-
تفسير قوله تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير)
قال الله تعالى:
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1].
قال
ابن جرير : أي تعاظم الذي بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما، نافذ فيهما أمره وقضاؤه، وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة؛ لا يمنعه مانع ولا يحول بينه وبينهم عجز، فلله عز وجل الملك التام، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع، فهذا كقوله تعالى:
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:83] فمعنى تبارك: تعالى وتعاظم، فهو الذي يتصرف في جميع المخلوقات كما يشاء، وهو القادر على كل ما عدم من الممكنات أن يوجدها على ما يشاء.
ولفظة (تبارك) بحسب اللغة والاشتقاق هي: تَفاعل من البركة، أي: تكاثرت البركات والخيرات من قبله عز وجل، وهذا يستلزم تعظيمه وتقديسه سبحانه وتعالى.
قوله: (الذي بيده الملك) أي: كل شيء يتصرف فيه بما يشاء لا معقب لحكمه.
ونلاحظ هنا تقديم الموصول وصلته بـ(تبارك)، لم يقل: تبارك الله وإنما قال: (تبارك الذي)، فتقديم الموصول بصفة خاصة لله تبارك وتعالى -وهي تبارك- يدل على عظمة الموصول، ويدل له قوله تبارك وتعالى:
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:83]؛ لأن التقديم للتسبيح -وهو التنزيه- يساوي التقديم للبركة في قوله: (تبارك الذي بيده الملك).
-
تفسير قوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم...)
-
تفسير قوله تعالى: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً...)
-
تفسير قوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين ...)
قال تعالى:
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:4].
قوله: (( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )) أي: كرره مرة بعد مرة.
قوله: (( يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا )) (خاسئاً) يعني: مبعداً، من قولك: خسأت الكلب، يعني: باعدته.
يقول
القاسمي : (ثم ارجع البصر كرتين) أي: رجعتين أخريين؛ ابتغاء الخلل والفساد والعبث، تدبر وانظر وفكر: هل تجد عبثاً أو خللاً أو تفاوتاً في خلق السماوات؟ والمراد بالتثنية في قوله: ((كَرَّتَيْنِ)) التكرار.
قوله: (( يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ )) أي: يرجع إليك البصر.
قوله: (( خَاسِئًا )) يعني: مطروداً عن أن يصيب ويجد الخلل أو الفساد أو العبث في هذا المخلوق العظيم.
قوله: (( وَهُوَ حَسِيرٌ )) أي: منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه، فيصيبه هذا الكلل والتعب والإرهاق؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يرجع ويرى في خلق الله سبحانه وتعالى تفاوتاً أو خللاً أو فساداً أو عبثاً.
وقال
الزجاج في تفسير قوله تعالى: (( وَهُوَ حَسِيرٌ )): قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللاً.
ومعنى كلام
الزجاج: أن الذي ينظر ويتأمل ويتدبر ويبحث في هذه السماء بنية أن يعثر على خلل فسوف يعيا، ويكون حسيراً متعباً كالاً مرهقاً، ويرجع خاسئاً خائباً، فلن يجد على الإطلاق خللاً، ولن يرى في السماء خللاً.
يقول
الزمخشري : نهاية كمال عالم الملك في خلق السماوات، لا ترى أحسن خلقاً وأحسن نظاماً وطباقاً منها، وأضاف خلق السماوات إلى الرحمن عز وجل؛ لأنها من أصول النعم الظاهرة، ومبادئ سائر النعم الدنيوية، وسلب التفاوت عنها لمطابقة بعضها بعضاً، وحسن انتظامها وتناسبها، وإنما قال: (( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ))؛ لأن تكرار النظر وتجوال الفكر مما يفيد تحقق الحقائق، وإذا كان ذلك فيها عند طلب الخروق والشقوق لا يفيد إلا الخسوء والحسور تحقق الامتناع.
فالشخص الذي يريد أن يفتش عن الخلل في خلق السماوات، هل سيعود بتحقيق شيء من بغيته؟ لا يمكن أبداً أن يحقق شيئاً من ذلك.
وقال الله تعالى:
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة:7]، وقال تبارك وتعالى:
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88] تبارك وتعالى.
يقول
الناصر في قول الله تبارك وتعالى: (( يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا )): وضع للظاهر موضع المضمر، لم يقل: ثم ارجعه مرتين، وإنما قال: (( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ )).
ثم قال: وفيه من الفائدة: التنبيه على أن الذي يرجع خاسئاً حسيراً غير مدرك.
والنظر هو الآلة التي يلتمس بها إدراك ما هو كائن، فإذا لم يُدرك شيء دل على أنه لا شيء.
إذاً: ما الذي يستعمل في النظر وفي الاطلاع والرؤية؟ العين، فلذلك قال:
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ *
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [الملك:3-4]، فالذي يرجع خاسئاً حسيراً غير مدرك الخلل هو الآلة التي يلتمس بها إدراك ما هو كائن، فإذا لم يُدرك شيء دل على أنه لا يوجد خلل ولا فطور في خلق الله تبارك وتعالى.
وهذا الإتقان العظيم في خلق السماوات والأرض -كما قال تعالى:
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [ق:6]- إنما هو في الدنيا فقط، أما يوم القيامة فلا شك أن السماء سوف تنفطر، كما قال الله تعالى:
إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ [الانفطار:1]، وقال:
إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ [الانشقاق:1]، وقال:
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ [الفرقان:25]، فالمقصود بهذا الإحكام والإتقان إنما هو في الحياة الدنيا.
-
تفسير قوله تعالى: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ...)
قال الله تبارك وتعالى:
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ [الملك:5].
قال
ابن جرير : وهي النجوم، وجعلها مصابيح لإضاءتها، وكذلك الصبح إنما قيل له: صبح للضوء الذي يضيء للناس في النهار.
قوله:
وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5].
قال
ابن كثير : عاد الضمير في قوله تعالى: (( وَجَعَلْنَاهَا )) على جنس المصابيح لا على عينها؛ لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء، بل بشهب من دونها، وقد تكون مستمدة منها.
جزى الله الإمام الحافظ الجليل
ابن كثير خيراً، فالمستوى العلمي البشري يتفاوت عند العلماء، لقد كان العلماء قديماً في علوم الشريعة في القمة، لكن كانوا مواكبين لعصورهم في ناحية العلوم الاستكشافية حسب المستوى العلمي البشري، وقد ترك الله للبشر هذا القسم من العلوم ليكتشفوه ويتطوروا ويتقدموا فيه.
لو تأملنا هنا قول الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) هل يحتمل أن تكون المصابيح هي الكواكب؟ لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ)، والذي ترجم به الشياطين الشهب، وهذه الشهب طبيعتها نفس طبيعة النجوم، فالشمس مثلاً نجم، أما الأرض والزهرة والمشتري وزحل ونحوها كواكب.
إذاً: الأشياء المتوهجة بالكتل الغازية الضخمة الملتهبة كالشهب والنجوم هي المصابيح، ولذلك الله سبحانه وتعالى قال في الشمس:
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا [النبأ:13]، لكن في القمر قال:
وَقَمَرًا مُنِيرًا [الفرقان:61]، ولم يقل في القمر: وهاجاً، بل قال: (قمراً منيراً)؛ لأنه مثل المرآة ينعكس عليه ضوء الشمس فنراه بهذه الإضاءة، لكن الشمس نفسها نجم، النجوم والشهب كذلك.
إذاً: هنا يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) ما هي هذه المصابيح؟ النجوم، بدليل قوله: (( وَجَعَلْنَاهَا )) أي: هذه المصابيح.
قوله: (( رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ )) أي: يرجم بها مسترق السمع من الشياطين.
وقوله تعالى:
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك:5] أي: في الآخرة، هذه الآية تكشف عن حكمتين من خلق النجوم:
الأولى: أنها زينة: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ).
الثانية: أنها يرجم بها الشياطين الذين هم أعداء البشر بانقضاض الشهب عليهم.
وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: (( وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا )): يعني: وجعلناها رجوماً وظنوناً لشياطين الإنس وهم المنجمون، والصواب أنها بمعنى آية الصافات وهي قوله تعالى:
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ *
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [الصافات:6-7] زينة وحفظاً،
لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ *
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات:8-10]، فالذي يرجم به هو شهاب ثاقب.
-
موقف العلماء من المخترعات والنظريات الحديثة
-
الرد على شبهة امتناع تعذيب العصاة من الجن بالنار لكونهم خلقوا منها
هنا سؤال وهو: إذا كان الجن من نار، كما في قوله تعالى:
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] فكيف تحرقهم النار؟
الجواب: أن الله سبحانه وتعالى جعل أصل خلقتنا من الماء ومن التراب، لكن كون أصل الخلقة من شيء فإنه يختلف تماماً عن كينونة هذا الشيء وصيرورته فيما بعد، فنحن البشر بما أنا خلقنا من طين، فهل إذا ابتللنا بالماء نصير طيناً؟!
لا يكون هذا، كذلك أصل خلق الجن من النار كما في قوله: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، لكن ما هي الصورة التي عليها الجن الآن؟ لا ندري:
إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27] فكون أصلهم من نار لا يستلزم أنهم الآن نار، وقد أجاب بعض العلماء عن هذه الشبهة بجواب آخر:
أجاب عنها
الفخر الرازي بقوله: إن النار يكون بعضها أقوى من بعض، فالأقوى يؤثر على الأضعف، ومما يشهد لما ذهب إليه قوله تعالى بعده:
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ [الملك:5] والسعير هو أشد النار وأقوى النار، ومعلوم أن النار طبقات بعضها أشد من بعض، وهذا أمر ملموس، فقد تكون الآلة مصنوعة من حديد وتسلط عليها آلة من حديد أيضاً أقوى منها فتكسرها، أو يسلط معدن على معدن آخر فيخدشه أو يؤثر فيه، وهذا ما يعرف بخاصية الصلادة، وكما قال العرب: لا يفل الحديد إلا الحديد.
إذاً: لا يمنع كون أصل الجني من نار ألا يتعذب بالنار، كما أن أصل الإنسان من طين من حمأ مسنون، ومن صلصال كالفخار، وبعد خلقه فإنه لا يحتمل التعذيب بالصلصال ولا بالفخار، فلو أحضرت إنساناً وأحضرت كمية كبيرة من الفخار والطوب الفخار وظللت تضربه أو ترجمه بهذه الأشياء فسوف تقتله، وقد يموت الإنسان بضربة بقطعة واحدة من الفخار، مع أنه خلق من الفخار، والعلم عند الله تعالى.
-
تفسير قوله تعالى: (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير)
-
تفسير قوله تعالى: (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور)
قال تعالى:
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ [الملك:7].
الشهيق صوت مثل صوت الحمار.
يقول:
القاسمي : إن المقصود أنهم سمعوا لأهلها الذين سبقوهم إلى النيران -والعياذ بالله- الأصوات المنكرة المنافية لأصوات الأناسي أو لأنفسهم، فإنهم يصطرخون فيها بأصوات الحيوانات المنكرة، كما في قوله تعالى:
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود:106] هذا الاحتمال الأول في تفسير قوله: (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ).
الاحتمال الثاني في تفسير هذه الآية: أنهم سمعوا للنار أو للسعير أو لجهنم شهيقاً وصوتاً منكراً فظيعاً، أي: تغلي بهم كغلي المرجل.
-
تفسير قوله تعالى: (تكاد تميز من الغيظ...)
قال الله تعالى: (( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ )) يعني: تكاد تتقطع من تغيظها عليهم، أو تكاد تتفرق أجزاؤها من الغيظ، على الذين أغضبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وللأسف الشديد أورد
القاسمي هنا قول من ادعى المجاز في هذه الآية فقال: شبهت في شدة غليانها وقوة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه، فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية، وهي الغضب الباعث على ذلك، واستعير لتلك الحالة المتوهمة الغيظ، وأما ثبوت الغيظ الحقيقي لها بحيث يخلق الله فيها إدراكاً فبحث آخر، لكنه قد قيل هنا: إنه لا حاجة إلى ادعاء التجوز فيه.
أما استبعاد المجاز في قوله تعالى: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) فنقول: إن كلمة (تكاد) من أفعال المقاربة، أي: أنها تقارب أنها تتقطع من شدة غيظها على الكافرين، فيمتنع هنا وجود المجاز، كما في قوله تعالى:
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ [النور:35] وجوز بعضهم أن المراد بالغيظ غيظ الزبانية.
يقول العلامة
الشنقيطي : النار لها حس وإدراك وإرادة، والقرآن أثبت للنار أنها تغتاظ وتبصر وتتكلم وتقصد المجيء، كما قال عز وجل:
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، وكما في الحديث: (
تقول النار: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين) فهذه حقيقة.
كذلك قوله:
إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان:12]، وقال عز وجل هنا: (( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا )) أي: كلما ألقي فيها جماعة من الكفرة، وليس المراد بالفوج عصاة الموحدين الذين يدخلون النار ولا يخلدون فيها؛ لأن سياق الآية واضح جداً أنها في الكفار كفر أكبر؛ لأن تكذيب الرسل لا يكون إلا من الكفار.
قوله: (( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ )) جماعة من الكفرة.
قوله: (( سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا )) سؤال توبيخ، أي: في الدنيا ينذركم هذا العذاب.
واستدل بعضهم بهذه الآية على أنه لا تكليف قبل البعثة.
-
تفسير قوله تعالى: (بلى قد جاءنا نذير فكذبنا...)
-
تفسير قوله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)
قال تعالى:
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10].
يقول
القاسمي : قوله: (( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ )) أي: لو كنا نسمع من النذر ما جاءت به.
يعني: لو كنا نتفكر في كلام الله الذي جاء به المرسلون سماع طالب للحق وعقلنا ذلك (( مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ )) أي: ما كنا في عداد أهل النار.
ودل قوله تعالى: (( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ )) على أن الكافر لم يعط من العقل شيئاً، ولذلك القرآن الكريم ينفي عنهم أحياناً العقل، مع أنه في مواضع أخرى يثبته، فما الجمع بينهما؟
الجواب: أن العقل موجود، لكن لما كانت الحكمة من خلق الإنسان وتكريمه بالعقل أساساً هي أن يتفكر به في توحيد الله، ويتوصل به إلى إثبات الإسلام والتوحيد والنبوة، فلما عطل عقله عن هذه الوظيفة التي خلق من أجلها أساساً، فبالتالي صار مستوياً مع من لا عقل له من البهائم والجمادات ونحوها، فلذلك بعض الآيات تثبت له العقل وبعضها تنفيه، وكذلك السمع والبصر، يقول تعالى:
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا [الأعراف:179] يعني: عندهم قلوب لكنهم لا يستعملونها فيما خلقت من أجله وكذلك السمع والبصر.
وهذا الآية أيضاً تشير إلى أن الوصول إلى الحق لا يكون إلا عن طريق السمع أو العقل، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) السمع هو الآيات والآثار والروايات، والعقل هو الدليل الثاني.
قال
الناصر : لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلاً على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
وقال
ابن السمعاني : استدل بها من قال بتحكيم العقل في موضعه.
وقال
الزمخشري : قيل: إنما جمع بين السمع والعقل؛ لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.
قال تعالى:
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:11].
(( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ )) يعني فأقروا بجحدهم الحق، وتكذيبهم الرسل.
(( فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ )) أي: بعداً لهم سواء اعترفوا أو أنكروا فإن ذلك لا ينفعهم، ولا يفيدهم شيئاً.
قوله تعالى: (فَسُحْقًا) هذا منصوب على المصدر، يعني: أسحقهم الله سحقاً، ومعناه باعدهم الله من رحمته مباعدة، والسحيق هو البعيد.
تفسير العلامة الشنقيطي لقوله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل)
الاعتراف والتوبة والإيمان عند معاينة العذاب
-
تفسير قوله تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب...)
-
تفسير قوله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به...)
-
تفسير قوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
قال تبارك وتعالى:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] يعني: ألا يعلم السر والجهر من خلق الأشياء؟ بلى، فإن الخلق يستلزم العلم.
قوله تعالى: (( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) أي: اللطيف بعباده، الخبير بأعمالهم.
وقيل: معنى الآية: ألا يعلم الله من خلقهم وهو بهذه المثابة.
قال
الغزالي : إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور وغوامضها وما خفي منها، ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق دون العنف، والخبير هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة، فلا تتحرك في الملك ولا الملكوت ذرة، ولا تسكن أو تضطرب نفس إلا وعنده خبرها، وهو بمعنى العليم.
-
تفسير قوله تعالى: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً...)
قال تبارك وتعالى:
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15] الذلول بمعنى: مذللة سهلة لم يجعلها ممتنعة.
أي: جعل الأرض لينة سهلة المسالك.
قوله: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا )) أي: في نواحيها وجوانبها، قال
ابن جرير: نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.
وفي قوله تعالى: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا )) ثلاثة أقوال:
القول الأول: مناكبها يعني: طرقها.
القول الثاني: جبالها؛ لأنه إذا أمكن كون السلوك والمشي في الجبال فهذا أبلغ في تسهيلها وتسخيرها.
القول الثالث: جوانبها ونواحيها.
وقوله: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ )) لما ندبهم الله عز وجل إلى البحث عن الرزق استعمل الله لفظ المشي فقال: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ))، لكن في العبادة قال عز وجل:
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وقال سبحانه:
وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39] وقال:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50] وقال عز وجل:
سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، وهذا من أجل أن يترفق الإنسان في طلب الرزق.
قوله: (( وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ )) أي: التمسوا من نعمه سبحانه وتعالى، فالأكل والرزق أريد به طلب النعم مطلقاً، وتحصيلها أكلاً وغيره، وهو اقتصار على الأهم الأعم.
وأنت إذا تأملت نعيم الدنيا وما فيها، لم تجد شيئاً منها أحوج إلى المرء غير ما أكله، وما سواه فهو متمم له أو دافع للضرر عنه.
قوله: (( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )) أي: إليه نشوركم من قبوركم للجزاء.
قال في الإكليل في قوله تعالى: (( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )): فيه الأمر بالتسبب والكسب، يعني: أخذ أسباب طلب الرزق.
وقال
ابن كثير : في الآية تذكير بنعمته تعالى على خلقه في تسخيره لهم الأرض، وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب؛ بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار.
والمعنى سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات.
-
تفسير قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور)
-
تفسير قوله تعالى: (ولقد كذب الذين من قبلهم...)
-
تفسير قوله تعالى: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات...)
-
تفسير قوله تعالى: (أمن هذا الذي هو جند لكم...)
-
تفسير قوله تعالى: (أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه...)
-
تفسير قوله تعالى: (أفمن يمشي مكباً على وجهه...)
لقد ضرب الله مثلاً للمؤمن والكافر فقال:
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] هذا تمثيل للضالين والمهتدين.
والمكب: هو المتعثر الذي يخر على وجهه؛ لوعورة طريقه، واختلاف سطحه ارتفاعاً وانخفاضاً.
وأما الذي يمشي سوياً فهو القائم المعتدل السالم من التعثر؛ لاستواء طريقه واستقامة سطحه.
قال
قتادة : يحشر الله الكافر مكباً على وجهه، والمؤمن يمشي سوياً.
وقال
البيضاوي : والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين، والدينين بالمسلكين، يعني: الموحد يمشي على طريق الإسلام، والمشرك يمشي على طريق الكفران، ثم يقول: ولعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستحق أن يسمى طريقاً.
يعني: لم يقل الله تبارك وتعالى: أفمن يمشي مكباً على وجهه على طريق وعر فيه كذا وكذا من الآفات والحفر والارتفاع والانخفاض والتفاوت؛ لأن ما عليه الكافر من الضلال والانحراف لا يستحق أصلاً أن يوصف بأنه طريق؛ لأنه وهم وضلال، فاكتفى عن التعبير عن وعورة الطريق بوصف من يمشي عليه، وهذا ملمح مهم جداً من إعجاز القرآن الكريم وبلاغته، وهذا من عجائب القرآن الكريم، حيث ذكر المسلك في الثاني دون الأول، قال سبحانه: (( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى )) ثم قال: (( أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا )) أي: ليس منكباً مخراً على وجهه؟ لا، بل يمشي سوياً معتدلاً يرى الطريق (( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )) أي: على طريق واضح، في حين أنه لما وصف حال الكافر لم يثبت له الطريق، فكأن ما عليه الكافر لا يستحق أن يسمى طريقاً أو منهجاً، فأهمله واكتفى بالدلالة على وعورة الطريق بذكر صفة من يمشي عليه ويعاني من حزونته وصعوبته.
-
تفسير قوله تعالى: (قل هو الذي أنشأكم...)
-
تفسير قوله تعالى: (قل هو الذي ذرأكم في الأرض...)
-
تفسير قوله تعالى: (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)
-
تفسير قوله تعالى: (قل إنما العلم عند الله...)
قال تعالى:
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الملك:26] أي: أبين الحجة على ما أنذركم به من زهوق باطلكم إذا جاء أجله، وأما تعيين وقته فليس إلي؛ لأن العلم عند الله سبحانه.
قوله: (( وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ )) أي: معي البينة ومعي الحجة، فالذي يعنيكم ويهمكم أن تكون النذارة بينة ومعها دلائلها، أما متى فهذا ليس إلي، هذا إلى الله وحده.
-
تفسير قوله تعالى: (فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا...)
-
تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي ...)
قال تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الملك:28].
قوله: (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ )) أي: بعذابه.
قوله: (( وَمَنْ مَعِيَ )) يعني: من المؤمنين.
قوله: (( أَوْ رَحِمَنَا )) أي: فلم يعذبنا.
قوله: (( فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ )) أي: من يمنعهم ويؤمنهم من عذاب أليم.
أي: أننا مع إيماننا بين الخوف والرجاء، ومع أننا مؤمنون، لكننا لا نأمن مكر الله سبحانه وتعالى ونخشى عذابه.
فكيف يكون حالكم أنتم أيها الكفار، وقد جمعتم بين الكفر والتكذيب واستحققتم العذاب؟! فمن يمنعكم من العذاب مع كفركم؟! لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين.
المؤمنون يرجون الله سبحانه وتعالى، ولهم حق في هذا الرجاء، أما الكافرون فمن أين يأتيهم الرجاء وهم قد كذبوا وكفروا؟!
كان كفار مكة يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم ريب المنون، يتمنون له الموت تخلصاً من دعوته وانتشارها، فأُمر أن يقول لهم ذلك، أي: أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين، أو رحمنا بتأجيل آجالنا، فمن يجيركم من عذاب أليم أراد الله وقوعه بكم بسبب كفركم؟!
وقال
ابن كثير : أي: خلصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإنابة والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذبنا الله أو رحمنا فلا مناص لكم من عذابه ونكاله الواقع بكم، سواء كان ذلك العذاب في الدنيا أو الآخرة.
-
تفسير قوله تعالى: (قل هو الرحمن آمنا به...)
-
تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً...)