إسلام ويب

واعبد ربك حتى يأتيك اليقينللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثير من المسلمين يقبلون على العبادة في رمضان، فإذا ولى رمضان تولوا عن العبادة، وكأن رب رمضان غير رب شوال!! والعبادة هي الغاية من الخلق، فيجب على المسلم أن يلزمها حتى يلقى ربه.

    1.   

    انتهى رمضان وبقي الرحيم الرحمن

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء، وأيتها الأخوات الفاضلات، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في أول لقاء لنا بعد رمضان. وسأرتب الحديث مع حضراتكم بإذن الله تعالى في هذا الموضوع المهم في العناصر التالية: أولاً: انتهى رمضان وبقي الرحيم الرحمن. ثانياً: حقيقة العبادة. ثالثاً: لا تفارق العبادة حتى تلقى الله. وأخيراً: أليس الله أهلاً لأن يعبد؟ فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يتقبل منا ومنكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]. أولاً: انتهى رمضان وبقي الرحيم الرحمن. أحبتي الكرام! لقد انتهى شهر رمضان، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، وقبل فيه من قبل، وطرد فيه من طرد، فيا ترى من المقبول لنهنئه؟! ومن المطرود لنعزيه؟! نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من المقبولين. انتهى هذا الشهر بأنفاسه الخاشعة الزاكية، لكن الذي يؤلم القلب أننا نرى إعراضاً وفتوراً عن كثير من الطاعات بعد انقضاء رمضان، فإن كثيراً من المسلمين لا ينطلقون للعبادة إلا في رمضان، ومع أول فجر من شهر شوال ترى كثيراً منهم قد تفلت من عبادة الكبير المتعال وكأنه يعبد رمضان لا يعبد رب رمضان! وأود دوماً في مثل هذا اللقاء الأول بعد رمضان أن أذكر بأن قضية العبادة لله تبارك تعالى ليست قضية هامشية ولا موسمية، ولكنها القضية الأولى التي من أجلها خلق الله السماوات والأرض والجنة والنار، وأرسل من أجلها الرسل، وأنزل لأجلها الكتب، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، لا شك أن الله قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، فأنت ترى الناس في رمضان يقبلون على الطاعة بأريحية عجيبة وسهولة كبيرة؛ وذلك بفضل الله ابتداء، ولبركة الاجتماع في الطاعة انتهاء. فيا عين جودي بالدموع وودعي شهر الصيام تشوقاً وحناناً قد كان شهراً طيباً ومباركاً ومبشراً بالعفو من مولانا شهر يستجيب الله فيه لمن دعا ودليلنا قد جاءنا قرآنا شهر به الرحمن يفتح جنة للصائمين ويغلق النيرانا مرت لياليه الجميلة مسرعة كفيض يحمل رحمة وحنانا لله يا شهر التقى لا تنسنا واذكر لربك خوفنا ورجانا أيها الإخوة! أنا لا أنكر أن الله قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، لكن الذي يؤلم القلب أن كثيراً من المسلمين يتخلى عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فإن انتهى رمضان فقد بقي الرحيم الرحمن جل جلاله، وقد فرض العبادة على الموحدين في رمضان وفي غير رمضان، ومن ثم اخترت هذا العنوان: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] فما هي العبادة؟ وما حقيقة العبادة؟ هذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز بعد هذه المقدمة المختصرة.

    1.   

    حقيقة العبادة

    العبادة معناها في اللغة: الذل، يقال: طريق معبد، أي: طريق مذلل قد وطأته الأقدام، ولكن العبادة التي أمرنا بها تتضمن إلى معنى الذل معنى الحب، فمن خضع لله تبارك وتعالى بغير حب فليس عابداً لله، ومن ادعى أنه يحب الله دون استسلام لأمره ونهيه فليس عابداً لله، بل العبادة هي: كمال الحب لله مع كمال الذل لله جل وعلا، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، والإحسان إلى الجيران، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، ودروس العلم، والدعوة إلى الله، والتوكل على الله، والصبر لحكم الله، والشكر لله، والخوف من الله، والرجاء، والتفويض، والتوكل، والاستغاثة، والاستعانة، والإنابة، والابتسامة، والعمل الصادق، كل هذا من العبادة. فالعبادة تسع الحياة كلها إن صحت النية، وكان العمل موافقاً لهدي سيد البشرية، ومن أعظم الأدلة النبوية على هذه الرحمة الندية ما رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: (أن أناساً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الثور بالأجور -أهل الدثور هم أصحاب الأموال- ، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم -أي: بما زاد من أموالهم- ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أوليس الله قد جعل لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة -أي: في جماع الرجل امرأته صدقة- ، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته فيكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام، أيكون عليه وزر؟ قالوا: بلى، قال: فإن وضعها في الحلال فله فيها أجر). فالعبادة ليست أمراً على هامش الحياة، بل تسع العبادة الحياة كلها إن صحت النية، وكان العمل موافقاً لهدي سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، فلا تفهم العبادة فهماً جزئياً قاصراً، ولا ينبغي أن نصرف العبادة لله تعالى في شهر دون شهر، وفي زمان دون زمان، بل مقتضى العبودية لله تعالى أن يقول الرب جل جلاله: أمرت ونهيت، وأن يقول العبد المؤمن: سمعت وأطعت، هذا مقتضى العبودية، وهذا شعار المؤمن في أي أرض وتحت أي سماء وفي أي زمان: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، وقال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:51-52]. أما شعار المنافقين: فهو السمع والعصيان، هو السمع والأعراض، هو الصد عن دين الله وعن عبادته جل وعلا، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]، فمقتضى الإيمان: أن يسلم المؤمن قلبه وعقله وحياته للمصطفى؛ ليقوده إلى سعادة الدارين بوحي الله المعصوم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:3-5]. فالمؤمن الصادق ممتثل للأمر، مجتنب للنهي، وقاف عند الحدود في رمضان وفي غير رمضان؛ لأنه يمتثل أمر الله لنبيه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، وهذا هو عنصرنا الثالث: لا تفارق العبادة حتى يأتيك اليقين، أي: حتى تلقى الله.

    1.   

    لا تفارق العبادة حتى تلقى الله

    المؤمن يعبد الله حتى يلقى الله وهو على عبادة، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم اليقين بالموت كما في صحيح البخاري في قصة موت عثمان بن مظعون رضي الله عنه، وعثمان بن مظعون ممن شهد بدراً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، وهو أول من لقب بالسلف الصالح، وكان من الزهاد العباد، وثبت في رواية في سندها ضعف: (أن عثمان بن مظعون لما مات ذهب إليه المصطفى فقبله بين عينيه، وبكى حتى سالت دموع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خدي عثمان بن مظعون رضي الله عنه)، هذا الصحابي الجليل المبارك (لما مات قالت امرأة من الأنصار يقال لها أم العلاء : رحمة الله عليك أبا السائب -تقصد عثمان بن مظعون - شهادتي عليك أن الله أكرمك، فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقالت أم العلاء : سبحان الله! فمن يا رسول الله؟! -أي: فمن هذا الذي سيكرمه الله إن لم يكرم الله عثمان بن مظعون ؟! - فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: أما هو فقد جاءه اليقين -يعني: الموت- وإني لأجو له الخير، ثم قال المصطفى: والله ما أدري -وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم!). يا من غرتك عبادتك! ويا من غرتك طاعتك! ويا من ملأ قلبك العجب والكبر! ويا من غرك علمك! هاهو رسول الله أعرف الناس بالله، وأخشى الناس لله، وأتقى الناس لله، الذي غفر له مولاه ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول: (والله ما أدري -وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم)، اللهم ارزقنا حسن الخاتمة يا أرحم الراحمين. فاليقين هو الموت، فأنت مأمور أيها الموحد لله جل وعلا، وأيتها الموحدة لله جل وعلا؛ نحن مأمورون بأمر الله لنبيه أن نعبد الله جل جلاله حتى يأتينا اليقين، حتى يأتينا الموت ونحن على عبادة وطاعة لرب العالمين. قالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) أي: داوم عليه وحافظ عليه. وفي الصحيحين من حديث عائشة مرفوعاً: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). وفي صحيح مسلم من حديث أبي عمرة سفيان بن عبد الله قال: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: قل: آمنت بالله ثم استقم). استقم أيها الموحد لله .. استقم على العبادة .. استقم على الطاعة، لا ينبغي أن يروغ المؤمن روغان الثعالب، إن المؤمن مستقيم ثابت على طاعة الله، حتى ولو زلت قدمه بالمعصية، فإنه سرعان ما يجدد الأوبة والتوبة إلى الله جل وعلا: (قل: آمنت بالله ثم استقم)، وفي رواية الترمذي وأحمد : (قال: حدثني بأمر أعتصم به؟ قال: قل: ربي الله ثم استقم، قال: فما أخوف ما تخاف علي يا رسول الله؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، وقال: أخوف ما أخاف عليك هذا، وأشار المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى لسانه). فاستقم على طاعة الله، واعلم بأن الاستقامة على عبادة الله جل وعلا فضلها عظيم في الدنيا قبل الآخرة: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) على منهج الله .. على العبادة .. على الطاعة، (تتنزل عليهم الملائكة) متى؟ قال مجاهد وزيد بن أسلم : تتنزل عليهم الملائكة وهم على فراش الموت، في لحظات السكرات والكربات، في لحظات شديدة قاسية، تألم منها نبينا المصطفى نفسه، حتى قالت الصديقة بنت الصديق : والله لا أكره شدة الموت لأحد بعدما رأيت رسول الله. في هذه اللحظات تتنزل الملائكة على أهل الاستقامة، على أهل العبادة والطاعة بهذه البشارة الكريمة: (أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) من أنتم يا أصحاب هذه البشارة؟ سيأتي الجواب: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا) أي: في الجنة، (مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) أي: ما تريدون وما تطلبون، (نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) أي: ضيافة وإنعاماً وإكراماً من الله جل جلاله. قال ابن عباس وقتادة وابن أبي حاتم: تتنزل الملائكة على أهل الإيمان والاستقامة عند الخروج من القبور يوم البعث والنشور، في يوم الفضيحة الكبرى، نسأل الله أن يسترنا في الدنيا والآخرة، يوم يقوم الناس جميعاً إلى القبور حفاة عراة غرلاً، فإذا خرج أهل الاستقامة على طاعة الله وعبادة الله من القبور تلقتهم ملائكة العزيز الغفور بهذه البشارة الكريمة: (أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) * (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) * (نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ). ولا تعارض في الجمع بين القولين: فالملائكة تتنزل بالبشارة على أهل الاستقامة، على أهل الطاعة إذا ناموا على فراش الموت، وإذا خرجوا من القبور مرة أخرى، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]. لا تفارق العبادة حتى تلقى الله جل وعلا، ولو علم الواحد منا أن الموت لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل لظل في طاعة الله وفي عبادة الله حتى يأتيه هذا الغائب الذي لا علم لأحد بقدومه: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]. والله لا أعلم يقيناً هو أشبه بالشك من الموت لعدم استعدادنا له. هل من المسلمين أحد أو من المسلمات إلا والكل يعلم أنه سيموت؟ الموت حق لا مراء فيه ولا شك، ولكن من من المسلمين استعد لهذا اليقين بالطاعة والعبادة؟ لو جاء ملك الموت لأحدنا الآن فهل هو على استعداد بعمله الذي هو عليه للقاء الله؟ كان السلف رضوان الله عليهم إذا جاء أحدهم ملك الموت ربما لا يجد عنده من الطاعة ما يزيد؛ لأنه ممتثل للأمر، مجتنب للنهي، منتظر للقاء الرب جل جلاله في أي لحظة من اللحظات! فاعبد الله حتى يأتيك اليقين، حتى يأتيك الموت، وإذا كنت لا تدري متى سيأتيك الموت فاجعل كل أنفاسك طاعة لله، واجعل كل حياتك وحركاتك وسكناتك عبادة لله، وامتثالاً لأمره جل في علاه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. ولله در القائل: أيا عبد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا أنسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا ولو أن الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حياً وباقيا ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:19-22]. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أنك تموت والله حي لا يموت، (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب، (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، (ذلك ما كنت منه تحيد) أي: تجري وتهرب وتفر. تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ولكن ثم ماذا أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الوزير! ويا أيها الأمير! ويا أيها الصغير! ويا أيها الفقير؟! كل باك فسيبكى وكل ناع فسينعى وكل مدخور سيفنى وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى أيها الغافل! أيها اللاهي! أيها الساهي! يا من تركت القرآن بعد رمضان! يا من تركت الصلاة في جماعة بعد رمضان! يا من تحللت من الأوامر بعد رمضان! يا من تخليت عن الحساب بعد رمضان! يا من ضيعت قيام الليل بعد رمضان! يا من تركت الأذكار! يا من تخليت عن الصدقة في سبيل العزيز الغفار! (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ). دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل ف

    1.   

    أليس الله أهلاً لأن يعبد؟

    أليس الله أهلاً لأن يعبد؟! أليس الله أهلاً لأن يوحد؟! أليس الله أهلاً لأن يمجد؟! أليس الله أهلاً لأن يطاع؟! أليس الله أهلاً لأن نستحيي منه؟! أليس الله أهلاً لأن نراقبه؟! أليس الله أهلاً لأن نمتثل أمره .. ونجتنب نهيه .. ونقف عند حدوده على الدوام حتى نلقاه؟! هذا هو عنصرنا الرابع: أليس الله أهلاً لأن يعبد؟ أيها الجاحد بعبادة الله! أيها المنحرف عن أوامر الله! أيها البعيد عن طاعة الله! هل أحسن إليك بشر من الخلق وأنكرت إحسانه؟ بل تظل تعترف له طوال حياتك بالإحسان، فمن الذي أحسن إليك وأنت في العدم؟! ومن الذي أحسن إليك الآن؟! ومن الذي سيحسن إليك في الآخرة؟! من صاحب الإحسان؟! من صاحب النعم؟! من صاحب الفضل؟! من صاحب الكرم؟! من صاحب الجود؟! من الذي خلقنا من العدم وصورنا في أحسن صورة؟! من الذي أنزل علينا القرآن؟! من الذي بعث لنا محمداً عليه الصلاة والسلام؟! من الذي خلقنا موحدين وجعلنا من أمة سيد المرسلين؟! من الذي خلق لنا الكون وأمده بهذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟! من الذي خلقك في أحسن صورة؟! نظرك في نفسك يكفيك دليلاً على أن الذي يستحق أن يعبد على الدوام هو الله، ونظرك في الكون من حولك يكفيك دليلاً على أن الذي يستحق العبادة على الدوام هو الله، فالله أهل لأن يعبد، الله أهل لأن يوحد لذاته جل جلاله (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فوالله ما قدرنا الله حق قدره، والله ما قدرنا الله حق قدره، والله ما قدرنا الله حق قدره. جاء حبر من أحبار اليهود للمصطفى -والحديث في صحيح مسلم- فقال: (يا محمد! إنا نجد مكتوباً عندنا في التوراة: أن الله تعالى يجعل السماوات على إصبع، والأراضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والشجر على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم يهزهن ويقول: أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم قوله جل وعلا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]). لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك الكون مشحون بآيات إذا حاولت تفسيراً لها أعياك قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاك قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواك بل سائل الأعمى خطا وسط الزحام بلا اصطدام من يقود خطاك قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ء لدى الولادة ما الذي أبكاك وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاك واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث من ذا الذي صفاك وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواك وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساك وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من أسراك لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك الكون مشحون بآيات إذا حاولت تفسيراً لها أعياك من الذي يستحق أن يعبد؟! الله اسم لصاحبه كل كمال، الله اسم لصاحبه كل جمال، الله اسم لصاحبه كل جمال، الله هو الاسم الذي تستجاب به الدعوات، الله هو الاسم الذي تستنزل به الرحمات، الله هو الاسم الذي تقال به العثرات، الله هو الاسم الذي من أجله قامت الأرض والسماوات، الله هو الاسم الذي من أجله. أنزل الكتب وأرسل الرسل. الله اسم ما ذكر في قليل إلا كثره، الله اسم ما ذكر عند خوف إلا أمنه، الله اسم ما ذكر عند كرب إلا كشفه، وما ذكر عند بطش إلا أزاله. الله هو الذي يستحق أن يعبد وحده، وأن يمتثل لشرعه وحده، وأن يسمع له وحده، وأن يطاع وحده، وأن يراقب وحده، وأن يتوكل عليه وحده، وأن يحلف به وحده، وأن يستغاث به وحده، وأن يلجأ إليه وحده، وأن يفوض إليه وحده، وأن يسأل وحده، أئله مع الله؟! أئله مع الله؟! أئله مع الله؟! وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44]، فالذي يستحق أن يعبد وحده هو الله جل جلاله، لا في رمضان فقط، بل على الدوام حتى نلقاه. أسأل الله أن يختم لنا ولكم برضاه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    العبادة غاية

    الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! لا بد أن نعلم أن المنهج التعبدي من صيام وقرآن وصلاة وذكر وإنفاق وقيام لليل؛ إنما هو للوصول إلى هذا المنهج العقدي الإيماني. فالعبادة -أيها الأحبة- غاية من أجلها خلق الله الخلق: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، الهدف من هذه الغاية وهذا المنهج من صلاة وصيام وزكاة وحج؛ أن يرتقي المؤمن بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني، فنحن لا نريد أن نتعبد بعيداً عن هذا المنهج الإيماني العقدي؛ لأننا نريد للأمة الآن أن ترتقي بعبادتها هذه إلى المرتبة التي تكون بها أهلاً لنصر الله، فكم من مصل يصلي، وكم من صائم يصوم، وكم من قارئ للقرآن يتلو، وكم من قائم لليل يقوم، لكن لماذا منع الله النصرة عن الأمة؟! لماذا منع الله العزة عن الأمة؟! لماذا لم يمكن الله للأمة في الأرض ولم يستخلفها إلى الآن، مع أننا نرى المصلين والقارئين والمنفقين؟! أقول: أريد أن نرتقي بهذا المنهج التعبدي إلى المنهج العقدي الإيماني الذي نحقق به حقيقة الإيمان لنكون أهلاً للنصرة والعزة والاستخلاف والتمكين، قال الله: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، ولم يقل: نصر المصلين، ولا المتصدقين، فلا بد أن تورثك الصلاة حقيقة الإيمان، لا بد أن يرفعك هذا المنهج التعبدي إلى الإيمان الحق. فلنرب أنفسنا وأولادنا وبناتنا ونساءنا على هذا المنهج، التعبد من أجل أن نحقق الإيمان: نصوم، ونصلي، ونقرأ القرآن، ونقوم الليل.. إلى آخر أفراد المنهج التعبدي لنحقق الإيمان، لنكون أهلاً لنصرة الرحمن، لنكون أهلاً للعزة والاستخلاف والتمكين. أيها المصلي! لا تخرج من المسجد لتضع المنهج التعبدي الذي كنت عليه في بيت الله على عتبة بيت الله، فتكون في العمل والتجارة إنساناً آخر يختلف اختلافاً كلياً عما كنت عليه في المسجد، هذا هو حال كثير من المسلمين الآن، يصلي، ويصوم، ويخرج لأداء العمرة في رمضان، ولربما يسافر للحج، ولكنه قد أغلق الجانب التعبدي على نفسه، فإذا انطلق إلى الحياة الفسيحة الواسعة الرحبة يتفلت من أوامر هذا المنهج التعبدي الذي ألزم به نفسه داخل بيوت الله تبارك وتعالى: فترى امرأته متبرجة، وترى بناته متبرجات، وتراه يتعامل بالربا، وتراه يأكل الحرام، وتراه يسيء إلى الوالدين، وتراه يسيء إلى مرءوسيه أو إلى موظفيه، وتراه يؤذي جيرانه، وتراه يتورع عن أكل الحلال الطيب وهو صائم ولا يتورع عن أكل لحوم إخوانه وأخواته في الليل والنهار. لا يمكّن الله عز وجل لنا ونحن على هذه الحال أبداً، بل لا بد أن نعلم أن هذا المنهج التعبدي بأفراده وجزئياته هو لنحقق الإيمان الحق، فرب ولدك، ورب امرأتك، ورب نفسك بهذا المنهج التعبدي؛ لتصل إلى حقيقة الإيمان، لتحقق الإيمان، فالإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكنه: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان. ووالله لن نحقق نصرة أو عزة أو استخلافاً أو تمكيناً إلا إن حققنا الإيمان؛ لأن الله وعد بكل ذلك لمن حققوا الإيمان: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8] ، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]. هذا المنهج لا يجوز لك البتة أن تتخلى عنه حتى تلقى الله: الصلاة في جماعة .. الورد اليومي.. القرآن .. قيام الليل .. قيام الليل هو المدرسة التي أغلقتها الأمة فذلت، وخرجت منها الأمة فهانت. أقول: كم من المسلمين يتركون قيام الليل، أقول هذا وأنا أعي تمام الوعي أن كثيراً من المسلمين الآن لا يصلون الفجر، أسقطوا فريضة من فرائض الله مع الإصرار، يضبط المسلم ساعة الوقت على وقت العمل ويسقط صلاة الفجر! النبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث بريدة -: (من ترك صلاة واحدة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله)، مع سبق الإصرار والترصد يسقط صلاة الفجر. حافظ على الصلاة في جماعة .. قراءة القرآن .. قيام الليل .. تجديد التوبة .. المحافظة على الأذكار .. المحافظة على الأوراد اليومية .. المداومة على الذكر والاستغفار .. الحرص على البذل والإنفاق .. التذكير للنفس الأمارة بالسوء دوماً على أنك عبد لله كما كنت تذكرها وأنت صائم: اللهم إني صائم، اللهم إني صائم، فلتذكرها الآن: اللهم إني عبد لله، اللهم إني عبد لك فأعني، اللهم إني عبد لك فأعني، فكن دوماً على طاعة، وإن زلت قدمك لبشريتك فما عليك إلا أن تجذب ثيابك من بين أشواك المعاصي والذنوب، وأن تطهرها بدموع الأوبة والتوبة والندم، وأنت على يقين مطلق أن الله جل وعلا سيفرح بتوبتك وهو الغني عنك. هذا هو حال المؤمن دوماً حتى يلقى الله سبحانه وتعالى وهو ممتثل لأمره: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]. اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً. اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى. اللهم إني أسألك ألا تخرجنا اليوم من هذا المكان جميعاً إلا بذنب مغفور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، برحمتك يا عزيز يا غفور. اللهم تقبل منا صالح الأعمال، واغفر لنا ذنوبنا، واستر علينا عيوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار. اللهم إنا نسألك جميعاً أن تذيقنا جميعاً برد عفوك، وحلاوة مغفرتك، ولذة النظر إلى وجهك الكريم. اللهم كما آمنا بالمصطفى ولم نره فلا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وأوردنا حوضه الأصفى، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً يا أرحم الراحمين. اللهم إني أسألك أن تنصر الإسلام وتعز المسلمين، اللهم انصر إخواننا في فلسطين، وفي الشيشان، وفي الفلبين، وفي كشمير، وفي كل مكان. اللهم إني أسألك أن تجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في جهنم، ثم أعوذ به أن أذكركم به وأنساه. ولا أنسى أن أذكر أحبابي وإخواني بإخراج الحق الذي عليهم لله تبارك وتعالى لهذا المسجد الطيب المبارك؛ وذلك للدعوة، ولطبع بعض الكتيبات الهادفة النافعة إن شاء الله عز وجل. نسأل الله أن يجعل المال في أيدينا لا في قلوبنا، إنه ولي ذلك ومولاه، وأقم الصلاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756363278