إسلام ويب

سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الكهف [99-110]للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله عز وجل في آخر سورة الكهف أولئك الذين يعملون أعمالاً يحسبون أنهم يحسنون صنيعها، فيتفاجئون بأنها هباء منثوراً؛ وذلك بسبب إعراضهم عن سبيل الله، ثم ذكر تبارك وتعالى على سبيل الإيجاز ما أعده لعباده المؤمنين، ثم بين أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يواكب المخلوق شيئاً من صفات الخالق، وذكر صفة الكلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال هذا رحمة من ربي ...)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    سنعرض في هذا اللقاء المبارك إلى ما بقي لنا من آيات من سورة الكهف من قوله جل شأنه: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف:98] إلى آخر السورة المباركة وهي قول الله جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].

    وسورة الكهف قد مضى الحديث عنها في اللقاءات السابقة تفصيلاً وانتهينا إلى خبر الملك الصالح ذي القرنين ، وقلنا فيما سلف: إن العلماء اختلفوا فيه: هل هو نبي أم غير نبي؟ ورجحنا التوقف في المسألة؛ لما ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا أدري أكان ذو القرنين نبياً أم لا؟) ، وما دام رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه توقف في أمر ذي القرنين فحق على حملة العلم من بعده أن يتوقفوا، وإن كنا نقول: إن ظاهر القرآن يدل على أنه نبي.

    وهذا الملك الصالح بنى سداً سمي في القرآن ردماً، والطلب التي تقدمت به تلك القبائل عبروا عنه سداً لكنه عبر عنه بالردم، وهذا الردم كانت الغاية منه أن يصد دخول قبائل يأجوج ومأجوج من الإفساد في الأرض، فاستعان ذو القرنين بعتاد أولئك القوم بأن يعينوه ورتب بناء ذلك الردم وسد تلك الفجوة ثم بعد أن فرغ منها وانقطع الشر وسد البأس قال لهم: هَذَا [الكهف:98] أي: الذي بنيته ويشير إلى الردم رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الكهف:98]، ووصفه بأنه رحمة؛ لأن الله جل وعلا منع به الأذى، والرحمة كلمة واسعة وهي: كل ما كان سبباً في حصول مرغوب أو دفع مرهوب. قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي [الكهف:98] وهذا من أدب ذي القرنين مع ربه أنه نسب هذا الأمر إلى الله ولم يشر إلى ذاته أو إلى نفسه طرفة عين.

    فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي [الكهف:98] والمقصود بوعد الله هنا: قرب قيام الساعة، ويؤيده قول الله جل وعلا في الأنبياء: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ [الأنبياء:96-97] ، فرتب الله جل وعلا اقتراب الوعد الحق على خروج قبائل يأجوج ومأجوج، وأن خروجهم من أعظم أمارات الساعة وأشراطها كما مر معنا في أخبار عديدة، وسيأتي تفصيلاً في موضعه ومنهجنا في التفصيل أننا لا نستطرد كثيراً في خبر نعلم أنه سيأتي الحديث عنه في حينه.

    قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الكهف:98] وهذا يحتمل أمرين: إما أن يدك على يد يأجوج ومأجوج عندما يحفروه وهذا الذي نميل إليه.

    وإما قصد ما يحدث في الأرض من تغير معالمها عند قيام الساعة، والأول أقرب، قال صلى الله عليه وسلم وقد نام عند زينب بنت جحش قال: (ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب) أراد الأمة كلها عرباً وعجماً؛ أراد من كان على الإسلام، لكن الحديث فيه دلالة ظاهرة صريحة على أن العرب هم مادة أهل الإسلام، وهذا النوع من الافتخار لا ينافي ما جاء في الشرع من النهي عن الفخر؛ لأن الإنسان إذا تكلم عن مادة الأشياء فإنما يضع الأمور في مواضعها الصحيحة، وعليه يقاس قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: (أنا النبي لا كذب) ثم قال مفتخراً: (أنا ابن عبد المطلب)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (أنا ابن عبد المطلب) لا يلزم منه التعالي على غيره وإنما الإخبار بأصل مادته صلوات الله وسلامه عليه، فهذا إن شاء الله من جنسه.

    قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا [الكهف:98] (حقاً) نصبت؛ لأنها خبر لكان، أي: أنه لا ارتياب ولا شك في أن وعد الله الذي أخبر عنه سيأتي؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يرد ما قضى الله جل وعلا وقدر أن يكون.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج ...)

    قال الله جل وعلا بعدها: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:99] ذهب بعض المفسرين أو أكثر المفسرين على أن المقصود: الناس جميعاً في قوله: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:99]، لكننا نقول -والعلم عند الله-: إننا نرى أن هذا مخالفاً للصواب؛ لأن كلمة (يومئذٍ) عائدة لقول ذي القرنين: قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي [الكهف:98] عائدة عليها، يعني: يومئذ عائدة لليوم الذي يجعل فيه ذلك الردم دكاء، وليست عائدة لقيام الساعة وحشر العباد، والدليل على أنها ليست عائدة على قيام الساعة وحشر العباد أن الله قال بعدها: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99]، والواو تقتضي الترتيب وهي عاطفة والعطف يقتضي المغايرة بصورة أولية، فلا يمكن أن يكون المعنى شيئاً واحداً.

    لكننا نقول: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ [الكهف:99] المقصود: قبائل يأجوج ومأجوج، يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:99] أي: من كثرتهم يموج بعضهم في بعض، والموج الاختلاط بين الأشياء، والاضطراب يكون على غير نظام، ويؤيد هذا ما ورد في الأحاديث الصحيحة في خبر يأجوج ومأجوج أن أولهم يشرب بحيرة طبريا فيأتي آخرهم فيقول: قد كان ها هنا ماء، ولكثرتهم يموج بعضهم في بعض، فليس المقصود الناس جميعاً وإن قال: ذلك أفاضل من العلماء.

    ثم قال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99] على كثرة ما ورد في القرآن من ذكر النفخ في الصور إلا أن الله جل وعلا لم يذكر في القرآن قط اسم الملك الذي سينفخ في الصور، فكلها جاءت بالبناء للمجهول لكنه اشتهر بين العلماء بدلالة السنة من وجه أو آخر على أن الذي ينفخ في الصور هو الملك إسرافيل عليه السلام، والمستقر عند العلماء أن رءوساء الملائكة أربعة منهم: إسرافيل عليه السلام، وأنه قد التقم الصور، يعني: ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ، كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

    قال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99] وهذه يقيناً أنها النفخة الثانية؛ لأن النفخة الأولى ليس بعدها جمع وإنما يكون بعدها الصعق ثم يكون بعدها أربعون الله أعلم إن كانت أياماً أو سنيناً أو شهراً، ثم يكون بعد ذلك بعث الخلائق من جديد.

    قال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف:99] وهذه تعود على الجميع؛ على كل من خلقه الله، فإنه يجمع يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وعرضنا جهنم يومئذٍ ... لا يستطيعون سمعاً)

    ثم ذكر الله جل وعلا بعضاً من مراتب أهوال اليوم الآخر فقال جل شأنه: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف:100] اللام هنا للكافرين، بمعنى على، وهو استخدام عربي معروف دل عليه ما ورد من آيات أخر مثل قول الله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، فاللام هنا بمعنى: على أي: عرضنا جهنم على الكافرين، كما أن الكافرين يعرضون على النار، فكل من جهنم وكل من الكافرين يعرض أحدهما على الآخر نكاية بهم، الله يقول: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج:72]، والوعد لا يكون إلا في الخير لكن المخاطب ليس الكفار فلم يقل الله: وعدت الذين كفروا النار، ولا قال: وعدت النار الذين كفروا، وإنما قال الله: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج:72] وإلا فإن الوعد يستخدم للخير في الأصل.

    نعود فنقول: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف:100] وهذه أول مراحل العذاب، واللام هنا بمعنى على وهو استخدام عربي معروف وقد جاء في بيت شعر عربي عجزه:

    فخر صريعاً لليدين وللفم

    والمعنى خر صريعاً على يديه وعلى فمه، فعبر باللام نيابة عن: حرف الجر على.

    قال الله جل ذكره: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف:100] وهؤلاء هم الكافرون الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:101]، ومعلوم لكل أحد أن هؤلاء الكافرين المخاطبين في الآيات القرآنية كانوا يسمعون وكانوا يبصرون لكنهم لم يكونوا ينتفعون بأبصارهم ولم ينتفعوا بأسماعهم كما قال الله: أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا [الأعراف:179] .

    وقد تقرر عقلاً أن الجارحة إذا لم تفد صاحبها فهي كالعدم، فمن كانت له قدمان لا يستطيع أن يمشي عليهما فكأنه ليس له قدمان، ومن كانت له أعين لا يرى فيها بعين بصيرته مخلوقات الله جل وعلا ويستدل بها على عظمة ربه ووحدانيته في المقام الأول فهو كمن ليس له عين أصلاً، ومن كانت له أذن وهو لا يعتبر بالقرآن ولا يتدبره ولا يتذكره ولا يسمعه ولا ينتفع بما يسمع من المواعظ والأحاديث والذكر فكأنه لا سمع له أصلاً، وسنقرر هنا مسألة إيمانية عظيمة وهي من فرائد ما ينقل، ونقول من الآية ومن غيرها: وهذه حري بها أن تفهم ويعمل بها: أن الله جل وعلا حجب عنا جميعاً في الدنيا ذاته العلية، ومكننا من رؤية مخلوقاته، فالله لا يرى في الدنيا، ومكننا جل وعلا من رؤية مخلوقاته، فمن رأى تلك المخلوقات بعين البصيرة واستدل بها على ربه جل وعلا وعرف الله من خلالها ووحده وعظمه وأجله فإنه يرى ربه في الآخرة بعينه الباصرة، ومن لم تدله بصيرته على عظمة الله ووحدانيته وجلالة خلقه جل وعلا وقدرته على الخلق بعين بصيرته فإنه يحرم يوم القيامة لذة النظر إلى وجه الله بعينه الباصرة، قال الله جل وعلا عن أهل النار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، وقد قدمنا مراراً في دروس عدة أنه لا عذاب أشد وأنكى من أن يحرم أهل النار من رؤية وجه الواحد القهار، ولا عطية لأهل الجنة أعظم من أنهم يرون وجه العلي الأعلى جل جلاله، قال الرب تبارك وتعالى ممتناً عليهم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] من النضرة بسبب أنها إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]؛ لأنها تبصر وترى وجه ربها العلي الأعلى.

    على هذا يفهم أن السمع والبصر من الجوارح التي من الله جل وعلا بها على خلقه، من استعملها استعمالاً صحيحاً دلته على الله قد انتفع بها، أما من كتب الله عليه الشقاوة وجعل على بصره غشاوة، وختم الله من قبل على قلبه وسمعه فهذا كمن لا سمع له ولا بصر ولا قلب، قال الله جل وعلا: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:101] .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا ...)

    ثم قال جل شأنه: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف:102]، والهمزة هنا: همزة استفهام، والمقصود من هذا الاستفهام: التوبيخ، والمعنى العام: أفيحسب أولئك الذين عبدوا ما عبدوا من دون الله من ملائكة وأنبياء وأقوام صالحين، وجعلوهم أولياء من دون الله يعبدونهم ويعظمونهم ويصرفون لهم من الطاعات ما لا يجب ولا يجوز شرعاً صرفه إلا لله فصرفوه للأولياء، أيحسب بعد ذلك كله -والجواب محذوف- أنهم ناجون من العذاب وأنهم يتركوا، هذا لا يمكن أن يكون.

    وجاء في الحديث الصحيح قال: (قال: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك) والملائكة والأنبياء الذين عبدوهم يتبرءون من أولئك الذين عبدوهم من دون الله، لكن الملائكة والأنبياء الذين عبدوا من دون الله لا يسمون طواغيت وهذا احتراز لا بد منه، وإنما يسمى طاغوت من رضي بتلك العبادة، ومن صرفت له طاعة وعبادة ورضي بها أو أمر بها، أما من لم يرض بها ولم يأمر بها أصلاً كما صنعت الملائكة وعيسى بن مريم وغيرهم ممن عبد من عبد من دون الله من الصالحين فلا يسمون طواغيتاً، وإنما الجرم كل الجرم على من جعلهم أولياء من دون الله.

    أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف:102]، النزل: أول ما يقدم للضيف كالقهوة التي تقدم للضيف في عصرنا هذا، لكن القهوة شراب، وأحياناً تكون طعاماً كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول نزل أهل الجنة زيادة كبد النون) أي: زيادة كبد الحوت، ولا تكون مكاناً في الأصل لكن الله قال هنا: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف:102] فكأن جهنم هي أول ما يقدم للضيف، والحق أنني أقول: إن هذه الآية مر عليها المفسرون مروراً عادياً ولا يرون فيها إشكالاً، لكن نقول والعلم عند الله: إن هذه الآية مشكلة وكثير من آيات القرآن التي فيها جهنم فيها إشكال كبير ينتبه له أو لا ينتبه له، لكنني في صدد فهم نظريتها كاملة وقد وصلت إلى أكثرها لكنها لم تكتمل بعد، وسبب الإشكال أن الله يقول مثلاً في سورة تبارك: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك:5]، ثم قال: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ [الملك:6]، فكأن جهنم غير السعير، وقال الله في البروج -وكنت أتحاشى تفسيرها-: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10]، فكأن عذاب جهنم غير عذاب الحريق، وقد يقول إنسان: إنها دركات، وهذا لا يعقل هنا؛ لأن المخاطب بها فئة واحدة والفئة الواحدة لا تنقسم، لكنني لست في عجلة في إظهار ما توصلنا إليه لكن نجعل هذه الآية أو فهمها معلقاً حتى حين، وكذلك الفردوس في القرآن تحتاج إلى إعادة نظر.

    نقول: إن الله يقول هنا: إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف:102] ، وبينا أن النزل الذي عليه عامة أهل التفسير أنه أول ما يقدم لهم من مكان في النار؛ لأن النزل في اللغة هو أول ما يقدم للضيف.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ... يوم القيامة وزناً)

    نعود فنقول: قال الله جل وعلا بعدها: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:103-105] ثمة معانٍ جليلة تتضمنها هذه الآيات، أولها: أنه لا يمكن أن يقال: إن المخاطب بها فئة بعينها، وإنما المخاطب كل من صنع صنيعاً يعتقد أنه حسن وأنه ناجٍ بذلك العمل وذلك العمل لا يدل الشرع عليه يدخل في هذه الآية بقليل أو بكثير بنسب متفاوتة، كل من صنع صنيعاً ويعتقد أنه أحسن بذلك العمل وأنه ناجٍ يدخل في هذه الآية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الكهف:103-104]، قوله: ضَلَّ سَعْيُهُمْ [الكهف:104] بمعنى: اضمحل ولم ينجم عنه فائدة، وهم يحسبون ويعتقدون مع هذا الاضمحلال وهذا الضلال أنهم يحسنون صنعاً ويتقنون أمراً.

    قال الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ [الكهف:105] هذا الاحتراز في أن الآيات لا تطلق إطلاقاً عاماً إلا على أهل الكفر لكنها تطلق من وجه نسبي على غيرهم لا من وجه عام كما قيل لـعبد الله بن مسعود في قضية الميراث لما مات رجل عن زوجته قبل الدخول فأفتى فيها بعض الصحابة وقال: ائتوا ابن مسعود فسيوافقني، فلما أخبر ابن مسعود قال: قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، ثم قال بفتوى أخرى وافقت فتوى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك قبل أن يعرف، المقصود قول ابن مسعود : قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين، والآية ليست في بابها لكنه أخذ جزئية منها، فالتشبه هنا ليس بكامل الوجوه وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر)، فالمقصود: جزء من التشبيه وهو إمكانية الرؤية، وليس المقصود تشبيه الله بخلق من مخلوقاته، فهذه مثلها، وعلى هذا -وهذا تأصيل علمي- يحمل في الأخذ الجزئي من الآية قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه خال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل عثمان وأن الذين قتلوه زعموا أنهم بقتلهم له يتقربون إلى الله، وهؤلاء يدخلون في الأخسرين أعمالاً، فتلا الآية؛ لما قيل له: إن قتلة عثمان صنعوا وصنعوا وصنعوا تلا الآية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104] لكن الآية آخرها لا ينطبق عليهم؛ لأن الله قال: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ [الكهف:105] ، وهؤلاء الذين قتلوا عثمان يؤمنون بلقاء الله، بل إنهم قتلوه في زعمهم تقرباً إلى الله، وهذا يهمنا جداً في أن نفهم أن الإنسان أحياناً تختلط عليه الأمور وتتزاحم عليه الشبهات إذا قبل أن يسمع من كل أحد، وإن لم يكن مؤصلاً علمياً يملأ بغير شيء صحيح.

    ذكر الإمام البخاري رحمه الله في تاريخه سنداً عن غالب قال: حدثنا غالب وفي هذا السند عن محمد بن سيرين ، ومحمد بن سيرين يقول في هذه الرواية: إنه وقف عند الكعبة فسمع رجلاً يدعو يقول: اللهم اغفر لي وإن كنت أظن أنك لن تغفر لي، فقال له محمد بن سيرين : يا هذا! ما سمعت أحداً يدعو بمثل دعائك، فقال: إنك لا تدري إنني كنت قد أعطيت الله عهداً أن ألطم عثمان على وجهه متى قابلته، فقتل عثمان قبل أن ألطمه، فلما وضع عثمان في داره ليصلى عليه دخلت في جملة من يصلي حتى وجدت خلوة فكشفت عن وجهه ولحيته ولطمته، ثم رفعت يميني فإذا هي يابسة. قال ابن سيرين رحمه الله في الرواية: فأنا رأيت يمينه يابسة كأنها عود.

    ووجه الدلالة الآن هنا: أن هذا يعطي الله عهداً يعني يعرف أن هناك رباً ويعطيه عهداً ويريد أن يحافظ على العهد الذي أعطاه الله وعثمان رضي الله عنه لم يأخذ من هذا الرجل ديناراً ولا درهماً ولم يسفك له دماً ولم يهتك له عرضاً، وربما أنه لم يقابله طول حياته، لكن هذا الرجل كان يسمع ويقبل أن يسمع ممن يطعن في عثمان وليس المجنون الذي فقد عقله؛ لأنه لا يلام، إنما المجنون من يعطي غيره عقله ليقوده، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عثمان في الجنة)، (أشد أمتي حياءً عثمان)، (ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم ..) إلى غير ذلك من المناقب، فيجعل هذه الآثار كلها وراء ظهره ثم يسمع قول رجل من عامة الناس في قلبه حقد وحسد على عثمان فيصدقه ويصل به الأمر إلى أن يقطع العهود والمواثيق على قتل عثمان ، فهذا أول ما تتضمنه الآية في أنها ليس مخصوصاً به أحد، فاليهود والنصارى وسائر من زعم أنه بفعله يتقرب إلى الله كقول القرشيين: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] يدخلون في هذه الآية، لكن أولئك الذين عبدوا عيسى أو عبدوا عزيراً أو عبدوا أصناماً يدخلون بها من كل وجه ويدخل بها غيرهم إذا كان غير ذلك بحسب قوله في المسألة.

    ثم قال الله: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105] وهذه الآية أشكلت على المفسرين، وقال بعض أهل الفضل ممن يشار إليهم بالبنان قولاً تعجب منه، قال بعضهم: إن معنى قول الله: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105] أنه لا يوزن لهم عمل، وحجة هؤلاء الفضلاء في قولهم هذا: أن الميزان يقوم على كفتين حسنات وسيئات، فالكفار لا حسنات لهم وبالتالي لا ميزان لهم، والآية يقولون: دليل على ما نقول؛ لأنه لا ميزان إلا لشيء مقابل شيء، وأهل الكفر نحن مجمعون على أنه لا حسنات لهم، فما دام لا حسنات لهم فكيف يكون لهم ميزان، فالآية ليست مجازية وإنما صريحة في أن الله جل وعلا لا يقيم لهم وزناً يوم القيامة. وهذا القول قاله الثعالبي واختاره ابن سعدي وقاله كثير من المفسرين، لكن لو قدر أن هؤلاء تأنوا في أن الله يقول في سورة المؤمنون: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:102-110] فكل هذه الآيات تدل على أنهم كفار ومع ذلك أثبت الله لهم أنهم توزن أعمالهم؛ لأن الله قال: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [المؤمنون:103] والله شهد لهم بالكفر؛ لأن العصاة من أهل الإيمان لا يقال لهم: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] وإنما يخاطب بهذا من كتب الله عليه الخلود في النار، فهم كفار ومع ذلك نسب الله إليهم صراحة أنهم توزن أعمالهم فقال: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [المؤمنون:102] في حق أهل الإيمان، وقال: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [المؤمنون:103] في حق أهل الكفر.

    فلا معنى أبداً لقول: إن أهل الكفر لا ميزان لهم.

    ومن الأدلة العقلية فضلاً عن هذا الدليل النقلي الظاهر: أن الميزان أكثر ما ذكر في الصور المكية والصور المكية مخاطب بها كفار قريش قال تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ [الأعراف:8] في الأعراف، وقال: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47]، وهذه الآية التي بين أيدينا في الكهف وهي مكية وكلها سور مكية، ولم يكن الحديث عن أهل الإيمان في كيفية حسابهم إنما كان في أهل الإيمان وأنهم يحاسبون على الجملة، يكلم عنهم على أنهم فرقة مؤمنة وفرقة كافرة.

    ثم نعود فنقول: اختلف الناس في من الذي يوزن؟ وهذا مر معنا وإنما نعيده إجمالاً، قيل: يوزن العمل ودليل هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والحمد لله تملأ الميزان)، وهذا صريح في أن العمل يوزن، وقيل: يوزن العمل، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والحمد لله تملأ الميزان)، وقيل: توزن صحائف الأعمال أي: أن الأعمال تكتب في صحائف فتوزن، ودليلهم حديث البطاقة المعروف، وقال آخرون: بل يوزن صاحب العمل ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في منقبة عبد الله بن مسعود : (أتعجبون من دقة رجليه؟ إنهما في الميزان لأثقل من جبل أحد) ، فقالوا: وهذا دليل على أنه يوزن صاحب العمل، وقال آخرون وهو الذي عليه أهل التحقيق: أنه يوزن العمل وصحائف العمل وصاحب العمل جمعاً بين الآثار.

    لكن إلى الآن لم نحل الإشكال في الآية، حل الإشكال في الآية أن يقال والعلم عند الله: أن معنى قول الله جل وعلا: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]: أنهم يوزنون فتخف موازينهم فيصبح حالهم حال من لم يعبأ الله به، وهذا مما ينبغي التنبيه إليه، فإن الله لم يقل: فلا ننصب، ولم يقل: فلم نضع، وإنما قال: فَلا نُقِيمُ [الكهف:105] ، ونقيم تأتي في القدر المعنوي ليس في القدر الحسي وإنما هذا من لوازم الأمر بمعنى: أنهم يوزنون وتوزن أعمالهم ثم تخف فيصبحون كمن لا قدر لهم عند الله لا يعبأ الله جل وعلا بهم، فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105] .

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ... لا يبغون عنها حولاً)

    ثم قال الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:107-108].

    أعلق الحديث عنها، فلنا رأي في الفردوس إلى الآن لم يكتمل، لكن على ما قال المفسرون الآية ظاهرة، وهي أن الإيمان والعمل الصالح سبب في دخول جنات الفردوس، والفردوس جاء في الآية مطلقاً وفي الحديث جاء مقيداً ففي بعض الروايات أن الفردوس الأعلى من الجنة، والفردوس الأعلى من الجنة وهي وسط الجنة وأعلاها فيها في وقت واحد وأظن إني شرحته قبل بمعنى أنه كالقبة فالقبة تأتي في الوسط وهي في نفس الوقت أعلى مكان في السقف.

    خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا [الكهف:108] أي: عن جنات الفردوس، حِوَلًا [الكهف:108] وهذا تكلمنا عنه كثيراً لكنني أقول: ما زلت متوقفاً في معنى الآية، من أسباب التوقف أن الله لم يقل: خالدين فيها أبداً قال: خَالِدِينَ فِيهَا [الكهف:108] ، وتأتي في جهنم كذلك من أسباب التوقف أن الله قال في آخر البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا [البينة:6] ولم يقل: أبداً، أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، وقال بعدها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [البينة:7-8] ما عبر بالفردوس هنا وإنما عبر بالجنات، فإذا عبر بالجنات يقول: أبداً، وإذا عبر بالفردوس يقول: خالدين فيها، وإذا عبر بالنار يقول: خالدين فيها أبداً، وإذا عبر بجهنم لا يقول: خالدين فيها أبداً، قال الله مثلاً: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93] ولم يقل: أبداً، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] وبالعقل: هو الآن يقول: في جهنم، ثم يقول: وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] أي: غير جهنم، لكن كما قلت: النظرية لم تكتمل بعد، وهذه إشكالات نسأل الله التوفيق في حلها.

    نقول: وصفهم الله -أي: أهل الجنة- بأنهم لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف:108] أي: لا يريدون عنها خروجاً وهذا من حقهم بلا شك جعلنا الله وإياكم من أهلها، فالجنة أعلى المنازل وأرفع الدرجات وأعز الأماني لبنة من ذهب ولبنة من فضة حصباؤها اللؤلؤ والياقوت، من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويخلد فلا يموت، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل لو كان البحر مداداً ...)

    ثم قال الله جل وعلا: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، في القرآن فعلان: نفذ بالذال ونفد بالدال، فنفد بالدال بمعنى: انتهى، ونفد بالذال بمعنى: اخترق وعبر ولم تأت إلا مرة في سورة الرحمن في قوله تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33] فتكررت ثلاث مرات في آية واحدة في سورة واحدة هي سورة الرحمن.

    أما الآية التي بين أيدينا فإنها تتكلم عن النفاد وهو الانتهاء، قال الله في النحل: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ [النحل:96] يعني: ينتهي، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96].

    على هذا نقول: إن الآية المقصود بها بيان الفرق، ومعناها عموماً أن هذا البحر لو كان مداداً حبراً، ولو أن الأشجار بريت فأضحت أقلاماً كما دلت عليها آية لقمان: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان:27] لأن المداد من بحر أو من غيره والأقلام من شجر أو من غيرها هذه مخلوقات، والمخلوقات لها منتهى، وأما كلمات الله فهي صفة من صفاته لا منتهى لها، فالله جل وعلا يتكلم متى شاء بما شاء إذا شاء، وعلى هذا لا يمكن أن يواكب غير المخلوق المخلوق فيما يتعلق بالله من صفاته التي لا تنفك عنه، قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109] ، (مثله) يعني: من جنس البحر.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم ...)

    ثم قال الله جل وعلا في خاتمة السورة: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110] كان القرشيون يعيرون النبي صلى الله عليه وسلم أنه بشر، وقد مر معنا أن هذا الرد الذي قاله كفار قريش أمراً تكرر عند الأمم كلها فكل الأمم اعترضت على كون أنبيائها بشر.

    قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف:110] لكن الله خصني بخصيصة أنه يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110] ومن هنا تعلم أن وحي الله إلى أنبيائه أعظم خصائص الأنبياء، ثم إن الأنبياء يشتركون بعد ذلك في خصائص لهم دون غيرهم، وخصائص شاركهم بعض الناس فيها واتفقوا عليهم السلام جميعاً فيها.

    بعض خصائص الأنبياء

    جملة فإنه يقال: الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل منهم ثلاثمائة وأربعة عشر، وأولو العزم منهم خمسة، والمذكورون في القرآن المتفق على نبوتهم خمسة وعشرون، والوحي ينزل على كل الأنبياء وهو أعظم خصائصهم، وبه يفرق ما بين النبي المؤيد بالوحي وما بين المصلحين في الأرض من الساسة والقادة والمفكرين فإنهم يخطئون ويصيبون؛ لأنهم غير معصومين، أما الأنبياء فإنهم معصومون؛ لأنهم يأخذون علمهم عن الله، والوحي هو أول خصائص الأنبياء.

    الأمر الثاني: أنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.

    الأمر الثالث: أنهم يخيرون عند الموت.

    الأمر الرابع: أنهم يدفنون في البقعة التي ماتوا فيها.

    والأمر الخامس: أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم. سئل صلى الله عليه وسلم: (كيف نصلي عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فلو خرجت من مجتمعنا العلمي هذا وسألك سائل: كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض) والأرض غير مكلفة فكيف يقع عليها التحريم؟ يكون جوابك -ولا حاجة إلى أن أستفهم منك- أن تقول: هذا تحريم منع أو تحريم شرع؟ فهو تحريم منع لا تحريم شرع، ونظيره في القرآن قول الله جل وعلا: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ [القصص:12] تحريم منع ليس تحريم شرع؛ لأن موسى عليه السلام المخاطب بهذه الآية كان صبياً صغيراً رضيعاً لا يجري عليه قلم التكليف، لكن المعنى أننا منعناه من أن يقبل ثدي المرضعات، فالتحريم تحريم منع، أما التحريم الذي عليه قلم التكليف فهذا يسمى تحريم شرع، والأصل أن الأرض تأكل أجساد الناس إذا ماتوا، لكن الله جل وعلا منعها وهذا تحريم المنع من أن تأكل أجساد الأنبياء إكراماً جل وعلا لأنبيائه ورسله، هذه خصائص الأنبياء فقط، ثمة خصيصة تجمعهم لكن يمكن أن يشاركهم فيها غيرهم وهي رعي الغنم، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح قال: (وهل من نبي إلا رعاها) ، والمعنى: أن جميع الأنبياء رعوا الغنم، لكن لا يمنع أن يرعى الغنم غير الأنبياء فقد وقع هذا من كثير من الناس من الصالحين وغير الصالحين ورعوا الغنم لكن الأنبياء يعلمهم الله جل وعلا برعي الغنم كيف يكونون بعد ذلك ساسة للأمم.

    نعود إلى قولنا: إنهم تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فهذا لا يعرف كيفيته، لكن المقصود: أن قلوبهم حية معمورة بذكر الله جل وعلا، وأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عمرت قلوبهم بذكر ربهم تبارك وتعالى ومحبته وجلاله ومن جميل ما قيل مأخوذ من هذا الأثر:

    لما أتتك قم الليل استجبت لها تنام عينك أما القلب لم ينم

    الليل تسهره بالوحي تعمره وشيبتك بهود آية استقم

    صلوات الله وسلامه عليه، والأبيات فيما أحفظ لأخينا الدكتور ناصر الزهراني وهي من جميل الشعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها بيت فرد بعد ذلك في نفس القصيدة:

    يا ليتني كنت فرداً من صحابته أو خادماً عنده من أصغر الخدم

    صلوات الله وسلامه عليه.

    نعود للآية: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف:110] وهذا ما تقرر عقلاً ونقلاً وشرعاً وطبعاً أن الرسل ما جاءت إلا بالتوحيد، وقد قلنا مراراً: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقولون في الروايات: إنه لما صلى بالأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى التفت فإذا مشيخة الأنبياء وراءه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وذريتهم فقال: (إن الله قد أمرني أن أسألكم: هل أمركم الله أن تدعوا إلى عبادة غيره؟ قالوا: لا) قال العلماء: هذا هو تفسير قول الله في الزخرف: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45] .

    قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ [الكهف:110] يدخل في رجاء لقاء الله ثلاثة أمور عندنا، وواحدة أو اثنتين عند المعتزلة، وعندما نقول: عندنا فإننا نقصد أهل السنة جعلنا الله وإياكم من سبيلهم، فالمعتزلة يقولون: فمن كان يرجو لقاء الله يعني: يرجو ثواب الله ويكتفون بهذا.

    وأهل اللغة يقولون: إن الرجاء يستخدم في المرغوب والمرهوب، فيما تطلبه وفيما تفر منه، والمعنى عندنا أن يرجو لقاء الله أي: أن المؤمن يرجو ثلاثة أمور: لقاء الله بمعنى: رؤيته، أي: يرجو رؤية الله بعمله، ويرجو ثواب الله بعمله، ويخشى عقاب الله بعمله، فأنت تصلي وتقرأ القرآن وتصوم يوم الإثنين وتسبح وتقوم الليل وتتصدق من أجل أمور ثلاثة لهذا العمل: لعل الله أن يثيبك؛ لعل الله أن يؤمنك من العقاب؛ لعل هذا العمل الصالح يكون سبباً في رؤية الله جل وعلا، هذا معنى فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ [الكهف:110] وإنما حصرها المعتزلة في قضية حصول الثواب وبعد العقاب؛ لأن مذهبهم قائم على أنهم ينفون رؤية الله جل وعلا، وقد مر معنا ما يسمى بلن الزمخشرية فإنهم يقولون: (لن تراني) بمعنى النفي المؤبد للرؤية.

    نعود فنقول: إن الله جل وعلا يقول: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] .

    الله جل وعلا لا يعبد إلا هو، ولا يعبد بما شرع وهذه من أعظم قواعد الدين: أن الله لا يعبد إلا هو، وقد أمر ألا يعبد إلا هو، ولا يعبد جل وعلا إلا بما شرع قال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21]، على هذا فقول الله جل وعلا: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110] الأصل أن العلماء يقولون: إن العمل الصالح لا بد فيه من شرطين: إخلاص العبادة، والأمر الثاني: موافقة العمل لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا حق لكن العمل الصالح في هذه الآية يراد به ما كان موافقاً لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، أما الإخلاص فقد دل عليه الجزء من الآية الذي بعده وهو قوله جل وعلا: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] ، ولا يمنع أن يكون المقصود بالعمل الصالح الأول وتكون جملة أو جزء آية: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] تأكيداً لمسألة الإخلاص وهو أقرب، وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] ، وكلمة أَحَدًا [الكهف:110] نكرة وجاءت في سياق نفي، والمعنى: أن الله جل وعلا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن أشرك مع الله غيره أوكله الله جل وعلا إلى ما أشرك به، ولا يعبد الله جل وعلا بأعظم من إخلاص العبادة له، والإنسان قد ينال بنيته ما لا ينال بعمله، وكلما عظمت المعرفة والعلم بالله جل وعلا ركزت المحبة في القلب، وإذا ركزت المحبة في القلب لله جل شأنه نجم عن ذلك من الأعمال ما يقرب إلى الله جل وعلا، وأرفع الدرجات لا يناله المرء إلا إذا أقام نفسه على عتبة العبودية للرب تبارك وتعالى، وعتبة العبودية تستلزم ألا يكون في القلب أحد غير الله إلا أحداً نحبه أو نواليه في محبتنا وموالاتنا لربنا تبارك وتعالى، هذا جملة ما أخبر الله جل وعلا عنه في هذه السورة المباركة.

    1.   

    جملة ما ذكر في سورة الكهف

    جملة نقول في كل ما مر معنا: إن سورة الكهف سورة مكية من التلاد الأول أي بمعنى: أنها من أوائل ما أنزل كما عبر عنها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وقراءتها يوم الجمعة سنة تضيء لصاحبها نوراً، وهذه السورة ضمنها الله جل وعلا أجوبة على سؤالين سألهما القرشيون بناء على مشورة اليهود، الأول منهما عن فتية ضاعوا في غابر الأزمان، وهم الذين سميت السورة باسمهم.

    والأمر الثاني: عن ملك طواف وهو ذو القرنين .

    وبقي لهم سؤال ثالث كانت الإجابة عنه في سورة الإسراء قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85].

    وقد ذكر الله جل وعلا في هذه السورة خبر نبيه موسى بن عمران عليه السلام لكنه ما كان في سورة الكهف ما جرت العادة في ذكره من نبأ موسى مع فرعون وإنما ذكر الله جل وعلا خبر موسى مع العبد الصالح الخضر، وخبر موسى مع العبد الصالح الخضر لم يتكرر في القرآن ولم يذكر إلا في موطن واحد وهو سورة الكهف، وكذلك خبر ذي القرنين ، فإنه لم يذكر إلا في سورة الكهف، أما خبر يأجوج ومأجوج فقد ذكر في سورة الكهف وذكر في سورة الأنبياء؛ لأن الحديث عن أشراط الساعة حديث متكرر في القرآن فبديهي أن ينتقل من موضع إلى موضع ومن سورة إلى سورة.

    ثم ذكر الله جل وعلا في هذا الخطاب المكي في أصله الذي يخاطب به القرشيين، فخاطب الله جل وعلا أولئك الذين يتعلقون بغير ما أمر الله أن يتعلق به: بالأنبياء والملائكة وغيرهم، وأخبر الله جل وعلا أنهم خسروا أعمالهم، وإن كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهذا يقودنا إلى التفريق أن الناس في المعصية قسمان: قسم يرى أنه مفلح وهذا ضربنا له أمثال، وقسم يعلم يقيناً أنه غير مفلح وهذا نحتاج إلى ضرب أمثال له؛ لأن أكثر الناس عليه.

    هذا ما تيسر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، ووفق للحديث عنه.

    وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756165330