إسلام ويب

كتاب الطهارة [24]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المسائل المشكلة في باب الحيض، مسألة: النقاء في زمن الحيض، وللعلماء فيها قولان رئيسيان: قول: بأن أيام النقاء تعتبر طهراً، والثاني: بأن أيام النقاء تعتبر حيضاً. وأما الدم الذي تراه الحامل أثناء الحمل، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من نفى الحيض أثناء الحمل واعتبر هذا دم فساد، ومنهم من أثبته، وبعض من أثبته جعله في الأشهر الثلاث الأولى فقط، ومنهم من جعله إلى آخر فترة الحمل، ما لم يعقبه سقط فيكون دم نفاس بالاتفاق.

    1.   

    وجود النقاء في زمن الحيض

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية: الحيضة المتقطعة ]، هذه المسألة يقال فيها: حكم تقطع الدم مع وجود نقاء بين الدماء.

    فالحائض مثلاً: تمكث يوماً وليلة أو يومين وهي ترى الدم، ثم ترى جفافاً تماماً، بحيث أنها لو أدخلت القطنة فرجها لخرجت جافة، أما لو أدخلت القطنة فرجها فخرجت متلوثة بقطرة أو حمرة أو صفرة فهذا دم حيض باتفاق، وأنها تصلي؛ لأن بقايا الدم لا تزال موجودة بالفرج.

    لكن لو أنها أبقت القطنة في فرجها فخرجت جافة بيضاء ليس فيها شيء، فهذا يسمى: النقاء، أو يسمى: نقاء بين دم.

    ثم مكثت بعد ذلك على هذه الصفة يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام، ثم جاءها الدم.. وهكذا، فهذا النقاء الحاصل يعتبر من الحيض أو من الطهر؟

    أقوال الفقهاء في النقاء الذي في زمن الحيض

    فللفقهاء هنا مسألتان:

    المسألة الأولى: الاعتداد بالأطهار، فمثلاً لا نقول: أنها لو حاضت يومين وطهرت يومين أو ثلاثة، ثم حاضت يومين أو يوم وليلة ثم طهرت، وكان هذا التقطع كله داخل الخمسة عشر يوماً، فلا نقول: إن كل طهر يحسب حيضة كاملة، فتنقضي عدتها في خلال خمسة عشر يوماً؛ لأن العلماء قد اتفقوا أن الطهر والدم في خلال الخمسة عشر يوماً يعتبر حيضة واحدة تحسب في العدة.

    إذاً: المسألة الأولى تنقسم إلى قسمين:

    أولاً: متقطعة يكون فيها أثر الدم، هذه لا تصوم ولا تصلي ولا شيء.

    ثانياً: المتقطعة، التي ترى جفافاً.. بحيث تدخل القطنة فتراها بيضاء فيكون بحثها على ما يلي:

    أولاً: نبحثها من حيث العدة: نقول: إذا كان التقطع ثلاثة أطهار في خلال خمسة عشر يوماً، أي: رأت الطهر ثلاث مرات في خمسة عشر يوماً، فهل يقال لها: انقضت عدتك بالخمسة عشر يوماً فنقول: لا، لاتفاق الفقهاء على أنها لا تنقضي عدتها، بهذه الطريقة.

    أقوال العلماء في حكم المرأة التي ترى الطهر في زمن الحيض

    فيبقى هل يجب عليها الصوم والصلاة، أو لا يجب عليها الصوم والصلاة؟ وهل يجوز لزوجها أن يأتيها أو لا يجوز لزوجها أن يأتيها في هذ الأيام التي هي جافة ولا ترى فيها شيئاً؟

    اختلف العلماء فيها إلى قولين:

    القول الأول: يطلق عليهم: أهل اللقط والتلصيق، هؤلاء قالوا: يجب عليها في أيام الجفاف أن تصلي، ويجب عليها أن تصوم، ويجوز لزوجها أن يأتيها، فإذا ما عاودها الدم فصومها صحيح، وزوجها لا إثم عليه، وهذا ما يسموه باللقط: يلقطوا أيام الطهر، لقط بين الحيضة، وقال بهذا القول الإمام أحمد والإمام مالك ، وهو رأي للشافعي اعتمده بعض أصحابه ليس الأكثر.

    والقول الثاني: وهو أنه إذا جف منها الدم، فإنا لا ندري أنه سيعود أو لا يعود، ولكن نوجب عليها الصوم ونوجب عليها الصلاة، ويجوز لزوجها أن يأتيها؛ لأن الظاهر أنها طهرت، فإذا ما جاءها الدم فصومها باطل يجب عليها أن تقضيه، وصلاتها باطلة، لكن لا تقضيها لأن الصلاة لا تجب على الحائض، وزوجها كان مخطئاً ولكنه لا إثم عليه وهذا ما يسمونه بالسحب، يعني: سحبوا أيام الحيض على أيام الطهر.

    وهذا القول لـأبي حنيفة واختاره، وهو قول لـلشافعي اعتمده جل أصحابه وهو الذي يفتى به عند الشافعية ويسمى السحب.

    فهذه هي المسألة وما قيل فيها، والمسألة على القولين، ولا يوجد لها دليل.

    الخلاصة عند تقطع الدم مع وجود النقاء بين الدماء حقيقة النقاء.

    وحقيقة النقاء هو: أن يصير فرجها بحيث لو جعلت القطنة فيه لخرجت بيضاء، أما التي يتقطع الدم ويبقى لون لو أدخلت في فرجها قطنة يخرج عليها أثر الدم من حمرة أو صفرة أو كدرة فهي في هذه الحالة حائض قولاً واحداً باتفاق الفقهاء، وهو قول الأئمة الأربعة، إلا ما نقل عن ابن حزم من أنها حيضات ونقاء؛ بناءً على أن الكدرة والصفرة ليست بحيض مطلقاً، وإنما الحيض هو الأسود.

    أما من رأت دماً ثم نقاءً - أي: جفافاً - ثم دماً في زمن الحيض فهذه المسألة لم ترد فيها أدلة ظاهرة - أدلة واضحة - ولكن المسألة اجتهادية، وقد اتفقوا على أن هذا الطهر المتخلل بين الدماء التي في مدة الحيض، كله دم حيضة واحدة في حق المعتدة. واختلفوا في حق غير المعتدة.

    واختلفوا أيضاً في حكم الصلاة والصوم، ووطء الزوج لها على قولين:

    القول الأول: ما يسمى باللقط أو التلصيق، ومعناه: أن أيام النقاء طهر، فتصوم فيها وتصلي ويعتد بصومها وصلاتها، وأنه يجوز لزوجها أن يطأها فيها - في هذه الأيام - وبهذا قال مالك و أحمد وهو قول لـلشافعي واعتمده بعض أصحابه.

    القول الثاني: ما يسمى بالسحب، ومعنى السحب: أن أيام النقاء تعد أيام حيض، فيسحب عليها حكم الحيض، إلا أنها يجب عليها إذا رأت الانقطاع وتحققته أن تصلي وتصوم، ويجوز لزوجها إتيانها؛ لاحتمال الطهر، فإذا عاودها الدم بان أن صومها باطل، وأن عليها قضاؤه، أما الصلاة فساقطة - بطلت لكنها ساقطة - وتبين أن وطء زوجها لها لم يكن مباحاً، لكن لا إثم عليه، وبهذا القول قال أبو حنيفة ، وهو القول الثاني لـلشافعي واعتمده أكثر أصحابه وعليه الفتوى.

    الراجح في مسألة النقاء في زمن الحيض

    والذي أرجحه أنا وأفتي به النساء هو القول الأول، الذي هو: اللقط، وأن صومها صحيح ولا يجب عليها قضاؤه، والمسألة اجتهادية.

    هذه المسألة واقعة ويخطئ من يظن أنها مسألة فرضية، هذه مسألة واقعة، وتحصل الفتوى في أيام رمضان بها كثيراً، المرأة يظهر لها جفاف تاماً فتصبح صائمة، فلا تستطيع أن تترك الصوم وهي ترى الجفاف التام، فتصبح صائمة يومين أو أكثر ثم ترى الدم، ففقهاء الشافعية يفتونها بأن صومها الأول باطل، وبعد رمضان تقضي الأيام كلها، لكن عندما أسأل عنها فإني أقول: إن صومك في تلك الأيام صحيح، والأيام التي نزل الدم فيها تقضيها لو صامتها، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها والدين يسر، فأشجعها على أنها تصوم ولا تترك الصوم، وهذا المسألة اجتهادية.

    إلا أن هناك عالماً كبيراً متمسك بمذهب الشافعي ولا يستطيع أن يخالفه، يسمى: محمد يوسف الكبير ، إذا سألوه أفتاهن بالسحب، وأوجب عليهن أن يقضين الصوم. أما نحن فنفتي بالقول الثاني في مذهب الشافعي وهو القول باللقط، فيصمن أيام النقاء ولا قضاء عليهن.

    إذاً: المسألة اجتهادية والدين يسر، والقول باللقط فيه تيسير للنساء في أمر دينهن، وهو الذي يتمشى مع رأي الشريعة السمحة.

    أما القول الثاني ففيه تشديد على النساء في أمر دينهن، وقد تؤدي الفتوى به إلى ترك الصوم عند الانقطاع؛ خوفاً من معاودة الدم، وإيجاب الصوم مرة أخرى؛ لعدم الاعتداد بالصوم الأول.

    ولذلك تجد بعض النساء تقول: أنا أصوم ويأتيني الدم ويقول الفقهاء: أقضي، سأفطر حتى تنتهي الخمسة عشر يوماً.

    ومما يدل على سلوك أمر التيسير في مثل هذه المسألة الاجتهادية ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري و مسلم وغيرهما في جملة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة أنه قال: ( يسروا ولا تعسروا )، وقال: ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )، وقال: ( إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، وفي حديث عائشة : ( وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً )، وهذه جملة أحاديث استفدنا منها هذا التيسير وهي كلها في البخاري و مسلم .

    1.   

    تحديد مدة أكثر النفاس وأقله

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثالثة: مدة النفاس: اختلفوا في أقل النفاس وأكثره ] أي: أنه لم يختلفوا إلا في أقل النفاس وأكثره [ فذهب مالك إلى أنه لا حد لأقله ] ولو دفعة واحدة [ وبه قال الشافعي ] و أحمد : وهو أنه لا حد لأقله، بمعنى: أنها قد تلد ويخرج الدم مع الولد ثم ينقطع مباشرة.

    [ وذهب أبو حنيفة وقوم إلى أنه محدود، فقال أبو حنيفة : هو خمسة وعشرون يوماً، وقال أبو يوسف صاحبه: أحد عشر يوماً، وقال الحسن البصري : عشرون يوماً ] فهم اختلفوا في تحديد المدة وليس لهم أدلة على ذلك.

    [ وأما أكثره فقال مالك مرة هو: ستون يوماً، ثم رجع عن ذلك، فقال: اسألوا عن ذلك النساء، وأصحابه ثابتون على القول الأول ] أي: أنه ستون يوماً، [ وبه قال الشافعي ] وعمدة هذا القول الاستقراء ليس لهم دليل إلا الاستقراء فقط.

    [ وأكثر أهل العلم من الصحابة على أن أكثره أربعون يوماً، وبه قال أبو حنيفة ] وهو كذلك رواية عن أحمد ، [ وقد قيل: تعتبر المرأة في ذلك أيام أشباهها من النساء ] وهذا قول ثالث: وهو أنها تسأل أختها أو أمها أو خالتها عن مدة نفاسهن فتتبعهم في ذلك.

    [ فإذا جاوزتها فهي مستحاضة ] وهذا قول ثالث.

    القول الرابع: [ وفرق قوم بين ولادة الذكر وولادة الأنثى، فقالوا: للذكر ثلاثون يوماً وللأنثى أربعون يوماً ] وهذا القول ليس له دليل.

    سبب اختلاف العلماء في تحديد مدة النفاس

    قال: [ وسبب الخلاف: عسر الوقوف على ذلك بالتجربة ] فلم يستطيعوا أن يقفوا على تجربة أغلبية؛ [ لاختلاف أحوال النساء في ذلك، ولأنه ليس هناك سنة يعمل عليها، كالحال في اختلاف أيام الحيض والطهر ].

    بل ورد في السنة التحديد بأربعين يوماً، كما في حديث أم سلمة قالت: ( كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ).

    قال الإمام النووي في المجموع عن حديث أم سلمة : إنه حديث حسن، وكذلك حسنه الألباني في الإرواء.

    الراجح في تحديد مدة أكثر النفاس

    نقول: إذاً الراجح أن أكثر النفاس أربعون يوماً؛ لحديث أم سلمة ، وهو حديث حسن؛ ولهذا قال الشوكاني - في وبل الغمام - : وهذا القدر هو أرجح ما قيل؛ لأن ما عداه خال عن الدليل. انتهى.

    1.   

    الدم الخارج أثناء الحمل

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الرابعة: الدم التي تراه الحامل ] وهذا اختلفوا فيه: هل هو حيض أو ليس بحيض، ولكن قد مر معنا أن بعضهم قال: إن الحامل تحيض، وبعضهم قال: إن الحامل لا تحيض وأنه دم استحاضة، والقول الأول ذهب إليه مالك و الشافعي .

    [ اختلف الفقهاء قديماً وحديثاً هل الدم الذي تراه الحامل هو حيض أم استحاضة؟ فذهب مالك و الشافعي في أصح قوليه وغيرهما إلى أن الحامل تحيض.

    وذهب أبو حنيفة و أحمد و الثوري وغيرهم أن الحامل لا تحيض، وأن الدم الظاهر لها دم فاسد وعلة، إلا أن يصيبها الطلق، فإنهم أجمعوا ] وهذا الإجماع المنقول فيه نظر. [ على أنه دم نفاس ] إلا أن الإمام الشافعي يقول: ما كان قبل الولادة فهو دم فساد وليس بدم نفاس، وما كان بعد الولادة فهو دم نفاس، و أحمد يقول: كله دم نفاس، والأقرب أنه يسمى: دم نفاس.

    إثبات الحيض من عدمه للحامل

    ولكن بقي إشكال هنا وهو: هل الحامل تحيض أم لا تحيض؟

    فقد قلنا من قبل أن الأصل أنه دم حيض، وكان هذا الاختيار بعد قراءة للموضوع وتمعن فيه، قلنا: إن الأصل أنه دم حيض، إلا أن يثبت بقول طبيب مسلم أنه دم علة فيعمل به.

    ثم إني رجعت وبحثت في كلام أطباء المسلمين، وكان عندي كتاب يسمى: دورة الرحم، أو دورة الدماء، والكتاب الثاني: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، فرجعت إليه، وقد ألف هذا الكتاب رجل معروف، وهو عالم يمني حضرمي مقيم في السعودية، وهو الدكتور محمد علي البار ، هذا الدكتور أنا أعرفه منذ زمن، وكنت أذهب إلى السعودية، وكنت أذهب لزيارته في بيته، وكنت من قبل قد رأيت له مجموعة كتب طبية تبحث في التشريع الإسلامي، فأخذتها فسألت عن صاحب الكتب: أين يسكن؟ فقيل لي: يسكن في المحل الفلاني، وعنده عيادة، فذهبت إليه فزرته وقال لي: تحتاج كتب كذا وكذا؟ قلت له: موجودة، وقد أخذتها من المكتبة وهي التي دلتني عليك! ومن ذلك الوقت كنت إذا دخلت السعودية أرتفق به، وإذا ما جاء يزور اليمن يرتفق بي.

    سبب الاختلاف في الدم النازل أثناء الحمل

    فإذاً يقال: أن السبب في اختلافهم هو عسر الوقوف على ذلك بالتجربة وهذا لا يوجد، واختلاف الأمرين فإنهم مرة يقولون: إن الدم الذي تراه الحامل دم حيض، وذلك إذا كانت قوة المرأة وافرة والجنين صغير، هذا كلامي وكلام الأطباء الصادقين، وبذلك أمكن أن يكون حمل على حمل على ما حكاه بقراط و جالينوس وسائر الأطباء.

    ومرة يقولون: إن الدم الذي تراه الحمل؛ لضعف الجنين ومرضه التابع لضعفها، ومرضها في الأكثر، فيكون دم علة ومرض، وهو في الأكثر دم علة.

    قال الدكتور محمد علي البار ، وهو دكتور مسلم ثقة، كما نعرفه ولا نزكي على الله أحداً، قال في كتابه: خلق الإنسان بين الطب والقرآن، (ص99): وإذا استعنا بالمعلومات الطبية فإنا نجد الجنين لا يملأ تجويف الرحم إلا بعد الشهر الثالث من الحمل، وعليه فإن سقوط شيء من غشاء الرحم، وهو الذي يسقط عادة في الحيض، فهذا يعني: أن دم الحيض يسقط من غشاء الرحم، ولما يكون تجويف الرحم غير مملوء فيسقط دم من هذا التجويف، فهو أشبه..

    وهو الذي يسقط عادة في الحيض، فيجعل هذا الدم شبيهاً جداً بدم الحيض رغم ندورة حصول هذ الدم، يعني: أن أكثر النساء ما يحضن قطعاً وبعضهن قد يحضن، قد يكون الرحم متسع والجنين صغير والمرأة قوية.. وهذا موجود؛ ولهذا تجد بعض النساء تقول: أنا في الشهر الثامن وولدت.. وتقول: أنا أعتمد على الحيضة، وهو يخرج كاملاً لا نقص فيه.

    فهذا يجعل الدم شبيهاً جداً بدم الحيض، ورغم ندورة حصول هذا الدم، إلا أنه يمكن أن يعتبر على هذه الصفة حيضاً، وذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، أما بعد ذلك فإنه يكون نتيجة إصابة في المشيمة ويتحول إلى دم سقط، سواء كان السقط منذراً أو كان كاملاً، يعني: سواء كان السقط منذراً بالإجهاض أو كان السقط كامل سينزل، فإن كان كاملاً يعني: كان السقط قبل تسعة أشهر: فلا مشاحة في أن يسمى دم نفاس؛ لأن الفقهاء يتفقون على أن دم السقط المخلق هو دم نفاس.

    حكم الدم الخارج أثناء الحمل

    والخلاصة: أن كثيراً من النساء ينزل منها دم حال الحمل، وهذا معروف أنه منذر بإجهاضها وسقوط الولد، ولا يعتبرونه حيضاً لمجرد هذا، بل يذهبون بها إلى الدكتور فيعالج هذا الإجهار حتى لا يسقط الولد.

    فقبل سقوط الولد يسمى دم إجهاض ولكن إذا سقط الولد بعده واستمر الدم فإننا ننظر إن كان الولد فيه صورة لإنسان فهو دم نفاس، وإذا لم يكن فيه صورة، نسأل القوابل، أما الآن فهناك ناظور وكشاف وكذا، ولكن كانت القوابل لديهن معرفة في هذه الأمور ويقلن: هذا أصبح متخلق الصورة أو غير متخلق، فيعتمدون على القوابل، فإذا قالت القوابل: أن الصورة متخلقة فيكون دم نفاس، يعني: مثلاً يسألون الفقهاء: هل هذا الدم دم نفاس أو لا؟ فيقول لهم الفقهاء: اسألوا القوابل، فإن قلن أن الصورة متخلقة فهو دم نفاس وإلا فهو دم حيض.

    وهذا مما يرد الفقهاء حكمه إلى أعراف الناس - فالحكم هنا متعلق بالصرف، فالفقهاء هنا يفتون على ما يقول به القوابل أو الأطباء.

    وهنا إشكال: وهو أن الأطباء في مسألة الدم الذي تراه الحامل لم يرجعوا فيه إلى التميز مع أن دم الحيض له صفة تميزه عن غيره من الدماء، وإنما قالوا: يمكن أن يكون الدم الخارج أثناء الحمل دم حيض فقط.

    وعلى هذا فنقول: إنه دم حيض إلى أن يتبين الحمل، ولا يتبين الحمل إلا بعد ثلاثة أشهر بياناً كاملاً، فهذا يجوز أن يطلق عليه حيضاً ونحن إن قلنا بالاستقراء فقد استقرأنا كثيراً من النساء، فنراها تحمل ثم تحيض وبعد ذلك يظهر الحمل ويكون كبيراً، وتعد الأيام التي قطع فيها حيضها، فلا تلد إلا والولد له ثمانية أشهر أو أقل، فيكون ذلك الحيض واقعاً ونحن نعتمد قول الأطباء هنا؛ لأن الأطباء في هذه المسألة لديهم علم أكثر من الفقهاء.

    والفقهاء ليس لديهم أدلة حتى نقول: بأن أطباء خالفوا الدليل.. وإنما اجتهدوا وبذلوا الجهد في هذه المسألة، و ابن رشد رجع في هذه المسألة إلى الأطباء، فنحن نرجع إلى أطباء مسلمين، والآن لديهم وسائل متطورة أفضل، مما لم يكن عند الأطباء الأولين.. وهذا لا مانع منه.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756291711