إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (86) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [7]

عرض كتاب الإتقان (86) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [7]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كل معاني القرآن معلومة ومعروفة، وإنما المقصود بالمتشابه ما يتعلق بالكنه والوقت كوقت خروج الدابة وماهية العرش ونحو ذلك. ولو كان في القرآن شيء لا يعلم معناه لذكره كفار قريش، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحداهم بما ليس معروفاً في لغتهم، فعدولهم إلى السيف دليل على معرفة معانيه وعجزهم عن إبطاله.

    1.   

    تقسيم ابن عباس تفسير القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أما بعد:

    فنكمل ما يتعلق بمعرفة شروط المفسر وآدابه من كتاب الإتقان في علوم القرآن للإمام السيوطي .

    وقفنا عند (علم الموهبة) وهو آخر علم ذكره السيوطي من العلوم التي يحتاج إليها المفسر، وأكملنا التعليق على هذه العلوم التي ذكرها.

    استناد المفسرين إلى الآثار التي فيها نظر

    ثم بعد ذلك ذكر أثر ابن عباس المشهور، وهو أثر قد اعتمده العلماء مع أن في إسناده مقالًا.

    وهاهنا مسألة مهمة جدًا يحسن التنبه لها وهي:أن بعض الأقوال التي يكون في إسنادها كلام، نجد أن العلماء اعتمدوها؛ لأن المعنى المذكور فيها ليس فيه إشكال ولا لبس، وهذه قاعدة علمية، أو منهج علمي يغفل عنه بعض طلاب العلم، فضلًا عمن ينتقد العلوم الشرعية أو ممن ليس له مساس بالعلوم الشرعية، ويكون تلقيه لهذه العلوم عن طريق دراسات معاصرة أو دراسات حديثة، أو تكون عن هوى والعياذ بالله.

    ولهذا نقول: من المهم جدًا لطالب العلم أن ينتبه لهذه المسألة: وهي أن بعض الأقوال التي تكون منتقدة من جهة الإسناد معانيها متلقاة بالقبول عند العلماء، وقد توارد عليها كلام العلماء جيلاً بعد جيل، ولم يعترضوا عليها، فهذا الأثر الذي هو أثر ابن عباس في تقسيم التفسير، قال: [وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى].

    فهذه التقسيمات التي ذكرها ابن عباس تناقلها العلماء وهم يعلمون ما فيها من الضعف، ولكنهم رضوا ما فيها من هذا التقسيم، فقد ورد هذا عند ابن جرير الطبري في مقدمته، وكذلك ورد عند الماوردي أيضًا في مقدمته، وعند جماعة من أهل العلم كـالزركشي في برهانه و السيوطي في إتقانه، فإذاً: إذا جاءنا مثل هذا، ورأينا أن علماءنا السابقين قد تلقوه بالقبول وأخذوا به، فنحن وإن لم نجزم بثبوته إلى ابن عباس من جهة الإسناد لكننا نأخذ بما فيه؛ لأنه ليس فيه إشكال من جهة المعنى، وهذه منهجية مهمة جدًا لطالب العلم ينبغي أن يتنبه لها.

    1.   

    النوع الذي لا يعلم تفسيره إلا بالله

    وهذا الأثر قد سبق شرحه وطرحه ولا نحتاج إلى أن نقف عنده كثيرًا، إلا ما ذكره المؤلف في قوله: [وأما ما لا يعلمه إلا الله تعالى فهو ما يجري مجرى الغيوب، نحو الآي المتضمنة لقيام الساعة، وتفسير الروح، والحروف المقطعة، وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق إلى ذلك إلا بالتوقيف بنص من القرآن، أو الحديث، أو إجماع الأمة على تأويله].

    هذا النوع الذي ذكره ابن عباس وهو: ما لا يعلمه إلا الله.

    التفريق بين معاني الأشياء وحقائقها

    أحب أن ننتبه إلى مسألة مهمة جدًا فيه، وهي: أنه يجب أن نفرق بين المعنى وغيره، المعنى شيء، والحكمة شيء آخر، فمثلًا: لما نأتي إلى قوله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ[الإسراء:85]، فإن الروح من حيث اللغة معروف، لكن ما المراد بـ(الروح) في هذه الآية، ما هو كنه الروح، كيف تكون الروح؟ هذا الذي يمكن أن يقال عنه: لا يعلمه إلا الله، لكن الروح من جهة المعنى، من جهة اللغة معروف؛ لأنه لا يجوز أن يكون الله سبحانه وتعالى قد خاطب هؤلاء العرب بما لا يعرفون معناه، ولهذا نلاحظ قاعدة أيضًا مهمة جدًا فيما يتعلق بالتفسير أيضًا تخفى على كثيرين، وهي: أن أبا جهل كان أحرص من غيره، وأقول: أبا جهل كمثال للكفار الذين عاصروا محمدًا صلى الله عليه وسلم وكانوا حريصين على أن يطعنوا في نبوته بأي شكل كان، حتى لم يكن عندهم إلا حيلة العاجز في أن يقولوا: إنه ساحر، شاعر، كاهن، مجنون، كما هو معلوم، فهؤلاء كانوا أحرص من غيرهم على إبطال دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا أسمع من غيرهم لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ[فصلت:26]، فإذا كان هؤلاء قد سمعوا هذه الآيات، فإنهم قد عرفوا معانيها وعلموا أنها نزلت على وفق لسانهم، ولو كان فيها ما يشكل من جهة لسانهم أو ما لا يفهم معناه من جهة لسانهم، لكانوا أولى من يحتج على محمد صلى الله عليه وسلم بهذا، وما دام لم يقع مثل هذا الاحتجاج من هؤلاء، فإننا نكون على يقين بأن هذه الحال التي انتهت بالكفار إلى أن يجالدوا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالسيوف إشارة إلى أن ما جاء به حق، وأن المعاني التي ذكرها في هذا الكتاب معروفة ومعلومة عندهم، وإنما هم يمارون، ولهذا لما استشكلوا اسم الرحمن، إنما استشكلوه من باب المماراة، وليس لأنهم لا يفهمون معنى الرحمن، فهم قالوا: وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60]، وهذا من باب المماراة والمجادلة والمماحكة، وإلا فهم يعلمون مدلول هذا الاسم ولا يخطئونه، وهو موجود في بعض أشعارهم كما ذكر ذلك المفسرون.

    المقصود من هذا: أننا حينما نأتي إلى ما يتعلق بقضايا المعاني يجب أن نجزم يقيناً: أن الله سبحانه وتعالى لم يذكر كلمة في كتابه إلا ولها معنًى معلوم، وأن هذا المعنى المعلوم قد علمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصالة، والصحابة قد علموه أيضاً، وأن عامة الكفار قد علموا هذه المعاني ولم يستنكروها على أنها جاءت على وفق لسانهم؛ لأنها معلومة من لسانهم غير مجهولة.

    والاحتجاج بقوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101] لما احتج بـعيسى، ليس لها علاقة بالمعاني هذه، والاحتجاج هذا منه احتمال أن يكون من باب المماحكة والمجادلة لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: احتجاجًا منه على ذلك، لكن يبقى أنه فهم المعنى، ولو لم يفهم المعنى لما استشكل مثل هذا، لكنه خارج إطار المعاني هذا السؤال.

    كذلك اعتراضات الكفار على محمد صلى الله عليه وسلم فيما أنزل عليه، لو جمعت يمكن أن تبحث وأن ينظر فيها؛ لأنها مسألة مهمة جدًا، طبعًا بعض أسانيدها فيها مقال، لكن يمكن أن يجمع ما صح منها وأن يناقش وينظر، لكن هؤلاء الكفار بما أنهم تركوا ما هو أسهل إلى ما هو أصعب وهو سفك الدماء فهذا دلالة على أنهم في كل ما قالوه فيما يتعلق بكتاب الله سبحانه وتعالى أنهم لم يستطيعوا أن يعترضوا عليه من جهة المعاني والدلالات إطلاقًا، حتى ما ذكروا عن ابن الزبعرى وغيره هي من باب المخاصمة فقط، وإلا فهم في النهاية مخصومون.

    الذي أريد أن أقعده هنا؛ لأن المؤلف رحمه الله تعالى هنا ذكر قضايا وخلط بعضها ببعض، فقيام الساعة شيء، ومعرفة معنى الساعة شيء آخر، وكذلك كما قلنا: المراد بالروح من جهة المعنى شيء، وكيفية وكنه الروح الذي وقع السؤال عنه شيء آخر.

    مدى دخول الأحرف المقطعة في مشابه القرآن

    أما الأحرف المقطعة فهي خارجة عن ما نتكلم عنه؛ لأنها أحرف، والحرف لا معنى له في لغة العرب فلا يدخل في مجال المتشابهة إطلاقًا؛ لأن الذي وقع فيه التشابه مما يتعلق بالأحرف هو شيء خارج عن هذه الأحرف، وهو الحكمة من إنزالها على هذه الجهة.

    والحكمة من إنزالها على هذه الجهة لم يقع فيها سؤال وإشكالات، لا من جهة الصحابة رضي الله عنهم، ولا من جهة الكفار، ولهذا أقول: يجب أن ننتبه إلى هذا: وبما أنه لم ينقل عن هؤلاء أي احتجاج فهذا إشارة إلى أنها كانت معروفة عندهم، لم يقع عندهم فيها لبس، حتى الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فيستغرب أن ينزل في القرآن مثل هذه الأحرف مقطعة في غير ما سورة، وليست سورة واحدة، بل مجموعة من السور، ولا يقع عند الصحابة سؤال للرسول صلى الله عليه وسلم فيها، مع أنهم سألوا عن غيرها، ولا يقع أيضًا من الكفار اعتراض عليها، فهذا فيه إشارة واضحة جدًا جدًا على أنهم فهموا منها ما يفهمه أي عربي، لما تقول له: وما معنى (ألف)؟ يقول: لا معنى لها، ما معنى (لام)؟ يقول: لا معنى لها، ما معنى (ميم)؟ لا معنى لها، لكن لما تقول له: ما معنى (ألم) يقول لك: معناه كذا؛ لأنه تركب منها كلام.

    فإذاً قوله رحمه الله: [والحروف المقطعة] نقول: الحروف لا معنى لها فلا تدخل في المتشابه، وإنما يدخل في المتشابه الحكمة منها، فإذاً المتشابه النسبي، وقد سبق التقسيم فيما يتعلق بالمتشابه الكلي، والمتشابه النسبي وتفصيلات ذلك، فلا يحتاج أن نعود إليه مرة أخرى، وإنما نشير إليه؛ لأن المؤلف رحمه الله ذكر هذا وخلط بعض الأمور ببعض.

    الاجتهاد في متشابه القرآن

    قوله: [ وكل متشابه في القرآن عند أهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره]

    يقع فيه إشكال: ما المراد بالمتشابه؟ لأنه لم تتفق هذه الأمة على المتشابه، أي: هناك خلاف كبير جدًا في المتشابه، فالمتشابه عند قوم غير متشابه عند آخرين، أي: إن المتشابه عند المعتزلة ليس متشابهًا عند الأشاعرة، والمتشابه عند الأشاعرة ليس متشابهًا عند أهل الحديث، وهكذا.

    فإذاً المقصد من ذلك: أن هذا الموضوع فيما يتعلق في المتشابه، هو في ذاته نسبي، أما إذا قلنا بالمتشابه الكلي، فكما قلت سابقًا: هذا لا يدخل في باب المعاني، وإنما يدخل في الكيفيات وفي أوقات المغيبات، والكيفيات وأوقات المغيبات ليس مطلوبًا من المسلم أن يعلم بها، وإنما مطلوب منه أن يؤمن بها، يدرك معناها، ويدرك المدلولات الموجودة فيها، لكن متى تقوم الساعة؟ لا يعلم، متى تخرج الدابة؟ لا يعلم، ما هي صفة هذه الدابة؟ لا يعلم، كيف تتكلم الدابة؟ لا يعلم، لكن لما أقول له: ما معنى الدابة؟ يعلم معناها، إذاً: نفرق بين المعنى وبين الكيف والكنه، هذا ما يتعلق بهذه الفقرة.

    أما قول الشاعر: قلت لها قفي، قالت (ق). فهذه ثابتة في لغة العرب، لكن الفرق بينها وبين الأحرف المقطعة: أن كل ما استشهد به من أشعار العرب في ذكرهم لبعض الأحرف في السياق ما يدل على المراد منه؛ لأني قلت لها: قفي، قالت: (ق)، فواضح منها (ق) أنه اختصار: وقفت، فإذاً السياق يدل على المراد بهذا الحرف، هذا خارج أيضًا عن إطار الأحرف المقطعة، وليس هو من الاستخدامات بنفس استخدامات القرآن، فالقرآن استخدمها ابتداء وليس هناك سياق تدل على المراد منها.

    وهناك في السياق ما يدل على المراد منها، وهذا في جميع الأشعار التي استشهدوا بها، فالسياق يدل على أنه حرف أشير به إلى معنى، أما في هذه فلا يوجد.

    ثم ذكر في أواخر هذا الفصل: مسألة في قضية المتشابه، هل يجوز تأويله أو لا؟ وذكر عن ابن النقيب أنه قال: أوائل السور من هذا القسم؛ لأنه قال: [الثاني: ما أطلع الله عليه نبيه من أسرار الكتاب، واختصه به، وهذا لا يجوز الكلام فيه إلا له صلى الله عليه وسلم، أو لمن أذن له، قال: وأوائل السور من هذا القسم].

    وكلام ابن النقيب الذي ذكره الإمام السيوطي رحمه الله تعالى، يعوزه الدليل في أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بشيء من علم الكتاب ومنه أحرف أوائل السور، وأنه يعلم لها معان لم يعلمها الأمة؛ لأنه كأنه يقول: إن لها معان وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختص بها.

    وهذا كما نعلم لا يمكن إثباته؛ لأنه ليس عليه أي دليل، فلو قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، لقلنا: على العين والرأس، لكن أن يجتهد بعض العلماء ويقول: إن لها معان وهذه المعاني لا يعرفها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا لا شك أنه يعوزه الدليل.

    ثم قال: [وقيل من القسم الأول]. الذي هو: علم لم يطلع الله عليه أحد من خلقه، وهذا مبني على أن لها معانٍ، نقول: إذا كان من جهة المعاني فقد سبق تحليله، وإن كان من جهة الحكم فنعم، أي: الحكمة منها: لماذا جعل (ن) في سورة: ن وَالْقَلَمِ [القلم:1]، ولماذا جعل (ق) في سورة (ق)؟ ولماذا جعل هذه على حرف واحد، وهذه على حرفين، وهذه على ثلاثة؟ ولماذا لم يجعل في سورة الكهف حرفًا مقطعًا وجعل في سورة البقرة حرفًا مقطعًا؟ هذه كلها تدخل في الحكم، والحكم بابها واسع، ولا شك أن الكلام فيها قد يصيب، ولكن كثيرًا ما يقع فيه نوع من التكلف فنقف عنده ونقول: هذه الحكم الله أعلم بها، لكن الحكم ليست كالمعاني.

    العلوم التي علمها الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

    ثم ذكر بعد ذلك القسم الثالث: [علوم علمها الله نبيه مما أودع كتابه من المعاني الجلية والخفية، وأمره بتعليمها، وهذا ينقسم إلى قسمين: منها ما لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع] ثم ذكر، فقال: [وهو: أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، واللغات، وقصص الأمم الماضية، وأخبار ما هو كائن من الحوادث، وأمور الحشر والمعاد. ومنها: ما يؤخذ بطريق النظر والاستدلال والاستنباط، والاستخراج من الألفاظ وهو قسمان].

    الإضافة على أقوال السلف في التفسير

    والذي نذكره الآن في كلامه من حيث الجملة صحيح: أن هناك قسماً يؤخذ بالنقل، وقسماً يؤخذ بالاستدلال، وسبق تحرير هذا. لهذا أقول: هذه مسألة مهمة جدًا لطالب علم التفسير؛ لأنه يقع فيها خلل كبير، والخلل الذي يقع فيها ينبني عليها معلومات خطأ، بل إن بعض المتعلمين إلى اليوم، يرى أنه لا يجوز تفسير القرآن بغير ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة -مثلًا-، ولا شك أن من ذهب إلى هذا المذهب أن مذهبه خطأ، ومخالف لعمل الأمة، ليس مخالفًا لفلان أو علان، بل هو مخالف لعمل الأمة، ولو كان ما يقولوه صحيحًا، فما فائدة هذه التفاسير التي نراها على مر الأجيال، التفاسير المتكاثرة لكتاب الله سبحانه وتعالى، كأنه يقول: ما جاء بعد هؤلاء فليس بصواب، فهذا الكلام وهو أن نثبت على ما ثبت عليه الصحابة لا شك أنه قول ليس بصواب، وكذلك يلحقه من رأى أنه لا يجوز إحداث قول يمكن إضافته لما ورد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهذا أيضًا مخالف لعمل الأمة، إلا إن كان سيقول: إن عمل كل هؤلاء العلماء ممن أضافوا إضافات ليس بصواب، فهذا لا شك أنها مخالفة لعمل جمهور الأمة كما هو ظاهر.

    ولهذا أقول: إننا حينما نقول: إن التفسير جزء من النقل، فهذا معلوم، ونقصد نقل البحت، الذي يقف عنده كل مفسر، وجزء يعلم بالاستدلال، والذي يُعلم بالاستدلال منه ما نأخذه من الصحابة والتابعين وأتباعهم، وهو استدلال بالنسبة لهم، ونقل بالنسبة لنا، ومنه ما يمنّ الله سبحانه وتعالى به على بعض عباده ممن جاء بعد الصحابة والتابعين، وأتباعهم فيضيفوا إلى أقوالهم، ولا ينقضون أقوالهم ويبطلونها، فإذا لم ينقض الأقوال ويبطلها فلا شك أنه مقبول من حيث الجملة وإن كان يناقش مناقشة من جهة المثال: هل هذا صحيح أو ليس بصحيح؟ على حسب التفصيلات التي ذكرتها سابقًا، وأنا أختصر لضيق الوقت وإلا فمثل هذه الأمور تحتاج إلى تطويل وتمثيل.

    المقصود بتأويل الآيات المتشابهات

    ومما ذكره هنا ووقع فيه إشكالات أيضًا أنه قال: [اختلفوا في جوازه وهو تأويل الآيات المتشابهات في الصفات]، وهنا ترجع لنا إشكالية في: ما المراد بتأويل الآيات المتشابهات، هل المراد تأويل معانيها؟ أو تأويل كيفياتها؟ فإن كان تأويل المعاني فهذا لا شك أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثابت عن الصحابة، وعن التابعين وأتباعهم في تأويل المعاني؛ لأن المعنى معلوم، لكن الكيفيات هذه أمرها موكولٌ إلى الله سبحانه وتعالى كما هو معروف، فيقال مثل ما ورد عن مالك لما سئل عن الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، أو في رواية: غير معقول.

    فالمقصود من ذلك: أن الكيفيات في الصفات لا شك أنها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، إلا ما علمنا الله إياه، وأما المعاني فكل المعاني الواردة في الصفات معروف ومعلوم، ولهذا لو رجعنا إلى أي كتاب من كتب اشتقاق أسماء الله الحسنى، وأسماء الله تتضمن أوصافًا، فستجد أنهم عرفوا هذه الأسماء ووضحوها وبينوها؛ لأن المعاني معلومة ومعروفة، فعندما أقول: العزيز، ما معنى العزيز، ما معنى: وصف الله بالعزة؟ صفة العزة هذه ما هي؟ فستجد أن لها مجموعة من المعاني ذكرها من كتب في الأسماء والصفات من اللغويين المتقدمين، وكذلك من تفسيرات السلف، وكذلك من تحريرات المتأخرين، وسنعرف أن العزيز بمعنى: القوي الغالب، أو العزيز بمعنى: المنفرد، أو المتفرد، على قولهم: من عز يعز، أو العزيز بمعنى: القاهر، فكل هذه المعاني معلومة، ولم يقف أحد من العلماء في تعريف هذه الأسماء إطلاقًا، حتى لفظ الجلالة الذي قال بعضهم: بأنه جامد، نجد أن كثيرًا من العلماء يرون أنه مشتق من الألوهية، ثم يختلفون في معنى هذا الاسم، لكن اختلافهم في معنى هذا الاسم دلالة على أن له معنى في النهاية، لكن ما هو معناه: هل هو من كذا أو كذا؟ هذا خلاف في تحديد المعنى، وليس خلافًا في أصل الموضوع.

    نقف أخيرًا عند مسألتين فيما يتعلق بمعرفة شروط المفسر:

    1.   

    حاجة المفسر إلى النقل واللغة

    ذكر عن أبي حيان أنه ذكر في مقدمته قال: [ذهب بعض من عاصرناه إلى أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تركيبه بالإسناد إلى مجاهد و طاوس و عكرمة وأضرابهم، وأن فهم الآيات يتوقف على ذلك، قال _أي: أبو حيان - وليس كذلك]. وقد ذكر الزركشي تعليقًا على هذا بعد أن نقل كلام أبي حيان قال: [الحق أن علم التفسير منه ما يتوقف على النقل] وذكر أمثلة له: [كسبب النزول، والنسخ، وتعيين المبهم، وتبيين المجمل، ومنه مالا يتوقف ويكفي في تحصيله الثقة على الوجه المعتبر].

    وكلام الزركشي أدق من كلام أبي حيان، و أبو حيان رحمه الله تعالى في هذا القول جاء في جهة المعارض وأراد أن يرد على من عارضه فقط، ولهذا جاء في كلامه نقص، فهو رحمه الله تعالى في هذا ليس مقررًا محررًا، وإنما رادًا معترضًا، والراد المعترض أحيانًا يخفى عليه إكمال المسألة، ونقول: إن أبا حيان رحمه الله تعالى نظر إلى جانب النحو، والمعاصر له الذي تكلم عليه لم ينظر إلى هذا الجانب، أي: جانب النحو، فأبو حيان ومن عرف النحو يعرفه، لكن هناك جانب مرتبط بالنقل وأنه لا بد أن يؤخذ من الصحابة والتابعين وأتباعهم من جهة المنقول، ولهذا تحرير الزركشي عليه أدق، في أن التفسير ليس كله يمكن أن يعرف من جهة اللغة، والدليل على ذلك: أننا لو أخذنا بقول أبي حيان أن من فهم معاني تراكيب الإسناد فإنه لا يحتاج إلى أن يعرف ماذا قال ابن عباس و مجاهد و عكرمة و عطاء وغيرهم، وإذا أردنا أن نفسر لغويًا: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37]، فنقول: إنما التأخير زيادة في الكفر ثم نقف، فمن أين لـأبي حيان وغيره أن المراد بالنسيء هنا: هو تأخير الأشهر الحرم، إذاً لا بد من إضافة.

    وقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ [الأنفال:1]، كيف يقول: إنه لا نحتاج إلى النقل لفهم القرآن إذا كان يريد هذا، ونحن نعلم أن الأنفال في اللغة بمعنى الزيادة، فهم سألوا عن الزيادة لكن الزيادة في أي شيء، فإذاً قال: الزيادة التي هي الغنائم، فهذا محتاج إلى النقل، وهكذا، بمعنى: أن العربية لا تستقل بفهم القرآن، والنحو أيضًا لا يستقل بفهم القرآن، فلا بد من النقل، ولكن يبدو أن أبا حيان كان كلامه رداً على المعارض فوقع عنده هذا النقص في تحرير هذه المسألة.

    أما النقل الوارد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم فهو جزء من اللغة، لكن بالنسبة لنا نحن صارت علوم اللغة، والنحو والصرف والبلاغة، كلها مساعدة لنفهم، لكن هؤلاء كانوا قبل هذه التقعيدات، فمن أدرك أو فهم عنهم فلا شك أنه لا يحتاج إلى هذه العلوم، أي: من أدرك عنهم في فهم المعنى. فعندما نتكلم، لا يفهم غير ذاك، وعندما أتكلم عن فهم المعنى، ما هو معنى كذا: لو أن أحداً اعتمد ما ورد عن السلف فقط فإنه بالنسبة له كاف، لا يحتاج فيه إلى معرفة النحو وغيره.

    فعلماء السلف لا شك أنهم أهل اللغة وهم أهل النقل، لكن بالنسبة لنا نحن نتكلم عن علوم استقرت، أي: فهم القرآن من خلال النحو، وهذا لا شك أنه ممكن ومتحصل، لكن من قال: إنا نريد أن نفهم القرآن من جهة النحو فقط، ولم يرجع إلى تفاسير المتقدمين، فهذا سيقع عنده أخطاء في فهم المعنى قطعًا.

    1.   

    طرق ورود التفسير والمقدم منها

    ثم آخر مسألة قال: [واعلم أن القرآن قسمان: قسم ورد تفسيره بالنقل وقسم لم يرد. والأول: إما أن يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو رءوس التابعين، فالأول: يبحث فيه عن صحة السند]، يقصد ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: [والثاني: ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان فلا شك في اعتمادهم أو بما شاهده من الأسباب والقرائن فلا شك فيه، وحينئذٍ إن تعارضت أقوال جماعة من الصحابة، فإن أمكن الجمع فذاك، وإن تعذر قُدم ابن عباس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بذلك حيث قال: (اللهم علمه التأويل )، وقد رجح الشافعي قول زيد في الفرائض لحديث: ( أفرضكم زيد )، وأما ما ورد عن التابعين فحيث جاز الاعتماد فيما سبق فكذلك هنا، وإلا وجب الاجتهاد ].. إلى آخر كلامه فيما يتعلق بهذا.

    لكن أقول: إن هذا التفصيل هو في الحقيقة تفصيل نظري، وإذا دخلنا إلى التفسير فسنجد أننا أحيانًا نحتاج إلى أن نذكر خلاف هذا التفصيل النظري في بعض الأمور، ولهذا أقول دائمًا: يجب أن ننتبه خاصة في مثل هذا الأمر، في القضايا النظرية هذه إلى الفرق بين النظرية والمثال، فمن جهة التقسيم النظري، إذا رأيته من حيث الظاهر، فستقول: ما أبدعه من تقسيم، لكن لا تستطيع أن تطبق هذا التقسيم النظري على كل خلاف وارد، وعلى كل مسألة من مسائل الآيات الواردة في التفسير.

    فمثلًا: ما يذكره في قضية صحة السند في الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا لا شك أننا من حيث التنظير نقول بهذا، ولكن قد نضطر أحياناً إلى نقل قول أو تفسير نبوي فيه ضعف، ونستأنس به في مجال التفسير، فلا يقال: لماذا يذكر هذا الحديث وهو ضعيف، أو لماذا يذكر هذا التفسير وهو ضعيف؟ فقد تكون عندنا بعض المسائل النظرية لا يلزم أنها تكون مطبقة في جميع أمثلتها من القرآن، بل قد يقع أحيانًا منازعات على حسب المثال.

    تقديم ابن عباس على غيره في التفسير

    أما تقديم ابن عباس على إطلاقه فهذا قال به جماعة قليلة، ولكنه ليس على إطلاقه، بل قد يكون قول غيره مع ما له من الدعاء النبوي، وبركة الدعاء النبوي، مع ذلك قد يكون قول غيره أولى من قوله.

    التعريف بكتاب: ترجمان القرآن

    ثم ختم هذا المبحث بكتابه الذي سماه بـ (ترجمان القرآن)، وقد نبه على أنه ذكر فيه تفسيرات النبي صلى الله عليه وسلم وتفسيرات الصحابة فقط، فيقول: [فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف، وقد تم ولله الحمد في أربع مجلدات وسميته: (ترجمان القرآن]، فجعل هذا الكتاب مقدمة له، أي: جعل كتاب الإتقان مقدمة لترجمان القرآن.

    فترجمان القرآن هذا غير موجود، والدر المنثور الذي اختصر من ترجمان القرآن أضاف إليه ما ورد عن التابعين وعن أتباع التابعين، وليس كل ما في الدر المنثور موجودًا في الترجمان بناء على هذه العبارة؛ لأنه قال: [وقد جمعت كتابًا مسندًا فيه تفاسير النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فيه بضعة عشر ألف حديث ما بين مرفوع وموقوف]، المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف عن الصحابي.

    قال: [وقد تم ولله الحمد في أربع مجلدات] وكما قلت: إن هذا الكتاب لم يظهر له ذكر إلى الآن. وأما الدر المنثور فكامل.

    1.   

    الأسئلة

    مقصود ابن النقيب بما اختصه الرسول صلى الله عليه وسلم من معرفة الحروف المقطعة

    السؤال: [هل مراد ابن النقيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختص بعلم الحروف المقطعة المعنى أم الكيفية]؟

    الجواب: هو يقصد تأويل المعنى والكيف، المعنى بالذات؛ لأن ابن النقيب رحمه الله كان على مذهب الأشاعرة فيقع عنده.

    الاستدلال بعدم معرفة أبي بكر معنى الأب على جهل الصحابة بعض معاني القرآن

    السؤال: [هل يعني توقف أبي بكر و عمر في مدلول الأب أن بعض معاني القرآن غير معلومة؟]

    الجواب: عمر رضي الله عنه وكذلك أبو بكر كما هو وارد عنهما أنهما توقفا في معنى الأب، في مدلوله، يعني: ما الأب؟ هذا فيه إشارة إلى أنه حتى كبار الصحابة قد يخفى عليهم معاني بعض الآيات، لكن السؤال: هل خفي عليهم جميعًا أو ورد تفسير له؟

    الجواب: أنه قد ورد تفسير للأب عن غيرهم، وما دام ورد تفسير للأب عن غيرهم عن ابن عباس ، وكذلك من جاء بعدهم، فهذا فيه دلالة على أن الأب علمه بعضهم وجهله بعضهم، وهذا يسمى متشابه النسبي، فهو بالنسبة لـأبي بكر و عمر متشابه، لا يعرفون معناه، لكن بالنسبة لغيرهم معلوم المعنى. ولهذا نريد أن ننتبه إلى أن بعض من يلبس يورد بعض الآثار التي فيها خفاء بعض المعاني على أفراد، ونحن لا نتكلم هنا عن أفراد، بل نتكلم عن مجموع، هل يخفى معنى القرآن على جميع الصحابة في آية من الآيات؟ هذا لا يجوز عقلًا، بل جميع معاني القرآن معلومة لجميع الصحابة، فإذا نقلنا ما وري عنهم، وكذلك ما روي عن التابعين وأتباع التابعين فإنه يتكون عندنا تفسير كامل معلوم ومفهوم لهؤلاء الكرام.

    وكذلك قول ابن عباس (ما كنت أعرف ما فاطر السماوات والأرض حتى سمعت..) هذا نعم، هو من المتشابه النسبي عندهم، حتى سمع الأعرابي يقول: أنا فطرته، وكذلك كان يقول: ما (حنانًا)، وقد ورد عنه تفسير الحنان، يعني: ورد عنده أربع كلمات ما كان يعرف معناها.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755901551