إسلام ويب

تحقيق التوحيدللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه الحياة وتبنى عليه أعمال الإنسان، ولذلك فهو أول ما يجب على الإنسان أن يتعلمه ويفهمه، ولا يكفي فيه التعلم النظري حتى يعمل المرء على تحقيقه في جميع أموره، والحذر مما ينافيه أو يقدح فيه.

    1.   

    دواعي الكلام عن تحقيق التوحيد

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أيها الإخوة في الله هذا الموضوع المتعلق بتحقيق التوحيد، هو موضوع خطير ومهم جداً في حياة المسلم وفي حياة الأمة كلها، ومن ثم فإننا حينما نطرق هذا الموضوع المتعلق بتحقيق التوحيد لله سبحانه وتعالى فإنما نطرقه لأسباب منها:

    أولاً: أن العقيدة هي الأساس الذي تُبنى عليه الحياة وتبنى عليه أعمال الإنسان، فإن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العبد أي عمل وأي أمر قدّمه في هذه الدنيا يبتغي به وجه الله، لا يقبل منه ذلك إلا إذا كان مبنياً على هذا الأساس المتين، وهو توحيد الله سبحانه وتعالى، ولما كان الأمر كذلك كان الحرص من جانب المؤمن ومن جانب الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى في كل زمان ومكان على هذا الأمر لا بد منه، ولا بد أن يراقب الإنسان نفسه دائماً لخطورة هذا الموضوع.

    ثانياً: ولأن مجتمعاتنا بدأت تظهر فيها ظواهر خطيرة يجب على الدعاة أن يقفوا عندها ليعالجوها، ومن ذلك: تعلق النفوس بغير الله سبحانه وتعالى توكلاً ومحبة وغير ذلك، وهذا أمر خطير جداً، ولقد شاهدنا أمثلة لذلك من خلال ما يضر بمجتمعات المسلمين من أزمات.

    ومنها أيضاً: كثرة السحرة والكهنة وتعلق النفوس بهم، وكون بعض الناس يظن أن هؤلاء لهم سيطرة ولهم قدرات، وأن هؤلاء أيضاً بيدهم الشفاء ولا شفاء إلا بأيديهم..! وهذا أمر خطير يجب أن يُنتبه له.

    ومن ذلك أيضاً التوسع في أبواب الرقى لتشمل رقىً غير مشروعة، وتلك الرقى غير المشروعة حينما تكثر ربما تؤدي إلى أنواع من السحر والكهانة والشعوذة، وذلك كله مما يصادم أصل العقيدة أو كمالها؛ لهذه الأسباب أيها الإخوة في الله كان لا بد من طرق هذا الموضوع تحقيق التوحيد وأهميته ووجوبه.

    1.   

    معنى تحقيق التوحيد

    ومن هنا فإننا نعرض أولاً لقضية مهمة جداً ألا وهي: ما معنى تحقيق التوحيد؟

    وتحقيق التوحيد الذي يعلمه الجميع والحمد لله مقتضاه أن يحقق الإنسان شهادة أن لا إله إلا الله بأركانها وشروطها، فكون الإنسان ينطق بهذه الكلمة ويقول: لا إله إلا الله، وكون هذا الإنسان يعود من كفر ومن شرك ومن انحراف وإلحاد ومن جاهلية بمجرد أن يعلن إسلامه وينطق بكلمة التوحيد، نقول إن هذه النقلة لها مقتضى عظيم جداً، وليست مجرد كلمة تقال باللسان.

    ولا إله إلا الله تقتضي أول ما تقتضي أمرين متلازمين لا بد منهما:

    عدم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله عز وجل

    الأمر الأول: أن ينفي الإنسان أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، فلا يصرف أي نوع من أنواع العبادة سواء كان صلاة أو نذراً أو حباً أو خوفاً أو توكلاً أو دعاء أو استغاثة أو استعاذة أو توسلاً.. أو غير ذلك، لأي شيء من المخلوقات، سواء كان ذلك المخلوق ملكاً، أو نبياً، أو ولياً، أو رجلاً صالحاً، أو نجماً، أو حجراً، أو شجراً..، أو غير ذلك، وهذا الأمر لا يتم إلا بالأمر الثاني ألا وهو..

    صرف أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له

    الأمر الثاني: أن يصرف أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له، فهما ركنان دلت عليهما هذه الكلمة لا إله إلا الله، فلا إله: نفي، إلا الله: إثبات، فهي تنفي صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، ثم تثبت تلك الأنواع كلها لله وحده لا شريك له.

    ومن هنا فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:104-107] أقم وجهك للدين حنيفاً بعبادة الله وحده لا شريك له، والبراءة والبعد من الشرك وأهله.

    ومن هنا فإن هذه الكلمة يالتي تقتضي ما ذكرناه سابقاً، وذلك بهذين الركنين العظيمين مع شروط لا إله إلا الله المعروفة:

    علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها

    هذه الشروط السبعة إذا تكاملت عند المؤمن علماً وعملاً فإنه والحالة هذه يكون قد حقق هذا التوحيد العظيم، ولكن ينبغي أن نعلم أيها الإخوة في الله أن مقتضي التوحيد الذي ذكرناه سابقاً يلزم منه أمر مهم جداً، ألا وهو البعد عن الشرك بجميع أنواعه، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] أي: اعبدوا الله وحده لا شريك له، واجتنبوا الطاغوت بجميع أشكاله وصوره، وهذا يشمل اجتناب الإنسان الشرك الأكبر والشرك الأصغر.

    1.   

    الشرك

    الشرك أعظم الذنوب

    ومن هنا فإننا نفرد للكلام عن الشرك فقرة خاصة فنقول: إن هذا الشرك ينبغي أن يُعلم أنه أعظم الذنوب، كما ذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان الشرك أعظم الذنوب لأسباب منها: أن الله سبحانه وتعالى لا يغفره إذا مات عليه الإنسان، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] فمن كان عاصياً وتاب فالله يتوب عليه، ومن كان مشركاً ثم تاب من شركه فالله سبحانه وتعالى أيضاً يتوب عليه، لكن إذا مات الإنسان على هذا الشرك انقطع الأمر كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فمغفرته تبارك وتعالى للشرك إنما تكون إذا وقعت التوبة منه في الدنيا، أما في الآخرة فلا يُغفر لصاحبه أبداً.

    الشرك الأكبر صاحبه مخلد في نار جهنم

    ثانياً: أن صاحبه مخلد في نار جهنم، نسأل الله السلامة والعافية، ونحن نعلم أن من الأمور القاطعة في عقيدتنا والتي دل عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يشك فيها مؤمن أبداً هذه الحقيقة تقول: إن الناس في يوم القيامة لا بد أن يفترقوا إلى فريقين لا ثالث لهما أبداً: فريق في الجنة، وفريق في السعير، فمن كان من أهل التوحيد فهو في الجنة، ومن كان من أهل الكفر فهو في النار خالداً مخلداً فيها أبداً، ولهذا فإن من أعظم عقوبات الشرك بالله أن صاحبه مخلد في نار جهنم نسأل الله السلامة والعافية.

    الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال الصالحة

    الأمر الثالث: أن الشرك الأكبر محبط لجميع الأعمال الصالحة، فالكافر إذا عمل أعمالاً صالحة في الدنيا يجازى عليها في الدنيا، لكن إذا جاء يوم القيامة بتلك الأعمال الصالحة لا تُقبل منه قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23] لكن المؤمن الموحد يأتي يوم القيامة بالأعمال الصالحة التي أخلص فيها لربه سبحانه وتعالى والله سبحانه وتعالى يثيبه عليها.

    من هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم تحقيقاً لهذا التوحيد وحماية له حذّر من أنواع الشرك الأكبر والأصغر.

    1.   

    أنواع الشرك الأكبر

    لا نريد أن نطيل في الكلام حول هذا الموضوع ولكن أشير إشارات سريعة فأقول: الشرك الأكبر أنواعه كثيرة، وأهمها أربعة أنواع:

    شرك الدعوة

    النوع الأول من الشرك الأكبر: شرك الدعوة، وذلك بأن يدعو الإنسان غير الله سبحانه وتعالى، وهذا ولا حول ولا قوة إلا بالله منتشر في كثير من بلاد المسلمين، حيث تتعلق القلوب بولي أو تتعلق بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أو تتعلق بقبر من القبور فيؤدي هذا التعلق إلى دعائها من دون الله سبحانه وتعالى، فإذا دعاها من دون الله تبارك وتعالى وقع هذا الداعي في الشرك الأكبر.

    شرك الإرادة والقصد

    ومن أنواع الشرك الأكبر: شرك الإرادة والقصد، وذلك بأن يقصد غير الله سبحانه وتعالى بنوع من أنواع العبادة، كالمحبة، أو التوكل، أو الاستغاثة، أو غير ذلك، فإذا وجّه هذا النوع من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى فقد أشرك مع الله غيره.

    شرك الطاعة

    ومنها: شرك الطاعة، وذلك بأن يطيع غير الله سبحانه وتعالى في معصية الله سبحانه وتعالى.

    وهذا باب خطير جداً، حينما يأتي المشرّعون وواضعوا القوانين المخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى فيشرّعون هذه الشرائع، ويضعون هذه النظم والقوانين، ثم يأتي هؤلاء الأتباع ويطيعونهم فيها من دون الله تعالى، ويتّبعونهم عليها، مع علمهم أنهم مغيّرون للشريعة، فهذا سمّاه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى شركاً أكبر حين علّق على حديث عدي بن حاتم حين دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] فقال عدي وكان يعرف أحبار النصارى، قال: (يا رسول الله إنهم لا يعبدونهم، يعني لا يعبدون الأحبار والرهبان، لا يسجدون لهم ولا يركعون، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أليسوا يحلون الحرام فيحلونه، ويحرمون الحلال فيحرمونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم) وهذا حديث حسن.

    ومن ثم فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قال: وهؤلاء الأتباع نوعان: نوع منهم اتبعوهم على تبديلهم، يعني علموا أنهم مغيرون لشرع الله واتبعوهم على ذلك، فهؤلاء مثلهم.

    والنوع الثاني: أناس علموا شرع الله الحق ولكنهم اتبعوا أولئك معصية، أي أنهم فعلوا ما يخالف الشرع من باب المعصية، فهؤلاء فسّاق عصاة وليسوا بكفار، أما بالنسبة للأحبار والرهبان أنفسهم المغيرين لشرع الله تعالى فهؤلاء لا شك في أنهم واقعون في الشرك الأكبر الذي هو شرك الطاعات.

    شرك المحبة

    ومن أنواع الشرك الأكبر: شرك المحبة، وذلك بأن يحب غير الله كمحبة الله سبحانه وتعالى، وهذا يقع فيه بعض الناس حينما تتعلق قلوبهم بغير الله، فيجعلون محبة أولئك مقدمة على محبة الله أو مساوية لمحبة الله، وهذا يختلف عن المحبة الطبيعية والمحبة في الله، التي هي جزء من الإيمان بالله سبحانه وتعالى.

    1.   

    أنواع الشرك الأصغر

    القسم الثاني من أنواع الشرك: الشرك الأصغر، والشرك الأصغر قسمان:

    شرك الأعمال

    القسم الأول منه: شرك في الأعمال، وهذا الشرك هو الشرك الخفي، وهو الرياء الذي حذر منه رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر وهو الرياء) وهذا الرياء شرك أصغر لا يخرج صاحبه من الملة، لكنه ولا حول ولا قوة إلا بالله قد يمتد خطره فيؤدي إما إلى أن يرقى بصاحبه إلى الشرك الأكبر، وإما أن يحبط عمله.. فليحذر المسلم وهو في عباداته، وهو في أعماله الخيرية، وهو في صلاته، وهو في صيامه، وهو في أمره بالمعروف وفي نهيه عن المنكر، وفي دعوته إلى الله سبحانه وتعالى؛ ليحذر من هذا المدخل الشيطاني الخفي.

    شرك الأقوال

    النوع الثاني من الشرك الأصغر: هو شرك الأقوال، كالحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت، وقول: لولا فلان ما حدث كذا، وغير ذلك من الألفاظ التي يتساهل فيها بعض الناس وهي من الأمور التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حماية للتوحيد وتحقيقاً له، (ولما جاءه رجل فقال: يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده) ونهى عن الحلف بغير الله، وغير ذلك.

    1.   

    أمور تنافي التوحيد أو كماله

    وبعد هذه الفقرات المتعلقة بمعنى تحقيق التوحيد ومعنى لا إله إلا الله، ومعنى الشرك وأنواعه ننتقل إلى الموضوع الثالث المتعلق بموضوعنا، ألا وهو أمور تنافي حقيقة التوحيد أو كماله ابتلي فيها كثير من الناس.

    التمائم

    من ذلك: التمائم، فإن مما اشتهر عند بعض الناس في بعض البلاد الإسلامية تعليق التمائم التي يُظن أن تعليقها يحمي الإنسان أو الطفل من العين أو من الجن أو من المرض أو غير ذلك.

    ولهذا ورد عن عقبة بن عامر الجهني : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت التسعة وتركت هذا، قال عليه الصلاة والسلام: إن عليه تميمة، فهجره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبايعه، فأدخل يده فقطعها فبايعه، فقال عليه الصلاة والسلام: من علّق تميمة فقد أشرك) رواه الإمام أحمد ، والحديث صحيح.

    والتمائم خرزات أو نحوها تُعلق على صدور الأولاد أو في أكتافهم أو في أيديهم يتقون بها العين، ويدخل في هذه التمائم بعض الخرزات التي يضعها بعض السائقين يعلقونها على المرآة في السيارة ونحوها، ويظنون أنها تقيهم الصدام أو الحوادث أو غير ذلك، وبعضهم قد يضع نعلاً في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها لهذا السبب، وبعضهم كما أخبرني بعض الإخوة يعلّق شيئاً من ذلك في دكانه يطلب به الرزق أو يتقي به عين من يمر عليه.

    ومن ذلك أيضاً اعتقاد بعض الناس حينما يظن أنه إذا أمسك عنده ذئباً أو قطعة من جلده أو نحو ذلك أن هذا يمنع الجن عنه، فهذه من الأمور التي اشتهرت عند كثير من الناس، وبعضهم يتساهل فيها وهي إما أن تكون من الشرك الأكبر إن اعتقد فيها أنها هي التي تنفع وتضر من دون الله تبارك وتعالى، أو أنها تكون من الشرك الأصغر إذا اعتقد أنها سبب، ولهذا انتشر هذا الأمر حتى عند كثير من الصوفية وما أكثر الشركيات عند كثير من الصوفية! حتى يقول صاحب دلائل الخيرات وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ما سجعت الحمائم، وسرحت البهائم، ونفعت التمائم.. فكأن قضية نفع التمائم تنفع كل يوم، وكل دقيقة مثلما تسرح البهائم أو مثلما تسجع الحمائم، وغير ذلك، وكأن هذا الأمر مُسلّم عندهم.

    حكم تعليق تمائم من القرآن

    وهنا قد يقول قائل: وإذا عُلّقت تميمة من القرآن كما يفعل البعض حينما يكتبون آيات من القرآن ويخيطونها بقطعة قماش أو نحو ذلك ويعلقوها على صدر الطفل أو في كتفه أو غير ذلك، والذي يظهر وإن كانت المسألة فيها خلاف أن مثل هذا الأمر لا يجوز لعدة أمور:

    الأمر الأول: أنه بدعة لم يفعله السلف رحمهم الله تعالى.

    الأمر الثاني: أنه ذريعة إلى الوقوع في المحرم؛ لأن تعلق النفس بهذا الأمر يُضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى ولربما لو حدث لهذا الطفل مرض لقيل ما نفعت ائتونا بتميمة أخرى! وهكذا، وما أضعف نفوس الوالدين أمام مرض ابنهم وخاصة الأم، فلربما أدى بهم إلى أن يقعوا فيما هو محرم صُراح.

    الأمر الثالث: أن وجود الآيات القرآنية على كتف الصبي أو في صدره أو نحو ذلك يؤدي إلى امتهان القرآن، فإنه يدخل به دورات المياه، وإذا تعلقت النفوس بهذه التميمة فإن الأم لا تستطيع أن تفكها ولو لحظات، وظنت أنها لو أزالت هذه التميمة التي هي من القرآن عن ابنها وهو داخل الحمام فلربما أدى به إلى أن يصاب بأذى، فتضطر إلى أن تدخل مثل هذا الأمر الذي فيه كلام الله سبحانه وتعالى إلى الأماكن التي يجب أن ينزه القرآن منها؛ لهذه الأسباب فإن مثل هذا الأمر لا يجوز.

    الرقى

    الأمر الثاني: الرقى، وينبغي أن نعلم أن هذه المسألة كثر في هذه الأيام الحديث عنها، ما هي الرقية الشرعية؟ وما الرأي في هؤلاء القراء الذين صاروا ينتشرون في كل مكان؟ وهذا الأمر أيها الإخوة في الله يحتاج منا إلى وقفة.. فأقول:

    يجب أن نعلم أولاً أن الرقية الشرعية لا تصح إلا بشروط منها:

    الشرط الأول: أن تكون بكلام الله تعالى وبأسمائه وصفاته.

    الشرط الثاني: أن تكون باللسان العربي.

    الشرط الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل هي سبب من الأسباب، والنافع الشافي هو الله سبحانه وتعالى.

    ومن هنا فإن من المهم جداً أن أذكر بعدة أمور.

    الأمر الأول: كثير من الناس يغفل عن الرقية الشرعية التي يقوم بها الإنسان نفسه حين يرقي نفسه أو أحداً من أهل بيته، وهذا يجب أن يتنبه له الجميع، إذا الإنسان عنده مريض فعليه أن يرقى هو، وأن يُخلص في رقيته وفي دعائه فإن الله سبحانه وتعالى ربما جعل مثل هذه الرقية سبباً للشفاء.

    أما ما يفعله كثير من الناس وهو أنه إذا وجد عندهم المريض تعلقت النفوس بغير الله سبحانه وتعالى سواء كانوا قراء أو أطباء..! فلا، بل يجب على الأسرة أن تكون صابرة محتسبة، ويجب عليها أن تبذل الوسائل الشرعية ولا مانع من فعل الأسباب.

    الأمر الثاني: ليس كل من قيل عنه إنه يقرأ يذهب إليه الإنسان، بل يجب عليك أن تبحث عن القارئ الذي تعرف عنه الصلاح والتقوى، فإذا عرفت من حال القارئ أنه من أهل الصلاة وأنه من أهل الصلاح، فحينئذ لا مانع من أن تذهب إليه، لكن ما نجده اليوم من انتشار كثير من القراء وبعضهم لا يُعرف حاله، وبعضهم يستراب في أمره، ومع ذلك فإن الناس يتوافدون عليهم زرافات ووحداناً؛ نقول: إن مثل هذا الأمر مما يجب أن يُحتاط له وأن ينتبه له الناس، لقد تعلقت النفوس بغير الله سبحانه وتعالى، وأصاب الناس كثير من الوهن والضعف، فلنحذر من هذا الأمر، وإذا ما احتجنا وأردنا أن نطلب من أحد أن يقرأ فعلينا أن نبحث عن القارئ الذي نعرف صلاحه وتقواه، ويجب أن نتقي الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر العظيم.

    السحر والكهانة

    الأمر الثالث وهو متعلق بالفقرة السابقة: انتشار السحر والكهانة في كثير من بلاد المسلمين، وهؤلاء السحرة والكهنة والعرّافون الذين يدعون علم الغيب، ويقولون إنهم يعالجون الناس بأنواع من العلاجات، هؤلاء كثروا لا كثّرهم الله تعالى.

    وينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] هذه الآية جاءت خبراً عن الناس في الجاهلية، فإن العرب كانوا في الجاهلية يخافون من الجن خوفاً شديداً، حتى أن الواحد منهم إذا نزل وادياً وهو في سفر خاف من الجن في هذا الوادي، فماذا يصنع؟ يتعوذ من سفهاء هذا الوادي بسيد هذا الوادي من الجن، فإذا نزل قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فماذا فعلت الشياطين؟ لما رأت الشياطين أن هؤلاء يخافون منهم هذا الخوف تسلطوا عليهم فزادوهم رهقاً وتعباً وطغياناً.

    تعالوا إلى الحالة اليوم لما أن الناس ضعف إيمانهم تعلقت نفوسهم بغير الله سبحانه وتعالى، وصاروا يخافون من غير الله تبارك وتعالى، فماذا حدث؟ تسلطت الشياطين، وتسلط السحرة وكثروا، وصاروا يفتنون الناس، وزادوهم تعباً ومشقة ورهقاً.

    وهذا أيها الإخوة في الله أمر خطير جداً يجب أن ينتبه له الجميع، والواجب في مثل هؤلاء السحرة أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى وهو كفر على القول الراجح؛ لأن الله تعالى يقول: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة:102] إلى آخر الآية، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نعلم أن هؤلاء يجب أن يُحذر منهم الحذر الشديد، فهؤلاء السحرة يدّعون علم الغيب، وادعاؤهم لعلم الغيب هو ادعاء كاذب؛ لأن الله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] فلا يعلم الغيب إلا الله وحده لا شريك له.

    إذاً: كيف يدّعون؟ عن طريق الشياطين، حينما يأتي ضعيف من ضعفاء النفوس عنده مريض فيقال له: هناك رجل يعالج في المكان الفلاني فاذهب إليه، وهذا الرجل ساحر، فتأتي الشياطين إلى ذلك الساحر وتخبره، وتقول له: سيأتيك فلان اسمه فلان ابن فلان، وأمه اسمها فلانة، وخالته اسمها فلانة، وجرى له قبل عشرة أيام كذا، وقبل سنة كذا؛ فيدخل هذا المسكين على هذا الساحر، فإذا دخل عليه وجلس بين يديه، قال: أنت اسمك فلان ابن فلان؟ جرى لك كذا وكذا؟ جدك اسمه كذا؟ جرى لكم كذا؟ فإذا بهذا الإنسان يُدهش ويسقط بين يديه، ويظن أن هذا الساحر قد امتلك قدرة عظيمة منها علم هذه المغيبات؛ لأنه قد يخبره بأشياء لا يعلمها أقرب الناس إليه، بل حتى جيرانه وبعض أقاربه لا يعلم هذا، فكيف علمها هذا الرجل الذي يعيش في تلك البلدة النائية؟ ولقد حدثني أحدهم وكان مريضاً قال: ذُكر لي طبيب في إيطاليا، فذهبت إليه للعلاج في إيطاليا، فلما دخلت عليه أخبرني من أسرار أسرتنا ما لا يعلمه أحد، أقول: فمن الذي أخبر هذا الساحر الكاهن في روما؟ إن الذي أخبره هي الشياطين.

    فهؤلاء السحرة يدّعون علم الغيب، ويستعينون بالشياطين، ولا يستعينون بهم إلا حينما يقعون في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومن ثم فإنك تجدهم أحياناً يطلبون من الشخص أن يذبح ذبيحة ولا يذكر اسم الله عليها؛ لتكون ذبيحة لغير الله، وهذا هو الشرك.

    فينبغي أيها الإخوة أن ننتبه لهذه القضية، وأن هؤلاء السحرة الذين انتشروا وبلي الناس بهم يجب أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، فيجب أولاً أن يحذّر منهم، ثم يجب ثانياً أن يردعوا عملياً وأن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى، فإذا أقيم فيهم حكم الله وهو القتل فإن هؤلاء يرتدعون ويسلم الناس من شرهم، أما إذا تُركوا يعبثون بعقائد الناس فهذا ما لا يجوز السكوت عليه أبداً، ومن المحزن حقاً أن مثل هؤلاء السحرة لهم نفوذ حتى يقال إن كثيراً من زعماء العالم لكل واحد منهم كاهن وساحر يخبره عمّا يجري عليه وعمّا يمكن أن يجري ويقع، وتتعلق نفوس هؤلاء الكبراء بهؤلاء السحرة ويؤدي هذا إلى حمايتهم.

    والواجب أيها الإخوة أن نحذر من ذلك حذراً شديداً، وكثير من الناس يقع في شيء من هذا، ومن ذلك أن بعض الناس يذبح للجن خوفاً منهم أو تقرباً إليهم، حتى أنني سمعت من ذلك نماذج غريبة جداً.. حتى أخبرني أحد الإخوة أنه سمع إحدى الإذاعات العربية تقول: ذهب أمير المنطقة الفلانية إلى مزار سيدي فلان، وكان معه الأبقار وذبحوها عند قبر السيد.. وكأنه خبر إسلامي، وكأن هذا الخبر من الأمور المسلّمة عندهم، وهذا أمر خطير جداً.

    ومن ذلك أيضاً أنني أُخبرت أن بعض الناس إذا أراد أن ينزل منزلاً جديداً يذبح ذبيحة وينثر دمها على أسوار البيت، وأحياناً ينثر دمها على أسوار البيت أيضاً من الداخل ويظن أنه إذا سكن البيت دون أن يذبح هذه الذبيحة ربما أُصيب هو أو أولاده بما يمكن أن يصابوا به؛ وذلك لأنه يخاف من الجن، وهذه ظواهر وأمور خطيرة جداً ينبغي أن ننتبه لها.

    الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم

    ومن الأمور التي تتعلق بهذا الموضوع، أقصد موضوع تحقيق التوحيد ووجوبه: الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر في هذه الأيام، لأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة، بل يجب على الإنسان أن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من محبته لنفسه وولده ووالده والناس أجمعين، فجاء بعض الناس ليقولوا إن هذه المحبة لا تتحقق إلا بأن تتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع كثير من هؤلاء في الشرك، وهذا أمر خطير يحتاج إلى تفصيل مستقل، لكنني أذكر به في معرض هذه الفتنة التي وجدت عند بعض المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    تعليق التماثيل والنصب التذكارية

    ومن ذلك أيضاً: تعظيم التماثيل والنصب التذكارية وغيرها، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التصوير؛ لأنه من وسائل الشرك، فالتصوير الذي يؤدي إلى وجود تماثيل أو غيرها وسيلة من وسائل الشرك كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح، وكيف وقع فيهم الشرك كما ذكر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما، وتعظيم التماثيل من الأمور التي يجب أن يُنتبه لها؛ لأن كثيراً من الناس يدخلها في باب الآثار، وباب الآثار باب عريض، قد يدخل فيه الآثار التي يكون الاهتمام بها أمراً مباحاً، لكن كثيراً ما يدخل فيها بعض الآثار التي تُعظَّم وتُقدّس ويؤدي تعظيمها إلى أنواع من التعلق بها، وتعلمون أنتم ما يجري.. فقد يأتون بلوحة عبث فيها ملحد أو نصراني فخطها قبل ثلاثين سنة أو مائة سنة أو مائة وخمسين سنة فتباع بالملايين من الدولارات، ولو عُثر على صنم هبل الذي قد كسر لبيع بملايين، فتعظيم الآثار وخاصة آثار الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي أحياناً إلى أنواع من التعلق بها والشرك بها، وهذا مدخل خطير يجب أن نحذر منه جميعاً.

    أيها الإخوة في الله! ينبغي أن نعلم أن تحقيق التوحيد ضروري لبناء الإيمان، وأن من أعظم الأمور التي لا بد منها في تحقيق هذا التوحيد هو الحذر من الشرك الأكبر والأصغر بجميع أشكاله وصوره، ولنعلم أن الأمر خطير وأنه مدخل من المداخل الخطيرة.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يقيني وإياكم شرها، وأن يرزقني وإياكم تحقيق التوحيد، وأن يجعلنا ممن يموت على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، غير واقع في شرك ولا في غيره مما يضاد هذا التوحيد.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    التركيز على التوحيد والجهل بأمور الدين الأخرى

    السؤال: يوجد أناس يقولون: التوحيد قبل كل شيء، فلا تطلب العلم إلا بعد التوحيد وبعد ذلك تعلم ما بدا لك، فتجده جاهلاً في كثير من أمور دينه؛ لأنه أهملها وركز على التوحيد، فما رأيك يا شيخ في هذه الحالة؟

    الجواب: الحقيقة هذه الحالة وغيرها ينبغي أن يُنظر فيها من خلال ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي سيرته في هذا الأمر..

    فنقول: لا شك أن تحقيق التوحيد وبناءه والتركيز عليه لا بد منه، لكن من قال إنك وأنت تركز على التوحيد تُهمل غيره؟ ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات والدين كامل، يعني بعد فرض الصلاة هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل وأسلم قال علموه التوحيد والبعد عن الشرك، ثم قال بعد شهرين أو ثلاثة ائتوا به نعلمه الصلاة؟ لا، وإنما كان صلى الله عليه وسلم إذا شهد شهادة الحق علمه الوضوء والصلاة؛ لأن الوضوء والصلاة توحيد، فالانفكاك بين هذه الأمور خطأ.

    و أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما أن ارتدت الجزيرة العربية وانتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وتولى الخلافة من بعده، ماذا فعل المرتدون؟ قسم من المرتدين اتبعوا المتنبئين الكذابين، فهؤلاء منكرون لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو مقرون معها بنبوة غيرهم فهم مرتدون، لكن قسم آخر منهم قال: نحن على الإسلام ونؤدي الصلاة، لكن هذه الزكاة لا نؤديها، فهل قال أبو بكر أهم شيء عندنا التوحيد؟ فما داموا يقرون بنبوة محمد فهذا الذي نركز عليه؟ ولهذا قال عمر واحتج على أبي بكر كما هو معروف، في حديث: (أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله..).

    ورأى بعض الصحابة أن يُترك هؤلاء الذين منعوا الزكاة، لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه قال: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة) وقاتلهم على ذلك، فهل فِعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه هنا هذا إلا سنة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)، ويقول: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).

    لهذا فإنني أقول: إن مثل هذه القضية وهي قضية التركيز أو غير التركيز يخطئ البعض في فهمها وفي تطبيقها أحياناً، وإلا فلا أظن أن هناك خلافاً بين من يفقهون دين الله أن أي أمر لا بد أن يبنى على العقيدة، وأنك حينما تجد مجتمعاً ضعفت فيه العقيدة أو كثرت فيه الشركيات يجب عليك أن تركز على هذه الشركيات، لكن مع ذلك تدعوهم إلى الله وإلى غيرها.. فشعيب دعا قومه إلى لا إله إلا الله ودعاهم إلى: وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [هود:84] والأمر إن شاء الله واضح.

    حكم من أتى كاهناً يسأله من باب حب الاستطلاع

    السؤال: لو ذهب شخص إلى أحد الكهنة لكي يخبره عن المولود القادم له، هل هو ذكر أم أنثى، وما ذهب لذلك إلا حباً للاستطلاع لكنه لا يصدّق ما يخبر به، فما حكم ذلك؟

    الجواب: ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد)، وفي بعض الروايات: (من أتى كاهناً) بدون (فصدّقه)، فإتيانه حرام لا يجوز؛ أولاً لأن فيه تكثيراً لسواده وتعظيماً له؛ وثانياً وهو الأخطر: أن فيه جانب اعتقاد أنه يعلم الغيب، وإلا لما ذهبت إليه، لماذا لم تذهب إلى غيره وتقول: هل مولودي ذكر أو أنثى؟ إذاً: ما ذهب إلى هذا الكاهن إلا وهو يظن أنه ربما يصدق في قوله، ونحن نعلم أن الكهنة في الجاهلية كانوا يسترقون السمع، يركب الجن فوق بعض حتى يصلون إلى السماء فيسمعون الوحي، فإذا سمعوا به ربما قيل يؤمر السحاب بأن يُمطر بلد بني فلان في يوم الثلاثاء، فأحياناً يُدركه الشهاب فيحرقه، وأحياناً يبلّغه قبل أن يُدركه فتصل إلى الكاهن فيقول الكاهن: يوم الثلاثاء يأتي مطر لبني فلان، قال صلى الله عليه وسلم: (فيضيف إليها تسعة وتسعين كذبة) وكل الكذبات يتبين كذبه فيها؛ لكن لأنه صدق في تلك المرة تتعلق النفوس به، فيقال: ألا ترون أنه صدقنا في يوم كذا؟ لكن بعد ذلك حُرست السماء، فلا مجال لاستراق السمع أبداً، أي أنه لا مجال لأي إنسان مهما بلغت قدرته أن يطّلع على الغيب، لكن أن يطّلع على ما يمكن أن يُطلّع عليه بالأسباب هذا أمر لا شيء فيه، لكن أن يطّلع على الغيب فلا: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] فمن أتى كاهناً فهو ضعيف الإيمان في هذا الجانب.

    حكم اتباع الهوى

    السؤال: هل كل من اتبع هواه يُعد مشركاً؟

    الجواب: اتباع الهوى درجات، فاتباع الهوى إذا أدى بالإنسان إلى الكفر بالله أو الوقوع في أنواع من الشرك فهذا يقال اتبع هواه وأدى به إلى الكفر، وما نزل عن ذلك فهو بحسبه، فمن اتبع هواه مثلاً وقصّر في العبادة فنقول: هذا متّبع لهواه، أي أنه مقصّر في هذه العبادة، وهكذا فالأمر في هذه المسألة على درجات، وينبغي أن يُنتبه لذلك؛ لأن بعض الناس يعمم، ويقول: من اتبع هواه فقد اتخذه إلهاً من دون الله فهو كافر، فيدخل فيه مثلاً من اتبعه هواه في مسألة أو في أمر دنيوي أدى به إلى كسل عن صلاة أو كسل عن واجب، فهذا الاتباع لا يقال عنه إنه شرك، وبعض الناس على العكس من ذلك.. فنقول: الأمر فيه تفصيل.

    حكم الاستغاثة بمن يقدر على إنقاذه لكنه لا يسمعه

    السؤال: لو استغاث شخص برجل قادر ولكنه لا يسمعه حالة استغاثته، فما حكم ذلك؟

    الجواب: إذا كان نطقه بهذا الكلام عند من سيبلّغ ذلك الرجل القادر فهذا مثلما لو كان حاضراً، فهذه من الأسباب المعروفة في حياة الناس ولا شيء فيها، أما إذا استغاث به وهو يعلم أنه لا يسمعه وليس هناك أحد يبلّغه فهو في هذه الحالة بحسب اعتقاده في هذه المقالة، وأقل أحوالها أن تكون من الشرك الأصغر.

    حكم علاج السحر بالسحر

    السؤال: كثير من الناس يُصاب بسحر أو يتوهم أنه مصاب بسحر فتضيق عليه الأرض وكذا على أهله، فيضطر هو وأهله إلى الذهاب إلى السحرة والكهنة ليحلوا ذلك السحر، وإذا قيل لهم إن هذا كفر أو شرك قالوا: إذا رجعنا تبنا إلى الله عز وجل، وما الطريقة المثلى أو الطريقة الشرعية لحل السحر؟

    الجواب: هذا السؤال مهم وينبغي أن نعلم أنه كما أخبر الله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] السبب هو ضعف الإيمان، وضعف الإيمان يؤدي بالإنسان أحياناً إلى الوهم، لو قيل لإنسان أصيب مثلاً في ليلة أو ليلتين بالأرق: أكيد أنه أصابتك عين أو أصابك سحر! فصدّق فتوهم فإنه لا يمكن أن يبيت .. لا يمكن أن ينام، يصبح هاجسه ليلاً ونهاراً هذا المرض، بينما الرجل ليس فيه مرض، لكن لما قيل له ذلك ربما صدّق فأدى به إلى هذا، ولهذا تجد كثيراً من الأمراض في بدايتها سهلة عادية، لكن تتعقد بالوهم، وهذا معروف حتى في المرض العضوي.. الإنسان إذا أُصيب بمغص في بطنه، أو بجرح معين أو شيء من ذلك..! إذا أعطاه قدره المناسب له، تشجع الرجل وصار يأكل ويأخذ بالأسباب ونفسيته طيبة، لكن لو قيل له: لا، هذا فيه مرض خطير، بدأ الوهم عنده، وتعلمون أنتم أن الوهم يهد الإنسان خلال ساعات، بل خلال وقت قصير، فإذا هُد هذا المريض وصار لا يأكل وصار مهموماً ومغموماً مرض واشتد مرضه وضاق صدره وصدر أهله، بل إنك تجد الإنسان وهو في أشد حالات المرض في المستشفى لأنه واهم وخائف، فإذا جاءه الطبيب وقال له: الحمد لله، لقط أظهرت التقارير أنه لا شيء فيك، فكأنما ينشط من عقال، فإذا به يجلس ويحدث من حوله، ويبتسم، ويشتهي ويأكل.. وتتحسن حالته، والعكس بالعكس، فهذه واحدة.

    الأمر الثاني: أن من وقع عليه ابتلاء في مثل هذه الأمور مما ذكره السائل، يجب على العبد أن يتقي الله سبحانه وتعالى: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم) وما من داء إلا وله دواء، وليس هناك مرض إلا وله دواء إلا السام وهو الموت، أما ما عدا ذلك فله دواء، وهذا الدواء شرعي، وحينئذ فإنني أقول: إن من ابتلي بمثل هذا المرض فعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى.

    أولاً: لا يجوز له أن يذهب إلى هؤلاء السحرة، وخداعه لنفسه أنه يقول: إذا رجعنا نتوب! هذا كلام خطير يُخشى على صاحبه، مثل ذلك الشخص الذي يقول: أقع في المعصية وأتوب، سبحان الله! وإذا جاءك الأجل وأنت على المعصية فماذا ستقول لربك سبحانه وتعالى؟

    كذلك أيضاً نقول لهؤلاء لو وقع حادث سيارة وأنتم راجعون ومتم لم تدرككم التوبة، فاتقوا الله سبحانه وتعالى.

    ثانياً: يجب على هؤلاء أن يبحثوا عن الرقية الشرعية، ومثل السحر وغيره توجد رقى شرعية، هذه الرقى تنفع مع الإخلاص والتعلق بالله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يشفي صاحبه، وقد تكون إرادة الله أن يُبتلى هذا الرجل وأن يستمر عليه البلاء زمناً، فلا ييئس الإنسان.

    فينبغي يا أيها الإخوة أن ننتبه لهذه القضية، فلا يجوز الذهاب إلى هؤلاء، ولا يجوز علاج السحر بسحر مثله على القول الراجح.. وخاصة في هذه الأيام التي انتشر فيها هؤلاء السحرة.

    حكم من يعلم بمشعوذ ولا يقدر على إزالته

    السؤال: ما حكم من يعلم عن حال مشعوذ يفد الناس إليه جماعات لكنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً، فما الواجب عليه؟

    الجواب: القول بأنه لا يستطيع غير صحيح، فعليه أن يبذل، أن يأتي إلى أهل الخير والعلم من أبناء هذه المدينة الذي هو فيها أو القريبة منها ويشرح حاله ويحذّر منه، وكما أشرت في أثناء هذا الدرس فإن من المهم أن يقام فيهم حكم الله سبحانه وتعالى ضرورة حتى لا يستفحل شرهم وقد استفحل.

    حكم الرقية بغير اللغة العربية

    السؤال: إذا كان من يرقي لا يجيد اللغة العربية، فهل يرقي بغير اللغة؟

    الجواب: لا يجوز، وقد ذكرنا أنه من شرطها أن تكون باللغة العربية.

    المعاصي والرياء بريد الكفر

    السؤال: نود منك أن تبين صوراً للرياء تقود فاعلها إلى الشرك الأكبر؟

    الجواب: كل المعاصي قد تقود إلى الشرك الأكبر، كم من شاب قادته الشهوة إلى ذلك، بمعنى أنه أتاه صديق له وقال: تعال..، فوقع في الزنا، والزنا معصية من المعاصي وكبيرة من الكبائر، إذا تاب منها الإنسان فالله يتوب عليه ولا يكفر صاحبها، لكن قد تأتي هذه المعصية حين يبدأ بها من خلال أصدقائه، فيؤدي به الأمر أحياناً إلى ترك الصلاة، وهذا يقع، ومن وقع في شرب الخمرة أو وقع في الزنا ونحو ذلك غالباً ما يؤدي به نعوذ بالله إلى ترك الصلاة، وهذا بحد ذاته كفر، بل قد يكون ما هو أشد من ذلك، قد يؤدي به إلى الاستهتار بالدين والاستهزاء بالدين، وهذا أيضاً ردة، قد يؤدي به أحياناً إلى أنه لا يستطيع أن يتحلل هذا التحلل إلا من خلال الإلحاد وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى، وهذا واقع، بل كثير من دعاة الإلحاد والكفر بالله سبحانه وتعالى يدخلون إلى الشباب عن طريق الشهوات، فبدأه بمعصية وانتهى إلى كفر بالله سبحانه وتعالى..

    السائل سأل عن الرياء؟ نقول: نعم، قد يبدأ الرياء خفيفاً مع الإنسان فيبطل صلاته أو عبادته أو جزءاً منها، لكن قد يستحكم عليه، ثم يبدأ هذا الإنسان لا يعمل لله، ربما كثر الأتباع له ونظر الناس إليه فصار في الخفاء يجاهر ربه بالمعاصي، وأمام الناس يتظاهر أنه من الأتقياء، فتأتيه النفس وتقول: إنك تضحك على الناس فاضحك على ربك أيضاً! فيبدأ ولا حول ولا قوة إلا بالله يتظاهر بهذا الرياء، وهو في الحقيقة إذا كان بينه وبين ربه سبحانه وتعالى ربما لا يؤدي الصلاة أو لا يؤدي بعض العبادات الواجبة.

    علاج الرياء

    السؤال: شخص ابتلي بالرياء فما العلاج لذلك؟

    الجواب: العلاج لذلك الرقابة الشديدة على القلب وأنت تعمل هذه الأعمال التي تخشى من الرياء فيها، ومقتضى ذلك أن توقن يقيناً تاماً أن هؤلاء الناس لا يستطيعون أن ينفعوك بشيء، ومن ثم فإنك إذا راءيتهم خسرت الآخرة فلا ثواب لك، وخسرت الدنيا أنك لم تعمل هذا العمل لوجه الله تعالى، فلم ينفعك عملك في زيادة إيمانك وفي تقوية قلبك، ومن هنا فإنني أقول: يا أيها الأخ العزيز إذا خشيت من هذا فعليك أن تعالج نفسك بنفسك من خلال أمور:

    الأول: أن تحرص كثيراً على أن تكون عباداتك الخاصة لوحدك، كالعبادات التي هي نوافل.

    الأمر الثاني: أن تجاهد نفسك عند عمل الطاعة إذا كان لا بد من عملها أمام الناس، فتجاهد نفسك ولا تستتر للشيطان، فإن الشيطان قد يأتيك ويقول لك: إنك ترائي، فعليك أن تراغمه وأن تستمر في عبادتك.

    الأمر الثالث: أن تدعو ربك سبحانه وتعالى أن يعصمك من مثل هذا الأمر، وأنا أخشى أن يكون مثل هذا وهماً، أعني أن الشيطان يريد أن يفسد عليك عباداتك فيقول لك: إنك ترائي، ويريد أن يُفسد عليك العبادة حتى تتركها أو حتى تتخلى عن الصالحين ولا تجالسهم..

    فالأولى مراغمة الشيطان وأن تحرص كل الحرص على أن تُحضر قلبك ليكون مخلصاً لله تعالى في هذه العبادة، والله تبارك وتعالى يتولاك.

    حكم تعليق القرآن أو الأذكار في السيارات

    السؤال: انتشر في هذه الأيام عند بعض الناس وضع المصحف في السيارة أو تعليق بعض الآيات أو الأحاديث، أو وضع بعض الملصقات التي فيها آيات قرآنية، فهل هذه تُعتبر من التمائم؟ وهل ما يوضع من الأدلة الواردة في السنة كدعاء الركوب من ذلك؟

    الجواب: أظن أن بعض هذه الأمور يدخل في هذا، مثل الذي يضع المصحف في مقدمة السيارة أظنه يقصد أنه تميمة، فإذا كان قصده ذلك فيدخل في الحكم الذي رجّحنا أنه لا يجوز، أما ما عدا ذلك من الأشياء المعلقة فهي بحسب مقصدها، إن كان قصده أن يتذكرها، بمعنى أنه إذا ركب السيارة تذكر الدعاء فمثل هذا إن شاء الله لا بأس به خاصة إذا لم يكن آية قرآنية، أما إذا كانت آية قرآنية مثل آية الكرسي وغيرها فحكمها حكم اللوحات التي تعلق أحياناً في البيوت وغيرها، وهذه الأمور مما اختلفت فيها الفتوى بالنسبة للمشايخ حفظهم الله تعالى، والذي يظهر والعلم عند الله تعالى أن مثل هذه اللوحات تتحول إلى نوع امتهان لها، وهذا الامتهان إما أن يكون من خلال أن توضع كأواني، وأحياناً يمتهنها الأطفال، وأقل أحوالها أنها تتحول إلى زينة فقط، فلا تُقرأ ولا أحد يلتفت إليها، وإنما تحولت إلى مجرد زينة، وهذا مما ينبغي أن ينزه عنه كلام الله تعالى.

    حكم تعليق الأدوية العشبية على الطفل

    السؤال: هل ما يعلق على الطفل من الأدوية العشبية خشية من الأمراض يعتبر من التمائم المحرمة؟

    الجواب: نعم، بل هو من أشدها، ولا شك أنها لا يجوز؛ لأن مثل هذه الأمور يظنون أنها تحمي، فالاعتقاد بأنها تحمي كتعليق الخرزات، أو سلسلة مغناطيسية، أو غير ذلك يظن أنها تحمي، فهذا كله مما لا يجوز.

    حكم الحلف بآيات الله

    السؤال: هل الحلف بآيات الله عز وجل يعتبر من الشرك، وخاصة إذا كان يقصد الآيات الكونية؟

    الجواب: إذا كان يقصد آيات كونية، وقصده مثلاً كأنه يحلف بالسماء أو يحلف بالشمس، فهذا لا شك أنه حلف بغير الله، أما إذا كان يحلف بآيات الله أي القرآن فهذا جائز.

    حكم الحلي التي على شكل كتاب

    السؤال: انتشر في الآونة الأخيرة بعض حلي النساء يُعلّق على رقابها على شكل كُتيب صغير، فهل هذا من الرقى والتمائم؟

    الجواب: حسب مقصدها، إذا كان هذا الكتيب الصغير لا يقصد بأنه مصحف أو لا يقصد به أنه يحمي فهذا من الأمور التي هي زينة جائزة؛ لأنه أحياناً تأتي على شكل من الأشكال المصورة من كتاب وغيره فهذا لا بأس به، أما إذا قُصد التميمة فالأمور بحسب مقاصدها؛ لأنه حتى الحلي التي ليس فيها شكل كتاب ولا غيره لو قصدت به صاحبتها أنها تحميها لتحولت إلى تميمة، ومن ثم فلا تجوز.

    حكم من يرمي بعض الطعام عن العين إذا مر عليه شخص وهو يأكل

    السؤال: بعض الناس إذا مر عليه شخص وهو يأكل رمى بعض الطعام ويقول: عن العين، فما حكم ذلك؟

    الجواب: لا دليل عليه، وهذا من ضعف الإيمان.

    أنواع المحبة ودرجاتها

    السؤال: بعض الناس يُفرط في الحب في الله عز وجل بحيث يتعدى الحدود الشرعية كأن يقدم محبة الشخص على الوالدين، أو أن تكون النتيجة ترك بعض السنن أو عمل بعض المكروهات؟

    الجواب: ينبغي أن يفرق بين أنواع ثلاثة من المحبة:

    النوع الأول: محبة العبادة، فهذه يجب أن تكون خالصة لله، فالله تعالى هو وحده يُحب لذاته، ومن ثم فالطاعة له وحده لا شريك له، وكذلك أيضاً مقتضيات المحبة الأخرى.

    النوع الثاني: المحبة في الله، وهذه المحبة على درجات، أعلاها محبة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يجب أن يُقدم على محبة النفس والولد والوالد، ثم يأتي على إثرها كل محبة في الناس، محبة الطاعات، محبة أخيك المؤمن، محبة الصحابة، محبة كل من عمل صالحاً من المؤمنين؛ هذا كله مما يقوي الإيمان، فهذه الأنواع من المحبة هي إيمان؛ لأنها في الله.

    النوع الثالث من المحبة: المحبة الطبيعية، مثل محبة الولد، ومحبة الوالد، ومحبة الوالدة.. فهذه محبة ركّبها الله سبحانه وتعالى في طبيعة البشر، بل إنها موجودة في البهائم والطير وغير ذلك، فهذه المحبة لا يأتي قائل ليقول: إن هذه المحبة تخالف تلك المحبة، وإنما ننظر إليها من خلال درجاتها، فمن قدّم مثلاً محبة الولد على محبة الله يُشبه من قدّم محبة المال أو محبة الزوجة على محبة الله تعالى بحيث يؤدي به إلى ترك عبادة الله وحده لا شريك له.. فنقول: إن هذا التقديم لهذه المحبة خطر على صاحبه قد يؤدي به إلى كفر وقد يؤدي به إلى أنواع من الفسق أو المعاصي، فهي على درجات كما سبق أن بيّنا.

    قواعد وضوابط في الشرك

    السؤال: لو ذكرت لنا بعض القواعد والضوابط في تمييز الشرك عن غيره، وفي تمييز الشرك الأكبر عن الأصغر؟

    الجواب: ليس هناك قواعد وضوابط بحيث توضع هذه القاعدة وتأتي عليها الأنواع كلها، وإنما الأمر يحتاج إلى شيء من الاستقصاء؛ لأننا مربوطون بالدليل من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن بعض هذه الأمور قد تكون شركاً في شريعة ولا تكون شركاً في شريعة أخرى، فالسجود مثلاً للاحترام والتقدير كان جائزاً كما في قصة يوسف مع أخوته، لكنه في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم شرك أكبر، ولهذا كما في الصحيح: لما قدم معاذ من الشام وأقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة هيبته وفرحه برؤية النبي صلى الله عليه وسلم سجد له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا معاذ ؟ قال: يا رسول الله إنني كنت في الشام فرأيتهم يسجدون لرهبانهم وقساوستهم فأنت يا رسول الله أحق بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تفعل، فلو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فصار السجود لغير الله من العالم به شركاً وكفراً أكبر.

    صحيح أن هذا يدخل في المعاني وتمييز الأمور وضبطها، لكن أيضاً لا بد من النظر فيه إلى الأدلة، عندما نقول: عبادة غير الله شرك.. القصد بأي نوع من أنواع العبادة، فما يأتينا أحد ليقول لا بد أن تستقصي كل هذه الأمور بحيث يكون هذا الأمر شاملاً شمولاً كلياً، وإنما يُذكر من ذلك الأمثلة ويميز بين ما كان أكبر وما كان أصغر أيضاً بالدليل، ولهذا تجد مثلاً إرادة الإنسان بعمله الدنيا، أو ما ذكرناه قبل قليل مثل اتباع الهوى.. على درجات، أو المحبة، أو الخوف من غير الله.. الإنسان يخاف من السبع ويخاف من النار، هل نقول هذا وقع في الشرك الأكبر؟ لا، وإنما نقول: الخوف من غير الله سبحانه وتعالى على درجات، فإن كان هذا الخوف من غير الله سبحانه وتعالى في أمر لا يقدر عليه ولا يملكه إلا الله سبحانه وتعالى! فهذا قد يوصل صاحبه إلى الشرك الأكبر، وإن كان في أمر يخاف منه الإنسان عادة فهذا من الأمور العادية، وإن كان في أمر مما بين ذلك فهذا دال على ضعف إيمانه وقد لا يوصل صاحبه إلى الشرك الأكبر، وهكذا بقية الأمور.

    ضعف التوحيد عملياً

    السؤال: كثير من الناس يعرف التوحيد علمياً ولكن قل من يعرفه عملياً، كيف العلاج لذلك؟

    الجواب: هذا مرض عضال؛ لأن بعض الناس التنظير الذهني عنده جيد، لكن إذا جاء إلى الأمور العملية اختلطت عليه الأمور.

    كثير من الناس فيما مر من أزمة سابقة قيل: هؤلاء تربوا على التوحيد، بل يحفظون كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ويستطيع الواحد أن يشرح لك لمدة نصف ساعة أو أكثر، ثم لما جاء الأمر إلى تطبيق عملي وقع بعض الناس في أنواع من المخالفات، فتعلقت النفوس بغير الله، حيث ظن أن هذا الشخص أو هذه الجهة أو هذه الدولة ربما تحميه من النار، ظن أنه حينما يهرب من هذا المكان أنه ينجو من الموت، وهذا كله دليل على ضعف الإيمان، فعند التنفيذ العملي ضعف إيمانه، ولهذا نحن نقول: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التوحيد، وأن يعيذنا من الفتن؛ لأن الإنسان قد يبتلى، وعند الابتلاء قد يقوى الإنسان على المواجهة وقد لا يقوى.

    حكم استخدام الذئب في علاج الجن وحكم أخذ الأجرة على الرقية

    السؤال: بعض الناس الذين يقرءون يستخدمون الذئاب في علاج بعض الأشخاص لإخراج مس الجن، وما حكم أخذ الأموال على ذلك؟

    الجواب: أما الرقية الشرعية فالصحيح جواز أخذ المال للحديث الصحيح الذي فيه أن الصحابة رقوا الرجل الذي لُدغ فأعطوهم مقابل ذلك أغناماً، لكن العلماء يتكلمون في الاشتراط المسبق، أما إذا أُعطي فلا شيء فيه إن شاء الله تعالى، ولكن ينبغي للقارئ المخلص أن يتجنب هذا الأمر وأن يجعل قراءته خالصة لوجهه تعالى؛ لأنه مدخل لهوى النفس والتعلق بالدنيا والتعلق بالمال كما يحدث للبعض، نسأل الله لنا ولهم العافية.

    أما ذلك الذي يقرأ ويستخدم بعض هذه الأشياء فنحن نقول: إن هذا الأمر يترك للتجربة، إذا كان يظن أن الجن تنفر من هذا الشيء فهذا متروك للتجربة، لكن على ألا يُعتقد فيه؛ لأن بعض الناس سمع ما ذكره السائل فاقتنى ذئباً، وبعضهم اشترى ذئباً وقطع رأسه وحنّطه وأبقاه في بيته، وبعضهم بحث عن جلد الذئب ليجعله في بيته.. وهذا كله من الأمور التي هي مضعفة لتحقيق التوحيد.

    حكم قول القائل في ذمتك ونحوه

    السؤال: ما حكم قول القائل: في ذمتك أو أمانتك، أو قول بعضهم: في ذمته ليفعلن كذا؟

    الجواب: هذا حلف بغير الله، بل هو أخطر من الحلف بغير الله، فينبغي أن يتجنب.

    حكم قول القائل إنه ما صدق على الله

    السؤال: ما حكم قول القائل: أنه ما صدّق على الله، من الناحية الشرعية؟

    الجواب: الذي يظهر أن مثل هذه العبارة وإن كان التعبير عنها عامية فيه شيء من الغموض، لكن الذي يظهر أنه لا شيء فيها؛ لأن قصد صاحبها أنني ما كنت أتوقع هذا، ثم تبيّن لي أن هذا قد كتب وقدر، ما كنت أتوقع أن فلاناً يأتي فإذا بي أراه في هذا المكان.. إلى آخره، فأقول: لو اجتنبت هذه العبارة لكان أولى، لكن من قالها فالذي يظهر أن قصده فيها لا شيء فيه.

    حكم النظر إلى المسلسلات في التلفاز

    السؤال: ما حكم النظر إلى المسلسلات التي تظهر في التلفاز، وخاصة أن في بعضها بعض الأمور التي تخالف الشريعة، أو الإشراك بالله عز وجل؟

    الجواب: إذا كان فيها محرمات فلا تجوز، وإذا كان فيها شرك فلا تجوز، إذا كان فيها نساء فلا يجوز النظر إليهن، هذه كلها واضحة الدلالة.

    حكم الأجرة على تعليم القرآن

    السؤال: ما حكم أخذ الأجرة على الرقية استناداً على حديث: (إن خير ما أخذتم عليه أجراً هذا القرآن) وأنه إنما يكون في الرقية فقط كما يراه المحدث العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني ؟

    الجواب: أخذ الأجرة على الرقية مسألة خلافية، وكذلك هل تجوز أخذ الأجرة على تعليم كلام الله؟

    أما أخذ الأجرة لأجل أن يقرأ، مثل لو جاء إنسان وقال: يا فلان اقرأ لي سورة البقرة بمائة ريال، فيأتي هذا فيقرأ له سورة البقرة لأجل المائة، فالذي يظهر أنه لا يجوز، لكن أخذ الأجرة على التعليم مسألة خلافية بين العلماء، والذي يظهر والله أعلم جوازها، لكن ينبغي أن يكون معلوماً لدى المؤمنين الأخيار أنه لا ينبغي أن يلجأ معلم القرآن إلى مثل هذا، إذا كان هناك معلم للقرآن فالأولى له أن لا يُلجأ إلى أن يطلب هذا الأمر وتكون أجرة ومفاصلة وغير ذلك، وإنما يُعلِّم ويُعطى ما يكفيه من رزقه، هذا الذي ذكره العلماء، وهو الأمر الطيب الذي يجب أن يُسلك.

    أفضل شروح الطحاوية

    السؤال: ما أفضل الشروح للعقيدة الطحاوية، خاصة من ناحية التصحيح والتعليق والتخريج؟

    الجواب: أفضل الشروح هو شرح ابن أبي العز الحنفي ، وأما عن التعليق فأقول: هما طبعتان من أفضل الطبعات: فالطبعة الأولى هي الطبعة المشهورة طبعة المكتب الإسلامي، وعليها تعليقات المحدث الشيخ الألباني ، والطبعة الثانية هي الطبعة الأخيرة التي بتحقيق الشيخ تركي وشعيب الارنؤوط ، وهذه الطبعة ظهرت منها الآن طبعة جديدة في مجلد واحد، فلعله استدرك فيها ما كانت عليها من ملحوظات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755953308