إنها لفرصة طيبة ولحظات سعيدة نسأل الله تعالى أن تكون زيادة لنا من الإيمان والتقوى والقربى من الله عز وجل، وإنني لأشكركم على تجشمكم هذه الصعاب التي تلقونها في طريقكم إلى هذا المخيم، فإنها خطوات مكتوبة قال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12].
وأشكر الإخوة القائمين على هذا المخيم، وخاصة بلدية مدينة عنيزة، التي سهرت على توفير الخدمات اللازمة له، وقامت به خير قيام، وإن هذه من أعظم المهمات، التي ينبغي أن تقوم بها مثل هذه المؤسسات والدوائر،وهي -أيضاً- بادرة طيبة وتجربة فريدة.
والموضوع هو (أثر الدين على الشعوب) هذا الموضوع في الواقع موضوع كبير جداً؛ لأن يتصور نتحدث عن أثر الدين كل الدين على الشعوب كل الشعوب، ويتصور أننا سوف نحيط به أو حتى بشيء كبير منه فهو يطلب محالاً؛ لأن هذا الموضوع في الواقع هو موضوع التاريخ كله، من لدن آدم عليه الصلاة والسلام، لا أقول إلى يوم الناس هذا بل إلى قيام الساعة، فإن الله عز وجل منذ خلق الإنسان وأهبطه إلى ظهر هذه الأرض، أنـزل عليه الدين، فكان آدم عليه الصلاة والسلام أبو البشر {كان نبياً مكلماً} كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح البخاري لما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام حديث الشفاعة، ذكر {أن الناس يأتون إلى آدم فيقولون: يا آدم أنت أول نبي بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض} .
إذاً قضية الدين قضية تاريخية، تبدأ من بداية الإنسان وتنتهي بنهاية الكون، فلا يتصور أحد منكم أن أتحدث عن هذا الموضوع كما يدل عليه عنوانه؛ لكني أحببت أن ألقي بعض النظرات، وبعض المفاهيم، وبعض القضايا الكلية التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان في موضوع كهذا الموضوع.
ولهذا قال الله عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6].
إذاً حتى الكافرون لهم دين يدينون به، بغض النظر عن ماذا يكون هذا الدين، منهم من يعبد -مثلاً- الحجر أوالشجر، ومنهم من يعبد الشيطان، وهناك طوائف مثل اليزيدية موجودون في بعض البلاد الإسلامية يعبدون الشيطان، وفي أوروبا وأمريكا ظهرت عبادة الشيطان في هذا العصر بشكل جديد، فيعبدونه فعلاً ويسمونه "شاتان"، ويعبدونه وله يسجدون، هذا في قلب الحضارة والتقدم، ويضعون وينصبون التماثيل للشيطان ويعبدونه!!.
إذاً، فالإنسان عابد ولابد، لكنه إما أن يكون عابداً لله عز وجل وإما أن يكون عابداً للشيطان، ولهذا -أيضاً- قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث p=1000136>أبي هريرة
رضي الله عنه قال: {تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار}.إذاً هو عبد، فعبوديته للشيء الذي سلب لبه، وأخذ قلبه، واستعبده، فصار يعمل من أجله، إن أحب فمن أجل الدرهم والدينار، وإن والى فمن أجله، وإن عادى فمن أجله، وليست القضية قضية الدرهم والدينار، فكل شيء تألهه الإنسان وملأ قلبه، وشغل قلبه، واستخدم جوارحه في تحصيله، فإنه يكون عبداً له.
ولهذا نقول -أيضاً-: إن هناك غير عبد الدرهم والدينار، فهناك عبد الشهوة واللذة، وهناك عبد الدنيا، وهناك عبد الكرسي، وهناك عبد الزوجة، وهناك عبد الشهرة.
فالعبوديات كثيرة جداً ولا تتناهى، فكل من تأله لشيء، وملك عليه قلبه، واستخدم جوارحه فيه، وارتكب ما حرم الله تعالى من أجله، فهو يكون عبداً لهذا الشيء الذي تأله قلبه.
إذاً القلب هو مثل إناء أو وعاء، لا بد أن يملأ؛ فإما أن تملأه بمواد طيبة نظيفة كالماء أو العسل أو غيره، وإما أن تملأه بمواد خبيثة نجسة ضارة، ولابد من هذا أو ذاك، وهما طريقان لابد للإنسان من أحدهما.
إذاً، لا يستخفنك أن الباطل له صولة وجولة ودولة، ولا تتعجب وتنظر حين تجد الإيمان ضعيفاً في بعض البلاد، بل في معظم البلاد، بل ربما في كل البلاد، والغلبة في غالب الأحيان للباطل وأهله، فلا تستغرب هذا!!؛ لأنه كما قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وتذكر أنه بعد آدم بعشرة قرون، كلهم على الهدى وعلى الإسلام، أمةً واحدةً ليس من بينهم أحد يشذ، قد يعصي الواحد منهم، فالمعصية أمر موجود طبيعي كما وقعت من آدم عليه الصلاة والسلام في الجنة ومن ابنيه أيضاً، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ [المائدة:27] إلى قوله تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة:30] ولكن كانوا جميعاً على التوحيد وعلى الهدى.
لم يكن بينهم من يشرك بالله عز وجل شيئاً، هذه عقيدة المسلمين في الإيمان وهذا أمر طبيعي؛ لأن كمال عدل الله عز وجل يقتضي أن لا يعذب البشر إلا بعد أن يقيم عليهم الحجة كما قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الاسراء:15] وكما قال: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24].
فكل أمة بعث الله فيها رسولاً بشيراً ونذيراً، يبشرهم ويأمرهم بالتوحيد والإيمان والتقوى، وينذرهم وينهاهم عن الشرك، والكفر والضلال، فكل أمم الدنيا بعث الله عز وجل فيهم نذيراً.
وأمة العرب هم من ذرية المؤمنين، ومن ذرية الأنبياء، لكن لا يمنع أن تكون الأمة العربية نبيها هو الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما بعث الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب، كان من حكمة هذه البعثة وهذه النبوة أن لا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير كما قال تعالى: أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ [المائدة:19] وقال تعالى: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ [يس:6] بعض أهل العلم يقول: (ما أنذر آباؤهم) ما: هنا نافية. أي ما أنذر أباؤهم من قبل، وعلى هذا يكون العرب نبيهم هو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وبعضهم يقول: (ما أنذر آباؤهم) أن (ما) هاهنا موصولة بمعنى الذي، يعني: لتنذر قوماً الذين أنذر أباؤهم، فتنذرهم النار التي أُنذرَها من قبلهم، وتذكرهم بالجنة، وتأمرهم بالمعروف الذي أُمِر به من قبلهم، وتنهاهم عن المنكر الذي نُهي عنه من قبلهم، وعلى كل حال فالتفسير أن قوله: مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ [يس:6] نفي، أي: لم ينذر العرب من قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
فالإنسان يشعر بضعفه، وقد خلق ضعيفاً محتاجاً، لذلك الله تعالى كمَّل ضعف الإنسان بالتدين، كما يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كلمة مضيئة جميلة: [[إن في القلب شعثاً لا يلمه إلا الاجتماع على الله عز وجل وفقراً لا يغنيه إلا دعاء الله -تعالى- والافتقار إليه، فإذا أعرض العبد عن ربه، أعرض الله تعالى عنه حتى لا يبالي في أي أودية الدنيا هلك]].
إذاً هذا الضعف الفطري الموجود في الإنسان، لا يمكن أن القوى المادية من الابتكارات والاختراعات والتقنية والصناعة، والتقدم العلمي والحضاري، والطب والاكتشافات، والأموال والصولجان، والشُرط والأعوان والحشود، لا يمكن أن تسد هذا الفقر الموجود عند الإنسان، فلا بد أن يرجع الإنسان إلى طبيعته يقول الله عز وجل: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] إذاً يرجع الإنسان إلى طبيعته التي فطر عليها، بضعفه وبعجزه قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً [الروم:54] فالإنسان بدأ من الضعف ويعود إلى الضعف، والضعف أمرٌ ملازم للعبد لا مخلص له ولا مخرج منه.
أما النظريات الجاهلية فحدث ولا حرج، فمثلاً! في بعض الكتب والدراسات التي تتكلم عن قضية الأديان، يتكلمون عن تطور الأديان، ويعتقدون -لأنهم جاهليون ما استناروا بنور الوحي- أن الإنسان أول ما وجد على ظهر الأرض لم يكن هناك دين يرشده أو يوجهه، وكانت حوله هذه القوى الطبيعية التي لا يستطيع أن يواجهها، فكان يعبدها حتى إنهم زعموا أنه كان يعبد الطوطم، أو يعبد الحجر، أو الشجر، أو يعبد الأفلاك، أو ما شابه ذلك.
فيزعمون أن الإنسان أصله الشرك، والتوحيد طارئ عليه، والنظرة الإسلامية الصحيحة تنكر ذلك، وتقول: إن الإنسان أصله التوحيد، وإن الشرك طارئ عليه.
وعلى كل حال فالذين يتنكرون للأديان، مهما كثروا فهم قلة، ومنذ فجر التاريخ كم عدد الذين ينكرون وجود الله عز وجل؟! وكم عدد الذين لا يدينون بدين سماوي؟! إنهم شواذ، وأفراد قلائل لا وزن لهم ولا قيمة، لذلك كانوا على مدار التاريخ يستَخْفُون ويستترون.
وعلى كل حال فالمقصود أن الناس كانوا يتعجبون، ويقولون: سبحان الله! دولة قوية راسخة، ممكن لها! جذورها ضاربة في التربة، وأغصانها باسقة ممتدة، ولها أتباع! ولها دول تدين بدينها، وتتحالف معها في المشرق والمغرب، وحتى في جزيرة العرب وفي كل مكان، ومع ذلك هي دولة تقوم على أساس مبدأ الإلحاد وإنكار وجود الله عز وجل فكان الناس يتعجبون، وهذه من طبيعة الإنسان، قال تعالى: وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11].
أي: أن أكثر الناس ليس لديه قدرة أن يبعد بنظره عن الواقع الذي يعيشه لينظر إلى الماضي -مثلاً- أو ينظر إلى المستقبل، فهو -غالباً- محصور بالواقع القريب، والآن انظر كيف أن الله عز وجل أبان لنا بعبرة قوية واضحة الآية الربانية، أن هذه الدولة التي قامت على أساس مبدأ الإلحاد والتنكر للفطرة البشرية، سقطت بين يوم وليلة، لماذا سقطت بين يوم وليله! ولم تسقط بالتدرج، سقطت دفعة واحدة؛ لأنها كانت دولة مدعومة بالحديد والنار والقوة.
وزعماء هذه الدولة مثل إستالين وغيرهم، كانوا نماذج للبطش والقتل والتشريد، حتى إنهم أسالوا دماء المسلمين في الجمهوريات التي يسمونها الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، إذ كانت مدناً إسلامية شهيرة وعريقة، ومعروفة في التاريخ كـسمرقند وطشقند وبخارى، وغيرها من المدن العريقة التاريخية ذات السمعة المعروفة، فسحقوا هذه المدن، وسحقوا الإسلام فيها، وسحقوا النصرانية أيضاً، ودمروا كل شيء يمت إلى الدين بصلة، وحولوا المعابد سواء أكانت مساجد أم كنائس أم غيرها إلى إسطبلات للخيول، ومستودعات، بل أحياناً أماكن للفساد والرذيلة.
وخلال ستين أو سبعين سنة بل أكثر من ذلك، وهم يستخدمون كل ما أعطاهم الله عز وجل من القوة في إبادة جميع المشاعر الدينية، وإبادة حتى الانتماءات القومية، كون هذا من عنصر أو من جنسية أو من قوم، وهذا من قوم آخرين، أي: محاولة صهر الشعوب الروسية كلها في بوتقة واحدة، فما الذي حصل؟! بمجرد أن سقطت الشيوعية وتضعضعت وتزعزعت، ما الذي حدث؟
حدث أنهم لما استنشقوا عبير الحرية والهواء الطلق وبداية الانفتاح، أصبحنا نسمع عن كثير من هؤلاء أنهم رجعوا سبحان الله كأنهم أناس ساكتون ينتظرون متى تتاح الفرصة لهم!
وهذا يعني أن الدين موجود في قلوبهم، لكنهم مضغوط عليهم ومحاربون؛ لذلك كانوا يعلمون أبناءهم الدين بطريقة سرية جداً، أي: كأن الدين عند الروس أشد خطورة من المخدر بلا شك، لذلك يحاربونه حرباً شعواء ولا يقبلون أي تسامح.
ففي مرة من المرات قام مجموعة من العلماء بزيارة روسيا في بعض المناسبات، والتقى العلماء بالمفتي-كما يسمونه- فما وجد شيئاً يستقبلهم به إلا أنه وضع أغنية لأحد المغنيات العربيات ليسمعهم إياها، فكان هذا هو الأسلوب الذي يستطيع أن يستقبلهم به، ويعبر عن محبته لهم، فما عندهم شيء، فالقرآن لا يوجد، وتعاليم الإسلام محيت، أو كاد القضاء المبرم على كل شيء يمت إلى الدين بصلة، وبمجرد ما تنفسوا تنفساً بسيطاً وبدت رائحة الانفتاح في روسيا؛ عاد النصارى إلى نصرانيتهم، وعمروا كنائسهم ومعابدهم ورجعوا إليها، والمسلمون هم الآخرون بدءوا يعودون إلى دينهم، وبدءوا يقبلون ويقيمون الجسور والعلاقات مع المسلمين في كل مكان.
وبدأنا نسمع أخباراً وأشياءً من وراء الستار الحديدي الذي ضرب على المسلمين زماناً طويلاً في الجمهوريات السوفيتية، إذاً الدين كان موجوداً مختفياً تحت أكوام من الرماد، وبمجرد ما أتيحت لهم فرصة عبروا عن تدينهم، وحتى القوميات رجعت، وأنتم تسمعون أخباراً في روسيا عن المطالبة بالاستقلال في عدد من جمهوريات البلطيق وغيرها، سواء جمهوريات إسلامية أم نصرانية.
هذا أمر يجعلنا نقول: إن الدين قضية فطرية غريزية، والذين يحاربون الدين أو يقفون في وجه الدين، لا يحاربون شخصاً معيناً، ولا يحاربون فئة معينة، ولا يحاربون مجتمعاً معيناً، إنما يحاربون الله عز وجل لكنهم بعد ذلك يحاربون فطرة مركوزة في كل إنسان، يتنفسها كالهواء، فهو كما يحتاج إلى الطعام وإلى الشراب؛ فإنه كذلك يحتاج إلى التدين، الذي يلبي ويشبع هذا الظمأ الموجود في روح الإنسان وفي قلبه.
فالدين أمر فطري جبلي لا حيلة في دفعه، والذين يحاربون الدين هم كما قيل في الشعر:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل |
افعل ما شئت، ودبر، واقض ما أنت قاض، وخطط، واعمل، وحارب في السر والعلن، بكل وسيلة، واستخدم ما تملك من وسائل، ومن إمكانيات، ومن قوى، ومهما تكن لن تبلغ قوة الاتحاد السوفيتي في وقت من الأوقات، وفي النهاية يظهر الدين بقوته، لذلك حتى أعداء الدين من الفلاسفة وغيرهم آمنوا بأن الدين قدرٌ لا محالة في دفعه، ولا يمكن محاربته، لكن ممكن أن يقللوا من تأثير الدين في حياة الناس، أو يعملوا على ذلك، وممكن أن يحاولوا إعطاء الناس معلومات خاطئة عن الدين والمتدينين، فيشوهوا صورتهم -مثلاً- إلى غير ذلك.
لكن حرب الدين نفسه، هذه حرب خاسرة، والذي يحارب الدين وأهل التدين سوف يبوء بالخسران، والفشل، والخيبة، والذل، والعار، والنار.
وإن قضية الاتحاد السوفيتي وما جرى فيه، إنما أذكرها فقط لأبين لكم أن الذين يحاربون الدين، أو يتنكرون للدين أصلاً ولوجود لله عز وجل هم دائماً وأبداً شذاذ.
ولذلك يقولون: حتى في زمن هيمنة وقوة الاتحاد السوفيتي، لما ذهب رائد من رواد الفضاء إلى الطبقات العليا من الجو -كما يذكرون- ولما رجع تحدث بصورة المتأثر المؤمن بالله عز وجل وقال: إنني بعدما ارتفعت ونظرت إلى الكون، وإلى هذه المنظومات والأفلاك، وكذا وكذا وكذا، أي: ذكر أنه طفق يبحث عن الله، أي: أنه شعر في قلبه بأنه لابد من إله يدبر هذا الكون، ويدير شئونه، ويصرفه كيف يشاء.
فلما أدلى بهذا التصريح، فما هي إلا ساعات حتى غيروا هذا التصريح وقلبوا معناه إلى معنى آخر، ويذكر أن الرائد الفضائي فعلوا له ما فعلوا لمحاولة قتله، أو ما أشبه ذلك.
فأقول: من الأشياء التي كانت أيضاً عند العرب، قضية الأشهر الحرم، فكانوا يحرمون القتال في الشهر الحرام ولذلك لما اعتدى بعض المسلمين عليهم، كسرية عبد الله بن جحش، استعظمت قريش ذلك، وقالوا: استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام؛ فأنـزل الله تعالى قوله: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة:217] المهم كانت العرب إذا أرادت أو احتاجت إلى أن تقاتل لا تقاتل في الشهر الحرام.
ومن ذلك قضية تحريم المحرمات من النساء، هل كنت تعلم في الجاهلية أحداً من العرب يتجرأ على بعض المحارم بنكاح أو سفاح؟ أبداً، بل كانوا يعظمون الدين في قضايا المعاملات الاجتماعية، في حدود ما وصل إليهم، تعظيماً كبيراً، ولهذا كانت العرب قد ورثت بعض بقايا من دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فكانت تعظمها غاية التعظيم، ولا تسمح لأحد بالمساس بها بحال من الأحوال.
أما قضية المشاعر، وما يتعلق بالحج والعمرة، فـقريش لما حصل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث، كانت تسأل أهل الكتاب، أمحمد صادق أم غير صادق؟! أهو على حق أم نحن على حق؟! ولهذا يقولون لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتوحيد الله عز وجل ونهاهم عن الشرك، قالوا: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص:7] ويعنون بالملة الآخرة النصرانية، وهم طبعاً ليسوا أهل كتاب، ولا يعرفون حقيقة الأديان، ولا ماذا فيها، وإنما سألوا بعض أهل الكتاب من النصارى وغيرهم، فقالوا لهم: إن هذا الشيء الذي جاء به محمد لا يعرف.
أما القصة المعروفة، لما صارت الأحزاب، وذهب بعض اليهود إلى قريش منهم -حيي بن أخطب وغيره- قالت لهم قريش: أخبرونا ما بيننا وبين محمد؟ أنحن على حق أم هو على حق؟ أينا أهدى سبيلاً؟ قالوا: بل أنتم أهدى سبيلاً، وهكذا وقفت اليهودية في صف الوثنية ضد التوحيد، وضد الإيمان، لمجرد العداء لهذا الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذم الله تعالى عليهم هذا الموقف الشائن القبيح فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [النساء:51-52].
إذاً ما كانت العرب تعظم أهل الكتاب إلا من أصل تعظيمها للدين، بغض النظر عن كونه تعظيماً منحرفاً بعيداً، وقد أصيب بلوثات الوثنية، التي جاء بها عمرو بن لحي الخزاعي منالشام، فتأثرت بها الأمة العربية، بل إنها عبدت الأوثان والأصنام، كما هو معروف، وكان لكل قبيلة صنم يعبدونه، لكن حتى عبادتهم للصنم، على أي أساس عبدوه؟ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].
ماذا تقول في أمة كان الأخذ بالثأر من أعظم عادات العرب، ويعدون أن عدم الأخذ بالثأر مذلة، فإذا قتل أبوه أو أخوه أو قريبه رأى أن عليه أن يأخذ بثأر من قُتل مهما تكن الظروف، فلما جاء الإسلام ضبطهم بهذا الأمر، فكان الواحد منهم يرى قاتل أبيه، فلا يعتدي عليه ولا يمسه بسوء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع جميع دماء الجاهلية، وجميع ثاراتها، كما قال عليه الصلاة والسلام في خطبته المعروفة في حجة الوداع.
مع أن مسألة الأخذ بالثأر كانت مغروسة ومركوزة وعميقة في نفوسهم، ومع ذلك تخلصوا منها وصبروا أنفسهم.
وكذلك كان العربي عزيزاً يأبى الضيم، كانت فيه أنفة وفيه قوة وفيه شهامة، لذلك ما كان من الممكن أن تأخذ من العربي قطرة ماء بالقوة، حتى لو يبذل روحه في سبيلها؛ أبداً.
وكان عندهم عزة وعندهم نخوة وكرامة، ومن أسباب ذلك أنهم تربوا في الصحراء، فتربوا على معاني الرجولة والمروءة والقوة والشجاعة، ولذلك ذكرت في بعض المناسبات أن رجلاً عربياً كان عنده فرس -خيل- جيدة وعريقة ونسيبه، اسمها "سكاب"، فجاءه ملك من الملوك يريد أن يأخذها منه، ما قال: الأمر بسيط والإنسان يفدي نفسه بماله. لا، قال له: أبيت اللعن، هذه تحية كانت معروفة عند العرب في الجاهلية.
أبيت اللعن إن سكاب عِلْق نفيس لا يعار ولا يباع |
فلا تطمع أبيت اللعن فيها ومنعكها بشيء يستطاع |
ما دام أنني أتستطيع أن أمنعك هذا الفرس، فإنك لن تستطيع الحصول عليه بحال من الأحوال، مع أن العربي في مقابل ذلك كان كريماً، يمكن أن يعطي أغلى وأعز وأثمن ما يملك بدون مقابل، لأنه رجل كريم، يعطي قطعة من قلبه، وكان الشاعر العربي حتى في الجاهلية يقول:
ولو أني حبيت الخلد فرداً لما أحببت في الخلد انفرادا |
فلا هطلت علي ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا |
فكان عندهم معاني الكرم، ومع ذلك ما كان أحد يستطيع أن يأخذ منهم أموالهم بالقوة بحال من الأحول.
ولذلك العرب في الجاهلية، ما خضعوا لأحد أبداً، ولا جمعهم جامع، ولا ربطهم رابط، حتى جاء الإسلام فوحد صفوفهم تحت شعار السمع والطاعة لولي الأمر ما لم يأمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع له ولا طاعة.
لكن المهم أن اليهود تعرضوا لحملات قاسية جداً، من حملات تصفية جسدية، وحرق بالنار، وقد ذكر بعض المؤرخين النصارى -أيضاً- قصصاً من اضطهاد النصارى لليهود يندى لها الجبين، وكيف كانوا يدفنونهم أحياءً في مقابر جماعية، وكيف كانوا يحرقونهم! وكيف كانوا يجعلون الشموع فوق رءوسهم ويوقدونهم حتى ينتهو! إلى غير ذلك، ومع هذا كله وعبر هذا التاريخ الطويل تجد أن اليهود اليوم ومنذ عشرات السنين تمكنوا من أن يجمعوا كلمتهم ويوحدوا صفوفهم في دولة فلسطين.
هذه الدولة تبدأ باسمها إسرائيل، اسم ديني لأن إسرائيل هو اسم للنبي يعقوب عليه السلام، فاسمها اسم ديني، فهذه الدولة تكونت من الأحزاب التي يسمونها أحزاباً متطرفة، مثل حزب كاهانا -هذا الذي قتل في أمريكا- وغيره، بل حتى جمهور الناس الساكنين فيها، وسائر الأحزاب الموجودة فيها والأشخاص تجد أنهم ينطلقون من منطلقات دينية، ويلتزمون بتعاليم دينهم التي استقرت عندهم الآن، وليس الدين الأصلي الذي نـزل على موسى عليه الصلاة والسلام؛ ويحترمونها.
حتى إن أحدهم يقول: ليس اليهود هم الذين حفظوا التوراة، لكن التوراة هي التي حفظت اليهود، يعني أن اليهود ليسوا هم الذين حفظوا التوراة، وتناقلوها جيلاً بعد جيل، حتى وصلت إلى المعاصرين، لا! وإنما التوراة هي التي حفظت لليهود وحدتهم وتماسكهم، حتى استطاعوا في هذا العصر أن يجتمعوا تحت ظل دولة واحدة، ليست دولة ذات حدود، بل دولة تطمع أن تكون بلا حدود؛ فالآن هي دولة إسرائيل، وغداً يطمعون أن تكون دولة إسرائيل الكبرى.
وتدخل فيها أطرافاً من الدول المجاورة، ولعل قضية هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى إسرائيل الآن، والعدد فيها قد يقارب ثلاثمائة ألف مهاجر، لعل هذه خطوة كبيرة؛ لأنه لو تصورت ثلاثمائة ألف مهاجر إلى إسرائيل، هؤلاء أين سيسكنون؟! من أين سيعيشون؟! ماذا سيزرعون؟! وماذا سيعملون؟! وفي أي المصانع سيشتغلون؟! أنا أطرح هذا السؤال وأترك الإجابة عليه لك.
فهل تتصور أن دولة محدودة ودولة ضيقة ودولة محصورة يمكن أن تستوعب هذه الهجرة الكبيرة؟! خاصة إذا تذكرت أن العنصر الفلسطيني الموجود في إسرائيل يتوالد بكثرة، وهذا من الأشياء التي تزعج الغرب واليهود، (كثرة التناسل والتوالد في عالم المسلمين).
لأنها شكلت عندهم خطورة، ولعل قضية ما يسمى بالانتفاضة هم أطفال، شكلوا لـإسرائيل مشكلة كبيرة وخطيرة هزتهم هزة عنيفة، وما ذلك إلا لأسباب لا شك كثيرة، لكن موضوع الكثرة العددية أو ما يسمونه بالانفجار السكاني هذا من أخطر الأشياء التي تهدد وتواجه إسرائيل، فإذا أضفت إلى هذا أنهم زادوا الطين بلة، بثلاثمائة ألف مهاجر من روسيا وغيرها، أدركت أن إسرائيل تخطط جدياً وربما في القريب، تخطط لتوسع معين، وهذا التوسع نحن مطمئنون بحول الله وقوته، وواثقون بوعد الله تعالى ونصره عز وجل.
إنهم حينئذ يتجمعون لميعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: {تقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله} وفي رواية البزار وغيره: {على نهر الأردن أنتم شرقيه، وهم غربيه}.
إذاً ليتجمع اليهود ما تجمعوا، وليقضوا ما هم قاضون، وليحشدوا قواهم وإمكانياتهم، وليستعينوا بحلفائهم من الشرق والغرب، وليدعو مهاجريهم من روسيا وأمريكا وأوروبا وغيرها؛ فإنهم إنما يجتمعون لمعركة حاسمة فاصلة لمّا يشهدها التاريخ بعد، ولن تكون مع العرب الذين يرفعون شعار العروبة، ولا مع الذين يرفعون شعار الوطنية، ولا مع الذين يرفعون شعار القومية، ولا مع الذين يرفعون شعار الاشتراكية، إنما تكون مع حملة لا إله إلا الله محمد رسول الله، الذين تربوا عليها وآمنوا بها، وأشربتها قلوبهم، فأصبح الواحد منهم مجاهداً يمضي ويقول:
ماض وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطف |
وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطُّرَف |
والآخر الذي يخاطب نفسه فيقول:
أقول لها وقد طارت شُعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي |
فإنك لو سألت بقاء يوم على الأجل الذي لك لن تطاعي |
فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع |
ومن لا يعتبط يسأمْ ويهرمْ وتسلمه المنون إلى انقطاع |
وما للمرء خير في حياة إذا ما عُدَّ من سَقَطِ المتاعِ |
ويتوقع الكثيرون أن النصارى ضعفت صلتهم بدينهم، والواقع أن هذا تصور في غير محله، ويكفيك أن تتصور قضية الحروب الصليبية، فأكثر من ثلاث عشرة حملة كان الرهبان والقسس يجوبون فيها أنحاء أوروبا، ويدعون الناس إلى بلاد الإسلام وبلاد العرب التي تسيل سمناً وعسلاً ولبناً -كما يقولون- وكانت حملات ضارية فتاكة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، حتى إنهم فعلاً احتلوا عدداً من بلاد الإسلام، خاصة بلاد الشام، وظلت القدس بأيديهم فترة، والذين رأوا بيت المقدس يقولون: ما زالت بعض مرابط الخيول موجودة آثارها في بعض غرف المسجد، وبكى المسلمون بكاءً مراً في ذلك الوقت، وكانوا يعيشون أوضاعاً سيئة كالأوضاع التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم في كل مكان من الأرض، من تفكك داخلي وتشتت وضعف وتخلف وتأخر، ومع ذلك سلط عليهم أعداؤهم الخارجيون، حتى قال قائلهم يصف ما آل إليه الحال:
أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول به على الدين النحيب |
فحق ضائع وحمىً مباح وسيف قاطع ودم صبيب |
وكم من مسلم أمسى سليباً ومسلمة لها حرم سليب |
وكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه ُنصِبَ الصليب |
دم الخنـزير فيه لهم خلوق وتمزيق المصاحف فيه طيب |
أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب |
فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا |
لكن هذا في أمور معينة، أضرب مثالاً: إحدى المدارس النصرانية في أمريكا، طلبت من الحكومة أن تساعدها بأتوبيس، حتى تنقل الطلاب فيه، فبعد دراسة هذا الموضوع ودراسته، قرروا أنه لا يمكن صرف أتوبيس لهذه المدرسة قالوا: لأن الدستور دستور علماني، ونحن إذا دعمنا هذه المدرسة بأتوبيس، فربما يكون هناك ولي أمر لا يرغب أصلاً في نقل ولده للمدرسة، لكن إذا يسرنا سبيل النقل، قد يتحمس لمثل هذا العمل، إذاً نحن لا نتدخل.
ومن هذا المنطلق -أيضاً- نقل خبر في بعض الولايات، أنه في إحدى المدارس الحكومية -لاحظ الحكومية- أن الأطفال يرددون في الصباح نشيداً في روح دينية، أيها الرب القدير، باركنا ووالدينا وأساتذتنا وبلدنا؛ فهكذا ينشدون وهم نصارى، فعدّوا هذه مخالفة ومنعوا مثل هذا العمل، أي أنهم يمنعون ترديد أي نشيد ديني في المدارس.
ومثل ذلك مسألة تعليق الصور، والمسلمون نظرتهم للصور معروفة أصلاً، فلا يجوز تعليق الصور، وخاصة إذا كانت صور العظماء، فضلاً عن صور الأنبياء.
فإن الخلفيات التي تحكم سياسات هذه الدول، هي خلفيات دينية يقول أحدهم: رغم الاعتراف بمبدأ فصل الدين عن الكنيسة، أو فصل الكنيسة عن الدولة؛ فإن هذا لم يؤد إلى فصل الدين عن السياسة، بل إن تأثير الدين في الحياة الأمريكية ليمتزج بالتعليم، والطب، والأعمال، والفنون، والسياسة، وغيرها.
وإن جميع الجهود التي تبذل لعزل ناحية من نواحي الحياة عن الكنيسة ونفوذها قد ذهبت هباءً، فعن طريق الدين يمكن القيام بكل شيء.
على سبيل المثال، يقول: إن الرجل الإنجليزي كان يقول: حينما أموت ستجد فلسطين مكتوبةً في قلبي، لماذا؟! لأنهم يعتقدون أن فلسطين هذه بلد فعلاً له قداسة مقدسة، وأن وجود النصارى التاريخي، ووجود اليهود مرتبط بـفلسطين، وقد يتساءل بعضهم عن سر التحالف الكبير بين اليهود والنصارى، مع أن الله عز وجل قال في كتابه: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51].
لكن في التاريخ شهدنا نوعاً من الصراع بينهم. فما سر هذا التحالف الكبير الذي يشهده الواقع المعاصر بينهم، منذ قامت دولة إسرائيل؟ إن من أهم الأسرار هو أن كثيراً مما يسمونه باللوبي الصهيوني، أو جماعات الضغط اللوبي - اللوبي معناه: الستار أو الرواق. وهى تطلق على جماعات الضغط النصرانية المسيحية المؤيدة لـإسرائيل في الولايات المتحدة- مؤيدة لها في كل مواقفها بشكل غريب.
حتى إنهم أيدوا دخولها إلى لبنان، وأيدوا مجازر صبرا وشاتيلا، وأيدوا ضرب المفاعلات النووية، وأيدوا كل عمل تقوم به إسرائيل من منطلق أن عندهم نبوءة، يزعمون أنها نبوءة توراتية سماوية بزعمهم، أن الله تعالى يبارك من يبارك اليهود ويلعن من يلعنهم.
فهذه العقلية هي التي تحكمهم، ولذلك يقولون: إن من نعمة الله تعالى عليهم أن وفقهم إلى دعم اليهود، والوقوف إلى جانب إسرائيل، حتى يباركهم الله تعالى، ويقول بعضهم: إن ما نعيشه من رغد ورفاهية وتمكين إنما هو بسبب وقوفنا بجانب من يسمونهم بشعب الله المختار. لماذا؟!
لأن عند النصارى عقيدة تقول: لن ينـزل المسيح -طبعاً نـزول المسيح يؤمنون به، كما نؤمن به نحن، لكن يؤمنون به بطريقة أخرى- حتى تقوم ما يسمونها بمملكة الله في زعمهم، وهذه المملكة في زعمهم ستقوم في فلسطين وما حولها، ثم في إسرائيل الكبرى، وستمتد ألف عام، وإذا قامت كان هذا هو البشير والإرهاص، بنـزول المسيح، وإذا نـزل المسيح زعم النصارى أنه سوف يقودهم، وأن اليهود سوف يتنصرون، ولهذا يقولون: لا تستعجلوا على اليهود الآن، ولا تعملوا على تنصيرهم، دعوهم وما هم فيه. لماذا؟! لأنه إذا نـزل المسيح فسوف يتبعونه ويتنصرون.
وهذا القدر بالذات، ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح الدجال يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، فاليهود يتبعون المسيح لكن المسيح الدجال، وليس عيسى بن مريم الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بنـزوله، وجاء ما يدل على نـزوله في القرآن الكريم.
وفي الواقع هناك أشياء كثيرة جداً في هذا المجال، وطرائف وأمور في غاية العجب في هذا الكتاب بالذات، منها أن هناك دعوى نصرانية عند من يسمونهم بالأصوليين النصارى، أو الأصوليين الصهيونيين وهم نصارى بطبيعة الحال، وجماعات كثيرة جداً في أمريكا، عندهم دعوى يقولون: إن الهنود الحمر الذين كانوا موجودين في أمريكا أنهم كانوا من القبائل الإسرائيلية، وهذا فيه إشعار إلى أن أمريكا دولة في الأصل يهودية، وأن الذين هاجروا من أوروبا، ومن بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وغيرها إلى الولايات المتحدة طردوا هؤلاء وقتلوهم، يعني: أنهم فعلوا هذا الفعل باليهود.
فـالنصارى هناك بلا شك يتعاطفون مع إسرائيل، بل إن هناك كثيراً منهم قد تهودوا وأعلنوا خروجهم من الديانة النصرانية ودخولهم في اليهودية، ويزعمون أن شعبهم الشعب الغربي هو الشعب المختار لتحضير العالم، الذي جعل الله تعالى مهمة نشر الحضارة العالمية على يديه، ولهذا يتكلمون الآن بما يسمونه بالنظام العالمي، والسلام العالمي.
ولعلكم تعرفون -مثلاً- نماذج من هذه الأشياء، وهناك كتيب صغير عن هذا الموضوع ذاته، يتكلم عن بعض القُسس الذين يقومون بدور في الدعوة النصرانية، من ضمنهم جيمس بيكر وهو قسيس مشهور، وكذلك القس جيمي سواجارت، الذي حصلت له المناظرة مع أحمد ديدات وصارت له الفضيحة.
مع ذلك فهذا أحد القُسس ظهر في يوم من الأيام على الشاشة وقال لهم: إنني أطلب منكم أن تدعموا الكنيسة بمبلغ كذا من المال -وذكر مبلغاً خيالياً جداً- وقال: إن الله أمرني أن أطلب منكم هذا المبلغ، فتبرع له الناس بمبالغ طائلة، بقي تقريباً من المبلغ ثلاثمائة مليون دولاراً تقريباً، أو ثلاثون مليوناً لا أدري بالضبط، المهم جاء قبل الموعد الذي حدده بيوم؛ لأنه قال: إذا ما جمع المبلغ قبل موعد كذا فإنني سأموت وسوف يهلكني الله عز وجل؛ لأنه طلب مني ذلك.
جاء قبل الموعد بليلة وقال للناس: فعلاً غداً موعد الموت، وقد بقي ثلاثون مليون دولار لم تصل إليَّ بعد، وفعلاً ما مضى على هذا الكلام إلا دقائق حتى جاءه هذا المبلغ بالكامل.
أي عقلية هذه؟! هذه تدل على أنها عقلية متخلفة وعقلية ضعيفة وعقلية واهية، لكن يبقى تأثير دينهم؛ لأنهم لم يجدوا الدين الحق، ولم يجدوا الإسلام الذي يدلهم على الطريق الصحيح، فأصبحوا يشبعون هذه الغريزة وهذه الفطرة الموجودة للتدين في نفوسهم، يشبعونها باتباع أشياء من هذه الأمور التي تضحك منها العجائز، في أكثر بلاد العالم تخلفاً وتأخراً وانحطاطاً، ومع ذلك هي أكاذيب تروج على كبار الدكاترة، وكبار الشخصيات، في بلاد تعد أنها مهد الحضارة والتقدم.
فلا نستغرب أن عدداً ممن رشحوا أنفسهم لرئاسة الولايات المتحدة، كانوا على صلة وثيقة بالتدين وبالقسس، بل هناك أكثر من قسيس رشح نفسه لمنصب الرئاسة، وهذا على أي حال هو من أهم الأسرار التي تربط الولايات المتحدة بـإسرائيل؛ لأنهم يدركون أن الارتباط ارتباط ديني، ويقولون: إن العرب لا يستحقون البقاء، ولا يستحقون أي تعاون؛ لأنهم يحاربون اليهود.
فهذا واحد منهم اسمه روبرت سون يقول أحد الباحثين: لا يوجد في عقله سوى الأيام الأخيرة من هذا الزمان، وغزو السوفيت والعرب لإسرائيل، واللامسيحية، وتزايد الزلازل والبراكين، والمجيء الثاني للمسيح.
وتتمحور الإجابة عن هذه القضايا عنده في أن إعادة مولد إسرائيل هي الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ، مع أنه مع مولد إسرائيل، فإن بقية النبوءات في زعمهم أخذت تتحقق بسرعة، ويبدو برنامجه باستمرار معادياً للعرب، وهو يعتبر العرب أعداء الله، ويعتبر أنه لا مجال للعدل مع الفلسطينيين، طالما أن رغبة الله -هكذا يعبر هذا الدنيء- في تأسيس إسرائيل، وفي تعيين حدودها.
وكذلك في فيلم اسمه "تفاحات الله" يقول هذا الفيلم -وهو فيلم وثائقي عن تاريخ الصهيونية- يقول: نحن نعرف المسيحيين من صميم قلوبنا، إن الله يقف بجانب إسرائيل وليس بجانب العرب الإرهابيين، وفي سنة (1982م) قدم في برنامج عنوانه: "إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء" استضاف القس مايك إيفانـز أحد القسس المعروفين هناك.
فالمهم أن دعمهم لليهود وتخليهم عن العرب، مبني على قضايا دينية، ونبوءات توراتية، ويقولون في بعض إعلاناتهم: نحن ملتزمون بأمن إسرائيل، كما نؤمن بأن كل الأرض المقدسة هي ميراث للشعب اليهودي، غير قابل للنقل أو التصرف، وهو الوعد الذي أعطي لإبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولم يلغ قط، كما إن إنشاء إسرائيل الحديثة، هو إيفاء لا ينازع للنبوءة التوراتية، ونذير بمقدم المسيح، ونعتقد أن اليهود في أي مكان ما زالوا هم شعب الله المختار، وأن الله يبارك من يباركهم، ويلعن من يلعنهم.
وفي هذا الفيلم أو البرنامج "إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء" يناشد إيفانـز هذا القسيس الشعب الأمريكي التقدم لتأييد أفضل صديق للولايات المتحدة، وذلك بتوقيع إعلان البركة لـإسرائيل؛ لأن الرب أمره بوضوح بإنتاج هذا البرنامج الخاص بـإسرائيل، وينشر إعلانات عن برنامجه باللغة العبرية أحياناً، ويصف نفسه بأنه رئيس جماعة عشاق إسرائيل وعشاق اليهود.
والكلام في هذا الموضوع طويل، وإنما أردت أن أشير إلى أن قضية الدين لا يمكن تجاهلها بحال من الأحوال، وما زال النصارى مثلهم مثل اليهود، يتوقعون اليوم الذي يهدم فيه المسجد الأقصى، ويبنى هيكل سليمان مكانه، ويتحدث المرشدون السياحيون الإسرائيليون عن الخطط الجاهزة لذلك، بما فيها مواد البناء، وإعداد لوازم الهيكل، والثياب الحريرية التي سوف يرتديها كهنة الهيكل بعد إنجازه.
ويزعمون أن هذا تم بناءً على إرادة الله، وأنهم يفضلون أن يكون المكان خالياً لبناء الهيكل، ومن الممكن أن ينهار المسجد والصخرة بإرادة الله، أو نتيجة زلزال، أو أي شئ آخر، والشيء الآخر هو أن يقوم رجل -كما زعموا- مجنون أسترالي ويحرق المسجد الأقصى، ويأتي مجنون آخر فيكمل العملية، وتقيد القضية على مجهول أو على مجنون.
فعلى كل حال، الدين يهيمن على حياة الناس في الشرق والغرب، ومن يتصور أن يحارب الدين، فهو ينطح بقرنه جبلاً لا يمكن أن يواجهه بحال من الأحوال، ومن يتصور أن الشعوب الغربية، أو الشرقية أو اليهود أو غيرهم، قد تخلوا عن دينهم وأصبحوا علمانيين، تحكمهم المصالح المادية فقط، فإنه -أيضاً- يتجاهل حقيقة مادية علمية، فإن هذا الكتاب الذي أتحدث عنه وغيره كثير مثل كتاب "الغرب في مواجهة إسرائيل" لـمازن المطبقاني -مثلاً- وكذلك "الإسلام والكونجرس".
فهذه الكتب كتب وثائقية، وخاصة هذا الكتاب فهو رسالة دكتوراة تعتمد على وثائق في غاية الدقة، وتثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الدين أكبر مؤثر في مواقف الغرب وفي دعمهم لليهود، وفي تخليهم عن العرب، وفي أشياء كثيرة، بل إنه ذكر أن هذه الجماعات عارضت أكثر من مرة صفقات أسلحة كان من المقترح أن تقدم لهذه البلاد، وأيدت بقوة أي صفقة أسلحة تدعم بها إسرائيل.
فهذا كله يدل على أن هذه الأمة خاصة أمة الإسلام، أمة كتب الله تعالى لدينها البقاء، وكتب لها الخلود إلى أن يشاء الله عز وجل فهي أمة باقية، أمة راسخة الجذور، باسقة الفروع، أمة لها النصر، ولها العز، ولها التمكين، ولها من الله عز وجل الخير، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره}.
إذاً ينبغي أن ندرك أنه حين نتحدث عن اليهود، وعن النصارى، وعن الشيوعيين، فهذا الكلام يمكن أن ينجر على أي ديانة أخرى، لكننا نقول: إن دين الإسلام الذي جعله الله هداية للبشرية كلها، هو دينٌ قائم باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو النور الذي كتب الله تعالى أن يبقى، ليكون منارة يهتدي بهامن أراد الهداية، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] وقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44].
والأمة التي أنـزل فيها هذا القرآن، وبعث فيها هذا النبي المختار عليه الصلاة والسلام، هي أكثر الأمم مسئولية في حمل وتبليغ رسالة الإسلام، لهذا قال معاوية رضي الله عنه كما في سنن أبي داود: [[والله يا معشر العرب إن لم تقوموا بهذا الدين لَغَيرُكم أجدر وأحرى ألا يقوم به]].
فيجب أن ندرك مسئوليتنا في حمل رسالة الإسلام، وفي التعب والعناء والجهد من أجل الإسلام، فالكثيرون يحبون أن يعملوا شيئاً للإسلام، لكن ليس لديهم استعداد أن يضحوا.
والذي ليس لديه استعداد أن يضحي بوقت، أو يضحي بجهد، أو يضحي بأي أمر في سبيل هذا الدين؛ فإنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً، نحن رأينا كيف ضحت الأمم الأخرى حتى وصلت إلى ما أرادت، هل تعتقد أن هذه الأمم الممكنة اليوم مكنت بغير عناء؟! هل تعتقد أنها حصلت على نصر بارد وغنيمة بلا جهد؟! كلا، بل إن الله عز وجل كتب في سننه الكونية أن من يتعب، ويجهد، يجد نتيجة جهده، ولا يضيع سعيه، حتى الكافر إذا قام بعمل دنيوي وعمل الأسباب قد يحصل على النتائج.
أما المسلم إذا قصر في اتخاذ الأسباب يفلس ولا يحصل على النتائج، فلا بد أن ندرك أننا محتاجون إلى أن نضحي في سبيل هذا الدين، وأن نصدق مع الله عز وجل ويكون الإسلام همنا، نستيقظ عليه، وننام على اهتمامات وشئون وشجون المسلمين، ونجهد من أجله، ونفرح ونحزن في سبيله، وإذا وجد الجيل الذي هذا حاله، فلنثق ثقة تامة بأن عندنا وعد ممن يملك الوفاء، وممن لا يخلف الميعاد، أن الله تعالى ناصر دينه ومعلٍ كلمتَه ومذلٌ أعداءه، وأن كل أعداء الدين سوف يدخلون في جحورهم، قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:87-88] وقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر:51] وقال: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52] وقال: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].
فلنثق بوعد الله، ولنتق الله تعالى في أنفسنا، ولنؤمن بالله تعالى، ولنجاهد في سبيل الله عز وجل ولنصبر، ولنصابر، ولنرابط، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] والحمد لله رب العالمين.
الجواب: هذه مشكلة فعلاً فكثير من الناس ينظرون إلى جانب واحد، فأحياناً تسمع ممن تربوا على موائد الغرب، لا يذكر إلا الإيجابيات، فيقول: هؤلاء القوم عندهم دقة في المواعيد، وعندهم انضباط وعندهم حرية، ويذكر بعض محاسنهم وينسى عيوبهم.
وهناك آخرون يذكرون هذه العيوب، وينسون أنه فعلاً هذه الأمم تقدمت في مجال التقنية، والتصنيع، والتكنولوجيا تقدماً هائلاً، وفي مجال علوم كثيرة، في مجال الطب، في مجال الاجتماع، وفي مجال العلوم، والدراسات تقدمت أيضاً، وهذا التقدم هو الحكمة التي أنَّى وجدها المسلم فهو أحق بها، وحين يسلك المسلمون الطريق الصحيح ويستخدمون الأسباب، سيصلون إلى نتائج أفضل من تلك النتائج التي توصل إليها أولئك.
وثانياً يقول: ماذا أصنع مع أصدقائي الذين هم معي في المخيم، وقد يكون منهم من يسمع الغناء، أو ما أشبه ذلك أو يدخن؟
الجواب: عليك أن تصاحبهم معروفاً، وتنصح لهم في ذات الله عز وجل وتقول لهم الكلمة الطيبة، وتهديهم الكتاب والشريط، وتذكر لهم حكم الله ورسوله فيما يرتكبون من المعاصي، وتصبر عليهم.
لأن كثيراً من الشباب كما لاحظت، إذا نصح شخصاً مرة أو مرتين ظن أنه قد قام بالمسئولية وجاء يشتكي، ويقول: قلت فما نفع. يا أخي النبي عليه الصلاة والسلام المبعوث والمؤيد بالوحي من السماء، كان يجلس عند قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً!
والنبي عليه الصلاة والسلام طالما قال للناس: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. لو كانت كلمة واحدة أو مخاطبة مرة تكفي في هداية الإنسان ما احتجنا إلى جهد كبير.
فنحتاج منك يا أخي الحبيب مع الدعوة إلى الصبر، ادع مرة واثنتين وثلاث وعشرة ومائة، واصبر فربما توافق إحدى الكلمات قلبه، وهو مستعد للتقبل فيكتب الله تعالى هدايته ويكون هذا على يديك فيكون لك بذلك أجر.
الجواب: أنصحهم بالصبر، والتريث، وعدم العجلة، وأنصحهم بالثقة بالله عز وجل، ووعده، وقضائه، وقدره، والاطمئنان إلى أن ما يكتبه الله تعالى لهذه الأمة هو خير، وإن جهلنا أسبابه وجهلنا وجه خيريته، لكن نثق بالله ونؤمن به، وأنا على ثقة تامة بأن كل ما يدور ويجري هو في صالح الإسلام والمسلمين.
وقد تحدثت عن ذلك بشيء من التفصيل في محاضرة بعنوان (خواطر في النصر والهزيمة) بما يغني عن الإعادة هنا، وكذلك السؤال بماذا تنصحني؟ يمكن أن يرجع الأخ إلى موضوع (دورنا في الأحداث).
أروح وقد ختمت على فؤادي وقلبي أن يحل به سواكا |
ولو أني استطعت غضضت طرفي فلم أنظر به حتى أراكا |
أحبك بكلي لا ببعضي وإن لم يبق حبك لي حراكا |
الجواب: أستغفر الله!! في الحقيقة هذه الأبيات أحسب أن الأخ الكاتب ينتقدها، ويريد مني أن أبين وجه الخطأ فيها، ولا أرى أن الأخ يطلق مثل هذا الكلام على بشر، ولا يجوز هذا، وهذا لا شك أنه محرم فمثلاً:
أروح وقد ختمت على فؤادي وقلبي أن يحل به سواكا |
أين الله؟! أين محبة الله في قلبك يا أخي؟! عفا الله عني وعنك.
ولو أني استطعت غضضت طرفي فلم أنظر به حتى أراكا |
يا أخي: استغفر الله وتب إليه، فلا يجوز هذا، بالنسبة لله عز وجل لا ينظر إليه في الدنيا.
الجواب: نعم، كل شيء يعارض الدين يتحطم على صخرة الدين، كن مطمئناً ولا يراودك شك، فكل دين خاصة دين الإسلام؛ لأنه دين يتمتع بالحق المطلق، وكل شيء ضد الدين فهو إلى زوال، هذه قاعدة ينبغي ألا يشك فيها أي إنسان.
الجواب: لا أعلم نصاً على ذلك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر