إسلام ويب

لكي ينتصر الإسلامللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدَّث الشيخُ عن حالة العرب قبل الإسلام، وكيف تغيرت بعد البعثة، وكيف نظَّم النبي صلى الله عليه وسلم علاقة الفرد بالقبيلة، والعكس، واهتمامه في بناء شخصية الفرد بعيداً عن التقليد، وتحميل الفرد المسئولية الشخصية في تعلم دين الله -عز وجل- وأن تزكية النفس والعمل بذلك العلم والاهتمام بقضايا المسلمين من تزكية النفس، ثم تكلم عن أهمية التحدث والتعاطف والتبيين للناس عن قضايا المسلمين، واتباع الأقوال بالمواقف بقدر الإمكان، ثم تكلم عن أهمية توحيد الجهود في سبيل الدعوة إلى الله، وتجاوز الخلافات، وأن تكون الدعوة جدِّية وعامة إلى جميع الناس بمختلف مستوياتهم.

    1.   

    تغيير الإسلام لحالة العرب

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل وانقطاع من السبل، فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة وأغنى به بعد العيْلة، فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، صلاةً وتسليماً دائمَين إلى يوم الدين، عليه وعلى أصحابه والتابعين الأبرار الأطهار.

    أما بعد:

    أيها المسلمون: إن الله تعالى أنعم على هذه الأمة ببعثة خاتم الرسل؛ فجعلها خاتم الأمم، كما كان نبيها خاتم الرسل -عليه وعليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام- فبعث الله تعالى هذا النبي المختار في أمةٍ كان كل همها، وشغلها تتبع أصول أذناب الإبل في هذه الصحراء القاحلة، وأنها كانت ترابط وراء الضِّبَبَة تأكل وتشرب من ماء هذه الصحراء، ثم لا همَّ لها بعد ذلك أبداً، فصوَّت فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وصاح فيها بنداء (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله!) فرفعت إليه رءوسها وفتحت له عيونها، وأصغت له آذانها واهتدت بهداه، فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله عز وجل وتجاهد في سبيله، فخرجت من هذه الصحراء القاحلة؛ لتقول لأساتذة المدنية وشيوخ الحضارة في فارس والروم: جئناكم لنخرجكم، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة العيش، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

    أثر التوحيد فيهم

    إن هذا النبي الذي بُعث في هذه الأمة كان من أعظم ما أهدى هو التوحيد الذي عرف به الإنسان معنى إنسانيته، وكرامته، ذلك الإنسان الذي لم يكن له معنىً في الجاهلية، وكان يرضى أن يُطأطِئ رأسه لإله من حجر أو شجر أو صنم، فيعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.

    بُعث النبي صلى الله عليه وسلم للإنسان ليعلمه أن (لا إله إلا الله) ولا معبود بحق سواه، وأنه لا يجوز أن يُطأطِئ رأسه إلا لله عز وجل، فلا يسجد لغيره ولا يعبده سواه، مخلصاً له الدين ولو كره الكافرون، فأوجد فيه روح العزة ومعنى الحمية وسر الشجاعة والإنسانية، حتى علَّم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعزل -الإنسان الفقير- ألا يذل ولا يخضع لشيءٍ من متاع الدنيا، وكيف يذل لغير الله عز وجل؟! وكما قال الشاعر:

    تأبى عقيدتنا تأبى أصالتنا      أن يصبح العرب أشتاتاً وقطعانا

    فلا لشرق ولا غرب نطأطِئها     بل ترفض الجبهة الشماء إذعانا

    فأصبح هذا الأعرابي الذي كان بالأمس يركض وراء إِبِلِهِ وغَنَمِهِ، وكلُّ هَمِّه من الدنيا ملبس أو مطعم أو مشرب، أصبح هذا الإنسان عزيزاً ومرفوع الهامة ويناطح السحاب، فلا يذل إلا لله عز وجل! وليس لديه أي استعداد أن يهادن أو يداهن في دين الله عز وجل حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في ضمن دروس العزة، والكرامة التي ألقاها على هذه الأمة العظيمة: {من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون نفسه أو دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد}.

    فعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان أن يكون أبِيَّاً ورفيعاً وقوياً وعزيزاً ومنيعاً، وأن لا يكون همه هذه الحياة الدنيا، ولا بد أن يكون للإنسان وراء هذه الحياة معنى فوق هذه الدنيا، وألا يكون الإنسان تراباً فحسب، بل هو حفنة من التراب عانقها هدي السماء، فارتفعت وسمت وشمخت؛ فأصبحت أعظم من كل معاني البشرية؛ لأنها ارتبطت بهدي الله عز وجل ونور الوحي النازل من السماء؛ فأصبح الإنسان بذلك مرفوع الهامة وشامخ الأنف، لا يذل لغير الله عز وجل طرفةً أو لحظة.

    1.   

    أهمية الفرد في المجتمع

    ولم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم للقبيلة أن تهدر قيمة الفرد، كما لم يسمح للفرد أن يعتدي على القبيلة أو المجتمع أو الدولة، بل جعل هذه الأشياء كلها تسير جنباً إلى جنب، فلا قيمة لقبيلة أفرادها مجموعة من الضعفاء والاتباع المقهورين والأذلاء، الذين لا يرون لأنفسهم قيمة ولا كرامة، ولا قيمة لفردٍ لا ينتسب إلى ذلك المجتمع الإسلامي الكبير الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى ولا يتعاونون على الإثم والعدوان.

    1.   

    بناء الشخصية القوية للمسلم بالعلم

    لقد جاء الإسلام ليحمل الإنسان كل مسئوليته على كافة المستويات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يخاطب الفرد ليحمله مسئوليته على كافة الأصعدة، مسئوليته أولاً: في تعلم العلم الشرعي، أصولاً وفروعاً، عقيدةً وأحكاماً، فلا يكون الإنسان مقلِّداً، أو تابعاً، رضي أن يهدر عقله ويهدر إدراكه؛ ليكون تابعاً ومقلداً لفلان دون حجة ولا بصيرة ولا هدى ولا كتاب منير.

    بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر العذاب الذي يصيب الإنسان الفاجر أو الكافر في قبره؛ بيَّن أن من أعظم أسباب هذا العذاب أن يكون الإنسان مقلداً في دينه، فلم يتعب في الدين، ولم يجتهد في استخدام الحجج والبراهين، ولم يستخدم هذا العقل الذي أنعم الله تعالى به عليه في الوصول إلى الحق بالدليل الشرعي من آيةٍ أو حديثٍ أو إجماع، وإنما رضي أن يكون مجرد مقلد لفلان وفلان، فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - أن: {الإنسان إذا وضع في قبره يقال له: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟} فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ يسأل سؤالاً رابعاً: ما علمك؟ ومِن أين حصلت عليه؟ أحصلت عليه بالهوى، والتقليد؟ أم حصلت عليه بالبحث والاتباع؟ فيقول المؤمن، أو الموقن: قرأت كتاب الله فآمَنت به وصدقته.

    إذاً هو علمٌ مبنيٌ على التحري، ومبنيٌ على الدليل، ومبنيٌ على الاتباع، ومبنيٌ على الحجة من كتاب الله تعالى، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أجهد الإنسان نفسه في طلب العلم، وثنى رُكَبَه في مجالس الذكر، واستمع إلى: (قال الله) و(قال رسول الله) وأعمل عقله حتى وصل إلى الهداية وظفر بها فتمَسَّكَ بها، وعَظَّ عليها بالنواجذ، ولهذا نجح في الاختبار العظيم والكبير يوم يُوَسَّد في قبره، ويتخلى عنه كل أحبابه وأصحابه وأولاده وأتباعه، ويبقى وحيداً إلا من عمله الصالح.

    أما الكافر أو المنافق الذي كان لا يعرف الدين حقيقة في هذه الدنيا، أو يقلد الناس دون حجة ودون تبصر، ودون أن يستخدم هذه الجوهرة العظيمة التي أعطاها الله إياه -وهي العقل- في معرفة دين الله تعالى، وفهم النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والوصول إلى الحق، ولو كان يردد في هذه الدنيا العبارات، والكلمات والألفاظ، دون أن يعِيَها فإنه يخفق في الاختبار، فيقول: هاها.. هاها لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، إذاً كان يقول ويردد دون وعي وبصيرة، ودون أن يحرك إنسانيته أو يستخدم مواهبه، إنما كان مجرد مقلد لفلان وفلان؛ فيخفق، ولا يتذكر ما كان يقوله في الدنيا، فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، فيضرب بمطرقة من حديد يصيح صيحةً يسمعها مَن يليه إلا الثقلان، ولو سمعها الإنس والجن لصعقوا من هول ما يسمعون.

    فيا أخي الكريم: صوِّر نفسَك وأنت في هذا الموقف الصعب والعسير، وأنت تتعرض لهذا الابتلاء الكبير في ذلك الموقف الخطير، الذي لن ينفعك فيه مال ولا جاه ولا سمعة ولا شهرة، ولا فلان ولا علان، إنما ينفعك شيءٌ واحد هو: علمٌ نافع أو عمل صالح، فهل تلقيت دين الله تعالى بالحجة والبرهان والدليل؟ أم تلقيت من فلان وعلان؟ وهل اهتممت بهذا الدين وتتبعت أحكامه؟ أم اكتفيت بالموروثات الاجتماعية التي قد تكون صواباً في بعض الأحيان، وقد تكون خطأً في أحيان أخرى، ونحن نرى اليوم مع الأسف الشديد أن الكثير من المسلمين يتعصبون لهذه الموروثات، ويتحمسون لها ويركضون وراءها، ويتناصرون من أجلها أكثر مما يتحمسون لبعض الأحكام الشرعية التي يسمعونها من أفواه العلماء والدعاة والمحدثين.

    إذاً لقد جعل الله تعالى عليك أنت بالذات مسئولية شخصية في تعلم دين الله تعالى، ومعرفة أحكام ما أنـزل الله على رسوله بالأدلة الشرعية، ولا يغنيك أن تكون مجرد مقلد أعمى دون أن تبحث عن دليل أو حجة، فلا يكفي أن تكون مقلداً لما نشأت عليه في مجتمعك.

    أهمية تزكية المسلم لنفسه

    إن الإسلام حملك مسئولية شخصية في وجوب تزكية نفسك بهذا العلم، فأي معنى أو قيمة لعلم يكون محصوراً في نفسك وعقلك ولم يتحول إلى علم نافع بل هو علم مجرد؟! وكثيراً ما نواجه في مجتمعنا أشخاصاً إذا تكلموا كانوا كالفلاسفة، يعرفون ويتحدثون وربما يستشهدون بالنصوص، وربما يقولون: قال فلان وعلان.

    لكن إذا أتيت إلى واقعهم الشخصي في عبادتهم، وفي علاقاتهم بأهلهم، والوضع البيتي والمنـزلي الذي يعيشون فيه، والوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ لَوَجَدْت هؤلاء الأشخاص أبعد ما يكونون عن تمثل والتزام هداية السماء في تزكية أنفسهم، وتزكية من حولهم؛ فكم من إنسان قد يتكلم بالحق في لسانه، لكنك حينما تنظر إلى سلوكه الشخصي تجد شيئاً آخر، وحين تنظر إلى بيته تجد ألوان المعاصي والمنكرات، وتجد أهله وذريته وأولاده في وادٍ آخر، فلم يتعاهدهم بالهداية ولم يعلمهم، بل ولم يمنعهم من الحرام، فأتاح لهم كل وسائل الفساد وكل وسائل الاتصال بالعالم كله، وهو يقول: هل هؤلاء على مستوى أن يميزوا الطيب من الخبيث؟

    نعم، كانوا على مستوى تمييز الطيب من الخبيث؛ لو أنك تعاهدتهم، وعلمتهم، وربيتهم، وهذبتهم، وأدبتهم، ووضعت لهم الموازين المستقيمة التي يستطيعون أن يميزوا بها بين الحق والباطل، والهدى والضلال، أما أن تتركهم لعوادي الزمن وخِطَط الأعداء، فيسمع في التلفاز الكثير، ويسمع في المذياع الكثير، ويقرأ في الجريدة الكثير، ويسمع في المدرسة، ويجالس قرناء السوء، وربما أنه يشاهد أفلام الفيديو -مثلاً-، بل أنه يطَّلِع على القنوات الفضائية التي تُبَث من أنحاء العالم، ومنها قنوات تنصيرية، ومنها قنوات جنسية، ومنها قنوات تخريبية، ومنها قنوات تنقل لنا قاذورات العالم كله، وما فيه من خير وشر، ثم تترك لهذا العقل الغض والبسيط الذي لم ينضج ولم يملك إمكانية التمييز وتقول: إنه قادر، فإن الأمر حينئذٍ يكون كما قيل:

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له     إياك إياك أن تبتل بالماءِ

    أو تجد هذا الإنسان الذي قد يفهم بعض النصوص في تعاملاته التجارية، أنه قد يأكل الربا وقد يأكل الحرام، وقد يغش، وقد يخدع، وقد يأخذ أموال الآخرين، أو يعتدي على أراضيهم، أو يأخذ أموالهم بالباطل، ومع ذلك يلتمس لنفسه ألف عذر أن مِن حقه أن يفعل ذلك كله.

    فأين التزكية إذن؟ وأين العلم الذي يجيده في لسانه؟ والله تعالى يقول: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:7-10].

    فلابد أن تزكي نفسك ثانياً بهذا العلم، وهذه التزكية لا يغني فيها أحدٌ عن أحد، ولا ينفع فيها قريب عن قريب، ولا أبٌ عن ابنه، ولا زوج عن زوجه، قال تعالى: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الدخان:41] وقال: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

    الاهتمام بقضايا المسلمين

    إن الإسلام لم يقنع منك أن تكون عالماً بالشرع فقط، أو أن تضيف إلى ذلك تزكية نفسك تزكية شخصية، وتزكية أولادك وزوجتك، ومن ائتمنك الله عليهم فحسب، بل عليك أن تضيف إلى هذين الأمرين أمراً ثالثاً، يعتبر عربون دينك وإيمانك، وانتسابك إلى (الإسلام) هذا الاسم الشريف العظيم، وإلى هذا المجتمع الكبير، المجتمع المسلم.

    هذا الأمر هو: أن تكون متحمساً لقضايا المسلمين، متعاطفاً مع أمورهم، فلا تعتقد أن ما يصيب المسلم في المشرق أو في المغرب قضية خارجية لا تعنيك، أو شأن خاص بدولة من الدول، بل تعتقد أن من علامة صدق الإيمان في قلبك؛ أن يتحرك المؤشر كلما سمعت خبراً؛ فإن كان الخبر ساراً تحرك المؤشر بالفرح والسرور، وإن كان الخبر مزعجاً تحرك المؤشر بالحزن والتعاطف مع قضايا المسلمين بقدر ما تستطيع، وأنت تستطيع الكثير، ولو لم تستطع إلا الكلمة الطيبة لكانت الكلمة الطيبة صدقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

    فمن الذي يَحُول بينك أن تتحدث عن قضايا المسلمين وهموهم؟! أو تشاطرهم أفراحهم وأتراحهم وأحزانهم، أو تعمل على توعية من حولك بما يعانيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من ألوان الاضطهاد والتنكيل؛ التي تبدأ بمحاولة نقلهم عن دينهم إلى دين آخر سواء أكان هذا الدين هو النصرانية، أم كان هذا الدين هو العلمانية، أم كان هذا الدين هو الإعراض عن دين الله عز وجل والجهل به، وهو ما نشهده في كثير من الشعوب الإسلامية التي تحمل (بطاقة مسلم) أو هوية مسلم، لكنك حين تسأله، تجده يجهل كل قضايا الإسلام بدْءاً بقضية التوحيد، وشهادة أن محمداً رسول الله التي أصبح من المسلمين من يجهلها، وانتهاءاً بالأحكام الشرعية التي لا يفهم الكثير منها إلا أقل القليل، ومروراً بتجهيل المسلمين لأمور دنياهم؛ ليصبحوا عالةً على عدوهم فهم يستوردون من عدوهم كل شيء، ويعتمدون على عدوهم في كل شيء.

    لا أقول في السلاح فقط، بل يعتمدون على عدوهم في الثوب الذي يلبسونه، والنعل الذي ينتعلونه، والسيارة التي يركبونها، والبيت الذي يسكنونه، والورق الذي يكتبون فيه، والقلم الذي يكتبون به، وكل وسائل الحياة التي يحتاجون إليها، فأصبحوا عالةً على عدوهم، فأمسك العدو بِخِناقِهم، وأصبح المسلمون في كثير من البلاد يحكمهم نصراني، فيجعل التعليم لأبناء النصارى، ويجعل الوظائف لأبناء النصارى ويجعل البعثات العلمية لهم ويجعل المواقع الحساسة لهم.

    أما المسلم فأصبح حظه فقط هو: أن يكون مستهلكاً ومستعمَراً ومهَجناً وليس له من الأمر شيءٌ قليل أو كثير، وانتهاءاً بالتضييق عليه ومحاولة تصفيته جسدياً، والقضاء عليه بما يسمى بالتطهير العرقي الذي يعمد إلى القضاء على المسلم حتى وإن كان ضعيفاً، وحتى لو كان مسلماً جاهلاً، ولو كان مسلماً لا يقدم لدينه أي شيء، فأصبح الكفار لا يطيقون من يحمل اسم محمد أو علي أو صالح أو يحمل في هويته أنه مسلم، أو ينتسب إلى عروقٍ إسلامية، ولو كان لا يَمُتُّ للإسلام بأدنى صلة، وهم يقتلون المسلم بالهوية اليوم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة.

    فلابد أن تتحدث عن هذه القضايا، ولابد أن تشاطر المسلمين بالكلمة الطيبة على أقل تقدير، والكلمة الطيبة منك لا تكفي؛ لأنك أكثر من ذلك، فتملك المشاركة الحقيقية، المشاركة بالمال -مثلاً- في قضايا المسلمين، فمثلاً: نكبة المسلمين في الصومال التي نستطيع أن نقول: إنها نكبة القرن، وإن الصومال اليوم هو أفقر بلد في العالم، وأنه يعيش كارثة وأزمة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، تهدد بإبادة شعب بأكمله من الوجود.

    أتعلم لماذا؟ صحيحٌ أن الجانب القَدَرِي في هذا واضح وهذا قضاء الله تعالى وقدره، ومسألة الجفاف لا يد لأحد فيها، ولكن ثَمَّت سببٌ آخر: هو أن أصابع النصارى واضحة فيما يجري، فـالصومال هو البلد الأفريقي الوحيد الذي يسكنه المسلمون فقط (100%) مسلمون، ولا يوجد فيها نصراني واحد، ولم يكن فيه قبل بضع سنوات كنيسة واحدة، فعَمِل النصارى على تمزيق هذا البلد، وقسموه إلى خمسة أقسام واستعمروه، وحاولوا أن يسلطوا عليه الأعداء بعد الخروج منه حتى أثاروا النعرات القبلية، ومازالوا يخططون ويكيدون ويمكرون مكر الليل والنهار، حتى أصبحت الصومال تواجه هذه الأزمة الخانقة التي تعيشها اليوم، واستطاع النصارى أن يستغلوا هذه الكارثة بمحاولة تنصير أعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً.

    يقول أحد المسلمين -وهو يبكي-: والله لقد كنا يوماً من الأيام نسأل الله -ونحن في قلب الصحراء- أن لا نرى بأعيننا نصرانياً أو كافراً على وجه الأرض، فإذا بنا اليوم نفرح؛ لأننا نجد النصراني؛ لأننا نجد عنده الغذاء والدواء والكساء.

    والله لقد كنا يوماً من الأيام إذا وجدنا إناءً أكَلَ فيه نصراني أو شَرِبَ؛ غسلناه سبع مرات إحداهن بالتراب، كما نفعل إذا شرب فيه الكلب، أما اليوم فقد أصبحنا نَهشُّ للنصارى ونَبشُّ، ونستقبلهم بالبشر والترحاب؛ لأننا أصبحنا نجد عندهم الإغاثة التي لم نجدها مع الأسف عند إخواننا المسلمين، وأصبح ما يزيد على مليوني مسلم يتعرضون إلى عملية جادة تستهدف تحويل الصومال إلى دولة نصرانية.

    فأنت تستطيع حين تسمع هذا أن تشارك بالمال، أو تؤدي بعض شكر نعمة الله تعالى عليك بالزكاة أو غيرها من الصدقات، التي قد تطعم بها جائعاً أو تكسو بها عرياناً، أو تعالج بها مريضاً، أو يهدي الله بها رجلاً واحداً يتعرض للتنصير والتكفير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {تصدق رجل مِن ديناره، ومِن درهمه، مِن صاع بُرِّهِ، من صاع تَمْرِهِ} حتى قال - عليه الصلاة والسلام -: {فاتقوا النار ولو بشق تمرة}.

    إذاً لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو كان ذلك شق تمرة، أو ريالاً واحداً، فأنت لو تصورت أن ألف مليون مسلم اليوم، أو ألف ومائتي مليون مسلم، لو أن كل واحد منهم تخلى عن ريال فقط؛ لكان معنى ذلك أننا جمعنا في حملة واحدة ملياراً ومائتي مليون ريال، كم سوف تنفع هذه الأموال بإذن الله تعالى؟!

    لكن المشكلة العظيمة أن الكثير تخلوا عن دورهم ولو كان دوراً محدوداً، أو قليلاً، وظنُّوا أن المطالبة بالإنفاق، وأن المطالبة بالبذل هي مسئولية الأغنياء فقط، كما تخلوا عن دورهم في الدعوة والهداية، وظنوا أن الدعوة والهداية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مسئولية العلماء فقط، أو الدعاة، أو مسئولية الخطباء فقط، ونسوا أن الله تعالى حين خلقنا جميعاً خلقنا بشراً مسئولين، وحين أنـزل الدين لم يقل أبداً إن الدين مسئولية فئة خاصة، ولا مسئولية طبقة معينة، وإنما جعل مسئولية هذا الدين على عاتق كل واحد منا، سواء أقام بها وحفظها أم ضيعها، فهو مسئول عنها أمام الله تعالى، قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44].

    أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم للقيام بما ائتمنَّا عليه، إنه على كل شيء قدير.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    المشاركة بالنفس في قضايا المسلمين

    إن من ألوان المشاركة أيها الأخ الكريم أن تشارك بنفسك؛ فإن المسلمين اليوم يتعرضون لحملات تقتيل وتشريد في بلاد شتى، وهم في أمس الحاجة إلى أن نقول لهم: إننا معكم.

    ولكن هذه الكلمة بذاتها لا يمكن أن تنقذ إنساناً من القتل، ولا يمكن أن تخرجه من الأزمة التي يعيشها، فلماذا لا نُتْبِعُ القولَ بالعمل؟! ونصَدِّقُ كلامَنا بأفعالنا؟! فنعبر للمسلمين حقيقةً عن تعاطفنا معهم، ووقوفنا إلى جانبهم، وأن مشاعر الأخوة الإسلامية التي أقامها هذا الدين لا تزال تتحرك في صدورنا، ولا تزال تعتمل في نفوسنا.

    إنَّ العدو قد أفلح في إقامة الحواجز بين المسلمين؛ فأصبحنا لا نشعر بهموم المسلمين البعيدين كما نشعر بهم من حولنا، وأصبحوا هم يَشُكُّون في صِدْق أخوتنا لهم، ويَشُكُّون في تعاوُنِنا معهم، فلقد رأوا أن الذين يقفون إلى جانبهم في كل المواقف غالباً هم النصارى أو غير المسلمين، أما المسلمون فطالما صاحوا! ثم صاحوا! ولا مجيب:

    لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً      ولكن لا حياة لمن تنادي!

    ولو ناراً نفختَ بها أضاءتْ      ولكن أنتَ تنفُخ في رمادِ!

    أنتم جميعاً سمعتم ورأيتم بأعينكم المأساة التاريخية التي يشهدها المسلمون في البوسنة والهرسك، إنها عملية إبادة تصرح وسائل الإعلام الغربية بأن القرن كله لم يشهد لها مثيلاً، فهل فعلاً أن المسلمين لا يستطيعون أن يصنعوا لإخوانهم في يوغسلافيا شيئاً؟! أقول: كلا. ثم كلا. والله الذي لا إله غيره لو أن المسلمين شعروا بالمسئولية لاستطاعوا أن يصنعوا من الهزيمة في يوغسلافيا نصراً، ومن الذل عزاً ومن القهر تمرداً، ليس على الصرب الملاعين الكفار فقط؛ بل على الصليبية العالمية ممثلة في الأمم المتحدة، والدول الكبرى التي تقف وراءها.

    إن الغرب يزعجه كثيراً أن يسمع كلمة جهاد، ولو شعر الغرب أن المسلمين يتنادون إلى دعم إخوانهم المسلمين في البوسنة والهرسك، وأن هناك أعداداً من المسلمين وقفَتْ إلى جانبهم؛ تعلمهم، وتصبرهم، وتثبتهم، وتعز مواقعهم ومواقفهم، وتدعو الله لهم بالنصر، وتدعمهم بما تستطيع، لشعر الغرب أنه مهدد في قلب أوروبا، ومهدد بخطر كبير، ولسارع إلى حل المشكلة؛ خشية أن تصل إلى أمور لا يستطيع حلها، لكن المسلمين في كثير من الأحيان يشعرون بأنهم عاجزون، وأنهم مكتوفوا الأيادي على حين أنهم يستطيعون أن يعملوا الكثير.

    1.   

    المشاركة الوجدانية مع قضايا المسلمين

    أيها الأحبة، لنفترض جدلاً أنك لا تستطيع أن تتكلم، ولا أن تعمل، ولا أن تبذل المال، ولا أن تقف بنفسك مع إخوانك معلماً وداعياً ومرشداً ومصبِّراً، إنك تستطيع ولا بد أمراً بعد ذلك ألا وهو المشاركة الوجدانية، فقدم لي الدليل العملي على أنك فعلاً تشعر بمشاعر المسلمين!

    أثبت لي أنك لست شامتاً تسخر مما يحدث للمسلمين! وقدِّم الأدلة المادية على أن روح الأخوة الإسلامية لم تَمُتْ في قلبك.

    إن المشاركة الشعورية والوجدانية هي أحد الأشياء التي نحتاج إليها كثيراً، ولو لم تعمل فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول لأصحابه، وهو في معركة تبوك يقول لهم: {إن بـالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حَبَسَهُم العذر} فلنفترض أنك معذور، لا تستطيع أن تتكلم لأنك أبكم، ولا تستطيع أن تنفق لأنك فقير، ولا تستطيع أن تشارك بنفسك لأنك مريض، ولا تستطيع أن تعمل شيئاً: أثبت لنا أن عندك قلباً يحزن لآلام المسلمين ويفرح لفرحهم، أثبت أن لديك مشاركة وجدانية مع إخوانك في كل مكان، وأثبت أن روح الأخوة لا تزال تعمل في قلبك!

    يا راحلين إلى البيت العتيق لقد     سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً

    إنا أقمنا على عذر نكابده      ومن أقام على عذر كمن راحا

    هذا الشعور الوجداني في قلبك، سيتبعه تمني، وسيتبعه -على أقل تقدير- دعوة ترفعها في الهزيع الأخير من الليل إلى رب العالمين تفتح لها أبواب السماء.

    أتهزأ بالدعاء وتزدريه      وما يدريك ما صنع الدعاءُ

    سهام الليل لا تخطي ولكن      لها أجل وللأجل انقضاءُ

    إن الأمة التي قوام أعدادها ألفٌ ومائتا مليون، هل تعتقد أنه لا يوجد فيها واحد مستجاب الدعوة؟! هل تظن أن أرحام النساء عقِمَت أن تلد شخصاً تقياً ولياً؛ لو أقسم على الله لأبره؟! ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبر قسمه} نحن نجزم يقيناً أن في هذه الأمة من الأولياء من لو دعوا الله لأجابهم، ولو استسقوا المطر من السماء لسقاهم شراباً طهوراً، ولو سألوا الله تعالى لم يَرُد سؤالَهم، ولو أقسموا على الله تعالى لأبرهم، فأين هؤلاء؟!

    لماذا لا نحرك همم الناس: العجائز، والأطفال، والصغار، والكبار، والسذج، والمغفلين، والجهال، والمتعلمين، والجميع لنقول لهم ادعوا الله، وإذا دعوت الله فادعُ لنفسك أولاً، ولا تُلام على هذا، ولكن أضف إلى هذا أن تدعو لغيرك كما تدعو للوالدين وللأقربين وللعلماء وللدعاة، فتدعو لإخوانك المسلمين في كل مكان أن يفرج الله عنهم كروبهم، ويزيل عنهم همومهم، ويُأمِّنهم من خوف، ويطعمهم من جوع، ويرويهم من ظمأ، وقبل ذلك كله أن يعلمهم من جهل، وأن يبصرهم في دينهم.

    1.   

    الدعوة إلى هذا الدين

    إن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ربَّى هذه الأمة على هذه المعاني، فربَّاها على المسئولية الشخصية في طلب العلم الشرعي والتعب وراء تحصيله، وربَّى هذه الأمة على التزكية بهذا العلم للنفس وللغير، وربَّى هذه الأمة على مسئولية المشاركة، وأن تكون هذه الأمة جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: {مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

    فلابد إذاً من دعوة لهذه الأمة، دعوة إلى الدين كله لا إلى بعضه؛ فلا ندعو إلى بعض الدين، ونغفل عن بعضه كما قال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85] إننا لا نقبل تجزيء الإسلام أو علمنته، فالدين جاء ليُعلِم الإنسان كيف يتوضأ؟ وكيف يصلي؟ وكيف يبيع ويشتري؟ وكيف يحكم؟ جاء هذا الدين ليهيمن على حياة الإنسان كلها دقيقها وجليلها، ولا يجوز التفريط بشيء من الدين، أو اعتقاد أن جزءاً من الحياة غير داخل في مسألة الهداية الربانية، ولابد أن تكون الدعوة إلى الدين لا إلى الهوى، فالدين واحد، أما الأهواء فهي شتى، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] وقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:48] فيجب أن ندعوا إلى دين الله كتاب الله تعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، لا ندعوا إلى أمزجتنا، ولا إلى رغباتنا، ولا إلى أهوائنا، ولا إلى آرائنا الشخصية، وإنما ندعو إلى دين الله، أما آراؤنا فإننا قد نعرضها، ولكننا لا نلزم بها أحداً؛ لأنها تحتمل أن تكون خطأ وأن تكون صواباً، والرايات المرفوعة اليوم كثيرة، والكثير منها ينادي إلى القرآن والسنة، ولا شك أن الدعوة إلى الكتاب والسنة دعوة خير ودعوة تامة كما في الدعاء: (اللهم! رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة).

    والخلاف اليوم بين المسلمين كثير، وربما الكثير منه خلاف شخصي، ناتج عن اختلاف الطبائع وتفاوت المَلَكات، ويمكن تجاوز هذا الاختلاف بأن نقوم بعمل واحد لخدمة هذا الدين، قال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].

    ولابد أن تكون دعوتنا إلى الدين فوق مستوى أن ندعو إلى لافتةٍ أو راية خاصة، أو حزب خاص، أو شخص معين، وإنما نحن نهتم بالدين وندعو إلى الدين، ولا يهمنا بعد ذلك أي جنس تكون، وأي لون تكون، وأي اسمٍ تنتحل، فإن المهم هو أن تكون ملتزماً بحقيقية الدين ومظهره وجوهره.

    فلابد أولاً: أن نقوم بدعوة جادة إلى دين الله عز وجل، ولابد ثانياً: أن تكون هذه الدعوة موجهة للأمة كلها، فليست الدعوة إلى الإسلام حكراً على طائفة خاصة من المثقفين مثلاً، أو من الأذكياء، أو من الطلاب والشباب، أو من الدعاة، كلا، الدين نـزل إلى الجميع، والأعرابي الذي يركض وراء إِبِلِه، أو يرعى غَنَمَه، قد نـزل الدين له. وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه لدعوتهم.

    وقد يتساءل البعض: وماذا يستفيد الإسلام من أعرابي في الصحراء؟! أو مزارع في بستانه؟! فأقول: دَعْكَ من سؤال: ماذا يستفيد الإسلام من هذا الرجل؟! لكن اسأل ماذا يستفيد هذا الرجل من الإسلام؟ يكفيه أن ينقذه الله تعالى من النار، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم على يهودي، وهو في مرض الموت فقال له: قل: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) فنطق بها، ثم مات، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، وهو يقول: {الحمد لله الذي أنقذه من النار}.

    هذا الرجل اليهودي الذي أسلم لم يقدم للدين شيئاً، لكنه قدم لنفسه؛ فالدين جاء لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ووقايتهم من عذاب السعير ومن سخط الله تعالى؛ لأنهم سيحظون برضوان الله تعالى، فالذي يهمنا أن ننقذ الناس بدين الله تعالى، ولو لم يقدموا لدين الله تعالى شيئاً، ثم إن هذا الأمر جانب من تعظيم الإسلام لقدر الإنسان.

    1.   

    بالهداية يَعْظُمُ قَدْرُ الإنسان عند الله تعالى

    فالإنسان إذا اهتدى كان له شأن كبير وقدر عظيم عند الله عز وجل مهما رَخُصَ في نظر الناس، وقد هَبَّت الريح في يوم من الأيام فلَعِبَت بـعبد الله بن مسعود، وكان قصير القامة نحيف الساقين، فضحك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { أتعجبون من دقة ساقيه؟ والله لهما في الميزان أثقل من جبل أحد }.

    ثم إنك لا تدري في أي طعامك البركة، فما يدريك أن هذا الأعرابي الذي تحقره، أو هذا الفلاح الذي لا تقيم له وزناً، أو هذا العامي المشغول بتجارته، أو هذا الإنسان الساذج المغفل الذي لا تعبأ به، ما يدريك أن هذا الإنسان عظيمٌ عند الله، أو صادق القلب، أو مخلص النية، أو ذا دعوة مستجابة؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ابغوني ضعفاءكم هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بدعائهم واستنصارهم}.

    اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودَمِّر أعداءك أعداء الدين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أعنا ولا تعن علينا، اللهم انصرنا على من بغى علينا.

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم ارض عن صحابته وعن التابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين، وعنا معهم يا أرحم الراحمين.

    أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وراقبوه، واحذروا أسباب سخطه فإن طاعة الله تعالى وتقواه خير زاد.

    والسلام عليكم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755962272