إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [34]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الشريعة بجلب المصالح ودفع المضار عن العباد، سواء في العبادات أو المعاملات أو غيرها، ومن المعاملات التي يتبين فيها ذلك الأمر: الرهن، وهو توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها، وله أحكام كثيرة بينها أهل العلم.

    1.   

    الرهن

    تعريفه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وكذا ثمر وزرع لم يبد صلاحهما، وقن دون ولده ونحوه، ويلزم في حق راهن بقبض، وتصرف كل منهما فيه بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن، وتؤخذ قيمته منه رهناً، وهو أمانة في يد مرتهن، وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما أو رهناه فاستوفى من أحدهما انفك في نصيبه].

    الرهن في اللغة: الثبوت. يقال: ماء راهن: أي: راكد. ولزوم الشيء مكانه يسمى رهناً، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ، كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] ، وفي الحديث: (كل غلام مرتهن بعقيقته) ، وعرفوا الرهن اصطلاحاً بأنه: توثقة عين بدين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها. فهو من الوثائق، ومعروف أن الدين هو ما يكون في الذمة، مثلاً في ذمتك مائة ريال أو ألف ريال لفلان نسميها ديناً؛ لأنها ليست عيناً معينة، فإذا أعطيته من فئة خمسمائة أو أعطيته من فئة العشرة فإنه يقبل ذلك، ولا يقول: إنه يلزم أن يعطيني كذا وكذا، فكل ذلك جائز.

    فقولهم: (توثقة عين بدين) العين هي الرهن، فإذا رهنته -مثلاً- هذا الكيس فهو عين، أو رهنته هذا البعير، أو هذه الأرض، أو هذا البستان، أو هذه الدار، أو هذه الشاة فهذه عين معينة.

    وقولهم: (بدين يمكن استيفاء الدين منها).

    لو قدر أن رجلاً قال: أقرضني خمسة آصع من الأرز وأرهنك هذا الكيس من الأرز، وهذا الكيس ما أحب أنني آخذ منه شيئاً؛ لأني أريد أن أبيعه عند الحلول أو نحو ذلك، ولا أحب أن آخذ منه. فأقرضته أو بعته خمسة آصع بمائة ريال، فإذا حلّ الدين فإما أن تبيع هذا الكيس فتستوفي دراهمك، وإما أن تأخذ دينك منه فتأخذ من الكيس الخمسة الآصع.

    كل ما جاز بيعه جاز رهنه

    يقول: [كل ما جاز بيعه جاز رهنه].

    كل ما جاز بيعه جاز رهنه، حتى المماليك، فيجوز رهن العبد، ويجوز رهن الأمة، وذلك لأنه يجوز بيعها، وهناك ما يجوز رهنه دون بيعه، فقد تقدم أنه لا يجوز بيع الثمر في رؤوس النخل إلا إذا بدا صلاحه، ولكن رهنه يجوز، فيجوز أن تقول: رهنتك ثمرة هذه النخلة. وهي لا تزال بسراً، وذلك لأنه قد يكون الدين لا يحل إلا بعد خمسة أشهر، فإذا حل الدين كان البسر قد صار رطباً أو تمراً فيجوز بيعه، وكذلك لو قال: رهنتك هذا الزرع. وهو ما يزال نابتاً صغيراً، ومعلوم أنه لا يجوز بيع الزرع نابتاً صغيراً إلا بشرط القطع في الحال، ولا يجوز بيع الحب في سنبله إلا بعد أن يشتد، ومع ذلك يجوز رهنه، وذلك لأنه عادة يمكن تأخيره إلى أن يشتد الحب، فعند ذلك يجوز البيع.

    قوله: [وكذلك ثمر] يعني: كالنخل والعنب [وزرع لم يبد صلاحهما] أي: يجوز رهنهما ولا يجوز بيعهما، ولا يجوز بيع القن دون ولده، فإذا كان عند الإنسان أمة مملوكة ولها ولد مملوك صغير فهل يجوز بيع الأمة دون ولدها، أو بيع الولد دون أمه؟ لا يجوز، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته) ، ومع ذلك يجوز رهن الأمة دون ولدها، ويجوز رهن الولد دون أمه، وإذا حل الدين فإننا نقول له: بعهما جميعاً وأوف الدين ولا تبع أحدهما، وإذا بيعا فثمن الأمة يأخذه الغريم، وثمن الولد يأخذه السيد الذي هو الراهن.

    هل الرهن عقد لازم أم جائز؟

    هل الرهن عقد لازم، أو عقد جائز، أو فيه تفصيل؟

    يقولون: لازم في حق الراهن وجائز في حق المرتهن، فالمرتهن لو قال: ارهني الكيس ثم رهنته الكيس فلا تقدر أن ترجع، ولا تقول: ارجع لي كيسي حتى توفيه الدين، أما هو فلو رده عليك وقال: وثقت بذمتك ولا حاجة لي إلى وثيقة فأنا راض بذمتك فخذ كيسك ومتى حلّ ديني أوفني ففي هذه الحال يجوز، فيصير لازماً في حق الراهن، وغير لازم في حق المرتهن.

    قبض الرهن

    هل يشترط القبض؟

    كثير من العلماء قالوا: يشترط القبض، فلا يلزم إلا بالقبض، فإذا قلت -مثلاً-: أرهنك العشرة الأكياس التي عندي في بيتي فلم يقبضها المرتهن فإنك تقدر على بيعها، أما إذا استلمها وأودعها في بيته أو في مخزنه فإنك لا تقدر على بيعها حتى توفي الدين، أو تباع ويوفى الدين منها، والدليل قوله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فدل على أنه لا بد من قبضها.

    أو أخرجه المرتهن إلى الراهن بطل اللزوم، فلو قال الراهن: أنا رهنتك الكتاب الفلاني وأنا محتاج إليه، فأعطنيه لأطالع فيه وأقرأ فيه فدفعته إليه بطل الرهن، وجاز له أن يبيعه، أو قال -مثلاً-: أعطني السيف لأقاتل به فأعطاه بطل رهنه وجاز له أن يبيعه، وآخرون قالوا: لا يشترط القبض. وفي هذه الأزمنة يكتفون بقبض الوثائق ونحوها، فإذا رهنه السيارة قال: أعطني رقمها الذي يسمى الاستمارة، فيقبض وثيقتها هذه حتى لا يتمكن من بيعها؛ لأنه يقول: الرهن يبقى -مثلاً- نصف سنة، فهل من المصلحة أن نعطل السيارة واقفة نصف سنة أو سنة؟ ليس هذا من المصلحة، بل نستغلها، فإن إيقافها ينقص قيمتها، وهكذا لو رهنك داراً، فهل من المصلحة أن تغلق الدار سنة أو سنتين حتى يوفيك الدين؟ ليس من المصلحة إضاعة منفعتها، بل عليه أن يؤجرها أو نحو ذلك، فعرف بذلك أنه لا يشترط القبض بل يكفي قبض الوثيقة، قبض ما يسمى بحجة الاستحكام أو ما يسمى بالاستمارة.

    عدم الانتفاع بالرهن إلا ما استثني

    يقول: [وتصرف كل منهما فيه بغير إذن الآخر باطل إلا عتق راهن]، فلا يجوز للراهن أن يبيع العين المرهونة؛ لأنه يبطل حق المرتهن، ولا يصح للمرتهن أيضاً أن ينتفع بها، فلا يلبس الثوب المرهون ولا يستعمل الأشياء المرهونة استعمالاً يضر بها.

    ويقولون: إذا كان الرهن مما يخشى فساده فإنه يباع، فلو رهنه شيئاً يفسد كالفواكه ونحوها فله أن يبيعها ويحتفظ بثمنها أو يقتضيه من دينه.

    وكذلك التصرفات مثل البيع والهبة والوقف، فلو قال الراهن: قد وقفت هذه الدار بطل الوقف، وكذلك لو قال: قد وقفت هذا الكتاب المرهون أو هذه الأسلحة المرهونة بطل الوقف؛ لأنه قد تعلق بها حق للغير، وكذلك الهبة، فلو قال: وهبتك الكيس الذي هو عند فلان رهن لم تصح الهبة، وأشباه ذلك، واستثنوا من ذلك العتق فإنه يصح، فإذا كان الرهن عبداً وأعتقه الراهن هل يصح العتق أم لا؟

    المؤلف يرى أن عتق الراهن يصح، وتؤخذ قيمته منه رهناً، والقول الثاني أنه لا يصح، وذلك لأنه تعلق به حق للمرتهن، فكيف يبطل حق غيره؟! فلو كان عنده قيمة لأوفى بها الدين، فإذا أعتقه فمن أين تؤخذ القيمة؟! فقد يقول: ما عندي شيء أرهنه أو أدفعه قيمة ولكنهم قالوا: تؤخذ قيمته ولو أمتعة، أو كان عنده عبد آخر جعل بدله، ولو كان عنده -مثلاً- سيارة أو دواب من الأنعام أخذها رهناً مكانه.

    وقوله: [وهو أمانة في يد مرتهن] أي: الرهن فإذا كان المرتهن قد قبضه فإنه أمانة عند المرتهن، فلو تلف عنده ذهب على الراهن، فيكون من ضمان الراهن كما أن منفعته للراهن، فلو أجر البيت فأجرته للراهن، ولو احتاج الرهن إلى أجرة فهي على الراهن، فإذا كان الرهن بعيراً فعلفه على الراهن، وكذلك أجرة الراعي على الراهن، وإذا كان الرهن أكياساً تحتاج إلى مخزن فاستأجر له مخزناً فالأجرة على الراهن، وإذا زاد فزيادته للراهن، فإذا ولدت الشاة فولدها رهن معها، وثمرة الشجرة رهن معها، وأجرة الدار رهن معها، وإذا نقص فنقصه على الراهن، وهكذا.

    وإن رهن عند اثنين فوفى أحدهما انفك نصيبه، فإذا رهن شاة عند اثنين، اشترى من هذا ثياباً واشترى من هذا طعاماً وقال: الشاة رهن عندكما. ثم إنه أوفى واحداً منهما جاز أن يبيع الآخر نصف الشاة، وذلك لأنه قد أوفى نصفها فانفك في نصيبه، وكذلك العكس، فإذا كانت مثلاً شاة لاثنين، وجاءا إليك وقالا: هذه شاتنا ونحن بحاجة. فاشترى أحدهما طعاماً بمائة واشترى الآخر ثياباً بمائة وقالا: نرهنك هذه الشاة التي هي بيننا نصفان. فأوفى أحدهما نصيبه جاز أن يتصرف بنصف الشاة.

    وكذلك لو كان مما ينقسم، فلو اشترى أحدهما فواكه والثاني اشترى لحماً ورهناك هذا الكيس وهو بينهما نصفان فأوفى أحدهما دينه وقال: أعطني نصفي فإنك تقسمه وتعطيه نصفه، والنصف الثاني يبقى للآخر.

    1.   

    الأسئلة

    إعارة الخادم للخدمة

    السؤال: بعض الناس يقرض خادمة أو يقترض خادمة من صديق له لمدة ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر نظراً لحاجته إليها واستغناء كفيلها عنها، فهل هذا جائز؟

    الجواب: الخادمة هذه ليست مملوكة، وإنما هي كالأجير، فأنت تستأجر إنساناً ويسمى الأجير الخاص مدة شهر يخدمك بألف ريال، ثم قد تستغني عنه لسفرك أسبوعاً فتأجره وتقول: يا فلان! أجرتك خادمي هذا ليخدم عندك وإن لم يكن بمثل خدمته عندي. فيجوز ذلك، أو تعيره وتقول لصديقك: يخدم عندك هذا الأجير وقت حاجتك ثم ترده إلي. ويكون عمله عنده في العمل الذي يحسنه ويعمله عندك بشرط الأمانة، وبشرط أن لا يكون هناك خطر.

    رهن الرهن

    السؤال: هل يجوز رهن العين المرهونة؟

    الجواب: يقول العلماء في تعليل منع ذلك: المشغول لا يشغل. فإذا كانت مرهونة فلا ترهن مرة ثانية حتى للمرتهن، فلو أن خالداً ارتهن هذا الكيس من مدينه بمائة، والكيس قد يساوي خمسمائة، ثم إن صاحبه استدان من آخر مائة أخرى وقال: رهنتك الكيس الذي عند خالد ففي هذه الحال الكيس قد انشغل بالمائة الأولى التي لخالد، فيقولون: المشغول لا يشغل. فلا يرهنه آخر وقد تعلقت به الديون الأولى، ولو كان يقاوم ذلك.

    إعارة كلب الصيد

    السؤال: هل يجوز إعارة كلب صيد؟

    الجواب: تجوز إعارته، وذكروا في باب الغصب أنه إذا غصب كلب صيد فإنه يرده، ويكون استحقاقه له، فكلب الصيد الذي بيده هو أملك به؛ لأنه صاحبه، وله أن يعيره، وأما الإجارة والبيع فلا.

    مسألة ضع وتعجل

    السؤال: علي دين عشرة الآلف ريال مؤجلة، وقلت لصاحب الدين: أعطيك تسعة آلاف نقداً وتسامحني في ألف، فهل هذا جائز؟

    الجواب: هذه مسألة (ضع وتعجل)، فإذا وجدت الدين قبل أن يحل أجله فهل يجوز لك أن تقضيه قبل حلول أجله ويسقط عنك بعضه؟ في ذلك خلاف، والأقرب أنه جائز، ولا يسمى بيع أجل كما يقول ذلك من منعه، وإنما يكون هذا من باب الإسقاط، كأنه أسقط شيئاً من الدين، وكأنه أحسن إليك بهذا الإسقاط.

    حكم قرض من يريد المال لحرام

    السؤال: هل يصح أن أمتنع عن إقراض من جاءني ليقترض مني ليستخدمه في حرام؟

    الجواب: نعم. لك أن تمتنع من إقراضه ومن الصدقة عليه إذا عرفت أنه يدفع المال في حرام، كأن يشتري به آلات لهوٍ كأفلام مثلاً، أو أجهزة يغلب عليها الحرام، أو يشتري خمراً أو دخاناً، فلا تقرضه.

    رد القرض بنفس العملة ولو رخصت

    السؤال: اقترضت من شخص ألف جنيه سوداني قبل خمس سنوات، وكانت مبلغاً كبيراً آنذاك، والآن لا تساوي شيئاً، فهل أردها له ألف جنيه سوداني أم أقارنها بالعملات الأجنبية التي لم تتغير قيمتها؟

    الجواب: تردها كما اقترضت، فإذا اقترضت ألف جنيه سوداني فترد ألف جنيه سوداني؛ لأنه ما يزال الاستعمال بها جارياً، ولو نقصت قيمتها بالنسبة إلى الريال السعودي.

    إيجار البيت للوالد

    السؤال: أنا شاب متزوج، ولدي أولاد، وقد اشتريت منزلاً في خارج الرياض بعد ديون وبيع سيارة وغيرها، ثم انتقلت إلى الرياض لطبيعة عملي، واستأجرت منزلاً بأحد عشر ألف ريال، ولما أردت أن أؤجر المنزل الذي اشتريته في بلدي قال والدي: سوف أستأجر منك البيت. قلت: لا بأس. وخصمت نصف قيمته، ومضى إلى الآن ما يقارب السنتين ولم يعطني ريالاً واحداً، مع أن المال متوفر عنده، ولكنه يصرفه في أمور كمالية كفرش وغيره في أقل من سنة، وقد يصرفه في أمور محرمة كشراء دش وغيره، وكل هذا ليس في المنزل الذي فيه والدتي؛ لأنه متزوج بأخرى، مع النظر إلى قلة مرتبي وحاجتي إلى المال، وراتبي ضعيف، فهو ألفا ريال فلا يكفيني للمعيشة، فكيف وعلي ديون أخرى، والإيجار حال علي، فبم تنصحونني؟

    الجواب: أنت ومالك لأبيك، وننصحك بأن تطلب منه برفق وتقول: يا والدي! إنني بحاجة، وأريد أن أبيع هذا البيت لأوفي منه ديني وأدفع منه حاجاتي، أو أؤجره وأطلب من المؤجر أن يدفع لي الأجرة لأستأجر بها في الرياض أو غير ذلك، تطلب منه برفق؛ لأن الوالد له أن يتملك من مال ولده الأشياء التي لا تتعلق بها حاجة الولد ما لم يضره أو كان يحتاجه.

    العلة في عدم جواز إقراض العبد

    السؤال: ما هي العلة في عدم إقراض العبد؟

    الجواب: يقال: لأنه قد لا يوجد مثله؛ لأن الآدميين يختلفون، فيختلفون في السن، ويختلفون في الأخلاق، ويختلفون في الديانة، ويختلفون في الأمانة، وما أشبه ذلك.

    وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756926742