وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليلة التي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). حقق اللهم لنا هذا الفضل يا ذا الفضل العظيم.
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلوها وندبر ونتفكر ثم نأخذ في شرحها وبينان مراد ربنا تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، أربعة، جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:97-100]، (لَعَلَّكُمْ): هذه (لعل) الإعدادية، يعدكم للفلاح.
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا [المائدة:97]، قياماً وقواماً بمعنى واحد، من قام يقوم، أي: حياة أهل مكة قائمة على أساس البيت؛ لأنه يحج ويعتمر ويأتيه الناس من الشرق والغرب، فبذلك فاز ساكنو الحرم بهذه المكرمة؛ لأنهم والوا الله في بيته، إذاً: فهو هيأ لهم سبل عيشهم ورغدهم فيه، قِيَامًا لِلنَّاسِ [المائدة:97]، الذين يسكنون في الحرم، ولم يتركوا بيت الله عز وجل يعبث به العابثون أو يفسد فيه المفسدون.
وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97] كذلك، أي: وجعل الشهر الحرام حراماً، والشهر: اسم جنس، والمراد به هنا الأشهر الأربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، هذه هي الأشهر الحرم، أشهر السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة متواليات والرابع فرد، أو ثلاثة سرد والرابع فرد، والرابع هذا هو أعظم الشهور عند العرب، ويقال فيه: شهر مضر، ويقال فيه: شهر الأصم والأصب، أما كونه موصوفاً بالأصم؛ فلأنه إذا أهل هلاله لم تسمع صوتاً للسلاح، قعقعة السلاح تنتهي، فهو أصم، يعظمونه أكثر من الأشهر الأخرى، إذا أهل هلال رجب ما بقي واحد يخرج سيفه من غمده، وكونه الأصب؛ لأن الخير يصب فيه صباً، ويقال فيه: شهر الله أيضاً، هذه الثلاثة الأشهر الأربعة هي المراد من قوله تعالى: وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ [المائدة:97]، من جعلها حراماً؟ الله. لماذا؟ لصالح أهل الحرم.
وَالْهَدْيَ [المائدة:97]، ما يهدى لبيت الله من شرق الجزيرة، من غربها، من شمالها، من جنوبها، يهدون الإبل والبقر والغنم يتوسلون بذلك إلى الله ويتقربون إليه، وإن كانوا لا يعرفونه معرفة حقيقة، لكن هكذا غرز الله في قلوبهم؛ لحكمة أرادها؛ ليعيش أهل الحرم في سعادة.
وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، جمع: قلادة، والقلادة أن تأخذ قشرة من شجر الحرم وتعلقها في عنقك أو في يدك وتمشي إلى البحرين، ما إن يرى الرجل القشرة في يدك حتى يبتعد عنك، وكذلك بعيرك، ناقتك تخاف أن تسلب في الطريق فعلق عليها قلادة وامش، كل من يراها يهاب، يخاف، من طبع القلوب على هذا؟ لا يقوى على هذا إلا الله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، الكل قيام للناس، والمراد من الناس: سكان الحرم، وهذه من أعظم الآيات الدالة على وجود الله، على علم الله، على حكمة الله، على رحمة الله، على قدرة الله، وهذه هي صفات الكمال التي هي صفات الرب تبارك وتعالى. هذا معنى قوله جل ذكره: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97] .
والثانية: وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98]، أي: إن تبتم ورجعتم إليه بعد عصيانه والفسق عن أمره تجدوه غفوراً رحيماً، وهاتان الصفتان لا توجدان إلا لله، قوة وشدة ومعفرة ورحمة، وهذا ما يعرف بالموعظة بالترغيب والترهيب، رهبنا بكلمة: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:98]، ورغبنا بقوله: وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98]، غفور لمن تاب، بهذا القيد، لا تفهم أبداً أن شخصاً يستمر على فسقه وفجوره ويموت على ذلك ويغفر له، لا يغفر إلا لمن تاب فقط، أما إذا دخل النار ومكث فيها أحقاباً واحترق فذاك شيء ثان، فأهل التوحيد لا يخلدون في النار.
إذاً: الترغيب بقوله: وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98]، والترهيب في قوله: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:98].
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:99]، (تُبْدُونَ): أبدى الشيء يبديه: إذا أظهره وأعلنه، وكتمه: إذا أخفاه وجحده، فالرسول مهمته البلاغ، ونحن الذين قد بلغنا الله يعلم حالنا في الظاهر والباطن، ما نعلنه ونظهره يعلمه ويحاسبنا به ويعطينا على قدره، وما نكتمه كذلك لا يخفى عليه، فهو يحاسبنا على الظاهر والباطن، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ [المائدة:99]، أي: ما تظهرون من أقوال أو أعمال، وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:99] أيضاً من نيات واعتقادات.
ومن الجائز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يرى في خاطره الكافرين أغنياء، والمؤمنين فقراء ضعافاً، فأخبره ربه بهذا، إلا أن الآية عامة في البشرية كلها: لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [المائدة:100]، في أي زمان ومكان في أي حال من الأحوال، وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، فلا شيء لتلك الكثرة، لا قيمة لها، مليون من حرام تعاقب عليها وقد تودي بحياتك، وريال واحد تقتات به غداء أو عشاء أنفع لك من ذلك المليون، وهكذا، هذه قاعدة لا تنخرم: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100] أيها السامع.
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [المائدة:100]، وإن قلت: لماذا؟ بين تعالى لأنه حكيم: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100]، (لعل) الإعداد، يعدكم للفلاح، وما هو الفلاح؟ هل الحصول على مجموعة من الإبل، على وظيفة سامية، على أولاد صالحين؟ الفلاح تولى الله تعالى بيانه، وهو أن يزحزح العبد عن النار ويدخل الجنة، وذلك في عرصات القيامة؛ لان من دخل النار خلد في العذاب والشقاء، ومن أراد أن يتحسس فليأت بالنار وليدخل أصبعه فيها فقط، هذا عالم كامل كله جحيم، ومن شك أو ارتاب فهذه الشمس الكوكب المضيء النهاري، هذا الكوكب أهل الأرض قالوا: إنه أكبر من الأرض بمليون ونصف مليون مرة، كله نار، من أوجد ناره؟ وها نحن نستدفئ بهذه الحرارة وتشتد علينا بالصيف عندما تميل، هذه الشمس لو تجمع البشرية كلها وتوضع فيها فلن تسد زاوية من زواياها، فكيف بالعالم الآخر بعدما يتقشع هذا العالم بكامله ويأتي العالم الآخر يخلد فيه المرء خلوداً أبدياً إذا مات على الشرك والكفر والعياذ بالله، فالفلاح: الفوز. والفوز ما هو؟ هل بالربح في التجارة أو في الولد أو الوظيفة؟ لا، قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، حقاً، وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ [آل عمران:185]، أيها العاملون! كل واحد منا عامل، فمتى نتسلم أجورنا؟ يوم القيامة، اعمل الآن ليل ونهاراً بصيام وقيام وجهاد ورباط ولا تطلب أجراً، الأجر ما هو هنا، الجزاء يوم القيامة، فلهذا تعيش فقيراً وأنت من أولياء الله، تعيش مريضاً وأنت من أبر أولياء الله؛ لأن الجزاء على عملك هذا التعبدي ما هو في الدنيا، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]، ما هذه الأجور؟ قال: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. اللهم اجعلنا من الفائزين.
قال المؤلف غفر الله له ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ قوله تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ [المائدة:97]، المراد من الناس العرب في جاهليتهم قبل الإسلام، ومعنى:(قِيَامًا): أن مصالحهم قائمة على وجود البيت يحج ويعتمر، يأمن الآتي إليه والداخل في حرمه ]، يخرج من نجد، فما دام قصده إلى الحج وقد جعل علامة لا يعترضه أحد، الأشهر الحرم تتجول فيها بناقتك بإبلك بطعامك بتجارتك في كل مكان لا يعترضك أحد، لكن إذا كنت في شهر غير حرام فاللصوص والمجرمون والمتربصون قل من يسلم منهم، ينزلونك من فوق ناقتك ويأخذونها؛ لأنه لا حكم ولا دولة ولا سلطان أبداً، ولا قانون ولا شرع، ولكن تدبير الله عز وجل أوجد هذه الهدنة في أربعة أشهر ثلث سنة، لصالح العرب، لو كان لهم دولة أو سلطان فالسلطان يقيم حدود الله ويؤدب من خرج عن طاعة الله، لكن لا دولة ولا سلطان، بل همج، هذا الأمن لن تستطيع الأمم المتحدة أن تحققه، والله ما تقدر عليه بكل ما لديها من آلات، والله عز وجل حققه بما ألقى في روح الإنسان في هذه الديار.
قال: [ المراد من الناس العرب في جاهليتهم قبل الإسلام، ومعنى (قِيَامًا): أن مصالحهم قائمة على وجود البيت يحج ويعتمر، يأمن الآتي إليه والداخل في حرمه، وكذا الشهر الحرام، وهي أربعة أشهر: القعدة والحجة ومحرم ورجب، وكذا الهدي: وهو ما يهدى إلى الحرم من الأنعام، وكذا القلائد: جمع قلادة، وهي ما يقلده الهدي إشعاراً بأنه مهدى إلى الحرم، وكذا ما يقلده الذاهب إلى الحرم نفسه من لحاء الحرم إعلاماً بأنه آتٍ من الحرم أو ذاهب إليه، فهذه الأربعة: البيت الحرام والشهر الحرام والهدي والقلائد كانت تقوم مقام السلطان بين العرب ] تقوم مقام الدولة والسلطان بين العرب، [ فتحقق الأمن والرخاء في ديارهم وخاصة سكان الحرم من قبائل قريش، فهذا من تدبير الله تعالى لعباده، وهو دال على علمه وقدرته وحكمته ورحمته، ولذا قال تعالى: ذَلِكَ [المائدة:97] ] أي: فعلنا ذلك [ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97]، أي: حقق ذلك الأمن والرخاء في وقت لا دولة لكم فيه ولا نظام؛ ليعلمكم أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض من سائر الكائنات وشتى المخلوقات لا يخفى عليه من أمرها شيء، وأنه بكل شيء عليم، فهو الإله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه فاعبدوه وتوكلوا عليه واتركوا عبادة غيره والنظر إلى سواه، وإن لم تفعلوا فسوف يعاقبكم بذلك أشد العقوبة وأقساها، فإنه عز وجل شديد العقاب فاعلموا ذلك واتقوه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى والثانية.
أما الآية الثالثة فقد أكدت مضمون قوله تعالى في الآية الثانية: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:98]، وهو وعيد شديد، فقال تعالى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99]، وقد بلغ، فأنذر وأعذر، وبقي الأمر إليكم إن أنبتم، أي: رجعتم إلى ربكم وأطعتموه فإنه يغفر لكم ويرحمكم؛ لأنه غفور رحيم، وإن أعرضتم وعصيتم فإنه يعلم ذلك منكم ويؤاخذكم به ويعاقبكم عليه وهو شديد العقاب. وقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:99] وعد ووعيد؛ لأن علمه تعالى بالظواهر والبواطن يترتب عليه الجزاء، فإن كان العمل خيراً كان الجزاء خيراً، وإن كان العمل شراً كان الجزاء كذلك، هذا مضمون الآية الثالثة.
أما الرابعة: فإنه تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ [المائدة:100] للناس: أيها الناس! إنه لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ [المائدة:100] من المعتقدات والأقوال والأعمال والرجال والأموال وَالطَّيِّبُ [المائدة:100] منها]، وقد بينا الطيب والخبيث حتى في الثوب تلبسه.
قال: [ ولو أعجبتكم -أي: سرتكم- كثرة الخبيث، فإن العبرة ليست بالكثرة والقلة وإنما هي بالطيب النافع غير الضار ولو كان قليلاً، وعليه: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [المائدة:100]، أي: خافوه فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه؛ رجاء حصول الفلاح لكم بالنجاة من المرهوب والحصول على المرغوب المحبوب ] في أمور الدنيا والآخرة، وفي الآخرة النجاة من النار والحصول على الجنة.
مرة ثانية أقرأ عليكم الآيات: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، لم؟ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوا [المائدة:97-98]، ماذا نعلم؟ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ [المائدة:98-99]، والذي يعلم يجزي بحسب علمه، قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، والله لريال حلال خير من ألف حرام، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100]، من أراد أن يفلح فليتق الله، أي: لا يعصي الله، فعدم المعصية هو الذي يزكي نفسه ويطهرها، الطاعة تزكي، والمعصية تفسد وتخبث، فمن مات ونفسه زكية قد أفلح، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: بيان عظيم تدبير الله تعالى لخلقه؛ إذ أمن مصالح قريش والعرب فأوجد لهم أمناً واستقراراً، وتبع ذلك هناء عيش وطيب حياة بما ألقى في قلوب عباده من احترام وتعظيم للبيت الحرام والشهر الحرام والهدي والقلائد، الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله ]، قلت: والله! لا تقدر عليه الأمم المتحدة مهما كانت تملك من الآلات.
[ ثانياً: بيان مسئولية الرسول إزاء الناس وأنها البلاغ لا غير ]، ما هو بمسئول عن كفر فلان ولا عن ضلال فلان، ما هو إلا مبلغ، وهكذا كل دعاة الأمة ما هم بمسئولين عمن ارتد ولا من فسق، عليهم أن يبينوا الطريق الموصل إلى الله، من سلكه نجا ومن أعرض عنه هلك، ولا يسألون: لماذا ما دخل الناس في دين الله أفواجاً؟
[ بيان مسئولية الرسول إزاء الناس وأنها البلاغ لا غير، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99].
[ ثالثاً: تقرير الحكمة القائلة: العبرة بالكيف لا بالكم ]، العبرة بالكيفية، أما العدد فلا قيمة له، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، المثل يقول: العبرة بالكيف لا بالكم، بالكيفية لا بالعدد.
قال: [ تقرير الحكمة القائلة: العبرة بالكيف لا بالكم، فمؤمن واحد أنفع من عشرة كفرة، ودرهم حلال خير من عشرة حرام، وركعتان متقبلتان خير من عشر لا تقبل ]، فأبو بكر الصديق صاحب الرسول وحبه أفضل من مليون كافر، ودرهم حلال خير من عشرة بل خير من ألف حرام، وركعتان متقبلتان -لأن العبد أحسن أداءهما وأخلص فيهما لله- خير من عشر لا تقبل، ما أخلص فيها أو ما أحسن أداءها.
[ رابعاً: الأمر بالتقوى رجاء فلاح المتقين ]، أمر الله بالتقوى رجاء لفلاح المتقين، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].
والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، وأن يرزقنا العلم والعمل.
وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر