إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [127]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة، ومن لم يؤمن بالقدر فليس بمسلم، فضلاً عن أن يكون مؤمناً، وهو يقوم على أربعة أركان، وهي: الإيمان بصفة العلم لله، والإيمان بأن الله كتب كل ما سيقع، والإيمان بأن مشيئة الله نافذة، والإيمان بأن الله هو الخالق وحده وأن ما سواه مخلوق، ومن ذلك أفعال العباد.

    1.   

    جريان القلم بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة

    [ وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: (يا بني! إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، يا بني! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني)، وفي رواية لـأحمد : (إن أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)، وفي رواية لـابن وهب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار) ].

    سبق أن الإسلام أعم من الإيمان من ناحية مرتبته وأهله الذين يدخلون فيه، والإيمان أخص من ناحية الذين يدخلون فيه، وأما من ناحية كون الإيمان يدخل فيه الإسلام والإسلام لا يكون داخلاً فيه الإيمان فيكون العكس فهذا في حالة ما إذا اجتمع ذكرهما جميعاً، أما إذا جاء ذكر كل واحد منهما منفرداً فكل منهما يدخل في الآخر، كما قال الله جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، فجعل الدين كله الإسلام، وكذلك قول الله جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] إلى آخر الآيات، وقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، وقوله: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ [البقرة:177] إلى آخر الآية.

    فإذا جاء أحدهما منفرداً دخل فيه الآخر، ولهذا نظائر في لغة العرب، كإطلاق وصف الفقير والمسكين، فإنهما إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الفقير دخل فيه المسكين، وإذا ذكر المسكين دخل فيه الفقير.

    أما إذا ذكرا معاً فيفسر كل واحد منهما بمعنى مستقل، كالآية التي ذكر الله جل وعلا فيها مصارف الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] هنا ذكرا مجتمعين، فصار لكل واحد معناه، ولهذا فُسر الفقير بأنه الذي لا يجد شيئاً، وفُسر المسكين بأنه الذي يجد بعض الشيء أو بعض الكفاية؛ لأن الله جل وعلا قال في آية أخرى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79]، فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة، فدل على أن المسكين أقل حاجة من الفقير، فالمقصود هنا التفريق بين الإسلام والإيمان.

    فعلى هذا يكون كل مؤمن مسلماً ولا عكس، فليس كل مسلم يكون مؤمناً، وكذلك يكون كل محسن مؤمناً مسلماً ولا عكس؛ فليس كل مؤمن يكون محسناً؛ لأن دائرة الإسلام أوسع، ويليها دائرة الإيمان، ويليها دائرة الإحسان فهي أخص، وهذه المراتب هي مراتب الدين، وآخرها وأعلاها مرتبة الإحسان؛ لأن الإحسان هو الإتيان بغاية ما يمكن من تحسين العمل المأمور به، ولا يترك شيئاً مما أمر به، ولهذا قسم الله جل وعلا أهل السعادة إلى أقسام ثلاثة، كما قال جل وعلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، فالسابق بالخيرات هو المحسن والمقتصد هو المؤمن، والذي ظلم نفسه هو المسلم؛ لأنه قد يقصر في بعض الواجبات، ويرتكب المكروهات أو بعض المحرمات، فكان ظالماً لنفسه بذلك، ولكنه من أهل الاصطفاء وإن ناله ما يناله من العذاب، فهو ممن اصطفاه الله جل وعلا وجعله من أهل الجنة.

    وأما المقتصد فهو الذي اقتصر على فعل ما أوجب الله عليه ونهى نفسه عما حرم الله عليه، وأما السابق بالخيرات فهو الذي يأتي بالمستحبات ويجتنب المكروهات بعد فعله الواجبات واجتنابه المحرمات.

    وهذا لا ينافي كونه جل وعلا قسم الناس جميعهم إلى ثلاثة أقسام: قسمان من أهل الاصطفاء، وقسم هالك في العذاب، كما في أول سورة الواقعة وآخرها، فذكر أقسامهم في أولها عند النفخ في الصور.

    إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] يعني: قامت القيامة ونفخ في الصور، ليس لوقعتها كاذبة * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:2-3] يعني: تخفض قوماً وترفع آخرين على خلاف ما كان في الدنيا، فيُرفع من كان متقياً لله جل وعلا مؤمناً به، ويُخفض من كان كافراً وإن كان في الدنيا مرتفعاً.

    خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً [الواقعة:3-7] يعني: أصنافاً ثلاثة، فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [الواقعة:8] يعني: أصحاب اليمين من كل أمة من الأمم، ومن كل جنس من أجناس الناس.

    وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ [الواقعة:9] أي: الكفرة والمنافقون والفجار، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10] فهؤلاء هم الذين يسبقون إلى أعلى المراتب وأعلى الجنات، ولهذا قال: ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:13-14]، والثلة: الجماعة. ثم في آخر السورة ذكر أقسامهم عند الاحتضار -عند الموت-، فأولها عند القيامة الصغرى وآخرها عند القيامة الكبرى، فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:86-91] فسلم عليهم فقط ولم يذكر ما لهم؛ لأنهم سالمون من العذاب، ولم يذكر جزاءهم، بخلاف الأولين فإنه ذكر أن لهم من الحال ما يقَبلُون به فهم في أعلى المنازل.

    وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ [الواقعة:92-94]، وهذا عند الموت، فإذا مات فإنه يلاقى بحنوط من النار وكفن من النار، ثم في قبره كذلك.

    والمقصود أن اختلاف الناس على حسب اختلافهم في طاعة الله جل وعلا وامتثال أمره واجتناب ما نهى، فلا يستوي من أحسن ومن لم يحسن، ومجرد الإسلام -وهو الاستسلام والانقياد- لا يكون كالإيمان الذي تحلى القلب به وثبت في القلب وصار لا يتزعزع، ثم إن المقصود من ذكر الحديث كلامه صلى الله عليه وسلم في أركان الإيمان، فإنه جعل الإسلام غير الإيمان، فذكر الإسلام بأركانه الخمسة، وذكر الإيمان بأن قال: (الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره).

    فبين أن الإيمان خصال متعددة، ذكر منها أركانه الستة، وقد سميت أركاناً لأنه يبنى عليها مثل البيت الذي يبنى على ستة أعمدة إذا انهدم عمود منها لم يُنتفع بالباقي، بل ربما يؤول إلى السقوط، وكذلك الإيمان إذا ترك منه ركن، أو الإسلام، فلا يكون إيمانه أو إسلامه صحيح.

    فالذي لا يؤمن بالقدر لا يكون مؤمناً، ولهذا استدل عبد الله بن عمر على أنه خارج من الدين الإسلامي لقوله: (إذا لقيتهم فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني برآء)، فالمسلم لا يمكن أن يتبرأ من المسلم -إذا كان باقياً على إسلامه- وإنما يبغضه على حسب ما عنده من المعاصي ويحبه على حسب ما معه من الإيمان والطاعة، ولا يتبرأ منه إلا إذا خرج من الدين، فإن المسلم يجب أن يتبرأ من الكافر براءة كاملة؛ لأنه لا يمكن أن يجتمع إيمان مع موالاة كافر، فهذا من شروط الإيمان، ولهذا قال: (أخبرهم أني منهم بريء وأنهم مني برآء)، ثم قال: (والذي يحلف به عبد الله بن عمر - الذي يحلف به هو الله جل وعلا، أو بصفة من صفاته، وهذا شيء معلوم- لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله لم يقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره)، وهذا تمثيل مجرد، وإلا لو قدر أن له ملء السماوات وملء الأرض ذهباً ثم أنفقه ما قبله الله جل وعلا منه؛ لأن الله لا يقبل من الكافر شيئاً، كما قال الله جل وعلا: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، كقوله: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18]، فإذا طار الرماد في اليوم العاصف فلا يقدر على إمساك شيء منه، وكذلك أعمال الكفار عند الله، وفي المثال الآخر لما ذكر أنهم قسمان أصحاب ظلمات وأصحاب رد وكفر وعناد وكبر ذكر أعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء، فجعل أعمال هؤلاء الذين كذبوا وكفروا: كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ [النور:39].

    هكذا يعملون ويحسبون أنهم على شيء، فإذا قدموا على الله بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون وظهر لهم العذاب، وهذا من أعظم الحسرات، ولهذا سمي ذلك اليوم يوم الحسرة، وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39].

    1.   

    أركان الإيمان بالقدر

    فعلى هذا يتبين لنا أن الإيمان بالقدر لابد منه، ومن لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن، بل ليس بمسلم، فقد يكون كافراً وذكرنا أن أركان الإيمان بالقدر أربعة:

    الركن الأول: أن يؤمن الإنسان بصفة العلم لله لأنه عليم بكل شيء، وعلمه صفة ملازمة له جل وعلا، لا يجوز أن يكون في وقت من الأوقات سابقاً ولا لاحقاً حالياً من شيء من العلم تعالى الله وتقدس، وعلمه جل وعلا لا يزداد بوجود المعلومات شيئاً لم يكن له، وهو عليم بكل شيء، يعلم الأشياء التي لم توجد أنها ستوجد على صفة كذا في وقت كذا، فتوجد على وفق علمه بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقدم ولا تأخر، فمن أنكر علم الله جل وعلا فهو كافر بالله جل وعلا، ولا ينفعه العمل مهما عمل.

    الركن الثاني: الكتابة أن الله كتب كل ما سيقع -كما سيأتي من حديث عبادة - إلى قيام الساعة، سواء أكان من عمل الإنسان، أم من حركات الشجر وعدد أوراقها وما سقط منها، وغير ذلك، فما تسقط من حبة في البر ولا في البحر، ولا تسقط ورقة من شجرة إلا في كتاب مبين كتبه الله جل وعلا، حتى تحركات وتخلجات عروق الإنسان، فكل حركة وكل سكون بعد الحركة وكل وجود وكل عدم كله مكتوب بلا زيادة ولا نقص.

    فالكتابة هي كتابة العلم الذي علمه الله في الخلق، وسيأتي ما المقصود بها في حديث عبادة ؛ لأنه نص عليها.

    الركن الثالث: مشيئة الله لأنه هو رب الخلق كلهم، فلا يقع في ملكه -في الكون كله- شيء إلا بمشيئته، فما شاء كان على حسب مشيئته، وما لم يشأ لم يكن، والذي لا وجود له هو الشيء الذي لم يشأ وجوده جل وعلا.

    الركن الرابع: أن الله هو الخالق وحده، وما سواه مخلوق، فكل موجود من الحيوانات ومن بني آدم والملائكة وغيرهم كله مخلوق لله جل وعلا، وكذلك أفعال بني آدم مخلوقة لله جل وعلا؛ لأنه خلق الذات وخلق صفتها، ولكن جعل للعاقل قدرة وإرادة، ووكل إليه ما أمره به فيفعله، وما نهاه عنه فيتركه، وجعل ذلك إليه، والله يعلم أنه سيفعل أو لا يفعل؛ لأنه لا يخفى عليه شيء، ولهذا كتب فعله -سواء طاعة أو معصية- لعلم الله الأزلي المحيط بكل شيء.

    فإذا فهم الإنسان هذه الأمور الأربعة انحلت عنه إشكالات كثيرة ضل بها كثير من الناس كالقدرية، وأهل القدر قسمان: قسم نفوا القدر، وقسم أثبتوه وغلوا في إثباته حتى سلبوا الإنسان من قدرته واختياره، فجعلوا الإنسان بمنزلة الريشة التي تكون في مهب الريح تصرفها الريح كيف تشاء، فجعلوه كالآلة لا اختيار له ولا قدرة، وهؤلاء أشر من الأولين، وكلاهما شر وضلال وانحراف عن الحق، وكلاهما لم يفهم هذه الأمور الأربعة، وقالوا على حسب ما أدركته أنظارهم وعقولهم؛ إذ أعرضوا عن فهم كتاب الله وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فضلوا.

    فالمسألة عظيمة كبيرة؛ إذ لا يزال كثير من المسلمين تشكل عليه أمور فيها، مع أنها واضحة وجليه -والحمد لله- وليس فيها إشكال، والكفار اليوم كاليهود والنصارى يريدون أن يشككوا المسلمين ويخبروهم بأنهم عجزة متأخرون، ويقولون: السبب في ذلك أنهم يؤمنون بالقدر، فكلما وقع لهم شيء قالوا: هذا قدر فركنوا إلى الدعة والخمول وعدم العمل، فجعلوا إيمانهم بالقدر هو السبب في تأخرهم. فهذا كذب، فالمؤمن يؤمن بالقدر، وهو مع ذلك يعمل، بل إيمانه بالقدر يزيد في عمله، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فلهذا صاروا يجتهدون في العمل، حتى قال بعضهم: لو كشف لي عن الأمور المغيبة -يعني لو رأيت الجنة والنار- ما استطعت أن أزداد عملاً؛ لأنه جاء بكل ما يستطيع، وهؤلاء هم الذين وصلوا إلى عين اليقين -فأيقنوا يقيناً صادقاً، وهذا هو إيمان الصحابة رضوان الله عليهم.

    ثم ذكر حديث عبادة -وقد اختصره المؤلف- وله روايات متعددة، وفي بعضها أنه دخل عليه ابنه وهو في مرض الموت وقد ظهرت عليه علامات الموت، فلما رآه ابنه قال: يا أبت! أوصني. عند ذلك قال: أجلسوني -لأنه سيجتهد في وصية ابنه- ثم قال له: يا بني! وذكر ما ذكره المؤلف.

    وقوله في هذا: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة).

    القلم لا ندري ما هو، إلا أنه قلم مثل الأقلام التي يكتب بها، أما كونه من نوع معين وكقول ابن عباس : إنه من نور، أو من غير ذلك، فالله أعلم، ثم إنه كتب بقدرة الله، مثل قوله للشيء: (كن) فيكون، فهي كتابة بقدرة الله جل وعلا الذي يعلم الأشياء كلها، وإلا فالقلم لا يعلم الأشياء، ولا يعلم المستقبلات، ولا يعلم الماضيات، ولا يعلم شيئاً، وإنما الكتابة وقعت بقدرة الله جل وعلا بهذا القلم، فقوله جل وعلا للقلم: (اكتب)، كقوله جل وعلا للسماء: (أمطري)، أو لمن كان ميتاً وأراد إحياءه: (كن)، فقوله: (كن)، فيكون كما أراد جل وعلا.

    أيتصور أن القلم كتب بنفسه، وأنه علم الأشياء فكتبها؟ القلم لا علم عنده، وإنما هذا كتابة بقدرة الله جل وعلا، ولكن هذه القدرة جعلها الله في القلم، ثم الذي يكتب فيه هو اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ ليس محل الكتابة، وسمي لوحاً لأنه تلوح فيه الكتابة وتظهر وينظر إليها، وهو في مكان محفوظ لا يطلع عليه إلا رب العالمين جل وعلا، لا أحد يطلع عليه من الخلق، كما أخبر جل وعلا عن ذلك.

    فالله جل وعلا يقول: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج:12-15] إلى أن قال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:17-22] محفوظ عن ابتداع الخلق وعن الزيادة والنقص فيه، لا زيادة ولا نقص، فالله جل وعلا حفظه في المكان الذي يعلمه، فلهذا إذا أمر الملك بنفخ الروح في الجنين الذي في رحم المرأة وقال له: اكتب كذا وكذا فهذه الكتابة تكون بيد الملك، ولكنها منقولة مما في اللوح المحفوظ.

    1.   

    أنواع الكتابات

    والكتابات التي جاء ذكرها في النصوص متعددة:

    أولها: ما ذكر سابقاً، وهي الكتابة العامة الشاملة، فهي شاملة لجميع ما يقع بجميع ما يكون.

    وبعدها كتابة أخرى بعد وجود آدم، فإن الله جل وعلا استخرج ذريته وميز بعضهم من بعض، وجعلهم فريقين: فريق في السعير، وفريق في الجنة، كما جاءت النصوص في ذلك، فهذه الكتابة أخص، وهي متفقة مع الكتابة الأولى، وإنما هي مؤكدة لذلك، وليس فيها زيادة ولا نقص عنها.

    ثم كتابة ثالثة وهي الكتابة العُمْرية التي تكون خاصة لكل إنسان، أو التي تكون بيد الملك يكتبها في صحيفة ابن آدم، تكتب وهو في رحم أمه بعدما ينفخ فيه الروح، فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، فهذا الملك يطلع على هذا الشيء بعد نفخ الروح فيه.

    وكتابة سنوية، يكتب في السنة كل ما سيقع فيها: من حوادث ومن موت ومن حياة ومن إعزاز ومن إذلال ومن ملك ومن نزع الملك ومن إيمان أو كفر أو عمل أو غير ذلك، كما قال جل وعلا: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:1-5] يعني: في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم، يعني: كل أمر يقع في هذه السنة يكتب ويعلن وتعلمه الملائكة، ويقول جل وعلا في الآية الأخرى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:2-6].

    إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:1-3] وهي التي يفرق فيها كل أمر حكيم، هذه الليلة ليلة القدر، وهي في رمضان في كل سنة .

    وهناك كتابة يومية، وهي المذكورة في قوله جل وعلا: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] تعالى وتقدس ، جاء في الآثار: (كل يوم في شأن) يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويرفع قوماً ويخفض آخرين، ويدبر شئون خلقه في كل يوم.

    هذه الكتابات التي جاءت في النصوص، وكلها راجعة إلى الكتابة الأولى التي هي في اللوح المحفوظ.

    فقوله: (فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) هذا يدلنا على أن المكتوب هو ما سيقع لهذا الخلق في هذا العالم إلى قيام الساعة، أما بعد قيام الساعة فشيء لم يكتب، ولكن الله أخبرنا أن الجنة دائمة دوام السماوات والأرض، ومن فيها مخلدون منعمون، وأن النار كذلك دائمة دوام السموات والأرض، وأن من فيها لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، فهم باقون معذبون، هذا في العموم، أما تفاصيل أمورها وما سيكون فالله أعلم بذلك.

    1.   

    ما هو أول المخلوقات

    ثم قوله: (إن أول ما خلق الله القلم) يدل على أن أول المخلوقات على ظاهر الحديث، القلم، وقد اختلف العلماء هل القلم خلق قبل العرش أو العرش قبل القلم؟ والصواب أن العرش قبل القلم، والعرش كان على الماء، والدليل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب مقادير الأشياء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، فدل هذا الحديث على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق القلم.

    ثم قوله: (فجرى في تلك الساعة بما هو كائن) لا يقتضي هذا أن الإنسان مرغم على العمل الذي يقع منه، ليس كذلك، لكن الله علاَّم الغيوب قد علم أن هذا الإنسان سيوجد، وأنه سيعمل كذا وكذا باختياره وقدرته مختاراً مقدماً غير مُرْغَم، بل راغب، حتى لو أتيت إليه وحاولت منعه لقاتلك، فإن كان عاصياً وأردت أن تصده على المعصية يقول: مالك ولي فإذا قلت له: إنك متوعد بالنار قال: أعلم ذلك، دعني والنار فهل يكون اللوم على القدر، أو يكون عليه وهو الذي فعل باختياره؟

    فالواقع أن الإنسان يعمل أعمالاً لا يدري ماذا كتبت عليه، وإنما تتبين الكتابة بعد وقوع العمل، فإذا كان الأمر هكذا فمعنى ذلك أن الله جعل الإنسان يفعل ما كتب عليه باختياره وغير مجبر ولا مقهور، ولهذا جاء تفسير اسمه الكريم جل وعلا الجبار في قوله: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر:23]: فإن الجبار الذي جبر الخلق على أن يعملوا ما علم منهم، وليسوا مجبورين على ذلك بغير اختيارهم، بل فعلوه باختيارهم، ولهذا كان العلماء إذا قالت الجبرية: إن عبدة الأوثان مجبورون يقولون: تعالى الله وتقدس أن يجبر أحداً على غير مراده؛ فإنه القادر على كل شيء، فهو خلق الإنسان مريداً لما خلق له باختياره وقدرته، وإنما يجبر الضعيف. مثلما يقول الفقهاء: للأب أن يجبر بنته البكر على الزواج؛ لأنها قد لا تعرف مصلحتها. والإجبار يكون على غير اختيار، أما الله جل وعلا فيتعالى ويتقدس أن يجبر أحداً، بل جعل الأمر إلى الإنسان؛ لأنه خلقه عاقلاً مفكراً، وجعل له قدرة بها يفعل ما أراد بإرادته، فإذا وجدت القدرة والإرادة وجد المراد ولابد.

    والمقصود أنه إذا وقع منه الفعل فقد وقع بقدرته وإرادته، وعلى هذا استحق العقاب إذا كان الفعل معصية، واستحق الثواب إذا كان طاعة، هذا هو الذي ما احتملته عقول القدرية، فما استطاعوا أن يستوعبوا أن الإنسان يفعل باختياره -مع أن الله كتب عليه هذا الفعل- فعقولهم قاصرة؛ لأنهم لم يستنيروا بنور العلم الصحيح، ولم يهتدوا بهدي القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فضلوا، وكل من لم يهتد بكتاب الله وسنة رسوله فلابد أن يضل؛ لأن الهدى محصور في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه المشكلة لا تزال إلى الآن عند كثير من الناس، والآن أكثر المسلمين على مذهب القدر، فهم على مذهب الأشاعرة، والأشاعرة جبرية يقولون: الإنسان مجبور. ولكن لا يصرحون بهذا، بل يقولون: الإنسان كاسب لا عامل. ويفسرون الكسب بأنه مقارنة قدرة المخلوق التي لا تأثير لها بالفعل مقارنتها للفعل، أما التأثير بالفعل فالمؤثر فيه هو الله تعالى، حتى حداهم هذا إلى نفي الأسباب، حيث يقولون: إذا أتيت بحطب مثلاً وأججت فيه ناراً فماذا يقال لهذا؟ هل يقال: النار أحرقت الحطب؟ -هذا هو الظاهر الذي يتبادر لذهن كل إنسان، إذا سلم من الانحراف، أما الأشاعرة فلا يقولون بهذا أبداً، ولكن يقولون: إن الله خلق الاحتراق عند وجود ملامسة النار للحطب فخلق الاحتراق، فينكرونه في الأمور الظاهرة، فيقولون -مثلاً-: إذا ضربت زجاجة بحجر فكسرت هذه الزجاجة بالحجر هل يقال: إن الحجر كسر الزجاجة؟ يقولون: لا، ما كسر الحجر الزجاجة؛ لأن الحجر لا يكسر شيئاً، وإنما خلق الله الكسر عند ملامسة الحجر للزجاجة وهذا إنكار لأمور ظاهرة.

    وكذلك فعل الإنسان إذا أكل أو شرب، وإذا قام أو جلس، وإذا كفر أو آمن، فإن الله يخلق هذه الأشياء عند مقارنة قدرته غير المؤثرة في هذه الأشياء، ومعلوم أن هذا مذهب باطل، خلاف ما أخبر الله جل وعلا به؛ فإن الله يصف المؤمنين بالإيمان ويقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، ويصف الكافرين بالكفر، فيقع الكفر منهم حقيقة، ويقع الإيمان من المؤمنين حقيقة، ويقع الأكل من الآكل حقيقة، والنوم كذلك، وهكذا القيام والمشي وغير ذلك.

    وكل إنسان منا يجد في نفسه الآن أنه جاء إلى هذا المكان بإرادته وقدرته، ما أحد أرغمه على ذلك، فهكذا نقول في جميع الأعمال، وبهذا يتبين بطلان هذا المذهب الذي نقول: إنه الآن في جميع بلاد المسلمين ولا نقصد بذلك عوام المسلمين؛ لأن عوام المسلمين لا يعرفون هذه الأمور، ولا يقال فيهم: إنهم على هذا المذهب وإنما المقصود العلماء الذين يتبعهم الناس هذا مذهبهم، أكثر العلماء في العالم الإسلامي على هذا المذهب، ونحن نعرف أن هذا المذهب مذهب باطل، وإلا فالحق أن يؤمن الإنسان بما ذكر ويسلم من هذه الإشكالات وهذه الفلسفة الزائفة التي تؤدي إلى باطل، والأمر أوضح من هذا، والإنسان إذا قرأ النصوص الواردة عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم تجلى له الأمر وأصبح واضحاً إذا سلم من الانحراف.

    صحيح أن هناك معاني قد تشكل على كثير من الناس، ولكنها في الحقيقة ليست مشكلة، فالأمر فيها واضح، والفطرة التي فطر الله جل وعلا عليها عباده تتفق مع ما جاء في كتابه جل وعلا وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم.

    هذا هو خلاصة مذهب أهل السنة والرد على هؤلاء المبتدعة.

    بقي أنه جاء في الأحاديث أن القدرية شيعة الدجال، وأنهم سيبقون على ذلك إلى قيام الساعة، وهذا موجود، ولكن القدر الذي صار إليه القدرية الذين كانوا في آخر عهد الصحابة الذين تبرأ منهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وحكموا بكفرهم، هؤلاء انقرضوا وزالوا ولا وجود لهم اليوم، هؤلاء هم الذين ينكرون علم الله جل وعلا، وإنكار العلم كفر صريح، ولا يشك في ذلك من يعرف صورة المسألة.

    1.   

    أصل مشكلة القدرية في أفعال الإنسان

    أما المتأخرون منهم فإشكالهم في أفعال الإنسان، وأصل المشكلة عندهم جاءت من تفسير الظلم، وذلك أن الله جل وعلا نفى عن نفسه الظلم، كما قال جل وعلا: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وفي الحديث الصحيح: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالمواوَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112] الظلم هنا في الآية: أن يوضع عليه سيئة لم يعملها، أن يوضع عليه جزاء سيئة لم يعملها، وأما الهضم: أن يؤخذ شيء من حسناته، وهذا كثير في القرآن، قالوا: الظلم: هو التصرف في ملك الغير بغير إذنه أو بغير حق، هذا تفسير الظلم عندهم، وقالوا: مستحيل وقوع الظلم على هذا من الله جل وعلا؛ لأن كل شيء ملك لله جل وعلا، ويؤيدوا هذا القول بأحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها أن الله لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، قالوا: هذا دليل على ما نقول، ولكن ليس هذا معنى الحديث كما يقولون، معنى الحديث: أن أهل السموات وأهل الأرض لن يقوموا بما يجب لله جل وعلا على الوجه الأتم المطلوب فحق الله عظيم جداً، ولكن الله عفو كريم، يقبل القليل ويعفو عن الكثير، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] جل وعلا.

    ثم قالوا: لو قلنا: إن الله جل وعلا كتب على الإنسان أعماله وقدرها وشاءها، ثم عذبه عليها؛ للزم أن يكون ظالماً له، هذا هو أصل المشكلة عندهم. فيقال لهؤلاء: إن الله جل وعلا خلق الإنسان في طوله وعرضه وفي لحمه ودمه وكذلك صفاته، ومن ذلك أنه خلق له القدرة والإرادة، وجعل القدرة والإرادة هما اللتان يفعل بهما ما يريد، فيكون فعله بقدرته وإرادته هو الذي يجازى عليه ثواباً أو عقاباً.

    1.   

    حقيقة الخير والشر في القدر

    [ قوله: (وعن عبادة ) قد تقدم ذكره في باب فضل التوحيد، وحديثه هذا رواه أبو داود ، ورواه الإمام أحمد بكماله قال: حدثنا الحسن بن سوار ، حدثنا ليث عن معاوية عن أيوب بن زياد ، حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ، حدثني أبي قال: (دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه! أوصني واجتهد لي. فقال: أجلسوني. قال: يا بني! إنك لن تجد طعم الإيمان، ولن تبلغ حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره قلت: يا أبتاه! فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. يا بني! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) يا بني! إن مت ولست على ذلك دخلت النار)، ورواه الترمذي بسنده المتصل إلى عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة عن أبيه، وقال: حسن صحيح وغريب ].

    السبب في هذه الوصية أن إنكار القدر ظهر في وقت عبادة بن الصامت ، ولهذا أوصى ابنه بذلك، وهذا يدل على أن الذي لا يؤمن بالقدر ليس بمؤمن، وأنه إذا مات لم يقبله الله.

    وقوله: (تؤمن بالقدر خيره وشره) جعل في القدر خيراً وشراً، والقدر -كما سبق- قدرة الله ومشيئته وعلمه وكتابه، والشر لا يكون إلى الله جل وعلا، بل كل ما يفعله الله خير وحسن وجميل وحكمة، ولكن الشر بالنسبة للمخلوق؛ لأن الشر سببه الذنب، ولو لم يكن هناك ذنب ما كان هناك شر أصلاً، فيكون الشر بالنسبة للمخلوق، وأما إيقاعه من الله جل وعلا فهو عدل، ليس شراً بل هو خير وعدل يحمد عليه ويشكر عليه جل وعلا.

    [ وفي هذا الحديث ونحوه بيان شمول علم الله تعالى وإحاطته بما كان ويكون في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12].

    وقد قال الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن القدر قال: القدر قدرة الرحمن. فاستحسن ابن عقيل هذا من أحمد رحمه الله، والمعنى أنه لا يمنع عن قدرة الله شيء ونفاة القدر قد جحدوا كمال قدرة الله تعالى فضلوا عن سواء السبيل، وقد قال بعض السلف: ناظروهم بالعلم فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا ].

    هذا القول قاله الشافعي رحمه الله، ومقصوده ما دام أنهم أنكروا القدر فيسألون: هل الله عليم؟ هل علم الله شامل لكل شيء؟ فإن أقروا بهذا؛ قيل لهم: القدر علم الله وخصموا بذلك؛ لأن القدر عبارة عن علم الله السابق الأزلي لكل شيء، فإنه علم أن الخلق سيوجدون وسيعملون كذا، وستكون عاقبتهم كذا، فكتب ذلك جل وعلا، فإذا أقروا به ألزموا بترك مذهبهم، أما إن أنكروا العلم فقد كفروا وخرجوا من الدين الإسلامي، والكافر لا فائدة في مجادلته ولا في مناظرته، والكفر كله ملة واحدة، كون الكافر يترك ركناً من أركان الإسلام، أو ينفي عن الله صفة من صفاته، أو يترك الصلاة، أو يكفر بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكفر بالكل، أو يكون نصرانياً أو يهودياً كله سواء، فالكفر شيء واحد.

    وإذا انتقل الكافر من دين إلى دين فهو كافر في الأول وفي الآخر، بخلاف الدين الحق، فإنه لا يجوز أن يتركه، وإن قدر أنه أراد تركه لا يترك، فإما أن يراجع، وإما أن يقتل.

    1.   

    حق الله عظيم لا يدركه أحد

    [ قوله: وفي المسند وسنن أبي داود عن ابن الديلمي -وهو أبو بسر -بالسين المهملة وبالباء المضمومة-، ويقال: أبو بشر -بالشين المعجمة وكسر الباء-، وبعضهم صحح الأول، واسمه عبد الله بن فيروز -، ولفظ أبي داود قال: (لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار. قال: فأتيت عبد الله بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم أتيت حذيفة بن اليمان فقال مثل ذلك، قال: ثم أتيت زيد بن ثابت قال: فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك)، وأخرجه ابن ماجة .

    وقال العماد ابن كثير رحمه الله: عن سفيان عن منصور عن ربعي بن خراش عن رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد ألا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره)، وكذا رواه الترمذي عن النضر بن شميل عن شعبة عن منصور به، ورواه من حديث أبي داود الطياليسي عن شعبة عن ربعي عن علي فذكره.

    قوله: (لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم) معنى ذلك أن أهل السموات وأهل الأرض ما يستطيعون أن يقوموا بحقوق الله جل وعلا الواجبة له، فلو عذبهم لعذبهم على ترك الحق، لهذا جاء أن الملائكة منهم من يكون منذ خلق إلى قيام الساعة راكعاً، ومنهم من يكون منذ خلق إلى قيام الساعة ساجداً، ومنهم من يكون قائماً بالعبادة لا يفتر لحظة من اللحظات، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك؛ لأن حق عبادة الله جل وعلا لا يطيقها المخلوق، فرحمة الله جل وعلا خير من عمل الإنسان مهما عمل.

    روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن رجلاً عبد الله جل وعلا في جزيرة من البحر خمسمائة سنة، أخرج الله جل وعلا له من البحر عيناً عذبة يشرب منها، وأنبت له شجرة رمان، وكل يوم تخرج له حبة فيأكلها، وسأل ربه أن يقبضه ساجداً، فقبض وهو ساجد، فإذا كان يوم القيامة أحضر بين يدي الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا لملائكته: ادخلوا عبدي الجنة برحمتي. فيقول العبد: يا رب! بل بعملي. فيقول الله جل وعلا: حاسبوه، فيحاسب، فيوجد أن عبادة خمسمائة سنة جاء عليها نعمة البصر -أو قال: نعمة السمع-، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا له: من الذي خلقك ولم تك شيئاً؟ من الذي قواك على العبادة؟ من الذي جعل في قلبك حب الإيمان وكراهية الكفر؟ من الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد واليدين والرجلين؟ من الذي استخرج لك من البحر المالح عيناً عذبة؟ من الذي استخرج لك من شجرة الرمان كل يوم حبة وهي لا تخرج في السنة إلا مرة؟ ثم يقول جل وعلا بعد ذلك: اذهبوا به إلى النار، فإذا ذهب به إلى النار. يصيح: يا رب! أدخلني الجنة برحمتك فيدخله الله الجنة برحمته ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله).

    وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لن يدخل أحدكم الجنة عمله قالوا: ولا أنت -يا رسول الله-؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، وإنما يدخل المؤمنون الجنة برحمة الله، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم، أما دخول الجنة فهو برحمته جل وعلا؛ لأن الجنة ليست عوضاً عن العمل، وبهذا يتبين معنى قوله: (لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم).

    1.   

    الرد على نفاة القدر

    [وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن أبي هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة -زاد ابن وهب: وكان عرشه على الماء)رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ].

    هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص يدل على أن العرش كان مخلوقاً قبل القلم، وأنه فوق الماء، وسبق ذكر ذلك.

    [وكل هذه الأحاديث وما في معناها فيها الوعيد الشديد على عدم الإيمان بالقدر، وهي الحجة على نفاة القدر من المعتزلة وغيرهم، ومن مذهبهم تخليد أهل المعاصي في النار، وهذا الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي].

    مذهب المعتزلة شاركهم فيه الخوارج، وللمعتزلة أصول خمسة بدل أصول الإسلام الخمسة التي قالها الرسول صلى الله عليه وسلم -كما في حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه-: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) هذه خمسة أصول، وهؤلاء المبتدعة الضلال جاءوا بأصول خمسة أخرى، وسموها (أصول الإسلام) من عندهم بدل الأصول التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها ضلال، وهذه الأصول هي:

    الأول: التوحيد. وما هو التوحيد؟ هل التوحيد عندهم: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ كلا. التوحيد عندهم نفي الصفات، فعندهم أن الله لا يتصف بصفة، وأن الله ليس فوق، وأن الله لا ينزل إلى السماء الدنيا، وأن الله ليس له سمع ولا بصر ولا شيء من سائر الصفات، هذا يسمونه توحيداً؛ لأن التوحيد عندهم أن يكون واحداً لا صفات له، وهذا من أعظم الضلال، كيف يكون هذا من أصول الإسلام؟

    الأصل الثاني: العدل. ومعناه عندهم أنهم يوجبون على الله أشياء من عند أنفسهم، يجب أن يفعل كذا، ويجب ألا يفعل كذا، تحكماً وضلالاً، نصبوا أنفسهم موجبين ومحرمين على الله جل وعلا وعلى شرعه.

    الثالث: المنزلة بين منزلتين. ومعناها عندهم أن الإنسان إذا عمل كبيرة خرج من الدين الإسلامي ولم يدخل في الكفر، فصار بين الإسلام والكفر، لا مسلماً ولا كافراً، فهذا القول من أين أتى؟ وما دليل ذلك؟ وقالوا: إذا مات صار في النار. وهذا عجيب، في الدنيا يكون بين الإسلام وبين الكفر، وفي الآخرة يكون مع الكفار في النار.

    الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعندهم أن الأمر بالمعروف هو الخروج على الأئمة، أي: يجب أن يخرجوا على الأئمة إذا لم يكونوا على مرادهم، ولا داعي إلى ذكر سائر ضلالاتهم؛ لأن إماتة الضلال وعدم ذكره أولى من ذكره؛ لأنه كله ضلال في الواقع، وليس فيه شيء من الحق، فالحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن المشكل أن هذا المذهب الخبيث بعث الآن من جديد، وصار له أناس يناصرونه، وصارت كتبهم تطبع وتنشر بين الناس، وصار هناك من يعتنق هذا المذهب، وهذا بسبب المستشرقين الكفار الذين صاروا يبحثون في كتب المسلمين، ويطلبون الشيء الذي يقدحون به في عقيدة المسلمين فيعملون على نشره، فصار لهم تلامذة من المسلمين يتبنون آراءهم وأفكارهم، وبسبب ذلك بعث هذا المذهب الذي مات منذ زمن طويل، إلا أنه يوجد هذا المذهب في طوائف مثل الإباضية والرافضة، فهذا المذهب موجود فيهم وإن لم يكن كله فيهم، وإنما أجزاؤه، مثل نفي الصفات، ونفي العلو، ونفي رؤية الله جل وعلا يوم القيامة، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يتكلم، وما أشبه ذلك.

    1.   

    مسائل وفوائد في الباب

    كيفية الإيمان بالقدر ووجوب الإيمان به

    [وفي الحقيقة إذا اعتبرنا إقامة الحجة عليهم بما تواترت به نصوص الكتاب والسنة من إثبات القدر فقد حكموا على أنفسهم بالخلود في النار إن لم يتوبوا، وهذا لازم لهم على مذهبهم هذا، وقد خالفوا ما تواترت به أدلة الكتاب والسنة من إثبات القدر، وعدم تخليد أهل الكبائر من الموحدين في النار].

    [

    قال المصنف رحمه الله تعالى: وفيه مسائل: الأولى: بيان كيفية الإيمان بالقدر].

    كيفية الإيمان بالقدر بأن يعلم الإنسان أن الذي يقع في الكون كله لا يمكن تغييره، ولا يمكن تأخيره، ولا يمكن تبديله، وأن الذي لا يقع لا يمكن إيقاعه، فكل شيء يقع من دقيق وجليل فقد قدره الله جل وعلا بعلمه الأزلي وكتبه وشاء وجوده وخلقه.

    [ الثانية: بيان فرض الإيمان بالقدر].

    الإيمان بالقدر فريضة على كل عبد، فيجب أن يؤمن به، وإذا لم يؤمن به فهو متوعد بالوعيد الذي ذكر، وهو أنه يكون من أهل النار.

    [الثالثة: إحباط عمل من لم يؤمن به].

    فضل الإيمان بالقدر

    [الرابعة: الإخبار أن أحداً لا يجد طعم الإيمان حتى يؤمن به].

    هذا يدل على أن الإيمان له طعم يجده بعض الناس، وبعضهم لا يجده، فالذي يؤمن بالقدر إيماناً على الوجه الشرعي يجد طعم الإيمان، وكذلك في غير هذه المسألة، ولكن المسائل التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم مرتبط بعضها ببعض، ولا يمكن أن ينفك بعضها عن بعض، فإذا قيل -مثلاً-: إذا آمن بالقدر وجد طعم الإيمان فليس معنى ذلك أنه إذا ترك الصلاة وآمن بالقدر يجد طعم الإيمان، أو يترك الصوم ويؤمن بالقدر ويجد طعم الإيمان، أو يعمل الفواحش ويؤمن بالقدر ويجد طعم الإيمان، لابد من الالتزام بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    [الخامسة: ذكر أول ما خلق الله. السادسة: أنه جرى بالمقادير في تلك الساعة إلى قيام الساعة].

    بعد قيام الساعة مسكوت عنه، لم يكتب عندما أمر القلم أن يكتبه، فهذا أمر راجع إلى الله جل وعلا.

    [السابعة: براءته صلى الله عليه وسلم ممن لم يؤمن به].

    لأنه برئ ممن لم يؤمن بالقدر، والبراءة تحمل على ظاهرها، أي أنه ليس من أتباعه، وليس على دينه، هذا معنى البراءة، ولهذا قالوا: إن البراءة تدل على أنه كافر. فهذا نوع من الكفر؛ لأن المسلم يتبرأ من الكفار والمشركين، ولا يجوز للمسلم أن يتبرأ من مسلم.

    إزالة الشبهة بسؤال العلماء

    [ الثامنة: عادة السلف في إزالة الشبهة بسؤال العلماء ].

    الشبهة لا تزول إلا بالعلم، والعلم يجب أن يقتنع به السائل، فيكون قلبه قد زالت عنه شبهته، وهذا لا يكون إلا بالنصوص اليقينية التي تستند إلى الوحي، أما الآراء والأفكار فيقابلها أراء وأفكار، وقد تتعارض فيكون واحد رأيه وفكره أعمق وأكثر من الثاني فيفسد عليه ما يرى، هذا شأن أصحاب الآراء، ولهذا فهم ينتقلون، كل وقت قد يكون لأحدهم رأي ومذهب، ولا يثبت على مذهب، كما جاء رجل إلى الإمام مالك وقال: أريد أن أجادلك. قال: لا. اذهب إلى من كان في شك من دينه، أما أنا فلست في شك، أنا اتبع سنة محمد صلى الله عليه وسلم فلست في شك، اذهب إلى الذين ينتقلون كل يوم من دين إلى آخر فجادلهم.

    [ التاسعة: أن العلماء أجابوه بما يزيل شبهته، وذلك أنهم نسبوا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ].

    يعني أن نسبة الكلام إلى الله أو إلى رسوله هو الذي يزيل الشبهات، أما نسبته لفلان وفلان فلا يزيل الشبهة؛ فإنه يوجد فلان آخر مثله، وفلان آخر مثله، ويجوز على كل واحد منهم الخطأ والصواب، فإذا جاز الخطأ عليهم فلا يوثق بكلامهم، وإنما الذي يوثق بكلامه من لا ينطق عن الهوى، وهو وحي الله جل وعلا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755769740