إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (28) - النوع الثلاثين إلى النوع الثالث والثلاثين وهي ما تسمى أبواب الأداء

عرض كتاب الإتقان (28) - النوع الثلاثين إلى النوع الثالث والثلاثين وهي ما تسمى أبواب الأداءللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المعلوم أن علم التجويد جزء لا يتجزأ عن علوم القرآن، وأن القراءات لها علاقة بعلم التجويد، فمنها أدائي ليس له علاقة بالمعنى، وهو ما يعرف بتحسين الصوت وتحسين الأداء للقراءة، وأصوله عربية، فمخارج الحروف وصفاتها والروم والإشمام لا إشكال في كون العرب نطقوا بها، وأما الإدغام والمدود وغيرهما فأصولها عربية ومقاديرها اجتهادية، وكذلك الرسم والمقطوع والموصول تعتبر عربية بلا إشكال، وأما ما له علاقة بالمعنى فذلك الوقف والابتداء.

    1.   

    أبواب الأداء

    مقدمة في المفاضلة بين كثرة التقسيمات وجمع المتناظرات في علوم القرآن

    بِسْمِ اللهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:1-2]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:4].

    وأصلي وأسلم على محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فنبتدئ بكتاب الإمام السيوطي رحمه الله تعالى "الإتقان في علوم القرآن" من النوع الثلاثين إلى الثالث والثلاثين، وهي أربعة أنواع في باب الأداء، النوع الثلاثون قال: (في الإمالة والفتح وما بينهما)، ثم جاء في النوع الذي بعده الحادي والثلاثين في الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب، والنوع الثاني والثلاثين في المد والقصر، ثم في الثالث والثلاثين في تخفيف الهمز.

    فهذه الأنواع الأربعة كلها يمكن أن يقال عليها: مما تدخل في عين الأداء، يعني: أداء القرآن.

    السيوطي رحمه الله تعالى أخرج هذه الأنواع الأربعة مع أنه يمكن أن يخرج غيرها، مثل الروم والإشمام، وأيضاً كهاء التأنيث، وغيرها من أنواع الأداء التي يذكرها القراء أو المجودون.

    ما السبب في تخفيف هذه الأبواب دون غيرها؟ ولم لم يدخل غيرها معها في التنوين؟ لا يمكن أن نعرف سبباً محدداً، لكن المقصد من ذلك أن ننتبه إلى أننا في علوم القرآن أمام طريقة التقسيم، وهذا التقسيم هل هو المفيد أو أن جمع المتناظرات هو الأكثر إفادة؟ أنا في نظري أن جمع المتناظرات في نوع واحد أكثر إفادة؛ لأنه ليس المقصود التكثير وأن نقول: إن علوم القرآن مثلاً ألف نوع، فهذه الألف نوع يمكن أن تندرج في النهاية تحت مائة نوع؛ فلماذا هذا التكثير من التقسيمات؟ والمقصود من ذلك أن نقول في النهاية عن هذه الأنواع: وما لم يدخل معها فهي تدخل في علم الأداء.

    أثر قواعد الأداء على فهم المعاني

    القضية الثانية: هذه الأنواع هل لها أثر في بيان المعاني أو لا؟ مثلاً: وَالضُّحَى[الضحى:1] فيها وجهان: الفتح والإمالة، ومثال في الإدغام والإظهار والإقلاب والإخفاء، إذا علمنا أن الدال في: قَدْ سَمِعَ[المجادلة:1] فيها وجهان: الإدغام والإظهار، وإذا علمنا أن أحرف "يرملون" هذه حكمها الإدغام إذا لقيتها النون الساكنة والتنوين، وأن اللام والراء إدغامها كامل، واختلفوا في الميم والنون، هل إدغامها كامل أو ناقص، واتفقوا على أن الياء والواو إدغامها ناقص، كل هذا الكلام الذي نقوله هل له أثر في فهم المعنى؟ لا شك أنه لا يؤثر في فهم المعنى.

    إذاً نضع قاعدة ننتبه لها: أن كل ما يتعلق بعلم الأداء لا أثر له في المعنى ألبتة، ومعنى ذلك: أننا حينما نأتي إلى قوله سبحانه وتعالى: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[الفرقان:69]، لماذا مد حفص مد الصلة في هذا الموطن مع أنه مخالف لأصله؟ مع أن بعضهم يعلل بعلة معنوية، لكن قطعاً هذه العلة ليست صحيحة؛ لأن وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[الفرقان:69] إن كان حفص مدها فإن غيره يمد مثلها في غير هذا الموطن، فهل نجعل العلة التي تذكر عند بعض المجودين في هذا الموطن مطردة في جميع المواطن الأخرى عند ابن كثير أو غيره ممن له مدها؟ لا شك أن هذا يدل على الخلل في التعليل، وإنما هي قضية أدائية لا علاقة لها بالمعنى، إذاً هذه القاعدة، فأي تعليل في كتب التجويد لقضايا الأداء مربوط بالمعنى فليس بصحيح إطلاقاً؛ لأن الأداء مرتبط بالصوتيات.

    أما كونها من علوم القرآن فهذا لا شك فيه؛ لأنها تدخل في علم القراءات أو في علم التجويد، يعني لا تخرج من أن تكون من علم القراءات أو أن تكون من علم التجويد، أعني: هذه المسائل الأدائية التي ذكرها السيوطي ، إن كانت من علم القراءات، فالقراءات جزء من علوم القرآن، وإن كانت من علم التجويد؛ فعلم التجويد جزء من علوم القرآن.

    ما له أثر في المعنى من علوم القراءات

    يبقى عندنا مسألة نشير إليها هنا، وهي: إذا كانت من علوم القراءات، فإن شيئاً من علوم القراءات له أثر في المعنى، مثل اختلاف القراءات الوارد في فرش القراءات، مثل: ( وما هو على الغيب بظنين)، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ[التكوير:24]، ومثل: لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ[الفجر:25]، وفي القراءة الأخرى: (لا يعذَب عذابه)، فإذاً مثل هذه لها أثر في اختلاف المعنى، وقلنا سابقاً: إن علم القراءات على قسمين:

    قسم مرتبط بالمعنى، وقسم مرتبط بالأداء، فالمرتبط بالمعنى هو الذي يدخل في علم التفسير، والمرتبط بالأداء ليس له علاقة بعلم التفسير.

    أما الروم فالروم عند العرب لأجل معرفة الحركة، وليس خاصاً بحكم، والحركة لا علاقة لها بالمعنى، فقوله تعالى: وَالْعَصْرِ[العصر:1] عند الوقوف عليها بوجه الروم نقول: ما لها أثر في المعنى.

    فإن قال قائل: لقواعد الأداء أثر في التدبر نقول: تطبيق أحكام التجويد لا علاقة لها بالتدبر من حيث تطبيق الأحكام، لكن طريقة القراءة هي التي لها أثر في التدبر، يعني: ترتل أو تحقق أو تحدر، هذا الذي يؤثر في قضية التدبر، أيضاً قضية القراءة والتأمل والنظر، حتى ولو كان حادراً، فإنه يقرأ ثم يقف عن قراءته ويتأمل الآيات، هذا لا علاقة له في القراءة، لكن من المعروف أن قراءة الترتيل بالذات تجعل الإنسان يفكر بما يقرأ، بخلاف قراءة الحدر، ومن باب أولى قراءة التحقيق، التي هي أعلى من الترتيل، فهذه معينة على التدبر، لكن يمكن للإنسان أن يتدبر دون أن يقرأ، فينظر في الآيات ويتدبر، فربط التدبر بطريقة القراءة أصلاً ليس بدقيق، وإنما نقول: إنه يقع التدبر مع الترتيل أكثر منه مع الحدر، ويقع مع التحقيق أكثر منه مع الترتيل؛ لأن فيه فرصة للتذكير، والتدبر مرتبط بالتفكير.

    أثر اختلاف المصطلحات في ضبط العلوم

    ومن القضايا التي يمكن أن ننبه عليها في هذه الأنواع: اختلاف المصطلحات بين المتقدمين والمتأخرين، وهذه قضية مهمة في العلم؛ وهي أن يعرف القارئ المصطلح الذي يتكلم عنه المؤلف من حيث هو عنده، أو أنه يكون من مصطلحات المتقدمين قبل أن تبتكر المصطلحات، أو أن يكون المصطلح مختلفاً فيه بين علم وعلم؛ فإذاً من المهم جداً التنبه إلى هذه القضية، التي هي قضية اختلاف المصطلحات.

    ومن الأمثلة لهذا في قضية الفتح والإمالة وما بينهما، فبعضهم يسمي الإمالة (الكسر) ففي الصفحة الأولى لما قال ابن حبيش : (قرأ رجل على عبد الله بن مسعود : طه[طه: 1] ولم يكسرها)، فليس المراد الكسر الذي نعرفه وهو الحركة بالكسر، وإنما قصده لم يمل، إذاً الكسر عنده بمعنى الإمالة، فإذاً هذا يحسن أن ينتبه له؛ فلو أن أحداً منا استعجل وقال: أين الكسرة في طه[طه:1]؟! فليس فيها كسرة؛ لأن الذهن سيذهب إلى معنى الحركة، وليس هذا مراده وإنما مراده الإمالة.

    ارتباط قضايا الأداء بلغة العرب الفصحى

    لن ندخل في تفصيل هذا النوع، ولكن أحب أن ننتبه أيضاً إلى قضية أخرى ذكرها عن الداني في قضية الفتح والإمالة، أنه قال: [ لغتان مشهورتان فاشيتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فالفتح لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد وقيس ] هذه الفائدة مهمة جداً، وهي أن الفتح والإمالة عربية، وليست القضية مرتبطة بالأداء، وإنما القضية مرتبطة بعربية النص، وهذه القضية العربية نزل بها القرآن، إذاً القرآن نزل بالفتح ونزل بالإمالة ونزل بما بين البين، يعني: بين الفتح والإمالة، ويسمى (التقليل)، فهذا كله نزل به القرآن؛ فلا بد أن ننتبه لهذه الحيثية، فنحن حين نسمع الإمالة لا نقول: هذه القضية تجويدية بحتة أو قرائية بحتة، بل أصلها مرتبط باللفظ العربي؛ إذاً العربي سواءً يقرأ القرآن أو يتكلم بلغته الأصلية فإنه يميل إن كان من أهل الإمالة، ويفتح إن كان من أهل الفتح، يعني ليس لها علاقة بقضية القرآن من حيث هو قرآن، إنما نزل بها القرآن فصارت من علم الأداء، وهذه القضية ينتبه إليها؛ لأن هناك قضايا في علم التجويد مرتبطة بعربية اللفظ، واستخدمت في القراءة أي: نزل بها القرآن، وهذا أغلب أبواب التجويد، وهي الأبواب العامة الكبرى المرتبطة بعربية اللفظ، وإنما يقع التجويد في نطاق ضيق وما يتعلق بالتحسين، وهذا يقع في مقادير الأشياء، يعني: ما مقدار المتصل، وما مقدار المد المنفصل، وما مقدار الغنة، فهذه الأمور التي يقع فيها التجويد.

    فإذاً نطاق التجويد في حقيقته نطاق ضيق، والذين يعيبون علم التجويد، أو لا يرون علم التجويد، أو يبدعون القراءة بالتجويد هم يخطئون؛ لأنهم لم يعرفوا ماهية علم التجويد، ولم يحرروا، وإنما سمعوا قراءة بعض القراء التي لم تتناسب معهم، ولم يعرفوا كيف يقرءون؛ فوقع الإشكال عندهم من هذه الجهة، وقد يكون بعضهم محقاً في أنه سمع بعض القراء الذين يبالغون في القراءة، ويخطئون في طريقة أداء القرآن؛ فذم علم التجويد بأسلوب الشيخ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله تعالى فهو له كتاب في نقد التجويد، ولكنه مع جلالته لم يمحص هذا العلم ويعرفه معرفة دقيقة، وإنما انتقد قراءة بعض القراء، ثم مال بعد ذلك إلى مناقشة علم التجويد.

    فلو نظرنا الآن إلى علم التجويد، وبما أننا في علم الأداء فنرد على هذه القضايا؛ لأن عندنا أبواباً خالصة في اللفظ العربي، مثل المخارج والصفات والروم والإشمام، ومثل الوقف على التاء المربوطة بالهاء أو بالتاء المفتوحة، ومثل الابتداء بهمزة الوصل، ومثل الموصول، فهذه الأبواب كلها مرتبطة باللفظ العربي من حيث هو عربي، سواءً كان في القرآن أو كان في السنة أو كان في كلام العرب.

    علاقة رسم الكلمة بالأصل العربي في القرآن الكريم

    وقسم منه مرتبط برسم الكلمة، ويتجاذب تاء التأنيث الرسم والأصل العربي؛ لأن بعض العرب يقولون: (رحمت) و(نعمت) ويقفون عليها بالتاء؛ فجاء الرسم موافقاً لهذه اللغة أو لهذه اللهجة في بعض المواطن، فنحن نتبع الرسم حيث وقع؛ فإن كانت التاء مفتوحة مثل: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ[التحريم:12]، أو مربوطة مثل: وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ[التحريم:10]، فنقف على الأولى بالمفتوحة، وعلى الثانية بالهاء ولا يوجد ما يصلح منها لأن يكون وقفاً اختيارياً، بمعنى: أنها ليست صالحة للوقف بكل مواطنها، وإنما تكون من باب الاختبار أو الاضطرار، فهذه مرتبطة بالرسم واللفظ العربي.

    والموصول والمقطوع كله مرتبط بالرسم العربي، وهو ما يناسب الرسم، ولا علاقة له باللفظ العربي، وإنما كيف كتب الصحابة تلك الكلمات، ففي قوله تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ[الفرقان:7] فصلوها، مع أن المعتاد أن لام الجر تكون متصلة بما بعدها، فلو قيل: كيف تقف على: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ[الفرقان:7]؟ تقول: وَقَالُوا مَالِ[الفرقان:7]، هَذَا الرَّسُولِ[الفرقان:7]، لكن ما تقرأ هكذا وإنما هو من باب الاختبار، وأيضاً هنا قاعدة: وهي أن باب الموصول والمقطوع لا يصلح موضع منه للوقف الاختياري، وإنما يوقف عليه اضطراراً أو اختباراً، ولا يوجد مقطوع أو موصول يحسن الوقف عليه إطلاقاً.

    قواعد علم التجويد الأدائية وعلاقتها باللغة العربية

    فإذاً: نحن عندما ننظر إلى علم التجويد ووقع عندنا القسم الرابع وهو الذي يكون أصله عربياً، ولكن مقاديره أدائية خاصة بالقرآن، وهذا هو علم التجويد، وهذا الذي يدخل في باب المدود وأحكام النون الساكنة والتنوين، وأحكام الميم الساكنة، وهي التي فيها مقادير، فهذه التي حصل فيها الكلام.

    وعندنا قسم أدخلوه في علم التجويد، وهو ليس من علم التجويد أصلاً، وهو (لا) بوقف والابتداء المرتبط بالمعاني، وقد تكلمنا عليه في الدروس السابقة، فهذا قسم أخير، والأصل فيه أنه لا علاقة له بالوقف، ولا علاقة له بعلم التجويد، فعلم التجويد مرتبط بالأداء وبكيفية نطلق اللفظ العربي، بمعنى أنه لو قرأ قارئ فقال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، (الصراط) نقول له: الراء فيها عندك إشكال؛ لأن العربي لما ينطق بها يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ[الفاتحة:6]، مفخمة وأنت رققت الراء، فيقول لي: التجويد ما هو بواجب، فنقول: هو مرتبط بالنطق العربي، والدليل على ذلك أن أول كتاب في النحو العربي ناقش هذه القضايا من جهة النطق العربي، وهو كتاب سيبويه ، فالكتاب ناقش التفخيم والترقيق وناقش المخارج والصفات وناقش حتى أحكام النون الساكنة والتنوين كيف تنطقها العرب، لكن لما مثل بها مثل بألفاظ عربية، فلما جاء يتكلم عن قلب النون إلى ميم إذا قابلت الباء، يقول: فقولك: (عنبر) يكتبها ميم (عم..) بمعنى قولنا: انقلبت النون إلى ميم، هذه من حيث النطق العربي، ولكن في التجويد نقول: لا، إذا جئت تقرأ فقل: (من بعد) مع ملاحظة الغنة، والمقدار هذا أدائي، وأصله عربي، إذاً تنوين ما تعلق بالأداء مثلما تعلق بعربية اللفظ العربي، وما يتعلق بطريقة النطق يفك إشكالية في علم التجويد، والأصل دائماً فيمن يعترض مهما بلغ من علمه الجهل بهذا الشيء، وجهله لهذا الشيء لا ينقص من جلالته، لكنا يمكن أن نقول: أخطأ فلان، ولم يصب الصواب، وليس عيباً أن يقال: إن فلاناً أخطأ في هذا.

    أيضاً لما يأتي إنسان ويبالغ مبالغة تامة في أن يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم ما من شاردة ولا واردة في علم التجويد إلا نسبت إليه وأسندت إليه، فهذا أيضاً فيه تكلف ومبالغة؛ فالإفراط والتفريط غير مطلوب، وإنما المطلوب العدل والوفاء، وكذلك بعض الناس يفهم من قولنا: إن علم التجويد أصله عربي. أن العرب كانت تنطق (عنبر) مثلما ننطق نحن، أو عندما تنطق (السماء) يمدون مثلما نمد نحن لا، ما كان وضعهم هذا، بل كانوا يتكلمون بالكلام العادي وبقدر معروف، ويأتون بالمد، لكن من دون أن يكون له مقادير معينة، فهناك فرق عندهم بين نطق مثلاً: (السماء) ونطق (قال)، فعند قولهم: نظرت إلى السماء لا بد أن يعطي مدة ولو قليلة، فتفرق بين قال وبين السماء، ولكن في قراءة القرآن؛ لا، بدأت ترسم وتنطق هذه المدود حتى قيل: إنها تبتدئ من حركتين وتنتهي بست حركات.

    أما في الشعر فالحقيقة أنها قد تظهر بعض القضايا الأدائية التي نجدها في القرآن أحياناً في إنشاد الشعر، هذا صحيح، لكن هناك لا شك فارق بين هذا وبين هذا، لكن الزيادة والضغط على بعض الحروف مثل القرآن قد يخرج في إنشاد الشعر، ولكن الفارق بين أداء القراء وأداء الشعر أن أداء القراء متصل، أما أداء الشعر فلا نستطيع أن نثبت منه إلا الحكاية، ولو طلبت من النحويين تطبيق بعض ما يذكره العلماء المتقدمون من كيفية أداء بعض القضايا الشعرية لما وجدت من يحسن هذا؛ لأنها مرتبطة بالكتابة، بل إنك لو طلبت من بعض النحويين الذين ليس لهم علاقة بالقراءة أن يبين لك كيفية الروم أو الإشمام فإنه لا يحسن مثل إحسان المقرئ؛ لأن المقرئ أخذه بالرواية والتلقي، فهذه أيضاً ينبه عليها أنها ميزة لأهل القراءة أنهم حفظوا لنا شيئاً من الأداء العربي وكيفية هذا الأداء العربي.

    والحاصل أن علم التجويد عموماً راجع إلى الأداء، يعني: أن أصله عربي من حيث اللفظ العربي هو هو، أولاً: مخارج الصفات والروم والإشمام هذه أصلها عربي، بمعنى: أنه كما تقرأ في أي لفظ تقرأ في القرآن.

    ثانياً: مسائل أصولها عربية ونطقها أو أداؤها قد يكون فيه زيادة عليه، وهي المدود وباب الإدغام، وباب الإدغام تدخله كل الأنواع المذكورة؛ الإدغام والإقلاب، وسواء في النون الساكنة والتنوين أو في الميم الساكنة، فهذه نقول: إن أصولها عربية والإضافات عليها إنما تأتي من باب الأداء.

    ثالثاً: ونقسمها إلى قسمين: قسم مرتبط بالرسم من حيث هو رسم، وهو المقطوع والموصول.

    وقسم مرتبط بالرسم وطريقة نطقه عربية، وهو تاء التأنيث.

    رابعاً: وهو القسم الأخير الذي هو باب الوقف والابتداء، ولا علاقة به بعلم التجويد، إنما له علاقة بعلم المعاني، أي: أن له علاقة بمعرفة المعنى؛ لكي لا يلتبس ما يتعلق بمعنى القرآن.

    1.   

    الأسئلة

    كيفية معرفة مقادير المدود وغيرها من الغنن

    السؤال: كيف عرفت مقادير المدود وغيرها من المقادير؟

    الجواب: نقول: هل قراءة القرآن من باب العبادات أو ليست من باب العبادات؟ هذا لا خلاف فيه أنها من باب العبادات، وهل يتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين للصحابة كيف يقرءون القرآن؟ هذا لا يتصور، وهل سليقتهم العربية تقودهم إلى قراءة القرآن دون أن يُعدِّل لهم ما يتعلق بالأداء؟ نقول: لا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خذوا القرآن من أربعة )، وذكر منهم ابن مسعود ، فكون العرب فصحاء مع ذلك يقول لهم: ( خذوا القرآن من أربعة )، فدل هذا على أن لهم مزية في طريقة الإقراء، وكذلك لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أراد أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل )، فدل على أنها هيئة أدائية يتقنها عبد الله بن مسعود ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا موسى ، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، قال: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً )، وأمثال هذه كثيرة تدل على المقدار الزائد.

    فهذا المقدار الزائد شفاهي، والمقادير عند حصرها بحركتين ونص، أو بحركتين وربع، هذا أمر يفوق طاقة البشر، فالتقديرات بهذا الشكل صعبة؛ فهذه المقادير بدأ يضبطها القراء، لأنهم يستمعون ويقولون: هذه كذا، وهذه كذا، وهذه كذا، فضبطوا هذه المقادير، فما تنزل عن حركتين ولا تزيد عن ست حركات، وهذه واضحة جداً عند من يقرأ كلام ابن الجزري في النشر على المدود.

    وذكر كتباً في بيان هذه المقادير وضبطها وأنها من اجتهاد العلماء، ولكن أصولها ثابتة، مما يدل على أنه لا يوجد مد في قراءة شاذة، أي: لم يمد أحد بأكثر من ست حركات، فالذي يتتبعها لا يجد أحداً زاد عن هذا المد، لكن ضبط هذه المقادير ومعرفة الفعل، ومقدار الحركة بكذا وكذا، هذه قد تختلف عند القراء، نعم.

    علاقة الأذان والاستعاذة بعلم التجويد

    السؤال: بالنسبة للأذان هل له خصوصية معينة في التجويد؟

    الجواب: الأذان ليس له خصوصية معينة، ولا علاقة له بالتجويد، والاستعاذة ليست لها خصوصية معينة، ولا علاقة لها بالتجويد، التجويد مرتبط بالقرآن، فيتخفف في الاستعاذة، ويتخفف في الأذان، فبعض المؤذنين في لفظ (الله) يمدها خمسة عشر حركة، فليس لها ضابط، لكن كيف كان يؤذن؟ ليس عندنا أسانيد في كيفية أذان أبي محذورة أو أذان ابن أم مكتوم أو أذان بلال ، فلو وجدت أسانيد لعلم الأذان ولقيل بهذا المقدار يكون الأذان الصحيح، ولكن في القرآن عندنا أسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم واضحة جداً جداً، من طريق القراء، ونقول: قاعدة: من يعترض على الأداء يلزمه الاعتراض على أهل الأحرف، سواء بسواء، فما دام قبل رواية هؤلاء للأحرف فيلزم قبوله للأداء، لكن لا يعني ذلك أنه لا يقع خلاف في مسألة من مسائل الإجمال، فالذين نقلوا الأداء هم الذين نقول الحروف، فلماذا نقبل كلامهم في الحروف ولا نقبل كلامهم في الأداء؟ هذا لا شك أنه تفريق بين أمرين متوازنين.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756376987