إسلام ويب

الزلازل والكوارث ... اعتبار واصطبارللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إننا نجد الآن أن العلم بدأ يقبض وذلك بموت جهابذة العلماء، أما الكوارث فلا يمر علينا شهر أو أسبوع إلا وسمعنا بزلزال هنا، وبفيضان هناك، وهذه الكوارث آيات من آيات الله ونذير منه ينذرنا بها.

    1.   

    الزلازل والكوارث آيات ونُذُر

    الحمد لله، الحمد لله الذي جعل لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء خبراً، أحمده سبحانه وأشكره، نعمه علينا تترى، أسبل علينا من رحمته ستراً، وأفرغ علينا بفضله صبراً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خُص بالمعجزات الكبرى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واحفظوا الله ما استحفظكم، وكونوا أمناء على ما استودعكم، فإنكم عند ربكم موقوفون، وعلى أعمالكم مجزيون، وعلى تفريطكم نادمون: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

    أيها المسلمون: لقد قضت سنة الله عز وجل أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا؛ بالخير والشر، والأمن والخوف، والمنح والمحن، والأقربين والأبعدين: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35].. لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186] .

    وإن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجيش أصغر القوى، وتستثير كامن الطاقات، وتفتح في القلوب منافذ، وفي النفوس مسارب ما كان ليتبينها أهل الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلبات والابتلاءات.

    وفي هذه الأيام الأخيرة المتسارعة فقدنا علماءً وملوكاً، وأمراءً وأعياناً، في مواقف من الجنائز تشيعونها كل يوم وساعة .. عزَّ فقدهم، وشقَّ فراقهم، ولكنهم ذهبوا بآجالهم وعاشوا من الأيام ما كُتِب لهم، هم السابقون ونحن اللاحقون .. رحمنا الله وإياهم وعفا عنا وعنهم، وغفر لنا ولهم.

    وتلاحقت آياتٌ ونُذُر .. كسوفٌ وزلازل في أحداث مهيبة، وآياتٍ منذرة يخوف الله بها عباده، وما أصاب إخواننا المسلمين في تركيا من مصاب جلل هز القلوب أعظم مما هز الأرضين، وإن مشاهد الضحايا والمنكوبين لتتفطر لها الأفئدة .. نسأل الله أن يرحم موتانا وموتاهم، ويشفي مرضانا ومرضاهم، ويجنبنا وإياهم الزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    أيها المسلمون: آيات الله وابتلاءاته يرسلها على عباده نذراً وتخويفاً.. خسوفٌ وكسوفٌ؛ وزلازلُُ وفيضانات ورياحٌ وأعاصيرُ.. أوبئةٌ وأمراضٌ.. آيات لا تمنعها حدودٌ جغرافية، ولا تقوى عليها تحالفاتٌ دولية، ولا تقف دونها نظم التفتيش الأمنية، ولا تُفْرَض عليها مقاطعاتٌ عالمية، بل لا تفرق بين خصومٍ وحلفاء .. صورٌ من صور العولمة الحقيقية إذا كانوا جادين في تحييد المصطلح.. آثارها وكوارثها لا تبين بين المصابين والضحايا.

    وإن من العقل والبصر الوقوف عند هذه الآيات لعل الله أن يوقظ القلوب من الغفلة ويرحم بالرجوع إليه.

    عباد الله: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، سبحانه وبحمده، لا يقع شيء في كونه إلا بإذنه: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] فيزدادوا إيماناً مع إيمانهم، كما يزدادوا خوفاً ومحاسبةً ورجوعاً وإنابةً واستغفاراً وتوبة، وأما الذين في قلوبهم مرض فحالهم كحال الماديين والملاحدة الذين لا يرون إلا الأسباب المادية البحتة، وأما النذر الإلهية والحكم الربانية فهم عنها غائبون، لا يرفعون بها رأساً، ولا يلقون لها اعتباراً.

    الأسباب الحسية والحكم البالغة

    عباد الله: إن الأسباب الحسية وظواهر العلل يدركها البشر بما أعطاهم الله من عقولٍ وعلوم وتجارب ومعارك؛ لكنهم لا يدركون ما أودع الله فيها من الآيات الباهرة والحكم البالغة إذا غلبت عليهم الغفلة وحقت عليهم الضلالة.

    حينما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهِلَّة جاء الجواب متوجهاً لبيان الفوائد الشرعية العملية: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] أما تحولات القمر الهلالية والبدرية فشأنٌ فلكي ومدْرَكٌ بالحس والنظر لا يترتب عليه في ذاته نفعٌ بشري، فتوجه الجواب إلى ما ينبغي الاهتمام به من آثار هذه التغيرات وفوائد هذه التحولات؛ من معرفة السنين والحساب، وحساب المواعيد والأوقات مما ينفع في العاجل والآجل.

    لقد منح الله الإنسان القدرات على إدراك ما وراء الحواس ليترقى في مدارك للكمال الإيماني والعقلي والعملي، وهذا الترقي يمثل أرفع جوانب الإنسانية في الإنسان وأخصها وأعلاها تميزاً في ميادين الاعتقادات والقيم.

    أما الذين يريدون أن يحصروا الإنسان في محيط الماديات البحتة، والمُحَسَّات المجردة؛ فقد حطُّوا من قيمة الإنسان في عقله وقلبه، وردوه إلى رجعية في التفكير، وأسفلية في النظر.

    1.   

    مواقف للعبرة والاستبصار

    إن نبينا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما وقع الكسوف خرج فزعاً يجر رداءه، يخشى أن تكون الساعة .. كيف وهو القائل عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يُقْبَض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان ) أخرجه البخاري وفي رواية عند أحمد والدارمي : (إن بين يدي الساعة مَوَتاناً شديداً وبعده سنوات الزلازل ).

    الاهتمام بأسباب الكوارث العلمية فقط

    معاشر المسلمين: زلزالٌ لم يستغرق خمساً وأربعين ثانية، ماذا كانت نتائجه وما هي آثاره؟ عشرات الآلاف من الموتى والمصابين، وخسارات مادية هائلة .. إنهم لا يزالون يُحْصُون ويعدون ويحسبون، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحم الموتى وأن يعوض المسلمين خسائرهم.

    ولكن هلاَّ وقفوا أمام القضايا الإيمانية؟!

    أهل العلم والإيمان يربطون بين هذه الآيات والنذر وبين أعمال بني آدم ابتلاءًَ من ربهم وتخويفاً وذكرى لعلهم يرجعون: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] .

    وإن مما يستوقف النظر والتأمل -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- اهتمامهم المجرد بالأسباب العلمية البحتة، فتراهم يقولون: هذه طبقة زحفت على طبقة، وهذا صدعٌ حصل على عمق كذا وكذا، وأشد من ذلك قول بعضهم: إن المنطقة الفلانية لم تتأثر بهذا الزلزال أو توابعه! والتاريخ يشهد والناس يشهدون أنها تضرب بإذن الله وأمره في أي مكان وفي أي زمان، من دون سابق إنذار، ولا يكاد في عصورنا المتأخرة يخلو عامٌ أو أقل من عام إلا ويشهد الناس هذه الآيات والنذر، بأعاصيرها وفيضاناتها وزلازلها ورياحها في شرق العالم وغربه، وشماله وجنوبه.. فهل من مُدَّكر؟!!

    قولهم: ضحايا الكوارث

    ومما يستوقف النظر والتأمل -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- ما يعبر عنه بعضهم في ضحايا الكوارث بقولهم: إنهم ضحايا أبرياء سبحان الله! أبرياء؟! مَن الذي ظلمهم؟!

    لقد كان الأولى والأجدر أن يعلموا أن هذه حوادث ونوازل وابتلاءات يقدرها الله سبحانه وتعالى ويسوقها، والموت ليس عقوبة، فربنا -جلَّ وتقدس- له الخَلْق كله، وله الملك كله، وبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، تعالى وتبارك .. أمات وأحيا، وأضحك وأبكى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمى، كلٌ من عند ربنا، نرضى ونسلِّم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49] .

    هذه الآيات والأحداث يتلقاها المؤمن موقناً بقدرة الله الخالق العظيم وقدره، يخشى غضبه ويؤمِّل رحمته في عظيم ابتلاءاته.

    أيها المسلمون: ومما ينبغي أن يُذْكَر فيُشْكَر -والموقف موقف اعتبارٍ واستبصار- أن كثيراً من الناس عندما حدث الكسوف ظهر فيهم رجوعٌ إلى ربهم، ففزع كثيرٌ منهم إلى الصلاة، وقصدوا بيوت الله يتوجهون لربهم بالدعاء والتضرع، ولقد كان لكثيرٍ من أجهزة الإعلام دورٌ مشكورٌ غير منكور.

    فهل يا ترى نقف وقفة لنرى عِظَم أثر الإعلام بوسائله المتنوعة، إذا توجه إلى الناس بجدية في التوعية وإحسانٍ في التوجيه وأسلوبٍ ناصع في البيان والبلاغ؟!

    1.   

    سفينة النجاة في الابتلاءات

    أيها الإخوة المسلمون: إنها آياتٌ وحوادث ونذر لا ينبغي أن تمر على عاقل ثم لا يستفيد منها دروساً وعبراً، ومن دَرَى حكمة الله في تصريف الأمور وجريان الأقدار لن يجد اليأس إلى قلبه سبيلاً، مهما قست الحوادث، وتوالت العقبات، وتكاثرت النكبات، فالإنسان إلى ربه راجع، والمؤمن بإيمانه مستمسك، ولأقدار الله مسلِّم، وعلى سننه جارٍ.

    إننا نخاطب أنفسنا ونخاطب إخواننا المسلمين المنكوبين والمبتلين في كل مكان: إن سفينة النجاة في هذه الابتلاءات هي الإيمان بالله، والصبر على مجاري الأقدار، فاللجوء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد، وبالإيمان والصبر والرضا واليقين تتفتح البصيرة، فلا يرى العبد ملجأً من الله إلا إليه.

    إخواني: هذه الدنيا كم من واثقٍ فيها فجعته .. وكم من مطمئنٍ إليها صرعته.. وكم من محتالٍ فيها خدعته.. وكم من مختالٍ فيها أذلته .. حلوُها مر، وعذبها أجاج .. وجودها إلى عدم، وسرورها إلى حزن، وكثرتها إلى قلة، وعافيتها إلى سقم، وغناها إلى فقر .. الدار مكَّارة، والأيام غرَّارة .. أهلها منها في خوفٍ دائمٍ، إما نِعَمٌ يخشون زوالها، وإما بلايا يخافون وقوعها، وإما منايا حَتْمٌ وقوعها، وكل ما فوق التراب صائرٌ إلى تراب.

    الصبر على أقدار الله

    أيها الإخوة الأحبة: الاعتبار والاصطبار -بإذن الله- مطية لا تكبو، وسيف لا يخبو، وهما -بإذن الله- جندٌ لا يُهْزَم، وحصنٌ لا يُهْدَم .. سترٌ عند الكروب، وعون على الخطوب.

    إن من المعلوم أن من أعظم المقامات في ذلك الصبر على أقدار الله المؤلمة، التي تنال العبد في نفسه وماله وأهله، ولقد جاء في الخبر: {إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة فلم يبلغها بعمل ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك حتى يبلغ المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل } { والبلايا مكفراتٌ للذنوب } { ومن يرد الله به خيراً يُصِب منه }.

    يا إخوني! إن العبد إذا اتجه إلى ربه بتوحيدٍ خالص، وعزيمةٍ صادقة، وتوبةٍ نصوح، موقناً برحمته، واجتهد في الصالحات؛ دخلت الطمأنينة إلى قلبه، وانفتحت أبواب الأمل في وجهه، واستقام على الطريقة، واستتر بستر الله.

    اسمعوا واحفظوا واعملوا بقول نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: {ما أصاب عبداً همٌ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ماضٍ فِيَّ حكمك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي؛ إلا أذهب الله غمه وأبدله مكانه فرحاً. قالوا: يا رسول الله! ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات؟ قال: أجل! ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن }.

    اللهم أيقض من الغفلة قلوبنا، اللهم أيقض من الغفلة قلوبنا، واختم بالصالحات أعمالنا، وآنس في القبور وحشتنا، وارحم اللهم إليك منقلبنا، ونسألك الشكر على نعمائك، والصبر على بلائك، ونسألك برحمتك مغفرة الذنوب، وستر العيوب.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] .

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر

    الحمد لله مُوْلِي النعم، وصارف النقم، أحمده سبحانه وأشكره، ذو الجود والكرم.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، ذو الشرف الأسمى، والمقام الأعظم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الأمجاد والشيم، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    عباد الله: إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، وإذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة، بهذا جاءت الأخبار عن نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    أيها الإخوة: إن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر والرضا بأقدار الله؛ فيعقوب عليه السلام تدرَّع في بلواه في حالَيه بالصبر الجميل، فقال في الأولى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18] وقال في الثانية: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً [يوسف:83] وهو الذي قال: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ [يوسف:86] .

    ونبي الله أيوب عليه السلام قال الله عنه : وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83] فجاءه الغـوث الربـاني: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ [الأنبياء:84] كما جاء الثناء العلوي: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44] .

    والمذموم -أيها الإخوة- هو شكوى الله وليس الشكوى إلى الله، فمن ابتغى الرضا ورام السعادة فليُعِدَّ لتقلبات الأحداث وتغير الأحوال قلباً صبوراً ولساناً لربه ذكوراً، فالكرام هم الأصبر نفوساً، ولقد فاز الصابرون بعز الدارَين: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] ولهم من الله معيته: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46] وأكرمهم المولى بمحبته: وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146] .

    جعلنا الله وإياكم ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فتلكم هي عنوان السعادة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] .

    عباد الله: ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم جلَّ في علاه، فقال عز من قائل عليماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] .

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والمرحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن بقية العشرة، وأصحاب بدر والشجرة، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين.

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق يا رب العالمين!

    اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!

    اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف ويُنْهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

    اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعزاز دينك وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين وفي كشمير ، وفي كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم.

    اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، واجعل بأسهم بينهم، وأنزل بهم غضبك ورجزك يا إله الحق!

    اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين!

    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755806340