إسلام ويب

لقاء مفتوح بجامعة الإمام بالقصيمللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمورٌ مؤسفة يعانيها أهل الفكر وطلاب الجامعات؛ وهو الشعور بالهزيمة والإحباط والتخلف العلمي، الذي يعاني منه المسلمون في قضايا التكنولوجيا وقصورٌ في الاستفادة من الغرب، هذا والمسلمون يملكون كثيراً من الإمكانيات التي يفتقدها الغرب ولكنها نظرة التشاؤم والشعور بالضعف، حتى تسربت إلى أن الغرب قوة لا تقهر وحضارة سرمدية، لكن عزاء أهل الحق أن السنن الإلهية تقف في وجه هذه النظرة، وأن موعود الله أصدق وأبلغ.

    1.   

    نظرة سلبية ومصيبة كبرى

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعـد...

    فنشكر لكلية العلوم الاجتماعية واللغة العربية هذه الجهود الطيبة في مجال النشاط الطلابي، ونسأل الله تعالى أن تحذو الكليات الأخرى حذوها في هذا المضمار الطيب الذي يحتاج إليه الطلاب.

    أيها الأحبة... دارت في رأسي وأنا أسير إلى الكلية عدة أمور أعتقد أن الحديث فيها مهم، وشعرت بأن الوقت قصير، فهو لا يكاد يتجاوز نصف ساعة فماذا على الإنسان أن يقول في نصف ساعة من خلال عامٍ دراسيٍ كامل؟ إن الهموم والقضايا التي تحتاج إلى محادثة بيننا، ومشاجاة ومناجاة كثيرةٌ جداً.

    أحبتي الكرام: أليس مما يؤسف له أننا نجد الجامعات في العالم منطلقات للوعي الاجتماعي، والتربية والإصلاح وقيادة الأمة، من الناحية الفكرية، وغيرها، ومن الناحية العملية، وأن طلاب الجامعات في بلاد الدنيا يعتبرون من أهم الطبقات، التي يتنافس أصحاب الفكر إلى الوصول إلى عقولهم، في الوقت الذي نجد فيه طلاب الجامعات في عددٍ من البلاد الإسلامية، لا يعدون أن يكونوا مجرد قراء ثم يتخرجون من الجامعة مجرد كتبة، هذه النظرة تعتبر مصيبة كبرى في الواقع على الجميع، لأن المجتمع يبدو أنه يكوِّن لدى الطالب، بل لدى الإنسان سواء كان طالباً، أو متخرجاً، أو أستاذاً أو أي شيءٍ آخر، يكوِّن لديه شعوراً بعدم الثقة بالذات، وعدم القدرة على الإبداع، وعلى ممارسة الجهود والواجبات الملقاة عليه، ولذلك فنحن بشكلٍ مستمر لا أقول فقط كطلاب جامعة، بل نحن بوضعنا مسلمين، ونحن بوصفنا من البشر نمارس هروباً دائماً من مشكلاتنا، ونمارس تخلياً مستمراً عن مسئولياتنا، ولو أننا ونحن نتكلم في أوساطٍ علمية متخصصة لو أننا عملنا استبيانات لقراءة عقول الشباب، وماذا يحملون في رءوسهم، وكيف ينظرون إلى الأمور، وكيف يفكرون، وكيف يحللون الأحداث، لوجدنا أن كثيراً جداً من يعتبر نفسه خارج الدائرة، وأنه ليس له أي تأثيرٍ في وجود، الأحداث وليس له أي تأثيرٍ في دفعها، سواءً في ذلك الأحداث الكبرى العالمية، أو الإقليمية، أو الأحداث المحلية، أو حتى الأحداث البيتية، فلو تأتي إلى إنسانٍ تحدثه عن مشكلةٍ في داخل البيت، سيفاجئك ويقول لك: يا أخي أنا ليس لي دور في الموضوع مطلقاً، هذا القرار بيد والدي أو بيد والدتي، أو بيد أختي أو بيد أخي، وأنا في الواقع لا أملك أي شيء حتى وهو قرارٌ يخص بيته، أما إذا كان أمراً يتعلق بمجتمعه أو ببلده، أو بإقليمه أو بأمته فهو أبعد من أن يشعر بأنه مشاركٌ فيه.

    تطور النظرة السلبية

    هذه النظرة السلبية تطورت، وصرنا نقول أحياناً: لماذا نعالج قضايانا العامة؟ ما دمنا أصفاراً على الشمال كما يقال، ليس لنا تأثيرٌ في وجود الأحداث، كما أنه ليس لنا تأثيرٌ في إزالتها ودفعها، أو تقليلها على الأقل، فلماذا نعالج قضايانا؟! يسمعك إنسان مثلاً وأنت تتحدث عن قضية مزمنة، وهي قضية التخلف العلمي في العالم الإسلامي، بحيث أن العالم الإسلامي حتى الآن لم يستطع ولو أن يستورد -كما يقال- (التكنولوجيا) من الغرب، في الوقت الذي استطاع فيه اليهود وهم حفنةٌ لا يقاس عددهم بأصغر دولةٍ إسلامية أو عربية، استطاعوا أن يقطعوا في هذا المضمار شوطاً بعيداً.

    عجز المسلمين مع كثرة الإمكانيات المادية

    إن المسلمين والعرب، لم يستطيعوا أن يستوردوا من هذه الأسرار المهمة في مجال التسليح والتصنيع، ولا يزالون قاعدين في مكانهم، على رغم كثرة إمكانياتهم المادية، فبلادهم تزخر بموارد لا توجد على الإطلاق في أي بلدٍ في الدنيا، وعلى رغم كثرتهم العددية التي لا تقارن بها أي دولةٍ في الدنيا أيضاً، ومع ذلك رضوا أن يكونوا مجرد أسواق لاستقبال بضائع الآخرين، حتى عقولهم أصبحت مستعمرات فكرية، فالطريقة التي نفكر فيها نحن مستوردة من الغرب، والتحليل الذي نحمله للأشياء هو تحليل غربي غير إسلامي في الغالب.

    إن نظرتنا للأمور نظرة مقتبسة من أجهزة الإعلام التي تعتمد على وكالات الأنباء العالمية، وقلما تجد إنساناً يعرض الأمور التي يسمعها على ما يفهمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما تكون ثقة كثير منا بما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية والشرقية، أعظم مما يسمعونه ويقرءونه ويعلمونه من السنن الإلهية الاجتماعية والكونية الموجودة في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    نظرة مهيمنة

    هناك نظرةٌ هيمنت على كثيرٍ من الناس، وهي نظرة الشعور بأن الغرب باقٍ لا يزول، وأن حضارته حضارة خالدة، وأذكر أن مفكرين كباراً كانوا يفكرون بهذه الطريقة، ويعتقدون أن حركة التاريخ قد توقفت عند العالم الغربي الرأسمالي، وأنه لن تدور دورتها، وأن التاريخ لن يعيد نفسه، لكنه سوف يقر ويثبت عند هذا المستوى، والغريب أن هذه النظرة هي نفسها النظرة التي كانت موجودة عند الشيوعيين في روسيا، فكانوا يعتقدون أنهم هم المطاف والفردوس المنتظر وأن التاريخ ما زال يعمل فيه مبدأ النقيض، حتى وصل إلى الشيوعية، فاستقر قراره عند ذلك.

    هذه النظرة الآن انتقلت إلى الغرب، فصار عندهم شعورٌ بالخلود والبقاء والأبدية، وكأن السنن الإلهية في نظرهم تعطلت، ليس غريباً أن يشغل الغرب هذا الشعور، أو ينظر هذه النظرة؛ لأنه مستكبرٌ قد عظم في عين نفسه، وتغطرس ورأى أنه قد ملك أزِمَّة الأمور، وانتهت إليه النوبة وأن الحال الذي يعيشه سرمدٌ لا يزول؛ لكن الغريب أن هذه النظرة انتقلت إلى عقول كثيرٍ من المسلمين، فصاروا ينظرون إلى هذا الواقع الذي يعيشونه الآن على أنه خالدٌ لا يزول.

    وعلى أن هذا النظام الذي استقر الآن سيستمر ولا داعي لمقاومته، أو حتى للحديث عنه بأي شكلٍ أو بأي صورة، ونسوا في غمرة هذه النظرة التي أوحاها إليهم العالم الغربي ومن ورائه الإعلام في البلاد الإسلامية، الذي ظل يمجد ويتحدث حديث المبهور عن المنجزات الغربية، وعن العالم الرأسمالي، وعن ديمقراطيته وعن، وعن...، من إنجازاته وحضارته، وظلوا يحشون عقولهم، ويتقبلون مثل هذه الأفكار، ونسوا في غمرة ذلك القوانين والسنن والنواميس الإلهية الصريحة في أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فالله عز وجل يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

    الأيام دُول

    إذاً الأيام مداولة:

    فيومٌ علينا ويومٌ لنا     ويوم نُساءُ ويومٌ نسر

    فلم تدم الدنيا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فمن الأنبياء من كانت لهم حكومات، ودانت لهم البلاد وطبقوا شريعة الله عز وجل في الأرض وفي الناس، ولا شك أنه لا أحد يتصور أبداً أن هناك ما هو أحسن للبشر من شريعة ربهم، ومع ذلك دارت الدورة، وصار للجاهلية مكانٌ في بعض الوقت، ثم جاء الإسلام وهكذا: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] هذه السنة إلهية واضحة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لما سُبِقَتْ العضباء وهي ناقته، سبقها أعرابي، فتأثر لذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه} فالدنيا ليس فيها خلود، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه.

    واقع اليوم ليس إلى الأبد

    إذاً: لا يجوز أبداً أن ننظر إلى هذا الواقع الذي نعيشه في هذه السنوات، وهذه الشهور، والأيام، واللحظات، من هيمنة الحكم الرأسمالي على العالم، ومحاولة إمساكه بأزمَّة الأمور، وإمساكه بخناق الشعوب الإسلامية على وجه الخصوص، ومصادرة خيراتها، بل مصادرة إنسانيتها، وعقولها، ومحاولة تحطيم أخلاقها، لا يجوز أن ننظر إلى هذا الواقع على أنه سرمد لا يزول، بل يجب أن ننظر إليه على أنه بداية انفراج، لأنك حين ترى هذه الغطرسة وهذا التسلط، والطغيان، وهذا الاستكبار تدرك أن سنة الله بدأت تتحقق على هؤلاء القوم الظالمين، وأن هذه نهاية الأمر بالنسبة لهم، وبعدها سيبدأ العد التنازلي.

    زوال الغرب ليس كزوال الشيوعية

    صحيح أن زوال الغرب لن يكون كزوال الشيوعية بهذه الطريقة، لأن الشيوعية كانت تقوم على أساس الديكتاتورية، والتسلط، والحديد والنار، وهذا الأمر يثير في النفوس كثيراً من المقاومة، التي إذا لم تتحرك الآن تحركت فيما بعد.

    لكن الغرب يقوم على أساس الديمقراطية، وإشعار الأفراد بأن لهم حقوقهم المحفوظة، وإنسانيتهم المحترمة، لكن هذا لا يعني أن الغرب يزول بسببٍ آخر، ليس من الضروري أن تكون نهاية الغرب هي كنهاية الشرق، قد تكون نهاية الغرب بصورة أخرى، لا تخطر لي ولك على بال، ولا داعي أن نفترض حروباً مدمرة، أو صراعات داخلية، أو أي شيءٍ آخر، لا داعي أن نترك المجال لعقولنا للتفكير في هذه الأمور، وإن كان المختصون فيها قد يرسمون عدة صور، وعدة احتمالات؛ لكن ينبغي أن نشعر في نفوسنا ببرد السكينة والإيمان، في أن السنة الإلهية التي عملت عملها في الشرق فجعلت هذه القوة الهائلة الشيوعية التي كانت تهدد الإسلام، جعلتها حطاماً خلال سنواتٍ يسيرة، فنؤمن أيضاً أن هذه السنة الإلهية تعمل عملها في الغرب الآن، وقد يظهر أثرها واضحاً اليوم، أو غداً أو بعد غد.

    إذا سقط الغرب فأين البديل

    لكن يبقى السؤال الذي يجب أن نكون صرحاء في الإجابة عليه، ثم ماذا إذا سقط الغرب -أيضاً- أين البديل؟! حسبما يظهر لي الآن أنه على فرض انهيار جزء من الغرب، فستبقى أجزاء أخرى هي التي تقوم مقامه، فإن هناك دولاً الآن في طور القوة، واستكمال العدة، من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية، كـأوروبا مثلاً الموحدة، أو بعض الأحلاف التي بدأت تظهر الآن على الساحة وتتضايق منها الولايات المتحدة؛ لأنها تعتبر أنها المستهدفة فيها.

    والمسلمون هل سيظلون ينتقلون من سيدٍ إلى سيد، ومن مولى إلى مولى، يستدينون من فلانٍ، فإذا افتقر ذهبوا يستدينون من غيره، ولسان حالهم يقول كما كان يقول ذلك الرجل المغفل: اللهم اغنِ بني فلان حتى أستدين منهم، إذاً لماذا لم تطلب الغناء لك أنت؟.

    هذه القضية الكبيرة -أيها الإخوة- ربما أقول المؤسف أن كثيراً من المسلمين، ودعك من عامة المسلمين المشغولين بلقمة العيش، لكن حتى من المثقفين، حتى من طلاب الجامعات، بل ربما حتى من الأساتذة والمختصين، في أعلى المستويات في المجامع العلمية، والمنتديات وغيرها، قد يحسون أن مثل هذه الأمور لا تعنيهم في كثيرٍ أو قليل، وغاية ما يكون أن الإنسان ربما يشعر بالحرقة حين يسمع مثل هذا الكلام أحياناً؛ لكن أن يكون هذا الكلام شيئاً مستقراً في قلبه، وشعوراً دائماً يحدوه ويحركه ويدعوه فهذا لا يزال أقل من المستوى المطلوب.

    سنة الله في التدرج

    وينبغي أن نعلم أيها الأحبة أن هذه الأمة لا يمكن أن تبدأ بدايةً صحيحة إلا من خلال وجود حركة في قلوب أبنائها، فمن سنن الله تعالى، سنة التدرج، فليس صحيحاً أن هذه الأمة التي قضت الآن عشرات السنين في تخلف مرير، وهي تعتمد على عدوها في كل شيء، ليس صحيحاً أنها ستتحول بين عشية وضحاها إلى أمة قوية راسخة ممكَّنة تستطيع أن تستغني عن عدوها، بل وتهدد عدوها في عقر داره.

    هذا خيالٌ ولا يجب أن يشطح بنا الخيال، فالتدرج سنةٌ إلهية يجب أن توضع بعين الاعتبار، لكن التدرج يبدأ بخطوة، فأنا أريد أن أسأل نفسي، وأسأل إخواني، ونحن الآن طلاب جامعة، أو أساتذة جامعة، والمجتمع بل الأمة كلها تنظر إلينا، هل بدأنا الخطوة الأولى المفروضة؟! أم أننا لا نـزال نفكر حتى الآن في الخطوة الأولى نبدأ أو لا نبدأ؟! وهل هي مجدية أم غير مجدية؟ أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ في قلوبنا نحن، في شعورنا بأننا نحن المسئولون عن واقع الأمة، ونحن المسئولون أيضاً عن إنقاذ الأمة من واقعها، أما فكرة أن هذه المصائب التي تعيشها الأمة هي من آثار الجيل السابق، وسوف يقوم بحلها الجيل اللاحق، فهذه الفكرة لا يمكن أن تصنع شيئاً، لأن معنى ذلك أن كل ما نحاوله الآن هو أن نتخلص من هذا العبء الثقيل، لنلقيه على ظهور غيرنا، هذا كل ما نحاوله، وهذه طريقةٌ في التفكير خاطئة، لن ننجح إلا إذا شعرنا نحن بأننا جزءٌ من المشكلة، ويجب أن نصحح أوضاعنا، حتى الأوضاع الفردية.

    أرسل لي أحد الشباب مجموعة من الأوراق من إحدى المجلات، وإذا بها تتحدث عن لعبة البلوت، ومشاكل لعبة البلوت، والأوقات التي تقضى مع هذه اللعبة، والسهرات الطويلة حتى الفجر، بل ربما حتى ساعة متأخرة لا أقول من الليل بل من النهار…إلخ!! وربما يكون الذين يقضون أوقاتهم مع لعبة البلوت، ليسوا هم شر طبقات المجتمع، بل هناك دركات ودركات دون هذا المستوى.

    الكرامات لا تأتي هدية بدون جهد

    هل نتوقع أن تأتينا الكرامات هدية هكذا، دون جهد ودون عمل؟ فهذا الإنسان لا يكون جديراً بذلك إذ لو منح نصراً رخيصاً لتخلى عنه بكل سهولة، فالنصر الرخيص لا يمكن أن يأتي، ولو فرض جدلاً أنه جاء، فلا يمكن أن يدوم، لأن النصر بحاجةٍ إلى السواعد التي تحافظ عليه، وأنا والله أستغرب أشد الاستغراب!! الآن نحن أمة مهزومة، من الناحية الفكرية والعقدية، بحيث أننا نجد أن أفكار الغرب تؤثر في عقولنا أبلغ التأثير، وفي عقول الناشئة، ولا تؤاخذوني إذا قلت على سبيل المثال: في جامعاتنا ماذا ندرس لطلابنا، خاصةً في العلوم التي لم يكن فيها تأصيلٌ إسلامي، كعلوم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم التربية، والإدارة، والاقتصاد…إلخ، صحيح أنا لا أنكر أن هناك محاولات وهناك جهود؛ لكنها ما زالت أقل من المستوى المطلوب، ولذلك تجد أننا قد ندرس لطلابنا آراء ونظريات، واجتهادات غربية مترجمة.

    1.   

    نحن أمة مهزومة فكرياً على كافة المستويات

    إذاً نحن أمة مهزومة فكرياً على كافة المستويات.

    ومن مظاهر انهزامنا:

    الانهزام الإعلامي

    والإعلام الذي دخل كل بيت، ينقل لعقول الأمة، رجالاً ونساءً، وشباباً وشيوخاً وأطفالاً، ينقل إليهم أنماطاً من الحضارة الغربية، ويعطيهم تصوراً عن الغرب، فالذي يعرض في التلفاز ليس هو واقع المجتمع، ولا هو الواقع المطلوب إسلامياً، الذي يعرض في الغالب هو نمطٌ من الغرب، الحياة الغربية التي يتطلعون أن تصطبغ بها الحياة الإسلامية، حتى تكون الدنيا كلها نمطاً واحداً، لا يوجد حضارة أخرى، أو نمط آخر من الحياة يعارض ما عليه الغرب، نحن أمةٌ مهزومة فكرياً، لم نستطع أن ننقل ديننا حقيقةً إلى الغرب، وأن نقدمه لهم غضاً طرياً كما أنـزل، بل إنني أقول: إن اليهود والنصارى، وأعداء الإسلام، هم الذين ينقلون الإسلام للغرب، فينقلونه مشوهاً، مزوراً، مغيراً محرفاً مبدلاً، وقد دخلت في عدد من مكتبات الجامعات في أمريكا وغيرها، فوجدت بأنها تزخر بالكتب عن الإسلام، وغالبها كتب كتبها يهود أو نصارى أو على أحسن الأحوال كتبها ناسٌ من الرافضة، لكن يندر أو يقل أن تجد كتاباً إسلامياً نظيفاً يعرض الإسلام بصورته الصحيحة، على حين أن الغرب نجح في عرض بضاعته الكاسدة علينا في مختلف الوسائل، حتى أصبحت تخلب الألباب، وتهز العقول وتبهر النفوس، هزمنا على أرقى المستويات، من الناحية الفكرية، ومن الناحية العقلية.

    الانهزام الاقتصادي والعسكري

    وحين تنتقل إلى الاقتصاد تجدنا مهزومين، وعندما تنتقل إلى المجال العسكري تجد الهزيمة أبرز وأوضح، ولا أدل عليها من أن إسرائيل، وهي بلا شك صنيعة الاستعمار الغربي في البلاد الإسلامية، وهي تعتبر الحليف التاريخي للغرب، أصبحت تملك من وسائل القوة، وأسلحة الدمار الشامل، شيئاً لا أقول لا تملكه الدول العربية والإسلامية مجتمعة، لكنها لا تفكر بامتلاكه، بل ولا تسعى لامتلاكه، وقد هزم العرب أمام إسرائيل في عدة معارك، ولا شك أن تهالكهم على السلام، ولهاثهم وراء أحلام السلام، هو تعبيرٌ عن الفشل العسكري الذي عاشوه، وتعبيرٌ عن الهزيمة، وشعورٌ بالعجز عن المقاومة، هذه الأمة المهزومة على كافة المستويات.

    الشعور بالهزيمة يولد التحدي والمقاومة

    إن شعورنا بالهزيمة والمرارة من الممكن أن يولد عندنا التحدي، والقوة وأنتم تعرفون أن شعب إسرائيل كان شعباً مطروداً في أنحاء العالم مضطهداً، يمارس كل إنسانٍ دوره بتعذيبه واضطهاده، وتعرفون بعض المآسي التي تعرضوا لها في ألمانيا وغيرها، ومن شدة الهزيمة والاضطهاد، تولد عندهم الشعور بالتحدي، وضرورة وجود كيان مستقل لحماية اليهود، حتى مكن لهم في هذه الفترة بحبلٍ من الله وبحبلٍ من الناس: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112] وهي على كل حال فترةً مؤقتة إلى زوال، لكن المقصود أن مجرد الشعور بالهزيمة، ما دامت الهزيمة واقعاً ملموساً مجرد الشعور بها، هو في الغالب السبيل إلى الخلاص والخروج منها.

    الخوف من الإسلام عقدة الضرب القوي

    لكنني أعجب الآن وأقول كيف الأمم الغربية الممكَّنة بما في ذلك إسرائيل، تحس بالتحدي وتحس بالخطر منا نحن المسلمين، فتستنفد قواها، وتستفرغ جهودها، وتعد الدراسات والخطط، حتى أنه قبل أسبوع، وقع اجتماعٌ على أعلى المستويات، وكان من ضمن توصيات الاجتماع، ضرورة التنبه للخطر العسكري القادم من الشرق الأوسط.

    والله يا إخواني نحن نقلب أيدينا، أين الخطر العسكري القادم من الشرق الأوسط؟! الله يرحم أحوالنا.

    المسلمون الآن على حال مؤسف ومخيف وكلنا نستغرب لماذا يخاف الغرب من الإسلام والمسلمين والحال هذا؟! ومع ذلك الغرب يخاف وهو في أوج قوته وانتصاره ورسوخه، يخاف أن ينبعث المسلمون، فيظل يدعم قوته، ويعمل على توحيد جهوده، وعلى توحيد دوله، وعلى إيجاد أحلاف مشتركة، وعلى... وعلى...

    وبالمقابل يعمل على إنهاك المسلمين وإضعافهم، هذا وهو قوي، أما نحن ونحن ضعفاء فكأننا أخلدنا إلى الراحة، ورأينا أن هذا الواقع الذي نعيشه لا سبيل إلى إزالته، ولهذا ليس في الإمكان أبدع مما كان، وعلينا أن نظل حيث كنا!

    قناعة منبثقة من عقيدتنا وديننا

    مع ذلك يجب أن أقول: إن عندنا قناعة ليست مجرد تفاؤل نهدئ به قلوبنا ونفوسنا، لا،وإنما هي قناعة منبثقة من ديننا وعقيدتنا وشريعتنا، ومعرفتنا بسنن الله تعالى في الكون والحياة، وثقةً بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أن هذا الواقع الذي نعيشه سيتغير لا محالة.

    وأقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً: إنَّ هذا حقٌ لا شك فيه، وقد وعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وعدٌ من الله عز وجل، والله تعالى لا يخلف الميعاد، لكن هذا الوعد لن يأتي هدية على طبقٍ من ذهب للكسالى والقاعدين، إنما يأتي هديةً وثمناً للجهود والتضحيات، والصبر وطول النفس والاحتمال، ومعرفة الهدف ووجود الإنسان الذي يشعر بأنه مسئول، بل يشعر وكأن المسؤولية عليه وحده دون غيره، حتى يستطيع أن يستثمر كل طاقاته في هذا السبيل.

    على كل حال هذا الموضوع موضوع طويل، وكما قلت لكم إني شعرت أن نصف ساعة غير كافية لمثل هذا الحديث، لكني قلت على أقل تقدير ولو إشارة عابرة، وأجيب على بعض الأسئلة في العشر الدقائق الباقية:-

    1.   

    الأسئلة

    أحلام وأطماعٌ لن تتحقق

    السؤال: ذكرت -عفا الله عنك- في درس سابق، أن اليهود لن يمتدوا أكثر مما هم عليه الآن، وأن مخططهم لن يستطيعوا تنفيذه كما يريدون، أرجو التوضيح؟

    الجواب: في الواقع لا أقول إنهم لن يمتدوا إلى أكثر مما هم عليه الآن يقيناً وقطعاً وجزماً، لكنني أقول: إن المعركة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ستدور رحاها في المنطقة التي يتواجد فيها اليهود اليوم، ويحيط بهم المسلمون في الأردن وما حولها، فكونهم قد يمتدون وينكمشون بعد ذلك هذا احتمالٌ قائم، وكون المعركة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي المعركة القريبة، هي معركة بعيدة مثلاً هذا أيضاً احتمال قائم، لكن المقصود على كل حال أن أحلام اليهود التوسعية في إقامة إسرائيل الكبرى، ومن ثم الهيمنة على العالم كله، يبدو أن هذه الأحلام لن تتحقق بإذن الله تعالى.

    مبشرات

    السؤال: يحتاج الحاضرون إلى مبشرات ترفع من معنوياتهم، إن رأيتم الإشارة إلى بعض هذه المبشرات؟

    الجواب: على أية حال يكفي أنني قلت في آخر الحديث إجمالاً، أننا على يقين من ربنا عز وجل على أن هذا الواقع سيتغير، والذي أتوقعه أن تغير هذا الواقع ليس بالبعيد أيضاً، وربما خلال سنوات يشهد الناس تحولاً كبيراً وليس من المستبعد أن يخرب الغربيون بيوتهم بأيديهم، وأن يكون بينهم صراعٌ مستمرٌ مميت، كما هي الحال في كل حقب التاريخ، ويظهر المسلمون كقوة، وليس غريباً أيضاً أن تظهر قوى عديدة متنافسة في العالم، فيستطيع المسلمون أن يستفيدوا من هذا التناقض الذي يحدث، لأن المسلمين يملكون المصادر الطبيعية، والثروات، كما يملكون الطاقة البشرية والأسواق، ويملكون حتى في الجو، والبحار ميزات لا توجد لشعب من الشعوب، وقد تحدثت عن هذا في محاضرة أو في كتاب المستقبل للإسلام كما تحدثت عن المبشرات في درس عن (المستقبل للإسلام).

    قيام الحجة على العبد

    السؤال: أحياناً أنصح أخي بأن يسمع شريطاً معيناً، أو يقرأ كتاباً، فيرد عليَّ بقوله: لماذا تريدني أن أسمع الشريط وأقرأ الكتاب؟ تريدني أن أفعل ذلك لكي تزداد عليَّ الحجج، دعني أجهل ببعض الأمور، لكي لا تقوم عليَّ حجة معرفتها، فما رأيكم في هذا؟

    الجواب: الإنسان إذا استطاع أن يعلم فتجنب العلم حتى لا تقوم عليه الحجة، فقد قامت عليه الحجة مضاعفةً، فسوف يكون محاسباً على اثنين:

    أولاً: لماذا لم تتعلم وقد أتيحت لك أسباب التعلم؟ ثم لماذا لم تعمل؟ بخلاف ما إذا تعلم حتى ولو لم يعمل مثلاً، فإنه لا يقال له لماذا لم تتعلم؟ لأنه قد تعلم، ولكن سيقال له لماذا لم تعمل؟ ثم لماذا يسيء الإنسان الظن بنفسه إلى هذا الحد، لماذا تعتقد أن العلم الذي تحصل عليه هو حجةٌ عليك؟ لماذا لا تفترض أن يكون هذا العلم حجة لك؟ وأنك قد تسمع كلمة ينفعك الله بها، وقد رأى بعض الطلاب أحد علماء السلف الكبار، وقد شاب شعره وهو يحمل المحبرة في يده، ويحمل الدفتر في اليد الأخرى، فقال له: إلى أين يرحمك الله؟ قال: إلى مجالس العلم، فقال له: ما مللت؟ قال: لا. لعل الكلمة التي سوف أنتفع بها لم أسمعها بعد.

    أيضاً: لماذا تفقد الثقة بهذه العلوم الشرعية، وتظن أنها لن تؤثر في قلبك، ينبغي أن يكون عندك إقبال على العلم وحرصٌ على معرفته، وأن تعلم أن العلم بحد ذاته عبادة، وسماعك لشريط، أو قراءتك لكتاب، أو حضورك لجلسة علمية هو أمرٌ تؤجر وتثاب عليه عند الله عز وجل، هذا فضلاً عما يتفرع منه من آثار، مثل أن تعمل بهذا العلم، أو تدعو إليه، أو ما أشبه ذلك فتؤجر على هذا كله.

    حاجتنا إلى التخصصات

    السؤال: يذم بعض الناس التوجه إلى الأقسام غير الشرعية، ويقول: إن فيها مضيعة للوقت، وما أدري ما هي وجهة نظركم تجاه هذا؟

    الجواب: هذا ليس بصحيح، نحن ندري أن المجتمع يحتاج إلى الفقيه الشرعي الذي يقول له: هذا حلال وهذا حرام، بل ندري أن المهندس والطبيب، والسياسي، والاقتصادي، وعالم النفس، وعالم الاجتماع، بل وعالم الذرة، وكل إنسانٍ يفتقر إلى العالم الشرعي ليقول له: هذا حلال وهذا حرام، هذه تهيمن على كل حياة المسلم، وليس صحيحاً أبداً أن أي مختصٍ بأي اختصاص، سيقول: أنا لا يعنيني كون الأمر حلالاً أو حراماً، أنا يعنيني أن أشرح لك مثلاً.

    ليس هذا بصحيح، بل يجب أن يدرك كل إنسان أنه في الدين الإسلامي مظلة الإسلام تهيمن على الجميع.

    ليس عندنا كهنوت كـالنصارى، عبادة في أيام معينة، وبعد ذلك يعبد الدرهم والدينار والدولار في بقية أيام الأسبوع، لا،المسلم يعبد الله في كل أحواله، يعبد الله وهو في مصنعه، أو في مختبره، أو فصله أو مدرسته، ويعبد الله تعالى وهو في المسجد.

    وكل أعمال المسلم ينوي بها وجه الله عز وجل، ويراعي فيها حدود الله فلا يرتكب ما حرم الله، ولا يخالف أمر الله عز وجل، وتجده وهو يتكلم في أدق التخصصات وأبعدها في نظر العلمانيين، عن الدين، فيتكلم فيبدأ كلامه ببسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وإذا تكلم ليس هذا فقط، وإنما إذا تكلم راعى في كلامه أن يكون منضبطاً بالضوابط الشرعية، وإذا جهل أمراً أسنده إلى المختصين، والعارفين ورجع إليهم، وهكذا.

    ويربط القضايا كلها بمسألة الدين، فالدين عندنا ليس محصوراً في نطاقٍ من الحياة، الدين مهيمن على كل شيءٍ في حياة المسلم، فليس عندنا شيء اسمه: (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) قيصر ليس عندنا، نحن عندنا كل شيء لله عز وجل، هذه يجب أن تكون قائمة في اعتبار الجميع.

    ولذلك أقول: إننا كما نحتاج إلى الفقيه الشرعي الذي يرجع إليه الجميع فيما أشكل عليهم، كذلك نحتاج إلى عالم الاقتصاد الذي ينطلق من منطلق شرعي، وعالم الاجتماع الذي ينطلق من منطلق شرعي، وعالم النفس …إلخ، إذاً كل تخصصات الحياة نحتاجها.

    وأيضاً يجب أن أقول: إن الفقيه نفسه الذي يرجع إليه هؤلاء، هو أيضاً يرجع إليهم في كثيرٍ من الأحيان، فربما احتاج الفقيه إلى تصور مسألةٍ طبية فالتقى بالطبيب، وقال له: اشرح لي هذه القضية (قضية طفل الأنابيب) مثلاً أعطني تفاصيل عنها، حتى أستطيع أن أطبق عليها ما أعلمه من أحكام الدين.

    وربما احتاج إلى فهم قضية اقتصادية في معاملات البنوك، وغيرها فتحدث مع مختصٍ في مجال الاقتصاد ليشرح له.

    وربما احتاج إلى فهم نظرية في علم الاجتماع، أو في علم النفس، أو في غيرها، فالمسألة مسألة تكامل، يكمل بعض المسلمين بعضاً، وبعض العلماء بعضاً، ويهيمن على الجميع روح السعي لخدمة الإسلام وأنهم يأتمرون بأوامر الله عز وجل وينتهون عن نواهيه ويعتبرون أنفسهم يحاولون أن يطوعوا كل العلوم للإسلام، وإذا كانت هذه الصورة واضحة في أذهان الجميع، فأنا أعتقد أننا نحتاج إلى التوكيد على أن الحاجة ماسة إلى كل التخصصات.

    مساهمة فعالة

    السؤال: لا شك أن في جامعة الإمام منهجاً علمياً فريداً قلما يوجد في جامعة أخرى، خاصةً في أقسام العلوم الاجتماعية، إلا أننا نطمح أن تساهم في التأصيل الإسلامي للعلوم المختلفة مساهمةً تليق بمكانتها، وسؤالي ما هي أفضل الوسائل لتحقيق ذلك؟

    الجواب: أعتقد أن المساهمة مسؤولية الجميع، والجامعات مهما كانت إمكانياتها أعتقد أنها لا تستطيع أن تساهم مساهمة، فعالة إلا من خلال وجود أشخاص لديهم عدة صفات.

    الصفة الأولى: الحماس في ما هم بصدده.

    الصفة الثانية: القدرة على الإبداع، لأنه ليس كل إنسان قادراً على التأصيل، والتأصيل مهمة لفئةٍ من الناس.

    الصفة الثالثة: القوة والنبوغ في التخصص، الذي هم فيه، وقد تجد إنساناً قد هضم العلم الذي هو فيه، لكن ليس عنده إبداع وليس عنده قدرة على تطويع هذا العلم للقضايا والأصول الشرعية، ونحتاج أيضاً أن يكون مع هذا وذاك لديه خلفية شرعية أو قاعدة شرعية تمكنه من التوفيق بين العلوم النظرية، أو المادية، وبين العلوم الشرعية.

    علم الإدارة بصورة إسلامية

    السؤال: إن مصادر علم الإدارة من علماء غربيين مثل تايورو، وغيره من رواد الإدارة، ونجد هنا في هذه الكلية أن قسم الإدارة يأخذ العلوم من هذه المصادر، ولا ننسى أنه توجد مادة اسمها الإدارة في الإسلام، فما توجيهكم للتوجه إلى "الإدارة في الإسلام" بكثافة أكبر، وترك المصادر الغربية، لأن لدينا معاني عظيمة في ديننا الإسلامي للإدارة وغيرها؟

    الجواب: هذا هو الموضوع الذي أشرت إليه باختصار أثناء الكلمة، أننا نجد من صور الهزيمة الفكرية أنه حتى في جامعات المسلمين -ليس هنا فقط، بل ربما في معظم الجامعات- تجد كثيراً من هذه العلوم تدرس بالصورة الغربية، دون أي تعديل، وأعتقد أنه على الأقل مهمة الأساتذة ولو لفترة مؤقتة تعديل بعض الأشياء، وتصحيح الصورة، والتعاون مع الطلاب أيضاً في بعض الأمور، فأنا أعرف بعض الأساتذة مثلاً يستفيد من طلابه في تصحيح بعض الأشياء، ويقدمون له بحوثاً، وقد اطَّلَعْتُ على هذه البحوث فوجدتها بحوثاً قيمة، قام بعض الطلاب بإعدادها؛ لأنهم يجدون من الوقت ما لا يجده الأستاذ، وقد يستطيعون أن يتصلوا ببعض العلماء، ويراجعوا بعض الكتب، ويعدوا بحثاً ولو صغيراً في خمس أو في عشر صفحات يتحدث عن قضية معينة، ويقدمون فيها بديلاً شرعياً وتصوراً إسلامياً.

    الفقه بالواقع

    السؤال: هل يمكن أن تبين الطرق والأسباب التي تجعلنا فقهاء في واقعنا فقهاً سليماً، خالياً من المفهومات الخاطئة؟

    الجواب: الفقه بالواقع جزءٌ من الفقه بالشرع، فإذا كان عند الإنسان معرفة ولو إجمالية بالشرع استطاع أن يفهم الواقع إلى حدٍ ما فهماً صحيحاً، وليس فهم الواقع يا أخي أنك تفهم تحليل الأحداث، على سبيل التفصيل، فهذا قد تخطئ أنت وغيرك فيه، وهذا واردٌ جداً؛ لكن المقصود أن تستطيع أن تفهم الأمور العامة.

    على سبيل المثال: الآن هناك دعوة قوية حتى من أناس من هذه البلاد مع الأسف الشديد ومن رموز الأدب والشعر والوطنية في نظر البعض، يتحدثون عن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، وما يسمى بالنظام العالمي الجديد، على أنه نوعٌ من الأخلاقيات الجديدة، التي أصبحت تحكم العالم، ونوعٌ من الاعتدال الذي فرضته أمريكا على العالم، وأن أمريكا لها التزامات أخلاقية أمام الشعوب لابد أن تفي بها، ما هذا الكلام؟

    إنك بوضعك مسلماً عادياً -دعنا من كونك طالب جامعة أو فقيهاً- تقرأ في القرآن الكريم قول الله عز وجل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] وتقرأ قول الله عز وجل: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] فتعلم أن نصارى الأمس، هم نصارى اليوم، وهم نصارى الغد، واليهود هم أيضاً كذلك.

    المنكر المتعدي وغير المتعدي

    السؤال: رجل يعمل المنكر، وضرره غير متعدٍ لغيره، وهو ساتر على نفسه غير مجاهر، وقد قمنا بمناصحته عدة مرات، ما رأيك في التصرف معه، هل نبلغ أمره إلى الجهات المختصة، أم نستر عليه من (منطلق كل أمتي معافى إلا المجاهرين)؟

    الجواب: في الواقع أنه ينبغي أن تستمروا في نصيحته، ولا تيأسوا، فإنني أعجب من بعض الإخوة يقول لك: نصحته ثم نصحته وما أفاد، يا أخي لا يكفي ما دام أن النَفس يتردد في صدره، فمعناه أن إمكانية القبول قائمة، وعليك أن تستمر معه في النصح، فإذا كان هذا المنكر يخشى أن يتعدى إلى غيره، فينبغي أن يُبحث عن الوسائل، مثل إخبار من حوله، أو أقاربه أو أحد يمكن أن يؤثر عليه، وإذا كان المنكر متعدياً فينبغي أن تبلغ الجهات المختصة.

    شخص ليس له قيمة

    السؤال: بأي صورةٍ وصل الحكم بمن يمثلون العرب، حتى يكون لهم أن يتكلموا بلسان الأمة؟ هذا هو في نظري أصل القضية.

    الجواب: نعم، وهذا السؤال من هذا الذي فوضهم أن يتكلموا باسم الأمة، وهذه من المعضلات، مصادرة إنسانية للإنسان، ومصادرة شخصيته، بحيث أصبح يشعر أن هناك من يتحرك بالنيابة عنه، ويتكلم بالنيابة عنه، ويفكر، وهو ليس له هم إلا أن يأكل ويشرب وينام، ويمارس غرائزه الفطرية بشكل عادي، فبذلك صودر من الإنسان أعز ما فيه دينه، وإيمانه، وإنسانيته، وكرامته وبقي شخصاً ليس له قيمة.

    تخفيف حدة التأثر بالغرب

    السؤال: ما هو الحل لتخفيف حدة التأثر بالغرب، خصوصاً أن الأحداث الأخيرة عمقت من التأثير، وأصبح الكبار والصغار يتصورون أن الهواء الذي نستنشقه يأتينا من الغرب؟

    الجواب: هذه مهمة رجال العلم والفكر والأدب، وأساتذة الجامعات، بل وأساتذة المدارس، والآباء في بيوتهم، عليهم أن يدركوا أن عقلية الإنسان مستهدفة، لتعبيده إلى الغرب، وعليه أن يضع الغرب في حجمه الطبيعي، ويبينوا أنهم بشر وأن فيهم من النقص والتناقض والسلبيات الكثير.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718694

    عدد مرات الحفظ

    764949897