إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (409)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تفسير آية الكرسي

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب.

    رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: حياكم الله.

    ====

    السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع مستور حامد عبد الله السواط من طريق الجنوب، أخونا مستور بعث بجمع كبير من الأسئلة، في أحد أسئلته يسأل عن تفسير آية الكرسي، فلو سمحتم سماحة الشيخ تتفضلون بتفسيرها له؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فآية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي قوله عز وجل: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] هذه آية الكرسي وهي آية طويلة، وهي أعظم آية في كتاب الله، قد اشتملت على معانٍ عظيمة من جهة توحيد الله وإثبات أسمائه وصفاته، وعموم علمه وقدرته جل وعلا، فقوله سبحانه: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] هذه معنى كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فإن معناها: الله لا إله إلا هو، يعني: لا معبود حق إلا هو، الله لا معبود حق سواه، والإله هو المعبود، والتأله هو التعبد، فمعنى لا إله أي: لا مألوه، والمألوه معناه المعبود، أي: لا معبود حق إلا الله وهو الحي القيوم سبحانه وتعالى، الحي الذي لا يموت، ولا يعتريه سنة وهي النعاس، ولا نوم وهو ما فوق النعاس، لكمال حياته، فلا نوم ولا موت ولا نعاس ولا غفلة، بل هو في غاية من العلم والقدرة والبصيرة بأحوال العباد سبحانه وتعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] فهو حي حياة كاملة لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا غفلة ولا نوم ولا نعاس ولا موت ولا غير ذلك من الآفات، وهو القيوم القائم على أمر عباده والمقيم لهم سبحانه، وهو المقيم لمخلوقاته وهو الحافظ لمخلوقاته، فلا قوام للعباد ولا للمخلوقات إلا به سبحانه وتعالى، فهو الذي أقام السماوات وأقام الأرض وأقام كل شيء، كما قال سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25] وهو المقيم للخلائق والحافظ لها والموجد لها والمعدم لها، فهو على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعدها: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] يعني: لا تصيبه ولا تعتريه سنة وهي النعاس وهي النوم الخفيف، ولا نوم وهو النوم الثقيل، فلا يعتريه غفلة ولا نعاس ولا نوم ولا موت، بل حياته كاملة سبحانه وتعالى، ثم قال عز وجل: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] يعني: هو المالك لكل شيء، هو المالك للسماء وما فيها، والأرض وما فيها، كما قال جل وعلا في آخر سورة المائدة: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، وقال في آية أخرى لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:49] فهو سبحانه المالك للسماوات والمالك للأرض والمالك لما فيهما والمالك لكل شيء جل وعلا.

    ثم قال سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] أي: لا أحد يستطيع أن يشفع إلا بإذنه سبحانه، يعني: يوم القيامة لا يتقدم أحد يشفع حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، حتى يأذن له، وما ذاك إلا لعظم مقامه وجبروته وكونه سبحانه المستحق لأن يعظم ويجل وأن لا يتقدم بين يديه إلا بإذنه سبحانه وتعالى وفي حديث الشفاعة: (فإذا اشتد الكرب يوم القيامة بالناس فزع المؤمنون إلى أبيهم آدم ليشفع لهم إلى الله حتى يقضي بينهم، فيعتذر آدم ثم يحيلهم على نوح، فيأتون نوحاً فيعتذر عليه الصلاة والسلام ويقول: اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيعتذر ويقول: اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيعتذر وكل واحد يقول: نفسي نفسي، فيقول لهم موسى: اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فيأتون محمداً عليه الصلاة والسلام، فيقول: أنا لها ثم يتقدم فيسجد بين يدي ربه ويحمد بمحامد عظيمه ويثني عليه سبحانه بمحامد يفتحها عليه، ثم يقال له: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فعند ذلك يشفع عليه الصلاة والسلام في الناس أن يقضي الله بينه) فيقضي الله بين عباده بشفاعته، ثم بعد القضاء يصير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، ويوقف أهل الجنة لا يدخلونها حتى يشفع فيهم عليه الصلاة والسلام، فيشفع لأهل الجنة حتى يفتح لهم أبوابها بشفاعته عليه الصلاة والسلام، أما في الدنيا فكل إنسان يدعو ربه مأمور بالدعاء، كما قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، كونه يدعو ربه ويسأل ربه أن يغفر له ويدخله الجنة وينجيه من النار، ويطلب من إخوانه أن يدعو له أن الله يغفر له لا بأس بهذا، لكن يوم القيامة لا أحد يتقدم إلا بإذنه سبحانه وتعالى، الأنبياء وغيرهم لا أحد يشفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26] وقال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى [الأنبياء:28].

    فالشفاعة لا تكون لمن رضي الله قوله وعمله، وهم أهل التوحيد والإيمان، هم الذين يشفع فيهم الأنبياء، أما أهل الشرك فلا شفاعة لهم، كما قال تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]، قال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] ومعنى الظالمين، يعني: المشركين، الظلم إذا أطلق فهو الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فمعنى قوله سبحانه: مَا لِلظَّالِمِينَ [غافر:18] يعني : ما للمشركين مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] فالمشرك لا تنفعه الشفاعة ولا يشفع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا المؤمنون، بل ليس له إلا النار يوم القيامة نعوذ بالله من ذلك، وإنما الشفاعة لأهل التوحيد والإيمان ولعصاة الموحدين، أما الشفاعة في أهل الموقف فهي عامة لأهل الموقف كلهم من الكفار وغيرهم في أن يقضى بينهم، فهذه شفاعة عامة في القضاء بين الناس، يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم للقضاء بينهم، فيقضي الله سبحانه بينهم بحكمه العدل جل وعلا كما تقدم.

    ثم قال سبحانه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255] يعني: هو العالم بأحوال عباده لا يخفى عليه خافية جل وعلا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ما مضى وما يأتي، ويعلم أحوال عباده الماضين والآخرين، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75]، وقال تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] فهم لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما أطلعهم عليه سبحانه وتعالى، أما هو فهو العالم بأحوال عباده كلها، ماضيها ولاحقها، يعلم أحوالهم وما صدر منهم وما ماتوا عليه وما لهم في الآخرة، يعلم كل شيء سبحانه وتعالى، قال تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال:75]، ويقول هنا: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة:255] فهم لا يعلمون ما عنده إلا بتعليمه سبحانه وتعالى بإطلاعه لهم على يد الرسل عليهم الصلاة والسلام، أو بما يجري الله لهم في الدنيا من مخلوقات وأرزاق وأشياء يطلعهم عليها سبحانه وتعالى.

    ثم قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] الكرسي: مخلوق عظيم فوق السماء السابعة غير العرش، قال ابن عباس: هو موضع قدمي الرب عز وجل، وقال بعض أهل العلم: إنه العرش؛ لأن العرش يسمى كرسي، والمشهور الأول: أنه مخلوق عظيم فوق السماء السابعة غير العرش الذي هو عرش الله سبحانه وتعالى، يعني: فوقه الله عز وجل، المذكور في قوله سبحانه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وفي قوله جل وعلا: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] في سبعة مواضع من كتاب الله، ذكر فيها استواءه على العرش سبحانه وتعالى، وهو مخلوق عظيم قد أحاط بالمخلوقات وهو سقفها، قال فيه جل وعلا: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17] يعني: يوم القيامة.

    وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] يعني: لا يكرث الرب ولا يثقله ولا يشق عليه حفظ المخلوقات سبحانه وتعالى، هو الحافظ للسماوات وهو الحافظ للأرض وما فيهما، ولا يشق عليه ذلك ولا يكرثه ولا يثقله سبحانه وتعالى؛ لأنه القادر على كل شيء، ولهذا قال سبحانه: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة:255] يعني: لا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه، بل هو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى.

    وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] له العلو المطلق علو الذات فوق العرش، وعلو القهر والسلطان، وعلو الشرف والقدر سبحانه وتعالى، فله العلو الكامل سبحانه وتعالى، فهو العالي فوق جميع خلقه جل وعلا فوق العرش، وهو العالي من جهة كمال أسمائه وصفاته وسلطانه وقدرته جل وعلا، وله الشرف والفضل، فهو أفضل شيء وأشرفه سبحانه وتعالى، فله علو القهر والسلطان وعلو الشرف والقدر وعلو المكان فوق العرش، قال تعالى: فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر:12]، وقال تعالى هنا: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] فهو العلي فوق جميع خلقه، القادر على كل شيء، العظيم السلطان، المتصرف في عباده كيف يشاء، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، فله العظمة الكاملة سبحانه وتعالى، فلا أعظم منه ولا أكبر ولا أعلم ولا أقدر سبحانه وتعالى.

    فهذه الآية العظيمة فيها هذه الصفات العظيمة، ولهذا صارت أفضل آية في كتاب الله، وأعظم آية في كتاب الله؛ لكونها اشتملت على هذه المعاني العظيمة والأوصاف العظيمة للرب عز وجل، وأنه الحي القيوم، وأنه لا معبود بحق سواه، وأنه كامل الحياة لا تعتريه سنة ولا نوم، وأنه المالك لكل شيء، وأنه العالم بكل شيء، وأنه لا يئوده حفظ مخلوقاته ولا يشق عليه ذلك، بل هو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن كرسيه قد وسع السماوات والأرض سبحانه وتعالى، وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه لكمال قدرته وكمال عظمته، وأنه العلي العلو المطلق، كعلو الذات، وعلو القهر والسلطان، وعلو الشرف والقدر، وهو العظيم الذي لا أعظم منه سبحانه وتعالى، عظيم في ذاته، عظيم في أسمائه وصفاته وأفعاله، قاهر فوق عباده، كما قال جل وعلا: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18] وهو القائل جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20]، وقال سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا [الكهف:45] وبهذا يعلم كل مؤمن وكل مؤمنة عظم شأن هذه الآية، وأنها آية عظيمة مشتملة على صفات عظيمة، ولهذا صارت بحق أعظم آية في كتاب الله عز وجل بنص المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، والله ولي التوفيق.

    1.   

    الحكمة من الاستعاذة من فتنة المحيا والممات والدجال

    السؤال: يسأل أخونا أيضاً ويقول: أمرنا بالاستعاذة من فتنة المحيا وفتنة الممات والمسيح الدجال، حبذا لو شرحتم لنا هذا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا مشروع للمؤمن والمؤمنة في كل صلاة، السنة لكل مؤمن ولكل مؤمنة أن يختم صلاته بالاستعاذة بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه كان بعدما يتشهد في آخر الصلاة وقبل أن يسلم يستعيذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ، وكان يأمر بهذا ويقول: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) فالمشروع للمؤمن وللمؤمنة التعوذ من هذه الأربع.

    وذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذا سنة مؤكدة، وروي عن طاوس التابعي الجليل ما يدل على أن ذلك واجب، وروي عنه أنه أمر ولده لما لم يقلها في الصلاة أن يعيد الصلاة، فهذا يدل على تأكد هذه الدعوات، وأنه ينبغي للمؤمن أن لا يدعها في أي صلاة، النافلة والفريضة قبل أن يسلم، يقول: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال )، وإن شاء قال: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال)، فهي دعوات عظيمة، قال أنس رضي الله عنه: (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) فإذا دعا بذلك في آخر الصلاة كان حسناً، وهكذا في السجود إذا دعا بذلك لا بأس، فالسجود محل للدعاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) المعنى: حري أن يستجاب لكم.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، كأنه يطلب التمثيل لفتنة الممات وفتنة المسيح الدجال ، شيخ عبد العزيز وفتنة المحيا أيضاً؟

    الشيخ: الإنسان معرض للفتن في حياته وعند الموت، وقد يعرض في الحياة للمعاصي، قد يعرض للبدع، قد يعرض للكفر بالله عز وجل ويفتن، إما بسبب المال أو بسبب الشهوات والمعاصي أو بسبب جلساء السوء، فيقع فيما يغضب الله عليه من كفر أو بدعة أو معصية، في حال حياته أو عند الموت نسأل الله العافية، وقد يفتن بـالمسيح الدجال إذا تأخر زمانه، فإن المسيح يخرج في آخر الزمان يدعي أنه نبي ثم يدعي أنه رب العالمين، ويتبعه جم غفير من الناس نعوذ بالله، ويهلكون بأسبابه، فالإنسان يسأل ربه أن يعيذه من هذه الأمور؛ لأنه لا يدري هل يسلم أو ما يسلم؟! فيسأل ربه العافية من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، هو بحاجة إلى هذا الدعاء؛ حتى لا يفتن في حياته ولا عند موته، وحتى لا يدرك المسيح الدجال فيفتن به، نسأل الله السلامة.

    1.   

    مقتضيات لا إله إلا الله

    السؤال: يسأل هذا السؤال ويقول: ما هي مقتضيات: لا إله إلا الله؟

    الجواب: هذه الكلمة أعظم كلمة، وهي كلمة التوحيد، ولا يدخل العبد في الإسلام إلا بتحقيقها والإيمان بها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وهي أول كلمة دعا إليها الرسل: لا إله إلا الله، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما بعثه الله أول كلمة دعا إليها: لا إله إلا الله، مع الإيمان به وأنه رسول الله، وهي تقتضي إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه المعبود بالحق، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم، وأنه المستحق لأن يعبد ويطاع أمره، وتقتضي أن يؤمن العبد بأن الله هو خالق العبد وأنه أعد له جنة وناراً، وأنه لابد من لقائه ربه، فإما الجنة وإما النار، فهذه الكلمة هي أصل الدين وأساس الملة، وهي العروة الوثقى، فلابد من الإيمان بها واعتقاد معناها وأنه لا معبود حق إلا الله، وهذا الاعتقاد يقتضي طاعة الأوامر وترك النواهي، هي تقتضي أن تؤدي حقه بأن تعبده بصلاتك وصومك وزكاتك وحجك وصيامك وغير ذلك، معنى التأله: التعبد، معنى لا إله إلا الله، أي: لا مألوه حق إلا الله، يعني: لا معبود حق إلا الله، فالواجب عليك أن تألهه وتعبده بصلاتك وصومك وزكاتك وحجك وجهادك وسائر عباداتك، تخص بها الرب سبحانه وتعالى وتعبده وحده، ترجو ثوابه وتخشى عقابه سبحانه وتعالى.

    وهكذا من مقتضياتها أن تؤمن بما حرم الله عليك من الشرك والمعاصي، وأن تبتعد عن ذلك وتحذر ذلك.

    1.   

    حكم وفاء من نذر ألا يأكل سوى وجبتين في اليوم

    السؤال: سنعود إلى بقية أسئلة أخينا في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى، أما الآن فهذه رسالة المستمعة: (ج. م. م) من الكويت، بعثت برسالة تقول فيها: لسبب صحتي نذرت أن لا آكل سوى وجبتين في اليوم فقط، وحيث أنني طالبة وأعود إلى المنزل سيراً على الأقدام، فقد أصبحت أجوع جوعاً شديداً، والفترة بين الغداء ووجبة الإفطار في اليوم التالي متباعدة، ماذا أفعل؟ هل أستمر، أم أن علي كفارة فيما إذا أردت أن آكل وجبة ثالثة، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: هذا يسمى: نذراً مباحاً أو نذراً مستحباً على الأكثر بقصد الاقتصاد أو لقصد النشاط في العبادة، أو لقصد النشاط في طلب العلم، فلا بأس إذا أكلت أزيد من ذلك وعليك كفارة اليمين، هذا النذر ليس بواجب، ليس طاعة لله يجب الوفاء به، بل هذا قصاراه أن يكون مباحاً، فعليك كفارة اليمين والحمد لله: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وتأكلين ثلاث وجبات أو أكثر لا بأس بذلك.

    1.   

    حكم الجمع والقصر للمسافر طوال مدة السفر غير المحددة

    السؤال: المستمع (م. ص. م) من الرياض بعث برسالة ضمنها عدداً من الأسئلة، في سؤاله الأول يقول: رجل سافر ولم يكن يعلم كم سيبقى في البلدة التي سافر إليها، فجمع وقصر صلواته حتى ارتحل إلى منطقة أخرى ليست أيضاً محل إقامته، والسؤال: هل الجمع والقصر مقترنان على الدوام؟ وهل يستمر الرجل في الجمع والقصر معاً، أم يكتفي بالقصر دون الجمع، أفيدونا رعاكم الله، وأرجو أن يكون ذلك مفصلاً؟

    الجواب: القصر سنة من سنن السفر، سنة مؤكدة؛ وهو أن يصلي ركعتين، الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين، هذا القصر، كان النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره يقصر يصلي ركعتين عليه الصلاة والسلام حتى يرجع، فالذي قصد قرية ولا يعلم ماذا يقيم فيها، هل يقيم يومين أو ثلاثة أو أكثر؟ فهذا السنة له أن يقصر الرباعية: الظهر، والعصر، والعشاء، إلا إذا كان وحده فإنه يصلي جماعة ويصلي مع الناس أربعاً ولا يصلي وحده؛ لأن الجماعة واجبة، أما إذا كان معه أصحاب فإنهم يصلون ثنتين، وإن صلوا مع الجماعة صلوا أربعاً ما داموا لا يعلمون مدة إقامتهم، أما الجمع فهو رخصة وليس مثل القصر، إن احتاج إليه فعله وإلا تركه، فإذا كان على ظهر سير مسافر جمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء، أما إذا كان مستريحاً نازلاً فالأفضل أن يصلي الظهر وحدها والعصر وحدها والمغرب وحدها والعشاء وحدها في وقتها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل يصلي كل صلاة في وقتها، كما فعل في منى في حجة الوداع، كان يصلي كل صلاة في وقتها، وهكذا في غالب أسفاره إذا أقام يصلي كل صلاة في وقتها، أما إذا دعت الحاجة إلى الجمع؛ لكونه على ظهر سير أو لأجل المشقة في عدم الجمع، فإنه يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً، إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لبرد أو قلة ماء أو ما أشبه ذلك من الأسباب.

    والواجب عليه أن يؤدي الصلاة في الجماعة، وإذا كان ما معه أحد يصلي مع الناس ويتم أربعاً؛ لأن المسافر إذا صلى مع المقيم صلى أربعاً، أما لو صلى وحده فاتته الصلاة مع المقيمين يصلي ثنتين.

    1.   

    وقع النجاسة على الإنسان وأثرها على وضوئه

    السؤال: له سؤال آخر يقول: هل وقوع النجاسة على جسم الإنسان تلزمه بإعادة الوضوء، أم أنه يكفي إزالة النجاسة والصلاة دون إعادة الوضوء؟

    الجواب: إذا وقعت على جسم الإنسان نجاسة بعد الوضوء، بأن وقع عليه شيء من بول صبي أو غير ذلك من أنواع النجاسة، فإنه يغسل محل النجاسة ويكفي، ولا يعيد الوضوء، بل يغسل ما أصاب النجاسة من ثوب أو بدن وليس عليه أن يعيد الوضوء، أما إذا كانت النجاسة من نفسه بأن خرج منه البول فهذا يستنجي ويعيد الوضوء، أما لو أصابه نجاسة من طفل عنده، أو من غيره، أو سقط عليه دم، يغسل ما أصابه ويكفي والوضوء صحيح.

    1.   

    حكم الشك في عدد السجدات بعد مضي ركعة أخرى

    السؤال: رجل شك في عدد السجدات، وقد كان في ركعة أخرى بعدها، ماذا يفعل؟

    الجواب: إذا شك هل سجد سجدتين أو ثلاثاً فالأصل أنها سجدتان وما عليه شيء، أما إذا شك هل سجد سجدة أو سجدتين فهذا يجعلها سجدة ويأتي باليقين، يسجد سجدة ثانية، وإذا شك في ذلك بعدما مضت الركعة وصار في ركعة ثانية يعتبر الركعة الأولى لاغية .. وتقوم الأخرى مقامها، ويأتي بركعة زائدة بدل الركعة التي ترك منها السجود، أو شك في السجود الذي تركه منها؛ لأن الواجب أن يأتي بالأركان كاملة عن يقين، فإذا صلى ركعة ثم في الركعة الثانية بعد الركوع أو في السجود حصل عنده شك في الركعة الأولى هل سجد سجدتين أو واحدة، فإنه يعتبرها واحدة يقيناً وتكون الثانية بدلاً منها، ويأتي بأخرى ويسجد للسهو، أما لو كان الشك بعد السلام فإنه لا يلتفت إلى ذلك وصلاته صحيحة وليس عليه سجود سهو ولا غيره؛ لأن العبادة قد تمت وانتهت.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755993135