إسلام ويب

تفسير سورة الزمر [5 - 6]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • آيات الله الكونية كثيرة، ومن أعظمها خلق السماوات والأرض، وتكوير الليل على النهار، وتسخير الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، فهذه آيات كبرى تدل على وجود الله وعلى إثبات صفاته العلى، وتدعو الإنسان إلى توحيده وإفراده بالعبادة دون ما سواه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الزمر: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ * خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:5-6].

    يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات قوته وقدرته على الخلق سبحانه تبارك وتعالى، وينبهنا أن ننظر في هذا الكون في خلق السماوات وخلق الأرض، وجاء في القرآن تكرار ذكر خلق السماوات وخلق الأرض، وفي ذلك آيات لأولي الألباب، وفي ذلك آيات لقوم يتفكرون، فقال الله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191].

    فهؤلاء هم أولو الألباب الذين يتفكرون في هذا الخلق العظيم فيتعظون ويعتبرون، ويعرفون قدرة الخالق سبحانه، فيعبدونه وحده لا شريك له، ولذلك لما نزلت هذه الآيات من آخر سورة آل عمران قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (لقد أنزلت علي هذه الليلة آيات ويل لمن قرأها ثم لم يتفكر فيها!) ، فكأن المؤمن مأمور بالتفكر، إذا قام من نومه تفكر في خلق السماوات والأرض، وفي الليل والنهار، وفي العبرة في الإماتة والإحياء، فالنوم أخو الموت، فهو الموتة الصغرى، فإذا استيقظ يقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، فإليه البعث وإليه المصير، والعود والمرجع إليه سبحانه تبارك وتعالى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من الليل قرأ العشر الآيات الأخيرة من سورة آل عمران وهذه أولها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190].

    عظم خلق السماوات والأرض

    خلق الله السماوات والأرض بالحق، خلقها الله عز وجل حقاً، وخلقها خلقاً متلبساً بالحق، وخلقها ليحق الحق سبحانه تبارك وتعالى، ولذلك أنزل ووضع الميزان بين العباد حتى يقيموا القسط بينهم، ويقيموا العدل بينهم، فأخبرهم أنه خلق السماوات والأرض بالحق، وكل شيء مخلوق بالحق من الله سبحانه، خلقه حقاً، وخلقه ليحق الحق، ويظهر آيات عظمته وعظيم قدرته سبحانه تبارك وتعالى.

    والسماوات لا يحيط بها الإنسان، ولا يعرف كنه حقيقة كل ما فيها، إنما يعرف الإنسان جزءاً من السماء وهو الذي يواجه الإنسان على هذه الأرض، أما ما خفي عنه من السماوات فهو أعظم بكثير مما يراه الإنسان ويطلع عليه، فالإنسان يرى الشمس ويرى القمر ويرى النجوم، ونحن في هذا الكون نعيش في مجرة من مليارات المجرات التي حولنا، هذه المجرة التي تدخل فيها الشمس ويدخل فيها القمر، وتدخل فيها هذه الأرض، وتدخل فيها كل هذه النجوم التي تعد بمليارات المليارات في المجرة الواحدة، والمجرات عددها مليارات المليارات، وقد اكتشفوا منها مائتين مليون مجرة!!

    وكم من المجرات لم يكتشفوها إلى الآن؟!

    قبل عشر سنوات قالوا: اكتشفوا حوالى خمسين مليون مجرة من المجرات، ثم بعد ذلك وصل العدد إلى مائتين مليون مجرة، وكل مجرة فيها العدد الضخم من الكواكب والنجوم، فهذا الكون هائل جداً، وعظيم جداً، وربنا يذكر عن نفسه سبحانه أنه هو الذي خلق ذلك، وهو الكبير المتعال، حين تدخل في الصلاة تكبر ربك فتبدأ الصلاة بقول: الله أكبر، الله أكبر من كل شيء، الله الكبير الأكبر المتعالي سبحانه.

    والله يخاطب العرب الذين لا يعرفون شيئاً عن علم الأفلاك وعلم النجوم وعلم الكون الذي حولهم، العربي كان ينظر إلى الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، ولا يدري أن الأرض مكورة مثل الكرة، كان يرى نفسه يمشي على الأرض وهي مسطحة، فكان الاعتقاد السائد أن الأرض سطح مسطح، لأن الناظر إليها يراها كذلك، ولكن الله يشير في القرآن إلى التكوير، فيقول: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5]، وقال عن الأرض: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:30-31] وقال سبحانه: وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا [الشمس:6]، فقد بسطها الله سبحانه ومهدها ووطأها ووسعها ودحاها بمعنى بسطها سبحانه، وجعلها قابلة لأن يسير عليها الإنسان، وجعلها واسعة فسيحة أمام الإنسان، والذي على الأرض لا يراها كرة لعظيم سعتها، فالله سبحانه تبارك وتعالى جعلها واسعة، فمساحة هذه الأرض التي يسير عليها الإنسان حوالى خمسمائة وواحد وثمانين مليون كيلو متر مربع!

    فالأرض واسعة دحاها الله ووسعها سبحانه تبارك وتعالى، وطحاها بأن جعلها كالكرة، فلوسعها يراها الإنسان منبسطة أمامه، ولكن هذه الآية تشير إلى أنها كرة كغيرها من النجوم والأفلاك التي خلق الله سبحانه تبارك وتعالى.

    تكوير الليل على النهار

    قال الله: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر:5] هذا إشارة إلى التكوير بمعنى اللف، والعربي يفهم من هذا أن الليل يجيء فوق النهار كما تكور الشيء، قال الله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الأعراف:54] فكأنه غشاء هذا فوق هذا، مثل تكوير العمامة، فكأن الليل يأتي فوق النهار ويتكور عليه ويلفه فيخرج النهار، والنهار كذلك يلف عليه فيخرجه يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ [الأعراف:54] ينسلخ هذا من هذا عن طريق هذا الغشاء.

    والنهار الذي يجلي الشمس يقولون: هو ذرات من الأتربة ونحوها في الغلاف الجوي تجعل أشعة الشمس التي تسقط عليها تنعكس وتظهر ضوء النهار، وإلا في خارج هذا الغلاف لا يرون شمساً ولا قمراً، بل يرون الكون مظلماً خارج هذه الكرة الأرضية وخارج الغلاف الجوي.

    فالله عز وجل يجعل الأرض تقابل الشمس فيكون السطح المقابل للشمس نهاراً، قالوا: والأرض تدور حول نفسها فيكون السطح الآخر الذي كان مظلماً مواجهاً للشمس، ويكون هو الذي ينير، والأرض تدور حول نفسها خلال اليوم فيأتي الصباح ثم يأتي العشي ولا تزال هكذا، فالأرض تدور، والسطح المواجه للشمس يكون على هيئة نصف كرة منيراً، والسطح الغير مقابل للشمس في الناحية الأخرى يكون على هيئة نصف كرة مظلماً، فكأنه يتكور هذا فوق هذا، وهذا فوق هذا، كأنه غشاء فوقها، فإذا دارت الأرض جاء غشاء الظلمة في الناحية الأخرى وهكذا.

    فالأرض الآن تتكور وتدور، والشمس والقمر كل منهما يجري إلى أجل مسمى، وكل شيء في هذا الكون يدور ويلف حول نفسه وحول غيره، ويدور الفلك كله دوران عجيب جداً! دوران عكس عقرب الساعة، كالمسلمين حين يطوفون حول الكعبة من الشمال إلى اليمين، فالكون كله يدور في هذا الاتجاه، وكأن كل شيء يتحرك في مكانه ساجداً لله سبحانه، ومطيعاً لله سبحانه، ومسبحاً بحمده سبحانه.

    تسخير الشمس والقمر

    قال الله عز وجل: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [الزمر:5] الله عز وجل سخر الشمس والقمر، فكأنه يقول لهؤلاء الذين يعبدون الشمس: الشمس مسخرة قهرها الله سبحانه الذي خلقها وسيرها كما يريد سبحانه تبارك وتعالى، وكذلك يقول لمن عبدوا القمر من دون الله سبحانه: الله الذي خلقه والله الذي يسيره والله الذي يسخره.

    فمن عبد الشمس ومن عبد القمر ومن عبد مخلوقاً مثله استحق أن يعذب يوم القيامة؛ ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشمس والقمر ثوران عقيران في النار)، فهذه الشمس بلهبها العظيم وبدرجة حرارتها المستعرة تكون في النار يوم القيامة، وليس دخول الشمس في النار عذاباً لها، ولكن تعذيباً للكفار، فهي كتلة ملتهبة يعذب بها من عبدها في هذه الدنيا، والقمر يكون ملتهباً كما كان قبل أن يطمسه الله سبحانه تبارك وتعالى، فيكون في النار ملتهباً مشتعلاً يعذب به من عبدوه من دون الله.

    وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل يقول: ألا يحب من كان يعبد شيئاً أن يتبعه؟ فيقولون: بلى، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس)أو كما قال، فتأخذهم إلى النار يتعذبون بلهيبها في النار فضلاً عن عذابهم في نار جهنم والعياذ بالله، كذلك القمر، وكذلك كل من عبد من دون الله سبحانه.

    معنى قوله تعالى (كل يجري لأجل مسمى )

    قال الله: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ [الزمر:5] أي كل من الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:5]، وتكرر هذا في القرآن في سورة الزمر هنا وفي سورة الرعد وفي سورة فاطر، وجاء مرة واحدة في القرآن بإلى: كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29] في سورة لقمان، فكل يجري لأجل سماه الله سبحانه تبارك وتعالى، يجري للأجل المحدود الذي حدده الله وقدره، وإلى الأجل أي إلى هذه الغاية التي وضعها الله سبحانه تبارك وتعالى، فكل يجري للأجل ساعياً نحو هذا الأجل حتى إذا وصل إلى الأجل قامت عليه الساعة، فكل يجري إلى أجل وكل يجري لأجل مسمى.

    والأجل قدره الله سبحانه تبارك وتعالى، فالشمس تجري لأجل مسمى، وتشرق الشمس من مشرقها في الوقت الفلاني على المكان الفلاني، وتشرق على البلد الأخرى في الوقت الفلاني، والآن عرفوا هذا الشيء، فهنا في مصر وقت الشروق في الوقت الفلاني، وفي العراق وقت الشروق في الوقت الفلاني، وفي الحجاز وقت الشروق في الوقت الفلاني، حتى في البلد الواحدة في المحافظة الفلانية تشرق الشمس في الوقت الفلاني، وفي المحافظة الثانية تشرق بعدها بدقيقة أو بدقيقتين أو بست دقائق، كل يجري لأجل مسمى يحدده الله سبحانه تبارك وتعالى.

    والشمس تجري في هذا الفلك تحت عرش الرحمن سبحانه تبارك وتعالى، فهي ساجدة لله سبحانه تبارك وتعالى، وفي كل وقت شروق تسجد الشمس لله وتستأذن ربها سبحانه تبارك وتعالى في الشروق، حتى يأتي وعد الله سبحانه، فتأتي القيامة وتأتي العلامات الكبرى، ثم يأمر الله سبحانه بتكوير الشمس: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] أي: التفت بعضها على بعض، وانطمس ضوءها، وانطفأ لهيبها، وأسقطها الله سبحانه تبارك وتعالى، قال سبحانه: وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [التكوير:2-4] إلى آخر ما ذكر الله عز وجل مما يحدث حين تقوم الساعة، نسأل الله العفو والعافية.

    كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:5] فالشمس تجري لأجل مسمى، والقمر يجري ويدور حول هذه الأرض لأجل مسمى، فيكون الليل والنهار ويكون اليوم ويكون الشهر وتكون السنة لأجل مسمى لا يتغير حتى يأتي أمر الله سبحانه، فالسنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، واليوم مقداره أربعة وعشرون ساعة، لا يوجد جزء من ثانية يزيد أو ينقص فيها، فهو أجل مسمى يحدده الله سبحانه تبارك وتعالى!

    قدرة الله عز وجل

    قال الله: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر:5] ختم سبحانه تبارك وتعالى الآية ببيان قدرته سبحانه، فهو عزيز قادر قاهر غالب لا يمانع، إذا أمر الشمس تسير الشمس حيث أمر الله سبحانه، والقمر يدور كما أمر الله سبحانه، والأرض كذلك، وعلى الإنسان حين يقول له ربه: افعل كذا ألا يمانع ربه سبحانه، بل عليه أن يطيع ربه حين أراه الله آياته، ولا يخرج عن طاعته.

    والله سبحانه قادر على أن يسخر هذا الإنسان كما سخر الشمس والقمر، ولكن الله جعل في هذا الإنسان إرادتين، جعل إرادة منه سبحانه في هذا الإنسان كونية قدرية يستحيل أن يتعداها الإنسان، كن فيكون، فالله سبحانه أراد أن يوجد في الوقت الفلاني فخلق هذا الإنسان في هذا الوقت، أراد الله له أن يموت في الوقت الفلاني فمستحيل أن يتأخر أو يتقدم عن وقت وفاته فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وإذا أراد الله عز وجل لهذا الإنسان أن يمرض في الوقت الفلاني فلابد أن يكون.

    وجعل الله لهذا الإنسان مشيئة يختار في أشياء، والله أعلم ما الذي يختاره هذا الإنسان، والله أعلم هل هذا الإنسان يستحق الجنة أو يستحق النار.

    والمشيئة الشرعية تدخل تحت ما يحبه الله سبحانه، فالله يحب منكم كذا فافعلوه، يحب منكم أن تحسنوا فأحسنوا، يحب منكم أن تطيعوا فأطيعوا، يحب منكم أن تصلوا فصلوا، فهذه مشيئة شرعية من الله سبحانه.

    وجعل للعبد الاختيار هنا: اختر أن تصلي أو لا تصلي، والإنسان يجد في نفسه القدرة على أن يصلي، فيقوم بهذا العمل فيعمله أو يتركه فلا يعمله، وعلى هذه المشيئة يحاسب الله عز وجل العبد، فلو شاء الله لجعلها مشيئة كونية قدرية فيصلي العبد رغماً عنه، ولكن الله جعل لك اختياراً، فأنت حين تقوم تجد أنك ممكن أن تقوم وممكن أن تقعد، فجعل الله لك اختياراً وكسباً، وهو يحاسبك على هذا الاختيار وعلى هذا الكسب، وأنت لن تخرج عما قدره الله وعما علمه الله عز وجل منك.

    وقد أخبرنا الله أنه سخر الشمس والقمر إشارة لنا إلى الأشياء التي هي أعظم منا أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات:27]، فإذا علمت أن خلقك ضعيف، ولست قدر هذه السماء في خلقها، ولا قدر هذه الأرض في قوتها، ولا قدر هذه الجبال في شموخها وارتفاعها، بل أنت إنسان ضعيف؛ فاعبد ربك كما عبدته هذه المخلوقات.

    ولما ذكر الله ما يدل على القوة والبطش والشدة ذكر ما يدل على الرحمة منه سبحانه فقال: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر:5]، فالله الغفار والغفور وغافر الذنب سبحانه تبارك وتعالى، وهذه من أسمائه الحسنى سبحانه، وأصل الغفر التغطية والستر والمحو، فالله يغفر أي يستر ذنبك، والله يكفر السيئات، ويمحو هذه السيئات، فالله عز وجل غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر:3] أي يستر على العبد ذنبه، فإن تاب محاه الله سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها)

    قال الله سبحانه: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الزمر:6] أي آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام ُثمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الزمر:6]، هذا أصل خلق الإنسان، خلق آدم من تراب، ولما وجد آدم في الجنة آنسه الله بأن خلق من داخله حواء ، والله يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد سبحانه تبارك وتعالى.

    قال: ُثمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الزمر:6]، وقال في الأعراف: لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، فالله خلق المرأة للرجل ليسكن إليها، فهي مخلوقة من ضلع من أضلاع هذا الرجل حتى يستشعر أنها منه، فيستشعر الألفة والمحبة والمودة والرحمة بين الرجل وبين أهله.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755903788