إسلام ويب

مجالس رمضان دعاء تفريج الهمللشيخ : أحمد فريد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن سعادة القلوب لا تكون إلا بتوحيد الله عز وجل، والتسليم بقضاء الله وقدره، فإذا أصاب عبداً هم أو غم أو حزن لجأ إلى الله عز وجل داعياً متوسلاً بأسمائه، عاكفاً على قراءة القرآن، فكما أن القرآن ربيع القلوب، كذلك هو جلاء الأحزان وذهاب الغموم والهموم.

    1.   

    كيفية علاج القلب من الهم والغم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    أما بعد:

    فقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداً قط هم ولا غم ولا حزن فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً).

    هذا الحديث النبوي الشريف يبين لنا كيف تعالج القلوب من الهم أو الغم أو الحزن، فالقلوب خلقت لمعرفة علام الغيوب وغفار الذنوب عز وجل؛ فهي لا تسعد إلا بتوحيد الله عز وجل؛ لأنها خلقت لمعرفة الله وتوحيده، وكما أن السماوات والأرض لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، فكذلك قلوب العباد لو كان فيها آلهة إلا الله عز وجل لفسدت بذلك فساداً لا يرجى له صلاح، حتى توحد ربها وتعرفه عز وجل.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش).

    فالقلوب إذا علقت بغير الله عز وجل، وعبدت غيره شقي أصحابها في الدنيا والآخرة.

    والقلوب لا تصل إلى مناها حتى تصل إلى مولاها، ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة، فهي لا تسعد إلا بالله عز وجل، ولا تطمئن إلا بذكره وعبادته، كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    فلما خلقت لتوحيد الله عز وجل صار علاجها كذلك إذا أصابها شيء من الهم أو الغم أو الحزن.

    والهم: ما يصيب القلب عند انتظار مكروه في المستقبل.

    والغم: ما يصيب القلب عند المصيبة الحاضرة.

    والحزن: هو الأثر الباقي في القلب نتيجة لمصيبة ماضية.

    فإذا أصيبت القلوب بشيء من الهم أو الغم أو الحزن فعلاجها مركب من أمرين:

    الأمر الأول: هو توحيد الله عز وجل.

    والأمر الثاني: هو التسليم بقضاء الله عز وجل وقدره، والتسليم لشرع الله عز وجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداً قط هم ولا غم ولا حزن، فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك..)، فعلاج القلوب في التوحيد، وأن يقف العبد ذليلاً عند باب ربه العزيز، ويقول بأنه عبد وليس عبداً ابن سيد، ولكن العبودية متأصلة فيه، فهو عبد وابن عبد وابن أمة: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك..).

    قوله: (ناصيتي بيدك) إقرار لله عز وجل بالربوبية، فالله عز وجل قهر جميع الخلق وأذل جميع الخلق: مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:56]، فالله تعالى يملك نواصي العباد وقاهر لكل العباد، ومذل لكل العباد كما يملك قلوب العباد، ولو شاء الله عز وجل لأعطى كل نفس تقواها.

    قوله: (ماض فيَّ حكمك) تسليم للشرع المتين.

    قوله: (عدل فيَّ قضاؤك)، تسليم للقضاء والقدر.

    1.   

    أسماء الله الحسنى ومشروعية التوسل بها

    قوله: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) توسل مشروع بأسماء الله عز وجل، والأسماء الحسنى الله عز وجل هو الذي سمى بها نفسه لكماله سبحانه، وقد عاب الله تعالى الآلهة الباطلة؛ لأنها احتاجت إلى من يسميها، فقال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ [النجم:23]، فاحتياج المخلوق إلى من يسميه نوع من الفقر، والله عز وجل هو الغني ومن سوى الله عز وجل فقير إليه، فالله تعالى هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء الحسنى واختارها لنفسه.

    قوله: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك)، أو: تفصيل بعد إجمال، فالله عز وجل سمى نفسه بكل الأسماء الحسنى، فأنزل بعضها في بعض كتبه، وعلم بعضها بعض خلقه، واستأثر الله عز وجل بعلم بعضها، وهذا موافق لما يجب اعتقاده من أن الله عز وجل لا يحاط به علماً.

    فنحن لا نعلم كل أسماء الله الحسنى؛ وذلك لعظمته وكماله وجلاله، كما أن الله عز وجل يُرى في الآخرة ولا يُدرك، كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، ولكن الإدراك فوق الرؤية كما قال الله عز وجل حاكياً عن موسى وقومه: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61-62]، فلما حصلت الرؤية وتراءى الجمعان قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:61-62]؛ لأن الله عز وجل وعده بأن يجعل له هو وهارون سلطاناً فلا يصلون إليهما، فهو يثق بوعد الله ويثق بنصره عز وجل، فقال: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].

    ولما سئل الحبر البحر ابن عباس عن قول الله عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، وقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ [الأنعام:103]، فقال للسائل: سوف أضرب لك مثلاً من خلقه، قال: أترى السماء؟ قال: نعم، قال: أفتدركها، قال: لا، قال: الله أعظم وأجل.

    فالسماء خلق من خلق الله عز وجل، ننظر إليها فنرى شيئاً من الكواكب غير الشمس والقمر، ولكن الإنسان ينظر إلى السماء ولا يحيط بها علماً فيعلم كل ما في السماء من أجرام وكواكب وشموس وأقمار وغير ذلك، فإذا كان خلق من خلق الله لا نستطيع أن ندركه، فكيف بالخالق الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وعلا فوق كل شيء سبحانه وتعالى.

    فالله عز وجل له أسماء غير هذه الأسماء التي أشار إليها في الحديث الثابت في الصحيحين: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) فالله عز وجل له أسماء غير التسعة والتسعين، وهذا كما قال شيخ الإسلام شبيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجها أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض)، فمن بين درجات الجنة التي لا نعلم عددها مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض.

    كذلك من جملة الأسماء التي لا يعلم عددها ووصفها إلا الله عز وجل تسعة وتسعين اسماً موجودة في الكتاب والسنة الصحيحة، من أحصاها قيل: حفظها، وقيل: أثنى على الله عز وجل بها، وقيل: عمل بمقتضاها، فإذا قال: الرزاق وثق بالرزق، وإذا قال: التواب وثق بالتوبة وهكذا.

    1.   

    بيان تأثير القرآن في القلوب

    قوله: (أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا) الربيع: هو المطر، وحال القرآن مع القلوب كحال المطر مع الأرض، فالقرآن واحد ولكن القلوب تختلف، كما أن المطر ينزل واحداً ولكن الأرض تختلف، فهناك أرض طيبة تقبل الماء وتهتز وتربو وتنبت الكلأ والعشب والخيرات الكثيرة والثمار اليانعة، وهناك أرض تمسك الماء فينتفع الناس، وهناك أرض سبخة لا تمسك الماء ولا تنبت كلاً ولا عشباً.

    كذلك القلوب تختلف، فهناك قلوب طيبة عندما تسمع القرآن تثمر الثمار الطيبة والأعمال الصالحة، وهناك قلوب تعي وتحفظ القرآن، وتبلغه فينتفع الناس، وهناك قلوب لا تنتفع في نفسها ولا تنفع غيرها.

    قال: (وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً). فمن قال هذه الكلمات الطيبات من كلمات النبي عليه الصلوات أذهب الله عنه همه وغمه.

    فينبغي له أن يلجأ إلى هذه الأفكار الطيبة التي تعالج القلوب، وذلك بتجديد التوحيد والتسليم للشرع المجيد، فإنه سيجد بركة كلام النبي صلى الله عليه وسلم في علاج كثير من الأمراض النفسية كالاكتئاب وغيره وسيغنيه عن كثير من العقاقير أو العلاجات التي لا تزيد إلا هماً وغماً وحزنا، فالإنسان ينبغي له أن يعالج قلبه بالعلاجات القرآنية، وبالأحاديث النبوية؛ لأن القلوب لا تصلح إلا بذلك، فنسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا، وأن يغفر ذنوبنا.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755918202