إسلام ويب

سلطان الأندلسللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحتوي هذه المادة على بيان ما كانت عليه الأندلس يوم أن أنجبت علماء أجلاء أمثال سلطان الأندلس المنذر بن سعيد البلوطي ذلك العالم الجليل الذي له مواقف مشهورة مع حاكم الأندلس في أيامه وهو عبد الرحمن الناصر.

    1.   

    الأندلس

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة الكرام..هذا يوم السبت الثامن والعشرون من شهر جمادي الأولى لعام 1412هـ، وهذا هو الدرس الثالث والثلاثون من الدروس العلمية العامة.

    إخوتي الكرام.. وقد سبق إليكم الإعلان أن هذا الدرس هو عن "سلطان الأندلس ويتساءلون من هو سلطان الأندلس؟

    مكانة الأندلس

    إن بلاد الأندلس كانت من خير بلاد الإسلام يوماً من الدهر،وأنجبت جحافلاً من العلماء الذين كانوا شموساً وبدوراً وأقماراً في أوقاتهم, وكل امرئ منهم كان سلطاناً للعلماء في وقته, بل إن بلاد الإسلام كلها وتاريخ الإسلام كله حافل بأولئك الرجال الأفذاذ الذين كانوا يقولون بالحق وبه يعدلون, وكانوا سلاطين حقاً بعلمهم وفقههم وشجاعتهم, وليس بسيوفهم وسياطهم وشرطهم وأعوانهم.

    ولا شك أن الأمة إذا شعرت بأن واقعها مرير, فإنها دائماً تلتفت إلى ماضيها وتتطلع إلى غابرها ومن أعماق الماضي ينبثق الحاضر والمستقبل المشرق لهذه الأمة.

    أيها الإخوة.. لقد كان من العلماء في كل عصور التاريخ أئمة أفذاذ شأنهم كما قال أحدهم:

    يقولون لي فيك انقباض وإنما     أوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

    أرى الناس من داناهم هان      عندهم     من أكرمته عزة النفس أكرما

    ولم أقض حق العلم إن كان      كلما     بدى طمع صيرته لي سلما

    أأشقى به غرساً وأجنيه ذلة     إذاً فاتباع الجهل قد كان أحزما

    ولو أن أهل العلم صانوه صانهم     ولو عظموه في النفوس لعظما

    ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا          محياه بالأطماع حتى تجهما<

    ابن حزم وملوك الطوائف

    أيها الإخوة.. يظن البعض أنني أعني بسلطان الأندلس الإمام أبا محمد ابن حزم -رحمه الله- ولا شك أن ابن حزم كان من سلاطين الأندلس، ويكفيك حتى تعرف جلالة ابن حزم وفضله, وعلمه وعظيم قدره ومنـزلته وشجاعته في الحق, أن تقرأ ماذا قال الإمام ابن حزم عن ملوك الطوائف الذين كانوا يحكمون الأندلس في عصره, ويوالون النصارى ويوادونهم ويقاتلون إخوانهم المؤمنين, حتى أنه -رحمه الله- في رسالته القيمة المطبوعة بعنوان "التلخيص في وجوه التخليص" بعد أن تكلم عن شأن هؤلاء الملوك قال ما نصه: (فهذا أمر امتحنا به نسأل الله السلامة, وهي فتنة سوء أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى، لوجوه كثيرة يطول لها الخطاب, وعمدة ذلك أن كل مدبر مدينة أو حصن في شيء من أندلسنا هذه أولها عن آخرها محارب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وساعٍ في الأرض بالفساد, للذي ترونه عياناً من شنهم الغارات على أموال المسلمين من الرعية التي تكون في ملك من ضارّهم, وإباحتهم لجندهم قطع الطريق, ضاربون للجزية والمكوس والضرائب على رقاب المسلمين مسلطون لليهود والنصارى على قوارع طرق المسلمين, معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم ونهيهم).

    ويقول رحمه الله: (فلا تغالطوا أنفسكم ولا يغرينكم الفساق والمنتسبون إلى الفقه اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع, المزينون لأهل الشر شرهم, الناصرون لهم على فسقهم, فالمخلص لنا منها الإمساك للألسنة جملة وتفصيلاً إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذم جميعهم, والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها, فنحن نراهم يستمدون النصارى ويمكنونهم من حرم المسلمين, وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً, فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس لعن الله جميعهم وسلط عليهم سيفاً من سيوفه).

    ومن جميل ما يقول -رحمه الله- لما تكلم عن السكوت وذم جميع هؤلاء قال: (فمن عجز منا عن ذلك -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذم الظالمين والفاسقين والمعتدين على حدود الله عز وجل- رجوت أن تكون التقية تسعه, وما أدري كيف يكون هذا؟ مع أنه لو اجتمع كل من ينكر بقلبه لما غلبوا على أمرهم).

    1.   

    من هو سلطان الأندلس

    على أي حال لا أعني بـسلطان الأندلس هذا الإمام الفذ وإن كان له حديث آخر, وقد سبق ذكر شيء منه وإنما أعني بـسلطان الأندلس إماماً آخر أشهر في القيام على السلاطين, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ابن حزم, ألا وهو الإمام الفحل الفقيه العالم المنذر بن سعيد البلوطي المولود عام (265هـ) أو (273هـ) على اختلاف المصادر، والمتوفى في عام (355هـ), قال الإمام الذهبي: فيكون عمره حينئذٍ تسعين عاماً بالتمام، هذا إذا كانت ولادته عام (265هـ).

    مكانه ومسقط رأسه

    ينسب الإمام المنذر بن سعيد إلى مكان يقال: له فحس البلوط, لكثرة هذه الأشجار فيه, وهو قريب من مدينة قرطبة المدينة الشهيرة في الأندلس.

    هذا الإمام الكبير كان موجوداً في عهد الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر, وكان عبد الرحمن الناصر من خلفاء بني أمية المشهورين وكبار زعمائها حتى إنه حكم أكثر من خمسين سنة, وكان مشهوراً بالبنيان والعمران, وتشييد المباني والمعالم والآثار, حتى إن آثاره لا تزال باقية إلى اليوم, فارهة ظاهرة تقول لكل من رآها أو سمع بها:

    تلك آثارنا تدل علينا     فانظروا بعدنا إلى الآثار

    إن مدينة الزهراء التي بناها وعمرها وشيدها وأسسها وأثثها, لهي من البناء الباقي إلى يوم الناس هذا, كان معنياً بهذا البناء ولكن ذهب الباني وبقي البناء.

    ومن طريف ما يروى عن عبد الرحمن الناصر وهو قد حكم خمسين سنة وستة أشهر, يروى أنه وجد بخط يده مكتوب أن الأيام التي صفت لهذا الخليفة من دون تكدير هي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا, ويوم كذا من شهر كذا من سنة كذا.., فحسبت فوجدت أربعة عشر يوماً, فسبحان المتفرد بالبقاء, سبحان الذي لا يموت سبحان الملك القدوس، سبحان الذي فضح هذه الدنيا, فلم يبق فيها لذي عقل ولا لذي لب أرباً ولا شأنا, ملك فخم كبير يحكم خمسين سنة وتدين له الرقاب حسبت أيام سعادته التي سلمت من التنغيص فلم يوجد له إلا أربعة عشر يوماً طيلة عمره, وربما لو حسبت أيام فقير من الفقراء الذين عبدوا الله تعالى وتضرعوا إليه، ورضوا وقنعوا باليسير، وأخلصوا فيما بينهم وبين الله عز وجل وعمروا قلوبهم بحبه لوجدت أيامهم ولياليهم كلها سعادة وهناءة وسروراً وأنساً, فسبحان من خلق وفرق.

    من المعالم الباقية لـعبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء -كما أشرت إليها- وقد تغنى بها الشعراء وتكلموا عنها, وبعد وفاته وسقوط الأندلس في أيدي النصارى أصبح المسلمون يتذكرونها بعدما صارت أثراً بعد عين, يقول أحدهم:

    أين الرشيد وقد طاف الغمام به     فحين جاوز بغداد تحداه

    ماضٍ تعيش على أنقاضه أمم     وتستمد القوى من وحي ذكراه

    بالله سل خلف بحر الصين عن عرب     بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهو

    وإن تراءت لك الحمراء عن كثب     فسائل الصرح أين العز والجاه

    وانـزل دمشق وسائل صخر مسجدها     عمن بناه؟ لعل الصخر ينعاه

    هذه معالم خرس كل واحدة     منهن قامت خطيباً فاغراً فاه

    والله يعلم ما قلبت سيرتهم     يوماً      وأخطأ دمع العين مجراه<

    بداية اتصال سلطان الأندلس بالخليفة

    أيها الإخوة.. كانت بداية اتصال سلطان الأندلسp=1001456المنذر بن سعيد

    بالخليفة عبد الرحمن الناصر، أنه جاءه رسول من ملك الروم, فنـزل عنده فجمع عبد الرحمن الناصر شرطه وأعوانه ورجاله وخدمه وحشمه, واستقبلوا هذا الرسول من ملك الروم, وكلف الأمير رجلاً أديباً مشهوراً اسمه أبو علي القالي البغدادي أن يقوم بالخطابة, فقام أبو علي هذا وصعد المنبر، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله, ثم نظر في هذا الجمع الذي لا يدرك طرفه, ولا يلحق شأوه فانقطع, ولم تملكه رجلاه، ولم يستطع أن يتكلم بكلمة واحدة, فسكت مبهوراً مبهوتاً بعض الوقت, فلما رأى المنذر بن سعيد هذا الموقف، ورأى الخطيب قد أعيى وارتج عليه, قام سريعاً وصعد المنبر دونه بدرجة، ثم ارتجل خطبة من ساعته لم يكن قد أعدها من قبل, فتكلم بها بأبين كلام وأفصح عبارة وأجمل حديث, مسترسلا مترسلاً كأنه سيل يتحدر ما وقف ولا تنحنح ولا سعل ولا تلبث ولا تريث، وهو يخرج من موضوع إلى موضوع آخر, ويتكلم بكلام جزل فصيح، وبعبارة رصينة وبسجع قوي، حتى كأنه أعد هذه الخطبة أتم إعداد, وحفظها ثم جاء ليلقيها.

    حتى انتهى والناس كلهم مبهورون, فقال الخليفة لولده: أهذا المنذر بن سعيد؟ قال: بلى هذا هو يا أبي, قال: والله إن صنيعه هذا ليستحق أن يثاب عليه، فذكرني بحاله فإنه لا ينقطع عن مَحْمَد, والله إن كان قد أعد هذه الخطبة وتوقع أن يحصل مثل هذا الموقف إنه لذكي, وإن كان قد ارتجل هذه الخطبة من ساعته إن ذلك لأشد عجباً, ومن ذلك الوقت والخليفة معجب به، فولاه الصلاة في المسجد وولاه الخطبة، ولما توفي قاضي الجماعة بـقرطبة جعله قاضياً بدلاً عنه فأصبح كبير القضاة بـقرطبة، وأصبح خطيباً بجامعها الكبير وإمام جامعها الذي فيه الخليفة نفسه.

    كانت هذه بداية اتصاله بالخليفة, وظل معه إلى أن توفي.

    1.   

    الخصائص والصفات التي امتاز بها سلطان الأندلس

    له مواقف سوف أتحدث عن شيء منها وهي تثير العجب، وقبل أن أسترسل في ذكر مواقفه, أشير إلى بعض الصفات والخصائص التي ميزه الله تبارك وتعالى بها.

    الزهد والورع والتقوى

    من أعظم خصائصه وصفاته: الزهد والورع والتقوى والنسك والإقبال على العبادة, فكان يميل -رحمه الله- إلى طرق الفضائل، ويوالي أهل الخير والعبادة والتقى, ويلهج بذكر الصالحين, وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم, كثير الاستشهاد به حتى كأن الآيات بين ناظريه, يأخذ الآية فيضعها في موضعها المناسب للاستشهاد, ويسرد الآيات المتشابهة في موقف واحد, لا يعجزه بإذن الله تعالى من ذلك شيء, وذلك لكثرة تلاوته للقرآن, ومع ذلك كان مزدرياً لنفسه محتقراً لها, خطب يوماً على المنبر فأعجبته نفسه وحسنت في عينه خطبته, فأقبل على نفسه يقول: حتى متى يا نفس أعظ ولا أتعظ؟! وأزجر ولا أزدجر! أدل الطريق على المستدلين وأبقى مقيماً مع المتحيرين, إلى متى هذا؟ إن هذا لهو الضلال المبين, إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف:155] ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم فرغني لما خلقتني له, ولا تشغلني بما تكفلت لي به, ولا تحرمني وأنا أسألك, ولا تعذبني وأنا أستغفرك, يا أرحم الرحمين.

    يقول في بعض شعره -رحمه الله- يخاطب نفسه:

    كم تصابٍ وقد علاك المشيب      وتعامٍ عمداً وأنت اللبيب

    كيف تلهو وقد أتاك نذير          أن كأس الحُمَام منك قريب

    يا سفيهاً قد حان منه رحيل     بعد ذاك الرحيل يوم عصيب

    إن للموت سكرة فارتقبها          لا يداوي إذا أتتك طبيب

    كم توانٍ حتى تصير رهيناً          ثم تأتيك دعوة فتجيب

    ليس من ساعة من الدهر إلا     للمنايا بها عليك رقيب

    ولذلك كانت له كرامات تذكر, ومن كراماته ما ذكره الإمام أبو محمد بن حزم العالم المشهور عن الحكم بن المنذر ابن هذا الجليل, يقول عن والده: أنه خرج في الحج إلى مكة المكرمة مع رفقة من أهل الأندلس, فلما كانوا في عرض الصحراء تاهوا في الطريق ضلوا وضاعوا, ولم يكن معهم طعام ولا شراب, حتى بلغ بهم العطش مبلغه, وقربت منهم المنية, قال: فأووا إلى كهف في الجبل ينتظرون فيه الموت, فوضع المنذر بن سعيد رأسه على طرف الجبل, فوجد إلى جواره صخرة ناتئة مرتفعة, وعالجها بيده فنـزعها فغار الماء فشربوا عن آخرهم، فأنقذهم الله عز وجل من الموت بسبب العطش كانت هذه من كراماته، وله كرامات مشهورة مذكورة, فإن الله عز وجل إذا علم من عبده الصدق, إذا حفظ العبد ربه حفظه الله, كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس في وصيته المشهورة: {احفظ الله يحفظك}.

    العدل

    من خصال هذا الرجل -أيضاً- العدل, فإنه كان قاضياً وظل قاضياً زماناً طويلاً في عهد عبد الرحمن الناصر، ثم في عهد ولده بعد ذلك, ومع هذا كله فإنه لم يحفظ عليه قضية جور واحدة, في قضائه كله, ولا عدت عليه غفوة أو زلة, وقد استعفى من القضاء مراراً يطلب من الخليفة أن يعفيه من القضاء, فكان يرفض ذلك ويصر عليه.

    شجاعته في الحق

    من أهم وأعظم خصائصه وخصاله أنه كان صلباً في الحق, شجاعاً لا يهاب ولا يخاف في الله تعالى لومة لائم, وكان مهيباً تقشعر النفوس والقلوب لمرآه, ولذلك يقول عنه بعض المؤلفين: كان لا يراقب غير الله عز وجل في استخراج الحقوق ودفع المظالم ورفعها، أي: لا يأبه بسلطان ولا كبير ولا صغير, إذا علم أن هناك رجلاً مهضوماً مظلوماً سارع إلى رد المظلمة، وأخذ حقه واستخرجه بكل وسيلة سواء كان الذي ظلمه كبيراً أو صغيراً غنياً أو فقيراً مأموراً أو أميراً, لا يهاب في الله لومة لائم.

    وإلى جوار ذلك كان خطيباً مفوهاً يهز أعواد المنابر، حتى إنه كان أخطب أهل زمانه, له إشراقة في البيان، وقوة في الحجة، وبسطة في العلم والجسم، وجهارة في الصوت، وثباتٍ في العقل وحسن ترسل, فكان آية من آيات الله تعالى في قوة الخطابة وفصاحة العبارة.

    يقول الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- يقول: إن الإمام المنذر بن سعيد خرج يوماً من الأيام وكان قاضياً -كما ذكرت لكم- والقاضي لا يسلم من وجود أعداء ومناوئين ممن حكم عليهم أو أخذ الحق منهم، وقد يكون البعض له شأن ومكان, وكان مثله لا يكاد يخرج إلا معه حرس, أما المنذر بن سعيد فإنه كان يخرج كثيراً, فرآه رجلاً صالحاً يوماً من الأيام على دكان المسجد في آخر الليل, قد خرج لقيام الليل أو الصلاة أو نحو ذلك, فقال له: يا إمام! إنك لمغرور بنفسك وفي الناس المحكوم عليه -أي: الذي حكمت عليه- وفيهم رقيق الدين، وأنا أخشى عليك, وكيف تفعل ذلك؟ فقال المنذر بن سعيد لهذا الرجل: ويحك أنىّ لي لمثل هذه المنـزلة أنىّ لي بالشهادة, إنني لأتمنى الشهادة وأتوق إليها, لكن هيهات هيهات لمثلي أن ينالها! ثم قال: إنني لا أخرج لأعرض نفسي لذلك, ولكني أخرج متوكلاً على الله تعالى, وأنا أعلم أني في ذمته, فاعلم يا هذا أن قدر الله تعالى نافذ لا محيد عنه ولا وزر دونه, وهذا يذكرنا بالقصة التي حصلت للعز بن عبد السلام وقد سبق أن ذكرتها في موضوع (سلطان العلماء) فإن كلاً من الرجلين قد طلب الشهادة وتاقت نفسه إليها, وتعرض لها في غير موضع.

    العلم

    الخصلة الرابعة من خصاله: العلم, فكان بحراً لا يدرك ساحله في سعة العلم بالقرآن الكريم، وله في ذلك مصنفات مثل أحكام القرآن وغيرها, وكان كثير الاستشهاد بالآيات، كثير التلاوة لكتاب الله عز وجل, وكذلك كان فقيهاً كبيراً، وكان ينتحل مذهب داود بن علي الظاهري فكان فيه ظاهرية, ولعله أول من نقل مذهب الظاهرية إلى الأندلس, ومع ذلك كان يحكم بمذهب مالك لأنه كان هو المشاع المنتشر في الأندلس, وإلى هذا وذاك كان له اجتهادات فقهيه واختيارات وآراء في أمور كثيرة إضافة إلى علمه باللغة العربية, وهو الذي نقل كتاب العين للخليل بن أحمد إلى بلاد الأندلس بالرواية, وأوصله إليهم كما نقل كثيراً من كتب الفقه ككتاب الإشراق لـابن المنذر نقله إلى بلاد الأندلس , وهو كتاب في مذاهب الفقهاء.

    ومن طرائف ما يروى عنه في معرفته باللغة والأدب والشعر أنه التقى برجل يقال له: أبو جعفر النحاس بـمصر, فكان أبو جعفر هذا يملي على طلابه شيئا من الشعر والعلم, فأملى عليهم قول الشاعر:

    خليلي هل بـالشام عين حزينة     تبكي على نجد لعلي أعينها

    قد أسلمها الباكون إلى حمامة     مطوقة باتت وبات قرينها

    تجاذبها أخرى على خيزرانة     يكاد يدانيها من الأرض لينها

    فقال له الإمام المنذر بن سعيد يا شيخ: قولك "باتت وبات قرينها" باتت يصنعان ماذا؟ يعني ينكر عليه ليست (باتت) فقال: إذاً ما هو البيت؟ قال: "بانت وبان قرينها" بانت، يعني: أبعدت وشط بها النوى, نوت، أي: ابتعدت عن قرينها, فأعجب به الإمام أبو جعفر النحاس وأدناه حتى جعله قريباً منه, هذه بعض خصال الإمام وبعض فضائله.

    1.   

    مواقف سلطان الأندلس

    أما مواقفه فحدث ولا حرج, لعل الحديث عن مواقفه يطول ولعلها عجب من العجب, ولعلنا أحوج ما نكون في هذه الأيام التي ادلهمت الخطوب على المسلمين واختلط فيها الحابل بالنابل, والخطأ بالصواب, والحق بالباطل, وضل كثير من الناس عن سواء السبيل, وأصبحوا لا يعرفون بعض أصول عقائدهم، لا يعرفون مثلاً قضية الولاء والبراء, وأنها أصل من أصول عقائد أهل السنة والجماعة, ولا يعرفون قضية الفرق بين الشرع والسياسية، وبين الشرع والقانون, لعل المسلمين أحوج ما يكونون إلى تذكر مثل هذه المواقف، لعل الله أن يبعث من المسلمين من يجدد لهم مثل هذه المواقف الفذة.

    يقول المنذر بن سعيد متحدثاً عن مواقفه وشجاعته:

    مقالي كحد السيف وسط المحافل          أميز به ما بين حق وباطل

    بقلب ذكي قد توقد نوره كبرق          مضيء عند تسكاب وابل

    فما زلقت رجلي ولا زل مقولي          ولا طاش عقلي عند تلك الزلازل

    وقد حدقت حولي عيون اخالها          كمثل سهام أثبتت في المقاتل

    يشير إلى أنه إذا صعد المنبر لا يهاب من الناس وكثرتهم ونظرهم إليه، ولا يبالي من كان يستمع إليه كبيراً أم صغيراً, له مواقف عجيبة.

    موقفه مع الخليفة عبد الرحمن الناصر من أجل بناء الزهراء

    أول هذه المواقف ذكره في تاريخ قضاة الأندلس وغيره, ذكر عن عبد الرحمن الناصر الخليفة أنه كان -كما أشرت- مهتماً بالعمارة وإقامة المعالم وتشييد الدور وتخليد الآثار, من ذلك أنه بنى مدينة الزهراء واستفرغ وسعه في تنميقها وتعميرها وإتقان قصورها وزخرفة مصانعها, وتشييد مبانيها بشيء عظيم, حتى إنه ترتب على هذا العمل أن عبد الرحمن تأخر عن صلاة الجمعة ثلاث جمع -أي ثلاثة أسابيع متواليات- لا يصلي الجمعة مع المنذر بن سعيد مشغولاً ببنائها وعمارتها, فصلى معه بعد ذلك، فأراد القاضي أن يعظه ويغض من غروره وكبريائه, فتناوله في أحد الجمع بالموعظة من المنبر، وقرأ أمامه في بدأ الخطبة قول الله عز وجل يخاطب هذا الحاكم وهذا السلطان: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الشعراء:128-138] وقرأ قوله تعالى: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء:77] وقوله تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر:39].

    ومضى بلهجته المعتادة وشجاعته وقوته في ذم الدنيا وذم تشييد البناء والاستغراق في الزخرف والإسراف فيه، وتلا قول الله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:109-110] وأتى بما يشاكل هذا المعنى ويقاربه ويوافقه من التخويف بالموت، وأن الموت قد يفاجئك بكرة أو عشية, وذكر بالدنيا وسرعة زوالها والزهد فيها والرغبة في الآخرة والإخلاد إليها, والطمع فيما عند الله عز وجل، وأسهب في ذلك وأضاف ما حضره من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن السلف والأقوال عن الحكماء والشعراء وغيرهم، حتى إن الناس بلغ بهم التأثر مبلغاً وضجوا وبكوا ونشجوا ودعوا وارتفع الصياح في المسجد, وكان للخليفة من ذلك قدر كبير, فإنه أقبل على نفسه وأجهش بالبكاء، وبدأ يمسح دموعه ويتضرع ويبتهل إلى الله عز وجل, ثم انتهت الصلاة فخرج الخليفة، فوجد في نفسه على المنذر بن سعيد بعدما تأثر بخطبته إلا أنه وجد عليه شيئاً، أنه قد قسى وأغلظ له القول, وبالغ في تقريعه, فشكا الخليفة هذا لولده, -الخليفة كان له ولد اسمه الحكم تولى بعده- فشكا الخليفة لولده ما لقيه من المنذر وقال: والله لقد تعمدني بالكلام، ووالله ما عنى بهذا الكلام غيري, وقد أسرف عليّ, وأفرط في تقريعي وذمي وتوبيخي، وما وفق إلى الطريقة المناسبة في نصحي وإرشادي وتوجيهي, فماذا صنع الخليفة؟

    الخليفة أمام عالم قد تكلم عليه على رءوس المنابر وعلى رءوس الأشهاد، وأدبه ووبخه وقال كلمة الحق حرة قوية نـزيهة, لا يمنعه من ذلك خوف أن يبعد عن منصبه أو يفصل عن القضاء أو يبعد عن الخطابة ولا أن يسجن أو يقتل, لأن هذه الأمور كلها بالنسبة للمسلم المؤمن التقي لا تعني شيئاً, بل بالعكس هي أمور هو يسعى إليها, كما كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري حيث ما ذهبت فهي معي لا تفارقني! أنا قتلي شهادة، وسجني خلوة، ونفيي وإخراجي من بلدي سياحة، فماذا يصنع بي أعدائي؟".

    أعيتهم الحيلة ما لهم حل! كل شيء يصنعونه به فهو عز ورفع لقدره.

    فلذلك لم يأبه المنذر بكل هذه المخاوف ووضعها تحت قدميه, وأقبل على الخليفة وعلى الناس ينصح مثل هذه النصيحة البليغة المؤثرة, فماذا كان موقف الخليفة؟ قال لولده هذا الكلام, ثم أقسم أن لا يصلي الجمعة خلفه, هذا عقابه, أقسم أن لا يصلي الجمعة خلف هذا الإمام, وجعل يصلي وراء خطيب آخر في قرطبة, يقال له: أحمد بن مطرف, إذا جاء وقت صلاة الجمعة ركب الخليفة وذهب أبعد من المسجد هذا, ذهب بعيداً ليصلي وراء أحمد بن مطرف, وترك الصلاة بـالزهراء, فقال له ولده الحكم: يا أبتي! ما الذي يمنعك أن تعزل هذا الخطيب حتى تذهب وتصلي في المسجد القريب منك, فقال له بعدما زجره وانتهره ووبخه، وقال: أمثل منذر بن سعيد في فضله وعلمه ونبله وتقواه يعزل؟ لا أم لك -يقول لولده: لا أم لك، يدعو عليه- وهل أعزل مثل هذا العالم الجليل لإرضاء نفس ناكبة عن الحق, يقول: أنا المخطئ ليس هو, هذا لا يكون أبداً وأنا حي, وإني والله لأستحي من الله عز وجل أن يكون بيني وبينه، في الصلاة غير المنذر بن سعيد؟؟ ولكنني غضبت وحلفت, وإن وجدت سبيلاً إلى أن أكفر عن يميني وأعود لأصلي خلفه فعلته إن شاء الله وسيظل المنذر بن سعيد خطيباً وإماماً وقاضياً لنا مدة حياتنا وحياته حفظه الله وأبقاه.

    هكذا كانت مواقف هؤلاء الحكام مع أولئك العلماء؛ لأنهم يعرفون أن الذي يقول كلمة الحق هو الناصح, وأن الغاش حق الغش هو الذي يداهنهم، وهو الذي يجاملهم ويزين لهم باطلهم, ويسكت على فسادهم لأنه قد رآهم على ما يسخط الله عز وجل ويكون سبباً في زوالهم ووقوعهم في قبضة عدوهم فلم يغير عليهم ولم ينكر عليهم, هذا موقف من مواقفه العجيبة.

    موقف آخر

    موقف آخر له, قريب وشبيه بهذا الموقف, دخل على عبد الرحمن الناصر مرة أخرى بعد أن فرغ من بناء الزهراء أيضاً وقصورها, وبعد أن حصل له الموقف السابق، وقد قعد الناصر في قبة ضخمة كان يسمونها القبيبة؟ لأنها كانت خاصة بالخليفة, وقد جعل قراميدها من الذهب وطلاها بالذهب، وجعل على البناء البديع الذي لم يسبق إليه, وكان مع الناصر جماعة من الأعيان والوزراء والأمراء, فقال لهم: هل بلغكم أن أحداً من الملوك في التاريخ كله بنى مثل هذا؟ يقوله فقالوا: كلا والله يا أمير المؤمنين! ما سمعنا ولا رأينا ولا بلغنا أن أحداً بنى مثل هذا البناء, وإنك قد أتيت بما لم تستطعه الأوائل, وظلوا يقولون مثل هذا الكلام الذي تعود الأمراء والملوك والخلفاء أن يسمعوه ممن حوله, والقاضي مطرق لا يتكلم وقد طأطأ رأسه فاستنطقه الخليفة, قال: ما لك ساكت، تكلم ما رأيك؟ هل رأيت مثل هذا البناء؟ فدمعت عيونه رحمه الله وأجهش بالبكاء ثم انحدرت الدموع على لحيته وخده, وقال للخليفة بلسان واضح ولهجة صريحة قال: والله ما كنت أظن أن الشيطان يبلغ بك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه من قيادك هذا التمكين، مع ما آتاك الله تعالى ومع ما فضلك به, حتى أنـزلك الشيطان منازل الكافرين -عبارة قاسية غليظة جارحة- فاضطرب الخليفة وغضب، وقال: انظر ما تقول! كيف أنـزلني منازل الكافرين؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! يقول الله عز وجل: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35] فوجم الخليفة وبكى وقال: جزاك الله خيراً، وهاهنا مواقف الخلفاء فعلاً مواقف عجيبة, جزاك الله خيراً وأكثر الله من أمثالك, ووالله إن الذي قلته لهو الحق، وأمر بنقل هذه القبة التي بنيت بالذهب، وأن تعاد وتبنى تراباً كما بني غيرها من القباب, وهذه القصة ذكرها الذهبي في السير, وذكرها ابن الأثير في الكامل، وفي تاريخ قضاة الأندلس وفي غيرها من المصادر.

    ما يستفاد من هذه المواقف

    في هذين الموقفين عدة وقفات:

    أولاً: تغيير المنكر سراً وعلانية:

    حال العلماء, وأن علماء هذه الأمة كان منهم عبر العصور كلها, من يتعمد الخليفة إذا وقع في المنكر علانية, فكان ينكر عليه علانية, فمن أسر في المنكر أسررنا له في الإنكار, ومن أعلن أعلنا له, وليس صحيحاً أن يعلن المنكر ويشاع ويذاع ويتسامع به الناس قاصيهم ودانيهم, ثم يطلب من الإنسان ألَّا ينكر إلا خفية وإلا سراً, بل كان العلماء يتعمدون أن المنكر إذا كان مشهوراً معلناً معروفاً للناس فإنه لا بد أن ينكر علانية, أرأيت منكراً يذاع مثلاً في إذاعة أو في جريدة أو في شاشة ويسمعه مئات الألوف بل ملايين, كيف يمنع عالم أو داعية أن ينكره؟ وقد يكون الذين يستمعون إلى هذا العالم أو الداعية بالنسبة لمن رأوا المنكر قليلاً من كثير وغيضاً من فيض.

    فكان العلماء يتعمدون المنكرات المذكورة المشهورة المعلنة, فينكرونها علناً لئلا تغتر الأمة, لأن الأمة لو رأت المنكر يقع والعالم يسكت ظنت أنه مباح, وطالما استشهد كثير من الناس بأن شيئاً من المنكرات مباحاً أو حلالاً لأنه موجود وما أنكره أحد ولا سمعنا من انتقده.

    وكم من إنسان استحل الربا أو الغناء أو التدخين أو الصور الخليعة، أو غيرها من المنكرات, بحجة أنها موجودة بلا نكير ولا أحد يقوم بتغييرها أو الحديث عن تحريمها.

    ثانياً: الوقفة الثانية: ميزة العلماء عن غيرهم:

    إن كثيراً من العلماء وخاصة أولئك الذين جعلهم الله قوامين بالحق شهداء لله, شهداء بالقسط ناطقين بالصدق محيين لما دُرس من أمر النبوة, أولئك العلماء إنما تميزوا بأنهم تخلوا عن الدنيا وزخرفها ومناصبها, فما عادت الدنيا زهرة في عيونهم, ما بالوا بها جاءت أم ذهبت, همّ أحدهم أن يُرضي الله عز وجل ولو أسخط الناس, وأن يقول كلمة الحق ولو خسر ماله أو منصبه أو حتى حياته وليس ذلك بخسارة, فإن هذا هو عين الربح، أرأيت من فارق هذه الدنيا ثم أفضى إلى إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] هل يقال عنه: إنه خسر الدنيا؟ بل هذا والله باع الفاني بالباقي, وباع الخزف بالذهب, وباع دنياً لا خير فيها ولا قرار لها بآخرة وجنة عرضها السماوات والأرض.

    يقول أحدهم:

    أمتّ في الله نفساً لا تطاوعني     في المكرمات لها في الشر إسرار

    وبعت لله دنياً لا يسود بها          حق ولا قادها في الحكم أبرار

    وإنما جزعي في صبية درجو      غفل عن الشر لم توقد لهم نار

    قد كنت أرجو زماناً أن أقودهم     في المكرمات فلا ظلم ولا عار

    واليوم سارعت في خطوي إلى      كفنٍ يوماً سيلبسه برٌ وكفار

    بالله يا صبيتي لا تهلكوا جزعاً     على أبيكم طريق الموت أقدار

    تركتكم في حمى الرحمن يكلؤكم     من يحمه الله لا توبقه أوزار

    قد يخاف أحدهم على أولاده من أن يربَّوا على غير الإسلام أو يقادوا إلى غير الفضيلة, فيستودعهم الله عز وجل, ثم يلتفت إلى من حوله من الأقارب والأهل والجيران، فيقول لهم:

    وأنتم يا أهيل الحي صبيتكم     أمانة عندكم هل يهمل الجار

    إن العالم الذي تحرر من الدنيا وتمرد على قيودها وأوهاقها ليس في فمه ماء، فهو يقول الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

    ويعجبني أن أذكر لكم في هذا المجال والمقام قصة طريفة جداً لعالم من علماء الشام, يقال له: الشيخ صالح العقاد, جاءه الباشا وهو في الجامع الأموي جالس بين طلابه ماداً رجله, وكانت في ركبته ألم, فكان إذا جلس في الحلقة مدّ رجليه, والطلاب محيطون به محدقون من حوله وكان عالماً جبلاً لا يأخذ الدنيا ولا يقبلها, فجاء هذا الأمير أمير الشام من قبل الأتراك, ودخل المسجد وكان معه شرط وأعوان وجلاوزة وخدم وحشم وهيلمان وأصوات وإزعاج ونشيج وضجيج, فلما أقبل بدأ الطلاب يتلفتون وينظرون, أما هذا العالم فظل على درسه مقبلاً على شأنه, معرضاً عن هذا السلطان القادم, وبدأ يتكلم في أمور تتعلق بالأمير والنصيحة وهو لا يلتفت ولا ينظر إليه, وهو على حاله ماداً رجله, وقف السلطان ثم وقف ثم وقف حتى ملّ! ولم يلتفت إليه هذا العالم, فبعد أن ذهب إلى القصر بعث إليه بذهب كثير, وقال لأحد خدمه وعبيده: خذ هذا فادفعه للشيخ فلان, فلما جاءه وهو في حلقته مد إليه هذا الذهب وقال: هذه صلة من الأمير, قال له: سلّم لي على الأمير, وقل له: إن الذي يمد رجله لا يمد يده, الذي ظلت رجله ممدودة وأنت واقف عنده هذا لا يمد يده يستجليك ويأخذ منك, لأنه أكبر من أن يأخذ شيئاً من الدنيا, ولذلك ليس في فمه ماء, إذا رأى الخطأ قال هنا خطأ ولا يبالي, لأنه لن يخسر شيئاً.

    مواقف السلاطين من العلماء

    العبرة الثالثة هي مواقف السلاطين من العلماء, إن المناصب الدينية على سبيل المثال كالقضاء مثلاً, والخطابة والإمامة وغيرها, كانت طيلة عهود التاريخ مناصب شرعية, ولم يكن الحاكم أو الخليفة يتجرأ أن يبعد إماماً أو خطيباً أو قاضياً أو عالماً بسبب مواقفه وجرأته في الحق, بل بالعكس من ذلك يؤيده ويسدده ويوفقه على ذلك, ولهذا ترون أن عبد الرحمن الناصر قد عاتب ولده الحكم لما طلب منه أن يبعد المنذر عن خطابة الجامع, عاتبه على ذلك وقال: أمثل المنذر لا أم لك يبعد لإرضاء ناكبة عن الحق, هذا ما لا يكون أبداً.

    فكانوا يعتقدون أن العالم هو من أولي الأمر، كما قال الله عز وجل: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ليست هذه الأشياء منه يمن بها عليه, ومنحة يعطاها فإذا لم يرض عليه سحبت منه! كلا أبداً, العالم هو قوام الأمة، وهو زينة الحياة، وهو السفير بين الحاكم وبين الناس, فإن الناس أطاعوا الحاكم بطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, والعالم كان هو السفير بين الحاكم وبين رعيته, يأمر الناس بالطاعة وينهاهم عن المعصية, ويأمرهم بالاعتدال, ويحثهم على التعقل وإدراك الأمور حق إدراكها, ومعرفة الطريق السليم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفي مقابل ذلك يحتسب على السلاطين فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, ويبين لهم كلمة الحق، ويأمرهم بأن يعطوا الناس حقوقهم وأن يبتعدوا عن الظلم, والاستبداد وأخذ حقوق الناس والطغيان, وغير ذلك من المعاصي التي قد توجد في الراعي أو الرعية.

    فالعالم هو القسطاس الذي وضعه الله تعالى حافظاً لهذا الميزان, فليس العالم مجرد أداة في يد عبد الرحمن الناصر أو غيره, بل كان مستقلاً له ثقله ومكانته ووزنه، ولم يكن لـعبد الرحمن الناصر أو غيره أن يتجرأ بأن يزيل هذا العالم لسبب أو لآخر, كل ما يملك هو: والله لا أصلي بعده أبداً, هذا أقصى ما يستطيعه, أما أكثر من هذا فلا يمكن, مجرد أن يترك الصلاة وراءه.

    من مواقف السلطان عبد الرحمن الناصر

    هناك نوع آخر من مواقف هذا الرجل لا بد من ذكرها والتعريج عليها:

    الأندلس -كما تعرفون- كانت أرضاً خصبة خضراء, وكانت من أحسن وأفضل وأجمل بلاد الدنيا, وفيها من الأشجار والأنهار والمياه والخيرات ما لا يوجد في غيرها, وكانت تحتاج إلى الأمطار كثيراً.

    ولذلك كثيراً ما كان المسلمون يستسقون ويستمطرون المطر من الله عز وجل, فيقيمون صلاة الاستسقاء, ولذلك أمر الخليفة عبد الرحمن الناصر يوماً من الأيام الإمام المنذر بن سعيد أن يخرج ليستسقي بالناس في يوم من الأيام, فخرج المنذر بن سعيد واستسقى فمطروا ونـزل المطر, ما خرجوا من المسجد أو من مكان الصلاة وذهبوا إلى بيوتهم إلا ونـزل غيث عظيم, بسبب أن هذا الرجل كان صادقاً مع الله عز وجل, مخلصاً للخاصة والعامة فاستجاب الله تعالى دعاءه.

    مرة أخرى تكررت العملية وأصبح عبد الرحمن الناصر كلما طرأ عليه, قال: اذهبوا إلى المنذر بن سعيد يستسقي قال المنذر بن سعيد للرسول الذي جاءه: ماذا يصنع الخليفة الآن؟ أي أن الخليفة يطلب منا الاستسقاء, فماذا يصنع هو الآن؟ قال الرسول للمنذر: إن الخليفة الآن قد لبس أخشن الثياب وافترش التراب, وأخذ التراب فوضعه على رأسه ووجهه ولحيته وبكى بين يدي الله عز وجل, واعترف بذنوبه وإني سمعته بأذني يقول: يا رب! هذه ناصيتي بيدك أتراك تعذب عبادك يسبني! يا رب إني لا أعجزك ولا أفوتك, فارحم عبادك وبهائمك وبلادك, فلما رأى المنذر بن سعيد الخليفة فعلاً قد غير وأصلح وتاب وأقبل على الله عز وجل وأناب وصدق مع ربه عز وجل, قال: يا غلام! احمل الممطرة الشمسية التي تقي من المطر ومن الشمس فقد أذن الله عز وجل بسقيانا, إذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء, وخرج واستسقى, فلما صعد المنبر ورأى الناس قد شخصوا إليه بأبصارهم يرمقونه وينظرونه غلبهم البكاء، فقال: سلام عليكم, ثم وقف شبه الحبيس محصوراً كأنه لا يستطيع أن يتكلم, مع أن هذا لم يكن عادته, ثم بكى ثم استرسل يقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:54] ثم ظل يكررها حتى ضج الناس بالبكاء والتوبة ثم تمم الخطبة فسقي الناس وهم في مجلسهم ذاك.

    ومرة ثالثة: خرج يستسقي فلما وقف قال للناس: أستغفر الله، توسلوا بالأعمال الصالحة لديه, وأتم الخطبة فَسُقُوا.

    مرة رابعة: استسقى فقام يهتف بالناس وهو على المنبر وهو ينظر إليهم يمنة ويسره ويشير بأصبعه ويده إليهم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17], فما زال يرددها حتى بكى الناس كلهم, فلما هيج الخلق على البكاء بدأ يدعو بهم فأمطروا.

    ومن طريف ما يذكر أنه بعد أن مات -رحمه الله- جاء بعده رجل ليستسقي فخرج للمنبر ودعا وذهب الناس إلى بيوتهم وانتظروا المطر فما نـزل المطر, ثم خرجوا في الأسبوع الثاني فهم الناس بهذا الرجل ليضربوه، فصار لا يخرج إلا بالشرط والأعوان يحمونه من الناس.

    والواقع أن القضية ليست قضية رجل فقط, القضية قضية الأمة حاكمها ومحكومها, عالمها وعامّيها, فإن الله عز وجل يسقي عباده ويستجيب دعاءهم, إذا علم منهم الإقبال عليه والصدق, والخروج من المعاصي والمظالم, والاعتداء على حقوقه وحرماته, وعلم منهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أما إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظلموا وجاروا واستبدوا وبغوا وطغوا، فإنه لو أغاثهم الله عز وجل لكان الغيث فتنة لهم, لأنهم يصرون على ما هم عليه, ويقولون: لولا أن الله رضي علينا لما أغاثنا, فيكون هناك ابتلاء وفتنة لهم, فبرحمته عز وجل يمنع عنهم ذلك حتى يعودوا، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] وقال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45].

    1.   

    العبرة المستفادة من مواقف سلطان الأندلس

    أيها الإخوة.. في هذه القصص الأخيرة أو هذا النوع الآخر من المواقف للإمام المنذر بن سعيد عدة عبر:

    العبرة الأولى

    أن المفزع في الشدائد والنكبات إلى الله عز وجل، وأنه لا ملجأ من الله تعالى إلا إليه, وأن الله تعالى متى علم من عبيده الصدق والإخلاص فإنه لا يردهم خائبين, وهذا ليس خاصاً بقضية المطر والغيث من السماء, بل في كل كارثة أو مصيبة تنـزل بالأمة يجب أن يعلم الناس كبيرهم وصغيرهم, مأمورهم وأميرهم أن المفزع والملجأ لا يكون إلا من الله وإليه, ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده كما روت عائشة وغيره في صحيح مسلم: {اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك, وبعفوك من عقوبتك, وبك منك لا أحصي ثناءً عليك} وقال الله عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ [التوبة:118] والله ما دمنا نعتقد أن لنا ملجأ ومخرج من أزماتنا ومصائبنا سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية أو مادية أو دينية أو دنيوية لا ملجأ من غير الله فإنه لا مخرج لنا إلا أن نتوب إلى الله عز وجل ونصدق في الإقبال عليه.

    العبرة الثانية

    قوة العلماء في الحق, وأنهم لا يهابون لومة لائم، وقد سبق أن أشرت إلى شيء من ذلك, فإنه سأل الرسول ماذا جلس الخليفة يصنع؟ هل أرسلنا نستسقي وجلس مع جواريه وخدمه وحشمه وعبيده, أم جلس في لهوه وسكره؟ قال: لا! بل هو ساجد خاشع لله عز وجل.

    العبرة الثالثة

    هي صلاح الحكام وقرب قلوبهم واتهامهم لأنفسهم, كما رأيتم في موقف عبد الرحمن الناصر حيث عرف أن وقت النكبات والمصائب هو وقت التصحيح, وهذه قضية مهمة جداً أختم بها الحديث.

    إننا أحوج ما نكون إلى أن نصحح أوضاعنا إذا نـزلت بنا المصائب والنكبات, ليس صحيحاً أننا نؤجل ونقول: إذا زالت الأمور وهدأت وصلحت رجعنا, فإن الإنسان قد ينوي نية ثم يغير هذه النية ويقلبها, بل إن العبد إذا رأى من نفسه ما ينكر ورأى من الأوضاع ما يستنكر فإنه لا بد أن يسارع بالتصحيح, وتغيير الأوضاع, والإقبال على الله عز وجل, وإبعاد كل ما فيه حرب لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, وهذا أمر نقوله للعامة وللخاصة على حد سواء, وليس صحيحاً أن يكون دأب الناس وشأنهم في مثل هذه الأوقات هو التلاوم فحسب, كل فئة تلوم الأخرى وكل طائفة تعول على غيرها, وكل إنسان يذم سواه, لننظر أيها الإخوة أقرب ما ننظر في واقعنا نحن, من منا غيَّر أوضاعه؟ من منا صحح أموره؟ من منا أقبل على الله عز وجل؟ من منا أحدث توبة صادقة لله تبارك وتعالى؟ من منا خرج من المظالم؟ من منا وصل رحماً قطعها؟ أو بر بأب قد عقه؟ أو رد مالاً قد أخذه بغير حق؟ أو استعفى أحداً من مظلمة في نفس أو مال أو غيره؟.

    أيها الإخوة.. النكبات اليوم محدقة بالأمة, الأمة اليوم على مفترق طرق وفي أوضاع لا يعلم ما تئول إليه إلا الله عز وجل, فهي أحوج ما تكون إلى أن تراجع نفسها وتقبل على ربها, وتصحح أوضاعها الخاصة والعامة في ذلك على حد سواء, ولا يجوز أن نؤجل أو نُسِّوف هذه الأشياء ونقول: بعد بعد.., فإن العبد لا يدري فقد لا يؤجل إلى بعد! وقد يؤخذ بعقوبة عمل اليوم قبل غد.

    أمرٌ آخر: قد ينوي العبد أن يتوب الآن لكن إذا رجع إلى ما كان عليه في الماضي: نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [الزمر:8] ألم يكن المشركون الأولون إذا ركبوا في الفلك ورأوا الريح العاصفة: وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [يونس:22-23]؟! قد طلب قوم الرجعى فما رجعوا, وقد وَعدَ قوم بالتوبة فما تابوا, فيجب أن يكون العبد من ذلك كله على بال.

    1.   

    الأسئلة

    مواقف الصحابة من السلاطين

    السؤال: لقد أعطيتنا من العلماء مواقف مثيرة في الدعوة أو غيرها, ولكن قصص قصص الصحابة فيها الشيء الكثير من هذا, ونحن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نجهل كثيراً من مواقفهم؟

    الجواب: صحيح أن للصحابة رضي الله عنهم من ذلك مواقف كثيرة, ومن ذلك موقف عائذ بن عمر رضي الله عنه أو معقل بن يسار من عبيد الله بن زياد فإنه جاءه يعوده وهو مريض, فذكره وقال له: [[أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن شر الرعاء الحطمة} فاحذر أن تكون منهم, يخاطب الأمير يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن شر الرعاء الحطمة } الذي يحكم الناس ويجرهم قسراً وقهراً وبالشدة, فاحذر أن تكون منهم, فقال له: اجلس, فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: وهل كانت لهم نخالة, إنما كانت النخالة فيمن جاء بعدهم ]] أي: فيك وفي أمثالك.

    ولـعبد الله بن عمر رضي الله عنه، وأنس بن مالك وغيرهم مواقف مع الحجاج عظيمة, ولـعبد الله بن الزبير مواقف مشابهة, وللحسن بن علي رضي الله عنه، وهي مواقف كثيرة يطول المجال بذكرها.

    كيفية سقوط الأندلس

    السؤال: لو تكلمت كيف سقطت الأندلس؟

    الجواب: هناك دراسات كثيرة لسقوط الأندلس, كتب خاصة، وهناك أيضاً محاضرة للشيخ ناصر بن سليمان العمر, عنوانها: سقوط الأندلس.

    مراجع ترجمة المنذر بن سعيد

    السؤال: يقول: إن سماع قصص مثل هؤلاء الرجال الأفذاذ تشجيعاً للنفوس وتأثيراً عليها وهذا ما نحتاجه دائماً, نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مقتدين بهم, هلّا ذكرتم بعض الكتب التي نستطيع اللجوء إليها والتي تعنى بمثل هؤلاء الأشخاص؟

    الجواب: بالنسبة للمنذر بن سعيد ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء, وله تراجم في طبقات النحويين, وفي كتب الأندلس, مثل كتاب قضاة الأندلس, ومثل الكامل, وهي كلها تراجم في كتب علماء وأئمة الأندلس, ومثل الذخيرة, وغيرها من المصنفات, وغالباً المصنفات الأندلسية تتكلم عن حياة هذا الرجل.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: شخص يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولكن عنده مخالفات , فهل يجب أن يكون الآمر خالياً من جميع المخالفات, أم أن يأمر وينهى, وهل عليه إثم إن كانت عليه مخالفات؟

    الجواب: أبداً يجب عليه أن يأمر بالمعروف وإن قصّر فيه, وينهى عن المنكر وإن ارتكب شيئاً منه.

    ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب     فمن يعظ العاصين بعد محمد

    كل امرئ منا يجب عليه أربعة أشياء:

    1- أن يفعل المعروف

    2- أن يأمر به.

    3- أن يترك المنكر

    4- أن ينهى عنه.

    وتقصيره في واحدة من هذه الأربع لا يسوغ له التقصير في غيرها.

    الخلاف في المسائل الفقهية

    السؤال: المسائل الفقهية التي فيها خلاف 95% تقريباً, فما المخرج من ذلك؟

    الجواب: أولاً الأمر فيها يسير, وإن وجد الخلاف في المسائل الفقهية, فالمسائل الفقهية ليس فيها هدى وضلال, وإنما اجتهاد مخطئ واجتهاد مصيب, ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد, أما (95%) فما أدري على أي أساس بنيت هذه الإحصائية, فإن المسائل التي أجمع عليها العلماء كثيرة وكثيرة جداً, وقد عدها بعض العلماء بعشرات الألوف من المسائل.

    فإن كان الإنسان مجتهداً نظر في الأدلة, وإن كان عامياً قلد من يثق بعلمه ودينه.

    علاج بغض العلماء

    السؤال: إنني والشكوى لله عز وجل أصبح في قلبي نقص من الحب لكثير من العلماء, فبماذا تنصحونني؟

    الجواب: أنصحك بأن تقبل على قلبك فتعالجه بالعلاج الناجح, فإن محبة العلماء من محبة الله عز وجل, فإن العلماء هم ورثة الأنبياء, والأنبياء والرسل ممن اختارهم الله عز وجل يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله.

    فمن أحب الله عز وجل أحب الأنبياء وأحب ورثتهم وهم العلماء, ومن أبغض العلماء يخشى أن يصل به ذلك إلى بغض من ورثوهم هذا العلم, وإلى نقص في إيمان هذا الإنسان ودينه وولائه, وأما كون الإنسان إذا وجد من عالم خطأً أو أمراً لا يعجبه أبغضه, فهذا لا يسوغ له؛ لأن العلماء ليسوا معصومين ولا ملائكة ولا أنبياء, بل هم بشر من البشر يجتهدون فيخطئون مرة ويصيبون مرات.

    الأمور تقدر بقدرها

    السؤال: ما رأيك بالتصريح بأسماء الذين لهم مواقف ضد هذا الدين؟ ألا ترون أن هذا يزيد الفجوة بيننا وبينهم.

    الجواب: الحقيقة بأن التصريح بأسماء بعض الذين يقفون ضد هذا الدين, سبق أن بينت رأيي في ذلك, أنني أرى أنه من وقف ضد هذا الدين علانية, يجب أن نقف له علانية, ونفضح زيفه وباطله ونتكلم عنه بشكل واضح, لكن بشرط أن نتكلم بناء على معلومات وحقائق وليس بناءً على مجرد أقوال أو إشاعات أو ظنون لا تثبت، أو استفاضة كلام لا دليل عليه.

    إذاً نحن بين أمرين: الأمر الأول: أنه ليس صحيحاً أنه دائماً نحتج بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما بال أقوام } هذا بالنسبة لمنكر لا يدرى من فعله, لكن واحد يأتيني مثلاً يتكلم في جهاز عام أو في صحيفة يطبع منها مائة وعشرين ألفاً وتوزع على الناس, ويتكلم بكلام ينقض عرى الإيمان عروة عروة, أو يهدم العقيدة من أساسها، أو ينال من العلماء أو طلبة العلم أو المشايخ أو الدعوة إلى الله عز وجل, أو يشهر منكر من المنكرات, وأقول لا أصرح به!, لا هذا لا ليس له كرامة, هذا يفضح على رؤوس الملأ باسمه ورسمه وشكله, ما دام هناك وثائق تدينه, هذا جانب.

    وقد كان السلف رضي الله عنهم يتكلمون عن أصحاب المنكرات والبدع بأسمائهم, ولو رجعت إلى كتب الجرح والتعديل مثلاً لوجدت أنهم يقولون: فلان كذاب, فلان وضاع لا يقبل له حديث, وفلان فيه كذا.., وفلان هالك, وفلان متروك, وفلان كذا، وفلان كذا.., ما منعهم الورع من هذا, ولو رجعت إلى كتب المقالات والملل والعقائد لوجدت أن العلماء يقولون: فلان جهمي, وفلان رافضي, وفلان قدري, وفلان مرجئ, وفلان من الخوارج, وفلان فيه كذا.., وقد يتكلمون عن كتبهم ومؤلفاتهم ومصنفاتهم.

    ليس صحيحاً أن تترك الأمة بدون هذه ولا دليل ولا إرشاد, يذهب بها العلمانيون وأعداء الدين, والمنحرفون عن الصراط المستقيم كل مذهب, ونحن نظل نقول: لا تتكلم عنهم, لا، بل تكلّم عنهم واذكرهم بأسمائهم، لكن الشرط الذي لا يمكن التنازل عنه بحال, أنه إياك إياك.. أن تتسرع في الوقيعة في شخص وأنت لا تجد الأدلة الكافية, إذا تجمعت لديك وثائق وأدلة وحقائق وأوراق وأشياء بخطه أو بلفظه أو بنصه أو بكتابته في جريدة أو مقال أو كتاب أو شريط اجمع هذه الأشياء, والأمة اليوم أحوج ما تكون إلى أن تعرف من هو عدوها ومن هو صديقها.

    وكم من عدو أصبح بثياب الصديق الآن, تلبس لبوس الأصدقاء, وتظاهر بمظهر الحدب!!.

    واحسرتاه لقوم غرهم قرم          سعى إليهم بجلد المنقذ الحدب

    حتى إذا أمكنته فرصة برزت     حمر المخالب بين الشك والعجب

    وحارب الدين والإسلام قاهره     وكم خلا مثله في سالف الحقب

    وأعمل الناب لا شرع ولا خلق     في الجسم والنفس والأعراض والنشب

    كم من مثل هؤلاء الذين يتظاهون بالعروبة وبالدين والصلاح والورع والوطنية وهم ضد ذلك, يجب أن تعرف الأمة عدوها من صديقها, لكن يكون ذلك من خلال الوثائق، ثم إذا وجدت وثائق تدين فلان أو علان لا تبالغ تحمل الكلام ما لا يحتمل أو تعطيه أكبر من حجمه, ضعه في الإطار الطبيعي حتى يقول الناس: صدق, لا تدع فرصة لأن يقول أحد: إنك بالغت, أو حملت الأمر أكبر من حجمه أو جعلت من الحبة قبة! لا, نحن نريد أن يخرج الناس وهم يقولون: صدق فلان, هذا هو الحق, وهذا ما يجب أن يسلكه الدعاة إلى الله عز وجل.

    قصيدة للعشماوي

    الدين ليس حكراً على أحد

    السؤال: بعض الناس لا يعترفون بمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, بل يستهزئون به من غير عذر, وخاصة إذا لم يكن من رجال الحسبة, فتأمره بالصلاة يقول: ليس لك علاقة دعني وشأني, هل نستمر في هذا النوع من الناس أم لا؟

    الجواب: في الحقيقة الشيء الذي يطول عجبي -أيها الإخوة- ليس أن يوجد من يقول: دعني وشأني، أو ليس لك دخل بي أو علاقة, هذا أمر طبيعي, الأمة بعيدة عن الله عز وجل تحتاج إلى زمان طويل حتى تعود, لكن الذي أتعجب منه أنه لماذا الشاب الملتزم المتدين دائماً حساس؟! كلما وجد إعراضاً أو كلمة شديدة أو عدم تقبل تضايق من ذلك, واكتئب وابتئس, وربما همّ بترك الدعوة إلى الله تعالى, أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لا يا أخي.. الطريق طويل وفيه أشواك ومصائب، لكن ليس عنه بديل:

    يا إخوتي درب الجنان طويل      وبه المصاعب والمتاعب جمة      لكنما هو ليس عنه بديل

    لا توجد إلا هذه الطريق, فتحمل يا أخي الكلام القاسي, تحمل العبارات السيئة, إياك أن تكون سريع الاستفزاز، الأعصاب جاهزة عندك, أي كلمة جارية أو تصرف أو إعراض أو سخرية أو ضحكة غير مسئولة تجعلك تفقد صوابك وقد تتكلم بـما لا ينبغي.

    نريد من الشباب الدعاة إلى الله عز وجل أن يكونوا مثلاً أعلى في الصبر والتحمل والاحتساب وهدوء النفس والرفق بالآخرين والحدب عليهم, والحلم على أخطائهم وعثراتهم، وألَّا يبدر منك بقدر المستطاع بادرة غضب, أو انفعال أو تهجم أو طيش ومن كان لا يجد من نفسه هذا الأمر هذا الأمر فعليه أن يختصر في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المجالات التي تناسبه, لأن الناس اليوم -وأقولها لكم أيها الشباب بكل وضوح- أعينهم مفتحة جداً, لأن الأمة جربت كل الناس, وكل المذاهب وكل النظريات, فعادت للإسلام الآن, فهم لا يعتبون على شاب يجدونه في مدرج الكرة إذا تصرف تصرفاً أرعن, أو قال كلاماً بذيئاً أو فاحشاً, لا يعتبون عليه لأنهم يقولون: هذا طبيعي! الشيء من معدنه لا يستغرب, هذا ما تربى.

    لكن إذا وجدوا شاباً ملتحياً قصير الثوب يسارع إلى المسجد، ومن طلبة العلم ومن الدعاة ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فتحوا عليه, إذا رأوا منه ما يسر مدحوا وأثنوا وهذه نعمة, لكن إذا رأوا ما لا يسر أو خطأ أو ملاحظة فالناس نقاده, وقد يكبرون الخطأ أحياناً ويستعظمون منك هذا الخطأ.

    ولذلك يا أخي الحبيب إياك أن تُعطِ عن إخوانك الطيبين صورة سيئة، غير حسنة, إياك أن تكون سبباً لأن ينال غيرك ويذم بسبب كلمة صدرت في حال أو انفعال منك لا، اضبط أعصابك وحاول قدر المستطاع أن تكون هادئاً, صحيح نحن لا نقول: إن الشباب الطيبين كلهم يضبطون أنفسهم 100% هم بشر, مهما ضبط الإنسان نفسه قد يفقد أعصابه في موقف من المواقف, لكن فرق بين الإنسان الذي يجاهد نفسه يبذل يحاول، وبين آخر يعرف من نفسه أن أعصابه مفلوتة لا يمكن أن يقبض عليها بحال, فهذا نقول له: ابتعد عن المجالات التي تعتقد أنها تكون سبباً في الإثارة.

    حكم تزكية النفس

    السؤال: لقد قلت إن الإمام المنذر بن سعيد ذكر مواقفه وجرأته ومدح نفسه في بعض القصائد, أليس هذا من تزكية النفس؟ فما رأيك في هذا؟

    الجواب: في الواقع أن تزكية النفس مذمومة إلا في حالات, لا بأس بالتزكية، إذا كان هناك حاجة إليها, فـابن عباس رضي الله عنه كان يقول: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله, وقبله يوسف عليه السلام قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55] وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- لما آذوه واضطهدوه وضيقوا عليه قام موقفاً محموداً مذكوراً في كتبه, قال: من قام بالدين ونصره ومن فعل ومن ومن، وبدأ يتكلم عن جهاده وبلائه رضي الله عنه, لأن الناس تنكروا لذلك فأراد أن يذكرهم بهذا, وأنه ما جلس متفرجاً لما جاء التتار, ويوم أن جاء أعداء الدين، ويوم أن جاء المبتدعة، ويوم أن جاء المضللون, تكلم وقام خير قيام.

    فليس كل ثناءٍ على النفس يعتبر من المذموم, إنما المذموم ما يكون صادر من إعجاب أو غرور أو كبرياء فهذا لا شك أنه مذموم.

    مكانة المنذر بين العامة

    السؤال: لم تذكر مكانة المنذر بالنسبة للعامة وغيره؟

    الجواب: في الواقع أنني لم أقف على كلام يذكر بالنسبة لمكانة المنذر بن سعيد لدى العامة, إلا ما سمعتموه من حضورهم عنده في صلاة الاستسقاء, وتعجبهم منه وسرعة بكائهم إذا وعظ أو ذكر, وقربه من قلوبهم وثقتهم به, واعتقادهم به أنه رجل صالح مستجاب الدعوة بإذن الله عز وجل, وهذا لا شك من الأسباب التي جعلت الحاكم يهابه, ولكن مع ذلك كان الحاكم أكثر هيبة وتقديراً وحباً له من أفراد العامة, لأنه كان أصلح من كثير منهم.

    المذهب الظاهري

    السؤال: فضيلة الشيخ نريد منك أن تعطينا نبذة عن المذهب الظاهري؟

    الجواب: الكلام فيه يطول, وهو مذهب فقهي أسسه داود بن علي الظاهري في بغداد, يعتمد على ظواهر النصوص, ولهم مبادئ وأصول ومن أشهر علمائه الإمام ابن حزم أبو محمد علي بن سعيد بن حزم الظاهري, وله كتاب المحلى وهو أهم وعمدة كتب الظاهرية.

    احتياج الأمة لطلبة العلم

    السؤال: أنت تعلم ما تحتاجه الأمة اليوم من طلبة العلم, فبماذا يبدأ طالب العلم؟

    الجواب: الواقع طالب العلم اليوم محتاج أن يقوم بالدعوة إلى الله تعالى, أهم ما تحتاجه الأمة اليوم بعد صلاح القلب وصلاح النفس الدعوة إلى الله تعالى, أن تقوم بالدعوة إلى الله عز وجل, وأن تتصل بالناس وأن تبين لهم الحقائق، وأن تجعل لهم تصورات صحيحة عن الأمور كلها, وأهم ما نحتاجه أيضاً من طلبة العلم أن يعملوا على كسب الناس وأن يزيلوا الفجوة التي قد توجد أحياناً بين طلبة العلم وبين العامة , أو بين بعض الطوائف, مثل طائفة الشباب المنحرفين أو طائفة بعض الذين لهم أوضاع خاصة, أو حتى الذين في السجون، يجب على طلبة العلم أن يمدوا الجسور مع كل طوائف الأمة, ويتصلوا بهم ويبلغوهم دعوة الله عز وجل, ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر, لأن الأمة الآن أفلست من كل أحد إلا من العلم وطلبة العلم, فأعطونا ماذا عندكم؟ أروا الله عز وجل من أنفسكم خيراً, اصدقوا الله عز وجل, ابذلوا ما تستطيعون, احرصوا على حسن الخلق واللطف في معاملة الناس, وألاَّ يجد الناس عليكم مدخل, وتجنبوا الطيش والتسرع, وإذا هممت بأمر شر فابتعد, وإذا هممت بأمر خير فافعل, وإذا شككت في أمر فاسأل العلماء وطلبة العلم وخطباء المساجد ونحوهم, ممن تثق بهم.

    أتوجه إلى الله جل وعلا, فأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً, وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً, وألا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً, اللهم أصلح سرنا وعلانيتنا, وظاهرنا وباطننا, وكبيرنا وصغيرنا، وذكرنا وأنثانا, إنك تعلم منقلبنا ومثوانا.

    اللهم إنا عبيدك الضعفاء إليك، المفتقرون لديك, اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا, ولا تفضحنا بعيوبنا, اللهم لا تمنع عنا بذنوبنا فضلك, فارحمنا واغفر لنا وأنت خير الغافرين.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك, ويذل فيه أهل معصيتك, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء, اللهم أنقذ هذه الأمة من شر أعدائها, اللهم أنقذنا من شر اليهود والنصارى والشيوعيين والمنافقين والعلمانيين, وسائر أعداء الدين يا أرحم الراحمين.

    اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك, اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم, وندرؤ بك في نحورهم, يا قوي يا عزيز, اللهم يا من فلق البحر لموسى، اللهم يا من قال للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم, اللهم يا من نصر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على قريش في بدر ونصره على الأحزاب ونصره في فتح مكة وغيرها من المواقف يا حي يا قيوم انصرنا على القوم الكافرين, اللهم إنا نستنصرك يا حي يا قيوم, اللهم إننا لن ننتصر بعدد ولا عدة ولا حول ولا قوة ولكننا ننتصر بنصرك وتأييدك يا قوي يا عزيز, اللهم انصرنا اللهم انصرنا وأيدنا وثبتنا, اللهم من أراد بهذه البلاد وأهلها سوءاً فأشغله بنفسه, اللهم انصر من نصر الدين, اللهم واخذل من خذل الدين, اللهم اخذل من عادى أولياءك.

    اللهم اجمعنا على الحق يا رحمن يا رحيم, اللهم إنا نبرؤ إليك من الحول والقوة إلا بك, اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت القوي ونحن الضعفاء, أنت الغني ونحن الفقراء, أنـزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا.

    اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً, فأرسل السماء علينا مدراراً, اللهم لا حول ولا قوة إلا بك, اللهم وفقنا لنتوب يا حي يا قيوم يا قريب يا مجيب.

    اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755785166