إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (822)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم من لم تتمكن من الوفاء بنذرها بسبب انشغالها بشئون أسرتها

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج (نور على الدرب)، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت بتوقيع إحدى الأخوات المستمعات تقول: مستمعة من الرياض، تقول في رسالتها: امرأة سافر زوجها، فنذرت أن تصوم ثلاثة أشهر متتابعة عند عودته، وأن تذبح ثلاث ذبائح، وبعد عودته من السفر لم تف بالنذر ومضى الآن ما يقارب السنة، ونظراً لظروفها ورعاية أطفالها؛ لم تستطع الصوم ثلاثة أشهر متتابعة ولا أن تذبح الذبائح، وسؤالها: ماذا عليها أن تفعل جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فالواجب على هذه الناذرة الوفاء بنذرها من الصوم والذبائح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)، وقد مدح الله الموفين بالنذر فقال سبحانه: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا [الإنسان:7]، وذلك من صفات أهل الإيمان والتقوى، الوفاء بنذر الطاعة، فعليها أن تصوم ثلاثة أشهر متتابعة، وعليها أن تذبح ثلاث ذبائح عند القدرة، والشيء في ذمتها، يبقى في ذمتها حتى تقدر، فإذا قدرت على الذبائح ذبحتها، ولو متفرقة، كل وقت واحدة توزع على الفقراء والمحاويج، ومتى استطاعت الصوم تصوم في الوقت الذي تستطيع، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، يقول سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإذا استطاعت الصيام صامت، وإلا فيبقى في ذمتها معلقاً إلى أن تقدر، وهكذا الذبائح، ونوصي الناذرة وغيرها بعدم العود إلى النذر، النذر لا ينبغي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنذروا فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل)، فالوصية لجميع من يستمع لهذا البرنامج الوصية للجميع عدم النذر، بجميع أشكاله، النذر لا يرد قدراً ولا يأتي بخير، ولكن يستخرج به من البخيل، لكن من نذر طاعة لله؛ فليوف بنذره، (من نذر أن يطيع الله فليطعه)، وفق الله الجميع.

    1.   

    حكم تسديد الزوج ما بقي عليه من مهر زوجته

    السؤال: الرسالة التالية رسالة وصلت إلى البرنامج من ليبيا صاحبها ضمن رسالته أكثر من قضية، إحدى القضايا يقول: إنه تكلف مبلغاً كبيراً في الزواج، ورغم مضي فترة طويلة إلا أنه لم يستطع تسديد ما بقي عليه من المهر لأبي زوجته، ويسأل: هل عليه أن يفي بكل ما كان في ذلكم العقد، وهل لعمه أن يطالبه شرعاً بدفع ذلك المبلغ؟ وصاحب الرسالة من ليبيا.

    الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)، فالواجب عليك أن تؤدي ما التزمت به، وشرط عليك من المال، إلا أن يسمح والدها ويتحمل، أو تسمح هي عن حقها، فإذا سمحت أو سمح والدها فالحمد لله، أما ما داما يطالبان بالحق؛ فعليك أن توفي إذا استطعت، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، يقول الله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، إذا كنت معسراً يجب عليهما إنظارك، أما إن كنت موسراً فالواجب أن تؤدي ما التزمت به، واستحللت به فرج المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج)، متفق على صحته، وفق الله الجميع.

    1.   

    تيسير تكاليف الزواج

    السؤال: سماحة الشيخ لعل المستمع ينتظر كلمة من سماحتكم حول تيسير أمر الزواج؟

    الجواب: الزواج قد تم إنما عليه الآن الوفاء بما التزم، لكن نوصي غيره بالتسهيل في المهور، وعدم التكلف، ينبغي للمؤمن ألا يتكلف، أو المرأة وأخوها، وكذلك هي وأمها؛ ينبغي لهم التسامح في الأمور وعدم التشديد، وأن تكون المهور على حسب حال الزوج لا يكلف ما لا يطيق، بل ينبغي التخفيف والتيسير في المهور وفي الولائم أيضاً.

    1.   

    حكم صيام المعتوه

    السؤال: يسأل سؤالاً آخر ويقول: هناك رجل ضعيف العقل، ولكنه ليس مجنوناً إلا أنه لا يستطيع التمييز بين أشياء كثيرة، فهو لا يستطيع العد من واحد إلى عشرة مثلاً مهما حاولنا معه، هل يجب على مثل هذا الرجل الصيام والصلاة وضبطها عليه، حيث أنه يكلف ببعض الأعمال مما يؤدي إلى عطشه كالرعي، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان يعقل أن الله أوجب عليه الصوم والصلاة، يفهم أنه خلق ليعبد الله، يميز فيما يتعلق بماله في ضبط ماله وفي التصرفات في ماله؛ فهذا من العقلاء، يلزمه أن يؤدي ما أوجب الله عليه من صلاة وغيرها، أما إن كان عقله قد اختل وتبين خلل عقله، وأنه من جملة المعتوهين الذين ليس لهم عقل يميزون به بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين ماله ومال غيره، ونحو ذلك، فالعاقل بين، إن كان عاقلاً فعليه التكاليف، وإن كان غير عاقل سقطت عنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ)، فالذي يشبه المجنون لعدم ضبطه الأمور، وعدم حسن التصرف، لأن عقله مفقود، فلا تكليف عليه.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، إذاً: هذا هو الفارق بين المكلف وغير المكلف؟

    الشيخ: نعم.

    1.   

    حكم الصلاة في البيت لمن بيته بعيد عن المسجد

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع (ع. ع. أ) وهو مقيم بمدينة الرياض يقول: إذا كنت أبعد عن المسجد مسافة ربع ساعة إلا أني أسمع النداء بواسطة مكبرات الصوت، فهل علي إثم إن صليت في البيت جماعة مع إخوتي؟

    الجواب: ينبغي لك أن تسارع إلى الصلاة في المسجد وأن تستعين بالله بالأقدام أو بالسيارة، وأبشر بالخير العظيم؛ لأن الربع الساعة ليست بالكثير بالنسبة إلى أصحاب السيارات وأصحاب القوة، أما إذا كنت يشق عليك ذلك لكبر السن، ونحو ذلك فلا بأس، والاعتبار ليس بصوت المكبر ولكن بصوت المؤذن العادي، فإذا كان صوت المؤذن العادي يسمع في مكانكم عند هدوء الأصوات وعدم وجود المشوشات وجب عليكم السعي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، قيل لـابن عباس : ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض).

    (وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى يقول: يا رسول الله! هل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؛ لأنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فقال له صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب)، فالواجب عليكم أن تجيبوا وأن تحضروا في المساجد إذا استطعتم ذلك، أما إذا لم تستطيعوا ذلك لبعد المكان كما ذكرتم، أو لمرض أو لخوف، فأنتم معذورون في الصلاة في البيت، نسأل الله للجميع التوفيق والإعانة.

    المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، إذا لم يكن صاحب سيارة هل تنصحونه بالاستئجار أو أنه لا يلزمه؟

    الشيخ: ما دام لا يسمع صوت المؤذن لو كان بدون مكبر ما يلزمه، إذا كان الصوت العادي للمؤذن العادي المعروف، لو أذن ما سمعوه في محلهم لبعدهم؛ فلا حرج عليهم من الصلاة في البيت، لكن إذا تجشموا المشقة وصبروا وتحملوا هذا خير لهم وأفضل.

    1.   

    شرح حديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ...)

    السؤال: المرسل (ط. ف) من الخرج يسأل شرح حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، رواه مسلم ، أرجو أن يتفضل سماحتكم بشرح هذا الحديث؟

    الجواب: هذا الحديث من أوضح الواضحات، لا يحتاج إلى شرح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)، يعني: ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت إلا من هذه الثلاث: (صدقة جارية)، قد وقفها هو مثل وقف مسجد يصلى فيه، أو عمارة تؤجر ويتصدق بأجرتها، أو أرض زراعية يتصدق بما يحصل منها، أو ما أشبه ذلك، فهذه صدقة جارية، يجري عليه أجرها بعد وفاته ما دامت ينتفع بها الناس، (أو علم ينتفع به): إما كتب ألفها وانتفع بها الناس، أو اشتراها وأوقفها وانتفع بها الناس من الكتب الإسلامية النافعة، أو نشره بين الناس وانتفع به المسلمون، وتعلموا منه، وتعلم بقية الناس من تلاميذه، هذا علم ينتفع به، فإن العلم الذي مع تلاميذه ونشروه في الناس ينفعه الله به، كما ينفعهم أيضاً، وهكذا الولد الصالح الذي يدعو له، تنفعه دعوة ولد الصالح، كما تنفعه دعوة المسلمين أيضاً، وإذا دعا له إخوانه أو تصدقوا عنه؛ نفعه ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحًا ...)

    السؤال: المستمع إبراهيم محمد الحسن بعث برسالة ضمنها سؤالين، وفيهما يسأل عن تفسير بعض الآيات، ففي سؤاله الأول يسأل عن تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [سبأ:11]؟

    الجواب: هذا توجيه من الله سبحانه إلى داود عليه الصلاة والسلام أن يعمل السابغات وهي الدروع التي تلبس في الحرب، وأن يقدر في السرد، يعني:حلق الدرع تكون الحلقة بقدر ما يدخل فيها حتى لا يسقط الدرع، فهو تعليم من الله جل وعلا لداود أن يحسن صناعة السابغات التي هي الدروع، التي هي تنفع الناس، حتى يستفيد منها الناس وينتفعوا بها في الجهاد، ثم أمره بالعمل الصالح، العمل الصالح يشمل جميع طاعات الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وهو ترك معصية الله، والقيام بأمر الله من شرعه سبحانه وتعالى، هذا هو المشروع للجميع في عهد داود وفي عهد الأنبياء قبله، وفي عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعده، المشروع للأمة العمل الصالح، ولهذا قال: وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، فالله يعلم أحوال عباده، ويبصر أحوالهم وأعمالهم ولا تخفى عليه خافية جل وعلا، فالمشروع لجميع أتباع الرسل أن يعملوا الصالحات، ولأتباع محمد صلى الله عليه وسلم أن يجتهدوا في العمل الصالح، قال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8].

    فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وهو طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله، والصانع مأمور بالعناية بالصنعة وإتقانها، وعدم الخيانة فيها، سواء كان يصنع الدروع أو السيوف أو البنادق أو المدافع أو غير ذلك، كل صانع مأمور بالعناية بإتقان الصنعة وعدم الخيانة والغش.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه ...)

    السؤال: كما يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس:78-80]؟

    الجواب: الذي خلق الخلق من الطين، وخلق آدم من الطين، وخلق ذريته من ماء مهين سبحانه، هو الذي يحيي العظام وهي رميم يوم القيامة، يعيدها كما بدأها وتخرج من قبورها بعدما يتم خلقها بإذنه سبحانه وتعالى، فيرجع كل شيء إلى ابن آدم مما ذهب منه، ويفنى منه كل شيء إلا عجب الذنب، ثم يعيده الله كما كان سبحانه وتعالى، ويبعثه ليجازيه بأعماله يوم القيامة، فالذي أحياها أول مرة من الطين ومن ماء مهين، هو الذي يعيدها يوم القيامة بعدما صارت رميماً وتراباً، وهو الذي جعل له من الشجر الأخضر ناراً أيضاً هو بقدرته سبحانه وتعالى، جعل له من الشجر الأخضر ناراً، ومن الحجر ناراً، ومن الكبريت ناراً، هذا خلقه سبحانه وتعالى، يقول أئمة اللغة: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، يعني: المرخ والعفار ناره أكثر إذا حك بعضه ببعض، ثم هو الحطب توقد به النيران، ويستوقد به الناس وهو من الشجر، أخضر ثم ييبس ويستعمل توقد منه النار أيضاً، جميع أنواع الشجر، من قبل مجيء الكهرباء الناس على الله ثم على هذا الحطب، فالمقصود أن الشجر إذا يبس يستوقد منه النار، وينتفع به، وبعض الشجر الأخضر كذلك يستوقد منه النار.

    المقدم: كذلك رسالة من المستمع (ن.ع) من الموصل، بعث بها ويسأل فيها أيضاً عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ [طه:96]، يقول: إنه رجع إلى عدة مصادر لكنه لم يفهم تفسير هذا الجزء من هذه الآية الكريمة، ويرجو من سماحتكم تفسيرها، جزاكم الله خيراً؟

    الشيخ: الله المستعان! هذا يؤجل إلى وقت آخر.

    1.   

    مسألة العبد مسير أم مخير

    السؤال: أما الرسالة التالية فهي رسالة المستمع يونس النور عثمان يسأل ويقول: أرجو أن تتفضلوا بإجابتي عن السؤال التالي: هل الإنسان في هذه الحياة مسير أو مخير، مع اصطحاب جميع الأدلة جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الإنسان مخير ومسير جميعاً ، له الوصفان: هو مخير؛ لأن الله أعطاه عقلاً وأعطاه مشيئة، وأعطاه إرادة يتصرف بها؛ فيختار النافع ويدع الضار، يختار الخير ويدع الشر، يختار ما ينفعه ويدع ما يضره، كما قال تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:28-29] ، قال عز وجل: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ [الأنفال:67]، فالناس لهم إرادة ولهم مشيئة، ولهم أعمال، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8] .. إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، فلهم أعمال ولهم إرادات، ولهم مشيئة، فهم مخيرون، فإذا فعلوا الخير استحقوا الجزاء من الله فضلاً منه سبحانه وتعالى، وإذا فعلوا الشر استحقوا العقاب، فهم إذا فعلوا الطاعات فعلوها باختيارهم، ولهم الأجر عليها، وإن فعلوا المعاصي فعلوها باختيارهم، وعليهم وزرها وإثمها، والقدر ماضٍ فيهم، هم أيضاً مسيرون بقدر سابق، قال جل وعلا: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [يونس:22].

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس)، قال سبحانه: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد:22]، قال جل وعلا: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، ولما سأل جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان؟ قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)، فالله قدر الأشياء سابقاً، وعلم أهل الجنة وأهل النار، وقدر الخير والشر والطاعات والمعاصي، وكل إنسان يسير فيما قدر الله له، وكل ميسر لما خلق له.

    في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه ذات يوم: (ما منكم من أحد إلا وقد بين مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: يا رسول الله، ففيم العمل؟ -يعني:ما دامت مقاعدنا معروفة من الجنة والنار- قال عليه الصلاة والسلام: اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم تلا قوله سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل:5-10].

    فأنت يا عبد الله! عليك أن تعمل، ولن تخرج عن قدر الله سبحانه وتعالى، عليك أن تعمل وتجتهد في طاعة الله، وتسأل ربك التوفيق، وعليك أن تحذر ما يضرك، وتسأل ربك الإعانة على ذلك، وأنت ميسر لما خلقت له، كل ميسر لما خلق له، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

    1.   

    حكم زواج رجل من امرأة رضع مع أختها الكبرى

    السؤال: القضية التالية: قضية رضاع يقول: ما رأيكم في زواج رجل من امرأة رضع مع أختها الكبرى؟

    الجواب: إذا كان رضع من أمها خمس رضعات فأكثر فهو أخوها والنكاح باطل، إذا ثبت ذلك بالبينة الشرعية، أما إذا كان الرضاع أقل من خمس رضعات، أو كان فيه شك، ليس هناك من يضبطه، فالزواج صحيح ولا يضره ذلك، والحمد لله.

    1.   

    حكم المسح على الجوربين

    السؤال: أما الآن فمع رسالة من أحد الإخوة المستمعين يقول: صلاح عبد الرحمن ، الأخ صلاح يسأل عن الجوارب ولبسها ولاسيما في الشتاء فيقول: هل لبس جوزين من الجوارب يقومان مقام الخفين، وحتى إذا كان أحد الجوربين قد تشقق أو فيه بعض الخروق وتظهر منه البشرة؟ وماذا إذا أصابته نجاسة، هل تؤثر على المسح عليه؟ وهل الماء المستعمل في الاستنجاء إذا أصابه أثناء الاستنجاء، هل يغسل الجوربين أم لا، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: لا مانع من المسح على الجوربين ولو لبس عدة جوارب، إذا سترت القدمين فلا بأس أن يمسح عليهما إذا لبسهما على طهارة، والجورب الواحد يكفي إذا كان ساتراً للقدمين ولبسه على طهارة؛ فإنه يمسح عليه يوماً وليلة بعد الحدث، إذا كان مقيماً، أما إذا كان مسافراً فيمسح ثلاثة أيام بلياليها، ولو جمع جوربين أو ثلاثة للدفء وجعل بعضها فوق بعض وهي ساترة مسح عليها، ولو كان بعضها لا يستر، إذا ستر أحدها فالباقي تبع، المهم أن يستر أحدها، إذا ستر القدم كله مع الكعبين يمسح عليهما كما يمسح على الخفاف من الجلد، أما إذا كانت تصف البشرة لا تستر، سواء واحد أو أكثر ما ستر البشرة لا يمسح عليه، لا بد أن يكون واحد منها ساتراً أو كلها ساترة، وإذا كانت نجسة لا يمسح عليها، بل تجب إزالتها حتى تغسل وتطهر من النجاسة، وإذا أصابه شيء من ماء الاستنجاء قبل أن تزول النجاسة يغسلها، أما إذا كانت النجاسة قد زالت وأصابه ماء بعد الطهر، يعني استعمله المستنجي بعدما زالت النجاسة.. ماء نظيف ما يضر، إذا كانت النجاسة قد زالت وطهر المحل، أما إن أصابه بعض الرشاش من الماء الذي تلطخ بالنجاسة فإنه ينجس الجورب، وعليه غسل الجورب ولا يمسح عليه حتى يغسله.

    1.   

    حكم بيع السلعة المشتراة بالآجل قبل سداد قيمتها

    السؤال: يقول: إذا اشتريت بضاعة بثمن مؤجل، وبعتها قبل أن يأتي أجل سدادها، هل لي أن أنتفع بثمنها في البيع والشراء قبل أن يحين أجل السداد؟

    الجواب: نعم، لا بأس عليك، تنتفع بثمنها وإذا جاء وقت السداد تسدد من ثمنها وإلا من غيره، لا يلزمك حتى يحضر الأجل.

    1.   

    حكم من مس شيئاً نجساً وبشرته رطبة

    السؤال: يسأل ويقول: إذا كانت ملابس الشخص مبللة بالماء أو بدنه ولامس ما هو نجس أو يشك في نجاسته؛ هل يؤثر هذا على طهارة البدن أو الملابس خاصة؟

    الجواب: إذا لمس بيده وهي رطبة ما يشك في نجاسته ما عليه شيء، الأصل الطهارة، أما إن لمس شيئاً رطباً نجساً، أو يده رطبة فيها ماء ولمس النجس يغسل يده فقط، والباقي ما يضره، ولا يلمس بقية جسده بالنجاسة، فإن لمس شيئاً من جسده بالنجاسة غسل ما لمسه فقط من بدنه، لا ينبغي له الوسوسة، ينبغي له أن يتقيد بما حصلت به النجاسة فقط، في يده يغسلها، لمس طرف ثوبه يغسل طرف ثوبه، لمس رجله برطوبة النجاسة يغسل طرف رجله وهكذا.

    1.   

    حكم بقاء المرأة مع زوج تارك للصلاة

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من دمشق باعثتها إحدى الأخوات تقول:( صباح . ح) أختنا لها قضية مع زوجها تقول فيها: أحببت أن أعرض على سماحتكم مشكلتي التي تؤرقني وتحرمني لذة العيش وراحة البال، فأنا امرأة متزوجة منذ تسعة أعوام، وأنا والحمد لله أصلي وأتعبد الله وألبس اللباس الشرعي وأسير على هدي القرآن الكريم، والسنة المحمدية في حياتي، تقبل الله مني ومنكم ومن جميع المسلمين، أما زوجي وعمره أربعون سنة فلا يصلي ولا يتعبد، فقط يصوم شهر رمضان، وقد حاولت كثيراً أن أهديه إلى الطريق الصحيح، وأحثه على الصلاة والعبادة، وأقرأ له بعض الآيات والأحاديث النبوية التي تحث وتدعو إلى الصلاة وترغب فيها، وعقاب تارك الصلاة، ولكنه لا يقبل الهداية، وإن أنا ألححت عليه بدأ يسب ويلعن، وقال لي عدة مرات: إنني إن ألححت عليه فسوف يطردني من البيت، وأنا فكرت عدة مرات بطلب الطلاق منه، ولكن أهلي لا يستقبلونني وأولادي الثلاثة، وأنا في حيرة من أمري، وخاصة بعد أن سمعت أنه محرم على الزوجة أن تحيا مع زوج لا يصلي، ماذا أفعل؟ إنني في حيرة من أمري، وأكاد أفقد عقلي من كثرة التفكير، أفتني يا سماحة الشيخ جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الواجب عليك الذهاب إلى أهلك، والتخلص من هذا الزوج الظالم لنفسه؛ لأن ترك الصلاة كفر وضلال، وقد ذهب جمع من أهل العلم رحمة الله عليهم إلى أن من تركها كفر كفراً أكبر وإن لم يجحد وجوبها، وزوجك هذا ليس ببعيد أنه يجحد وجوبها بسبب عناده وتركه لها، وبكل حال فالصواب أن من ترك الصلاة عمداً كفر وإن لم يجحد وجوبها، أما إذا جحد وجوبها أو استهزأ بها فهذا كافر بالإجماع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، خرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.

    وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رضي الله عنه ورحمه: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.

    فذكر عن الصحابة أنهم يرون ترك الصلاة كفراً دون بقية الأعمال كالصوم ونحوه، فالواجب عليك البعد عن هذا الرجل والذهاب إلى أهلك، أو إلى مكان تستقلين فيه أنت وأولادك؛ وأبشري بالخير والعاقبة الحميدة، نسأل الله له الهداية، نسأل الله أن يهديه وأن يعيذه من شر نفسه وشيطانه، وعليك بالاجتهاد في نصيحته بواسطة من يعرفه من الرجال الطيبين، لعل الله يهديه بأسبابهم، أما أنت فلا تمكثي عنده، ولا تمكنيه من نفسك، لا في جماع ولا في غيره، هذا هو الصواب وهذا هو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة، ونسأل الله لك تفريج الكربة وتيسير الأمر، ونسأل الله له الهداية والرجوع إلى الصواب، ونسأل الله أن ييسر له من الإخوان الطيبين من يرشده ويعينه على طاعة الله ورسوله، وأن يرزقه الاستقامة والبصيرة، إنه سميع قريب.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ تقول: إنها حاولت أن تذهب إلى أهلها فلم يستقبلوها؟

    الشيخ: ولو ولو، متى صدقت يسر الله أمرها، أو تستقل في بيت وحدها مع أولادها والحمد لله.

    المقدم: الله المستعان، إذاً ستبقى مشكلة النفقة حينئذٍ سماحة الشيخ؟

    الشيخ: يسهل الله الأمر، تتصل بمندوبنا الشيخ سعد الصحين في سوريا وفي الأردن؛ وهناك إن شاء الله يساعدها في السكن.

    المقدم: جزاكم الله خيراً.

    سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء، أتوجه لكم بالشكر الجزيل -بعد شكر الله سبحانه وتعالى- على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    الشيخ: وفق الله الجميع، نسأل الله ذلك.

    المقدم: اللهم آمين مستمعي الكرام! كان لقاؤنا هذا مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755983846