إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [703]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    معنى قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)

    السؤال: أرجو أن تفسروا الآية الكريمة في سورة التكاثر: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2].

    الجواب: أولاً: أشكر أخي السائل الذي سأل عن معنى الآية الكريمة، وذلك لسروري بتفكر الناس في معاني القرآن الكريم وطلبهم تفسيرها؛ لأن هذا يدل على العناية بكلام الله عز وجل.

    ثانياً: معنى قوله تعالى: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1]، أنه عز وجل يخاطب الناس ويبين لهم أن التكاثر بينهم في الأموال والأولاد ألهاهم عن طاعة الله، وشغلهم عن ذكره حتى ماتوا، وهذا معنى قوله: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:2] يعني: حتى متم، وسمى الله تبارك وتعالى الدفن، أي: دفن الميت زيارة؛ لأنه لا بد من بعثه، ولهذا لما سمع أعرابيٌ قارئاً يقرأ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، قال: والله إن وراء ذلك لشيئاً آخر أو كلمة نحوها، فإن الزائر -يقول الأعرابي- ليس بمقيم، وصدق، فوراء ذلك البعث، والزائر على اسمه زائر ليس بمقيم، وبقاء الناس في القبور وإن طالت المدة هو شيء يسير بالنسبة إلى الآخرة.

    وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمةٍ يقولها بعض الناس غافلاً عن مدلولها، وهو أنه إذا مات الإنسان قالوا: انتقل إلى مثواه الأخير، وهذه الكلمة في معناها الظاهر من لفظها كلمةٌ خطيرة؛ لأن مضمونها ومدلولها أنه لا بعث، وأن القبر هو المثوى الأخير، ومن المعلوم أن هناك بعثاً، وأن المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة، فلا يحل للإنسان أن يقول عن الميت إذا دفن: إنه رجع إلى مثواه الأخير، قد يقول قائل: إن هذا مثواه الأخير بالنسبة للدنيا، فإن الإنسان مهما طالت مدته في الدنيا فإن مآله إلى القبر، نقول: نعم هذا هو مراد الناس فيما يظهر لا سيما المسلمون منهم، فإن كل مسلمٍ يؤمن باليوم الآخر، لكن ما دام اللفظ يحتمل معنىً فاسداً، وهو ظاهر اللفظ أيضاً، فإنه يجب اجتنابه.

    1.   

    حكم لبس المرأة خماراً غير الأسود

    السؤال: هل يجوز أن تتخذ المرأة حجاباً بلونٍ غير الأسود؟

    الجواب: كأنه يقول: هل يجوز أن تلبس المرأة خماراً غير أسود، فالجواب: نعم، لها أن تلبس خماراً غير أسود بشرط أن لا يكون هذا الخمار كغترة الرجل، فإن كان مثل غترة الرجل كان حراماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال )، أما إذا كان لوناً أبيض ولكنه لا يلبس على كيفية لباس الرجل، فهذا إذا اعتاده الناس في بلادهم لا بأس به، وأما إذا كان غير معتادٍ عندهم فلا؛ لأن لباس الشهرة منهيٌ عنه.

    وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر أخواتنا المسلمات بأمرٍ هام ألا وهو: ما اعتاده بعض النساء من تلقي الموضات الجديدة بالقبول والمتابعة، ولو على حساب الآداب الشرعية، فإن من النساء من فتنت بتلقي الموضات واستعمالها، سواءٌ كان ذلك في اللباس الظاهر، أو اللباس الباطن، أو في المزينات، وهذا غلطٌ عظيم، والذي ينبغي للمرأة أن يكون لها اعتداد بنفسها وعاداتها، وما ألفه الناس من قبل حتى لا تكون إمّعة: تقول ما يقول الناس، وتفعل ما يفعل الناس؛ لأنها إذا عودت نفسها المتابعة كان ذلك خطراً عليها، أن لا يكون لها شخصية ولا قيمة، فليحذر النساء من تلقي الموضات الجديدة، لا سيما التي تنافي الدين، وتوجب التشبه بأعداء الله.

    1.   

    حكم من يذهبون إلى القبور خاصة يوم عرفة والعيد

    السؤال: البعض من الناس يذهب إلى القبور وخصوصاً يوم وقفة عرفة ويوم العيد حيث تمتلئ المقابر بالرجال والنساء ما توجيه فضيلتكم لهؤلاء؟

    الجواب: أوجه إلى هؤلاء النصيحة لا سيما النساء، فإن النساء لا يحل لهن أن يزرن القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لعن زائرات القبور )، فالمرأة لا يحل لها أن تزور قبر أي إنسان؛ لأنها إذا فعلت ذلك عرضت نفسها للعنة والعياذ بالله، واللعنة هي: الطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه وتعالى، أما بالنسبة للرجال فإن الرجال يسن لهم أن يزوروا القبور؛ لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك، فقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها تذكر الآخرة )، وفي لفظٍ: ( تذكر الموت )، لكن اتخاذ يوم عرفة أو يوم العيد وقتاً للزيارة على وجهٍ معتاد بدعة بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يخصص يوماً من الأيام -لا أيام السنة ولا أيام الأسبوع- لزيارة القبور، ولكن نقول: كلما مضى حين وحين فزر المقبرة، لا سيما إن رأيت من قلبك قسوةً ونسياناً للموت، أما أن تجعل يوم عرفة ويوم العيد وقتاً للزيارة فهذا لا يجوز إلا بدليل، ولا دليل على هذا.

    1.   

    حكم الذبح والنذر والاستعانة بالقبور، والنصيحة لمن يفعل ذلك

    السؤال: يقول نحن نعلم والحمد لله بأن زيارة القبور بهدف الاستعانة والاستغاثة بها محرم وشرك، ولكن ماذا أفعل وأهلي ينذرون الذبائح كل عام لأصحاب القبور بهدف التقرب إليهم، ونصحناهم كثيراً لكن دون فائدة قائلين لنا بأنهم أولياء لله وصالحون، فقلت لهم: إذا كانوا صالحين فهو صالحون لأنفسهم، وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم، وسؤالي: هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنهم يصلون؟ وهل صلاتهم هذه مقبولة؟

    الجواب: نعم نحن معك في نصيحة أهلك عن هذا العمل المشين، الذي هو من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، والذي قال الله تعالى عنه: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، وإني أقول لأهلك: اتقوا الله في أنفسكم، فإنكم إن متم على ذلك صرتم من أصحاب النار، وأنتم خالدون فيها مخلدون، وحرم الله عليكم الجنة والعياذ بالله، والذين ماتوا على هذا هم مشركون مخلدون في النار، ولو كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون، وصلاتهم غير مقبولة، وحجهم غير مقبول، وصدقاتهم غير مقبولة؛ لأنهم كفار والعياذ بالله.

    فنصيحتي لهؤلاء الأهل أن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان، وأن يتوبوا إلى الله عز وجل قبل حلول الأجل، فإن التوبة بعد حلول الأجل لا تقبل، قال الله تبارك وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:18]، إن قولي لأهلك: أنقذوا أنفسكم من النار، أنقذوا أنفسكم من النار، أنقذوا أنفسكم من النار، وهؤلاء الموتى الذين تزورونهم أولاً: هل تشهدون عليهم بأنهم أولياءٌ لله، قد يكونون أولياء لله بحسب الظاهر وباطنهم خراب لا ندري، وإذا أحسنا الظن إلى أبعد الحدود فليكونوا من أولياء الله، ولكن إذا كانوا من أولياء الله فإنهم جثث هامدة، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا يملكون لغيرهم نفعاً ولا ضراً، قال الله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22-23].

    وقال الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13-14].

    وقال الله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]، وليعلم أهلك وغيرهم ممن يدعون الأموات أن هؤلاء الأموات لا يستجيبون ولا ينفعون ولا يضرون، وأنهم هم بأنفسهم محتاجون لمن يدعو لهم، أسأل الله أن ينير قلوبنا بالتوحيد والإخلاص والإيمان إنه على كل شيء قدير.

    مداخلة: العلماء والدعاة والمصلحون عليهم مسئولية عظيمة في بيان أقسام التوحيد وتوجيه الضالين، هل من كلمة لهم؟

    الشيخ: إن الداعي يجب عليه أن يراعي أحوال المدعوين، فإذا كانوا مقصرين في الصلاة مثلاً فليركز على الحث على الصلاة، وعدم التهاون بها، وبيان عقوبة من تركها وحكمه في الدنيا والآخرة، وإذا كان عندهم شيء من الشرك فليركز على التوحيد والإخلاص وما أشبه ذلك، وإذا كان عندهم تهاون بالزكاة فليركز على الزكاة، المهم أن الداعية من الحكمة أن يراعي أحوال المدعوين، كذلك أيضاً يراعي أحوالهم بالنسبة للشدة واللين، فإذا رأى منهم انقياداً وسهولة قابلهم باللين والسهولة، وإذا رأى منهم عتواً ونفوراً فليقابلهم بما تقتضيه الحال وتحصل به المصلحة.

    ثم إن من أهم ما يكون في الداعية أن يكون هو أول من يتلبس بما أمر به، ويبتعد عما نهى عنه، فليس من اللائق شرعاً ولا عقلاً أن يأمر بشيء ولا يفعله، أو أن ينهى عن شيء ويفعله، فإن الإنسان إذا كان على هذا الحال لم يقبل منه الناس اللهم إلا من لا يعرف عن حاله، وأما من عرف حاله فإنه يقول: إن هذا الرجل كاذب، ولو كان صادقاً فيما أمر به لكان هو أول من يمتثل له، ولو كان صادقاً فيما نهى عنه لكان أول من يجتنبه.

    وعلى الداعية أيضاً أن يلاحظ الزمان والمكان في الدعوة إلى الله عز وجل، فيدعو في المكان الذي تكون فيه الإجابة أقرب، وكذلك في الزمان؛ لأن مراعاة هذه الأمور من الحكمة التي قال الله تعالى فيها: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ [البقرة:269].

    1.   

    حكم قولهم عند سماع صوت جميل بالقرآن: الله الله أو يا سلام ونحوها

    السؤال: بعض الناس يقرءون القرآن في المسجد ويقولون بين السكتة والسكتة بين الآيات: الله الله، أو الله يفتح عليك يا عمنا، أو مثل هذه العبارات فما حكم ذلك؟

    الجواب: حكم هذا أنه من البدع المنكرة؛ لأن تلاوة القرآن عبادة من أفضل العبادات، والحرف فيها بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وليست لعباً حتى يقال كلما فرغ من آية وكان صوته جميلاً: الله الله، يعني: يتعجب، فهذا من البدع التي أحدثها من أحدثها من الناس، نعم إذا مر الإنسان بآية وعيد فليتعوذ، وإذا مر بآية وعد فليسأل، وإذا مر بآية تسبيح فليسبح، وإذا مر بآية تعجيب فليتعجب، ويقول: الله أكبر، وأما الله الله، أو مثلاً: يا سلام يا سلام، فهذا من البدع.

    1.   

    حكم قراءة الفاتحة بصوت جماعي بعد الانتهاء من قراءة القرآن

    السؤال: بعض الناس بعد الانتهاء من قراءة القرآن يقولون الفاتحة، ويقرءون الفاتحة بصوتٍ جماعي، علماً بأن ذلك في المسجد هل هذا من البدع؟

    الجواب: هذا من البدع، فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يختم قراءته بالفاتحة، بل كان يبتدئ قراءته بالفاتحة في الصلاة، فأول ما يقرأ في الصلاة بعد الاستفتاح الفاتحة، وكما قال السائل: إن بعض الناس يختتم القراءة بالفاتحة، وأقول: إن بعض الناس أيضاً يختتم كل شيءٍ بالفاتحة، حتى في الدعاء إذا دعا قرأ الفاتحة، وحتى في كل مناسبة يقول الفاتحة، وهذا من البدع.

    قد يقول قائل: أكثرت علينا من البدع فكل شيء بدعة، فأقول: لا، ليس كل شيء بدعة، فالبدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع، وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات، بل ما أحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام، ولا يقال: إنه بدعة.

    فالبدعة الشرعية: هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرعه، يعني: الذي يسمى بدعة شرعاً، وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية، بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك.

    وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول: إنها بدعة، وإن كانت ليست موجودة، من ذلك: مكبر الصوت، فمكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً، إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة، وكذلك في اجتماعات المحاضرات، فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد فيكون خيراً، ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها.

    ومن ذلك ما حدث أخيراً في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها، فإن هذا وإن كان حادثاً ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع فيكون جائزاً أو مشروعاً لغيره، ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط، فكانوا يعانون مشاكل، إذا تقدم أحد ثم قالوا له: تأخر، فتأخر أكثر، ثم قالوا له: تقدم، فتقدم أكثر فيحصل تعب، لكن الآن والحمد لله يقول الإمام: سووا صفوفكم على الخطوط، توسطوا منها، فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف، فهذا بدعة من حيث العمل والإيجاد لكنه ليس بدعة من حيث الشرع؛ لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعاً.

    فالمهم أنه لا ينبغي لأحد أن يعترض علينا، أو على غيرنا عندما نقول: إن هذا بدعة، وهو حقيقةً بدعة، ولنرجع إلى الضابط الذي ذكرنا وهو أن البدعة شرعاً والتي عليها الذم، هي: التعبد لله تعالى بما لم يشرعه، سواءٌ في العقيدة أو في القول أو في العمل.

    1.   

    حكم تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

    السؤال: قد يقول قائل: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟

    الجواب: إذا قال هكذا نقول: لا، لا يوجد بدعة حسنة، وكيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كل بدعةٍ ضلالة )، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق إلى الخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول بشرع الله، فكيف يقول: ( كل بدعةٍ ضلالة ) بهذا التعبير العام الشامل، ثم نقول: من البدع ما هو حسن، ومن البدع ما هو قبيح! ولكن نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما ألا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما ألا تكون حسنة، وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم، يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو ظنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة، وظنها هو حسنة وليست بحسنة، فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة، ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول لهم: لا. والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة فيجب أن تعترفوا بأنها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يجمعوا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبياً وتميماً الداري أن يقوموا بالناس بإحدى عشرة ركعة؟

    فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلةٍ والناس يصلون على إمامٍ واحد، فقال: نعمت البدعة هذه، فأثنى على هذه البدعة، فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعة في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه ( أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها )، إذاً: فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفاً من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف، ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه يصلون فرادى ومثنىً وثلاث ورباع، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد، وقال: نعمت البدعة، يعني: باعتبار ما سبقها حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعة مستقلة لم تكن مشروعة من قبل، هذا وجه.

    ووجه آخر أنه وإن سماها بدعة رضي الله عنه فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )، لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه وهو أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم عودتهم إليها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755781718