-
تفسير قوله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمةً واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً ...)
قال تبارك وتعالى مشيراً إلى حقارة الدنيا عنده وفي ميزانه:
وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ *
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35].
قوله تعالى: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ))، أي: متفقة على الكفر بالله تبارك وتعالى، أي: لولا كراهة أن يصبح الناس أمة واحدة على الكفر.
(( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ )) يعني: هذا الذي يكفر بالرحمن سبحانه وتعالى يعطيه الله المزيد من الدنيا؛ لأنه إذا أتاه المزيد من الدنيا يظن أن الله يريد به خيراً، فيستدرجه، فكلما ازداد كفره بنعم الله ازداد استحقاقه للعذاب بجانب كفره الأصلي، فيزداد عذاباً، وهذا كما قال تبارك وتعالى:
وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران:178].
وأما إعراب قوله: (( لِبُيُوتِهِمْ )) فهو بدل اشتمال، من كلمة (من)، يعني: لبيوت من يكفر.
وقوله: (( لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ )) فيها قراءتان: (سَقْفَاً مِنْ فِضَةْ)، والقراءة الأخرى: (( سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ)).
وقوله: (( وَمَعَارِجَ )) يعني: مصاعد من فضة (( عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ )) أي: يرتقون.
وقوله: (( وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا )) أي: من فضة (( وَسُرُرًا )) أي: من فضة (( عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ )).
وقوله: (( وَزُخْرُفًا )) أي: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفاً، أي: زينة من ذهب وجواهر أو فضة.
ثم أشار تعالى إلى أنه لا دلالة في ذلك على فضيلتهم، يعني: حتى ولو أعطاهم الله سبحانه وتعالى كل ذلك لما دل ذلك على أنهم كمل أو على أفضليتهم عند الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: (( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) أي: وما كل هذه الأشياء التي ذكرت من السقف الفضية والمعارج والأبواب والسرر والزخرف، إلا متاعاً يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا.
وقوله: (( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )) أي: وزينة الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، أي: الذين اتقوا الله فخافوا عقابه، فجدوا في طاعته، وحذروا معاصيه، خاصة دون غيرهم.
قال
المهايمي : لا خصوصية في ذلك المتاع، بحيث يدل على عدم منصب النبوة، وإنما الذي يدل على عدم النبوة عدم التقوى؛ فالنبوة إنما تكون لمن كمل تقواه، سواء كانت عنده الدنيا أم لا.
وإنما كانت الزينة الدنيوية أحق بالكفار لأنها تثير ظلمة الأهوية المانعة من رؤية الحق، بحيث يصير صاحبها أعشى.
وسيأتي مزيد بيان في كلام
الشنقيطي رحمه الله تعالى حول هذه الآية، لكن نثبت أولاً كلام
القاسمي رحمه الله حيث قال:
تنبيه: ما قدمنا من أن معنى (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً )) لولا كراهة ذلك، وأن معنى كونهم أمة واحدة اجتماعهم على أمر واحد وهو الكفر، أي: أن كراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع الكافر بها على الوجه المذكور، هذا هو ما ذكره المفسرون.
فورد عليه -يعني: يورد بعض الناس إشكالاً على هذا- أنه حين لم يوسع على الكافرين خشية الفتنة التي كانت تؤدي إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر؛ لحبهم الدنيا، وتهالكهم عليها، فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟
فأجيب: بأن التوسعة عليهم مفسدة أيضاً؛ لما تؤدي إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا، والدخول في الدين لأجل الدنيا من ديدن المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبر؛ حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء، وغلب الفقر على الغنى. هذا ما قاله
الزمخشري .
على أي الأحوال هذه الآية تتمة لما قبلها ترد على أولئك الضالين زعمهم أن العظمة الدنيوية تستوجب النبوة، فبين تبارك وتعالى حكمته في تفاوت الخلق في الآية الأولى وهي التسخير، وفي الآية الثانية وهي حقارة الدنيا عنده، وأنه لولا التسخير لما آتاها أحط الخلق، وأبعدهم منه؛ مبالغة في الإعلام بضعتها.
فالدنيا أحقر عند الله من جناح بعوضة، ولولا كراهة الفتنة أن يصير جميع البشر أمة واحدة متفقة على الكفر لآتى الله سبحانه الكافر كل هذا النعيم، ولذا قال سبحانه:
لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ [الزخرف:33-34] ((وَزُخْرُفًا)) أي: ذهباً.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (
لو كانت الدنيا تزن عند الله سبحانه وتعالى جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).
والحقيقة أن الحديث لا ينص على أنها تساوي جناح بعوضة، بل يدل على أن الدنيا أحقر من جناح البعوضة؛ لأنها لو كانت تساوي جناح بعوضة لما سقاه شربة ماء، فتأمل شربة الماء بالنسبة إلى كل النعيم الذي يؤتاه الكافر تعرف مدى حقارة الدنيا عند الله سبحانه وتعالى!
قال العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ )).
قوله: ((لِبُيُوتِهِمْ)) في الموضعين قرأه
ورش و
أبو عمرو و
حفص عن
عاصم بضم الباء على الأصل، وقرأه
قالون عن
نافع و
ابن كثير و
ابن عامر و
حمزة و
الكسائي و
شعبة عن
عاصم : بكسر الباء؛ لمجانسة الكسرة للياء.
وقوله: (( سُقُفًا )) قرأه
نافع و
ابن عامر و
حمزة و
الكسائي و
عاصم ((سُقُفاً)) بضمتين على الجمع، وقرأه
ابن كثير و
أبو عمرو ((سَقْفًا)) بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد، والمراد به: الجمع.
قوله تعالى: (( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ )) قرأه
نافع و
ابن كثير و
ابن عامر في رواية
ابن ذكوان وإحدى الروايتين عن
هشام و
أبو عمرو و
الكسائي : ((لَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ)) بتخفيف الميم من (لـمَا)، وقرأه
عاصم و
حمزة و
هشام عن
ابن عامر في إحدى الروايتين: ((لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ)) بتشديد الميم من (لـمَّا).
ومعنى الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى لما بين حقارة الدنيا وعظم شأن الآخرة في قوله:
وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها، وأنه جعلها مشتركة بين المؤمنين والكافرين؛ وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصاً بالمؤمنين دون الكافرين، وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر في نعيم الدنيا بقوله: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ))، أي: لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة متفقة على الكفر لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار، ولعلمنا بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا وحبها لها لو أعطينا ذلك كله للكفار، لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنياً وفقيراً، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا.
اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين
ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله: (( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي: أن متاع الدنيا مشترك بين المؤمنين والكافرين، لكن الآخرة ليست مشتركة: (( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ))، فالآخرة خاصة بالمتقين، وهذا المعنى جاء موضحاً في غير موضع، كقوله تعالى في سورة الأعراف:
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].
فقوله:
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي: مشتركة في الحياة الدنيا بين المؤمنين والكافرين، ويدل على هذا الاشتراك صدر الآية: (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ))، فهنا امتنان على العباد بهذه النعم التي أطلق أيديهم فيها، وأنعم عليهم بها.
ثم هناك أمر مهم جداً، وهو أن في آية الزخرف ما يدل على هذا الاشتراك وهو كلمة (لولا) في قوله: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ )). ؛ لأن (لولا) حرف امتناع لوجود، فالله سبحانه وتعالى يقول: (( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، ثم يأتي العلماء والمفسرون ويقولون: هي مشتركة بين المؤمنين وبين الكفار في الحياة الدنيا، فلابد أن يعرف الإنسان ما الدليل على هذا التفسير، والدليل هو أن كلمة: (( َلَوْلا )) حرف امتناع لوجود، والذي امتنع هو أن يقصر الله الدنيا على الكفار، ويوسع عليهم فيها وحدهم، هذا هو الممتنع.
إذاً: هي ليست مقصورة عليهم؛ لأن هذا ممتنع بسبب وجود كراهة أن يصير الناس جميعاً أمة واحدة.
وكذلك تفسير هذه الآية هنا في سورة الزخرف: (( وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ))، أي: أن متاع الدنيا مشترك بينهم وبين الكفار لكن التمتع في الآخرة خاص بالمؤمنين؛ لأنه قال: (( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )). وقال في آية الأعراف: (( خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، أي: خالصة لهم دون غيرهم، ولا يشاركهم فيها أحد.
يقول: فقوله في آية الأعراف هذه: (( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا، وذلك الاشتراك دل عليه حرف الامتناع للوجود الذي هو (لولا) في قوله هنا: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً )). أي: امتناع تخصيص الكفار بنعيم الدنيا ومتاعها، فهو ممتنع بهذا الدليل.
قال: وخصوص طيبات الآخرة بالمؤمنين منصوص عليه في آية الأعراف بقوله: (( خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))، وهو الذي أوضحه في آية الزخرف بقوله: (( وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )). وجميع المؤمنين يدخلون في الجملة في لفظ (المتقين)؛ لأن كل مؤمن اتقى على الأقل الشرك بالله، فيصدق عليه أنه من المتقين.
تمتيع الكافر في الدنيا
المقصود بالمعارج والسقف والزخرف
وقوله تعالى: (( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا )). يعني: لصيرنا، وقوله: (( لِبُيُوتِهِمْ ))بدل اشتمال مع إعادة العامل -يعني: حرف الجر- من قوله: (( لِمَنْ يَكْفُرُ )). وعلى قراءة (سُقُفاً) بضمتين فهو جمع سقف، وسقف البيت معروف.
وعلى قراءة (سَقْفاً) فهو مفرد أريد به الجمع، وقد قدمنا في أول سورة الحج في تفسير قوله تعالى:
ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج:5] أن المفرد إذا كان اسم جنس يجوز إطلاقه مراداً به الجمع، وأكثرنا من أمثلة ذلك من القرآن، ومن الشواهد العربية على ذلك.
وقوله تعالى: (( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ )) الظاهر أنه جمع معرج، والمعرج والمعراج بمعنى واحد، وهو: الآلة التي يعرج بها، يعني: يصعد بها إلى العلو.
(( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ )). أي: يصعدون ويرتفعون؛ حتى يصيروا على ظهور البيوت، ومن ذلك المعنى قوله تعالى:
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا [الكهف:97].
والسرر: جمع سرير، والاتكاء معروف، والأبواب: جمع باب، وهو معروف، والزخرف: الذهب.
قال
الزمخشري : إن المعارج التي هي المصاعد، والأبواب والسرر، كل ذلك من فضة. وكأنه يرى اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في ذلك، وعلى هذا المعنى فقوله: (( َزُخْرُفًا )) مفعول عامله محذوف، والتقدير: وجعلنا لهم مع ذلك زخرفاً، يعني: ذهباً.
وقال بعض العلماء: إن جميع ذلك بعضه من فضة، وبعضه من زخرف، يعني: من ذهب.
-
تفسير قوله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناَ فهو له قرين)
-
تفسير قوله تعالى: (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)
واعلم أن الله تعالى بين أن الكفار الذين أضلهم قرناؤهم من الشياطين يظنون أنهم على هدى، فهم يحسبون أشد الضلال أحسن الهدى، فقال تعالى عنهم:
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:37].
وقال تعالى:
إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30].
وبين تعالى أنهم بسبب ذلك الظن الفاسد أخسر الناس أعمالاً في قوله تعالى:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا *
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104] وهذا ظاهر وملموس ومحسوس من أحوال الكفار، ونحن نرى شدة اغترارهم بما هم عليه، كما قال
كلينتون في حفل تنصيبه للرئاسة: إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وأن عليها التزاماً مقدساً بتحويل العالم إلى صورتها. ونقول: لو تحول العالم إلى هذه الصورة فبئس العصر!
أيضاً: أقر مجلس الشيوخ في أمريكا القانون الإرهابي الذي تبنته أمريكا، والذي يبيح للرئيس الأمريكي أن يتدخل في أي دولة في العالم؛ لحماية الحرية، وتسهيل ممارسة الحرية الدينية للطوائف المخالفة للدين. ومصر موضوعة في أوائل هذه الدول التي يطبق عليها هذا الكلام، ومن حقه أن يتدخل بفرض عقوبات على أي دولة تتعرض للحرية الدينية بأي طريقة مخالفة.
الشاهد: أن واحداً من هؤلاء الشيوخ -شيوخ الضلال- تكلم وقال: إن هذه البلد تصدر كل شيء للعالم، فينبغي أن تصدر له أيضاً قيمها، وإن من هذه القيم حماية الحريات الدينية، وغير ذلك! وطبعاً كل هذه من أساليب أقنعة الهيمنة والإذلال والقهر للأمم، وهذا كله مما يبين لنا كيف أن هؤلاء على ضلالهم وكفرهم، يحسبون أنهم مهتدون.
وقوله تعالى هنا في آية الزخرف: (( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ))، من قولهم: عشا عن الشيء يعشو، إذا ضعف بصره عن إدراكه؛ لأن الكافر أعمى القلب، فبصيرته تضعف عن الاستنارة بذكر الرحمن، بسبب ذلك يقيض الله له قرناء الشياطين.
وقوله تبارك وتعالى: (( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ )). قال
ابن جرير في تفسيرها: وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر الله عن سبيل الحق، فيزينون لهم الضلالة، ويكرهون لهم الإيمان بالله والعمل بطاعته.
وقوله:
وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30]، أي: يظن هؤلاء المشركون بالله بتزيين الشياطين لهم ما هم عليه أنهم على الصواب والهدى.
وقوله: (( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا )) أي: العاشي عن ذكر الله.
وقوله: (( قَالَ )) أي: قال لشيطانه.
وقوله: (( يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ )) المقصود: بعد المسافة بين المشرق والمغرب، وقال: (المشرقين) من باب التغليب، ونظير ذلك أن تقول: العصران، والمقصود بها: الظهر والعصر، أو العمران، والمقصود بهما:
أبو بكر و
عمر ، والأبوان: الأب والأم، والأسودان: التمر والماء، والقمران: الشمس والقمر.
وقيل: المراد: مشرقا الصيف والشتاء، والتقدير: من المغربين.
يقول بعض الشعراء أيضاً في كلمة القمرين هذه:
أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع.
قوله: (لنا قمراها) يعني: الشمس والقمر.
وقوله: (( فَبِئْسَ الْقَرِينُ )). أي: حتى إذا حضر عقابنا اللازم لاعتقاده وأعماله والعذاب المستحق لمذهبه ودينه تمنى غاية البعد بينه وبين شيطانه الذي أضله عن الحق، وزين له ما وقع بسببه في العذاب، واستوحش من قرينه واستذله، لعدم الرابطة الطبيعية، أو انقطاع الأجساد بينهما.
-
تفسير قوله تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون)
قال تبارك وتعالى:
وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:39].
قال
القاشاني : أي: لن ينفعكم التمني وقت حلول العذاب واستحقاق العقاب إذا ثبت وصح ظلمكم في الدنيا، وتبين عاقبته، وكشف عن حاله؛ لأنكم مشتركون في العذاب لاشتراككم في سببه.
أو: ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب من شدته؛ لأن كل واحد منكم له الحظ الأوفر من العذاب.
قال
المبرد : منعوا روح التأسي؛ لأن التأسي يسهل المصيبة.
وهذا شيء طبيعي في الإنسان، كما يقول العوام: المصيبة إذا عمت هانت، أو إذا رأى الإنسان بلية غيره هانت عليه بليته.
فحتى هذا المعنى النفسي الذي يحصل بسبب الاشتراك في البلاء من التخفيف يحرم منه أهل النار، فالآية تشير إلى أن اشتراكهم في العذاب لن يحدث لهم المساواة التي كانوا يجدونها في الدنيا إذا اشتركوا في بلية، فإنهم في النار اشتركوا في البلية، لكنهم منعوا روح التأسي؛ لأن التأسي يسهل المصيبة، كما قالت
الخنساء رضي الله عنها:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي
وقوله: ((وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ)) وهو كقوله تعالى في سورة الصافات:
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الصافات:33].
-
تفسير قوله تعالى : (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين)
قال تعالى:
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزخرف:40].
هذا إنكار تعتيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا الله سبحانه وتعالى وحده، فهذه هداية خاصة بالله عز وجل، أما أنت يا محمد فإنك لا تسمع الصم، ولا تهدي العمي؛ لأن هذا النوع من الهداية لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وقد تكرر في التنزيل التعبير عنهم بالصم العمي الضلال؛ لأنه لا أجمع من ذلك لحالهم، ولا أبلغ منه؛ إذ سلبوا استماع حجج الله وهداه، كالأصم، وإبصار آيات الله والاعتبار بها كالأعمى، وقُصد بذلك الضال الحائر.
-
تفسير قوله تعالى: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون ... عليهم مقتدرون)
-
تفسير قوله تعالى : (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم)
قال تعالى:
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف:43].
يعني: دين الله الذي أمر به، وهو الإسلام، فإنه كامل الاستقامة من كل وجه.
قال
الشهاب : هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، وأمر له بالدوام على التمسك. يعني: هو متمسك، لكن أمره هنا للدوام، وهذا كقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ِ [النساء:136] أي: دوموا على ذلك، واثبتوا عليه.
فكذلك هنا: (فاستمسك) هو متمسك منذ الوحي نزل، لكن الأمر هنا هذا أمر... وهو الدوام على التمسك بهذا الحق.
والفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي: إذا كان أحد هذين واقعاً لا محالة فاستمسك به.
وهذه الآية تدل على أن المتمسك بهذا القرآن على هدى من الله سبحانه وتعالى، وهذا معلوم بالضرورة.
-
تفسير قوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)
قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44] .
(( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ )) أي: وإن الذي أوحي إليك لشرف لك ولقومك من قريش؛ لما خصهم به من نزوله بلسانهم، أو أن المراد بقوله: (( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ )) أي: أتباعه صلى الله عليه وسلم، أي: أنه تنويه بقدرك، وبقدر أمتك، وذلك لما أعطاهم الله بسببه من العلوم والمزايا والخصائص والشرائع الملائمة لسائر الأحوال والأزمان.
ويجوز أن يراد بالذكر: الموعظة.
وقوله: (( وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )) أي: عما عملتم من ائتماركم بأوامره، وانتهائكم عن نواهيه.
-
تفسير قوله تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ...)
قال تعالى:
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45].
أي: هل حكمنا بعبادة الأوثان؟ وهل جاءت في ملة من مللهم؟
قال
القاضي: والمراد هنا الاستشهاد بشيء معين، وهو الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد والدلالة على أنه ليس ببدع ابتدعه فيكذب ويعادى، والذين أمر بمسائلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم هم مؤمنو أهل الكتابين: التوراة والإنجيل.
فقوله سبحانه: (( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا )) يعني: من أمم رسلنا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سيسأل الموجودين في زمنه، والموجودون في زمنهم هم المؤمنون من أتباع كتابهم.
أو أنه جعل سؤالهم بمنزلة سؤال أنبيائهم؛ لأنهم يخبرون عما قاله أنبياؤهم، وذلك أن دعوة التوحيد هي أظهر ما في دعوات الأنبياء، وهم يخبرون عن كتب الرسل، فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعض المفسرين: إن هذا كان في حادثة الإسراء.
-
تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ... لعلهم يرجعون)
قال تبارك وتعالى:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:46-47].
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا)) أي المصدقة له ((إِلَى فِرْعَوْنَ))؛ لينهاه عن الاستعباد، ((وَمَلَئِهِ)) أي: لينهاهم عن التعبد له.
وقوله: (( فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))، أي: فأبان أنه لا يستحق العبادة غير الله تبارك وتعالى، وأنه ليس لأحد سواه عبودية؛ لأنها حق الربوبية المطلقة لله عز وجل.
وقوله تعالى:
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ [الزخرف:47].
أي: فلما أتاهم بالحجج على التوحيد، والبراءة من الشرك، إذا فرعون وقومه يضحكون، كما أن قومك مما جئتهم به من الآيات والعبر يسخرون، وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، عما كان يلقى من مشركي قومه، وإعلان منه لهم أن قومه من أهل الشرك لن يعدوا أن يكونوا كسائر الأمم الذين كانوا على منهاجهم في الكفر بالله وتكذيب رسله، وإرشاد له صلى الله عليه وسلم بالصبر عليهم أخذاً بسنن أولي العزم من الرسل، وإخبار منه له أن مردهم إلى البوار والهلاك، كسنته في المتمردين عليهم قبله، وإظهاره عليهم وإعلائه أمره، كالذي فعل بموسى عليه السلام وقومه الذين آمنوا به، من إظهارهم على فرعون وملئه.
ثم أشار إلى أن موجب الهزء لم يكن إلا لعناد، فما كانوا يهزئون من الآيات والمعجزات التي جاءهم بها موسى عليه السلام لقصور في تلك الآيات على ما تدل عليه، وإنما لمجرد العناد، ومحض الاستكبار والجحود، كما بين موجب هذا الهزء بقوله: ((وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا)). أي: أختها السابقة عليها، (( وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ )). أي: العذاب الدنيوي مما يلجئ إلى الرجوع، ((لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)). فسلط الله عليهم العذاب الدنيوي إلجاءً لهم إلى الرجوع وإلى التوبة.
-
تفسير قوله تعالى : (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك ...)
-
تفسير قوله تعالى : (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر ...)
-
تفسير قوله تعالى: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)
قال تعالى:
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52].
قوله: (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ )) (أم) هنا بمعنى: بل، والمعنى: بل أنا خير (( مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ )) أي: ذليل ضعيف، لا شيء له من الملك والأموال، وهذا هو نفس المنطق المادي الذي يشيع في الكفار.
وقوله: ((وَلا يَكَادُ يُبِينُ)) يعني: لا يكاد يبين الكلام؛ لمخالفة اللغة العبرانية للغة القبطية، وكلمة قبطي لا تدل على ديانة، وإنما أصلها المصري القديم، وهذا يعني أن المصري القديم كان في ساعات يعبد فرعون، وفي ساعات يعبد كذا، ولما دخلت النصرانية مصر تدينوا بها، لكن للأسف الشديد حتى اليوم نحن المصريين نسمى باللغة العبرانية بالأقباط، ففي اللغة العبرية كلمة (إيجبشن) ومعناها: قبطي، ولم تعرب بكلمة مصر إلى الآن.
وقوله: ((وَلا يَكَادُ يُبِينُ))؛ أي: أن لغته غير واضحة بالنسبة لفرعون؛ لأنه يتكلم بالعبرانية، أما فرعون فيتكلم القبطية.
قال بعض المفسرين: إن هذا إشارة إلى عقدة كانت في لسانه، ثم أذهبها الله عنه، وهذا ورد في حديث الفتوح الطويل المعروف، وإن كان لم يصح، لكن يشيع عند المفسرين، خاصة في تفسير سورة طه، عند قوله تعالى:
وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا [طه:40]، فموسى عليه السلام لما كان صغيراً، وخشي فرعون على ملكه منه، قيل له: اختبره، وانظر ماذا سيختار، فأتى بجمرة من النار، وبشيء آخر، فألهم أن يأخذ جمرة النار؛ حتى يظهر له أنه لا يعقل ولا يعي الأشياء، فحصل منها هذه العقدة في لسانه، والله تعالى أعلم، وإن كان الظاهر والأصل أن الأنبياء مبرءون عن العيوب الجسدية.
وعلى أي الأحوال حتى لو فرضت صحة ذلك فالذي نؤمن به يقيناً أن موسى عليه السلام دعا الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنه ذلك، وقد استجاب دعاءه؛ كما حكى الله عن موسى عليه السلام أنه قال:
وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *
يَفْقَهُوا قَوْلِي *
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *
هَارُونَ أَخِي *
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *
وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:27-32]... إلى قوله تعالى:
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه:36].
إذاً: هذا الخبيث فرعون إن كان يقصد بقوله: ((وَلا يَكَادُ يُبِينُ)) الإشارة إلى هذه العقدة التي كانت في لسانه، فنقول: لنفترض فعلاً أنها كانت عقدة، فقد أذهبها الله عنه، فكأن فرعون عيره بشيء قد كان وزال، وفرعون وإن كان يدري هذا لكنه أراد التضليل على الرعية؛ لأنه عارف بالحقيقة.
-
تفسير قوله تعالى: (فلولا ألقي عليه أسورة... قوماً فاسقين)
قال تعالى:
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [الزخرف:53].
(( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ )) يعني: نريد أن تنزل عليه أسورة الذهب من السماء، (( أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ))؛ كي يؤيدوه، وسبق الرد على اقتراح الآيات، وقلنا: إن هذا ليس إلى الأنبياء، بل هو من محض إرادة الله سبحانه وتعالى، ولذلك لو أن الملائكة جاءتهم في صورتهم الحقيقية فلابد أن تأتيهم بالعذاب، وإلا فإنها تأتيهم في صورة رجال، كما قال عز وجل:
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9].
ويفهم من قوله: ((أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)) أن فرعون كان يؤمن بوجود الملائكة، كما أن فرعون ما كان ينكر وجود الله، ولم يحك القرآن عن أمة من الأمم الكافرة أنها أنكرت وجود الله، فإن توحيد الربوبية قد أطبق عليه المشركون كافة، حتى الذين قص الله خبرهم في سورة المؤمنون كانوا يقرون بوجود الله، كما هو واضح من سياق الآيات.
وكذلك
أبو لهب و
أبو جهل وغيرهم من كفار قريش كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، لكن النزاع كان في توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد، أما توحيد الربوبية فإنه لا يسمى إيماناً، كما يفعل بعض الناس الآن؛ حيث يصف الكفار والمسلمين، ويضع معهم النصارى واليهود، كأن يقول: نحن معشر المؤمنين بالله. إذاً: على هذا القول كان
أبو جهل مؤمناً وكان
أبو لهب مؤمناً وكان فرعون مؤمناً.
فالمقصود توحيد الألوهية والعبادة، وليس توحيد الربوبية، بدليل أن كلمة التوحيد هي (لا إله إلا الله)، وليست (لا رب إلا الله)؛ ولو كانت (لا رب إلا الله) لدل على أن المشركين كانوا مسلمين؛ لقول الله عز وجل عنهم:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، فهم كانوا يقولون: لا رب إلا الله.
وقوله: (( أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ )) أي: يعينونه ويصدقونه.
((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ)) أي: استفزهم بهذه المغالطات وحملهم على أن يخفوا له ويصدقوه ((فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)).
-
تفسير قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم ...ومثلاً للآخرين)
-
تفسير قوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً ... وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل)
ثم قال تعالى:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ *
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف:57-58].
(( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا )) هذه الآية فيها عدة تفاسير منها: (( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا )) يعني: في كونه كآدم، كما قال تبارك وتعالى:
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].
والمعنى: أنه بين وصفه الحق من أنه عبد مخلوق منعم عليه بالنبوة، عبادته كفر، ودعاؤه شرك، إذ لم يأذن الله بعبادة غيره.
وقوله: (( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ )). أي: من هذا المثل المضروب، ووصفه المبين (( يَصِدُّونَ )). أي: يعرضون ولا يعون.
وقوله: (( وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ )) يعنون بآلهتهم الملائكة الذين عبدوهم، زعماً منهم أنهم بنات الله تعالى كما ذكر عنهم ذلك في أول السورة، يريدون أنهم خير من عيسى وأفضل؛ لأنهم من الملأ الأعلى، والنوع الأسمى، فإذا جازت عبادة المفضول فبالأولى عبادة الأفضل، هذا لأنهم يقررون على شركهم أصولاً صحيحة، ويبنون على تمسكهم أقيسة صريحة، وغفلوا لجهلهم عن بطلان المقيس والمقيس عليه، وأن البرهان القاطع قام على بطلان عبادة غيره تبارك وتعالى.
يعني: أنهم يستدلون بعبادة النصارى لعيسى عليه السلام على عبادتهم للملائكة، والملائكة أفضل من عيسى، فأولى أن تعبد الملائكة؛ لأنهم أفضل من عيسى!
ولا شك في بطلان هذا القياس، وبطلان المقيس عليه، فأولاً: هل عبادتهم عيسى عليه السلام مما يرضي الله؟ أو هل أمر الله به؟ فالمقيس باطل، وهذا مجرد دعوى وكفر، وكذلك المقيس نفسه باطل، وهو عبادة الملائكة؛ للأدلة الواضحة التي سوف نذكرها، وكأنهم يقررون على شركهم أصولاً صحيحة، ويبنون على تمسكهم بالباطل أقيسة صريحة، وغفلوا لجهلهم عن بطلان المقيس والمقيس عليه، وأن البرهان القاطع قام على بطلان عبادة غير الله تعالى، وعلى استحالة التوالد في ذاته العادية، وإذا اتضح الهدى، فما وراءه إلا الضلال، والمشاغبة بالجدال. فهذا أمر واضح وضوح الشمس، فإن كلا العبادتين باطل،سواء عبادة الملائكة أو عبادة المسيح عليه السلام.
فإذاً: هم في هذا الكلام يعرفون جيداً أن هذا باطل، لكنهم ما أرادوا إلا المشاغبة والجدال العقيم، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (( وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ))، يعني: هم مقتنعون أنهم لا يقيمون حجة، إنما يجادلون لدفع الحق.
فقوله: (( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ))، أي: ما ضربوا لك هذا القول إلا لأجل الجدل والخصومة، لا عن اعتقاد؛ لظهور بطلانه.
وقوله: (( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ))، أي: شديدو الخصومة للباطل تمويهاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (
ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجهل)
وما ذكرناه في تفسير هذه الآية هو الجلي الواضح لدلالة السياق والسباق، فقابل بين ما حكيناه وبين ما حكاه غيرنا وأنصف.
ثم رفع الله جل وعلا شأن عيسى عليه السلام فقال سبحانه وتعالى:
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ [الزخرف:59].
((إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ)) أي: عبد لله، ((أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ)) أي: بالنبوة والرسالة.
وقوله: ((وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)) أي: آية وحجة عليهم، لما ظهر على يديه، مما أيد نبوته ورسالته، وصدق دعواه.
-
تفسير قوله تعالى : (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون)
-
تفسير قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم)
قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61].
((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)) قيل: إن الضمير عائد إلى القرآن، كما ذهب إليه قوم، أي: وإن القرآن الكريم يُعْلِم بالساعة، ويخبر عنها، وعن أهوالها، وفي جعله عين العلم مبالغة، والعلم بمعنى: العلامة.
وقيل: الضمير عائد إلى عيسى عليه السلام، أي أن ظهوره من أشراط الساعة، فتكون هذه الآية من أدلة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
وهناك آية أخرى تدل على هذا المعنى، وهي قوله تعالى:
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، على التفسير الأرجح من أن الهاء تعود إلى المسيح عليه السلام؛ لأن المسيح ما مات، بل هو حي في السماء، وسوف ينزل في آخر الزمان حاكماً بالقرآن، كما أشارت بذلك الأحاديث.
فالمسيح يصدق عليه تعريف صحابي؛ لأنه لقي الرسول عليه الصلاة والسلام في ليلة الإسراء والمعراج مؤمناً به بلا شك بجانب أنه رسول الله عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وعلى هذا فهو أفضل الصحابة، وهو أيضاً آخر الصحابة موتاً؛ لأنه لم يمت بعد، وسيموت بعدما ينزل إلى الأرض.
وقوله: ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ))[الزخرف:61] قيل: إن ظهور المسيح عليه السلام من أشراط الساعة، ونزوله إلى الأرض في آخر الزمان دليل على فناء الدنيا؛ لأن هذه الآيات الكبار تتابع كما تتتابع حبات العقد إذا انفرط نظامه.
وقال بعضهم: معناه أن عيسى سبب للعلم بها، فإنه هو ومعجزاته من أعظم الدلائل على إمكان البعث.
فقوله: ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ)) أي لعلامة على إمكان البعث والنشور؛ لظهور قدرة الله سبحانه وتعالى في كيفية خلق المسيح عليه السلام من غير أب.
وقرئ: ((وإنه لَعَلَمٌ للساعة)) بفتحتين، أي أنه كالجبل الذي يهتدى به إلى معرفة الطريق ونحوه؛ لأن العَلَم هو: الجبل، والجبل يسمى العلامة؛ لأن كل الناس يرونه.
-
تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً)
ونختم الكلام بكلام العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى لقوله تعالى:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف:57]، قرأ هذا الحرف
نافع و
ابن عامر و
الكسائي : (يصُدون) بضم الصاد، وقرأ
ابن كثير و
أبو عمرو و
عاصم و
حمزة : (( يَصِدُّونَ )) بكسر الصاد، فقراءة الكسر معناها: يضجون ويصيحون، وقيل: يضحكون.
وقيل: معنى القراءتين واحد، كيعرِشون ويعرُشون ويعكِفون ويعكُفون.
وعلى قراءة الضم فهو من الصدود، والفاعل المحذوف في قوله: (( ضُرِبَ )) قال جمهور المفسرين: هو
عبد الله بن الزبعري السهمي قبل إسلامه. أي: أن الذي ضرب ابن مريم مثلاً هو هذا الرجل قبل أن يدخل في الإسلام.
المقصود: ولما ضرب
ابن الزبعري المذكور عيسى بن مريم مثلاً فاجأك قومك بالضجيج والصياح والضحك. أو أنه قال هذا الكلام الذي سنحكيه.
والظاهر أن لفظة (من) هنا في قوله: (( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ )) سببية، كقوله تعالى:
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [نوح:25]، ومن ذلك قول الحالفين في أيمان القسامة: أقسم بالله لمن ضربه مات. يعني: بسبب ضربه مات.
وإيضاح معنى ضرب
ابن الزبعري عيسى مثلاً أن الله سبحانه وتعالى لما أنزل قوله تعالى:
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98]، قال
ابن الزبعري : إن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول: إن كل معبود من دون الله في النار، وإننا وأصنامنا جميعاً في النار، وهذا عيسى بن مريم قد عبده النصارى من دون الله، فإن كان ابن مريم مع النصارى الذين عبدوه في النار، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه، وقالوا مثل ذلك في
عزير والملائكة؛ لأن
عزيراً عبده اليهود، والملائكة عبدهم بعض العرب.
فيقتضي أن يكون عيسى عليه السلام مثلاً لأصنامهم في كون الجميع في النار، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يثني على عيسى الثناء الجميل، وهذا المشرك العنيد كأنه يلزم الرسول عليه السلام، ويقول للناس: هذا كلام محمد يضرب بعضه بعضاً، إذ كيف يثني على عيسى ويمدحه، ويصفه بأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ثم يقول: (( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ )) وهو معبود، فيدخل هو وعابدوه النار؟!
فزعم
ابن الزبعري أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما اقتضى مساواة الأصنام مع عيسى في دخول النار، مع أنه عليه الصلاة والسلام يعترف بأن عيسى رسول الله، وأنه ليس في النار، فيدل ذلك على بطلان كلامه عنده، وأن الكفار وآلهتهم لا يدخلون النار.
عند ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ *
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ [الأنبياء:101-103].
وأنزل الله سبحانه وتعالى أيضاً:
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ، وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: (( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ))، أي: ما ضربوا عيسى مثلاً إلا من أجل الجدل والخصومة بالباطل، لقصد الغلبة بغير حق.
وقيل: إن (جدلاً) حال، وإتيان المصدر المنكر حالاً كثير.
يقول العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى: الدليل على أنهم قصدوا الجدل بشيء يعلمون في أنفسهم أنه باطل: أن الآية التي تذرعوا بها إلى الجدل لا تدل البتة على ما زعموا، وهم أهل اللسان، ولا تخفى عليهم معاني الكلمات، والآية المذكورة إنما عبر الله فيها بلفظة (ما) التي هي في الوضع العربي لغير العقلاء؛ لأنه قال: ((إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ))، ولم يقل: إنكم ومن تعبدون، وذلك صريح في أن المراد بها هنا الأصنام؛ لأنها جماد لا يعقل، فلا يقال فيها: (من) إنما يقال فيها: (ما) فهي مقتصرة هنا على الأصنام.
وأن قوله: ((وَمَا تَعْبُدُونَ)) لا يتناول عيسى ولا
عزيراً ولا الملائكة، كما أوضح تعالى أنه لا يرد ذلك بقوله تبارك وتعالى بعدها:
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101].
ووجه التعبير بصيغة الجمع في قوله تبارك وتعالى: (( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا )) مع أن القائل هو
عبد الله بن الزبعري السهمي يرجع إلى أمرين:
أحدهما: أن من أساليب اللغة العربية إسناد فعل الرجل الواحد من القبيلة إلى جميع القبيلة، ومن أصرح الشواهد العربية في ذلك قوله:
فسيف بني عبس وقد ضربوا به نبا بيدي
ورقاء عن رأس
خالد
فإنه نسب الضرب إلى جميع بني عبس، مع تصريحه بأن السيف في يد رجل واحد منهم، وهو
ورقاء بن زهير .
والشاعر يهجو بني عبس بذلك.
الأمر الثاني: أن جميع كفار قريش صوبوا ضرب
ابن الزبعري عيسى مثلاً، وفرحوا بذلك، ووافقوه عليه، فصاروا كالمتمالئين عليه.
وبهذين الأمرين المذكورين جمع المفسرون بين صيغة الجمع في قوله تعالى:
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ [الأعراف:77] وقوله أيضاً:
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا [الشمس:14] وبين صيغة الإفراد في قوله:
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ [القمر:29].
معنى آخر لآية: (ما ضربوه لك إلا جدلاً)
-
تفسير قوله تعالى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل)