إسلام ويب

شرح سنن أبي داود [463]للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • استعمال جلود النمور والسباع مما بينت الشريعة الإسلامية تحريمه، وذلك لما فيه من السرف والخيلاء، واستعمال الأعاجم له، إضافة إلى أن هذه الجلود الميتة مذكاها كميتتها، وأيضاً من أسباب ابتعاد الملائكة عن الرفقة الذي يصحبهم جلد النمور وغيرها من الأحكام التفصيلية.

    1.   

    جلود النمور والسباع

    شرح حديث (لا تركبوا الخز ولا النمار)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: في جلود النمور والسباع.

    حدثنا هناد بن السري عن وكيع عن أبي المعتمر عن ابن سيرين عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تركبوا الخزّ ولا النمار).

    قال: وكان معاوية رضي الله عنه لا يتهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال لنا أبو سعيد: قال لنا أبو داود : أبو المعتمر اسمه يزيد بن طهمانكان ينزل الحيرة ].

    قوله: [ باب في جلود النمور والسباع ] يعني: هل تستعمل أو لا تستعمل؟ وقد أورد الحديث الدال على أنها لا تستعمل.

    والنمور: جمع نمر، وهو نوع من السباع، وعطف السباع على النمور من عطف العام على الخاص؛ لأن النمور من السباع، والسباع أعم من النمور، ولعله جاء ذكر النمور؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث التنصيص عليها، وإلا فإن الحكم شامل لها ولغيرها من السباع.

    وقد قيل: إن تحريم ذلك لأنه من فعل الأعاجم.

    ومنهم من قال: لأن فيه سرفاً وخيلاء وكبرياء.

    ومنهم من قال: لأن ميتة مذكاها كميتتها، وهو لا يحله الدباغ، فيكون استعماله غير جائز، ولا تحصل له الطهارة، فإذاً: لا يجوز استعماله.

    وقد أورد أبو داود حديث معاوية رضي الله عنه [ (لا تركبوا الخز) ].

    الخزّ: نوع من الحرير، والمقصود بذلك: أنه لا يكون فراشاً فلا يركب عليه ولا يجلس عليه، ولا يكون على الرحل، أو على السرج وقد كان الناس في الجاهلية يفترشون الحرير ويركب الإنسان على البعير وهو عليه وطاء، وتسمى المياثر، وهي التي تتخذ على الرحل فوق البعير، أو على السرج فوق الفرس.

    [ (ولا النمار) ] يعني: جلود النمار، فلا يركب ولا يجلس على جلودها، ولا تتخذ وطاءً على السرج أو على الرحل، هذا هو المقصود بالنهي.

    [ قال: وكان معاوية لا يتهم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

    المقصود من ذلك تأكيد صدقه، وليس معنى ذلك رفع احتمال اتهامه، وإنما المقصود بذلك تأكيد الصدق؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتاجون إلى توثيق أحد، يكفيهم ثناء الله عز وجل وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، فهم لا يحتاجون إلى تعديل المعدلين وتوثيق الموثقين بعد أن حصل لهم الثناء من الله في كتابه ومن رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وهذا من جنس ما جاء عن ابن مسعود: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق) ومعنى ذلك: أنه تأكيد لصدقه لا أن ذلك رفع لاحتمال أو لتوهم أو ما إلى ذلك.

    أما قائل: (وكان معاوية لا يتم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهو ابن سيرين وقوله هذا يحتمل أنه رد على من يطعن في معاوية رضي الله عنه، ويحتمل أنه إنما أراد بذلك تأكيد الأمر، كما ذكرنا.

    والنهي في الحديث: (لا تركبوا الخزّ ولا النمار)، يشمل النساء والرجال على حد سواء لبساً وافتراشاً.

    [ قال لنا أبو سعيد، قال لنا أبو داود : أبو المعتمر اسمه : يزيد بن طهمان: كان ينزل الحيرة ] .

    هذا توضيح لهذا الذي ذُكر بكنيته، فبُيّن اسمه: وأنه يزيد بن طهمان.

    والقائل هنا هو أبو سعيد أحد الرواة عن أبي داود .

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تركبوا الخز ولا النمار)

    قوله: [ حدثنا هناد بن السري ].

    هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن وكيع ].

    عن وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي المعتمر

    ].

    هو يزيد بن طهمان، ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة .

    [ عن ابن سيرين ].

    هو محمد بن سيرين ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن معاوية ].

    معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا عمران عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر) ].

    أورد أبو داود حديث أبي هريرة قال عليه السلام: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر) وهذا يدل على أنه لا يجوز استعمال جلود النمار كما دل عليه الحديث السابق، ومعنى قوله: (رفقة) أنه قد يستعمل على الرحل، وأنه يستعمل وطاء، فبين صلى الله عليه وسلم أن هذا من أسباب ابتعاد الملائكة عمن يكون كذلك، وهو دال على تحريمه، وأنه لا يجوز استعماله.

    تراجم رجال إسناد حديث (لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر)

    قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

    محمد بن بشار الملقب: بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

    [ حدثنا أبو داود ].

    هو سليمان بن داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ حدثنا عمران].

    هو ابن داور صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

    [ عن قتادة عن زرارة ].

    قتادة بن دعامة مر ذكره.

    و زرارة هو: ابن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبي هريرة ].

    أبو هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.

    شرح حديث المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية (.. فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي حدثنا بقية عن بحير عن خالد قال: وفد المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال معاوية للمقدام : أعلمت أن الحسن بن علي رضي الله عنهما توفي؟ فرجّع المقدام ، فقال له رجل: أتراها مصيبة؟ قال له: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال: (هذا مني وحسين من علي)، فقال الأسدي: جمرة أطفأها الله عز وجل، فقال المقدام : أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية ! إن أنا صدقت فصدقني وإن أنا كذبت فكذبني، قال: أفعل، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم، قال: فوالله! لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية ! فقال معاوية : قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام ! قال خالد : فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه، وفرض لابنه في المائتين، ففرقها المقدام في أصحابه قال: ولم يعط الأسدي أحداً شيئًا مما أخذ، فبلغ ذلك معاوية ، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده، وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه ].

    أورد أبو داود حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى معاوية يعني في زمن خلافته وافداً عليه ومعه اثنان هما عمرو بن الأسود ورجل من بني أسد.

    فقال معاوية للمقدام : [ أعلمت أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قد توفي؟! فرجّع المقدام ] يعني أتى بالاسترجاع، وهو قول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عند المصيبة كما قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156]، هذا هو الترجيع الذي جاء في الحديث.

    قوله: [ قال له رجل: أتراها مصيبة؟ ] يعني: أنك استرجعت، والاسترجاع إنما هو للمصائب! قال: (وكيف لا أراها وقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره، وقال: هذا مني وحسين من علي) يعني: إنه شبيهٌ بي، وحسين شبيه بـعلي.

    [ وقال الأسدي: جمرة أطفأها الله ].

    يقصد هنا أن الحسن جمرة أطفأها الله.

    وهذا كلام سيئ في حق الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه، بل هي مصيبة كبيرة وعظيمة، وهذا الذي قاله ذلك الأسدي كلام قبيح سيئ.

    [ فقال المقدام : أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ].

    يعني بعدما حصل في هذا المجلس ما حصل، قال: أنا لا أبرح حتى أغيظك وأسمعك ما تكره -يخاطب معاوية رضي الله عنه- ثم سأله قال: (أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الذهب؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول نهى عن لبس جلود السباع، والركوب عليها؟ فقال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية!).

    يعني: في بعض حاشيته وبعض من هو من أهل بيته، ومعلوم أن معاوية رضي الله عنه لا يقر هذا ولا يرضاه، وقد يكون غافلاً عنه، وقد يكون علمه ونهى عنه، ويحمل ما جاء عن الصحابة من قبيل هذا على أحسن المحامل من باب إحسان الظن بهم.

    [ فقال معاوية : قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام ! ].

    يعني: من كلامك، ومن نيلك مني.

    [ قال خالد : فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه ].

    خالد هو خالد بن معدان الذي روى عن المقدام ، وفي عون المعبود أنه خالد بن الوليد ، وهذا غير واضح؛ لأن الكلام يدل سياقه على أن خالداً هو الذي روى عن المقدام .

    [ فأمر له معاوية بما لم يأمر لصاحبيه ].

    أي: اللذين معه الأسدي، وعمرو بن الأسود .

    [ وفرض لابنه في المائتين ].

    أي: ابن المقدام في المائتين، أو في المئين يعني: من العطاء الكثير، الذي هو في المئين، أو مائتين، أو مقداراً يتجاوز المائة.

    [ ففرقها المقدام في أصحابه ].

    أي: هذا العطاء الذي أعطيه، فرقه في أصحابه.

    [ ولم يعط الأسدي أحداً شيئاً مما أخذ ].

    ذلك الذي قال: جمرة أطفأها الله، لم يعط أحداً شيئاً مما أعطاه معاوية .

    [ فبلغ ذلك معاوية ، فقال: أما المقدام فرجل كريم بسط يده ].

    أي أنه بلغ معاوية الذي حصل من توزيع المقدام ما أعطي من مالٍ، فقال: أما المقدام فكريم بسط يده، يعني: في البذل والعطاء والإحسان، وأما الأسدي فرجل حسن الإمساك لشيئه، يعني: أنه أمسك ما أعطاه معاوية ولم يبذل ماله كله كما حصل من المقدام رضي الله عنه.

    محل الشاهد هو الجملة الثالثة من الجمل التي قالها. المقدام : (أنشدك الله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلود السباع والجلوس عليها؟) وهذا فيه لفظ السباع، وهو أعم من النمر؛ لأنه يشمل النمور وغير النمور.

    تراجم رجال إسناد حديث المقدام بن معد يكرب أنه قال لمعاوية (.. فأنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها)

    قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي].

    عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

    [ عن بقية ].

    بقية بن الوليد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

    [ عن بحير ].

    بحير بن سعد ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

    [ عن خالد ].

    خالد بن معدان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    و[ المقدام بن معد يكرب ].

    رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.

    [ ومعاوية ].

    معاوية رضي الله عنه، أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    والإسناد فيه بقية ، وهو مدلس، لكن أظن أنه ذكر في عون المعبود أنه صرح بالتحديث كما في المسند، والألباني صححه.

    شرح حديث (نهى عن جلود السباع)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد أن يحيى بن سعيد وإسماعيل بن إبراهيم حدثاهم المعنى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه رضي الله عنه: (سأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن جلود السباع) ].

    أورد حديث أسامة بن عمير والد أبي المليح : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع)، يعني: عن استعمالها لبساً وافتراشاً وركوباً.

    وهذا فيه التعبير بالسباع كالذي قبله، فهو أعم من جلود النمور.

    تراجم رجال إسناد حديث نهى عن جلود السباع)

    قوله: [ حدثنا مسدد بن مسرهد أن يحيى بن سعيد ].

    يحيى بن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ وإسماعيل بن إبراهيم ].

    إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن سعيد بن أبي عروبة ].

    سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن قتادة ].

    قتادة ، مر ذكره.

    [ عن أبي المليح بن أسامة ].

    أبو المليح بن أسامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [ عن أبيه ].

    وهو صحابي أخرج له أصحاب السنن.

    1.   

    الأسئلة

    وجه اقتصار طهارة جلود الميتة بدباغها على ما كان من مأكولات اللحم

    السؤال: وردت ألفاظ متكاثرة في طهارة جلود الميتة بالدباغ، والملاحظ في الألفاظ أنها جاءت مطلقة: (ألا انتفعتم بإهابها)، (أيما إهاب دبغ فقد طهر)، (يطهرها الماء والقرظ)، دون تخصيص بمأكول اللحم أو دونه غيره، فما وجه تخصيصها بمأكولات اللحم؟!

    الجواب: أولاً: من جهة أنه جاء في بعض الأحاديث ذكر الشاة.

    ثانياً: أن الميتة هي خلاف المذكاة، وهذا إنما يكون في مأكول اللحم، وأما غير مأكول اللحم فسواء كان مذكىً أو غير مذكىً فهو ميتة؛ لأن الذكاة لا تحله، فمذكى غير مأكول اللحم كميتته.

    ثالثاً: إنما ذكر الانتفاع بجلد الميتة ونص عليه لأن حلية المذكاة كانت لديهم أمراً معلوماً ومسلماً به ولا إشكال فيه، وأن العموم الذي جاء في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]، يقصد به ما ليس بمذكى مما هو مأكول اللحم، أما الذي لا يؤكل لحمه، فهو محرمٌ مذكى أو غير مذكى، ولا يدخل تحت قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]؛ لأن المقصود بالميتة -كما تقدم- مباحة الأكل، وحرمت من أجل الموت من غير ذكاة، وأما غير مأكول اللحم فهو محرم سواء ذبح أو لم يذبح، مات حتف نفسه أو مات بذبحه؛ لأن ذبحه لا يجعله مذكى.

    والسنة بينت أن جلد الميتة التي حرمت لأجل عدم الذكاة مستثنى من عموم النهي الوارد في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3]، فجاء بيان أن التحريم إنما هو للأكل، وأن التعميم الذي جاء في تحريم الميتة استثني منه -بالسنة- الجلد إذا دبغ.

    رابعاً: الأحاديث التي جاءت في تحريم استعمال جلود السباع، تدل على أن الذي لا يؤكل لحمه لا يطهره الدبغ، ولا يحل استعماله بدبغه.

    حكم اتخاذ الأحذية من جلود الثعابين

    السؤال: في بلادنا تُجعل جلود الثعابين أحذية؟

    الجواب: هي من هذا الباب، أعني أن دباغتها لا تحلها؛ لأنها ليست من جلود ما يؤكل لحمه.

    حكم أخذ الميراث من مال مورث مشعوذ

    السؤال: مات عمي مصدوماً بسيارة في اليمن، وكان مشعوذاً، وأنا وأبي مقيمان في المملكة، وأخرجت له دية في المحكمة من القاتل، واتصلت بأهلي فأرادوا مني أن أخبر أبي بأن يوكل من يقوم باستلام نصيبه من الدية؛ لأنه أحد الورثة، فهل لي أن أخبر أبي بذلك، وهل له الحق بأن يأخذ نصيبه من الدية، حيث إننا لا ندري بماذا ختم لعمي الميت الذي كان يعمل بالشعوذة؟

    الجواب: الشعوذة لابد أولاً من تحديدها وتفسيرها، وبيان المقصود منها، وهل هذا الادعاء ثابت صحيح أو غير صحيح؟ وعلى كلٍ: الذي يظهر أن له أن يأخذ هذا الميراث، وإن تنزه عنه فهو خير إن شاء الله.

    حكم الاكتفاء بالشق عن اللحد عند دفن الميت

    السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا والشق لغيرنا)، ما هو حكم الشق؟

    الجواب: الشق جائز، ولكن اللحد أفضل منه، واللحد: هو الذي يحفر في جانب القبر من جهة القبلة، بحيث يميل عن فتحة القبر، فيدخل الميت فيه، ثم توضع عليه اللبن، فيكون فوق الميت جزء لم يحفر.

    وسمي اللحد لحداً لميله عن فتحة حفر القبر.

    وأما الشق: فهو يشق في وسط الحفرة التي حفرت، ويوضع الميت فيها وتوضع اللبن فوقه، وكل ذلك سائغ، وإن كان قوله: (الشق لغيرنا) إلا أن الشق أيضاً هو لنا، وهو جائز، ولكن اللحد أفضل منه وأولى منه.

    حكم أكل بعض الحيوانات غير المنصوص عليها في الكتاب والسنة

    السؤال: هل يجوز أكل لحم الفيل والزرافة والكنغر، وما هي القاعدة في أكل لحوم الحيوانات؟

    الجواب: معلوم أن الشريعة جاءت بقواعد في هذا الباب: فكل ذي مخلب من الطير وناب من السباع حرام، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالاستخباث والمستخبث، وأما التفاصيل فيما يتعلق بأنواع من الحيوانات فهذا يرجع فيه إلى النصوص؛ ولكن الأصل الحل حتى يأتي شيء يدل على التحريم، أو يكون داخلاً في عمومات كالحيوان الذي يفترس بأنيابه أو مخالبه سواء من السباع أو الطيور أو يكون من المستخبثات.. ونحو هذا.

    وينسحب هذا الحكم على سائر الحيوانات.

    حكم امتهان الشخاذة والسؤال وترك العمل

    السؤال: وجدت بعض الناس في الحرم وداخل المسجد يسألون الناس بإلحاف، وسمعت أنهم يسألون للزيادة في المال واستكثاراً منه دون حاجة مبيحة للسؤال.

    فهل هذا العمل حرام أم مكروه؟ وهل لي أن أستدعي لهم الشرطة ليأخذوهم؟

    الجواب: الناس منهم المحتاج ومنهم الكاذب المتزيد، ولا شك أن من يسأل الناس تزيداً وتكثراً مذموم، ومن سأل الناس وهو محتاج فهو معذور؛ ولكن الإلحاف في الأسئلة والشدة في السؤال غير سديدة، فكون الإنسان يتعرض ويسأل إذا كان محتاجاً ولم يجد ما يكفيه، وهو مضطر إلى ذلك، له هذا.

    وأما أن تستدعي الشرطة فلا تستدع الشرطة.

    حكم الصلاة خلف ابن زنا وحكم تعييره بذلك

    السؤال: زنت امرأة فحملت ثم ولدت، واليوم أصبح هذا الولد عالماً بالدين، هل يصح أن نصلي وراءه، وهل يصح أن نقول له: ابن زنا؟

    الجواب: لا ينبغي للإنسان أن يعير غيره، ولا أن يصفه بتلك الأوصاف، وابن الزنا إذا كان مستقيماً فذلك من فضل الله عز وجل عليه، وإن كان سيئاً وخبيثاً فهو كما جاء في الحديث: (شر الثلاثة)، يعني: إذا كان مثل أبويه فيكون شرهما؛ لأنه من ماء خبيث فيكون بهذا خبيثاً كأبويه، بل هو شر منهما لأنهما طيبان في الأصل إذا كانا من نكاح لا من سفاح؛ ولكنهما خبيثان من حيث فعلهما الزنا، وإذا كان ولد الزنا زانياً والعياذ بالله فهو شر الثلاثة؛ لأنه من أصل خبيث وفعله أيضاً خبيث، وأما إذا كان مستقيماً فليس له ذنب.

    ولا يجوز تعيير المسلم ولا التنبيش عن الأشياء التي تسيئ إليه ويلحقه بسببها ضرر، وما دام أنه على خير، فليحرص الجميع على التسابق في الخير.

    أما عن الصلاة وراءه فلا مانع، والصلاة صحيحة ولا يحق -بأي حال- التفتيش عن أصله.

    حكم أرباح الأسهم في شركة (صافولا)

    السؤال: لي أسهم بشركة صافولا ونشاطها -في الغالب- بالمواد الغذائية، والزيوت النباتية، توزع في آخر العام أرباحاً بواقع أحد عشر ريالاً سعودياً للسهم الواحد، فما حكم ذلك؟

    الجواب: الشركات إذا كان عملها صحيحاً، والمهنة التي تقوم بها طيبة، وليس فيها محذور، وإن حصل منها أرباح استفاد منها الجميع، وإن حصل ضرر تضرر منها الجميع، فهي جائزة.

    حكم طلاق الحامل

    السؤال: هل طلاق الحامل يقع؟

    الجواب: نعم يقع، لأنها إن طلقت المرأة حاملاً أو حائلاً يقع.

    (حائلاً) معناها: ليست حاملاً، ولهذا تعتد المرأة التي تحيض بثلاث حيضات حتى يتحقق براءة رحمها، وأيضاً من باب حق الزوج، وأما الحامل فهي تطلق؛ وعدتها وضع الحمل.

    حكم سؤال الشخص غيره أن يناوله شيئاً

    السؤال: ورد في الخبر أن الصحابة رضي الله عنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يسألوا الناس شيئاً، فهل يجوز أن أقول لأخ لي وأنا جالس: ناولني كذا، أو أعطني كذا، أو هات هذا الشيء؟

    الجواب: الإنسان عندما يحتاج إلى غيره لا بأس أن يسأله؛ ولكن ما ورد عن الصحابة نابع من ورعهم ومن حرصهم على أن يستغنوا عن غيرهم.

    حكم الحديث الوارد من طريقين في كل واحدة منهما مجهول

    السؤال: إذا كان للحديث طريقان أو أكثر وكان في إسناد الأول مجهول، وفي الثاني مجهول فهل يرتقي إلى درجة الحسن لغيره؟

    الجواب: إذا كانت الجهالة جهالة حال، فهذا يمكن أن يقوي بعضهما بعضاً، إذا كانا من طريقين مختلفين.

    الحكم على حديث (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) وبيان معناه

    السؤال: ما صحة هذا الحديث وما معناه: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا

    الجواب: لا أتذكر شيئاً عن صحته؛ لكن معناه: أنه من يأتي بنعرات الجاهلية وأشياء كان يتعزى بها في الجاهلية كالنعرات التي تكون بين القبائل، وانتصار بعضهم لبعض بحق وبباطل؛ فمثل هذا يشنع عليه ولو استدعى الأمر للتصريح وترك الكناية.

    من صيغ الإباحة (أمر) في حالات مخصوصة

    السؤال: هل من صيغ الإباحة (أمر) مثل: أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟

    الجواب: نعم، الأمر قد يأتي للإباحة، وللإنسان أن يأخذ به، وله أن لا يأخذ به، وهذا من جنس: وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة:2] معناه: أنه كان محرماً عليهم الاصطياد، وبعد ذلك أبيح، وليس معناه: أن المحرم إذا أحل من إحرامه فإنه يجب عليه الاصطياد والبحث عن الصيد، وإنما معناه أنه مباح له أن يصطاد.

    معنى (المقطوع) من أنواع الحديث حسب المتن

    السؤال: هل المقطوع يشمل ما أضيف لغير التابعي ممن هو دونه؟

    الجواب: المتن الذي انتهى سنده إلى التابعي أو من دون التابعي يقال له: مقطوع؛ مثل ما يروى عن الزهري وغيره من التابعين ومن بعدهم.

    حكم من أناب شخصاً يرمي عنه الجمار مع أن الموكِّل ليس في منى

    السؤال: ناب رجل عن امرأة مسنة في رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر، وهي غادرت منى ضحى؛ لكنها طافت طواف الوداع في اليوم الثالث عشر، والنائب رمى الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال؛ لكن المرأة ما كانت في ذلك الوقت في منى، فهل العمل صحيح؟

    الجواب: الرمي صحيح.

    حكم الاتجار بجلود الميتة

    السؤال: هل يجوز بيع جلد الميتة؟

    الجواب: ما دام أنه يجوز الانتفاع به فيجوز بيعه.

    حكم دباغة الجلود باللبن بدون ماء

    السؤال: الجلد عندنا يدبغ باللبن، فهل يجوز هذا؟

    الجواب: دبغه بأي شيء طاهر جائز.

    أما هل يجوز استعماله دون غسل بالماء؟

    معلوم أنه جاء في الحديث: (يطهره الماء والقرظ)، فقيل إن المقصود بأنه يقرظ بالماء، وقيل: إنه يغسل به بعد دبغه حتى يذهب ما علق به بسبب الدبغ.

    وعلى كلٍ يجوز الدبغ باللبن، ولكن لابد من إزالة آثار الدبغ، وذلك يكون بالماء.

    حكم افتراش النساء للحرير

    السؤال: هل يجوز على النساء الجلوس على الخزّ؟

    الجواب: هذا هو الذي يظهر؛ لأن الذي أبيح لهن اللبس، مثل استعمال آنية الذهب والفضة، يباح لهن استعمال الذهب والفضة في اللبس، ولا يجوز لهن استعمالهما في الأواني للأكل والشرب.

    حكم الصلاة على ما فيه صور

    السؤال: ما حكم الجلوس والصلاة والنوم على المفارش التي يوجد عليها صورة عامة مثل النمور وغيرها؟

    الجواب: كونه يجلس عليها وتمتهن وتفترش لا بأس به، هذا إذا ابتلي بها الإنسان، أعني فلا يحرقها ولا يتلفها إذا ابتلي بها بأن ورثها أو وصلت إليه، وأما إن كان عن طريق الشراء، فلا يشتري شيئاً فيه تلك المحاذير، وإنما يشتري شيئاً سليماً، لكن إذا وصلت إليه بميراث أو غيره فإنه يستعملها ولا يتلفها إذا كان يمتهنها.

    وأما الصلاة فلا يصح للإنسان أن يصلي عليها وفيها صور، كما أن الإنسان لا يصلي في ثوب فيه صور؛ فكذلك لا يصلي على فرش فيها صور.

    حكم الخلافة الملكية

    السؤال: جاء في الحديث: (ستكون بعدي الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون بعدها الملك)، فهل الملك من شريعتنا، وهل هو جائز؟

    الجواب: هذا جاء في حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، وأيضاً: جاء في بعض الأحاديث أن هؤلاء الذين وصفوا بأنهم ملوك أيضاً خلفاء، حيث جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة)، فإن ثمانية من هؤلاء الاثني عشر هم من الملوك، ومع ذلك وصفوا بأنهم خلفاء، والمعلوم أن المقصود في الشريعة حصول الولاية، وتكون باتفاق أهل الحل والعقد، وتكون بعهد الخليفة إلى خليفة بعده، وتكون بالتغلب والقهر والغلبة، ويلزم في كل ذلك السمع والطاعة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756002823