغفر الله له، فقيد حبوط العمل بأن يموت على ذلك، وتخرج روح هذا الإنسان وهو على الكفر، هذا الذي لا يغفر الله عز وجل له.

    قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا[محمد:34]

    يعني: استمروا على كفرهم حتى جاءهم الوفاة وهم كفار، قال تعالى: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ[محمد:34] والغفر بمعنى: المحو والستر، فالله يغفر للمؤمنين، وفيها رحمة الله عز وجل بالمؤمنين، فالمؤمن تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى طالما أنه لم يقع في الكفر بالله سبحانه، ومات على الإيمان، فعسى الله أن يغفر له حتى ولو كان صاحب كبيرة.

    فالله عز وجل يغفر الذنوب، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ففيها الرجاء في رحمة رب العالمين سبحانه لمن آمن، حتى وإن كان من أهل المعاصي، فكيف بمن آمن وكان من أهل الطاعات؟ فلا شك أن الله عز وجل يغفر له ويدخله جنته، نسأل الله عز وجل مغفرته وجنته إنه على كل شيء قدير.

    أقولي قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755780433