إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب الحج [16]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يجب على الحاج بعد التحلل الثاني أن يرجع إلى منى ليبيت بها؛ لأن المبيت فيها ليالي التشريق واجب على الراجح من أقوال العلماء، فإذا لم يجد مكاناً أو شق عليه المبيت فإنه يسقط في حقه، ويمكث فيها بعض الليل بمقدار ما يصدق عليه لفظ البيتوتة، فإن ترك المبيت لزمه إراقة دم؛ لأنه ترك نسكاً، ثم يرمي الجمار في أيام التشريق، فيرمي في يوم الحادي عشر بعد الزوال، ويجوز في اليوم الثاني والثالث عشر أن يرمي قبل الزوال لمن تعجل.

    1.   

    ما يفعله الحاج بعد التحلل الثاني

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    أهلاً وسهلاً بكم أيها الأحبة المشاهدون في كل مكان في برنامجكم: الأكاديمية العلمية، نرحب بكم في هذه السلسلة المباركة من الدروس العلمية، ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما نسمع ونقول.

    أحبتنا نتواصل معكم في هذا اليوم المبارك في درس عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى، ويسعدنا أن يكون في ضيافتنا هذا اليوم وكل يوم بإذن الله تعالى صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي المساعد في المعهد العالي للقضاء، في مطلع هذه الحلقة نرحب بكم شيخ عبد الله فحياكم الله.

    الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

    المقدم: الترحيب أيضاً موصول للإخوة الكرام طلاب الأكاديمية الإسلامية المفتوحة في كل مكان على تواصلهم معنا ودعمهم لبرنامجنا، والذي هو بعد عون الله تعالى خير دافع لنا في تقديم المزيد من مثل هذه البرامج، أحبتنا يسعدنا تواصلكم معنا عبر الموقع للأكاديمية (www.islamacademy.net) يسعدنا من خلاله تلقي اقتراحاتكم وملحوظاتكم، كما أيضاً نتلقى أسئلتكم عبر هذا الموقع، كذلك يسعدنا -أيها الأحبة- تلقي اتصالاتكم الهاتفية عبر هواتف البرنامج، والذي تظهر تباعاً على الشاشة، نرحب بكم مرة أخرى، ونسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لكل خير، ونطلب من الشيخ عبد الله يتفضل مشكوراً مأجوراً ببدء هذه الحلقة.

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا المجلس مجلس خير وبركة، وأن يعمنا بفضله ورحمته، وأن تحفنا ملائكته بالرحمة والإنعام، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

    وصلنا إلى قول المؤلف: [ باب ما يفعله بعد الحل ] ونحن قد انتهينا من طواف الإفاضة، وبعد ما يطوف للإفاضة يرجع إلى منى، فلتقرأ -بارك الله فيك- شيئاً مما ذكره المؤلف في كتابه.

    المقدم: قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب ما يفعله بعد الحل: [ ثم يرجع إلى منى ولا يبيت لياليها إلا بها، فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها، كل جمرة بسبع حصيات، يبتدئ بالجمرة الأولى فيستقبل القبلة، ويرميها بسبع حصيات، كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم فيقف فيدعو الله، ثم يأتي الوسطى فيرميها كذلك، ثم يرمي جمرة العقبة ولا يقف عندها، ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك، فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب، فإن غربت الشمس وهو بمنى لزمه المبيت بمنى والرمي من غد، فإن كان متمتعاً أو قارناً فقد انقضى حجه وعمرته، وإن كان مفرداً خرج إلى التنعيم فأحرم بالعمرة منه، ثم يأتي مكة فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر، فإن لم يكن له شعر استحب أن يمر الموسى على رأسه، وقد تم حجه وعمرته، وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد، لكن عليه وعلى المتمتع دم؛ لقوله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] ].

    المراد بقول المؤلف: (باب ما يفعله بعد الحل)

    الشيخ: يقول المؤلف: (باب ما يفعله بعد الحل).

    يعني: بعدما يتحلل التحلل الأول والثاني؛ لأننا قلنا أنه إذا رمى وحلق فقد تحلل التحلل الأول، وبقي عليه التحلل الثاني، فإذا طاف للإفاضة فقد تحلل التحلل الأول والثاني، وهذا مراد المؤلف بقوله: (باب ما يفعله بعد الحل) يعني: بعدما يطوف طواف الإفاضة؛ لأن الله يقول: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، فإذا طاف الإنسان طواف الإفاضة -وإن كان متمتعاً أو قارناً أو مفرداً- ولم يكن قد سعى قبل عرفة فإنه يطوف ويسعى، والسعي هنا لا علاقة له بالتحلل على الراجح؛ لأن السعي واجب وليس بركن كما هي الرواية عند الحنابلة، وليس هو بسنة كما يقول الأحناف، وسوف نتحدث -إن شاء الله- عن حكم السعي، وهل هو ركن أو واجب وأدلة ذلك.

    بيان مكان صلاة الظهر للحاج بعد التحلل

    الشيخ: يقول المؤلف: (ثم يرجع إلى منى).

    بالنسبة لرجوعه إلى منى قلنا: أنه يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يتجه إلى منى، فهل السنة أن يصلي الظهر بمكة، كما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر ، قال: ( ثم أفاض يوم النحر فصلى بمكة الظهر ثم رجع )، فهذا حديث جابر أنه صلى بمكة الظهر، أو يصلي الظهر بمنى كما في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: ( أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه، وقال ابن عمر : أفاض يوم النحر ثم رجع، فصلى الظهر بمنى

    اختلف العلماء في ذلك، فقيل: القول قول جابر: أنه صلى بمكة الظهر.

    وقيل: القول قول ابن عمر أنه صلى بمنى الظهر.

    وقيل -وهو القول الثالث-: أنه يجمع بينهما؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بمكة الظهر، ثم رجع فصلى بأصحابه أيضاً الذين كانوا قد بقوا في منى.

    والأقرب -والله تبارك وتعالى أعلم- أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد صلاة الظهر في منى ولا في مكة، فنقول: السنة أن يطوف نهاراً بعد الرمي والحلق، فإذا اتفق وحضرت الصلاة وهو بمكة فالأقرب أن يصليها في مكة قصراً إلا إذا كان مع الإمام فيصليها مع الإمام، وإن كان قد اتفق أنه انتهى من طواف الإفاضة ثم رجع في طريقه قبل الأذان أو قبيل الأذان فلا ينتظر حتى يصلي، فإنه يذهب إلى منى فيصلي بمنى الظهر، أي أنه يفعل ما هو أيسر له، ولا يتقصد الصلاة في مكة أو في منى، بل كيفما اتفق، فالعبرة أنه ينهي أعمال النسك، ثم يتجه إلى منى، فإن أدرك الظهر في مكة صلى، وإلا فإنه يتجه فيصلي في منى الظهر، هذه المسألة الأولى.

    المبيت بمنى أيام التشريق

    الشيخ: المسألة الثانية: قول المؤلف: (ولا يبيت لياليها إلا بها)، هذه مسألة حكم المبيت بمنى أيام التشريق.

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المبيت بمنى واجب، وليس بسنة، ودليل ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، وجاء أيضاً من حديث مالك بن أنس كما في موطئه من طريق عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في البيتوتة بمنى ) قال الحافظ ابن حجر : والتعبير بالرخصة دليل على أن مقابلها العزيمة، فهذا يدل على أن المبيت بمنى واجب، ولهذا رخص فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وضد الرخصة العزيمة كما قال الحافظ ابن حجر ، و ابن قدامة أشار إلى نحو من ذلك، هذا دليلهم.

    واستدلوا أيضاً بما رواه مالك من طريق نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا يبيتن أحد من الحاج أيام منى من وراء العقبة، يعني: خلف جبل العقبة، وجبل العقبة هو الجمرة الكبرى، فالجمرة الكبرى هي آخر منى، وهي أقرب الجمار إلى مكة، فإذا تعداها قليلاً فقد خرج من منى، فقال عمر : لا يبيتن أحد من الحاج أيام منى من وراء العقبة، وكان يبعث رجالاً لا يدعون أحداً يبيت وراء العقبة، هذا القول الأول.

    القول الثاني: قول أبي حنيفة رحمه الله، وهو رواية عند الحنابلة، ذهبوا إلى أن المبيت بمنى سنة وليس بواجب، واستدلوا على ذلك بأدلة:

    أولاً: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس مع أنه ليس ثمة حاجة للناس؛ لأنهم يستطيعون أن ينزلوا فيشربوا، فكونه رخص للعباس دليل على أنه ليس بواجب.

    وقالوا: إنه لم يأمر العباس بشيء، ولو كان واجباً لأمره بشيء.

    واستدلوا أيضاً بما رواه ابن أبي شيبة من طريق زيد بن الحباب قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع ، قال: أخبرنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إذا رميت -يعني: الجمار- فبت حيث شئت، وهذا الحديث رجاله رجال مسلم ، ولكن اختلف في زيد بن الحباب ، فوثقه ابن المديني وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الإمام أحمد : كان صدوقاً، وكان يكتب ويضبط الحديث، ولكنه كان كثير الخطأ، فلعل هذا من أوهامه، أو يقال: إنه قول ابن عباس ، وقد خالفه غيره من الصحابة كـعمر الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن يطيعوا أبا بكر و عمر يرشدوا )، وكذلك خالفه ابن عمر رضي الله عنهما، و ابن عباس اختلفت الرواية عنه، فمرة قال: لا يبت أحد من الحجاج من وراء العقبة، ومرة قال: فبت حيث شئت، وأقول بالنسبة للحديث: لعل هذا من أوهام زيد بن الحباب ، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.

    لكننا نقول: إن الأقرب هو الوجوب، وكونه رخص للعباس دليل على أن كل من كان معذوراً عن البيتوتة بمنى إما بسببه كأن يكون مريضاً فجلس في المستشفى، أو كان مرافقاً لمريض، أو لم يجد مكاناً في منى، فإنه يبيت كيفما اتفق، أي يبيت حيث يشاء، وأما إذا لم يجد مكاناً فلا يلزم أن يبيت بمزدلفة، وما ذكره بعض مشايخنا أنه يلزمه أن يبيت قريباً من منى استدلالاً باتصال الصفوف، فيلزمه أن يبيت بمزدلفة، فنقول: إن البيتوتة بمنى مشعر، فإذا لم يجد مكاناً بمنى فسواء بات بمزدلفة أو بات بالعزيزية أو بات بشراء لا شيء في ذلك؛ لأن العبرة بمنى، فإذا لم يجد مكاناً في منى فإنه يبيت حيثما شاء، كما جاء في بعض الروايات: (فبت حيث شئت)، وإن كان في سنده ضعف.

    وعلى هذا نقول: إذا لم يجد مكاناً بمنى، أو كانت الخيام غالية الثمن في حقه، أو هي أغلى من سعر مثلها، أو لا يستطيع فإننا نقول: لا يلزمه الشراء، ومن الأدلة على أنه لا يلزمه الشراء أن العلماء ذكروا أن من لم يجد ماء للوضوء إلا بسعر أعلى من مثله لا يلزمه الشراء، ونحن نقول: إن هذا يختلف بحسبه، فإذا وجد مكاناً بمنى مثل سعر الشراء فأرى -والله أعلم- أنه ينبغي له ألا يفرط فيشتري؛ لأن هذا بسعر مثله، وإذا كان غالي الثمن فلا يلزمه أن يشتري، والله أعلم.

    إلا أننا نقول إن بقاءه قريباً من منى فيه استشعار عظمة الحج، ووجوده مع الحجيج يستشعر هذه العظمة أكثر مما لو جلس في شقة في العزيزية أو غيرها، ربما لا يستشعر أنه في حج، أو غير ذلك.

    على كل حال نقول: إذا لم يجد مكاناً أو شق ذلك عليه فإنه يسقط في حقه المبيت، ولا يلزمه أن يجلس في الطرقات؛ لأن هذا لا يصلح لمثله، هذا واحد.

    الثاني: أن بقاءه في الطرقات مضرة على نفسه.

    الثالث: أن بقاءه في الطرقات مضرة على المسلمين، وكم يشق على الحجاج أولئك الإخوة الذين يفترشون الطرقات فإن هذا ضرر عظيم، وأرى أنه من الواجب منع الناس من هذا الأمر، ولو أن كل واحد من الحجاج وهو يسير في طريقه نصح إخوانه، وقال: هذا من الأذية، و (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) كما قال صلى الله عليه وسلم، فيجب على المسلمين ألا يزاحموا إخوانهم، ولا يلزمهم إذا لم يجدوا مكاناً أن يبيتوا في ذلك المكان، بل ينبغي لهم أن يبتعدوا، ولو اقترح جعل طرق معينة كبيرة ستة متر أو عشرة متر أو ثمانية متر طرقاً لا يمكن البيتوتة فيها، وما زاد على ذلك يسمح فيه لكان في ذلك تخفيف على الناس الذين يذهبون ويجولون، وأرى أن ذهاب الناس في الليل ربما يكون فيه من المشقة عليهم أشد من النهار؛ لأن الطريق إلى الرمي ربما يشق عليهم أكثر من زحامهم حين يرمون؛ ولهذا نقول: إنه ينبغي للحجاج ألا يفترشوا الطرقات؛ لأن في هذا مضرة على المسلمين، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

    مقدار بيتوتة الحاج في منى

    الشيخ: المسألة الأخرى: إذا ثبت أن المبيت بمنى واجب، فما مقدار البيتوتة؟

    بعض الإخوة يرى أن مقدار البيتوتة ساعات يعني: يحدد ذلك بالساعات فيحسب من غروب الشمس إلى طلوع الفجر فيقسمه على اثنين، ويزيد ساعة أو نصف ساعة؛ استدلالاً بما ذكره النووي في المجموع وكذا الحنابلة: أنه يبيت معظم الليل، قالوا: معظم الليل يكون أكثر من نصف الليل، وأرى -والله أعلم- أن هذا أحوط له، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للعباس في البيتوتة، والبيتوتة تقتضي أموراً:

    أولاً: أنه لا يلزم من البيتوتة النوم.

    الثاني: أن البيتوتة المقصود بها البقاء في الليل.

    الثالث: أن البيتوتة كل ما صدق عليه إطلاقه في اللغة أن فلاناً بات، فإنه يجزئه، وهذا يحصل بمعظم الليل أو أقل من ذلك، وعلى هذا نقول: إذا جلس أربع ساعات أو ثلاث ساعات ونصف أو خمس ساعات فإنه يجزئه إن شاء الله؛ لأنه يصدق عليه أنه بات، وقد تكون البيتوتة ساعتان أو ثلاثاً إذا كانت في آخر الليل؛ لأن البيتوتة تطلق في الغالب على آخر الليل، وقد روى أهل السنن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت هو و عمر و أبو بكر ) يبيتون يهتمون بأمور المسلمين، والبيتوتة هنا في آخر الليل، وهذا -والعلم عند الله- أقرب، ولكن لو جلس في أول الليل ساعتين أو ثلاث ساعات أو أربع ساعات إن شاء الله يجزئه ذلك، والعلم عند الله.

    المقدم: نعم، شيخ عبد الله الآن نتحدث أن السنة أن يبيت في منى، ولكن تطبيق السنة في هذا الوقت يعجز عنها الإنسان.

    الشيخ: نحن نقول: واجب وليس سنة، ولكن إذا لم يجد مكاناً فإنه يسقط في حقه، وإذا بحث في أول يوم ولم يجد فلا يلزم أن يبحث كل يوم؛ لأن منى الآن امتلأت خياماً، فلا يلزمه أن يخرج في كل يوم يبحث، بل يكفي مرة واحدة، أو يغلب على ظنه أنه لن يجد شيئاً، أو قال: وجدت الخيام غالية الثمن، ولا يصلح لمثله فإنه لا يلزم أن يخرج؛ لأن هذا من باب إخبار الثقة بأمر يحصل به الاعتماد عليه في الشرع.

    ما يلزم من ترك المبيت بمنى

    الشيخ: المسألة الأخرى وهي المسألة الرابعة: لو ترك المبيت فما يلزمه؟

    قلنا: كل من ترك واجباً فإنه يلزمه أن يريق دماً، كما روى ابن عباس من طريق عطاء أنه قال: من ترك نسكاً أو نسيه فليرق دماً، ومعنى ترك نسكاً: ترك واجباً، وقول بعض الفضلاء: إن هذا معناه أنه يلزم من ترك نسكاً سواء كان هذا النسك واجباً، أو كان هذا النسك مستحباً، قلنا: إنه من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الصلاة: ( فإذا سها فليسجد سجدتين )، ومعلوم أن السهو هنا المراد به السهو في من ترك واجباً وليس في من ترك ركناً؛ لأنه لم يؤد الصلاة، وكذلك ليس هو في من ترك مستحباً، لكن من ترك مستحباً ومثله لا يتركه فإنه يشرع له أن يسجد للسهو، كما لو كان من عادته أنه لا يفرط في دعاء الاستفتاح فنسيه مرة، فنقول: يشرع له أن يسجد للسهو، كذلك يقال هنا: إنه من ترك نسكاً من المستحبات فالأفضل له أن يتصدق أو يذبح دم، لكن الذي يجب عليه هو الذي ترك واجباً، كذلك يقال هنا، ولا يمكن أن يقال: إن هذا قول ابن عباس وليس بمشتهر، بل إن هذا من أعظم الاشتهار، فأنت تعرف أن المدارس بعد عصر الصحابة أربع مدارس: مدرسة الحجاز، ومدرسة مصر، ومدرسة العراق، ومدرسة الشام، فأربع مدارس من مدارس المسلمين كل من كان فيها يرى وجوب الدم لمن ترك واجباً، كما نقل ذلك الإجماع غير واحد من أهل العلم كـابن قدامة و ابن المنذر و النووي و الخطابي و ابن حجر و ابن تيمية ، و ابن رشد ، وغير واحد من أهل العلم قالوا: إن من ترك واجباً فليرق دماً، واختلاف الصحابة أو اختلاف التابعين على أنه لا يلزم شيء، لا لأنهم لا يرون وجوب الدم على من ترك واجباً، بل لأنهم يرون أن هذه المسألة ليست بواجبة حتى يلزم بدم.

    وهذه المسألة يسميها علماء الأصول الاختلاف في تحقيق المناط، نحن نتفق على أن من ترك واجباً فليهرق دماً، لكنهم يختلفون هل من ترك البيتوتة ترك واجباً أم لا.

    فـأبو حنيفة يقول: من ترك واجباً فليهرق دماً، لكن لا يلزمه في من ترك المبيت بمنى؛ لأنه لا يرى وجوب المبيت بمنى، فهل قول أبي حنيفة أنه لا يلزمه دم، دليل على أنه لا يرى الدم في من ترك واجباً؟ نقول: لا، بل إنه يرى أن تحقيق المناط في مسألة ترك الواجب لم يتحقق في مسألة البيتوتة، وعلى هذا فقس.

    مقدار ما يوجب الدم من ترك البيتوتة في منى

    الشيخ: قلنا: لو ترك المبيت بمنى فإنه يلزمه دم، ولكن متى يلزمه دم؟

    اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة، فبعضهم قال: لو ترك ليلة فعليه نصف درهم، وقال بعضهم: لو ترك ليلة فعليه درهم، وغير ذلك من القياس، وقد قال ابن قدامة في المغني: وليس في ذلك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الدينار ونصف الدينار. والأقرب أن نقول: إن من ترك النسك وهو ليلتان لمن تعجل أو ثلاث ليال لمن لم يتعجل، وهي ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر وليلة الثالث عشر أو ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر لمن يتعجل، فإذا تركهما فإنه يلزمه دم، أما لو تعجل وترك ليلة فإننا نرى -والله أعلم- أنه لم يترك الواجب، إنما ترك بعض الواجب، فعلى هذا نقول: لو تصدق حسن، ولكن لا يلزمه شيء؛ لأنه لم يترك المبيت، وهذا هو رأي بعض علماء الحنابلة وبعض علماء الشافعية، وهو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز : أنه لا يلزمه الدم إلا إذا ترك الليالي كلها، فإذا ترك بعضاً وفعل بعضاً فقد أساء وخالف السنة وأثم، ولكن لا يلزمه؛ لأنه لم يترك النسك كاملاً.

    1.   

    وقت رمي الجمار في أيام التشريق الثلاثة

    الشيخ: المسألة الخامسة: السنة أن يرمي الجمار بعد الزوال، وهي قوله: ( فيرمي بها الجمرات بعد الزوال من أيامها ).

    السنة بإجماع أهل العلم على أن رمي الجمار إنما يكون بعد الزوال من اليوم الحادي عشر، واستدلوا على ذلك بأدلة:

    أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار أيام التشريق بعدما زالت الشمس، قال جابر في صفة حجته كما في صحيح مسلم : ( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس )، وكما روى البخاري في صحيحه من طريق سفيان عن وبرة : ( أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، قال: متى أرمي الجمار؟ قال: كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا الجمار )، هذا هو السنة بلا شك، ولا اختلاف عند أهل العلم أن السنة أن يرمي الجمار بعدما تزول الشمس، ولكن المختلف هل لو رمى الجمرة قبل الزوال هل يصح أم لا؟

    نقول: اختلف العلماء في ذلك على أقوال:

    القول الأول: قول جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو قول ابن عمر : أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، هذا قول عامة الفقهاء، واستدلوا على ذلك بأن أيام الجمار قسمان: جمرة العقبة يوم النحر، وأيام الجمار أيام منى، فلا يمكن أن يقاس رمي جمرة العقبة على أيام الجمار، ولهذا لو ترك الجمار كلها وجب عليه دمان؛ دم لأيام التشريق ودم لجمرة العقبة، قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا بدايته وهو إذا زالت الشمس، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة أنه رمى قبل الزوال، فنقول: الأصل أن اليوم الحادي عشر لا يجوز رميه قبل الزوال، و ابن عمر و جابر بينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى الجمار بعدما زالت الشمس، فدل ذلك على أنه لا يجوز رمي الجمار في اليوم الحادي عشر قبل الزوال؛ لأن الرسول بين بدايته ولم يبين لنا نهايته إلا في آخره وهو قبل غروب الشمس يوم الثالث عشر، أو قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر لمن تعجل.

    القول الثاني: هو قول طاوس وروي عن عطاء: أنه يجوز أن يرمي الجمار قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، ولا أعلم دليلاً في ذلك لهم إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( افعل ولا حرج )، ولهذا نقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( افعل ولا حرج ) دليل في مسألة الفعل، والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا البداية، ولم يبين لنا النهاية، فلا يمكن أن نستدل به.

    وعلى هذا نقول: الأصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( خذوا عني مناسككم )، ولا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، واستدل بعض الفضلاء بأنه إذا جاز رمي جمرة العقبة بعد غياب القمر قبل الفجر، فإنه يجوز أيام التشريق قبل الزوال، ولكن هذا قياس مع الفارق؛ لأنه لا يقاس جمرة العقبة على أيام التشريق؛ لأن هذا حكم مستقل. فهم لا يستدلون إلا بالقياس وعموم قوله: ( افعل ولا حرج )، قالوا: لأن الرسول أمر بالفعل، وأما الوقت فيختلف، هذا هو القول في المسألة الأولى.

    حكم رمي الجمار قبل الزوال في يوم الثاني عشر والثالث عشر

    الشيخ: المسألة الثانية: هل يجوز رمي الجمار في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن ينفر، أو اليوم الثالث عشر قبل الزوال، أم لا؟

    نقول: اختلف العلماء في ذلك، فذهب مالك و الشافعي و أحمد في المشهور عنهم إلى أنه لا يجوز رمي جمرة العقبة في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ومن رمى قبل الزوال في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر وجب عليه أن يعيد فكأنه لم يرم، واستدلوا على ذلك بأدلة:

    أولاً: ما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر : ( رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس )، الحديث الآخر حديث ابن عمر كما مر معنا من طريق البخاري : حدثنا سفيان عن وبرة ( أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، ثم أعاد فقال نفس الجواب، ثم قال ابن عمر : كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا الجمرة ) قالوا: فـابن عمر قال: ( كنا نتحين )، فهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحين، ولو كان رمي الجمار قبل الزوال لرمى عليه الصلاة والسلام و ( ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً )، فكونه يختار الرمي بعد الزوال دليل على أنه لا يجوز قبله، قالوا: والرسول صلى الله عليه وسلم قدم الرمي على الصلاة مما يدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، هذا دليلهم، واستدلوا أيضاً بما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا ترمى الجمار قبل الزوال، هذا القول الأول.

    القول الثاني في المسألة: أنه يجوز رمي الجمار في اليوم الثاني عشر قبل الزوال مع اختلاف عندهم لمن أراد أن ينفر، أو لمن لم يرد أن ينفر، وأرى أن هذا القول هو قول أبي حنيفة ، ورواية عن أحمد ، وهو قول إسحاق بن راهوية ، و عطاء و طاوس ، وهو قول إمام الحرمين وهو الذي ثبت عن ابن عباس و ابن الزبير أنهم كانوا يرمون إذا أرادوا أن ينفروا قبل الزوال في اليوم الثاني عشر، وربما يستغرب الإخوة هذا الأمر، ولولا أثر ابن عباس لجبنا أن نقول به، ولكن أما وقد قاله حبر الأمة، فلا نجد غضاضة في هذا الأمر، وينبغي للمسلم وطالب العلم ألا يعول أقواله على مسألة الحاجة إلا بتقعيد قوي، ونحن عندنا أثر عن ابن عباس بسند صحيح وهو ما رواه عبد الرزاق في النسخة الغير مطبوعة كما ذكر ذلك ابن عبد البر في التمهيد، وكذا رواه ابن أبي شيبة كلهم من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: رمقت ابن عباس رمى الجمار في الظهيرة ثم نفر، وفي رواية: ثم صدر.

    وقوله: ثم صدر دليل على أنه رمى قبل الزوال في الإصدار اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، وهذا إسناد صحيح، بل قال يحيى بن سعيد القطان : رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة كلها صحاح، فهذا حبر الأمة رمى في اليوم الثاني عشر قبل الزوال، فدل ذلك على جوازه، هذا واحد.

    الدليل الثاني: ما رواه الفاكهي في أخبار مكة بسند صحيح على شرط مسلم قال: حدثنا محمد بن أبي عمر قال: حدثنا سفيان قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: ذهبت أرمي الجمار فسألته: هل رمى ابن عمر قالوا: لا، ولكن رمى أمير المؤمنين -يعنون بذلك عبد الله بن الزبير يعني: هو كان أمير الحج- قال: فانتظرت حتى زالت الشمس فخرج ابن عمر فرمى، فهذا يدل على أن عبد الله بن الزبير وكان أمير المؤمنين في الحج رمى قبل الزوال، وقد اقتدى الناس وخلق كثير بهم، فيبعد أن نقول: إنه لم يكن عليه الصحابة ولا التابعون، فهذا أمير الحج رمى قبل الزوال، وقد قال ابن عمر : إذا رمى إمامك فارم، ومن الأدلة على هذا قول ابن الزبير ، وهذا إسناده صحيح على شرط مسلم فهو عن محمد بن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار .

    ومن الأدلة على جواز رمي الجمار قبل الزوال في اليوم الثاني عشر: ما رواه مالك في موطئه، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في البيتوتة عن منى، وأن يرموا يوم النحر، واليوم الحادي عشر والثاني عشر في أحدهما، وأن يرموا يوم النحر )، هذا الحديث رواه يحيى بن سعيد القطان عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إسناد صحيح، و أبو البداح بن عاصم بن عدي اختلف في صحبته، فرجح الحافظ ابن عبد البر أنه ثقة، وأنه صحابي، وخالف في ذلك ابن حجر وقال: ليس بصحابي، واختلافهم هل هو صحابي أو ليس بصحابي دليل على أنه ثقة، وقد وثقه ابن حبان ، وهذا إسناد صحيح.

    وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا يوم الحادي عشر والثاني عشر في أحدهما، يعني: يجوز لهم أن يرموا الحادي عشر والثاني عشر في اليوم الحادي عشر، ويجوز لهم أن يرموا الحادي عشر والثاني عشر في اليوم الثاني عشر، وكون النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يرد الأمر إلى إرادتهم وهواهم دليل على أنه يجوز رمي اليوم الثاني عشر قبل الزوال، وهذا هو ما ظهر من كلام ابن رشد في بداية المجتهد.

    وأما قول بعض العلماء كونه يرخص للرعاة دليل على أنه لا يجوز لغيرهم، قلنا: كونه يرخص للرعاة أن يرموا يوم الثاني عشر في اليوم الحادي عشر دليل على جواز رمي اليوم الثاني عشر قبل الزوال، ولو كان ليس وقته لما جاز لهم أن يرموا، ومن المعلوم أن العبادات لا يجوز فعلها قبل وقتها ولو كان لعذر، فالمريض لا يجوز له أن يصلي الظهر قبل وقتها، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم خيرهم، وجعل ذلك تحت إرادة أن يرموا اليوم الثاني عشر في اليوم الحادي عشر أو يؤخروا اليوم الحادي عشر إلى اليوم الثاني عشر.

    وأما قول مالك : وأرى أن يؤخروا، فهذا اجتهاد من مالك رحمه الله ورضي عنه، وقد خالفه في ذلك بعض العلماء فقال: هذا دليل على جواز رمي الثاني عشر قبل الزوال، وأرى أن هذا القول قوي، ولو تأمله الإنسان، وتأنى فيه لرأى قوة هذا القول، ولكننا نقول: لا ينبغي للمرء أن يتعجل في الرمي إلا إذا أراد أن ينفر ويشق ذلك عليه؛ لأن الخلاف في هذه المسألة قوي، ولكني أرى -والله أعلم- أنه خاص بالضعيف أو الذي يشق ذلك عليه يعني: مثل من حجز في الطائرة، أو كان معه ضعفاء أنه يجوز له أن يرمي فيه قبل الزوال في اليوم الثاني عشر لمن أراد أن ينفر، أما إذا لم ينفر فإنه لا ينبغي له أن يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر كما كان ابن عباس يصنع.

    وعلى هذا فيقال: هل الرخصة في اليوم الثاني عشر لمن نفر لأجل الزحام؟ قلنا: ليس لأجل الزحام، ولكن لأجل الاعتماد على إيماءات النصوص والتنبيه، وفعل ابن عباس رضي الله عنه، وإن كان ابن عباس خالفه ابن عمر ، وإذا اختلف الصحابة -كما هو أصول الأئمة الأربعة- اجتهد الإنسان على ما هو أقرب إلى النص، وعلى هذا نقول: فاليوم الثاني عشر يجوز الرمي فيه قبل الزوال لمن أراد أن ينفر، فالاستدلال بثلاثة أدلة: أثر ابن عباس وهو إسناد صحيح، كما رواه ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة ، وكذلك أثر ابن الزبير ، والدليل الثالث حديث مالك في مسألة ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يرموا يوم الحادي عشر والثاني عشر في أحدهما.

    بداية وقت الرمي لمن أراد الرمي قبل الزوال

    المقدم: يا شيخ! بالنسبة لقبل الزوال يعني: هل يبدأ من الفجر مثلاً؟

    الشيخ: الأولى أن يبدأ بعد طلوع الشمس.

    المقدم: استدلال بعضهم بالتيسير على الناس وشدة الزحام إلى آخره من الأمور.

    الشيخ: نقول: إن المسألة إذا لم يرد فيها نص شرعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا نقول: ينبغي للمسلم أن يسهل على المسلمين؛ لأن ( الرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما )، أما إذا ورد فيه نص أو ظاهر نص، فإننا نذهب إليه، قد يقول قائل: هناك في المسألة نص، وهو ما روى البخاري من طريق سفيان عن وبرة ( أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: متى أرمي الجمار؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، قال: متى أرمي الجمار؟ قال: كنا نتحين )، قالوا: فهذا دليل، ولي على هذا الدليل وقفات:

    الوقفة الأولى: أننا نقول: إن ابن عمر لم يجعل هذا دليلاً على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، إنما جاء به دليلاً على استحباب التبكير في الرمي فقط، ومما يدل على ذلك أنه جاء في بعض طرق الحديث من طريق مسعر عن وبرة ( أن رجلاً أتى ابن عمر ، فقال: يا ابن عمر ! متى أرمي الجمار؟ قال ابن عمر : إذا رمى إمامك فارم، قال: أرأيت إن أخر إمامي الرمي، قال: إذا رمى إمامك فارم، قال: يا ابن عمر ! أرأيت إن أخر إمامي الرمي؟ قال: إذا رمى إمامك فارم، قال: أرأيت إن أخر إمامي الرمي؟ قال ابن عمر : كنا نتحين )، فـابن عمر إنما أشار إلى التحين والرمي قبل الظهر للدلالة على استحباب الرمي مبكراً لا متأخراً كما كان أميره يرمي، و ابن عمر إنما أمره أن يرمي بعد إمامه من باب أنه لا يحب له مخالفته فربما شق ذلك عليه، وأصيب بشيء يكرهه، فـابن عمر إنما جاء بهذا الحديث لا استدلالاً بأنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، ولكنه دليل على استحباب التبكير ليس إلا.

    الأمر الثاني: أن ابن عمر قال: ( كنا نتحين )، واستدلال الفقهاء أنه لو كان يجوز الرمي قبل الزوال لرمى والرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين، ولكنه عليه الصلاة والسلام فعل السنة في حجه، ومن أراد أن يفعل السنة فليفعل، فإذا وجد في ذلك مشقة فلا حرج في ذلك، قال عبد الله بن عمرو بن العاص : ( فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ من تقديم أو تأخير إلا قال: افعلوا ولا حرج )، فالعبرة بالفعل، فإذا فعل الإنسان وقدم أو أخر فلا حرج في ذلك؛ لأنه فعل، وأما استدلالهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الظهر ورمى الجمرة، ولو كان يجوز قبل ذلك لرمى قلنا: الرسول صلى الله عليه وسلم من المعلوم أن حجه كان في شدة الحر، ولهذا روى مسلم في صحيحه من حديث أم الحصين قالت: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من منى إلى عرفات و بلال و أسامة أحدهما آخذ بناقته، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر )، ومن المعلوم أن السنة في الحر أن يبرد الإنسان ليؤخر الظهر، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي ذر ومن حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أبرد أبرد، أو قال: انتظر انتظر )، وقال: ( إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة )، وقال ذلك في رواية أبي ذر في السفر، فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما أخر الظهر؛ لأنه أراد أن يبرد بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    وعلى هذا فنقول: إن الأقرب هو أن يرمي بعد الزوال، ولكن لو رمى قبل الزوال في اليوم الثاني عشر أجزأه ذلك إذا أراد أن ينفر، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.

    قصر الرمي قبل الزوال على ذوي الحاجة وكبار السن

    المقدم: شيخ! قصره على ذوي الحاجة وكبار السن هل له وجه؟

    الشيخ: لا، نحن نقول: من باب الخروج من الخلاف، ولو رمى القوي وأراد أن ينفر قبل الزوال فلا حرج في ذلك، فقد رمى ابن عباس و ابن الزبير وهو أمير المؤمنين في الحج، فهذا أثر عن ابن عباس ولا أعلم دليلاً عن الصحابة رضي الله عنهم في عدم جواز الرمي قبل الزوال إلا أثر ابن عمر ، كما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا ترمى الجمار قبل الزوال، ولكن عندنا أثران عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو أثر ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة و عبد الرزاق ، وأثر ابن الزبير كما أخرجه الفاكهي في أخبار مكة بإسناد جيد.

    حكم رمي الجمار ليلاً

    الشيخ: وقفنا على المسألة السادسة، والمؤلف رحمه الله لم يذكر مسألة الرمي ليلاً، وقد اختلف العلماء في ذلك هل يجوز رمي الجمار ليلاً أم لا يجوز؟

    مذهب الحنابلة -وهي الرواية المشهورة- أنه لا يجوز الرمي ليلاً، واستدلوا بأدلة على هذا، وقالوا: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس)، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمى أو أذن في الرمي ليلاً، هكذا قالوا. على هذا فإذا غربت الشمس فإنه ينتظر إلى اليوم الثاني عشر، فيرمي الجمار يوم الحادي عشر ثم بعد ذلك يوم الثاني عشر.

    واستدلوا على ذلك: بأنه رخص للرعاة أن يرموا ليلاً، قالوا: وضد الرخصة العزيمة، على أن غيرهم لا يجوز لهم الرمي.

    القول الثاني في المسألة هو قول أبي حنيفة و الشافعي وهو رواية عن أحمد أنه لا بأس بالرمي ليلا، واستدلوا بأدلة:

    أولاً: قالوا: أنه رخص للرعاة أن يرموا ليلاً، وأرى -والله أعلم- أنه لا يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز رمي الرعاة ليلاً، كل الأحاديث الواردة فيها ضعيفة، رواها أبو يعلى والبزار ورواه ابن ماجه ولا حاجة لذكر الأسانيد في هذا الأمر؛ لأنها كلها ضعيفة، وهذا قاعدة لطالب العلم نقول: الأحاديث في ترخيص رسول الله للرعاة أن يرموا ليلاً كلها ضعيفة، وأصح ما في الباب أثران:

    الأثر الأول: هو ما رواه مالك من طريق نافع أن ابنة أخ لـصفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر نفست في مزدلفة فتخلفت معها، فجاءتا من الغد بعدما غربت الشمس حتى أتتا ابن عمر فأمرهما أن يرميا الجمار ولم يأمرهما بشيء، فهذا يدل على أن ابن عمر أذن لهما أن يرميا في الليل، وهذا أثر بإسناد صحيح.

    ومما يدل على ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن سابط رضي الله عنه أنه قال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يقدمون حجاجاً فيدعون ظهورهم -يعني: النوق التي كانوا يحملونها- فيجيئون فيرمون بالليل، فهذا أثر و عبد الرحمن بن سابط من كبار التابعين أخبر أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يرمون ليلاً، وهذا يدل على جواز ذلك، وأما الراعي يرمي في الليل ويرعى في النهار فهذا أثر رواه أبو يعلى وسنده ضعيف، والأقرب أنه لا يصح في الباب شيء، وهذان أثران عن ابن عمر وعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على جواز الرمي بعد غروب الشمس، وأما حديث البخاري وحديث ابن عباس ( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: رميت بعدما أمسيت قال: افعل ولا حرج ) فهذا ليس دليلاً على الرمي ليلاً؛ لأن المساء يطلق بعد زوال الشمس، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب خطباً ولم يثبت عنه أنه خطب بعد غروب الشمس، فهذا يدل على أنه خطب بعدما رمى الجمار، فوقف فسأله آخر قال: ( رميت بعدما أمسيت، فقال: ارم ولا حرج )، فدل ذلك على أن هذا ليس دليلاً على الرمي ليلاً، وإن كان يطلق على المساء من بعد الزوال إلى بعد الليل.

    فضل الرمي في النهار

    المقدم: هل هناك فضل لمن يرمي في النهار مثلاً؟

    الشيخ: لا شك، قال ابن عبد البر : أجمعوا على أن من رماها بعد الزوال قبل غروب الشمس فقد رماها في السنة، أما إذا رماها في الليل فقد اختلف العلماء، وقلنا: الصواب جواز ذلك، لعلنا نقف عند هذا، ونستمع للإخوة المتصلين.

    1.   

    الأسئلة

    بيان متى يحصل التحلل الأول للحاج

    السؤال: قيل بأن الرمي إنما يكون بالتحلل الأول أي إنما يكون برمي جمرة العقبة، فهل لو طاف وسعى وحلق ولم يرم فإنه يتحلل، أو لا يتحلل حتى يرمي؟

    الجواب: إذا قلنا: إن الرمي يحصل بعد الطواف، فهل لو طاف للإفاضة وسعى وحلق يحصل التحلل الأول؟

    نقول: الأقرب والله أعلم أنه لو طاف الإنسان طواف الإفاضة فقد تحلل التحلل الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، فدل ذلك على أن المسلم لو طاف طواف الإفاضة فقد تحلل التحلل الأول، ويبقى عليه الرمي والحلق، فلو طاف بحد ذاته فقد تحلل التحلل الأول؛ لأن هذا هو الحل كله؛ ولأنه فعل الأركان كلها، ولكن لا ينبغي له أن يتحلل التحلل الثاني إلا بعد أن يرمي ويتحلل هو ويحلق.

    القول الراجح في وقت التحلل الأول

    السؤال: ذكرتم أن حديث (إذا رميتم وحلقتم) ضعيف، وذكرتم أن من ضمن الخمسة الأقوال في التحلل الأول الحلق ثم ذكرتم أن الحديث ضعيف، فأنا أسأل: ما هو القول الراجح إذاً في التحلل الأول؟

    الجواب: السؤال الثاني قوله: ( إذا رميتم وحلقتم ) يقول: إنكم ضعفتوه بسبب الحجاج بن أرطأة قلنا: نعم، لكن القول الراجح أن السنة ألا يتحلل الإنسان إلا بعد أن يرمي ويحلق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تحلل بالحلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حفصة : ( إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر )، ومن المعلوم أن النحر ليس هو علامة على التحلل، ولكن إذا نحرت فقد شرعت في التحلل وهو الحلق، ولكنه لو رمى وتحلل بغير الحلق قلنا: أساء ولا شيء عليه، ودليل ذلك الآثار الواردة عن الصحابة كـعائشة و عمر و ابن الزبير هذا هو المقصد، وعلى هذا فالتحلل يحصل برمي جمرة العقبة، ولكن لا ينبغي له أن يتحلل إلا بالحلق استدلالاً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولو تحلل بغير الحلق كأن لبس ثيابه وتطيب نقول: أساء وخالف السنة ولا شيء عليه.

    دليل القائلين بأن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة

    السؤال: القول بأن التحلل الأول فعل اثنين من ثلاثة هل على هذا دليل، وهل لهم دليل غير القياس؟

    الجواب: أما مسألة استدلالهم بأنه يحصل بفعل اثنين من ثلاثة، لا، نقول: ليس هناك دليل صريح في فعل اثنين من ثلاثة، إنما ذكروه قياساً، قالوا: لأن الرمي تحية منى، والحلق كذلك، والطواف قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:33]، قالوا: فإذا فعل اثنين من ثلاثة تأكد أنه اقترب من التحلل الثاني ولم يحصل له، ولكني أنا لم أذكر هذا لأن الاستدلال قياس، وقلت: إن أشهرهما قولان: الرمي والحلق، القول الثاني: الرمي، هذا الأقرب، والله أعلم.

    مدى صحة أن رسول الله كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً

    السؤال: هل صح شيء من الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي الجمار أيام التشريق ماشياً؟

    وهو هل يصح الرمي أيام التشريق في يوم واحد، أو أن كل يوم يخص برمي لوحده، بمعنى: هل يجوز تأخير الرمي إلى آخر يوم من أيام التشريق مرتبة لمن كان لديه عذر؟

    الجواب: أما مسألة المشي للجمار، الأقرب -والله أعلم- أن السنة في الجمار أيام التشريق هو أن يرميها ماشياً، ودليل ذلك أن الصحابة الذين نقلوا صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه رمى جمرة العقبة يوم النحر وهو على ناقته، وأما الثانية فإنهم لم يذكروا هذا، وقد ذكر ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة، ثم تقدم حتى يسهل )، ومن المعلوم أن هذا لا يتأتى إلا والإنسان ماشٍ، وهذا هو قول أكثر المحدثين فيما أعلم.

    المسألة الخامسة: هل أيام التشريق كاليوم الواحد؟ قلنا: هذه سوف نؤجلها إلى الدرس القادم.

    ما يجب على من أخر الحلق ومدى كون الحلق على الفور أو التراخي

    السؤال: شيخ! من أخر الحلق وتحلل قبل الحلق ما الواجب في حقه؟ ألا يجب الحلق على الفور مثلاً؟

    الجواب: نقول: يجب عليه أن يحلق، لكن لا يجب على الفور، أي أنه لا يجب عليه أن يحلق أيام التشريق، لكن الأولى له أن يحلق فيها، ولا يجوز أن يؤخره عن أيام التشريق.

    حكم التوكيل في الرمي ومدى براءة الذمة به

    السؤال: سؤالي بالنسبة للرجم ليلة الثاني عشر حاولت أتأكد من الحملة التي أنا ذاهبة معهم هل سيتعجلون أم سيمكثون إلى الثالث عشر؟ فلم أجد الجواب، وكان الجواب أنهم سيتعجلون، فاضطررت إلى أن أوكل للرجم؟

    فيوم الثاني عشر وكلت أحداً للرمي عني؛ لأني اضطررت إلى السفر؛ ولأن كل من معي سيسافر ولا يمكن أن أبقى، وأنا ليس لدي محرم، فوكلت أحداً لا أعرفه للرجم عني، يعني: كان هناك في الحملة أناس لا أعرفهم خارجين معنا، كما أن هناك أناساً توفاهم الله عند رمي الجمرات في نفس اليوم هذا، فما أدري إن كان الشخص الذي أنا وكلته من المتوفيين قبل أن يرجم؟

    الجواب: المسألة الأخرى امرأة تقول: أنا وكلت أحد الإخوة أن يرمي عني ولا أدري هل هو من المتوفين مع الزحام أم لا؟

    نقول: الأصل أن الإنسان الذي وكلتيه قد رمى ولا حرج عليك في ذلك، ولا تنقبي ولا تبحثي في هذا، فالأصل السلامة إن شاء الله.

    حكم التوكيل في جزاء فعل المحظور لمن كان وكيلاً لغيره في الحج

    السؤال: يا شيخ! هناك شخص حج عن ميت وفعل محظوراً، فاستفتى مشايخ وخير بين ثلاثة: دم أو صيام أو إطعام، فهل يجوز أن يوكل غيره بفعل أحدها، مثلاً الصيام، أو إطعام مساكين بما أنه وكيل فإنه يوكل أهله مثلاً، الذي حج عن الميت لهم؟

    الجواب: السؤال يقول: شخص حج عن ميت وفعل محظوراً وخير بين الثلاثة، نقول: الأصل أن الوكيل إذا فعل محظوراً فإنه يجب أن يفعله هو من ماله، ولا يفعله من مال الغير أو من مال الموكل، ولكن لو أراد شخص أن يتبرع فيتصدق عنه من مال المتبرع لا حرج، أما الصيام فإنه يجب أن يصوم الوكيل إذا كان غير معذور، وإذا كان معذوراً فإنه لا يصوم بل يطعم أحد عنه، هذا هو الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلم.

    حكم التوكيل في الرمي لمن كان قادراً خاصة النساء

    امرأة حجت ولم ترم وهي قادرة على ذلك، لكن صاحب الحملة قال: لا أحد من النساء ترمي، فما رمت وهي قادرة، لكنها وكلت؟ فماذا عليها؟

    الجواب: نقول: مسألة التوكيل في الرمي خاصة النساء إذا كانت حجتها ليست حجة الإسلام، بل حجة نفل فإن الأقرب -والله أعلم- أنها لها أن توكل ولو كانت قادرة، ودليل ذلك -كما هو مذهب الحنابلة- أنه إذا جاز لها أن توكل في أصل الحج فلتوكل في بعضه، وأرى -والله أعلم- أن هذا يحصل في الحج الفرض وحج النفل أن النساء الأصل فيهن الضعفة؛ ولهذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم في حق النساء أنهن ضعفة، ضعفة أهله، وفي رواية الضعفة: ( أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للظعن والضعفة )، فدل ذلك على أن النساء أصل طبيعتهن وخلقتهن أنهن ضعفة، وبالتالي يجوز لهن أن يوكلن ولو كن قادرات؛ لأن ذهابهن إلى الجمار فيه أولاً خوف من أن يهلكن.

    الثاني: أنه ربما تنكشف عورة المرأة التي لا تحب أن يظهر شعرها، ولا تحب أن يظهر شيء منها، وربما حصل شيء لا تريد المرأة أن تراه مثل التصاق الرجال بالنساء، فأرى -والله أعلم- أن النساء يجوز لهن أن يوكلن في الرمي، ولو كن قادرات خاصة إذا كان حجها ليست حجة الإسلام، فإذا كانت حجة الإسلام وكانت المرأة قادرة فأرى أنها لها أن ترمي، ولكن لو وكلت -خاصة الكبيرة- فلها ذلك، والعلم عند الله.

    ما يشترط في الوكيل

    السؤال: يا شيخ بالنسبة لاختيار الوكيل هل هناك شرط معين؟

    الجواب: نعم، ذهب الحنابلة إلى أن الوكيل يجب أن يكون قد حج هذا العام، وذهب الشافعية إلى أنه لا يلزمه أن يكون قد حج، إذا كان يصلح أن يرمي أو أن يحج فله ذلك، إذا كان مسلماً عاقلاً فإنهم قالوا: له أن يرمي، وأرى أن الأولى هو قول الحنابلة، ولو فعل غير الحاج ممن يصلح أن يرمي كقول الشافعية فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة أطلقوا الوكيل، ولم ينقل أنه لا بد أن يكون حاجاً أو غير حاج، والعلم عند الله.

    مدى براءة الذمة بالإذن بالتوكيل

    السؤال: هل تبرأ الذمة بالإذن بالتوكيل فقط من النساء حتى لو تيقنت الموكلة أنه لم يعمل مثلاً؟

    الجواب: نعم إن شاء الله تبرأ الذمة. نقول: الأصل أنها وكلت هذا الرجل، والأصل أنه فعل هذا الأمر، ولا تتكلف هل هو من المتوفين أم لا، طيب! افترض أنه حي، لماذا لم تشك هل رمى عنها أو لم يرم عنها؟ الأصل أنه رمى عنها إن شاء الله، لكن ينبغي لمن أراد أن يوكل أن يوكل شخصاً يعلمه، وأن يكون صاحب سنة، يعني: يطبق الأمر على سنته؛ لأنه كلما طبق الأمر على السنة كلما كان لذلك أثر ونفع لحجه إن شاء الله.

    ما تفعله من تركت الطواف بالبيت

    السؤال: امرأة تقول: سافرت لقضاء عمرة رمضان وأنا من مدينة الخضر، وكنت حائضاً، واشترطت، وكنت منتظرة أن أطهر، ولكني سعيت فقط، ولم أستطع أن أطوف بالبيت، وكنت مرتبطة بالرجوع مع الحملة، فهل تمت عمرتي؟ وماذا عليّ أن أفعل؟

    الجواب: لا، نقول: الجواب أن ركن العمرة هو الإحرام والطواف بالبيت، فإذا لم تطوفي فإن لك أن تنتظري أو تذهبي إلى مدينة الخضر حتى إذا طهرت ترجعين فتطوفين، فإذا شق ذلك عليك فإنك تتحللين؛ لأنك اشترطت ذلك، ولكن كونك تظنين أنك قد أكملت عمرتك ولم تنهي التحلل هذا فتقولي: أنا تحللت، فإنك إذا فعلت محظوراً من محظورات الإحرام فقد فعلت محظوراً وأنت ما زلت محرمة، فلا يجوز لزوجك أن يأتيك لأنك ما زلت محرمة، وبقي عليك الطواف، وهو أحد ركني العمرة، ولكن لو شق ذلك الرجوع عليك فإنك تقولين: قد تحللت من عمرتي، ولم تفعلي العمرة بعد، ووطء الزوج في هذا جهل ونسيان، وقد ذهب الشافعية وهو اختيار ابن تيمية إلى أن من وطئ زوجته أو وطئت وهي جاهلة أو ناسية أنه لا حرج عليها خلافاً للجمهور، فعلى هذا إذا كانت المرأة تظن أنها قد أكملت عمرتها وأتاها زوجها فلا حرج في ذلك إذا كانت جاهلة أو ناسية، لكنها من الآن إما أن تذهب فتكمل عمرتها، وهي ما زالت محرمة، وإما أن تفسخ عمرتها وتكون قد تركت العمرة، ولم تعتمر بعد؛ لأنها قد تحللت بسبب الاشتراط، والله أعلم.

    حكم مغادرة مكة لمن لم يستطع المبيت في منى

    السؤال: يا شيخ هناك مسألة مهمة وهي: مغادرة مكة، بعض الحجاج إذا لم يستطع أن يبيت في منى فإنه يغادر مكة، هل يشرع له ذلك؟

    الجواب: هذه مسألة سوف تأتي إن شاء الله في الدرس القادم، لكننا نقول: لا يجوز لمن حج من عامه أن يخرج من مكة قبل ضحى يوم الثاني عشر؛ لأنه يجب عليه أن يطوف للوداع، ويجب عليه أن يرمي الجمار، ولو وكل فلا يجوز له أن يخرج إلا بعد ضحى يوم الثاني عشر إذا قلنا بجواز رمي الثاني عشر ضحى، أو بعد زوال الشمس من يوم الثاني عشر لمن قال: لا يجوز الرمي.

    ما يجب على من ترك المبيت بمنى

    السؤال: من لم يبت في منى، ما الواجب في حقه؟

    الجواب: من لم يبت في منى إذا كان قد ترك واجباً وليس بمعذور فقد يلزمه دم كما قلنا، ولكن إذا لم يجد مكاناً أو شق ذلك عليه فيسقط في حقه، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: وغاية الواجبات أنها تسقط مع العجز وعدم القدرة، والله أعلم.

    1.   

    أسئلة البرنامج

    الشيخ: أما أسئلة البرنامج للحلقة القادمة فهي:

    السؤال الأول: ما حكم رمي الجمار قبل الزوال في اليوم الثاني عشر؟

    السؤال الثاني: ما المقدار الواجب في المبيت بمنى؟

    المقدم: إذاً هذان السؤالان نختم بهما إن شاء الله تعالى حلقة هذا الأسبوع من هذا الدرس المبارك، في ختام هذه الحلقة أيها الأحبة المشاهدون! لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي، الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء على تفضله بهذا الشرح الممتع، نسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء، لكم أنتم أيها الأحبة في كل مكان طلاب الأكاديمية الإسلامية المفتوحة خير شكر على تواصلكم معنا، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، نلتقي بكم في الأسبوع القادم في هذا الدرس المبارك، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755995176