-
تفسير قوله تعالى: (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة...)
-
تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي...)
-
تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها...)
-
تفسير قوله تعالى: (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا)
-
تفسير قوله تعالى: (وإذا قتلتم نفساً فادارأتم فيها)
-
تفسير قوله تعالى: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك)
-
تفسير قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)
بعدما حكى الله سبحانه وتعالى بعض أحوال بني إسرائيل مع نبيهم موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأفعالهم الذميمة، وأحوالهم الميئسة من إيمانهم، قال تبارك وتعالى مخاطباً المؤمنين:
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [البقرة:75]، أي: أفتطمعون -أيها المؤمنون- أن يؤمن لكم اليهود بعد أن علمتم تفاصيل شئون أسلافهم الميئسة من إيمانهم، وهم متماثلون في الأخلاق الذميمة؟! فلا يأتي من أخلاقهم إلا مثل الذي أتى به أسلافهم، وهم يورثون طباعهم اللئيمة وخصالهم الذميمة إلى الأجيال من بعدهم، فالخطاب للمؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني: وقد كان طائفة منهم وهم أحبارهم؛ لأن سياق الآيات كما سيأتي يبين أن الذين كانوا يفعلون هذا الفعل هم الأحبار بالذات.
وعبر هنا بالللام في كلمة: (لكم) لكي يضمّن الكلام معنى الاستجابة، وهي مثل قوله تبارك وتعالى:
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26]، ولم يقل: فآمن به لوط؛ لأن المقصود أنه استجاب له لوط، فضمن معنى الاستجابة، فيكون المعنى: أفتطمعون في إيمانهم مستجيبين لكم؟ أو أن اللام هنا للتعليل، يعني: أفتطمعون في أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم؟
(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني: طائفة منهم وهم أحبارهم.
(يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ) أي: في التوراة.
(ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ)، يغيرونه.
(مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ) من بعد ما فهموه.
(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وهم يعلمون أنهم مفترون كذابون.
والهمزة في قوله تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ) للاستفهام الإنكاري، والمقصود: لا تطمعوا في إيمانهم فلهم سابقة بالكفر، وبقاياهم الموجودة في العصر المحمدي على مثل ما كان عليه آباؤهم في العصر الموسوي.
تحريف اليهود للتوراة
هذا هو أول موضع في القرآن يشار فيه إلى التحريف الذي وقع في التوراة، فقوله: (ثم يحرفونه) أي: ثم يغيرونه، يقول القاضي
كنعان : لا شك أن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام قد حرفت، وأن الإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام قد غير وبدل، وأن الذين فعلوا ذلك هم الأحبار والرهبان الذين يعلمون الكتاب ويقرءونه دون سواهم من عامة اليهود والنصارى. فعلماؤهم قد ضلوا وحرفوا، وعوامهم قد قلدوا كما سيأتي الكلام على الطائفتين.
وهنا مسألة مشهورة جداً في مثل هذا الموضع وفي كثير من الكتب التي تتعرض لنقد عقائد النصارى وإثبات تحريف كتبهم، وهي: هل التحريف كان تحريفاً في المعاني فقط أم كان تحريفاً أيضاً في أصل كتبهم؟
حكي عن بعض العلماء وبعض السلف أن التوراة حفظت كما هي، والإنجيل حفظ كما هو، وإنما حصل تحريف في المعاني وليس في الألفاظ، وهذا القول مرجوح ومخالف لما ذهب إليه الجماهير وعامة العلماء في كافة الأعصار من أن التحريف يشمل الأمرين معاً:
التحريف للمعاني بالتأويل، والتحريف أيضاً للألفاظ.
يقول
القاسمي رحمه الله تعالى في هذه الآية وهو يؤيد تفسير
ابن جرير الطبري :
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [البقرة:75] يعني: يغيرونه، يقول: ما نقلناه عن
ابن جرير و
ابن كثير في تفسير:
ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ [البقرة:75]، هو الأنسب باعتبار السياق -يعني: سياق الآيات القرآنية-، ولا يتوهم من ذلك دفع التحريف اللفظي عن التوراة، يعني: في هذا الموضع يمكن أن يقال: إن التحريف هنا تحريف للمعاني، لكن هذا لا ينفي أنهم حرفوا الألفاظ، فهذا ثابت في مواضع أخرى في القرآن، لكن في هذا الموضع بالذات الأقرب لسياق الآيات أن يقال: إن التحريف هنا تحريف معنوي.
ولا يتوهم من ذلك دفع تحريفهم اللفظي عن التوراة فإنه واقع بلا ريب، فقد بدلوا بعضاً منها وحرفوا لفظه، وأولوا بعضاً منها بغير المراد، وكذا يقال في الإنجيل، ويشهد لذلك كلام أحبارهم، فقد نقل العلامة الجليل الشيخ
رحمة الله الهندي في كتابه إظهار الحق: أن أهل الكتاب سلفاً وخلفاً عادتهم جارية بأن يبدلوا غالباً الأسماء في تراجمهم، ويذكرون بدلها معانيها، وهذا خطأ عظيم، ومنشأ للفساد، مثلما فعلوا في كلمة: (الفراقليد) أو كلمة: (حمد)، كما قال الله:
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6] عليه الصلاة والسلام، فإنهم ترجموا معناها فقالوا: يعني: المستحق للحمد والمجد والثناء والمديح، فحولوها وترجموها بالمعنى، وبالتالي صارت تلك الكلمة المشهورة عندهم وهي: الفراقليد أو البراقليط، بالباء والفاء، وهذه الكلمة معناها في اللغة اليونانية القديمة التي ترجم إليها الإنجيل أولاً: الذي في اسمه حمد كثير، أو الأمجد، أو الأشهر، أو الذي يستحق الثناء والحمد، وهو محمد صلى الله عليه وسلم من حيث الاشتقاق، فالفراقليد تعني: أفعل تفضيل من حمد يعني: أحمد، تماماً كما قال الله تبارك وتعالى، ولكن في القوم سجية غير محدثة وهي التبديل والتحريف، هذه حرفة يهودية قديمة، وتأسى بهم في ذلك أيضاً النصارى، فحرفوها، والآن بدأت التراجم الحديثة تخلو من كلمة (الفراقليد)، لما رأوا أن هذه الكلمة قد استدل بها المسلمون، وجعلوا بدلها المعزي أو المخلص حتى يهربوا، وكل من يتابع التراجم المتعددة لكتبهم يجد عشرات الآلاف من الشواهد على هذا التحريف!
يقول: وأنهم يزيدون تارة شيئاً بطريق التفسير في الكلام، فبحجة التفسير يزيدون في الكتاب الذي هو كلام الله في زعمهم، ولا يشيرون إلى التفسير، ولا يفصلون بين كلام الله الأصلي وبين الكلام الذي يزيدونه!
وهذان الأمران بمنزلة الأمور العادية عندهم، ومن تأمل في تراجمهم المتداولة بألسنة مختلفة وجد شواهد تلك الأمور كثيرة، ثم ساق بعضاً منها.
وبعض علماء النصارى قال: إن يد المسلمين استطاعت أن تصل إلى الأناجيل وتحرفها، والدليل على ذلك وجود كلمة الفراقليد في الأناجيل، فهذا يدل على أن المسلمين وصلوا للإنجيل وحرفوا فيه!
قال: إننا لا نستطيع أن ننكر أن الفراقليد تعني أحمد، فهذا يدل على أن المسلمين هم الذين وضعوها!
وهذا مسكين، إذ إن هذه الكلمة في كل الكتب القديمة والحديثة، وهذه الكلمة موجودة عندهم من قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وأهل الكتاب إذا قرأوا كلامه سيضحكون منه، لكن في نفس الوقت نحن نستفيد من ذلك الدلالة الواضحة والصريحة بوجود اسم أحمد عليه الصلاة والسلام في الأناجيل.
يقول أحد علماء النصارى في مسيرة البابا: إن بعضهم ذهب إلى أن روح القدس -من الوقاية- الكتبة عثرة الخطأ الطفيف، وإن روح القدس تساهل معهم، يعني: أن روح القدس لم يثبت كتبة الأناجيل في كل الأحوال، لكنه أحياناً كان يتساهل معهم في التصحيح، أي: أنه لم يقهم عثرة الخطأ الطفيف، ولا كفاهم زلة القدم، حتى لم يستحل أنهم خلطوا البشريات بالإلهيات!
وفيه أيضاً: إن بين النسخة العبرانية والسامرية واليونانية من الأسفار الخمسة خلافاً عظيماً في أمر التاريخ.
إذاً: تحريف الأسفار الخمسة أمر بين بشهادة أحد علمائهم.
وفيه أيضاً في الفصل الواحد والثلاثين: إن بعض علمائهم زعم أنه وجد في الترجمة اللاتينية العامية للعهدين: العتيق والجديد نيفاً وأربعة آلاف غلطة، ورأى آخر فيها ما يزيد على ثمانية آلاف خطأ، فثبت من شهادتهم وقوع التحريف اللفظي فيها، وهذا هو المقصود.
إذاً: التحريف اللفظي مما لا ينكره أحد.
أما القول بتحريف الأسفار كلها أو جلها، وأن كل ما في التوراة وكل ما في الإنجيل محرف فهذا إسراف، قال الحافظ
ابن حجر في أواخر شرح الصحيح في باب قول الله تعالى:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ *
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج:21-22]: إن القول بأنها -أي: هذه الكتب- بدلت كلها مكابرة، والآيات والأخبار كثيرة تدل على أنه بقي منها أشياء كثيرة لم تبدل، من ذلك قوله تعالى:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ [الأعراف:157]، وهذا كثير جداً، وهذا بحث في الحقيقة يطول، وسبق أن تكلمنا فيه في دراسة العقيدة في أدلة صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل قول المسيح مثلاً: (إنني يجب أن أذهب الآن، فإني إذا لم أذهب لم يأتكم الفراقليد، فإن الله سبحانه وتعالى سيبعثه ويجعل كلامه في فمه)، وهذه إشارة إلى أمية النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك القصة التي أخرجها
البخاري في كتاب المناقب في باب قوله تعالى:
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، معنى ذلك: أن هذا من الحق الذي بقي في كتبهم، فعن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (
أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم! إن فيها آية الرجم؛ فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له
عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدقت -يا محمد- فإن فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال
عبد الله : فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة)، والشاهد أن هذا يدل على وجود الرجم كما قال تعالى:
قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93]، وهو يدل على أنه بقي في التوراة والإنجيل شيء من الحق، مع ما حصل من التحريف فيهما.
ونكتفي بالإشارة إلى أن هذا البحث الطويل موجود في كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، وفي مقدمة
القاسمي في تفسيره من صفحة أربعين فما فوق، وفي كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وفي إغاثة اللفهان في الجزء الثاني أيضاً بحث مفصل حول موضوع التحريف الواقع في التوراة، وهل هو معنوي فقط أم لفظي ومعنوي؟
-
تفسير قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا...)
-
تفسير قوله تعالى: (أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون)
-
تفسير قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم)
قال تبارك وتعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79].
(ويل) شدة عذاب.
(للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) مختلقاً من عندهم.
(ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً) من الدنيا، وهم اليهود الذين غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة وآية الرجم وغيرها وكتبوها على خلاف ما أنزل .
(فويل لهم مما كتبت أيديهم) يعني: من المختلق.
(وويل لهم مما يكسبون) من الرشاة، جمع رشوة.
هنا وقفة يسيرة مع هذه الآية فقوله تعالى:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [البقرة:79]، هنا اتجاهان في تفسير هذه الآية:
الاتجاه الأول: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم)، هذا تتميم مثل قوله تعالى:
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5]؛ لأن الكلام لا يخرج إلا من الفم، لكن هذا التصوير والتأكيد بمثل هذه التعبيرات يريد أن يجعل المستمع أو القارئ كأنه مشاهد لحاله وهو يكتب بيده، تأكيداً للفعل النفسي أو للحدث.
(للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) على التفسير الأول: كما أنزله الله بدون اختلاق وبدون تحريف. أي: أن الحجة تقوم عليهم بأيديهم.
(ثم يقولون) أي: أنهم يزيدون على الكتابة باليد الشهادة باللسان، شاهدين على أنفسهم، يقولون: (هذا من عند الله)، فالكتاب هنا جعل هذا التفسير باق على أصله، وانضم إلى الكتابة الفعلية الشهادة القولية وهم صادقون في هذا، ثم يطرأ بعد ذلك التحريف.
(ليشتروا به ثمناً قليلاً) من الدنيا.
هذا التفسير الأول، (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم)، كما يقول رجل: كتبته مقراً على نفسي، وإنني قلت هذا وأنا في كامل قواي العقلية، فكذلك هذا التصوير.
(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) على أصله الذي أنزله الله، ثم يشهدون أن هذا من عند الله. وهذه حجة ثانية عليهم، (ثم يقولون هذا من عند الله) فهم يؤمنون به، ثم بعد ذلك يحرفونه، فيطرأ التحريف بعد هاتين الشهادتين القولية والعملية.
الاتجاه الثاني: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) فيحرفونه ويغيرونه، ثم يكذبون على الله ويقولون: هذا من عند الله، فيزعمون أن ما كتبوه بأيديهم هو من عند الله، (فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).
قوله تبارك وتعالى: (فويل لهم مما كتبت أيديهم) هذه الآيات في حق المتبوعين من الرؤساء، والآيات بدئت في حق المقلدين، (ومنهم أميون) جهلة لا يعلمون الكتاب.
(إلا أماني) كل ما عندهم: نحن أفضل الأمم، نحن شعب الله المختار، نحن سندخل الجنة، ولن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً مثلنا أو نصرانياً، وهكذا.
(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) الأول ماضي والثاني مضارع، تنبيهاً على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
من سن في الإسلام سنة حسنة -يعني: قالها في الإسلام ولها عموم يدل عليها- فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وحديث: (
ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها)؛ لأنه أول من سن القتل ظلماً.
فكذلك هؤلاء الذين حرفوا الكتاب أضلوا بعدهم أمماً من المقلدين والأتباع، ولما كانت الكتابة قد استغرقت زمناً في الماضي، ولذلك عبر عنها بالماضي، فقال: (ويل لهم مما كتبت أيديهم) من هذا التحريف؛ لأن كلاهما يثبت وقوع تحريف بالكتابة.
وقوله: (وويل لهم مما يكسبون)، عبر عن هذا المعنى بالمضارع لإفادة استمرار الوزر، كما قال تعالى:
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12] والمقصود: الآثار التي تبقى بعد موتهم من السنن الحسنة أو السيئة.
والله أتى بوصف اللنبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل وبإشارة مدرجة لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، وقد قال العلماء: كل كتاب منزل من السماء متضمن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بإشارات، فماذا تكون بإشارات، وليست في كل الأحوال إشارة واضحة وبينة تماماً؟
لو كان ذلك متجلياً للعوام لما عوتب علماؤهم على كتمانه، ثم ازداد الأمر غموضاً بنقله من لسان إلى لسان من العبري إلى السرياني إلى العربي، إلا أن محصلته عند الراسخين في العلم جلي، وعند العامة خفي، ولذلك توجه العتاب إلى العلماء؛ لأنهم كتموا هذا الحق؛ ولأنه لا يدرك هذه الإشارات إلا العلماء الراسخون.
-
تفسير قوله تعالى: (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ...)