إسلام ويب

الحض على النظر والتفكرللشيخ : عبد الرحمن السديس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حث الله تعالى عباده على التفكر في بديع صنعه، وعظيم آياته؛ ليزدادوا تعظيماً له وإيماناً به، وبالتالي يكونون أبعد عن معصيته ومخالفته.

    وإن ما وصل إليه في هذا العصر من التقدم العلمي والاكتشافات الحديثة، كل ذلك بفضل الله وتوفيقه.

    فعلى المسلم أن يستخدم ذلك فيما يقربه إلى الله؛ بأداء شكر النعم، والتفكر في مخلوقات المنعم سبحانه وتعالى.

    1.   

    عبادة التفكر في آيات الله

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، أحمده تعالى وأشكره على سوابغ نعمه، وترادف مِنَنه.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَسِع كل شيء علماً، وأتقن كل شيء صنعاً، وسخَّر لعباده ما في الكون كله رحمة منه ولطفاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما خوَّلكم به من الفضل في العالمين، وما كرَّمكم به على الأولين والآخرين، يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً [الإسراء:70] فلقد خلقكم الله في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث، وهيأ لكم الأمن النفسي والغذائي، ثم أخرجكم من عالم الأجنة إلى عالم الحياة الدنيا: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8] وزوَّدكم -تبارك وتعالى- بالسمع والبصر والعقل وسائر الجوارح: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] وأنعم عليكم بالفهم والإدراك، وحثَّكم على التفكر في مخلوقاته، وما سخر لكم في الكون من آياته الباهرة ونعمه الظاهرة في الأرض والسماء، في البر والبحر والفضاء، قال تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101] إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية:3] .

    فالله -عز وجل- خلق لعباده ما في الأرض جميعاً، وسخَّر لهم هذا الخلق ليتفكروا فيه، ويتبصروا في عظيم صنعه؛ ليكون دليلاً إلى طاعة الله رادعاً عن معصيته: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:13] وذمَّ سبحانه المعرضين عن التدبر والتفكر في آياته ومخلوقاته، فقال سبحانه: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105].

    التفكر عند السلف

    كان السلف رحمهم الله يتفكرون في مخلوقات الله، ويتدبرون آياته الشرعية وآياته الكونية، ويحثون على ذلك، قال بعض السلف : "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِمْ، ولا فَهِمَ إلا عَلِمَ، ولا عَلِمَ إلا عَمِل" وقال بشر : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه، وذلك لأن التفكر في عجائب الخلق وأسراره يثمر تعظيم الخالق ومخافته، قال تعالى واصفاً عباده المؤمنين: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    موقف الإسلام من التطورات العصرية

    إخوة الإسلام! إن دين الإسلام دين الشمول والكمال، فقد حثَّ على التدبر والتفكر في كون الله، وشجَّع على استخدام العقل والفهم، ولم يترك شيئاً فيه نفعٌ للبشرية وخيرٌ لها إلا حثَّ عليه ورغَّب فيه، ولم يقف جامداً أمام الاكتشافات العلمية والمخترعات الحديثة، بل أمر باستخدامها في نصرة الإسلام وحياضه، والدفاع عن المسلمين وبلادهم، قال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] .

    وما أحوج المسلمون اليوم إلى الاستفادة من العلوم المعاصرة، والصناعات الحديثة في ضوء العقيدة الإسلامية الصحيحة، فهي مصدر العزة والقوة والخير للبشرية جميعاً، وأنَّى لأمةٍ من الأمم مهما بلغت من التقدم العلمي والمادي والتحضر العصري، وإن ابتغت نفَقاً في الأرض أو سُلَّماً في السماء، أو جابت الأرض وغزت الفضاء أن تصل إلى ما تصبوا إليه من السعادة والقوة والنصرة والكرامة، وهي في معزل عن العقيدة الإسلامية، ومنأىً عن تحكيم الكتاب والسنة!

    أمة الإسلام! لقد منَّ الله على البشرية في هذا العصر؛ إذ سخر لها ما نراه من الترقي في علوم الصناعة؛ الذي بلغ في زماننا -هذا- مبلغاً يفوق الوصف، فهذه المراكب البحرية والبرية والجوية، وهذه الآلات الحربية الحديثة التي تبهر العقول؛ بدقة صنعتها ووفرة منجزاتها، وأدائها لوظيفتها أداءً محكماً دقيقاً، وإن هذه الأمور من ابتلاء الله لخلقه؛ لينظر من يستعين بها على طاعته، ويشكره عليها، ممن يكفر بها ويستعملها فيما يُسخط الله.

    ويجب على المسلمين أن يعلموا أن ما وصلوا إليه من تقدم في مجالات الحياة لا يمكن أن يحصل لولا تعليم الله عز وجل، فلو شاء لسلبهم العلم، وكانوا جاهلين بمصالحهم، ولكنه تعالى منَّ عليهم بالعلم والقدرة، ومهما أُوتي العباد من علم وقدرة فإنه يسيرٌ جداً بالنسبة إلى علم الله وقدرته.

    فعلينا أن نعتبر بهذه الوسائل الحديثة، على كمال الله علماً وقدرةً ورحمة، وأنه وحده الخالق لهذه الأمور كلها: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] فهو الذي أبدع هذه الصناعات، وهو الذي خلق صانعيها، وهو الذي دلَّهم وفهَّمهم، ومنَّ عليهم بالإدراك والعلم والعقل، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:137].

    كما ينبغي أن تزيد هذه المبتَكرات الجديدة في إيمان المؤمنين، وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يحدث شيء من المحسوس، أو يُعلَم شيء من المعقول يخالف ما جاء به الكتاب والسنة أبداً، بدون تأوُّل أو تمحُّل.

    وقد أعمى الله بصائر الكفار والمنافقين، فلم يعتبروا بهذه الآيات على عظَمة الخالق عز وجل، وكماله وقدرته وعلمه، فيفردوه بالعبادة، بل نظروا إليها نظرة التمتع العاجل بها، وكفروا بخالقها، وجحدوا نعمته، ونسبوا ذلك إلى علمهم وحولهم وقوتهم وعقولهم؛ فاغتروا بها وطغوا ولم يعتبروا بمن قبلهم.

    نسأل الله عز وجل أن يرزقنا التفكر في مخلوقاته، والتدبر في آياته، وأن يجعل ما أفاء على البشرية من العلوم، والصناعات، والمخترعات، خيراً للإسلام ونصرةً له، ودفاعاً عن المسلمين وبلادهم، وأن يصرف عنهم شر ذلك، ونقمته وفتنته، كما نسأله تعالى أن يُوفِّق شباب المسلمين، وأن يبلغهم فيما يرضيه آمالَهم وطموحاتِهم إنه أعظم مسئول.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    شكر نعم الله سبيل التمكين

    الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله الغني الأكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلى العرب والعجم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

    أما بعد:

    فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما سخَّر لكم من النعم العظيمة، وتفكروا في مخلوقاته، واعملوا بطاعته واحذروا معصيته، وثقوا بوعد الله لكم بالنصر والتمكين والقوة؛ إنْ تمسَّكتم بدينكم وأعليتم كلمته، وسخَّرتم ما أنعم عليكم مما علَّمه الله تعالى لخلقه؛ من العلوم المتعددة، والوسائل المختلفة للدفاع عن الإسلام وإعزاز أهله وبلاده.

    واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

    وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبينا محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم وفق المسلمين لما تحب وترضى، اللهم وفقهم إلى العودة الصادقة إلى دينك القويم يا رب العالمين.

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رُشد؛ يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.

    اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم على الدين كله، ولو كره المشركون.

    اللهم أصلح قادة المسلمين وعلماءهم، وشبابهم وشيبهم ونساءهم يا رب العالمين.

    اللهم وفقنا لما تحب وترضى.

    اللهم أيد بالحق إمامنا، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم اجعله سنداً للمسلمين، ونصيراً ومعيناً لهم يا أرحم الراحمين.

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان، وارزقهم تحكيم كتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756980982