إسلام ويب

شرح الأربعين النووية - الحديث السادس [2]للشيخ : عطية محمد سالم

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    تابع شرح حديث: (إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن...)

    الترغيب في اتقاء الشبهات

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    وبعد:

    فإن اتقاء الشبهات معراج أو سلّم أوله في الأرض وآخره في السماء، فبعض الناس يرى الكبيرة العظيمة (كذبابة على أنفه قال بها هكذا) كما جاء في الحديث، وبعض الناس يرى الشبهة كأنها جبل على رأسه، وما كل الناس في اتقاء الشبهات سواء، يوجد أشخاص نفسياتهم شفافة، لو نفثت عليها بالهواء تأثرت، كالمرآة الصقيلة في الشتاء إذا جعلتها إلى فمك وتنفست، يخرج من المعدة بخار، فيتكاثف مع برودة الجو على المرآة فيعمل مثل السحابة، فبعض الناس من شفافية نفسيته وتحريه للحلال فإن الشبهة تؤثر فيه كسحابة حرام، وبعض الناس يبلعها ولا يبالي، والأمر عنده واسع، فالناس ليسوا سواء.

    وأقرب مثال عندنا قصة أبي بكر رضي الله تعالى عنه عندما جاءه خادمه بطعام، فلما أكله تأثرت نفسه، سبحان الله! الطعام ما وصل إلى جوفه إلا وأحس بحساسية، فنادى الغلام وقال له: تعال! من أين هذا الطعام؟! قال: كنت في الجاهلية تكهنت لرجل، وأنا والله! لست بكاهن -يعني: خدع الرجل- فلقيني الآن، وأعطاني حلواناً فاشتريت به كذا وكذا، فوضع أبو بكر رضي الله تعالى عنه أصبعه في حلقه واستقاء ما أكله، فما الذي حرك نفسية أبي بكر من هذا الطعام؟ هل كان فيه ملح زايد أو شطة أو شوك؟!

    كذلك عمر رضي الله تعالى عنه أرسل غلامه ليأتيه بحليب من إبله، فذهب وجاء فلما شرب الحليب استنكر طعمه، قال: تعال يا غلام! من أين جئتني بهذا الحليب؟ قال: والله! أرسلتني آتيك بحليب من إبلك، فوجدت الرعاة قد أبعدوا بها، ولقيت إبل الصدقة على الماء فقلت: احلبوا لي، فحلبوا لي، فجئتك بلبن من إبل الصدقة، فقال أمير المؤمنين: آكل الصدقات؟ أحس في نفسيته هذه الحساسية، ويمكن نسمي هذه الحاسة السادسة حاسة الحلال والحرام، لا يكشفها بارومتر ولا ترمومتر ولا أي شيء من هذه المقاييس المادية مهما كانت، وهي تكشف الأمور العضوية، والكثافة، والدسومة، والخفة، والحرارة، والبرودة، لكن الحلال والحرام فهي أمور حكمية واردة على العين الواحدة.

    إذاً: الإحساس والتوقف عند المشتبهات ليس كل الناس فيه سواء، فأيما إنسان صفت نفسه، وتعود أكل الحلال، ونشأ على الحلال فأقل شبهة تؤثر على نفسه.

    أبو حنيفة كان تاجر بز، وكان عنده ثوب فيه عيب، فجعله في جانب، وهو آخر ثوب عنده من ذلك الصنف وكان معه في المحل من يعمل معه، فذهب أبو حنيفة ليقيل ثم رجع فإذا الثوب الذي عزله في جانب غير موجود، فسأل عنه فقال العامل: بعته، قال: بكم بعته؟ قال: كما نبيع الثياب. قال: هل أخبرت المشتري بالعيب الذي فيه؟ قال: لا، وهل فيه عيب؟ -لم يدر العامل- لكن أبا حنيفة تصدق بكامل قيمة الثوب، وكان يمكن أن يتصدق بقيمة العيب فقط ولكن فعل ذلك ورعاً منه.

    ويذكرون عن الإمام أحمد رحمه الله أنه خُبز عجين بيته في بيت فلان فامتنع أن يأكل منه؛ لأن فلاناً في ماله شبهة. سبحان الله! بعضنا قد يأتيه خبز وإدام وشراب من رجل في ماله شبهة فيتلقاه بكل رحابة صدر.

    وإلى عهد قريب كان الشيخ محمد بن تركي شديد الورع، وأهل المدينة يعرفون ورعه وزهده في هذه الأمور، فقد كان ورعاً إلى حد بعيد.

    يتعين على المسلم أن يتقي الشبهة، ولا يستطيع الإنسان أن يوفي هذا المقام حقه، ولكن عليه بالمقاربة كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع الناس عليه).

    وهذا هو التقسيم الثلاثي، وبيان موقف الأمة من هذه الأقسام:

    الحلال بيّن، ويقدم عليه كل إنسان، والحرام بيّن، يجب أن يحجم عنه كل إنسان، وبينهما أمور مشتبهة، إن نظرت إليها من جهة قد تكون حلالاً، وإن نظرت إليها من الجهة الثانية قد تكون حراماً، إذاً: ماذا تفعل؟!

    القليل الذين يعلمون حكمها كما قال: (لا يعلمهن كثير من الناس)، ومفهوم ذلك أن يعلمها القليل، ولا تخلو الأمة من هذا القليل الذي يعرف حقيقة المشتبه، وإليه يرجع الناس، فإن كنت أنت من هذا القليل، تحريت وتحققت ثم بعد ذلك أقدمت على مقتضى ما علمت، وإن كنت من الكثيرين الذين لا يعلمون حكم هذا فموقفك منه الكف، (من ترك شيئاً لله أبدله الله خيراً منه).

    التعليم بضرب الأمثال

    ثم ذكر في نهاية هذا الحديث التشبيه البليغ الواضح البين، وضرب الأمثال من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ورد في القرآن الكريم ضرب الأمثلة، وتشبيه الأمر المعنوي بالمحسوس، ليصبح واضحاً ظاهراً لكل الناس، من ذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [العنكبوت:41] وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ [الرعد:14] ، ماء في قاع البئر أو في النهر أو في الغدير وهو بعيد عن لمس اليد، فيأتي رجل يبسط كفه إليه ويفتح فمه، وينتظر الماء أن يأتيه!! والماء لن يأتيه إذا ناداه أبداً، ولكن كأن هذه صورة -كما يقولون في العصر الحديث- كاريكاتورية لإنسان عطشان، ويتخذ طريقاً غير الطريق الذي يوصله إلى الماء، وهنا يبين صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمور المشتبهة ينبغي للإنسان أن يبتعد عنها؛ لأن من وقع في الشبهات وقع في الحرام، فيجب عليك أن تجعل بينك وبين الحرام حاجزاً، كما يقولون: منطقة محايدة، لا تقربها؛ لأنك إن دخلت تلك المنطقة لم يبق ما يحجزك عن الحرام، فإن زلت القدم زلت في الحرام، أما إذا جعلت منطقة محايدة وكنت خارج المنطقة، فإن زلت قدمك زلت في هذه المنطقة المشتبهة وترجع، لكن إذا اقتحمت المنطقة المشتبهة فزلت القدم فستنزل في الحرام، على سبيل المثال: هناك رأس جبل عنده هاوية، وهناك حافة حاجزة عن تلك الهاوية، فإذا مشيت من وراء الحافة، وصرت تلعب وتمرح خلفها، فإن سقطت وقعت على هذا الحاجز، لكن إذا مشيت فوق هذا الحاجز، وصرت تلعب عليه، فإن زلت قدمك وقعت في الهاوية، والراعي حول الحمى إن ابتعد عن الحمى كان في عافية من الحمى؛ لأنه بعيد جداً، لكن إن جاء على حدود الحمى فهل يضمن أن غنمه لن تفر إلى الحمى؟ لا، وإذا فرت واحدة منها إلى الحمى فالملك سيعاقبه ويأخذ غنمه كله، لكن إن بعد مسافة مائتين أو خمسمائة متر، فمهما شذت شاة عن الغنم لن تبعد عن مائة متر، ويمكنه أن يدركها قبل أن تنزل إلى الحمى، وهكذا.

    ثم أتى صلى الله عليه وسلم بالتشبيه التمثيلي فقال: (ألا وإن لكل ملك حمى)، ولا يمكن لأحد من الرعية أن يقتحم حمى الملك، وحمي الحمى مشروع، فقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم حمى جهة النخيل، وحمى جهة وادي الفرع، وكان يحمي لإبل الصدقة مواطن خاصة ترعى فيها ولا يدخل فيها نعم الناس.

    وتقدم معنا قصة أنعام عثمان وعبد الرحمن بن عوف في درس الموطأ، فحماية الحمى لإبل الصدقة أو للمصالح العامة مشروع لا للأفراد ليستغلوه دون الآخرين، ويجوز أن يكون للملك حمى لدوابه ولمصالحه؛ لأنها تعود على مصالح الأمة، والله سبحانه له حمى في خلقه، ما هو الحمى الذي حماه الله، ومنع الناس أن يدنوا منه؟ حمى الله هي محارمه، ليست بأراضٍ ولا بساتين، ولا مراعٍ، رغم أن الأرض كلها ملك لله، ولكن الله حمى ومنع وحرم المحارم، ومن هنا يقول علماء الأصول في حكمة التشريع: ما أقامه الله من حدود على المحارم فقد جعله لتلك المحارم حمى، ونحن نعلم أن المحارم تدور حول الأديان والعقول والأنفس في الدماء والأموال والأعراض والأنساب، فحرم الله الردة حماية للدين، وحمى الردة البدع، فحرم البدعة؛ لأنها تسوق إلى الردة عن الدين عياذاً بالله، وعقوبة المرتد القتل لحديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، ومن ابتدع لا يقبل عمله، لحديث: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وحرم قتل النفس وإراقة الدماء، وجعل فيها القصاص قال الله: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45]، وجعل للنفس حمى، فلا تعتدي عليها بالضرب؛ لأنك إن اعتديت عليها بالضرب -وهو ليس قتلاً للنفس- جر الضرب إلى ضرب أكثر إلى أن يصل إلى ضربة قاضية، وحرم الله الزنا، وجعل فيه حد الجلد أو الرجم، وجعل للزنا حمى، إن ابتعدت بعيداً عن هذا الحمى سلمت، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل مع امرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وقال سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، فإذا كنت بعيداً عن هذا الحمى سلمك الله من الزنا، فالزنا حرمه الله وجعل له حمى ووقاية، منطقة محايدة، ومنطقة صيانة، فإذا لم يخل بامرأة، وغض بصره، فهل يصل إلى الزنا؟ لا يصل إلى الزنا.

    وكذلك في الأموال حرم السرقة، وجعل للمال حماية، فنهى عن الغش وعن التدليس، وعن كل ما يسمى أكل أموال الناس بالباطل.

    إذاً: من اتقى الشبهات فقد استبرأ، ومن ابتعد عن حمى الله سلم أن يقع فيه؛ لأنه إذا لم يخل بالمرأة، ولم يقع بينهما شيء من الملامسة لا يصل إلى الزنا، لكن إذا اجتمع بها وخلا بها، ووقع بينهما ما دون الزنا فما الذي سيمنعه ويحجزه عن الزنا؟ لا شيء، وهذا يسميه العلماء: التكميلات، أي: تكميلات لحفظ الضرورات التي جعل الله لها الحدود للزجر عنها. (ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) يعني: إذا كانت هناك حالة مشتبهة بين أن تكون من محارم الله أو من المباحات فعليك أن تستبرئ لدينك وتترك الأمور المشتبهة حتى لا تقع في حمى الله الذي حرمه عليك.

    صلاح الأعمال بصلاح القلب وفسادها بفساده

    ثم ذكر منطلق اتقاء الشبهات، والأصل في ذلك وهو: القلب، فقال: (ألا وإن في الجسد مضغة) ما علاقة هذه المضغة في الحمى وفي المحارم؟

    لأن اتقاء الشبهات ليس عمل الجوارح بقدر ما هو عمل القلب؛ لأن اتقاء الشبهات بتقوى الله، وتقوى الله محلها القلب، (ألا وإن في الجسد) عموماً من شعره إلى إلى ظفر رجله (مضغة) والمضغة تشبيه بقدر ما يكون القلب، علماً بأن قلب كل حيوان بقدر قبضة يده، فقلب الطفل الصغير بقدر قبضة يده وهكذا قلب الفيل بقدر خفه، وقلب البعير بقدر خفه، وهذا مقياس في جميع الحيوانات، (ألا وإن في الجسد مضغة) أسلوب تقليل، أي: أنها من أصغر الأعضاء الموجودة في الجسم، فهي أصغر من الكبد، وربما تكون أصغر من الطحال في بعض الحالات، مع أن القلب أكبر من الطحال نوعاً ما، وأصغر من الرئة، وأصغر من اليد، وأصغر من الرجل، وأصغر من الرأس، فهذه المضغة صغير حجمها ولكن عليها مدار صلاح العبد. (إذا صلحت صلح الجسد كله) صلحت من الناحية الصحية فيكون القلب سليماً، ومن الناحية الاعتقادية فيكون القلب نقياً طاهراً، الأمران معاً، ويتفق الأطباء الآن بأن مريض القلب يعتبر مريض الجسم كله، وأن صحيح القلب صحيح الجسم كله إلا ما ندر في بعض الجوانب، فصحة القلب دليل على الصحة العامة بالجسم، ولكن الأصل أن المراد هنا: الصحة المعنوية، وهي صحة الإيمان والعقيدة، وقوة اليقين بالله، فإذا صلح القلب مع الله سبحانه؛ صلح هذا الجسد في أعماله، وكان سلوكه صالحاً خالصاً لوجه الله تعالى، والله سبحانه وتعالى أعلم.

    ترك المشتبهات مراعاة لحال المجتمع

    ذكرنا أن لكل ملك حمى، وقلنا: إن الملك قد يحمي بعض المواطن لرعي دوابه، وقد يحمي بعض المواطن لمواقف سياراته، وقد يحمي بعض المواطن لموارد مستودعاته، وكل هذا من الحمى الذي يكون للمصالح العامة.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (استبرأ) أي: طلب البراءة، مثل: (استغفر) طلب المغفرة، وقوله: (واستبرأ لعرضه) هذا واجب على كل مسلم كما لا ينبغي أن تخالف عادات مجتمعك بأمر فيه شبهة وإن كان على حقيقته ليس منظوراً، ولكن فيه شبهة، فينبغي أن تتقي تلك الشبهة، وإن كانت في حقيقتها ليس فيها محظور، يفسر لنا ذلك ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان معتكفاً، وجاءت صفية رضي الله تعالى عنها لتزوره، ومكثت عنده، ثم قام معها ليلاً ليقلبها إلى بيتها -وكان بيتها شمالي المسجد، فحجرات رسول الله كانت تحيط بالمسجد من القبلة فالشرق فالشمال- فمشى معها من محل معتكفه في المسجد إلى بيتها، فأحس برجلين يمشيان وراءه، فقاصر الخطوات حتى لحقا به ثم التفت إليهما، فقال: إنها صفية ، -بين لهم حقيقة الأمر وأنها زوجه، وليس في الأمر أي لبس ولا اشتباه، ولكن الناس عندهم فيها شبهة، إذا رءوا امرأة ورجلاً يمشيان في الليل!- فقالا: سبحان الله، يا رسول الله! فقال: لا، أنا خفت عليكما أن يطرأ عليكما شبهة فتهلكا)، فعلى كل إنسان أن يستبرئ لعرضة، فمثلاً مشي الرجال مع النساء في منتصف الليل فيه شبهة، فلو أخذت زوجتك تتمشى في ذلك الوقت ويدك في يدها، وهي زوجتك ويحل لك أن تضع يدك في يدها أو على كتفها لكن أمام الناس هل تستسيغه العامة؟! هل يستسيغه الناس؟! هل يجوز مروءة؟! لا، فمن حق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يوقفوك، ويسألوك: من هذه المرأة التي معك؟ تقول: زوجتي، فيقولون: هات البطاقة، من حقهم هذا؛ لأنك أوقفت نفسك في موقف الشبهة، فلا ينبغي لك أن تفعل ذلك، ويجب عليك أن تبتعد عن مواطن الشبهة، إذا كان مثلاً في بلد من البلدان سوق العسل وسوق السمن وسوق الخمر، فجاء إنسان مسلم وقال: أتفرج على سوق الخمر! معلوم عند الناس أنه لا يمر بهذا السوق إلا زبون هذه المحلات، فهل من حقك أن تمر بها وتقول: أنا -والله- أريد أن اتعظ بهؤلاء المبتلين، الذين عافانا الله مما ابتلاهم به! نقول لك: لا، هذا موقع فيه شبهة، ولا يجوز لك أن تمشي فيه.

    كان هناك جماعة يسمون الملاتية، يأتون أفعالاً يلام عليها الشخص، فقيل: لم تفعلون ذلك وقد نهيتم عنه؟ قالوا: حتى يقع الناس في أعراضنا بالغيبة فتكون لنا حسناتهم، لكن هذا تغرير بالناس، ولماذا تضيعون على الناس حسناتهم؟ فلا ينبغي هذا.

    إذاً: من ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ولو كان الأمر الذي تركه ليس حراماً.

    ولذا يتوسع مالك رحمه الله في سد الذرائع، وسد الذريعة هو أن تترك من الحلال جزءاً ابتعاداً عن الحرام، وتترك بعض المباح ابتعاداً عما ليس بمباح، وهكذا يستبرئ الإنسان لدينه وعرضه، لدينه فيما حقيقته مشتبه، ولعرضه حتى لو كان في حقيقته حلال ولكن صورته صورة الشبهة، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    نقل قلب كافر إلى مسلم هل يؤثر في الإيمان؟

    السؤال: في عمليات زراعة القلب، كيف يكون الحال إذا نقل قلب كافر إلى مسلم؟

    الجواب: هذا -والله- سؤال وجيه ووارد، فإذا كان صلاح المسلم بصلاح قلبه، فكيف بما جاءنا به العلم الحديث أو التكنولوجيا الحديثة من نقل لقلب المسلم إلى غير مسلم، أو بنقل قلب الكافر إلى المسلم، فهل يصبح الكافر مسلماً أو المسلم كافراً بنقل هذا القلب أم لا؟ وما أثر نقل القلبين من مكانهما؟

    سئل عن هذا والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في أوائل هذه العمليات، فقال: يفسر هذه القضية قوله تعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] قال: فالقلب إنما هو وعاء يجعل فيه نور الإيمان أو معصية الكفر، ويمكن أن نستشهد لهذا بقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ [النور:35]، فالمصباح يضيء بالزيت الذي يوجد فيه، ولذا نقول: الإيمان كالزيت النقي، فإذا جاء العمل الصالح وجاء اليقين اشتعل ذلك الزيت، وأضاء القلب، والمعصية تنكت في القلب نكتة سوداء حتى تغطي النور الداخلي، كزجاجة الفانوس إذا كثر عليها الدخان حجبت النور داخله، إذاً: لو نقل قلب المؤمن فإنما تنقل البضعة، وينقل اللحم والدم، أما حقيقة النور وحقيقة الإيمان فتبقى لصاحبها، وهكذا قلب الكافر ينقل السراج فقط أما الزيت فيبقى في محله، ولهذا لا تأثير لنقل قلب مسلم لكافر ولا لنقل قلب كافر لمسلم، والله تعالى أعلم.

    حكم نقل القلب

    السؤال: ما حكم نقل القلوب وزراعتها طبياً؟ وهل هذا واقع فعلاً؟

    الجواب: مسألة يجوز أو لا يجوز، أو صح أو لا يصح، أو عاش أحد بعده أو لم يعش أحد بعده، سبق بحث هذا في مؤتمر ماليزيا عام أربعة وثمانين، وقلنا: هذا من الترف العلمي، ولا يتأتى عملياً، والذين نقلت لهم قلوب وعاشوا أياماً إنما هي حالات قليلة، والله تعالى أعلم، ومن ناحية حكمه شرعاً فقد صدر بحث عن هيئة الإفتاء في مجلة البحوث العلمية فيما يتعلق بنقل الأعضاء، ومن شاء فليرجع إليه.

    إدراك الإمام راكعاً

    السؤال: هل يشترط لمن أدرك الإمام راكعاً أن يدرك الطمأنينة مع الإمام حالة الركوع؟

    الجواب: لا يعتد بتلك الركعة، إنما يعتد بالركعة لمن أدرك الإمام راكعاً، وركع معه، وأدرك معه طمأنينة، أما إذا جاء وركع، والإمام رافع ولم يشترك معه في الركوع، فلا يعتد بتلك الركعة.

    القراءة للأموات

    السؤال: هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ للأموات؟

    الجواب: لا، ولكنه أجاز قراءة القرآن على الأموات عند الاحتضار بسورة (يس)؛ لأنها تسهل خروج الروح، أما بعد ذلك فالعلماء لهم كلام كثير في ذلك، فمن شاء فليرجع إلى المجموع للإمام ابن تيمية رحمه الله، فقد أطال الكلام فيها في كتاب الجنائز من مجموع الفتاوى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756010350