إسلام ويب

كتاب الطهارة [4]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الوضوء شرط من شروط الصلاة جاء تفصيل ما فيه من أفعال في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأفعال جاءت مرتبة في كلام الله وبفعل الرسول عليه الصلاة والسلام لها على الدوام، لكن أهل العلم اختلفوا في ذلك من جهتين: الترتيب بين أفعال الوضوء، وحكم الموالاة بين أفعال الوضوء.

    1.   

    ترتيب أفعال الوضوء

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    أقوال العلماء في ترتيب أفعال الوضوء

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الحادية عشرة من الشروط: اختلفوا في وجوب ترتيب أفعال الوضوء على نسق الآية ].

    أي هل نبدأ بالوجه، ثم اليدين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين، على ما في الآية، [ فقال قوم: هو سنة، وهو الذي حكاه المتأخرون من أصحاب مالك عن المذهب ] أنه سنة [ وبه قال أبو حنيفة و الثوري و داود . وقال قوم: هو فريضة، وبه قال الشافعي و أحمد و أبو عبيد . وهذا كله في ترتيب الفرض مع الفرض ]، يعني: غسل الوجه مع اليد مع المسح، أما السنن فلها حكم آخر، بعضهم يقول: لا مانع أن يبدأ بها، والشافعي يقول: إذا غسل وجهه قبل أن يتمضمض أو يغسل يديه فقد فات محلها.

    [ وأما ترتيب الأفعال المفروضة مع الأفعال المسنونة فهو عند مالك مستحب ]، وهذا على قول مالك بأنه مستحب فمعناه إذا كان قد غسل وجهه فله أن يتمضمض ويستنشق بعد غسل الوجه أو اليدين، أما من قال أنه لا بد من الترتيب، فيقول: إن المضمضة والاستنشاق قد فات محلها.

    [ وقال أبو حنيفة : هو سنة ]، مستحب وسنة يعني على أن أبا حنيفة ... مستحب.

    سبب الاختلاف في ترتيب أفعال الوضوء المفروضة

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم شيئان ]، يعني: اختلافهم في ترتيب أفعال الوضوء المفروضة، [ أحدهما الاشتراك الذي في واو العطف، وذلك أنه قد يعطف بها الأشياء المرتبة بعضها على بعض ]، كأن تقول: عليك بأن تستنجي وتتوضأ، وقد تقول: يجب عليك أن تتوضأ وتستنجي، وقد ورد في الحديث: ( فليتوضأ وليغسل ذكره )، فقالوا: الواو لا تقتضي الترتيب. [ وقد يعطف بها غير المرتبة، وذلك ظاهر من استقراء كلام العرب ]، مثلاً خلق الموت والحياة، في قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2]، قالوا: أنه لا يوجد ترتيب هنا، الحياة أولاً وبعده الموت، [ ولذلك انقسم النحويون فيها قسمين ]، رجعنا إلى النحو [ فقال نحاة البصرة: ليست تقتضي نسقاً ولا ترتيباً، وإنما تقتضي الجمع فقط ]، كقوله: جاء زيد وعمرو معه أو قبله أو بعده، [ وقال الكوفيون: بل تقتضي النسق والترتيب ].

    إذاً من هنا سيأتي الخلاف: هل الترتيب واجب أو غير واجب؟

    [ فمن رأى أن الواو في آية الوضوء تقتضي الترتيب، قال بإيجاب الترتيب، ومن رأى أنها لا تقتضي الترتيب لم يقل بإيجابها ]، هذا السبب الأول.

    [ والسبب الثاني: اختلافهم في أفعاله عليه الصلاة والسلام هل هي محمولة على الوجوب أو على الندب؟ فمن حملها على الوجوب قال بوجوب الترتيب ]، أي: نحملها على الوجوب؛ لأنها بيان للوجوب، وبيان الموجبات واجب.

    [ لأنه لم يروَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ قط إلا مرتباً. ومن حملها على الندب قال: إن الترتيب سنة ] فلو أن إنساناً توضأ ولم يغسل يديه ولا تمضمض ولا استنشق، وما غسل وجهه إلا بعد المسح، فهل نقول بأن المضمضة والاستنشاق سنة؟ من قال بالترتيب قال: فات محلها، ولا يأتي بها، ومن قال بعدم الترتيب، قال: له أن يأتي بها.

    [ ومن فرق بين المسنون والمفروض من الأفعال، قال: إن الترتيب الواجب إنما ينبغي أن يكون في الأفعال الواجبة ]، أي: التي ذكرت في الآية، [ ومن لم يفرق قال: إن الشروط الواجبة قد تكون في الأفعال التي ليست بواجبة ]، يعني أن الترتيب واجب، ولكنه قد يكون في الشيء الذي ليس بواجب.

    الراجح في ترتيب أفعال الوضوء بين السنية والوجوب

    أقول: الراجح وجوب الترتيب؛ وذلك أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المستمر بيان لما في الواو العاطفة من الإجمال، وقد تقرر أن فعله المبين لمجمل الواجب يكون واجباً، فالوضوء واجب وفيه إجمال هنا، فيكون فعل الرسول صلى الله عليه وسلم واجباً.

    وهنا تفريق مهم أن الواو تزيد في عطف النسق، وعطف النسق هو: الذي لا يعطف بالواو، ولا بأحد حروف العطف، فهي لا تفيد إلا النسق، أي: لا تفيد إلا دخوله في الحكم.

    1.   

    الموالاة في أفعال الوضوء

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الثانية عشرة من الشروط: اختلفوا في الموالاة في أفعال الوضوء فذهب مالك إلى أن الموالاة فرض مع الذكر ومع القدرة، ساقطة مع النسيان ومع الذكر عند العذر ]، يقول: إذا كان هناك عذر أو نسيان فإن الموالاة تسقط: ومعنى: الموالاة: متابعة الوضوء، وحكمها عند مالك واجبة وفرض مع القدرة، ساقطة مع النسيان، أو عدم القدرة، [ مالم يتفاحش التفاوت ]، أما إذا تأخر كثيراً، فلا تصح.

    [ وذهب الشافعي و أبو حنيفة إلى أن الموالاة ليست من واجبات الوضوء. والسبب في ذلك الاشتراك الذي في الواو أيضاً، وذلك أنه قد يعطف بها الأشياء المتتابعة المتلاحقة بعضها على بعض، وقد يعطف بها الأشياء المتراخية بعضها عن بعض ]، إذاً هو الاشتراك.

    [ وقد احتج قوم لسقوط الموالاة بما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يتوضأ في أول طهوره، ويؤخر غسل رجليه إلى آخر الطهر ]، أي أنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ ويغسل وجهه ويديه، ويمسح رأسه، ويذهب إلى الاغتسال من الجنابة، وبعد ذلك يغسل رجله. قلنا: هذا لا دليل فيه لتداخل الطهارتين.

    [ وقد يدخل الخلاف في هذه المسألة أيضاً في الاختلاف في حمل الأفعال على الوجوب، أو على الندب ] يعني ترتيبه، [ وإنما فرق مالك بين العمد والنسيان؛ لأن الناسي الأصل فيه في الشرع أنه معفو عنه إلى أن يقوم الدليل على غير ذلك؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان )]، وهو حديث صحيح، [ وكذلك العذر يظهر من أمر الشرع أن له تأثيراً في التخفيف ].

    الراجح في الموالاة في أفعال الوضوء

    أقول: الراجح وجوب الموالاة؛ وذلك لأمرين:

    الأمر الأول: فعله صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يتوضأ إلا موالياً، وفعله بيان لما أجمل في الواو، وبيان الواجب واجب.

    الأمر الثاني: أمره صلى الله عليه وسلم للرجل الذي رآه يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة لم يصبها الماء، فأمره بأن يعيد الوضوء، رواه أحمد و أبو داود وزاد: (والصلاة )، وهو حديث صحيح، انظر الإرواء رقم ستة وثمانين.

    ووجه الدلالة أنه لم يوالِ بين غسل رجليه والوضوء، فلما رأى اللمعة لم يقل له: اذهب اغسل اللمعة، بل قال له: أعد الوضوء، فأمره أن يعيده من أوله؛ لأنه لا يكفي غسل اللمعة فقط، فلما فاته غسل اللمعة ترتب عليه عدم الموالاة، فبطل الوضوء كله.

    كذلك عند النسيان، الراجح أنه حتى ولو كان هناك نسيان أنه لا بد من الموالاة. إذاً الراجح وجوب الموالاة مطلقاً وهو قول أحمد .

    مداخلة: ...

    1.   

    التسمية في الوضوء

    قال المصنف رحمه الله: [ وقد ذهب قوم إلى أن التسمية من فروض الوضوء، واحتجوا لذلك بالحديث المرفوع، وهو قوله: ( لا وضوء لمن لم يسم الله )]، وهو حديث حسن بشواهده الكثيرة، [ وهذا الحديث لم يصح عند أهل النقل. وقد حمله بعضهم على أن المراد به النية ]، أي حملوا حديث: ( لا وضوء لمن لم يسم الله )، على من لم ينو، وهذا قول البغوي من الشافعية في شرح السنة.

    [ وبعضهم حمله على الندب فيما أحسب ]، أي: حمل التسمية على الندب.

    [ فهذه مشهورات المسائل التي تجري من هذا الباب مجرى الأصول، وهي - كما قلنا - متعلقة إما بصفات أفعال هذه الطهارة، وإما بتحديد مواضعها وإما بتعريف شروطها وأركانها، وسائر ما ذكر، ومما يتعلق بهذا الباب مسح الخفين إذ كان من أفعال الوضوء ].

    أقول: الراجح وجوب التسمية؛ وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا وضوء لمن لم يسم الله )، إن كان النفي فيه متوجهاً إلى الذات، كما هو الحقيقة، دل ذلك على انتفاء الوضوء بانتفاء التسمية، والمراد بانتفاء الوضوء: نفي الذات الشرعية، وإن كان النفي متوجهاً إلى الصحة كما هو المجاز الأقرب إلى الحقيقة؛ لأن نفي الصحة يستلزم نفي الذات، فدل على عدم صحة وضوء من لم يسم.

    أما حمل المجاز فيه على الكمال فإنه بعيد؛ لعدم دليل يدل عليه، والأصل بقاؤه على الحقيقة، وهو: نفي الذات الشرعية، المستلزم منه نفي الصحة. وقد ذهب إلى هذا من المتأخرين: الشوكاني و صديق خان و الألباني . انظر السيل (1/77)، وتمام المنة (ص89).

    وقد قال الشوكاني في توضيح سبب الاختلاف بين الحقيقة والمجاز: ومن المجاز بالحذف قول الله تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82]، أي: اسأل أهل القرية. أما هنا في الحديث: ( لا وضوء لمن لم يسم الله )، فإذا رأيناه يتوضأ كيف لا وضوء لمن لم يسم الله؟ فهل الذات انتفت؟ الذات ما انتفت، إذاً في الكلام حذف. قال الحافظ ابن حجر: (لا وضوء) : نفي الذات، والمراد ليس نفي الذات المشاهدة، وإنما نفي الذات الشرعية؛ لأن وضوءه لا يعتد به شرعاً، فنفي الذات ليست الذات المشاهدة، ولكن الذات الشرعية، فهو حقيقة، والنفي: لنفي الذات الشرعية، لا لنفي الذات المشاهدة، قال: ونفي الذات الشرعية يستلزم عدم الصحة. ثم قال: فإذا رجعنا وقلنا بالمجاز، وهو مجاز الحذف، فلدينا شيئان: إما نقول: لا صحة لوضوء من لم يسم الله، أو لا كمال لوضوء من لم يسم الله. إذاً فما هو الأحسن؟ إذا فرضنا أنا لا نستعمل الحقيقة، فالأحسن أن نستعمل الصحة التي هي أقرب من الحقيقة، أو نستعمل الكمال الذي هو أبعد؟

    فإن أجريته على الحقيقة، لا وضوء أي: لا وجود لوضوء من لم يسم الله، لا وجود لهذا الوضوء، كيف تقول: لا وجود؟ قلت: فلا وجود شرعاً، ثم قلت: ولي أن أحمله على المجاز، وهو أنه مجاز بالحذف، ولكن هناك مجازان: الكمال, والصحة، فما الأقرب؟ أي مجاز أخذ؟

    نأخذ مجاز الصحة؛ لأن نفي الوجود يستلزم نفي الصحة، ولا يستلزم نفي الكمال، هذا معنى الكلام السابق.

    1.   

    المسح على الخفين

    قال المصنف رحمه الله: [ فصل في المسح على الخفين، والكلام المحيط بأصوله يتعلق بالنظر في سبع مسائل: بالنظر في جوازه، وفي تحديد محله، وفي تعيين محله، وفي صفته- أعني صفة المحل- وفي توقيته، وفي شروطه، وفي نواقضه ].

    حكم المسح على الخفين

    قال المصنف رحمه الله: [ المسألة الأولى: فأما الجواز ] جواز المسح [ ففيه ثلاثة أقوال: القول المشهور: أنه جائز على الإطلاق ] للمسافر والمقيم، والمريض والصحيح [ وبه قال جمهور فقهاء الأمصار ] منهم الأئمة الأربعة [ والقول الثاني: جوازه بالسفر دون الحضر ]، وهو قول آخر لـمالك [ والقول الثالث: منع جوازه بإطلاق ]، ما يجوز [ وهو أشذها ] وهو قول الشيعة والخوارج ورواية عن مالك .

    [ والأقاويل الثلاثة مروية عن الصدر الأول وعن مالك ] وهي مروية كلها عن مالك ، فلـمالك ثلاثة أقوال: قول مع الجمهور، وقول تفرد به ما أحد قاله، وهو: السفر، وقول مع الشيعة والخوارج.

    سبب الاختلاف في حكم المسح على الخفين

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم ما يظن من معارضة آية الوضوء الوارد فيها الأمر بغسل الأرجل، للآثار التي وردت في المسح، مع تأخر آية الوضوء ]، يقول: إن المسح كان قبل نزول آية الوضوء، ولما نزلت آية الوضوء نسخت هذا المسح، وهذا سبب لمن قال: إن المسح لا يجوز، أي قول الشيعة وغيرهم. [ وهذا الخلاف كان بين الصحابة في الصدر الأول، فكان منهم من يرى أن آية الوضوء ناسخة لتك الآثار، وهو مذهب ابن عباس . واحتج القائلون بجوازه بما رواه مسلم أنه كان يعجبهم حديث جرير ]، لأن جريراً روى حديث المسح، وما أسلم إلا بعد نزول آية المائدة، وقد سألوا جريراً عن ذلك فقال: كيف تقولون منسوخة، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية وهو يمسح [ وذلك أنه روى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين، فقيل له: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة فقال: ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة. وقال المتأخرون القائلون بجوازه: ليس بين الآية والآثار تعارض؛ لأن الأمر بالغسل إنما هو متجه إلى من لا خف له، والرخصة إنما هي للابس الخف ] إذاً تكون القراءتان: قراءة النصب لمن ليس على رجله ملبوس، وقراءة الجر لمن على رجله ملبوس.

    [ وقيل: إن تأويل قراءة الأرجل بالخفض هو المسح على الخفين ]، وهذا كلام جيد.

    [ وأما من فرق بين السفر والحضر ] وهو قول مالك [ فلأن أكثر الآثار الصحاح الواردة في مسحه صلى الله عليه وسلم إنما كانت في السفر ]، ولكن يرد على ذلك أنها وردت أحاديث صحيحة في المسح في الحضر، ويكفينا: ( فليمسحه المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام )، وهذا التفصيل يدل على جواز المسح في السفر والحضر [ مع أن السفر مشعر بالرخصة والتخفيف، والمسح على الخفين هو من باب التخفيف، فإن نزعه مما يشق على المسافر ].

    الراجح في المسح على الخفين

    أقول: الراجح ما ذهب إليه الجمهور من الجواز، وهو مروي عن سبعين صحابياً.

    قال الحسن : حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.

    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756629648