أما بعـد...
فنشكر لكلية العلوم الاجتماعية واللغة العربية هذه الجهود الطيبة في مجال النشاط الطلابي، ونسأل الله تعالى أن تحذو الكليات الأخرى حذوها في هذا المضمار الطيب الذي يحتاج إليه الطلاب.
أيها الأحبة... دارت في رأسي وأنا أسير إلى الكلية عدة أمور أعتقد أن الحديث فيها مهم، وشعرت بأن الوقت قصير، فهو لا يكاد يتجاوز نصف ساعة فماذا على الإنسان أن يقول في نصف ساعة من خلال عامٍ دراسيٍ كامل؟ إن الهموم والقضايا التي تحتاج إلى محادثة بيننا، ومشاجاة ومناجاة كثيرةٌ جداً.
أحبتي الكرام: أليس مما يؤسف له أننا نجد الجامعات في العالم منطلقات للوعي الاجتماعي، والتربية والإصلاح وقيادة الأمة، من الناحية الفكرية، وغيرها، ومن الناحية العملية، وأن طلاب الجامعات في بلاد الدنيا يعتبرون من أهم الطبقات، التي يتنافس أصحاب الفكر إلى الوصول إلى عقولهم، في الوقت الذي نجد فيه طلاب الجامعات في عددٍ من البلاد الإسلامية، لا يعدون أن يكونوا مجرد قراء ثم يتخرجون من الجامعة مجرد كتبة، هذه النظرة تعتبر مصيبة كبرى في الواقع على الجميع، لأن المجتمع يبدو أنه يكوِّن لدى الطالب، بل لدى الإنسان سواء كان طالباً، أو متخرجاً، أو أستاذاً أو أي شيءٍ آخر، يكوِّن لديه شعوراً بعدم الثقة بالذات، وعدم القدرة على الإبداع، وعلى ممارسة الجهود والواجبات الملقاة عليه، ولذلك فنحن بشكلٍ مستمر لا أقول فقط كطلاب جامعة، بل نحن بوضعنا مسلمين، ونحن بوصفنا من البشر نمارس هروباً دائماً من مشكلاتنا، ونمارس تخلياً مستمراً عن مسئولياتنا، ولو أننا ونحن نتكلم في أوساطٍ علمية متخصصة لو أننا عملنا استبيانات لقراءة عقول الشباب، وماذا يحملون في رءوسهم، وكيف ينظرون إلى الأمور، وكيف يفكرون، وكيف يحللون الأحداث، لوجدنا أن كثيراً جداً من يعتبر نفسه خارج الدائرة، وأنه ليس له أي تأثيرٍ في وجود، الأحداث وليس له أي تأثيرٍ في دفعها، سواءً في ذلك الأحداث الكبرى العالمية، أو الإقليمية، أو الأحداث المحلية، أو حتى الأحداث البيتية، فلو تأتي إلى إنسانٍ تحدثه عن مشكلةٍ في داخل البيت، سيفاجئك ويقول لك: يا أخي أنا ليس لي دور في الموضوع مطلقاً، هذا القرار بيد والدي أو بيد والدتي، أو بيد أختي أو بيد أخي، وأنا في الواقع لا أملك أي شيء حتى وهو قرارٌ يخص بيته، أما إذا كان أمراً يتعلق بمجتمعه أو ببلده، أو بإقليمه أو بأمته فهو أبعد من أن يشعر بأنه مشاركٌ فيه.
إن نظرتنا للأمور نظرة مقتبسة من أجهزة الإعلام التي تعتمد على وكالات الأنباء العالمية، وقلما تجد إنساناً يعرض الأمور التي يسمعها على ما يفهمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما تكون ثقة كثير منا بما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية والشرقية، أعظم مما يسمعونه ويقرءونه ويعلمونه من السنن الإلهية الاجتماعية والكونية الموجودة في القرآن الكريم، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذه النظرة الآن انتقلت إلى الغرب، فصار عندهم شعورٌ بالخلود والبقاء والأبدية، وكأن السنن الإلهية في نظرهم تعطلت، ليس غريباً أن يشغل الغرب هذا الشعور، أو ينظر هذه النظرة؛ لأنه مستكبرٌ قد عظم في عين نفسه، وتغطرس ورأى أنه قد ملك أزِمَّة الأمور، وانتهت إليه النوبة وأن الحال الذي يعيشه سرمدٌ لا يزول؛ لكن الغريب أن هذه النظرة انتقلت إلى عقول كثيرٍ من المسلمين، فصاروا ينظرون إلى هذا الواقع الذي يعيشونه الآن على أنه خالدٌ لا يزول.
وعلى أن هذا النظام الذي استقر الآن سيستمر ولا داعي لمقاومته، أو حتى للحديث عنه بأي شكلٍ أو بأي صورة، ونسوا في غمرة هذه النظرة التي أوحاها إليهم العالم الغربي ومن ورائه الإعلام في البلاد الإسلامية، الذي ظل يمجد ويتحدث حديث المبهور عن المنجزات الغربية، وعن العالم الرأسمالي، وعن ديمقراطيته وعن، وعن...، من إنجازاته وحضارته، وظلوا يحشون عقولهم، ويتقبلون مثل هذه الأفكار، ونسوا في غمرة ذلك القوانين والسنن والنواميس الإلهية الصريحة في أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فالله عز وجل يقول: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويوم نُساءُ ويومٌ نسر |
فلم تدم الدنيا للأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فمن الأنبياء من كانت لهم حكومات، ودانت لهم البلاد وطبقوا شريعة الله عز وجل في الأرض وفي الناس، ولا شك أنه لا أحد يتصور أبداً أن هناك ما هو أحسن للبشر من شريعة ربهم، ومع ذلك دارت الدورة، وصار للجاهلية مكانٌ في بعض الوقت، ثم جاء الإسلام وهكذا: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] هذه السنة إلهية واضحة، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لما سُبِقَتْ العضباء وهي ناقته، سبقها أعرابي، فتأثر لذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه} فالدنيا ليس فيها خلود، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيٌ إلا وضعه.
لكن الغرب يقوم على أساس الديمقراطية، وإشعار الأفراد بأن لهم حقوقهم المحفوظة، وإنسانيتهم المحترمة، لكن هذا لا يعني أن الغرب يزول بسببٍ آخر، ليس من الضروري أن تكون نهاية الغرب هي كنهاية الشرق، قد تكون نهاية الغرب بصورة أخرى، لا تخطر لي ولك على بال، ولا داعي أن نفترض حروباً مدمرة، أو صراعات داخلية، أو أي شيءٍ آخر، لا داعي أن نترك المجال لعقولنا للتفكير في هذه الأمور، وإن كان المختصون فيها قد يرسمون عدة صور، وعدة احتمالات؛ لكن ينبغي أن نشعر في نفوسنا ببرد السكينة والإيمان، في أن السنة الإلهية التي عملت عملها في الشرق فجعلت هذه القوة الهائلة الشيوعية التي كانت تهدد الإسلام، جعلتها حطاماً خلال سنواتٍ يسيرة، فنؤمن أيضاً أن هذه السنة الإلهية تعمل عملها في الغرب الآن، وقد يظهر أثرها واضحاً اليوم، أو غداً أو بعد غد.
والمسلمون هل سيظلون ينتقلون من سيدٍ إلى سيد، ومن مولى إلى مولى، يستدينون من فلانٍ، فإذا افتقر ذهبوا يستدينون من غيره، ولسان حالهم يقول كما كان يقول ذلك الرجل المغفل: اللهم اغنِ بني فلان حتى أستدين منهم، إذاً لماذا لم تطلب الغناء لك أنت؟.
هذه القضية الكبيرة -أيها الإخوة- ربما أقول المؤسف أن كثيراً من المسلمين، ودعك من عامة المسلمين المشغولين بلقمة العيش، لكن حتى من المثقفين، حتى من طلاب الجامعات، بل ربما حتى من الأساتذة والمختصين، في أعلى المستويات في المجامع العلمية، والمنتديات وغيرها، قد يحسون أن مثل هذه الأمور لا تعنيهم في كثيرٍ أو قليل، وغاية ما يكون أن الإنسان ربما يشعر بالحرقة حين يسمع مثل هذا الكلام أحياناً؛ لكن أن يكون هذا الكلام شيئاً مستقراً في قلبه، وشعوراً دائماً يحدوه ويحركه ويدعوه فهذا لا يزال أقل من المستوى المطلوب.
هذا خيالٌ ولا يجب أن يشطح بنا الخيال، فالتدرج سنةٌ إلهية يجب أن توضع بعين الاعتبار، لكن التدرج يبدأ بخطوة، فأنا أريد أن أسأل نفسي، وأسأل إخواني، ونحن الآن طلاب جامعة، أو أساتذة جامعة، والمجتمع بل الأمة كلها تنظر إلينا، هل بدأنا الخطوة الأولى المفروضة؟! أم أننا لا نـزال نفكر حتى الآن في الخطوة الأولى نبدأ أو لا نبدأ؟! وهل هي مجدية أم غير مجدية؟ أعتقد أن الخطوة الأولى يجب أن تبدأ في قلوبنا نحن، في شعورنا بأننا نحن المسئولون عن واقع الأمة، ونحن المسئولون أيضاً عن إنقاذ الأمة من واقعها، أما فكرة أن هذه المصائب التي تعيشها الأمة هي من آثار الجيل السابق، وسوف يقوم بحلها الجيل اللاحق، فهذه الفكرة لا يمكن أن تصنع شيئاً، لأن معنى ذلك أن كل ما نحاوله الآن هو أن نتخلص من هذا العبء الثقيل، لنلقيه على ظهور غيرنا، هذا كل ما نحاوله، وهذه طريقةٌ في التفكير خاطئة، لن ننجح إلا إذا شعرنا نحن بأننا جزءٌ من المشكلة، ويجب أن نصحح أوضاعنا، حتى الأوضاع الفردية.
أرسل لي أحد الشباب مجموعة من الأوراق من إحدى المجلات، وإذا بها تتحدث عن لعبة البلوت، ومشاكل لعبة البلوت، والأوقات التي تقضى مع هذه اللعبة، والسهرات الطويلة حتى الفجر، بل ربما حتى ساعة متأخرة لا أقول من الليل بل من النهار…إلخ!! وربما يكون الذين يقضون أوقاتهم مع لعبة البلوت، ليسوا هم شر طبقات المجتمع، بل هناك دركات ودركات دون هذا المستوى.
ومن مظاهر انهزامنا:
والله يا إخواني نحن نقلب أيدينا، أين الخطر العسكري القادم من الشرق الأوسط؟! الله يرحم أحوالنا.
المسلمون الآن على حال مؤسف ومخيف وكلنا نستغرب لماذا يخاف الغرب من الإسلام والمسلمين والحال هذا؟! ومع ذلك الغرب يخاف وهو في أوج قوته وانتصاره ورسوخه، يخاف أن ينبعث المسلمون، فيظل يدعم قوته، ويعمل على توحيد جهوده، وعلى توحيد دوله، وعلى إيجاد أحلاف مشتركة، وعلى... وعلى...
وبالمقابل يعمل على إنهاك المسلمين وإضعافهم، هذا وهو قوي، أما نحن ونحن ضعفاء فكأننا أخلدنا إلى الراحة، ورأينا أن هذا الواقع الذي نعيشه لا سبيل إلى إزالته، ولهذا ليس في الإمكان أبدع مما كان، وعلينا أن نظل حيث كنا!
وأقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً: إنَّ هذا حقٌ لا شك فيه، وقد وعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو وعدٌ من الله عز وجل، والله تعالى لا يخلف الميعاد، لكن هذا الوعد لن يأتي هدية على طبقٍ من ذهب للكسالى والقاعدين، إنما يأتي هديةً وثمناً للجهود والتضحيات، والصبر وطول النفس والاحتمال، ومعرفة الهدف ووجود الإنسان الذي يشعر بأنه مسئول، بل يشعر وكأن المسؤولية عليه وحده دون غيره، حتى يستطيع أن يستثمر كل طاقاته في هذا السبيل.
على كل حال هذا الموضوع موضوع طويل، وكما قلت لكم إني شعرت أن نصف ساعة غير كافية لمثل هذا الحديث، لكني قلت على أقل تقدير ولو إشارة عابرة، وأجيب على بعض الأسئلة في العشر الدقائق الباقية:-
الجواب: في الواقع لا أقول إنهم لن يمتدوا إلى أكثر مما هم عليه الآن يقيناً وقطعاً وجزماً، لكنني أقول: إن المعركة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ستدور رحاها في المنطقة التي يتواجد فيها اليهود اليوم، ويحيط بهم المسلمون في الأردن وما حولها، فكونهم قد يمتدون وينكمشون بعد ذلك هذا احتمالٌ قائم، وكون المعركة التي وعد بها النبي صلى الله عليه وسلم ليست هي المعركة القريبة، هي معركة بعيدة مثلاً هذا أيضاً احتمال قائم، لكن المقصود على كل حال أن أحلام اليهود التوسعية في إقامة إسرائيل الكبرى، ومن ثم الهيمنة على العالم كله، يبدو أن هذه الأحلام لن تتحقق بإذن الله تعالى.
الجواب: على أية حال يكفي أنني قلت في آخر الحديث إجمالاً، أننا على يقين من ربنا عز وجل على أن هذا الواقع سيتغير، والذي أتوقعه أن تغير هذا الواقع ليس بالبعيد أيضاً، وربما خلال سنوات يشهد الناس تحولاً كبيراً وليس من المستبعد أن يخرب الغربيون بيوتهم بأيديهم، وأن يكون بينهم صراعٌ مستمرٌ مميت، كما هي الحال في كل حقب التاريخ، ويظهر المسلمون كقوة، وليس غريباً أيضاً أن تظهر قوى عديدة متنافسة في العالم، فيستطيع المسلمون أن يستفيدوا من هذا التناقض الذي يحدث، لأن المسلمين يملكون المصادر الطبيعية، والثروات، كما يملكون الطاقة البشرية والأسواق، ويملكون حتى في الجو، والبحار ميزات لا توجد لشعب من الشعوب، وقد تحدثت عن هذا في محاضرة أو في كتاب
الجواب: الإنسان إذا استطاع أن يعلم فتجنب العلم حتى لا تقوم عليه الحجة، فقد قامت عليه الحجة مضاعفةً، فسوف يكون محاسباً على اثنين:
أولاً: لماذا لم تتعلم وقد أتيحت لك أسباب التعلم؟ ثم لماذا لم تعمل؟ بخلاف ما إذا تعلم حتى ولو لم يعمل مثلاً، فإنه لا يقال له لماذا لم تتعلم؟ لأنه قد تعلم، ولكن سيقال له لماذا لم تعمل؟ ثم لماذا يسيء الإنسان الظن بنفسه إلى هذا الحد، لماذا تعتقد أن العلم الذي تحصل عليه هو حجةٌ عليك؟ لماذا لا تفترض أن يكون هذا العلم حجة لك؟ وأنك قد تسمع كلمة ينفعك الله بها، وقد رأى بعض الطلاب أحد علماء السلف الكبار، وقد شاب شعره وهو يحمل المحبرة في يده، ويحمل الدفتر في اليد الأخرى، فقال له: إلى أين يرحمك الله؟ قال: إلى مجالس العلم، فقال له: ما مللت؟ قال: لا. لعل الكلمة التي سوف أنتفع بها لم أسمعها بعد.
أيضاً: لماذا تفقد الثقة بهذه العلوم الشرعية، وتظن أنها لن تؤثر في قلبك، ينبغي أن يكون عندك إقبال على العلم وحرصٌ على معرفته، وأن تعلم أن العلم بحد ذاته عبادة، وسماعك لشريط، أو قراءتك لكتاب، أو حضورك لجلسة علمية هو أمرٌ تؤجر وتثاب عليه عند الله عز وجل، هذا فضلاً عما يتفرع منه من آثار، مثل أن تعمل بهذا العلم، أو تدعو إليه، أو ما أشبه ذلك فتؤجر على هذا كله.
الجواب: هذا ليس بصحيح، نحن ندري أن المجتمع يحتاج إلى الفقيه الشرعي الذي يقول له: هذا حلال وهذا حرام، بل ندري أن المهندس والطبيب، والسياسي، والاقتصادي، وعالم النفس، وعالم الاجتماع، بل وعالم الذرة، وكل إنسانٍ يفتقر إلى العالم الشرعي ليقول له: هذا حلال وهذا حرام، هذه تهيمن على كل حياة المسلم، وليس صحيحاً أبداً أن أي مختصٍ بأي اختصاص، سيقول: أنا لا يعنيني كون الأمر حلالاً أو حراماً، أنا يعنيني أن أشرح لك مثلاً.
ليس هذا بصحيح، بل يجب أن يدرك كل إنسان أنه في الدين الإسلامي مظلة الإسلام تهيمن على الجميع.
ليس عندنا كهنوت كـالنصارى، عبادة في أيام معينة، وبعد ذلك يعبد الدرهم والدينار والدولار في بقية أيام الأسبوع، لا،المسلم يعبد الله في كل أحواله، يعبد الله وهو في مصنعه، أو في مختبره، أو فصله أو مدرسته، ويعبد الله تعالى وهو في المسجد.
وكل أعمال المسلم ينوي بها وجه الله عز وجل، ويراعي فيها حدود الله فلا يرتكب ما حرم الله، ولا يخالف أمر الله عز وجل، وتجده وهو يتكلم في أدق التخصصات وأبعدها في نظر العلمانيين، عن الدين، فيتكلم فيبدأ كلامه ببسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وإذا تكلم ليس هذا فقط، وإنما إذا تكلم راعى في كلامه أن يكون منضبطاً بالضوابط الشرعية، وإذا جهل أمراً أسنده إلى المختصين، والعارفين ورجع إليهم، وهكذا.
ويربط القضايا كلها بمسألة الدين، فالدين عندنا ليس محصوراً في نطاقٍ من الحياة، الدين مهيمن على كل شيءٍ في حياة المسلم، فليس عندنا شيء اسمه: (دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) قيصر ليس عندنا، نحن عندنا كل شيء لله عز وجل، هذه يجب أن تكون قائمة في اعتبار الجميع.
ولذلك أقول: إننا كما نحتاج إلى الفقيه الشرعي الذي يرجع إليه الجميع فيما أشكل عليهم، كذلك نحتاج إلى عالم الاقتصاد الذي ينطلق من منطلق شرعي، وعالم الاجتماع الذي ينطلق من منطلق شرعي، وعالم النفس …إلخ، إذاً كل تخصصات الحياة نحتاجها.
وأيضاً يجب أن أقول: إن الفقيه نفسه الذي يرجع إليه هؤلاء، هو أيضاً يرجع إليهم في كثيرٍ من الأحيان، فربما احتاج الفقيه إلى تصور مسألةٍ طبية فالتقى بالطبيب، وقال له: اشرح لي هذه القضية (قضية طفل الأنابيب) مثلاً أعطني تفاصيل عنها، حتى أستطيع أن أطبق عليها ما أعلمه من أحكام الدين.
وربما احتاج إلى فهم قضية اقتصادية في معاملات البنوك، وغيرها فتحدث مع مختصٍ في مجال الاقتصاد ليشرح له.
وربما احتاج إلى فهم نظرية في علم الاجتماع، أو في علم النفس، أو في غيرها، فالمسألة مسألة تكامل، يكمل بعض المسلمين بعضاً، وبعض العلماء بعضاً، ويهيمن على الجميع روح السعي لخدمة الإسلام وأنهم يأتمرون بأوامر الله عز وجل وينتهون عن نواهيه ويعتبرون أنفسهم يحاولون أن يطوعوا كل العلوم للإسلام، وإذا كانت هذه الصورة واضحة في أذهان الجميع، فأنا أعتقد أننا نحتاج إلى التوكيد على أن الحاجة ماسة إلى كل التخصصات.
الجواب: أعتقد أن المساهمة مسؤولية الجميع، والجامعات مهما كانت إمكانياتها أعتقد أنها لا تستطيع أن تساهم مساهمة، فعالة إلا من خلال وجود أشخاص لديهم عدة صفات.
الصفة الأولى: الحماس في ما هم بصدده.
الصفة الثانية: القدرة على الإبداع، لأنه ليس كل إنسان قادراً على التأصيل، والتأصيل مهمة لفئةٍ من الناس.
الصفة الثالثة: القوة والنبوغ في التخصص، الذي هم فيه، وقد تجد إنساناً قد هضم العلم الذي هو فيه، لكن ليس عنده إبداع وليس عنده قدرة على تطويع هذا العلم للقضايا والأصول الشرعية، ونحتاج أيضاً أن يكون مع هذا وذاك لديه خلفية شرعية أو قاعدة شرعية تمكنه من التوفيق بين العلوم النظرية، أو المادية، وبين العلوم الشرعية.
الجواب: هذا هو الموضوع الذي أشرت إليه باختصار أثناء الكلمة، أننا نجد من صور الهزيمة الفكرية أنه حتى في جامعات المسلمين -ليس هنا فقط، بل ربما في معظم الجامعات- تجد كثيراً من هذه العلوم تدرس بالصورة الغربية، دون أي تعديل، وأعتقد أنه على الأقل مهمة الأساتذة ولو لفترة مؤقتة تعديل بعض الأشياء، وتصحيح الصورة، والتعاون مع الطلاب أيضاً في بعض الأمور، فأنا أعرف بعض الأساتذة مثلاً يستفيد من طلابه في تصحيح بعض الأشياء، ويقدمون له بحوثاً، وقد اطَّلَعْتُ على هذه البحوث فوجدتها بحوثاً قيمة، قام بعض الطلاب بإعدادها؛ لأنهم يجدون من الوقت ما لا يجده الأستاذ، وقد يستطيعون أن يتصلوا ببعض العلماء، ويراجعوا بعض الكتب، ويعدوا بحثاً ولو صغيراً في خمس أو في عشر صفحات يتحدث عن قضية معينة، ويقدمون فيها بديلاً شرعياً وتصوراً إسلامياً.
الجواب: الفقه بالواقع جزءٌ من الفقه بالشرع، فإذا كان عند الإنسان معرفة ولو إجمالية بالشرع استطاع أن يفهم الواقع إلى حدٍ ما فهماً صحيحاً، وليس فهم الواقع يا أخي أنك تفهم تحليل الأحداث، على سبيل التفصيل، فهذا قد تخطئ أنت وغيرك فيه، وهذا واردٌ جداً؛ لكن المقصود أن تستطيع أن تفهم الأمور العامة.
على سبيل المثال: الآن هناك دعوة قوية حتى من أناس من هذه البلاد مع الأسف الشديد ومن رموز الأدب والشعر والوطنية في نظر البعض، يتحدثون عن الواقع الذي يعيشه العالم اليوم، وما يسمى بالنظام العالمي الجديد، على أنه نوعٌ من الأخلاقيات الجديدة، التي أصبحت تحكم العالم، ونوعٌ من الاعتدال الذي فرضته أمريكا على العالم، وأن أمريكا لها التزامات أخلاقية أمام الشعوب لابد أن تفي بها، ما هذا الكلام؟
إنك بوضعك مسلماً عادياً -دعنا من كونك طالب جامعة أو فقيهاً- تقرأ في القرآن الكريم قول الله عز وجل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] وتقرأ قول الله عز وجل: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] فتعلم أن نصارى الأمس، هم نصارى اليوم، وهم نصارى الغد، واليهود هم أيضاً كذلك.
الجواب: في الواقع أنه ينبغي أن تستمروا في نصيحته، ولا تيأسوا، فإنني أعجب من بعض الإخوة يقول لك: نصحته ثم نصحته وما أفاد، يا أخي لا يكفي ما دام أن النَفس يتردد في صدره، فمعناه أن إمكانية القبول قائمة، وعليك أن تستمر معه في النصح، فإذا كان هذا المنكر يخشى أن يتعدى إلى غيره، فينبغي أن يُبحث عن الوسائل، مثل إخبار من حوله، أو أقاربه أو أحد يمكن أن يؤثر عليه، وإذا كان المنكر متعدياً فينبغي أن تبلغ الجهات المختصة.
الجواب: نعم، وهذا السؤال من هذا الذي فوضهم أن يتكلموا باسم الأمة، وهذه من المعضلات، مصادرة إنسانية للإنسان، ومصادرة شخصيته، بحيث أصبح يشعر أن هناك من يتحرك بالنيابة عنه، ويتكلم بالنيابة عنه، ويفكر، وهو ليس له هم إلا أن يأكل ويشرب وينام، ويمارس غرائزه الفطرية بشكل عادي، فبذلك صودر من الإنسان أعز ما فيه دينه، وإيمانه، وإنسانيته، وكرامته وبقي شخصاً ليس له قيمة.
الجواب: هذه مهمة رجال العلم والفكر والأدب، وأساتذة الجامعات، بل وأساتذة المدارس، والآباء في بيوتهم، عليهم أن يدركوا أن عقلية الإنسان مستهدفة، لتعبيده إلى الغرب، وعليه أن يضع الغرب في حجمه الطبيعي، ويبينوا أنهم بشر وأن فيهم من النقص والتناقض والسلبيات الكثير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر