أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
هذه كلمة إلى شباب الأمة، فهم أغلى ما تمتلك الأمة، الأمم بصفة عامة تمتلك مقدرات كثيرة: مقدرات مالية، مقدرات عسكرية، مقدرات جغرافية، مقدرات إستراتيجية، لكن أغلى ما تمتلك الأمة من المقدرات هي المقدرات الإنسانية، والشباب أغلى هذا المقدرات، بنظرة إلى شباب الأمة تستطيع أن تستقرئ مستقبلها، فلو نظرنا إلى شباب أمة الإسلام، ماذا نتوقع أن يكون المستقبل؟ لا داعي إلى الإجابة على هذا السؤال، لكن لنراجع، نتائج استطلاع فعلته بين شباب إحدى الكليات، كان عندي ندوة في كلية وكانت بعنوان (مشكلات الشباب)، والكلية هذه تمثل شريحة من الشباب المسلم، شريحة من العالم الإسلامي، فماذا كانت مشكلات الشباب المسلم؟ عندما أتيح لكل شاب أن يقول: مشكلتي كذا وكذا، قطاع ضخم من الشباب قال: أن خائف من البطالة، خائف أن أكمل الكلية ولا أجد عملاً، ولو وجدت عملاً فقد لا أتعين بكفاءتي، بسبب تدخل عوامل الرشوة والمحسوبية والوساطة وغير ذلك.
وقالت مجموعة من الشباب: مشكلتنا تأخر الزواج، فأنا لا أتزوج إلا عند سن ثلاثين سنة، أو عند سن خمس وثلاثين سنة، وأحياناً عند سن أربعين سنة، يعني: لا أتزوج حتى أكون نفسي، فيظل عشرين ثلاثين سنة يكون نفسه إلى أن يتزوج، فيكون قد فقد زهرة شبابه.
وقال بعضهم: الاختلاط البشع بين الرجال والنساء، وما يتبعه من آثار سلبية ضخمة على المجتمع.
وقال بعضهم: انتشار المخدرات مشكلة ضخمة يعاني منها الشباب في جامعة من الجامعات المصرية، في جامعة من الجامعات المسلمة في بلد مسلم، وهذا أمر لا يتوقع عقلاً.
وقال بعضهم: الفجوة الهائلة بين الأجيال، أنا لا أفهم أبي وأمي، وأمي وأبي لا يفهماني، وأنا لا أفهم أستاذي، وأستاذي لا يفهمني، هناك فجوة ضخمة ما بين الجيل الذي قبلنا ونحن وبين الجيل الذي سيأتي بعدنا، تغيرات هائلة في المجتمع.
وقال بعضهم: أنا مشكلتي في العادة السرية. فهذا الصنف من الشباب فقد السيطرة تماماً على شهوته.
وهذا شخص أو مجموعة من الأشخاص مشكلتهم التخلف الدراسي، وصعوبة مناهج التعليم، والإحساس بأنه لا توجد مادة يتعلمها الشخص فتفيده، ولكن هي أشياء يحشي بها مخه إلى أن يمتحن الامتحان وبعد الامتحان ينسى كل شيء امتحنه.
وبعضهم مشكلته أنه مرتبط بصديقة له عاطفياً، لكن لا يزال الوقت متأخراً على الزواج، فهو لا يعرف ماذا يعمل.
وبعضهم مشاكله اقتصادية لا توجد أموال ولا يوجد أمل أن تكون عنده أموال.
هذا كان نموذجاً من المشاكل التي عرضت لي في الأوراق التي جمعتها أو قريباً منها، ومع أن معظم هذه المشاكل تعتبر مشاكل حقيقية، إلا أنني أحبطت جداً لكون هذه المشاكل هي كل مشاكل شباب أمة الإسلام، هل يعقل أنه لا يوجد شاب واحد يقول: أنا مشكلتي الرئيسية أن هناك بلاداً إسلامية كثيرة محتلة من قبل أعداء الله، وأنا لا أعرف ماذا أعمل لها مثل: فلسطين، العراق، أفغانستان، الشيشان، كشمير غيرها؟!
لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أنه لا يوجد بلد إسلامي يطبق شرع ربنا سبحانه وتعالى على وجه الأرض تطبيقاً صحيحاً؟!
لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن هناك هجمات إعلامية شرسة على الإسلام، وأنا لا أستطيع الرد بصورة كافية؟!
لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن مواقع الإنترنت فيها سب للرسول صلى الله عليه وسلم وبصورة بشعة، وأصبحت هذه المواقع لا تحصى ولا تعد؟!
لا يوجد شخص يقول لي: أنا مشكلتي حالة الفقر والجهل والتأخر التي عمت بلاد المسلمين؟!
لا يوجد أحد يقول لي: أنا مشكلتي الديون المتراكمة على الأمة، والتي جعلتها تسير في طرق مظلمة إلى طرق أشد إظلاماً؟!
لا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي الظلم الذي يقع على عاتق الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها؟!
ولا يوجد أحد يقول: أنا مشكلتي أن هناك ناساً كثيرين في الأرض لم تسمع عن دين الإسلام، أو لم تسمع عنه إلا كل تشويه وتبديل وتغيير؟!
يا شباب الإسلام أليس منكم رجل رشيد؟! من لهذه المشاكل إذاً؟! يا ترى من يحل مشاكل أمة الإسلام؟! يا ترى هل يحلها الكبير الذي عمره خمسون سنة أو ستون سنة؟! يا ترى هل يحلها الغرب؟! يا ترى هل تحلها الأمم المتحدة أو صندوق النقد الدولي؟! من لمشاكل أمة الإسلام يا شباب أمة الإسلام؟! تعرفون ما هي أكبر مشاكل أمة الإسلام؟ أكبر هذه المشاكل: هي فقد الطموح، واضمحلال الهدف، يصبح الحلم كله زوجة، وبيتاً، وسيارة، وشركة، هذه ليست أحلاماً سيئة، لكن لا يصح أن تكون هي كل الأحلام، بل إن كل طموح بعض الشباب يكون في (موبايل) جديد، أو رنة (موبايل) جديدة، أو في فسحة جديدة، أو في صديقة جديدة، أو في قصة جديدة، أو فيلم جديد، أو مسرحية جديدة، لعلكم قرأتم بالجرائد عن فيلم هزلي جداً أرباحه ثلاثة وعشرين مليون جنيه مصري، من يدفع كل هذه الأموال؟ إنهم شباب أمة الإسلام.
أحياناً الشاب يخسر أصدقاءه من أجل مباراة كرة قدم، بعض الشباب يعطل المرور على كل السيارات؛ لأنه فرحان بفوز فريقه الرياضي، وبعض الشباب يدخل الأستاد الرياضي وهو يحمل كميات كبيرة من الحجارة لماذا؟ الشباب في فلسطين يرمون الدبابات اليهودية بالحجارة، والشباب في مصر يرمون جمهور الفريق الثاني بالحجارة، يرمي جاره وصديقه وقريبه، مع أنهم متفقون في الدين والعقيدة والمواطنة والبلد والمرحلة العمرية، وفي المستوى الثقافي، لكنهم مختلفون في الفريق الذي يشجعونه، فحدثت المأساة، وبدأ التراشق بالحجارة، ماذا حدث يا شباب أمة الإسلام؟ أتراها قسوة مني عليكم أم رحمة مني بكم؟ هل تعتقدون أني أحملكم فوق طاقتكم؟ هل أنتم فعلاً كما يقال: ما تزالون صغاراً؟ أم يا ترى الصغير فعلاً هو الصغير في العمر أم الصغير في الفكر والفهم، والصغير في الدين، والصغير في الخلق، والصغير في الهدف؟ من هو الصغير؟! أحب أن أخبرك أخي الشاب عن معلومة هامة جداً: إذا بلغ الطفل سن البلوغ أصبح مكلفاً، يعني: كل خطوة وحركة وسكنة محسوبة عليه، والله سبحانه وتعالى الذي خلقه يعلم قدراته وإمكانياته، فإذا تخلف عن الصلاة فإنه سيعاقبه بالنار يوم القيامة، وإذا تعاطى المخدرات عذبه يوم القيامة، وإذا انتهك حرمة من حرمات الناس أو حرمة من حرمات الدين عذبه يوم القيامة، لقد أصبح الطفل رجلاً مكلفاً مسئولاً منذ بلغ.
إذاً: لا ينفع أن تكون هموم طالب المستوى الثانوي هي هموم الطفل، لا، فهو لم يعد طفلاً لقد أصبح رجلاً، ولا ينفع لطالب الجامعة أن يقضي كل فترته الجامعية في فسح وأغان وحفلات وسينمات وتمشية على الكورنيش، وألعاب فيديو وبلياردو، لا، وقتك هذا أنت مسئول عنه، وأنت محاسب عليه، وفترة الشباب من الأشياء التي ستسأل عنها يوم القيامة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (وعن شبابه فيما أبلاه)، هذه الفترة العمرية بالذات ستسأل عنها سؤالاً دقيقاً؛ لأن الله عز وجل أعطاك فيها عطاء جماً كبيراً، وعلى قدر النعمة يكون السؤال، وأنت أعطيت في شبابك نعماً ضخمة جداً، من صحة، وقوة، وفكر، وعقل، وإمكانيات ستسأل عن كل ذلك، ثم أنت لماذا لا تعرف إمكانياتك وطاقاتك؟ هل أنت فعلاً صغير؟ لا يا أخي، الإسلام ينظر إليك نظرة مختلفة تماماً عن نظرة عموم الناس لك، بل مختلفة تماماً عن نظرتك أنت شخصياً لنفسك.
عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من توجه بالدعوة؟ من الذين حملهم تبعة هذا الدين؟ من الذين ائتمنهم على حمل الإسلام؟ من الذين اعتمد عليهم في تغيير نظام الحياة في مكة كلها، بل في تغيير نظام الحياة في الأرض كلها؟ ليس في زمانه فقط يا إخواني بل وإلى يوم القيامة، من هم وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]؟ من هم الذين سيواجهون مكة وطواغيت الأرض وسيواجهون بعد ذلك كسرى وقيصر ؟ من هم الذين سيسبحون ضد التيار في كل البقاع المشركة في الأرض؟ راجع السيرة يا أخي، اقرأ التاريخ، الزبير بن العوام كم عمره؟ خمس عشرة سنة، طلحة بن عبيد الله ست عشرة سنة، سعد بن أبي وقاص سبع عشرة سنة، الأرقم بن أبي الأرقم ست عشرة سنة، وفي دروس السيرة تكلمنا عن هؤلاء.
فـالأرقم بن أبي الأرقم من بني مخزوم، وهي القبيلة التي كانت تتنازع لواء الشرف مع بني هاشم، وأبو جهل زعيم قبيلة بني مخزوم، ومع كل هذا لم يثن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه وأرضاه عن هذا القرار الجريء، فقد جعل بيته مقراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته ثلاث عشرة سنة متتالية، وكان عمره ست عشرة سنة، كل هؤلاء لو كانوا في زماننا كانوا في الصف الثانوي، فالدعامة الرئيسية لدين الإسلام في الأرض طلاب المستوى الثانوي، فما بالك بالجامعة، نحن نسمع اسم الزبير أو طلحة أو سعد فنحسن أننا نتعامل مع رجل كبير جداً، هو فعلاً كبير جداً، لكن ليس في السن إنما في المقام، وفي العقل، وفي الجهد، وفي الإيمان، وفي العمل، وفي الأخلاق، رجل كبير بمعنى الكلمة، وهو في السادسة عشرة من عمره، أو في السابعة عشرة من عمره، هذا هو الشباب في الإسلام.
وهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه الطفل الذي عمره ثلاث عشرة سنة فيم كان يفكر؟ يعني: ثلاث عشرة سنة في أول إعدادي، فـزيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه سمع أن جيش المسلمين خارج إلى بدر فتحركت في قلبه الحمية لهذا الدين، تحركت فيه مشاعر النصرة لهذا الدين، فحمل سيفه وسيف زيد أطول منه، وذهب لينضم لجيش المسلمين، بينما أنت قد تبذل مجهوداً من أجل أن تهرب من الجيش، وزيد بن ثابت يحمل سيفه متطوعاً، وهو ليس بمكلف بعد لم يبلغ، ويذهب إلى جيش المسلمين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيم بأمته الحكيم في تدبير جيشه رد زيداً وقال له: ما زلت صغيراً يا بني، تحركت فيه نخوة ما تحركت في قلوب كثير من الشباب والرجال مع أنه ما زال صغيراً، عاد الطفل زيد بن ثابت إلى أمه يبكي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منعه من الجهاد، لكن الأم المربية العاقلة الفاهمة لدينها قالت له: لا تحزن، تستطيع أن تخدم الإسلام بصورة أخرى، فخدمة الإسلام هي المطمح، وخدمة الإسلام هي الهدف، قالت: أنت تتقن الكتابة، وتحفظ كثيراً من سور القرآن فتستطيع أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح زيد كاتباً للوحي، وتعلم اللغة العبرية، واللغة السريانية، وصار ترجماناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث عشرة سنة، ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سن أول إعدادي اليوم.
هل تعرفون قصة قتل فرعون هذه الأمة. أبي جهل عليه لعنة الله أعتى عتاة مكة، وزعيم المشركين وقائد الجيش المكي في غزوة بدر، فلنسمع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه وهو يحكي هذه القصة كما جاء في البخاري وكما جاء في سيرة ابن هشام ، يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه: إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، على اليمين معاذ بن عمرو بن الجموح وعن الشمال معوذ بن عفراء واحد عمره أربع عشرة سنة، والآخر كذلك ثلاثة عشرة سنة، لكن يبدو أن أجسامهم كانت كبيرة من أجل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قبلهم في المعركة، ولم يقبل زيداً كما تحدثنا قبل قليل. يقول عبد الرحمن بن عوف فقال لي أحدهما سراً من صاحبه، يعني: معاذ بن عمرو بن الجموح يسأل عبد الرحمن بن عوف سؤالاً لا يريد صاحبه أن يسمعه؛ لأنه يريد أن يسبق إلى خير ما، فيا ترى ماذا سيعمل هذا الغلام الذي عمره أربع عشرة سنة؟! قال: يا عم أرني أبا جهل ، فقلت: يا ابن أخي فما تصنع به؟ يعني: أنت تسأل عن زعيم المشركين أكبر رجل في الجيش المشرك، قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كارثة عظيمة عند معاذ بن عمرو بن الجموح أنه سمع رجلاً مهما كان هذا الرجل حتى وإن كان أبو جهل نفسه، فما دام أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي قضية معاذ بن عمرو بن الجموح ، فقال: والذي نفسي بيده، لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، يعني: لن أتركه، ولن أفارقه حتى يموت أحدنا، يقول عبد الرحمن بن عوف : فتعجبت لذلك، ثم قال عبد الرحمن رضي الله عنه: وغمزني الآخر فقال لي مثل الأول، نفس السؤال، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، واحد عمره ثلاث عشرة سنة والآخر عمره أربع عشرة سنة فهما يتنافسان سوياً في قتل زعيم المشركين أبي جهل عليه لعنة الله، يقول عبد الرحمن بن عوف : فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني، هذا أبو جهل ، يقول معاذ بن عمرو بن الجموح : سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة. والحرجة هي الشجر الملتف الكثير، يعني: أبو جهل كان حوله كثير من الرجال ومعهم الرماح والسيوف يحمون أبا جهل ، ... وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، يعني: كل القوة تحمي أبا جهل زعيم مكة، قال معاذ بن عمرو بن الجموح : فلما سمعتها، جعلته من شأني، فصمدت نحوه، يعني: ركز عليه، فلما لم أستطع أن أصل إليه، حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، يعني: أطارت الضربة نصف ساقه وانفصلت رجله بالكلية عن جسده بضربة سيف واحدة، هذا أمر من الصعوبة بمكان، اسألوا الأطباء الذين يعملون عمليات بتر للساق إلى أي درجة يصعب عليهم أن ينشروا العظم، وهذا شخص يحمل السيف ويضرب به ضربة واحدة تطير الساق بكاملها بهذه الضربة، عن أي شيء نتحدث يا شباب أمة الإسلام، عن الفروسية في أعلى درجاتها، عن الشجاعة في أقوى صورها، عن المهارة القتالية في أعظم أساليبها، عن قوة الساعد أم عن عمق النظرة أم عن صدق الجهاد؟ هذا يا شباب الأمة شاب في الرابع عشرة من عمره في ثاني إعدادي. ثم يقول معاذ بن عمرو بن الجموح : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي. كان عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه وأرضاه مشركاً في هذه الغزوة، وآمن في السنة التاسعة من الهجرة. يقول معاذ بن عمرو : وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي -أي: قطع يده- فتعلقت بجلدة من جنبي. يعني: صارت يده مرتبطة بالجسد بقطعة جلد فقط. يقول: فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي سبحان الله!! يعني: بعد ما ضرب أبا جهل وقطعت يده ومع ذلك لا يزال يحارب في سبيل الله، يفهم الأطباء جيداً أن الإنسان في أرض المعركة لا يشعر بالآلام، لكن أنا أتكلم عن الفكر الذي في دماغ هذا الشاب الصغير، لم يكتف بقتل أو ضرب أبي جهل ؛ لأن طموحه أكبر، لا يزال يقاتل ناساً آخرين، ولا يزال ينصر دين ربنا حتى بعدما قطعت يده، يقول: فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت عليها حتى طرحتها. يعني: قطعتها، بعد هذا أقاتل حر سبحان الله!! ثم قال: ثم مر به معوذ بن عفراء ، وهو الذي كان يتنافس معه على قتل أبي جهل ، فضربه حتى أثبته، ضربه وهو عقير يمشي يعرج؛ لأن رجله قطعت، فجاء معوذ بن عفراء رضي الله عنه وعن أمه وأبيه، جاءه وضربه ضربة، فتركه وبه رمق، حتى جاء عبد الله بن مسعود بعد ذلك وقضى عليه كما تعلمون، ثم يقول معاذ بن عمرو بن الجموح : وقاتل معوذ بن عفراء في بدر حتى قتل في سبيل الله، يعني: معوذ بن عفراء لم يكتف بضرب أبي جهل ، بل قاتل في بدر حتى استشهد.
إذاً: نحن نتكلم عن أناس أعمارهم بين ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة، رأيتم الحمية لدين الله، رأيت الغيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيتم التنافس في نصرة الإسلام، هؤلاء هم شباب الأمة.
هذه قصة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، كان شاباً عمره ثماني عشرة سنة، واختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لقيادة جيش عظيم ضخم يذهب لقتال الرومان، والجيش به عمالقة في المجال العسكري، وعمالقة في القيادة الحربية، وعمالقة في السبق إلى الإسلام، وعمالقة في الفقه في الدين، ومع ذلك يرأس كل هؤلاء هذا الشاب الصغير، فلو أن مهمة قيادة مثل هذا الجيش الضخم قد أعطيت لطالب في الثانوية العامة، وتحت قيادته كل ضباط الجيش بما فيهم العمداء واللواءات، كيف يكون هذا الواقع؟! فـأسامة بن زيد ابن ثماني عشرة سنة وتحت إمرته عمر وغالب الصحابة من المهاجرين والأنصار، وهذا الجيش لا يذهب في مهمة استطلاعية، أو في مهمة تدريبية، أو في مهمة يسيرة أمر النصر فيها محسوم، لا، هذا الجيش يذهب ليقابل أقوى جيوش الأرض في ذلك الزمن، جيش الإمبراطورية الرومانية، هل تظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يلقي بالجيش إلى التهلكة، أم أنه وجد فعلاً في إمكانيات وقدرات ومواهب الشاب أسامة بن زيد رضي الله عنهما ما يؤهله لهذه القيادة؟ نعم، هذا الشاب كان قد استكمل في سنوات عمره القليلة فنون الفروسية، والحرب، والقيادة، والإدارة، والفقه، والعلم، استكمل ما يؤهله لهذا المنصب الخطير، وهذه إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل شباب الأمة، وإلى كل الأمة بكامل طبقاتها، لا تستهينوا بقدرات الشباب، الشباب قادة الأمة، الشباب أمل الأمة، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة، وأسامة بن زيد رضي الله عنهما لم يكن ابناً لوزير أو زعيم، بل كان شاباً بسيطاً ابن رجل بسيط فأبوه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه كان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أبوه كان يباع ويشترى، ولم يكن أسامة رضي الله عنه حسن الوجه ولا جميل الصورة؛ ليثبت لكل الشباب أن المقومات الحقيقية للشاب الناجح تكمن أساساً في دين الشاب، وفي عقل الشاب، وفي علم الشاب، وفي تدريب الشاب، ولا تكمن أبداً في عرق، أو عنصر، أو نسب، أو مال، أو جمال صورة، هذا هو شباب الإسلام.
كذلك عبد الرحمن الناصر رحمه الله، تحدثنا عنه في مجموعة الأندلس من الفتح إلى السقوط، اقرأ سيرته، تابع خطواته، استمتع بخططه، تدبر في ترتيبه وإعداده وتنظيمه، استلم دولة مفككة مترهلة مشتتة، تموج بالثورات والفتن، يطمع فيها أهل الأرض جميعاً، وليس لها فيما يبدو للناس أمل في أن تقوم من جديد، فإذا به بصبر عجيب، وثبات نادر، وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس، يعيد للعلماء هيبتهم، يعيد للجيش الإسلامي رهبته، يوحد الصفوف، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جداً في الأندلس، يتفوق في كل المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، وكذلك المجال المعماري والترويحي، في كل المجالات، حتى أصبحت الأندلس في زمانه أقوى دولة بلا منازع على وجه الأرض، وجاء زعماء أوروبا جميعاً ليطلبوا وده، وليفوزوا برضاه.
ملت عبد الرحمن الناصر أقوى ملوك أوروبا في القرون الوسطى.
وعبد الرحمن الناصر رحمه الله استلم الحكم وهو يبلغ من العمر إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين سنة، سنة ثالثة أو رابعة جامعة، لماذا الشاب في الجامعة وبعد الجامعة يعتبر نفسه صغيراً عن السياسة، وصغيراً عن الاقتصاد، وصغيراً عن المشاكل الاجتماعية، وصغيراً عن التغيير، وصغيراً عن الإصلاح، وصغيراً على إنكار المنكر والأمر بالمعروف؟ يا أخي الشاب! لقد مر ثلث عمرك أو نصف عمرك، هذا إن قدر لك أن تعيش إلى خمسين أو ستين أو سبعين سنة، فحرام أن تمر السنوات من بين يديك وأنت ما زلت متعلقاً بلعبة أو فسحة أو صديقة أو قصة شعر أو موضة أو تلفاز أو متعلقاً بسهر على المقاهي أو النوادي ورجوع إلى البيت قبل الفجر، من سيرجع إليك هذا الوقت مرة أخرى؟! الرسول صلى الله عليه وسلم ينبهك: (اغتنم خمساً قبل خمس) وذكر منها: (شبابك قبل هرمك) الشباب لن يرجع مرة أخرى إذا بلغت الشيخوخة أو الهرم.
نقف وقفة ونسأل: لماذا هذا التباين الرهيب بين ما عليه شباب أمة الإسلام الآن، وبين ما ينبغي أن يكون عليه؟ من المؤكد أن الخطأ لم ينبع من الشباب وحدهم، لكن الخطأ خطأ مركب، فهذه منظومة كاملة حدث فيها نوع كبير من الاضطراب والخلل، أحصي لكم في هذه المحاضرة أربعة أسباب لانهيار مستوى الشباب:
أولاً: غياب التربية الإسلامية الواعية، التربية أساساً تكون في البيت والمدرسة، وغياب معنى مراقبة الله عز وجل هو سبب رئيس وراء انهيار مستوى الشباب، من افتقاد قيمة الآخرة، وافتقاد الولاء لهذه العقيدة، إذا لم يكن البيت والمدرسة حريصين على ربط كل سلوكيات الأطفال والشباب بالعقيدة، فهناك خطورة كبيرة جداً على هوية شباب أمة الإسلام، والطامة الجديدة الكبرى هي إلغاء مادة الدين، رأينا هذا الكلام يحدث في هذا الوقت، استبدلت مادة الدين بمادة القيم والأخلاق، وبذلك توجه كل الأخلاق إلى عموميات لا ترتبط بالله عز وجل ولا بالآخرة، كن صادقاً؛ لأن الصدق شيء جميل، نعم هذا معنى، ولكن أعظم منه: كن صادقاً؛ لأن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، اكفل يتيماً؛ لأن المجتمع يجب أن يتعاون، نعم هذا جميل، ولكن أجمل منه: اكفل يتيماً لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى)، وهكذا كل القيم والأخلاق إن لم ترتبط بالآخرة وبرضا الله عز وجل؛ فسيحدث لها مثل ما يحدث في كل المناهج العلمانية، إذا اختفى الرقيب ضاعت الأخلاق، ما أسهل الزنا في أمريكا، ما أسهل القتل في أمريكا، ما أسهل شرب الخمر في أمريكا، ما أسهل قتل الشعوب وسفك الدماء ونهب الثروات في أمريكا، أهذا ما تريدونه للشباب، أم من الأفضل أن يرتبط بمن يغير ولا يتغير سبحانه وتعالى، وأن يرتبط بالنعيم الذي لا يزول أبداً، بدلاً من أن يكون أقصى أحلامه أن يستمتع سنوات معدودات ثم يموت ويفنى؟!
غياب التربية الإسلامية الواعية في البيت والمدرسة من أهم وسائل تحطيم شباب أمة الإسلام.
ثانياً: غياب القدوة الصالحة، قاعدة: ليس هناك تربية بغير قدوة، كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم شرب السجائر والسجارة لا تفارق يده، أو بحسن معاملة الجار وهو في شجار دائم معه، أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل من حوله بالسباب والشتائم؟!
كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في الشباب الرحمة وعدم التركيز على المال، وهو يهمل في التدريس في حصة المدرسة، ليستنزف أموالهم بعد ذلك في الدروس الخصوصية؟!
أو كيف يربيهم على الحرص على المال العام، والأمانة في العمل، وهو يهرب من حصص المدرسة؟!
كيف يمكن لنظام الأمن في البلاد الإسلامية أن يأمر الشباب بعدم العنف وعدم الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وكل إرهاب مع عموم الشعب؟!
غياب القدوة أمر خطير، من هم قدوة شباب أمة الإسلام؟!
أتراه فناناً ماجناً أقرب إلى النساء منه إلى الرجال؟!
أتراه لاعباً أنفق زهرة شبابه في اللعب؟!
أتراه مليونيراً سرق أموال البلاد والعباد؟!
أتراه مرتشياً تسلق على أكتاف الشعب إلى أعلى الدرجات؟!
أتراه زعيماً ماركسياً أو قائداً ملحداً أو أديباً فاسقاً؟!
أتراه شيوعياً أم يهودياً أم هندوسياً أم بغير ملة؟!
أتراه واحداً من هؤلاء، أم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
كم من شباب أمة الإسلام الآن يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة كاملة له؟!
كم من الشباب يقتدي بـالزبير ، وطلحة ، وسعد ، والأرقم ، وزيد ؟!
كم منهم يقتدي بـأسامة ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح
؟!كم منهم يضع نصب عينيه حياة محمد الفاتح ، أو محمد القاسم ، أو صلاح الدين ، أو عبد الرحمن الناصر رحمهم الله جميعاً؟
يا شباب الأمة أفيقوا! خلف من تسيرون وإلى أي غاية تريدون الوصول؟ القدوة يا شباب أمة الإسلام.
إذاً: هناك مشكلتان كبيرتان في هذا الوقت: مشكلة غياب التربية الإسلامية الواعية، ومشكلة غياب القدوة الصالحة.
ثالثاً: الإحباط الذي انتاب الشباب نتيجة التردي في حال الأمة الإسلامية، من الناحية السياسة، والعسكرية، والاقتصادية، والعلمية، بل والأخلاقية، فالشاب يشعر أنه لا فائدة ولا أمل؛ لأن الفجوة هائلة بيننا وبين معظم شعوب الأرض، هائلة بيننا وبين أمريكا، بيننا وبين أوروبا، بيننا وبين الصين، بيننا وبين اليابان، بيننا وبين الهند، بيننا وبين كوريا الشمالية، يأس وإحباط، ومستحيل مع وجود هذا اليأس أن يشعر الشاب بهويته وبقيمته.
رابعاً: دور الإعلام في منتهى الخطورة، من زرع الشهوات في النفس، وهذا يحتاج إلى مجاهدة لتصرف هذه الشهوات والطاقات إلى الجهة المشروعة، ومع ذلك تجد أن هناك كوادر لا تحصى هدفها تأجيج هذه الشهوات، وإثارة هذه الفتن، هناك بالفعل نار داخل الشباب، ثم يأتي من يدعي أنه يسعى لإطفاء النار، فيسكب عليها البترول، كبعض الفنانين أو بعض الإعلاميين الذين يتخصصون في الفنون الإباحية والمثيرة، ثم هو يقول: إنه يقدم رسالة تربوية لشباب الأمة، مع أنه يقوم بعمل فيلم أو مسرحية تحض الشباب على الاستهزاء بالمدرسين، وعلى الاستهتار بالآباء والأمهات، أو بعمل فيلم أو مسرحية أو مقال يعلم الشباب أن البنات ليس لهن هم إلا البحث عن الرجال، والرجال ليس لهم هم إلا البحث عن البنات، الخلاعة في الملبس، السوقية في الألفاظ، الإباحية في الحركات، إلى أين نسير يا من بيده الأمر؟ ومع كل ذلك أنا لا أعفي الشباب من المسئولية، فمع غياب التربية، وغياب القدوة، وتردي حالة الأمة، وإباحية الإعلام، إلا أن الشباب ليس مضطراً أن يضحي بعمره ودنياه وآخرته من أجل أخطاء الآخرين، نعم، موقف الشباب صعب، لكن الإصلاح ليس مستحيلاً، بل هو مطلوب منهم شرعاً، بل هو متحتم عليهم شرعاً: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]، وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].
المسئولية الفردية يا شباب أمة الإسلام، الحساب يوم القيامة فردي تماماً: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94].
من أجل هذا أنا أريد من الشباب أن يسمعوا مني الكلام التالي بإنصات وبإخلاص وبصدق، تعالوا نقف وقفة صادقة مع النفس، تعالوا نسأل أنفسنا أسئلة مهمة، ونجاوب عليها بيننا وبين أنفسنا، أخي الشاب أسألك سؤالاً غريباً جداً: هل تؤمن بالله؟ هل تؤمن حقيقة بالله؟ إن كانت الإجابة: لا، فالقصة انتهت هنا، وإن كانت الإجابة: نعم، وإن شاء الله هي نعم، فهل تؤمن أنه مطلع عليك ومراقب لك؟ هل تؤمن بطلاقة سمعه وبصره؟ هل تؤمن بعدله، وأنه لا بد أن يجازي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته؟ هل تؤمن بحكمته؟ إن كنت تؤمن بحكمته فلا بد أنك تعرف لماذا خلقك؟ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، هل خلقنا الله عز وجل للمتعة، وللسهر، وللانبساط؟ هل خلقنا الله لجمع المال وكنز الثروات؟ هل خلقنا الله للصراع والتشاحن والتقاتل؟ هل خلقنا الله دون غاية؟ اسمع إلى كلام الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، أنا عارف أنك تعرف الآية، وأنك قد سمعتها كثيراً، لكن يا ترى ما معنى العبادة؟ لا تظن أن معنى العبادة هي الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج فقط، لا، هذا جزء من العبادة، العبادة هي قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، كل شيء في حياتك لله عز وجل، صلاتك وصيامك لله عز وجل، عملك لله عز وجل، مالك لله عز وجل، علاقاتك لله عز وجل، سلطاتك لله عز وجل، شبابك وهرمك لله عز وجل، صحتك وعافيتك لله عز وجل، كل ذرة في حياتك، وكل لحظة في عمرك لله عز وجل حتى الموت يكون في سبيل الله عز وجل، هذا هو مفهوم العبادة: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، حياة كاملة منذ التكليف إلى الممات لله عز وجل.
يا ترى يا شباب أمة الإسلام هل أنتم تعبدون الله بهذه الصورة؟!
يا ترى يا شاب أمة الإسلام كم ستعيشون؟!
هل تضمن أن تعيش عشر سنوات في المستقبل، أو سنة واحدة في المستقبل، أو حتى دقيقة واحدة من هذا الوقت؟!
كم شباب في السنة الماضية انتهت أعمارهم وأغلقت صفحات حياتهم، وأصبحوا في باطن الأرض بدلاً من ظهرها؟ كثير، وإذا كان الموت يأتي بغتة وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [الأعراف:34]، إذا كان ذلك أليس من الحكمة ألا نضيع وقتاً ولا جهداً ولا فكراً في أشياء تزول ونترك الذي يبقى؟ وحتى إن لم تمت أليست الأيام والشهور والسنوات الضائعة خسارة؟!
أليست خسارة أن تأتي يوم القيامة فتجد أن عشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة من عمرك ليس لها وزن، أو في ميزان السيئات؟!
يا شباب أمة الإسلام: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ [الشورى:47].
نحن شباب نريد أن نرجع لديننا، نحن شباب نريد أن ننصر أمتنا، نحن شباب نريد أن نرضي الله، ماذا نعمل؟ إليكم مني عشرة أمور تعين على وضع أقدامنا على الطريق إن شاء الله، مع العلم أن كل أمر من هذه الأمور يحتاج إلى محاضرة مستقلة، أسأل الله عز وجل أن يجمع بيني وبينكم على الخير دائماً، واعلم أخي الشاب قبل أن تستمع إلى هذه الأمور أنك فرد في أمة، فإن صلح حالك يوشك حال الأمة أن يصلح إن شاء الله.
الأمر الأول: أقلع عن المعصية، ترك المعاصي مقدم على فعل فضائل الأعمال، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) الأوامر على قدر استطاعتك، لكن النواهي لا تقترب منها، لا يستقيم لمن ينصر الأمة أن يظل على معصية، لا تعملوا بالمعاصي وأنتم في سبيل الله، وأشد المعاصي خطورة ما كنت مواظباً عليه، لذلك خذ قراراً جريئاً واقطع معصيتك الآن، إن كانت في نظر، أو في سمع، أو في لسان، أو في صحبة، أو في عمل، أو في أي شيء، واعلم أنك بتوبتك الصادقة تكون قد فتحت صفحة بيضاء تماماً مع الله عز وجل، ابدأ من جديد وكأنك ولدت اليوم.
الأمر الثاني: اعرف دينك، دينك دين عظيم جداً، تجاوزت عظمته حدود التخيل والإدراك، دينك دينك لحمك دمك، دينك دين الإسلام لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ [فصلت:42]، دينك ليس فيه ثغرات، دينك دين محكم بديع، مر وقت طويل طويل لم تعرف فيه دين الإسلام؟ أنت محتاج لأن تعرف عقيدة، وفقهاً وأخلاقاً، ومعاملات، محتاج لأن تعرف سيرة رسولك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم، محتاج لأن تعرف حياة الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين، محتاج لأن تقرأ تاريخ المسلمين الطويل من مصادر غير مشوهة، تاريخ المسلمين العظيم خلال (1400) سنة.
أنت محتاج لوقت كبير جداً لتصرفه من أجل أن تعرف ربك ورسولك ودينك، تحتاج إلى قراءة وإلى دروس علم وإلى مناقشات ومحاورات وأسئلة.
الأمر الثالث: ارتبط بالمسجد، المسجد بيت الله في الأرض، وعمار المساجد هم زوار لله عز وجل، ألا تحب أن تزور خالق السماوات والأرض خمس مرات في كل يوم؟!
ألا تحب أن تعرض على ربك مشاكلك، وتطلب منه حاجتك؟!
أنا أريدك في المسجد خمس مرات في اليوم على الأقل، غير دروس العلم، خمس صلوات في اليوم لا تفوتك في المسجد، وستنظر إلى أي درجة سيتغير حالك، هذه هي حياة شباب الإسلام.
الأمر الرابع: كن متفوقاً، الطالب المسلم الذي يريد أن يغير من حال أمته لا بد أن يكون متفوقاً في تخصصه، نحن لا نريد مجرد طبيب، أو مجرد مهندس، أو مجرد مدرس، لا، نحن نريد طبيباً عالماً، ومهندساً مخترعاً، ومدرساً نابغاً في علوم التربية، نحن نحتاج إلى التخصص، الزمن زمن تخصص، لا يوجد أحد يعرف كل شيء في هذه الوقت؛ العلوم كثرت، وليس هناك مكان للكسالى، مذاكرتك من أجل رفعة أمتك حسنات لا تحصى في ميزانك يوم القيامة إن شاء الله.
الأمر الخامس: صل رحمك، الشباب المسلم الذي يريد أن يرفع من شأن أمته، لا بد أن يكون واصلاً لرحمه، ومن لم يكن فيه خير لرحمه ولأقاربه فليس فيه خير للناس ولا للمجتمع، وأعظم أرحامك والداك، لا تخرج كلمة (أف) من فمك، أو نظرة غضب من عينك، أو إشارة اعتراض من يدك، هذه الأمور لا تخرج من شاب مسلم، وبقية أرحامك من إخوان وأعمام وأخوال وغيرهم.. لهم حقوق عليك فأعط كل ذي حق حقه.
الأمر السادس: اختر أصحابك: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) ، ارتبط بمن إذا رأيته ذكرك بالله عز وجل، لا تسر بمفردك في حياتك، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وتذكر وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة).
الأمر السابع: اعرف واقعك، مستحيل لمن يريد تغيير حال الأمة ألا يكون مطلعاً على أحوال زمانه، لا بد للشاب من دراسة واقع العالم الذي يعيش فيه، واقع القطر الذي يسكن فيه، وقع العالم الإسلامي، واقع العالم بصفة عامة، متابعة دقيقة للأحداث الهامة في العالم، متابعة لأحداث مصر والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بها، متابعة لأحداث فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير، ماذا يحدث في تركيا؟ ماذا يحدث في إيران؟ ماذا يحدث في باكستان؟ ماذا تعرف عن النيجر ومالي وأوزبكستان وأذربيجان ونيجريا، وكلها بلاد إسلامية تشهد أحداثاً هامة؟ ماذا يحدث في راوندا وليبيريا وكولمبيا؟ وأهم من ذلك ماذا يحدث في أمريكا وإنجلترا وفرنسا وروسيا؟ ماذا يخطط اليهود؟ تحتاج أن تقرأ الجرائد كل يوم، ولا داعي لقراءة صفحات الرياضة والفن، اتركنا نعيش حياة جادة قيمة، تابع الأخبار, وافتح الستلايت والدش على قنوات الأخبار، واترك قنوات الأفلام والأغاني، لا يوجد وقت يا أخي المسلم.
الأمر الثامن: كن رياضياً، وهذا ليس فيه تعارض مع النقطة التي مضت، ليس المعنى إذا قلت لك: لا تقرأ أربع أو خمس صفحات رياضة كل يوم أنني لا أريدك أن تصبح رياضياً، لا، هناك فرق كبير جداً بين حريف يقرأ صفحات الرياضة، وبين الذي يمارس الرياضة، ويتقن الرياضة ويتفوق فيها، من أهم صفات الشباب قوة الجسد، وسلامة الصحة، ومتانة البنيان، الأمة تحتاج إلى جسدك كما تحتاج إلى عقلك وفكرك، الجهاد لا يكون إلا بجسد قوي، فضربة معاذ بن عمرو بن الجموح بالسيف لـأبي جهل لا تأتي إلا من ذراع رياضي، وعليك بالرياضة المفيدة التي تعود عليك وعلى أمتك بالنفع كالسباحة والرماية، وألعاب الدفاع عن النفس، وألعاب القوى، ورفع الأثقال، والفروسية أو غيرها.. وركز في نوع الرياضة التي تحبها من أجل أن تبدع فيها، ولا تنفق فيها وقتاً طويلاً؛ لأن الرياضة جزء من حياتك ليست كل حياتك، وهي في النهاية وسيلة وليست غاية.
الأمر التاسع: ادع غيرك، إذا أحسست بحلاوة هذا الدين، وإذا آمنت بعظم المسئولية الملقاة على عاتقك فلا تنس إخوانك الذين كانوا معك قبل أن تعرف هذا الطريق، ادع أصحابك القدامى إلى حلاوة هذا الدين، ادع غيرك إلى الحياة الجادة التي عرفتها، ادع غيرك ولك مثل أجورهم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، فأنت تأخذ حسنات على كل عمل خير يعمله صاحبك الذي دللته على ذلك الخير، وهذا شيء مهول؛ من أجل ذلك الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
الأمر العاشر وهو الأخير في هذه المحاضرة وليس الآخر: نظم وقتك، إذا كنت تريد فعل كل هذا الخير بدون خطة وبدون نظام فمن المؤكد أنك لن تستطيع، إذا أحسست بقيمة ما سبق فلا بد أن تضع خطة محكمة لتنفيذ كل هذه النصائح، فاجعل للمسجد وقتاً، وللمذاكرة وقتاً، وللقراءة في الإسلام وقتاً، وللقراءة الحرة وقتاً ، ولمعرفة الأخبار وقتاً، ولصلة الرحم وقتاً، وللرياضة وقتاً، وللترفيه الحلال وقتاً.
ينبغي لك أن تعرف ماذا ستعمل في الساعة التي ستأتي، واليوم الذي سيأتي، والأسبوع الذي سيأتي، والشهر الذي سيأتي، والسنة التي ستأتي، لابد أن تعرف ما الذي ستعمله في حياتك التي ستأتي، فوقتك هو أغلى شيء تملكه فلا تضيعه هباء منثوراً، وهو رأس مالك وهو عمرك، ويوشك إذا ذهب بعض عمرك أن يذهب الكل، فكن على حذر ولا تضيع رأس مالك، كان هذا هو الأمر العاشر والأخير في هذه المحاضرة، فتلك عشرة كاملة، نراجعها ونذكرها بإيجاز:
أولاً: اقلع عن المعصية.
ثانياً: اعرف دينك.
ثالثاً: ارتبط بالمسجد.
رابعاً: كن متفوقاً.
خامساً: صل رحمك.
سادساً: اختر أصحابك.
سابعاً: اعرف واقعك.
ثامناً: كن رياضياً.
تاسعاً: ادع غيرك.
عاشراً: نظم وقتك.
بهذا تصبح شاباً مسلماً متكاملاً، وبهذا يصلح حال أمة الإسلام.
كلمة أخيرة أختم بها: أنا على يقين أن كثيراً من الشيوخ كانوا يريدون أن يسمعوا هذا الكلام منذ عشرين أو ثلاثين سنة ولكن فات الوقت، أما أنت فقد سمعته الآن فاعمل به قبل أن يأتي زمان تسأل الله فيه أن يعيد الأيام، وقد مضت سنة الله عز وجل أن ما مضى لا يمكن أن يعود: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100].
وجزاكم الله خيراً كثيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر