إسلام ويب

ما الذي نريده من التعليمللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حث الإسلام على العلم ورغب فيه، وقد بعث رسول الإسلام ليعلم الناس، وكان أول ما أنزل عليه (اقرأ)، فنحن بحاجة ماسة إلى التعليم لنخرج من ظلمات الجهل، وبحاجة لأن نغرس في أبناءنا حب العلم واحترام المعلم، وأن نعلمهم من أمور دنياهم ما ينفعهم، وأن نهتم بهم كثيراً في علوم دينهم وشريعتهم.

    1.   

    امتنان الله على هذه الأمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم معلماً ومربياً

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام ابن ماجه رحمه الله تعالى في سننه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من حجرة من حجراته، فدخل المسجد فوجد فيه حلقتين: حلقة يقرءون القرآن ويدعون، وأخرى يتعلمون ويعلمون، فقال عليه الصلاة والسلام: كل على خير، أما هؤلاء فيقرءون ويدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون، وإنما بعثت معلماً، فجلس معهم ) اختار عليه الصلاة والسلام أن يجلس في مجلس العلم، في مجلس التعليم، وأخبر بلسانه أنه إنما بُعث ليعلم: ( إنما بعثت معلماً )، وقد عد الله سبحانه وتعالى نعمة بعثة الرسول ليعلم البشرية أعظم نعمه على الكون، قال سبحانه وتعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].

    إن أعظم منة وأعظم عطاء تفضل الله عز وجل به على البشرية أن بعث فيها هذا المعلم عليه الصلاة والسلام، المعلم المربي صلوات الله وسلامه عليه، لقد شهد التاريخ قبل أن يشهد الأصحاب، وشهد الخصوم قبل أن يشهد المحبون بعظم أثر هذا المعلم على البشرية.

    المؤرخ الإنجليزي مايكل هارت ، كتب كتاباً سماه بعض المترجمين: العظماء المائة، وأكثر المترجمين دقة قالوا عنوان الكتاب: المائة شخص الأعظم تأثيراً في تاريخ البشرية، عد في هذا الكتاب مائة شخصية، وأعظم الشخصيات تأثيراً في تاريخ البشرية، وعد على منهاجه كل من أثر في تاريخ البشرية براً كان أو فاجراً، مسلماً كان أو كافراً، موالياً كان أو مخاصماً، فهو ينظر إلى آثار الرجال على تاريخ البشر، وكيف أثر هؤلاء الأشخاص في حياة البشرية، فعد مائة شخص، وجعل الأول منهم محمداً صلى الله عليه وسلم، على رأس هذه القائمة، ووضع سؤالاً في مقدمة كتابه، وهو: أنه قد يستغرب كثير من القراء لا سيما الغربيين لماذا عددت محمداً قبل عيسى، مع أن أتباع عيسى في الأرض أكثر من أتباع محمد؟ ثم بين السبب وهو أن أثر محمد صلى الله عليه وسلم كان أثراً على الدين والدنيا، وأثراً على المفاهيم وعلى الأخلاق، وأتباع عيسى اليوم بعدما حرفوا ما حرفوا، وغيروا ما غيروا، أصبح الفصام قائماً، والخصام مستطيراً بين العلم والدين، فالعلم في واد والدين في واد آخر، وقامت الثورة المعاصرة .. الثورة الحضارية .. الثورة المادية ضد الدين الذي توارثه أتباع عيسى بعد أن بدلوا وغيروا وحرفوا، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون على مر التاريخ منذ أن بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم يقيمون الدين والدنيا معاً، ويهتمون بعلم الدين كما يهتمون بعلم الدنيا، فإن الدنيا في نظرهم طريق لإصلاح الآخرة، إنما نطلب الدنيا لا لذاتها، نطلبها لأن بصلاحها صلاح الدار الآخرة، فهي مزرعة الآخرة، من حصد فيها زرع هناك، ومن خاب فيها خاب هناك.

    هكذا بعث هذا الرسول المعلم عليه الصلاة والسلام، بعث ليعلم الناس ويهذبهم، وقد أخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية عن وظيفته الجليلة إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [آل عمران:164] يعني: يبلغهم القرآن الذي أنزله الله، وَيُزَكِّيهِمْ[آل عمران:164] أي: يطهرهم، يطهر قلوبهم من أدران الشرك، من أدران المعاصي والذنوب، ويطهر جوارحهم من أنواع المخالفات والشهوات وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164] أي: يعلمهم القرآن وفهمه، ويحفظونه على يديه، ويعلمهم الحكمة، والحكمة: وضع الشيء المناسب في المكان المناسب، كما قال العلماء: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي. هكذا علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه مملوءة حكمة، كل أحاديثه حكمة عليه الصلاة والسلام.

    وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:164] كان من حكمته عليه الصلاة والسلام أنه يعتني بإصلاح القلب كما يعتني بإصلاح البدن، وأنه يعتني بإصلاح الآخرة كما يعتني بإصلاح الدنيا، وكان منهاجه في التعليم أن يعلم كل إنسان ما يقدر عليه، وأن يندب كل شخص لأن يتولى من الأعمال ما يستطيعه، كان من منهاجه عليه الصلاة والسلام أن الأمة بكاملها تتعلم من العلوم ما تحتاجه، فهذا يتعلم علم الشريعة، وهذا يتعلم علم اللغات.. وهكذا، أمر أصحابه أن يتعلموا لغات الأقوام الأخرى، فأمر بتعلم السريانية، وتعلمها أحد أصحابه في سبعة عشر يوماً لحاجته عليه الصلاة والسلام إلى إبلاغ كلامه لمن يتكلمون بهذه اللغة، هذا منهاجه عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    مفاهيم نحتاجها في التعليم

    تحديد الهدف من التعليم

    نحن في بداية عام دراسي جديد، ونحن أحوج ما نكون أن نضع على أنفسنا هذا السؤال العظيم: ما الذي نريده من التعليم؟ لماذا نرسل أبناءنا إلى المدارس والجامعات؟ ما الذي نتوخاه من وراء التعليم؟

    غير خاف علينا أهمية التعليم، ولا سيما لهذه الأمة التي تعيش في ذيل القافلة مع عظم ما منحها الله من المقدرات، فهي من أعظم الأمم أموالاً وثراء، ومن أكثر الأمم عدداً وتعداداً، تتمتع بموقع لا يتمتع به غيرها، ومع ذلك كل شيء يأتيها من غيرها، كل شيء هي فيه عالة على غيرها، مع أن أمم الأرض أقل منها عدداً، وأقل منها عتاداً، وأقل منها خبرة، أصيبت بما أصيبت به من نكسات الاحتلال، فنهضت واستقامت، ها هي اليابان رمز الصناعة العالمية اليوم، اليابان دمرت كما دمرت أوطان الإسلام، اليابان غزيت كما غزيت ديار الإسلام وليس لهم من سابق الحضارة والثقافة ما يؤهلهم لأن يكونوا أمة ريادة، لكنها أمة استيقظت وانتبهت، وسابقت غيرها من الأمم، فوصلت إلى ما وصلت إليه. هذه الوصايا العظيمة، كما قال الشاعر العربي:

    اطلب العلم ولا تكسل فما أبعد الخير على أهل الكسل

    لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل

    إن طريق العلم طويل، من أخذ به وصل إلى ما يتمناه ويبتغيه، ومن تكاسل فإنما يجني على نفسه.

    لماذا نرسل أبناءنا إلى المدارس؟ لماذا تفتح المدارس أبوابها؟ ولماذا تنفق كل هذه الميزانيات على التعليم؟ ماذا نريد؟ لا دنيا عمرنا ولا ديناً حفظنا، إلا من رحم الله، لا دنيا أحسناها وأتقناها، ولا ديناً حافظنا عليه ونشرناه كما ينبغي لنا أن نفعل، ماذا نريد؟ ولماذا نتعلم؟ وأين الخلل؟ هل الخلل في الأسرة؟ هل الخلل في الطالب؟ هل الخلل في مناهج التعليم؟ هل الخلل في السياسات التعليمية؟ أين الخلل يا معشر المسلمين؟ ولماذا يذهب ملايين الطلاب ويجيئون ويبكرون ويروحون ويغدون دونما كبير فائدة؟ أين ثمرات التعليم في بلاد المسلمين؟ إننا بحاجة إلى أن نراجع أنفسنا، وكل منا يراجع نفسه في الموقع الذي هو فيه، ليس من الصحيح أن نكل المسئوليات إلى غيرنا، وأن نوزع الهموم على غيرنا، فكل منا يلقي باللائمة على غيره، الأب يلقي باللائمة على المدرسة، والمدرسة تلقي باللائمة على الأسرة، ومنا من يلقي باللائمة على مناهج التعليم، وهكذا نقتسم الأدوار السلبية، كل منا يلقي بالتبعة على صاحبه ليتملص منها ويخرج منها، نحن مطالبون بتحسين أوضاعنا في التعليم، وإنما نخاطب من المنبر جميع الشرائح، والأب والأم هم أولى من نتحدث إليهم، نحن بحاجة إلى أن نغرس في نفوس أبنائنا الجد والمثابرة على طلب العلم، الجد والمثابرة على تحصيل العلوم والمعارف:

    فمن كان يؤذيه حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

    ويلهيه حسن زمان الربيع فتحصيله العلم قل لي متى؟

    الابن إذا كان مدللاً، وإذا كان لا يركن إلا إلى الراحة والدعة، فكيف نتصور بعد ذلك أن يحقق علوماً، وأن يخترع، وأن ينجز؟!

    احترام المادة العلمية

    إننا بحاجة أن نربي أبناءنا على الجد والمثابرة، على الصبر والمصابرة، حتى يتعلموا، إننا بحاجة أن نربيهم مع ذلك على احترام المادة العلمية، احترام العلوم التي يتلقونها، فالغرب لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا لأنهم احترموا العلم، قامت ثورة علمية ضد الكنيسة؛ لأنهم يحترمون العلم، ضحوا بأرواحهم، ضحوا بدمائهم، سالت الدماء، وأزهقت الأرواح من أجل أن يقيموا العلم، هذا ضد الكنيسة التي كانت تحرمه، وتمنع منه.

    نحن بحاجة أن نربي أبناءنا على احترام المادة العلمية، حتى يتلقاها بنفس مفتوحة، حتى يتلقاها وهو يعلم أنه يتلقى شيئاً عزيزاً، يتلقى شيئاً ثميناً، يتلقى شيئاً غالياً، إذا لم يتلق الابن والبنت هذه المعلومة بهذه الروح فإنه لن يحفظها، ولن يداوم على مدارستها ومطالعتها، ولن يتطلع إلى ثمرتها وماذا يريد من ورائها.

    احترام المعلم

    نحن بحاجة أن نربي أبناءنا على احترام وتقدير المعلم، المعلم الذي يعلمه، المعلم الذي يرضعه هذه المعلومات، ما لم يتعامل معه بإجلال وتوقير، ما لم يتعامل معه بإكبار وينزله منزلة الوالد فإنه لن ينتفع به، ولن ينتفع بعلمه، كما أن المدرس نفسه لن يعطيه العطاء المطلوب، منهم من سيقتصر على ما لا بد منه، وسيؤدي الواجب إذا كان في قلبه إيمان وتقوى، وإذا ضعف الإيمان فإنه لن يؤدي الواجب، ما قيمة المدرس إذا كان يخاف الإيذاء والإهانة من الطالب؟! ما قيمة المدرس إذا كان الطالب يتعالى عليه ويسفهه، بل ويسبه، وأحياناً يتعدى عليه؟! أي تعليم هذا الذي نتكلم عنه! هذه الأمة إنما سادت وعظم شأنها ورادت وقادت الأمم لما كان المعلمون لهم منزلتهم في أوساط مجتمعهم.

    في تاريخنا أيها الإخوة! اقرءوا تاريخ الخلفاء، هارون الرشيد الذي شرق سلطان الإسلام في عهده وغرب، والذي كان يخاطب السحاب: أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سيحمل إلينا، هارون الذي انتشرت في عهده علوم ومعارف جمة، وازدهرت حضارة الإسلام، وانتشرت في عهده سائر العلوم، هذا الخليفة في ذلك القصر الرفيع، والسلطان المنيع، يتخذ ما يسمى بالمؤدبين، وهذه سيرة الخلفاء عموماً، كان لهم ما يسمى بالمؤدب، وهو غير المعلم، المؤدب غير المدرس، المؤدب يعلم أبناءه الأدب فقط، يتلقى منه الأبناء الأدب والأخلاق، ومما هو طريف ما قرأته أن هارون أرسل ولده إلى الأصمعي ، و الأصمعي معروف من هو في اللغة العربية والآداب والشعر، أرسل ولده إلى الأصمعي ليعلمه لغة العرب، وليفتق لسانه على الفصاحة والبلاغة، فجاء يوماً هارون ورأى الأصمعي يتوضأ، والولد يصب عليه الماء ليتوضأ الشيخ، فقال هارون رحمه الله للأصمعي: إنما بعثت به إليك لتؤدبه وتعلمه، بعثته إليك ليتأدب لا ليتعالى عليك، قال: ها هو يصب علي الماء. قال: أفلا أمرته أن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل بالأخرى رجلك. علمه كيف يتواضع لأهل العلم، علمه كيف يتواضع لأستاذه، مره بأن يصب الماء بإحدى اليدين، ويغسل بالأخرى رجلك، ليس عيباً أن يتواضع الطالب للأستاذ، ليس عيباً أن ينحني الطالب وينزل عن كبريائه أمام مدرسه ومعلمه.

    الشافعي رحمه الله كان يزور بعض تلاميذه من العلماء، يزورهم في بيوتهم ويزورونه، فكان بعض الناس يلومه لماذا تتواضع كل هذا التواضع؟ لماذا تُنزل نفسك كل هذا النزول أمام بعض لناس؟ فقال رحمه الله تعالى:

    أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولا تكرم النفس التي لا تهينها

    أهين لهم نفسي لأنهم يكرمونها؛ لأنهم يعلمونها، لأنهم يرفعونها، ولا تكرم النفس التي لا تهينها.

    وصدق من قال:

    العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي

    لا يستقر السيل في الأماكن العالية المترفعة، وكذلك لا يستقر العلم ولن يستقر الأدب في نفس متعالية، في نفس ترى نفسها أكبر من الأستاذ:

    تواضع إذا ما طلبت العلوم تكن أكثر الناس علماً ونفعاً

    وكل مكان أشد انخفاضـــــــاً يرى أكثر الأرض ماء ومرعى

    العلوم والمعارف والمنافع إنما تستقر في النفوس المتواضعة، في النفوس المطمئنة، نحن أحوج ما نكون أن نربي أبناءنا على تعظيم المعلم، على تعظيم المدرس، كلنا نحفظ الأبيات المشهورة لـشوقي:

    قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا

    والمعلم اليوم في غالب الأحيان إلا ما رحم الله هو أشد الناس احتقاراً، بل بعض الآباء وبعض الأمهات ربما سب المدرس، وربما شتمه، وربما اغتابه في البيت، على مرأى ومسمع من الطالب والتلميذ، ثم بعد ذلك في الصباح المبكر نرسل هذا الطالب ليتعلم عند هذا الأستاذ، أي علم نتوخاه؟ وأي فائدة نرجوها؟!

    الموازنة بين علوم الدين والدنيا

    نحن بحاجة إلى إعادة الموازين كما هي، نحن بحاجة أيها الإخوة أن نعتني بقلوب أبنائنا كما نعتني بعقولهم ومعارفهم، حاجتنا إلى القلوب المملوءة إيماناً وتقوى ليست بأقل من حاجتنا إلى العقول المشحونة علوماً ومعارف، سواء بسواء، وكل علم لم يصاحبه الإيمان، كل علم لم تصاحبه التقوى، كل علم لم يصاحبه مراقبة الله عز وجل والخوف من عقابه إنما يعود وبالاً وعذاباً على هذه البشرية، والواقع خير شاهد، هذه العلوم المادية التي انتشرت اليوم وغيرت مجرى تاريخ البشرية، لما حيل بينها وبين الإيمان، لما بعد بينها وبين التقوى، ما هي آثارها؟ صحيح أنها أثمرت أموراً كثيرة في جانب الخير، لكنها أثمرت آثاراً مدمرة؛ لأنه لا يحكمها قانون الأخلاق، ولا يهذبها دين التقوى، ليس هناك شيء يحول بينها وبين الشر.

    هذه الحضارة المادية كان من أهم إنجازاتها: الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، هذه الحضارة المادية من أعظم إنجازها ما حدث لهورشيما وغيرها من البلاد، من أعظم إنجازاتها هذه الجيوش الجرارة المسلحة بأنواع الأسلحة الفتاكة التي تستبيح الأوطان، وتقتل الأبرياء، وتنهي السلام، هذه ثمرة من ثمار العلم عندما يبتعد عن الأخلاق، واليوم هناك أزمة البيئة وتغير المناخ، وتغير أحوال الأرض، وحصول الفيضانات، وغرق مئات الناس، وانهدام مئات البلدان، بسبب تغير مناخ الأرض، وما هو إلا أثر لهذه العلوم عندما لا تحكمها أخلاق الإنسان، وحب الإنسان لأخيه الإنسان، هذا هو شأن العلوم لما تكون بعيدة عن الأخلاق، نحن أمة تعتني بالقلب كما تعتني بالبدن، وتعتني بعلوم الدنيا كما تعتني بعلوم الآخرة.

    وقد ذم الله عز وجل أقواماً في كتابه لأنهم صرفوا همتهم إلى الدنيا ونسوا الآخرة، قال سبحانه في سورة الروم: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:6-7] حصروا أنفسهم وحكروها في تعلم أمور الدنيا، وهم في غفلة عن الآخرة، في غفلة عن الحساب، في غفلة عن الجزاء، وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7] ، لكنهم حتى في الدنيا كما قال الله: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم:7] حتى في الدنيا إنما علموا منها الظاهر؛ لأنهم لو علموا منها الباطن لو علموا حقيقة الدنيا كما خلقها الله لأوصلتهم إلى الآخرة؛ لأنها تدل الإنسان على خالقها؛ لأنها تقود الإنسان إلى ربها، لو علم الإنسان حقيقة الدنيا كما هي لما كان إلا من أهل الآخرة، ولكنهم فصلوا الدنيا عن الآخرة، وأخذوا قشوراً من الدنيا، أخذوا سطحيات هذه الدنيا، ولم يتمعنوا في خلقها، ومن ثم لم تدلهم على خالقها وعلى ربها يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].

    وصايا الآباء لأبنائهم المتعلمين

    نحن بحاجة عندما نرسل ابننا وبنتنا إلى المدرسة أن نعلم بأننا قبل ذلك محتاجون أن نغرس في قلبه الإيمان، وأي انفصام نكد أعظم من هذا الانفصام الذي نراه في اهتمام الأسرة، فمن الصباح المبكر تصبح الخدامة تعد أنوع (السندويتشات)، ويصبح الكل في حالة طوارئ؛ لأن ميعاد المدرسة قد اقترب، والطفل لا بد أن يذهب إلى المدرسة، لكن قبل نصف ساعة كان وقت صلاة الفجر وليس في البيت حراك، وكأن الأمر لا يعنيهم، أي شيء نطلبه نحن في هذه الدنيا؟ ما الذي نريده؟!

    سفيان الثوري رحمه الله الإمام العلم من أرباب المذاهب المتبوعة نشأ في بيت فقير، نشأ يتيماً، أمه هي التي ترعاه وتربيه، كيف وصل إلى هذه القمة السامقة؟ وكيف حصل له كل هذا الشرف؟

    اسمعوا إلى أمه وهي توصيه كيف يتعلم، كيف يدرس، أمه تعمل بكد يدها، بمغزلها وخيطها، تنسج وتبيع لتصرف على ولدها الفقير، تقول له: يا بني! هذه عشرة دراهم خذها واذهب وتعلم بها عشرة أحاديث، يعني: أنفقها حتى تتعلم بقدرها أحاديث، ثم ارجع إلي، اذهب فتحفظ عشرة أحاديث، فإذا رأيتها - يعني: هذه الأحاديث -، تغير من جلستك -يعني: كيفية جلوسك- ومشيتك، وحديثك مع الناس، فارجع إلي فسأعينك بمغزلي هذا، وإن لم تغير فيك شيئاً فدعه عنك، يعني: دع العلم عنك، فإني أخشى أن يكون وبالاً عليك يوم القيامة.

    إذا لم يكن للعلم أثر في أخلاقنا، إذا لم تكن الدراسة لها أثر في آدابنا، إذا لم يظهر التعليم رقياً في سلوكنا وأخلاقنا وكلماتنا، وإذا لم يقربنا العلم من ربنا، ويصلح دنيانا وآخرتنا، فلا خير في العلم، ولن نصل إلا إلى ما وصل إليه المفلسون من قبلنا، شرور يركب بعضها بعضاً، وآثام يعلو بعضها بعضاً، وبعداً عن الله كل يوم في ازدياد، وأي خير في دنيا إذا فسدت الآخرة؟! أي فخر في بنيان يطاول السحاب إذا كانت الأخلاق والفضائل مدفونة تحت التراب؟! أي فخر في تحصيل العلوم والمعارف إذا كانت القلوب فارغة من الدين والتقوى والإيمان والورع؟!

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    إشكاليات في مجال التعليم

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! هنا مسألتان مهمتان في مسائل التعليم اليوم لا سيما في بلادنا هذه:

    الإسراف في تعليم اللغة الإنجليزية

    المشكلة الأولى: الإسراف في تعلم اللغة الأجنبية (الإنجليزية)، الإسراف وليس مجرد التعليم، الإسراف الملاحظ في مناهج التعليم، وفي رغبة الأسر وأولياء الأمور في تعلم هذه اللغة، نعم الإنجليزية اليوم مفتاح للعلوم الكونية، ولن نصل إلى العلوم الكونية إلا إذا أتقنا هذه اللغة؛ لأنها لغة العلم، هذا أمر مسلم لا يناقش فيه أحد، ولكن السؤال المهم: هل كلنا بحاجة أن نتعلم هذه اللغة؟ هل كلنا بحاجة أن يتقن هذه اللغة؟ هل كلنا بحاجة إلى ترجمة العلوم من تلك اللغة إلى لغتنا؟ الجواب: لا، ومن ثم فإنه ينبغي أن يكون اهتمامنا بهذه اللغة على قدر حاجتنا منها، ينبغي أن يكون الاهتمام وصرف الأوقات إليها بقدر ما يحقق المنفعة والمصلحة، لا لذات اللغة نفسها، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال، لكننا أمام أمر واقع، أمام أمر حاصل، وهو أن الطالب في سنواته الأولى من التعليم في الثالثة والرابعة والخامسة يتعلم اللغة الإنجليزية قبل أن يتعلم الحروف العربية، قبل أن يتعلم كتابة كلماته العربية وقراءتها يتعلم الإنجليزية، ماذا نريد؟ وكيف سيكون هذا النشء؟! وكيف نتصور حال هذه الأمة بعد عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً إذا لم يتعلم الولد لغته: لغة القرآن.. لغة الحديث.. لغة الصلاة.. لغة الفقه.. لغة الأدب؟! كيف سيكون حال النشء إذا لم يجيد هذه اللغة؟! نحن في الطريق إلى أن نكتفي من اللغة العربية بالكلمات المستعملة في حياتنا اليومية، هذا سيكون حالنا بعد سنين، سيكتفي الواحد منا العربي أباً وجداً، العربي سكناً وموطناً، العربي نشأة وأصالة، العربي ثقافة وحضارة، سنصل مع الأيام إلى أنه يكتفي من العربية بالكلمات التي يستعملها في السوق، وفي الدكان، وفي حياته اليومية.

    نحن بحاجة أن نربي أبناءنا وأن نعلمهم لغة القرآن حتى يفهموا كتاب الله، وحتى يبقوا على صلة بهذه اللغة التي جعلها الله وعاء لهذه الشريعة، فكما نعلمهم الإنجليزية لا أقل من أن نهتم بالعربية بجانبها، فنعلمهم من العربية كما يتعلمون الإنجليزية، وإذا كنا نستورد المدرس ونحضره إلى البيت ليعلمه الإنجليزية، ونبعثه البعثات الطويلة ليتعلم هذه اللغة، فإننا مطالبون في الوقت نفسه أن نبذل كل تلك الجهود في مقابل تعلمه لغة القرآن ولغة الإسلام، نحن بحاجة أن نتنبه أيها الإخوة! وأن نستيقظ لما يراد بنا، ولما يحاك ضدنا.

    إننا بحاجة أن نربي في أنفسنا حب لغة الإسلام، حب لغة القرآن، حب هذه اللغة وتعلمها؛ فإنها الوصلة بيننا وبين شرع الله، وهي الأداة التي بها نفهم مراد الله، وهي الوسيلة التي بها نفهم مقصود الله من وراء شرعه، ثم نبلغه للناس كافة، لسنا ضد تعلم اللغة الإنجليزية بالمطلق، وقد سمعتم الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر الصحابة بأن يتعلموا السريانية، لكنه تعلم على قدر الحاجة، لم يأمر أبا بكر و عمر و عثمان و علياً وسائر الصحابة أن يتعلموا السريانية، أمر واحداً أن يتعلم لأنه على قدر الحاجة، إذا عظمت الحاجة فليكن التعلم بقدر الحاجة أيضاً، قل العدد أو كثر، كيفيتها وكميتها ينبغي أن يكون تعلمنا للمصلحة والمنفعة.

    تعليم المرأة

    المشكلة الثانية: تعليم الأنثى، المرأة كالرجل سواء بسواء في حق التعليم، تتعلم كما يتعلم الرجل، لكن من المهمات أن نعد الرجل لما ينبغي أن يعد له، ونعد المرأة لما ينبغي أن تعد له، التعليم وسيلة وأداة لإعداد الفرد الصالح داخل المجتمع، نحتاج إلى الطبيب فنعد الطبيب، ونحتاج إلى المهندس فنعد المهندس، نعد كلاً لما تعطيه قدراته وإمكاناته، ولما نتوخاه ونرجوه من ورائه من النفع والمصلحة، هذه فكرة التعليم باختصار، التعليم إعداد للمجتمع؛ ليعيش حياة متكاملة، حياة آمنة، حياة مطمئنة تتوفر فيها الحاجات، وتنقضي فيها الأمور؛ ولهذا اهتم الناس بالتعليم، وبذلوا فيه أموالهم وجهودهم وأوقاتهم.

    المرأة ما الذي نريده منها؟ هذا السؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل أب وكل أم على نفسهما وهما يعلمان البنت، ما الذي نريد من هذه البنت؟ أنريد من البنت أن تحارب الرجال، وأن تصارعهم في مواطن العمل؟ أنريد من البنت أن تزاحم الرجال وتعاضدهم في مواطن الأشغال الشاقة؟ ما الذي نريده من البنت؟

    إن المقصود الأول من المرأة أن تقوم بإعداد النشء، بتربية الجيل وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33].

    الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق

    نحن بحاجة أن نعد البنت لهذه الوظيفة التي تنتظرها، وهي وظيفة الأمومة، وظيفة تربية أبنائها، وظيفة القيام بإعداد الجيل الصالح، فإن صلاح الدول بل صلاح البشرية مرهون بصلاح هذه الأسرة؛ لأن الأسرة هي النواة الأولى لتكوين المجتمعات، إذا صلح البيت صلح المجتمع الكبير بعد ذلك، نحن بحاجة أن نعد الأم لهذه الوظيفة، وعلينا أن نتيقن جازمين مهما أغرتنا مغريات الدنيا، مهما ألهتنا الدنيا بزخارفها وزينتها، مهما شغلتنا هذه الحضارة الزائفة، علينا أن نتيقن بأن أمن المجتمع وصلاح المجتمع وهدى المجتمع مرهون بأن تقوم الأسرة بدورها في تربية أبنائها وبناتها، نحن بحاجة إلى القيام بهذه الوظيفة على الوجه الأكمل، لا سيما في هذا الزمان الذي أصبحت وسائل متعددة تشاركك وتقاسمك ولدك، كم من الجهات تقاسمك يوم ابنك وليلته؟ كم أنت تحظى من الساعات في عمر ولدك خلال اليوم والليلة؟ كم الساعات التي يقضيها في المدرسة؟ وكم الساعات التي يقضيها مع زملائه وأقرانه؟ وكم الساعات التي يقضيها وهو يتسكع في الشوارع والأسواق؟ وكم الساعات التي يقضيها أمام القنوات والشاشات؟ وكم الساعات التي يقضيها أمام الشات؟ كم بقي لك من الساعات؟ هذه الساعات حق عليك أن تبذلها في إعداد ولدك وبنتك لما ترجو لهما من الاستعداد للحياة، الاستعداد لهذه الدنيا، والقيام بهذه الوظائف، وهنا كلمة دائماً أرددها وأقول: يا إخواني! أخرجنا حفصة وفاطمة وعائشة وزينب من البيت لتتلقى وظيفة أخرى، وجئنا بأسماء أخرى من الفلبين وغيرها من البلدان لتتولى وظيفة حفصة وفاطمة وعائشة وزينب.

    هناك وظيفة شاغرة شئنا أم أبينا، هناك وظيفة تحتاج إلى من يشغلها، وهي القيام على الأبناء والبنات في البيت، فإما أن تتولاها الأم الرحيمة الرءوفة المشفقة، التي يهمها ويعنيها مصلحة أبنائها وبناتها، وإما أن تتخلى عن هذه المسئولية ليتولاها غيرها ممن جاء من الشرق أو الغرب، وأنتم أدرى بعد ذلك بالمقارنة بين المصالح والمفاسد.

    نحن مع تعليم المرأة، والاهتمام بتثقيف المرأة، وإعدادها لتكون عضواً نافعاً في مجتمعها، لكن بالقدر الذي تتحقق به المصلحة مع إعدادها للمهمات والوظائف التي ينبغي أن تقوم بها.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم يا حي! يا قيوم! برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[الفرقان:74].

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة:201].

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756565683