إسلام ويب

حصاد الأفلامللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مما أصيبت به الأمة الإسلامية ظاهرة انتشار الأفلام وأجهزة الفيديو التي دخلت معظم البيوت، والتي خلفت الكثير من الآثار السيئة ونشرت الوباء الأخلاقي العربي إلى تلك المجتمعات المسلمة حتى صارت خراباً، فانتشرت الفاحشة والفساد الأخلاقي والتسكع والضياع.

    1.   

    نشأة الأفلام

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فهذا هو الدرس السادس من هذه الدروس التربوية، وموضوعه كما قرأتم جميعاً: حصاد الأفلام.

    وكان في نيتي أن يكون هذا الموضوع هو أول هذه السلسلة، أي: بداية هذا العام، وقد بدأت فكرته أثناء الإجازة ولكن تزاحمت الموضوعات حتى تأخر إلى هذا الوقت، وعسى أن يكون في الأمر خير!

    قبل أن نبدأ في الحديث نحتاج إلى أن نوضح مقصودنا بالأفلام التي نتحدث عنها؛ لأن الكثير من الإخوة وجهوا انتقاداً لموضوع المحاضرة وبالذات في هذا التوقيت، فنحن نعني بالفيلم: ذاك الفيلم التلفزيوني الذي يسجل، سواء كان يعرض من خلال أجهزة فديوتيب، وهو الاصطلاح الذي ينصرف إليه ذهن السامع عندما يقرأ مثل هذا الإعلان، أو من خلال شاشة التلفاز، سواء من خلال البث المحلي، أو من خلال استقبال البث المباشر، والكثير من الإخوة انتقد الحديث عن الأفلام في هذه الفترة التي أصبح يواجهنا فيها خطر أوسع وأشد من هذه الأفلام ألا وهو البث المباشر.

    لكن أقول: إن الحديث عن الأفلام جزء من الحديث عن حمى البث المباشر؛ لأن البث المباشر عبارة عن أفلام لكنها تبث بصورة أخرى، فهي غير خاضعة لما يسمى بالرقابة، وكذلك تكون أكثر تركيزاً، ويستطيع أن يشاهدها المستمع والمشاهد ولو لم يكن عنده جهاز الفيديو.

    وها نحن نرى الثمار السيئة لهذا البث تترى حتى استطاع المشاهد أن يشاهد أي قناة تلفزيونية دون أي صحن استقبال أو فضائي.

    وسنلقي هنا نبذة سريعة عن نشأة الأفلام وكيف اخترعت:

    ففي البداية كان البث التلفزيوني مباشراً من خلال الأستوديو مباشرة، وتجرى التمثيليات والمسرحيات وغيرها من برامج التلفزيون فتذاع مباشرة من خلال الأستوديو، ثم في عام (1956م) اخترعت الأفلام التي تسجل البرنامج التلفزيوني قبل أن يعرض، وقد مرت بمراحل حتى وصلت إلى هذا التطور الملحوظ فساهمت في كساد سوق السينما العامة؛ نظراً لأن الأفلام تتمتع بمزايا أكثر من خلال وضوحها وسهولة الاستخدام الشخصي.

    فجهاز الفيديو يخاطب العين والأذن معاً، فهو يخاطب القارئ والأمي، ويخاطب الجميع، ويأسر مشاعر الإنسان، وينقل للإنسان صورة حية واضحة تشد انتباهه، ومن هنا فلا تستغرب إذا كان يجلس المشاهد أحياناً أربع ساعات أو خمس ساعات تجاه التلفاز أو شاشة الفيديو؛ نظراً لأن هذه الأفلام تخاطب الإنسان وتنقله نقلة أخرى إلى عالم آخر، بخلاف القراءة أو السماع المجرد.

    1.   

    كيف وفدت ظاهرة الأفلام إلى مجتمعنا

    بدأ ورود الأفلام إلى مجتمعنا في عام (1397هـ)، أي: أنها مرحلة متأخرة نسبياً، وفي تحقيق نشر في جريدة الرياض بتاريخ (16 شوال عام 1403هـ) يقول التحقيق: كانت البداية عام (1397هـ)، وصرح مدير المطبوعات في ذلك الوقت بأنه يوجد في السعودية حوالي (700) محل بيع وتأجير أشرطة فيديو منها (220) محلاً في الرياض، و(195) في جدة و(90) في الشرقية و(35) في المدينة و(40) في مكة، والباقي (120) محلاً موزعاً على سائر المناطق.

    وهكذا ترى أنه في خلال هذه الفترة القصيرة جداً انتشر هذا الانتشار الواسع النطاق، وبعده وقفت التصريحات الجديدة بالسماح لمحلات الفيديو، ولكن تحصل حالات استثنائية، المهم: أنك تستطيع أن تقول الآن: إن محلات بيع الأفلام وتأجيرها في مدينة الرياض تكاد تكون ضعف محلات التسجيلات الإسلامية.

    وحتى نأخذ تصوراً عن حجم متابعة ومشاهدة هذه الأفلام يمكن أن نشير إلى بعض الدراسات التي أجريت في مجتمعنا عن متابعة الشباب للأفلام:

    ففي بحث بعنوان: (وقت الفراغ وشغله) من جامعة الإمام محمد بن سعود توصل الباحث إلى أن (67%) من أفراد العينة -والدراسة مطبقة على مرحلة ثانوية- يملكون أجهزة فيديو، والذي لا يملك جهاز فيديو لا يعني ذلك بالضرورة أنه لا يشاهد الأفلام، فهناك نسبة كبيرة ممن لا يملكون جهاز الفيديو يشاهدون الأفلام عند أصدقائهم، وهي قضية أخطر، وإن كان كلا الأمرين فيهما خطر، لكن جلوسه مع أصدقائه يعني: أن الأصدقاء يتحكمون في نوعية الأفلام التي تشاهد وتختار، وقد يقصد باختيار أفلام معينة تحقيق أغراض ومقاصد سيئة بهؤلاء الأصدقاء كما لا يخفى على الجميع.

    وكذلك أفاد أن (45.7%) من أفراد العينة يقضون أوقاتهم في مشاهدة الفيديو، يعني: أنه يقضي معظم وقته في مشاهدة الفيديو، أي أن نصف أفراد العينة تقريباً يقضون أوقاتهم في مشاهدة أفلام الفيديو.

    وفي دراسة أجراها طالبان في المعهد العالي أو كلية الدعوة في جامعة الإمام بعنوان: (أثر الفيديو على متابعة برامج التلفاز بين طلاب المرحلة الثانوية في مدينة الرياض) ظهر أن الذين لا يوجد لديهم أجهزة فيديو هم (19.5%) فقط، والذين لا يشاهدون أفلام الفيديو هم (10%) فقط من أفراد هذه العينة.

    على كل حال نكاد نقول: إنه في أوساط الشباب يكاد يبلغ الرقم النصف ممن يتابع ويشاهد أفلام الفيديو، وهو رقم هائل جداً، وتصور أن كل الآثار والنتائج التي سنعرضها بعد قليل -إن شاء الله- ستنطبق بصورة أو بأخرى على هؤلاء الشباب الذين يشاهدون هذه الأفلام.

    لا تنزعجوا من هذه الأرقام، فقد جاء الآن البث العالمي وصار الكثير من الناس يستقبل باستخدام الهوائيات، وكم تتصورون عدد الهوائيات أو الصحون أو ما يسمى بالدشوش الموجودة الآن لاستقبال البث العالمي؟

    نشرت جريدة الحياة أنه يوجد في الخليج (97000) هوائي، منها في السعودية (60000)، و(20000) في الإمارات و(10000) في الكويت و(3000) في البحرين و(2000) في عمان و(2000) في قطر، حتى إنك تجد أحياناً بيوتاً من الطين توجد عليها هذه الدشوش، وبعض الناس من محدودي الدخل وأصحاب الموارد المحدودة يقتنون هذه الدشوش، حتى إنها أصبحت توجد في كثير من المناطق والقرى النائية وللأسف.

    1.   

    حجم وجود أجهزة الفيديو في الخليج

    حجم وجود أجهزة الفيديو في الخليج ونسبة وجودها أيضاً في بلادنا:

    كان يوجد في الخليج عام (1403هـ) خمسة ملايين جهاز فيديو، وهذا العدد يفوق الأجهزة الموجودة في أمريكا، وأيضاً يفوق الأجهزة الموجودة في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا مجتمعة.

    أما في بلادنا فتؤكد الأرقام أن أجهزة الفيديو نسبة إلى عدد السكان تعتبر من أعلى النسب في العالم، إن لم تكن أعلاها على الإطلاق، ففي أمريكا يوجد ثلاثة ملايين جهاز، أي: بواقع جهاز واحد لكل مائة شخص، أما هنا فإن عدد الأجهزة مقارناً بعدد السكان يصل إلى نسبة واحد إلى عشرين، أي أن النسبة تزيد خمسة أضعاف عن مثيلاتها في أمريكا، وتزيد ثلاثين ضعفاً عن بلد متقدم مثل إنجلترا.

    وهذا منقول عن تصريح رسمي لأحد المسئولين في وزارة الإعلام نشر في عام (1403هـ).

    هذه الأرقام أرقام مزعجة جداً، وهي تصور لنا انتشار هذه الحمى الوافدة في مجتمعاتنا، والمشكلة في التعامل مع هذه الظاهرة وغيرها حين نكون أسرى لبيئتنا المحدودة ومجتمعنا المحدود، فقد يكون الإنسان ينتمي إلى أسرة محافظة ونزيهة وعلاقته عادة في محيط العائلة وأقربائه والناس القريبين منه، ولا يحتك بالآخرين، فهو يتعامل مع عينة متحيزة بالمصطلح الإحصائي في المجتمع، أي: يتعامل مع عينة تمثل توجهاً معيناً، ويحكم على المجتمع من خلال هذه العينة ومن خلال هذا النموذج الذي يتعامل معه، وينسى أن هناك طبقات أخرى وفئات كثيرة تعيش واقعاً آخر وعالماً آخر، بل إن هناك العديد من الأسر التي تملك في البيت أكثر من جهاز.

    وفي دراسة أجراها المجلس الأعلى للإعلام في عام (1403هـ) يصرح الدكتور عبد الرحمن الشبيلي فيقول: وجدت الدراسة أن حمى الفيديو تنتشر وتتفاعل وتتصاعد بازدياد بنسبة لا تقل عن (30%) كل عام، كما بينت الدراسة أنه يصل إلى المملكة كل شهر ما يزيد على (10000) شريط، وعلى كل حال فإن فكرة الدراسة لم تقم أصلاً على أساس الحد من هذه الظاهرة أو إيقافها أو منعها، ولكن للعمل على تنظيمها وتوجيهها الوجهة الصالحة المفيدة للمجتمع. انتهى هذا التصريح.

    وأيضاً حتى تعرف صورة عن انتشار الأفلام الممنوعة والتي لا تجيزها الرقابة، مع العلم أن كثيراً من المراقبين يجيزون -مثلاً- بعض صور النساء التي تكشف فيها العورة إلى نصف الفخذ أحياناً، وأحياناً تجاز بعض الأفلام إلى حد ما يسمى بالمايوه إذا لم يتكرر هذا المشهد في الصورة أكثر من مرة أو مرتين، وتستغرب فعلاً عندما تجد مثل هذه الأفلام المفسوحة، مع العلم بأن لائحة متابعة أو تنظيم أجهزة الفيديو تنص على أنه لا يجوز أن يعرض أي فيلم يتعارض مع أحكام وآداب الشريعة الإسلامية، ولو طبقت هذه اللائحة لأغلقت جميع المحلات.

    أقول: حتى تأخذ صورة واضحة عن حجم انتشار الأفلام الممنوعة -مع أن الأفلام المسموحة أيضاً هي الأخرى لها آثار سيئة جداً- فإنه قد نشرت فيريدز جزيرة في تاريخ (3/6/1413هـ) في صفحة الرسالة -وهي صفحة تصدرها الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- قصة في كيفية قبض رجال الهيئة بمدينة الرياض على محل يوجد به (2000) شريط ممنوع، وأحد الزبائن يحمل في يده الأولى شريطاً والثانية عقاراً للتنشيط الجنسي، إلى هذا الحد هذه الأفلام تساهم في زيادة الرغبة والشهوة الجنسية، فلا يستطيع مثل هذا الشخص الذي يتابع ويشاهد هذه الأفلام أن يقضي شهوته فيحتاج إلى عقار آخر يزيد من تنشيط أدائه الجنسي، ويساهم أيضاً مثل هذا المحل في ترويج مثل هذا العقار.

    لا أريد أن أتحدث عن بعض الأرقام والإحصائيات المذهلة عن كمية الأفلام الممنوعة التي يقبض عليها، فهي أرقام مزعجة، ولك أن تتصور أنه يمكن لأي شاب مراهق أن يحصل على هذه الأفلام بصورة أو بأخرى، وهذه الأفلام الممنوعة تتمثل بصورة أكثر في الأفلام الجنسية المكشوفة كما يقال، والتي تعرض فيها الفاحشة بصورها وألوانها ويرى الناس فيها كما ولدتهم أمهاتهم، فضلاً عن الأفلام التي تدعو إلى الشرك والإلحاد والوثنية كما سيأتي عرض نماذج من ذلك.

    إذاً: هذه المقدمة تعطينا صورة عن هذا الخطر الداهم وانتشاره، فإذا كان انتشار الأفلام وانتشار الفيديو بمثل هذه الصورة فكيف يكون الأمر بعد وفود البث المباشر واستطاعة الناس استقبال محطات فضائية لدول غربية، بل هناك محطات خاصة لبث أفلام جنسية ومحطات خاصة لبث التنصير والطعن في العقائد.

    أقول: كيف تكون الصورة حينما لا يكون هناك مجال للرقابة، وذكرت لكم رقم وعدد هذه الصحون، ولا يزال العدد يتضاعف باستمرار، والقضية أخطر من ذلك، فبعد فترة سيكون بإمكان المشاهد من خلال جهازه العادي أن يستقبل أي محطة بدون أي جهاز استقبال.

    1.   

    الآثار الخبيثة للأفلام

    بعد ذلك ننتقل إلى النقطة الأساسية والمهمة في هذا الموضوع ألا وهي: حصاد الأفلام، أو ثمارها الخبيثة وآثارها، وهي آثار كثيرة ومتنوعة، آثرت الاقتصار على بعضها؛ لأن الوقت لا يتسع لعرض مثل هذه الآثار ولا حتى عرض النماذج والصور أيضاً من مدى انتشار هذه الآثار وخطورتها:

    الدعوة إلى الشرك والكفر

    من أخطر -بل أخطر- هذه الآثار: الدعوة للشرك والكفر، ويتمثل ذلك في عدة جوانب منها:

    الدعوة لعبادة الأوثان والأصنام.

    وجانب ثان: تعليم العبادات الوثنية.

    جانب ثالث: الدعوة لعبادة القبور وشد الرحال إليها.

    جانب رابع: تشويه سير الأنبياء، وتنتشر أفلام تعرض سيرة موسى وعيسى بصورة وقحة.

    وأيضاً: نشر عقيدة تناسخ الأرواح.

    وحتى لا أتهم بالمبالغة؛ فأمامي الآن قائمة فيها (49 فيلماً) من الأفلام المقبوضة والتي فيها مخالفات تتعلق بالعقيدة وأكثرها أشياء شركية، منها مثلاً: فلم هندي بعنوان: (كرشم كالي كا) وكالي: اسم لصنم معبود عند الهندوس، وقصة الفيلم مبنية على ألوهية: كالي.

    كذلك فلم هندي أيضاً بعنوان: (منتالي) وهي قصة عن العشق وتحث على شد الرحال إلى مقبرة شاه الحميس.

    كذلك فلم هندي أيضاً بعنوان: (رات سوريا ويشي) ويدور حول قصة مبنية على أن الأرواح تنتقل من شخص إلى شخص بواسطة الكهنة والسحرة عندما يفعل بعض العبادات.

    كذلك فلم: (من مول فيستيل) وهذا فلم تنصيري من إنتاج نصارى الكاثوليك، وهو يزود المشاهد بمعلومات كاملة عن كنيستهم المقدسة في الفاتيكان وما يقام فيها.

    فلم بعنوان: (ماديوتا) وهي قصة مبنية على حب ومذهب تناسخ الأرواح.

    أشرطة وخطب نصرانية وهي تشتمل على إثبات التثليث والدعاء والاستغاثة بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام.

    على كل حال لا أريد أن أطيل في عرض هذه النماذج.

    منها أيضاً: أشرطة تقوم حول عبادة الصليب وعيسى.. أشرطة حول عبادة الأفاعي.. كذلك من الوقاحة أيضاً: فلم يعرض قصة موسى عليه السلام، وعلى غلاف الفيلم صورة يدعون أنها صورة موسى وبيده التوراة -وهذه هي الصورة- ويعرض في هذا الفيلم باستخدام الأشعة كيف أن الوحي جاء من الله عز وجل إلى موسى.

    صورة أخرى أيضاً وقحة وهو فلم يقبض عليه كثيراً يحكي قصة عيسى عليه السلام، وهو فلم جنسي ساقط داعر يمارس فيه الجنس بصورة مكشوفة، وتعرض فيه صورة عيسى عليه السلام، وناهيك عن الأفلام التي فيها صلب المسيح عليه السلام.

    كل هذا الحديث عن أفلام موجودة ومقبوضة هنا وليس حديثاً عن أفلام في الخارج، فكيف إذا كنا بعد ذلك نستقبل بدون أي رقابة وبدون أي متابعة كل ما يعرض في محطات العالم، فلك أن تتصور بعد ذلك خلفية هذا الشخص الذي يعتمد على التلقي من هذا الجهاز وحده، ولا يكاد يتلقى تربوياً من غير هذا الجهاز وثقافته وقدراته مرتبطة بهذا الجهاز وحده، وسنشير إلى نماذج من آثار متابعة هذه الأفلام على الثقافة والتفكير وآثارها التربوية.

    إضعاف عقيدة الولاء والبراء

    الأثر الثاني، وهو أيضاً أثر عقدي: إضعاف عقيدة الولاء والبراء، إن الكثير من هذه الأفلام يمثلها أبطال كفار، ويعرض هذا الرجل بصورة البطل الذي حقق البطولة، وقد تكون هذه البطولة: تحقيق شهوة جنسية.. وقد تكون القدرة على التغرير بفتاة، أو القدرة على القيام بعملية جنسية.. وقد تكون بطولة عسكرية، وأياً كانت هذه البطولة، فالكثير من هؤلاء الأبطال هم من الكفار.

    عندما يشاهد الطفل والمراهق، بل حتى الرجل الكبير والمرأة عندما تشاهد مثل هذه الأفلام والتي يعرض فيها صورة هذا الرجل على أنه بطل.. تخيل أثر هذا الفيلم وهذه المشاهدة على القضاء على عقيدة الولاء والبراء التي هي أوثق عرى الإيمان ومن أهم جوانب العقيدة، والتي انطمست عند الكثير من المسلمين نظراً لإهمالها وإهمال الحديث عنها والعناية بها.

    أيضاً ما ينشأ من التقليد والمحاكاة والتي تورث المحبة للكفار وسنأتي إلى هذه النقطة بعد قليل إن شاء الله.

    وسأستشهد كثيراً بكتابات بعض الغربيين أو كتابات بعض المسلمين الذين لا نوافقهم على منهجهم؛ لأن الجميع يجمعون على خطورة مثل هذه الأفلام، وقرأت كثيراً مما كتب في الدوريات والصحف والرسائل الجامعية والكتب تجد أن الجميع بدءاً بالغرب والكفار وحتى العلمانيين في المجتمعات الإسلامية يتحدث عن خطر الأفلام وخطر السينما والتلفاز، وعندما تبحث في أي مركز من مراكز المعلومات عن المقالات والدراسات التي أجريت حول هذه الظاهرة تخرج أمامك أرقام هائلة من البحوث والدراسات، حتى أنهم أعطوا الوقت الذي قضيته في الإعداد والقراءة فيما تيسر لم أستطع أن أقرأ كل ما حصلت عليه مما كتب حول الموضوع؛ ولهذا فليس بالضرورة أن يكون معنى استشهادي نستشهد بقوله أني أوافقه.

    تقول الدكتورة كافية رمضان في مقال لها في مجلة البيان الكويتية: بل إن المساهمة في تزييف الوعي تتضح في أفلام السوبرمان على سبيل المثال، وعلى الرغم مما قد يكون فيها من فائدة -هذا بناءً على رأي الكاتبة- فالرجل الأمريكي -يعني: في هذا الفيلم- قادر على ما لا يقدر عليه غيره من البشر، وهو يعرف ما لا يعرفون، ولديه من القدرات ما لا يملكون، وهو عادل وكريم ومدافع عن الحقيقة -ممكن أن نضيف نحن: ومدافع عن حقوق الإنسان- ولا شك أن مثل هذه الصورة عندما تنطبع في ذهن الطفل يصعب عليه تغييرها أو التخلص من أسرها.

    تشويه المعاني الشرعية

    الأثر الثالث لهذه الأفلام: تشويه المعاني الشرعية، من خلال جوانب كثيرة مما يعرض في هذه الأفلام، ولعل منها مثلاً: الطلاق، وتعدد الزوجات، وغيرها من القضايا الشرعية التي تدور كثيراً في الأفلام، لا نقول: الأفلام الغربية بل الأفلام العربية، بل كثير من الأفلام التي تعرض الآن والتمثيليات التي تعرض حتى في الإذاعة المسموعة تدور كلها حول مشكلة تعدد الزوجات والطلاق وغيرها مما يشوه مثل هذه المعاني الشرعية، فينطبع في ذهن المستمع والمشاهد أن الإسلام ظلم المرأة وأهانها، وأن الطلاق يعتبر ظلماً وإهانة للمرأة.

    وهذا الأثر لا يقتصر على مجرد قضية الطلاق أو تعدد الزوجات وإن كانت قضية شرعية لها احترامها ولها قيمتها، بل يتجاوز ذلك إلى المناقشة أصلاً في الشرائع والمناقشة في هذا الدين.

    تشويه سير العلماء والصالحين

    جانب رابع: تشويه سير الصالحين والعلماء، ولعل ما عرضناه قبل قليل من ما يعرض من مشاهد الأنبياء وتصوير الأنبياء في مثل هذه الأفلام يعتبر خير دليل على ذلك.

    تقول الدكتورة كافية رمضان في المقال المشار إليه آنفاً: وأما الموقف من رجل الدين -طبعاً هذا المصطلح غير سليم- فيكفي أن نتابع كيف تظهر شخصية المأذون في معظم الأفلام العربية، فهو شخص غبي شره يسهل خداعه، وهو لا يهمه سوى البحث عن معدته أو جيوبه.

    ويجد -مثلاً- من يتابع الأفلام الكرتونية أو غيرها، أنه كثيراً ما يصور ذلك الرجل الملتحي كرجل إرهابي يطلق النار ليقتل الناس أو رجل يسرق إلى غير ذلك من الصور التي يقصد من خلالها تشويه الملتزم بالإسلام وربط هذه الشعيرة بمثل هذا السلوك الذي يراه الطفل ويراه المشاهد.

    التأخر عن الصلاة وتركها

    أثر خامس: التأخر عن الصلاة وتركها، من خلال انهماك المشاهد بمتابعة مثل هذا الفيلم، ويذكر لي أحد الطلبة الذي كان يشاهد هذه الأفلام، يقول: كثيراً ما أكون منهمكاً في مشاهدة الفيلم فلا أشعر أصلاً بوقت الصلاة وأتأخر حتى أصلي الصلاة بعد خروج وقتها، وأحياناً أترك الصلاة بالكلية.

    والكثير ممن يشاهد هذه الأفلام لا يستطيع أن يترك مثل هذا الفيلم، إذا كان الناس في أي مجلس عادي تتبادل فيه الأحاديث يثقل على الجالسين أن ينصرفوا إلى الصلاة إلا مع وقت الإقامة تقريباً فكيف إذا كان مشدوداً بكل حواسه وجوارحه لمشاهدة مثل هذا الفيلم الذي تمارس كل أنواع ووسائل إثارة الغرائز وشد انتباه المشاهد، وكيف إذا كان مثل هذا الإنسان لا يقيم للصلاة وزناً ولا قيمة، وليس عنده أي شعور بأهمية الصلاة، لا شك أن مشاهدته لمثل هذه الأفلام ستشغله قطعاً عن الصلاة وستؤدي به إلى تأخير الصلاة عن وقتها فضلاً عن صلاة الجماعة.

    وأيضاً يتمثل ذلك في السهر، فعندما يجلس أمام الفيلم أو أمام مسلسل يعرض في التلفاز سيتأخر عن النوم ولن يستطيع الاستيقاظ لصلاة الفجر.

    انحراف الشباب

    أثر سادس: أن هذه الأفلام مسئولة مسئولية كبيرة عن كثير من حالات انحراف وفساد الشباب، وأظن أن هذه صورة معروفة ومشاهدة لدى الجميع، لكن يمكن أن أذكر بعض الأمثلة:

    في أحد أعداد مجلة دار الملاحظة، يذكر أحد الموقوفين في الدار: أن سبب مشكلته أصلاً تبدأ من خلال فيلم شاهده، وبعد ذلك قاده إلى أن يقع في الجريمة ويكون أحد نزلاء الدار.

    وفي تحقيق أجرته جريدة الأنباء الكويتية أيضاً حول بعض هذه المظاهر: يذكر أحد هؤلاء الشباب أنه كان مع مجموعة من رفاقه فقام أحدهم بتشغيل الفيلم وبدأ بعد ذلك مسلسل الانحراف والفساد.

    أحد الشباب كان طالباً يدرس عندي وهداه الله سبحانه وتعالى واستقام، وبعد فترة لاحظت عليه أثر التغير وانحرف عافانا الله وإياكم، فوجهت له هذا السؤال، قلت له: أريد أن أعرف السبب المباشر لتغيرك وانحرافك، فذكر لي أنه كان يجلس مع بعض الشباب الصالحين الأخيار وانشغل عنهم أو انقطع عنهم فترة معينة ويقول: كنت أجلس عند الباب فدعاني أحد الشباب في الحي -من أصدقائه القدامى- فدخلت عنده فشاهدت أحد الأفلام وبعد ذلك بدأ مسلسل الفساد والانحراف.

    طبيعي جداً أن يكون فيلم واحد مسئولاً عن تدمير هذا الشاب، بل مسئول عن تدمير أسرة بكاملها، وسيأتي عرض نماذج من ذلك.

    أقول: طبيعي جداً أن يكون ذلك؛ نظراً لأن هذا الشاب يعيش شهوة متوقدة وعارمة ويعاني من وسائل الإثارة والإغراء، وتفتح أمامه أبواب قضاء الشهوة، وإضافة إلى افتقاد التوجيه، وافتقاد النصح، ويفتقد هذا الشاب إلى من يعرف دوافعه ومن يعرف حقيقته، وأستطيع أن أقول: إن الرجل الذي يعرف حقيقة هذا الشاب وواقعه ودوافعه هو ذاك الذي قام بتسجيل هذا الفيلم له، أما الكثير من الناصحين، فتجد أن كثيراً من الأساتذة والآباء والكثير من أصحاب التوجيه يعيشون في بعد وغيبوبة عن مثل هذا الواقع، فهو يسمع عن شيء اسمه الأفلام.. يسمع عن شيء اسمه البث المباشر؛ لكنه لا يدري ماذا يدور وراء هذه الكواليس ولا يدري ماذا يشاهد أمثال هؤلاء الشباب، وعندما تحكي له قصة أو صورة من ذلك يضع يده على رأسه ويستغرب كيف يحصل مثل هذا، فكيف إذا شاهد مثل هذا الواقع بنفسه؟ ولا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية.

    وأقول أيها الإخوة، وأكرر ما قلته قبل قليل: لا يسوغ أبداً أن نحكم على ظواهر المجتمع، ونحكم على المجتمع من خلال زوايا محددة نتعامل معها فقط، أو من خلال الواقع الذي يتعامل معه الإنسان أو الجو الذي يعيشه، فالواقع والمجتمع جو وفيه متغيرات أكبر بكثير من تلك التي تراها وتدركها.

    الفساد الأخلاقي

    الأثر السابع: الفساد الأخلاقي، يقول الأستاذ عبد الله الجعيثن في مقال في المجلة العربية: إن السينما التي حشرت في علب الفيديو لا تكرر الحب الجسدي في كل فيلم فقط، بل ترسم الطريق الملتوية لتحقيق الرغبات.

    إن قضية مساهمة هذه الأفلام في إشاعة الفساد الأخلاقي تتصور أنها من البدهيات ولا تحتاج إلى إثبات، فأنت ترى مثلاً على رأس القائمة الأفلام الجنسية الساقطة المكشوفة، أو ما يسمى بالمصطلح المعاصر: أفلام السكس، هذه الأفلام التي تعرض الجنس بكل وقاحة أمام هذا الشاب المراهق، والذي قد لا يكون بلغ سن التكليف، وترى الكثير من هؤلاء الشباب قد اعتاد مشاهدة ألوان وأصناف كثيرة منها من خلال أفلام الفيديو أو من خلال ما يعرض من البث المباشر، حتى يصل الأمر إلى أنه إحدى قنوات إفريقيا تلك القارة السوداء تعرض بعض الأفلام الجنسية الهابطة من هذا النوع.

    كذلك أيضاً: الأفلام العاطفية وهي تؤدي إلى نتيجة أخطر من الأفلام الجنسية من وجهة نظر الكثير ممن يتحدث عن هذه الأفلام.

    والأفلام العاطفية هي تلك التي تتحدث عن الحب والغرام واللقاء وتعرض للمشاهد صورة العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة، ويعيش الشاب خلال ساعة ونصف.. خلال أربع ساعات أو أقل أو أكثر مشدوداً مع مثل هذه المشاهد التي تتحكم بغريزته وعاطفته.

    كذلك أيضاً: الأفلام الفكاهية والبوليسية لا تخلو من بعض المشاهد والإيحاءات الجنسية.

    تقول الدكتورة كافية رمضان عن المشاهد الفكاهية: هذه لا تخلو من مشاهد الجنس أو الإيحاءات الجنسية، بل قد تدور أحداث الفيلم كلها حول محاولة الرجل دفع المرأة إلى الموافقة على ممارسة الجنس معها، هذه الأفلام الفكاهية، أما الأفلام الجنسية والأفلام العاطفية فهي أصلاً تدور حول هذه القضية.

    ويكفي في استثارة الشاب فقط أن يرى صورة تلك الفتاة أو يسمع ذاك الصوت المتغنج المتكسر الذي تتحدث به الفتاة أو يتحدث به الرجل، ناهيك أيضاً عما يمارس من استخدام بعض وسائل الإغراء: استخدام المكاييج والعرض أحياناً من خلال غرف النوم، أو من خلال مشاهد مؤثرة تنقل ذاك الطفل البريء أو ذاك المراهق إلى واقع وعالم آخر قد لا يكون والده يعلم عنه أو يراه.

    تعليم العلاقات المحرمة

    من النتائج والآثار وهي نتيجة أيضاً خطيرة: تعليم العلاقات المحرمة.

    إن الكثير من قصص هذه الأفلام تدور حول الحب بين شاب وفتاة، وكيف بدأت قصة هذا الحب وتطورت؛ ولهذا لا تستغرب إذا كنت تجد الكثير من الشباب يكتب على كتبه، أو على دفتر الكشكول تعذيبه وغرامه من حب فلان أو فلانة، ويتمثل بأبيات من الشعر -إذا لم يكن شاعراً- والتي تحكي معاناته من هذا الحب، هذه هي من إفراز في الواقع لأثر مثل هذه الأفلام.

    هذه العلاقات التي لم يكن يعرفها مجتمعه كيف وفدت؟

    أعرض عليكم نماذج من هذه الصور التي قد تكون مؤلمة ومزرية، ولكنه واقع لا يسوغ أن نتهرب عنه، ولا يجوز أن ندس رءوسنا في الرمال ونبدأ نتحدث عن جوانب إيجابية ومنجزات ونترك تلك الصور الموجودة في مجتمعاتنا بكثرة بحجة عدم الإثارة وعدم الحديث عن هذه المظاهر، وقد آثرت أن أختصر جداً، وأن أقتضب بالذات في المشاهد التي أعرضها من واقع هذا المجتمع بأنها مشاهد مزعجة لكنها لا بد من عرضها:

    في رمضان هذا الشهر: فتاة يقبض عليها مع أحد الشباب في خلوة محرمة وتكون النتيجة كالآتي: هذه الفتاة شاهدت أحد الأفلام فأخذت جهاز الهاتف واتصلت على أحد الشباب وواعدته، وكيف كان الموعد؟

    ستخرج مع والدتها في صلاة التراويح في أحد المساجد المزدحمة، ثم تخرج أثناء صلاة التراويح وتلتقي مع الشاب، وتكون المصيبة أكثر عندما يأتي الأب لمركز الهيئة فيكتشف أن الأب لم يكن يعلم أن في البيت جهاز فيديو، هذه صورة!

    وهي صور ومآس تتكرر كثيراً، أكتفي بعرض هذا النموذج وحده لتعرف كيف أن هذه الأفلام تساهم في تربية وتركيز العلاقات المحرمة بين الفتاة والشاب، وتصور للفتاة أو للشاب أن تلك العلاقة المحرمة أمر يجب أن يكون بين الشاب والفتاة، وخرج ما يسمى بالحب النظيف والعلاقة النزيهة إلى غير ذلك من المصطلحات.

    ويصور أن ذاك الشاب الذي لا يملك علاقة محرمة إنما هو يعاني من عقدة نفسية معينة أو يعاني من حالة شاذة، وكذلك تلك الفتاة.

    وأد العفاف وتدنيس الأعراض

    الأثر التاسع: هذه الأفلام لوئد العفاف وتدنيس الأعراض.

    مرة أخرى قد أعرض لكم صوراً مزعجة، ولكن لا بد من عرضها: أب يشاهد أحد الأفلام الجنسية وليس بجواره إلا ابنته فيمارس مع ابنته بعض الصور التي يراها في ذاك الفيلم، حتى تتقدم تلك البنت بشكوى وتصل القضية إلى المحكمة الشرعية. هذه قضايا تظهر أما ما لا يظهر فهي قضية أخرى.

    صورة أخرى من أب أيضاً يقوم بانتهاك عرض أم زوجته بسبب مشاهدته لمثل هذه الأفلام.

    نموذج آخر من تأثير الأفلام أيضاً وقيادتها إلى مثل هذه النتيجة المؤلمة وتدنيس الأعراض: فتاة بعد أن قبض عليها واعترفت بأن هذا الشاب الذي معها قام بتدنيس عرضها، تقول وهي تبكي: اذهبوا وانظروا إلى الأفلام التي عند أخي، بعد ذلك تعذروني.

    فتاة بريئة عفيفة ومغفلة تلتقي مع أحد الشباب ثم يقوم بتشغيل أحد الأفلام الجنسية، فتنهار تلك الفتاة وتكون النتيجة أن يتناوب مجموعة من الشباب على تدنيس عرض هذه الفتاة.

    نماذج أيها الإخوة مؤلمة ومفزعة، وهي عرضة لأن تصيب كل منزل يتهاون في مثل هذه الأمور، سواء هذا الجهاز الخبيث أو جهاز استقبال القنوات العالمية.

    ويحدثني أحد الإخوة أن أحد السائقين.. سائق لرجل لا تفوته صلاة الفجر مع الجماعة ويوجد في بيته دش، يقول: إنه في ساعة معينة من الليل.. في يوم معين من أيام الأسبوع يعرض أفلام جنسية ساقطة، وأيضاً موجود أفلام جنسية أو أفلام عارية مسجلة من هذه القنوات يقوم بعض ضعاف النفوس بترويجها، وهناك عينات موجودة منها لمن أراد إثبات ذلك من أهل الاختصاص وممن يعنيه الأمر.

    ولهذا يأتي هذا الأب المسكين المغفل ويضع مثل هذا الهوائي ليستقبل الأخبار ويتلقى الأخبار، أو ليتباهى بين زملائه والناس حوله، وينام مثل هذا الرجل الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليستيقظ إلى الصلاة أو ليذهب إلى عمله، وقد يجهل أن ابنته تسهر أمام هذا الجهاز الذي يعرض لها صوراً ساقطة قد لا يكون هذا الأب رآها، وماذا تتصور من أثر ونتيجة هذه الأفلام على هذه الفتاة أو على ذاك الشاب الذي يعيش في جو مشحون بوسائل الإثارة والإغراء، ويعيش في فترة تتوقد فيها الشهوة، إضافة إلى افتقاد التوجيه.

    ولهذا لا نلوم من يتحدث عن مثل هذه الأجهزة ويطالب بحل حاسم للقضاء عليها وعلى خطورتها.

    القضاء على مفهوم المنكر

    أثر عاشر من آثار هذه الأفلام: القضاء على مفهوم المنكر.

    يعتاد المشاهد في هذه الأفلام مشاهدة المنكر فتتكرر مشاهدته لمشاهد التبرج، حتى يصير أمراً عادياً جداً أن يرى امرأة متبرجة.. الاختلاط.. الموسيقى.. الغناء.. التدخين.. الخمور.. فاعتياد المشاهد لمثل هذه المشاهد يزيل من قلبه استقباح المنكر ومن ثم لا يستنكر هذا المنكر، بل قد يوجد عنده نفسية تطالب بتطبيق هذه الأمور في مجتمعه، فيقول في نفسه: لماذا تحصل هذه الأمور في المجتمعات الأخرى ونحن محرومون ونعاني من الكبت وتقييد الحريات؟ لماذا لا يتاح لنا فرصة التعرف واللقاء بالفتيات.. لماذا لا يكون هناك فرص الاختلاط.. لماذا.. لماذا هذه القيود كلها؟ هذه نتيجة وإفراز لمشاهدة ومتابعة هذه الأفلام.

    وأياً كان هذا الإنسان الذي يتجرأ ويشاهد أفلام الفيديو أو التلفاز فيسمع فيها الموسيقى أو يشاهد فيها الصور المحرمة، أو الاختلاط، أو التبرج، أو أياً كانت تلك المنكرات؛ فلا بد أن يزول استقباح المنكر من قلبه، ولولا زوال استقباح المنكر من قلبه أصلاً لما تجرأ على مشاهدة مثل هذه الأفلام، وتخيل عندما يتربى المجتمع على فقد الغيرة وفقد الغضب للمنكر ولانتهاك حرمات الله عز وجل؛ حينئذ يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً كما قال صلى الله عليه وسلم.

    القضاء على الآداب الشرعية

    الأثر الحادي عشر: القضاء على الآداب الشرعية.

    سأشير إلى نموذج واحد: من الآداب الشرعية أن يستأذن الطفل عندما يدخل على والديه: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59] فهناك أحكام خاصة بالاستئذان للطفل الذي لم يبلغ الحلم وأحكام خاصة بالاستئذان للطفل الذي بلغ الحلم.

    أما من خلال أفلام الفيديو أو التلفاز فلا مجال لهذا الاستئذان؛ لأنه سيرى في هذا الفيلم غرفة النوم، ويرى كل ما يدور فيها، ويرى كل ما يحصل، فحينئذ يقضى على هذا الأدب الشرعي، ناهيك عن كثير من الآداب والأخلاق الشرعية التي تقضي عليها مثل هذه الأفلام وهذه البرامج.

    المعاصي المتراكبة

    الأثر الثاني عشر: المعاصي المتراكبة.

    المشاهد لهذا الفيلم لا يخلو من النظر المحرم، وتخيل معي كم نظرة حرام سينظر إليها عندما يشاهد فيلماً واحداً، فكيف عندما يشاهد أكثر من فيلم، تخيل أثر هذه المعاصي على قلبه والطبع على قلبه، وتخيل عقوبة هذه المعاصي التي تعم المجتمع كله: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [الأعراف:100].

    ومن هنا فإنك لا تستغرب أن تجد القسوة التي رانت على قلوبهم؛ لأننا بين رجل يتجرأ على المنكر، ورجل يشاهد ويعمل المنكر فتخيل معي كم نظرة حرام سينظر إليها هذا الشخص، وكم سيئة ستصيبه نتيجة هذه النظرة، ناهيك عن الأثر الذي ستبقيه في قلبه!

    هدم الصلة الزوجية

    الأثر الثالث عشر لمشاهدة هذه الأفلام: هدم الصلة الزوجية، من عدة جوانب، فالزوج سينظر إلى امرأة أجمل من زوجته، وحينئذ سيذهب لزوجته، والزوجة هي الأخرى ستنظر إلى شاب أجمل من زوجها؛ خاصة أن من يظهر على هذه الشاشات يحرض على إبراز نفسه باستخدام المكاييج ووسائل التجميل بصورة تثير المشاهد، وهذا لا شك أن له أثراً كبيراً على هدم الصلة والعلاقة بين الزوجين.

    كذلك أيضاً: الوقت، فحينما يسمر الزوجان أو أحدهما عينيه أمام التلفاز فإنه لا يبقى وقت لتبادل الحديث بينهما، مما يزيد من الجفوة والفجوة بين هذين الزوجين فيصبحان يقضيان الوقت في صمت مطبق يشاهدان بعض هذه الأفلام أو هذه المشاهد، ولك أن تتصور غاية الوقاحة عندما يقوم الكثير من الأزواج بمشاهدة الأفلام الجنسية مشتركين.

    كذلك أيضاً: قتل الغيرة، فهذا الزوج الذي يشاهد هذه المشاهد ستموت الغيرة في قلبه مما يساهم في ضعف وتوتر هذه العلاقة بين الزوجين، مما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية كثيرة قد تصل أحياناً إلى الطلاق وتفكك الأسرة.

    غرس القيم الوافدة

    الأثر الرابع عشر: القيم الوافدة.

    إن الكثير من هذه الأفلام التي تعرض هي مستوردة من بلاد ومناطق سواء كانت كافرة أو كانت مسلمة لكنها تحمل قيماً غريبة عن مجتمعاتنا، وتعرض أمام المشاهد وتتكرر، بل قد يشاهد مثل هذه الصور نتيجةً لطول مشاهدته لهذه الأفلام أكثر مما يشاهدها في المجتمع، فتؤدي إلى وجود أنماط من السلوك والقيم لم تكن موجودة في المجتمع، ولعل المتجول والناظر المتأمل في واقع الكثير من الشباب والفتيات يجد هذه الصورة واضحة.

    وفي الرسالة التي أشرنا إليها سابقاً (أثر أفلام الفيديو على متابعة برامج التلفاز بين طلاب المرحلة الثانوية في مدينة الرياض)، أفاد (81%) من أفراد العينة أنهم يشاهدون أفلاماً أجنبية، ولك أن تتصور كيف ستساهم هذه الأفلام في غرس القيم وأنماط السلوك الشاذة عند هؤلاء المشاهدين لهذه الأفلام.

    التقليد والمحاكاة

    الأثر الخامس عشر: التقليد والمحاكاة، ولعل الصورة الظاهرة لذلك قصات الشعر التي تتنوع على حسب القصة التي يقوم بها البطل الفلاني أو البطلة الفلانية أو غيرها، وأحياناً تجد أنها تنتشر هنا أكثر مما تنتشر هناك، فعندما يخرج نوع من أنواع قصات الشعر أو موديلات الملابس، تجد مباشرة أن كثيراً من الفتيات أو الشباب يساهم في تطبيق ما رآه مباشرة، وقد يكون انتشارها هنا في مجتمعاتنا أسرع من انتشارها في تلك المجتمعات التي ولدت ووجدت فيها.

    في دراسة أجريت في الكويت بعنوان: (الآثار النفسية والتربوية للتلفاز والفيديو على الأطفال)، اتضح أن (84%) من الأبناء في مرحلة الطفولة يحبون تقليد الأبطال، وكانت هذه النسبة (75%) لدى الأبناء في مرحلة المراهقة، ويرى معظم الآباء والأمهات بنسبة (95%) أن الطفل يحاول تقليد الأبطال الذين يعجب بهم في مسلسلات التلفاز.

    وعلى كل حال فكل نتائج الدراسات التي تجرى في الخارج لا بد أن يكون لها أثر في مجتمعاتنا؛ نظراً لأننا سنصبح نستقبل كل المحطات التي يرسلها العالم القريب والبعيد.

    وجه سؤال لبعض الأطفال: من يعرف شخصية تاريخية كانت مثالاً للبطولة والشجاعة؟ فأجاب أحدهم: إنه جرانديزر، وهو أحد هؤلاء الأبطال.

    هل هذه الأفلام تركز عند الشاب أن البطل هو خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي أو ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب أو غيره من المصلحين والمجددين، أم تغرس عندهم أن البطل هو ذاك الرياضي، أو الممثل، أو الداعر، أو الساقط، أو فلان وفلان، وكثيراً ما يكون هؤلاء الأبطال من الكفار، ولعل الكثير منكم يتذكر تلك النتائج التي جنيت من عرض الفيلم الذي كان يدور حول بطولة رجل يسمى: ستيف ، وكان كثير من الأطفال يقلد مثل هذا البطل الأسطورة الذي يقفز من السقف ولا يتأثر، وحصلت حالات وفيات وحالات كسور؛ بسبب ما قام به بعض الأطفال من تقليد مثل هذا البطل.

    وتبرز هذه الصورة في الأفلام الكرتونية، وفي الواقع كنت أريد أن أتحدث عن الأفلام الكرتونية كعنصر من عناصر هذا الموضوع ولكن الوقت لا يتسع، ولذلك آثرت تركها وعدم الحديث عنها، فالصورة التي تعرض فيها قد تكون أشد من مثل هذه الصور.

    الاهتمامات الدائرة حول الحب والغرام

    الأثر السادس عشر: الاهتمامات، فإن هذا الشاب الذي يعيش طول وقته أمام هذه الشاشة، لا شك أنها ستشكل اهتمامات هذا الشاب أو اهتمامات تلك الفتاة والتي ستدور حول الحب والغرام والعشق والعلاقات المحرمة، أو حول الرياضة والفن، أو أفلام المطاردات والأفلام البوليسية الكوبي وغيرها من الأفلام، المهم أنها ستشكل لنا جيلاً من الشباب والفتيات لا يمكن أبداً أن يكون عنده اهتمام بالعلم الشرعي، أو حفظ القرآن الكريم، أو الدعوة إلى الله عز وجل، أو الاهتمام بقضايا أمته.

    يقول الأستاذ عبد الله الجعيثن في مقال في المجلة العربية: وإن المسألة هنا تتعدى في خطورتها معرفة أسماء الممثلين أكثر من معرفة أسماء الصحابة إلى التفريغ الداخلي الذي يسقط في الحماسة المتوجهة نحو الجهاد والمجد الإسلامي، ليحل محلها الهوى الساذج وأحلام اليقظة في الأموال والترف والسفر وربما العبث وكأن الحياة لعب في لعب، ومعروف أن الحياة أبعد ما تكون عن ذلك، وأن البقاء نفسه يقتضي قوة في العقل والثقافة والتزاماً بالدين وتوهجاً واستعداداً للجهاد والجلاد، فالأعداء يتربصون بنا من كل صوب، وهذه الأفلام أبعد ما تكون عن هذه التأثيرات.

    التعثر الدراسي

    الأثر السابع عشر: التعثر الدراسي، ويتمثل ذلك من خلال وقت المشاهدة الذي يقضيه بعض الشباب في مشاهدة هذه الشاشة، أو الهم والتفكير الذي يستولي عليه، فهو يدخل الفصل وذهنه هناك يفكر في تلك الصورة التي رآها ويفكر في ذاك الفيلم أو البطولة التي شاهدها، فيعيش في عالم آخر غير عالم الدراسة.

    في دراسة قام بها بعض طلبة جامعة الملك سعود حول بعض الطلبة في المرحلة الثانوية في مدينة الرياض: يرى (58%) من أفراد العينة أن مشاهدة الفيديو تؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي، ويرى (58%) أيضاً أن مشاهدة الفيديو تؤدي إلى عدم وجود وقت كاف للمذاكرة.

    وفي دراسة أجراها الدكتور عبد الرحمن الشاعر على بعض الطلبة أيضاً في مدينة الرياض: يرى (42%) من أفراد العينة أنها تعوق عن التقدم الدراسي، ويرى (42%) أنها تؤدي إلى إهمال الدراسة.

    أيضاً: يجب أن تعلم أن هذه الآراء من خلال هؤلاء أنفسهم، فقد يكون البعض تعوقه عن الدراسة لكنه لا يرى أنها تعوقه أو تؤثر عليه، فهذه اعترافات من شاهدوا هذه الأفلام.

    وفي دراسة أجريت في الكويت: اتفق معظم الآباء والأمهات بنسبة (74%) على أن التلفاز يشغل الطفل عن أداء واجباته المدرسية.

    الدعوة للسفر إلى الخارج

    الأثر الثامن عشر: الدعوة للسفر للخارج من خلال عرض المناظر في هذه الأفلام، سواء المناظر الطبيعية أو مشاهد الإثارة والإغراء والتي تدعو الطالب أو الشاب بل الفتاة إلى أن يفكر في السفر للخارج.

    في الدراسة التي أجراها الدكتور عبد الرحمن الشاعر أفاد (53.08%) من هؤلاء الشباب أن مشاهدة الأفلام تؤدي إلى زيادة الشوق للسفر للخارج.

    الهم والتفكير

    الأثر التاسع عشر: الهم والتفكير.

    يحدثني أحد الشباب الذين كانوا يشاهدون هذه الأفلام، يقول: إنك تبدأ التفكير بهذا الفيلم منذ أن تبدأ في مشاهدته وحتى تنتهي ويستمر معك هذا التفكير ولا ينتهي هذا التفكير إلا من الغد عندما تبدأ في مشاهدة الفيلم الآخر، فيعيش مشاهد هذا الفيلم وهذه الشاشة طول وقته في هم وتفكير مع ما شاهده في هذا الفيلم.

    إضاعة الوقت

    الأثر العشرون: إضاعة الوقت، وكثير من الشباب يقضي ساعات طويلة، منهم من يقضي أربع ساعات إلى خمس ساعات يومياً في مشاهدة الأفلام بل ذكر لي بعض الشباب أن أحد الشباب يجلس من صلاة الظهر إلى قريب من آخر الليل وهو يشاهد هذه الأفلام، وتخيل هذا الوقت الذي سيضيع على هذا الشاب أو تلك الفتاة من خلال مشاهدة هذه الأفلام.

    الانصراف عن القراءة والمطالعة

    الأثر الحادي والعشرون: أن هذه الأفلام تصرف عن القراءة والمطالعة التي يحتاج إليها الشاب وتحتاج إليها الفتاة لتنمية شخصيتها.

    في دراسة للدكتور عبد الرحمن العيسوي على عينة من مشاهدي هذه الأفلام، أفاد (64%) من أفراد العينة أن التلفاز يشغل المشاهد عن القراءة.

    اعتياد السهر

    الأثر الثاني والعشرون: اعتياد السهر، حتى أصبح الإنسان الذي ينام مبكراً ويوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم يذم على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، والناس يقولون في المثل العامي: إنه لا ينام بعد العشاء إلا دجاج!

    ولا شك أن من أهم أسباب هذا السهر مشاهدة برامج التلفاز والفيديو، ناهيك عما يحدثه هذا السهر من التأخر عن الصلاة وإنهاك الإنسان وإشغاله في وقته فيأتيك الطالب في الفصل فتحتاج إلى أن تبذل جهداً مضنياً لإيقاظه من النوم، وعندما يستيقظ يبدأ يعيش في عالم آخر فيسترجع تلك الصور التي كان يراها على شاشة التلفاز.

    تضييع الأموال

    الأثر الثالث والعشرون: الأثر الاقتصادي، في إحصائية لمصلحة الإحصاءات العامة تقول: في عام (1982م) هنا: بلغت قيمة أجهزة الفيديو المستوردة في ذاك العام (475.362.000 ريال) وقيمة الأشرطة المستوردة (102.505.000 ريال) أي أن المجموع (577.867.000 ريال) يعني: ما يزيد على نصف مليار هذا في عام واحد قيمة أجهزة الفيديو والأشرطة، ناهيك عن الصيانة والاشتراك والتسجيل وغيرها من الأمور.

    أليس من إهدار طاقة الأمة أن يصرف في مجتمع مثل هذا المجتمع المحافظ يصرف نصف مليار في عام واحد على هذه الأفلام؟! والمسلمون يموتون جوعاً ويتضورون جوعاً، ويحتاج أحدهم إلى رغيف الخبز، ويحتاج أحدهم إلى رصاصة واحدة أو طلقة واحدة يقاتل بها عدوه.

    في تحقيق أجرته مجلة الدعوة: أفاد أحد المستهلكين أنه يصرف (70%) من راتبه على شراء الأشرطة، وأفاد أحد أصحاب محلات الفيديو أن بعض الزبائن يسجل على حسابه آخر الشهر.

    تعليم فن الجريمة

    الأثر الرابع والعشرون والأخير: تعليم فن الجريمة، وتساهم هذه الشاشة في تعليم أساليب وفن الجريمة مساهمة فعالة، ويتنادى الآن عقلاء الغرب -وليس فيهم عاقل- والمفكرون والكتاب إلى ضرورة الحد مما يعرض على شاشة التلفاز من تلك البرامج التي تعلم الجريمة، فقد عقد مجلس العموم البريطاني جلسة في عام (1984م) لمناقشة كيفية بيع وتنظيم الأفلام؛ وذلك أن الإحصاءات البريطانية أثبتت أن معدل العنف والجريمة ارتفع بشكل ملحوظ نتيجة انتشار أفلام الفيديو.

    وفي دراسة في الكويت اتفق معظم الآباء والأمهات (72%) على أن التلفاز خلق لدى الكثيرين الاعتقاد بأن العنف أسلوب من أساليب التعامل مع الآخرين.

    في دراسة أجريت في سوريا حول بعض الأحداث الجانحين أفادت الدراسة أن (81%) من هؤلاء كانوا يرتادون السينما، وقد اعترف (83%) من أولياء الجانحين بأنهم يعتقدون بأن الأفلام السينمائية تركت أثراً سيئاً على سلوك أبنائهم كما نشرت ذلك مجلة الأمن والحياة.

    وفي تونس قام طفل بشنق نفسه ليطبق ما رآه في أحد الأفلام كما ذكرت ذلك مجلة الأمن والحياة.

    في مدينة بوسطن الأمريكية طفل عمره تسع سنوات رسب في جميع المواد فاقترح على والده أن يرسل علبة مسمومة من الحلوى للمدرسة، فسأله عن السبب وكيف تعلم ذلك؟ فقال: إنه أخذ هذه الفكرة من فيلم سينمائي.

    في فرنسا طفل عمره خمس سنوات قام بإطلاق الرصاص على جاره وأصابه بجروح خطيرة، وأفاد بعد ذلك أنه تعلم حشو البندقية وإطلاق الرصاص من أحد الأفلام.

    على كل حال هناك صور مزعجة جداً من الجرائم التي كانت تحصل نتيجة مشاهدة هذه الأفلام منها:

    عصابة من الأحداث من طلاب المرحلة الإعدادية في مصر قاموا بتخريب سبع مدارس، وكانت لغزاً محيراً لرجال الأمن حتى استطاعوا أن يقبضوا عليهم، وكان هؤلاء بعدما يقومون بالتخريب في المدرسة يكتبون على السبورة عبارة: البرادعي وإلى اللقاء في مدرسة أخرى، وأخيراً بعد القبض اعترفوا بأنهم قاموا بذلك تقليداً لأحد المسلسلات التي شاهدوها.

    بل هناك جرائم على مستوى أكبر فـبراون المختلس المعروف خطط لجريمته عقب مشاهدة أحد الأفلام، وخلال أربع وعشرين ساعة من عرض ذاك الفيلم، تلقى البوليس خمس تهديدات بتفجير رحلات ومكاتب خطوط جوية.

    إن هذه البرامج تقدم العنف والجريمة وتشرح كيفية ارتكابها، وكيف يخطط البطل اللص للضحية، وكيف يستخدم التهديد ويحصل على الفدية؛ ولهذا يقول استيفن بانا وهو أحد علماء النفس الغربيين: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث.

    وعندما نعود الآن بعد عرض هذه النماذج المذهلة إلى مجتمعنا نرى انتشار ما يسمى بالأفلام البوليسية، أو أفلام المطاردات، أو أفلام الكوبوي، وكل هذه الأفلام تساهم مساهمة فعالة في تعليم أساليب الجريمة والقتل والاحتيال وهي تحظى بالنسبة العظمى من المشاهدة.

    ففي الدراسة التي أشرنا إليها قبل قليل بعنوان: (أثر الفيديو على مشاهدة التلفاز في مدينة الرياض)، أفاد (79%) من الشباب أنهم يشاهدون الأفلام البوليسية، وفي دراسة أجراها مجموعة من طلاب كلية الآداب بجامعة الملك سعود وأشرنا إليها آنفاً: حصلت الأفلام البوليسية على الترتيب الأول في المشاهدة.

    وفي تحقيق أشارت إليه مجلة الدعوة: ذكر أحد أصحاب الأفلام أن أكثر الأفلام انتشاراً أفلام الكوبوي والمطاردات البوليسية والمباريات.

    ولا بد أن تترك هذه الأفلام أثراً بصورة أو بأخرى، إنها تعلم المجتمع وتعلم هذا الشاب ألواناً من أساليب الجريمة والاحتيال لم يكن متعلماً لها، وقد لا يكون بالضرورة أن يتحول كل هؤلاء المشاهدين لهذه الأفلام إلى مجرمين، ولكن يكفينا عندما تخرج هذه الأفلام مجموعة من هؤلاء المجرمين، يكفي أثراً ودافعاً إلى ضرورة منع هذه الأفلام والحد منها.

    الأثر الأمني والسياسي

    وأخيراً: الأثر الخامس والعشرون: الأثر الأمني والسياسي؛ حيث إنه تعرض في هذه الأفلام مشاهد لأعمال ما يسمى بأعمال العنف والتخريب والمظاهرات والمشاهد السياسية التي لم يعتد عليها المجتمع، وتعرض كوسيلة للتنفيس عما يجده المرء من مضايقة، ولا شك أن استمرار المجتمع على مشاهدة هذه الأفلام وهذه المشاهد لا بد أن تترك عنده أثراً سلبياً في تقليد هذه الأساليب مما يهدد المجتمع ببروز مخاطر أمنية لم يكن يألفها ولم يكن يعتد عليها.

    كيفية التخلص من الأفلام السيئة

    بعد ذلك سؤال يطرح نفسه: ما الحل؟!

    إنه يكفي أن أثير القضية أمامكم، ويكفي أن أصور لكم حجم هذه المشكلة التي أشعر أن الكثير ممن يدرك خطورتها لا يعطيها حجمها الأمثل؛ ولهذا سأشير باختصار شديد إلى الحل الذي يمكن أن نقوم به نحن أنفسنا، فأنا أخاطب الإخوة المستمعين والجمهور والذي أعرف أن كل فرد منهم لا يتجاوز أن يكون فرداً محدوداً من أفراد المجتمع.

    التفكير الجاد في الاستغناء عن التلفاز

    أولاً: لا بد من التفكير الجاد في الاستغناء عن جهاز التلفاز؛ لأنه سيقود في المستقبل إلى أن يكون بوابة لأن يستقبل كل ما يعرض في المحطات العالمية، وهو خطر على ما فيه فكيف إذا كان يستقبل كل المحطات العالمية، علماً بأنه الآن يوجد بعض الأجهزة التي يكون فيها جهاز الاستقبال داخل جهاز التلفاز نفسه، وقد لا يكتشف هذا الأسلوب قد لا يكتشفه الأب ولا يكتشفه الجيران، فيكون هذا الجهاز موجوداً داخل جهاز التلفاز نفسه، وبعد مرحلة -كما قلنا- سيستطيع المشاهد أن يشاهد من خلال جهاز التلفاز العادي كل محطات العالم.

    تربية نوازع الرفض للأفلام عند الشباب

    الأمر الثاني: لا بد من العناية بتربية الشباب والفتيات حتى يتكون عندهم الرفض لذلك من الداخل.

    نريد أن يتربى الشاب والفتاة على أنه لو وجد عنده التلفاز.. لو وجد عنده الفيديو.. لو وجد عنده الدش والهوائي؛ فإنه يرفض مشاهدة مثل هذه المشاهد والصور، وحينئذ نوجد الحصانة لهؤلاء، وهي مسئولية ضخمة تناط بالآباء والأمهات والخطباء والأساتذة وأهل التوجيه والرأي، فلا بد أن يدرك كل فرد مسئوليته ولا بد أن نقوم بجهد مكثف وواسع لتربية هؤلاء وغرس الرفض من الداخل، وتربية الإيمان الذي يدعوهم إلى أن يرفضوا مثل هذه المظاهر ويحميهم حتى لو تيسرت أمامه هذه المظاهر والفتن فيقول الواحد منهم: إني أخاف الله.

    تقديم البدائل المفيدة عن الأفلام

    الأمر الثالث: لا بد من تقديم البدائل المفيدة وعلى رأسها الشريط الإسلامي، فلا بد أن يوجد في البيت مكتبة متكاملة من الأشرطة الإسلامية، سواءًَ الأشرطة التي تعالج قضايا اجتماعية، أو قضايا المرأة، أو الأشرطة الموجهة للأطفال، فلا بد من العناية بهذه الأشرطة وتوفيرها في البيت لتكون بديلاً عن هذا الوقت الذي يقضيه هؤلاء في مشاهدة تلك الأفلام.

    كذلك أيضاً توفير أجهزة الحاسب الآلي للشباب أو الفتيات، مما يؤدي إلى إشغال وقتهم بشيء على الأقل لا يكون أثره سلبياً، أو على الأقل لا يكون له أثر إن لم يكن له أثر إيجابي لتعليم الشاب والفتاة علوماً ومعارف معينة يمكن أن يستفيد منها، وحتى لو تصورنا أن أثر هذا الجهاز كان محدوداً وأنه لم يستفد منه فيكفي أن هذا الجهاز يكون وسيلة لإشغال وقت الشاب ووقت الفتاة عن مشاهدة مثل هذه الأفلام.

    كذلك أيضاً الرحلات والنزهات المفيدة، أعني أن يعتني الأب بواقع بيته.. زوجته.. وأبنائه فيأخذهم إلى رحلات.. إلى مناسبات.. أن يصرف جزءاً من وقته لهؤلاء حتى لا يعيشون وهم يعانون من الفراغ الذي يدعوهم إلى المطالبة بمثل هذه الأجهزة.

    ملء أذهان الشباب بالاهتمامات الجادة

    الأمر الرابع: وهو ضرورة ملء أذهان الشباب والفتيات بالاهتمامات الجادة وحين ينشغل الشاب والفتاة باهتمامات جادة كحفظ القرآن وتعلم العلم الشرعي والدعوة إلى الله والانشغال بقضايا الأمة فإنه لن يجد في قلبه مكاناً لمثل هذه التفاهات وهذه الصور والمشاهد الساقطة.

    اشغل أوقات الفتيات بأعمال المنزل

    الأمر الخامس: إشغال وقت الفتاة بالذات في المنزل بالعمل الذي يملأ فراغها وقتاً وذهناً، والعجب من أولئك الآباء الذين يحضرون الخادمات للمنزل حتى تبقى تلك الفتاة فارغة وحينئذ لا يكون أمامها إلا مشاهدة أفلام الفيديو وبرامج التلفاز فتكبر تلك الفتاة وتبلغ سن الزواج وقد لا تجيد إعداد الشاي أو إعداد أبسط أنواع الأطعمة؛ نظراً لأن هذا العمل تقوم به الخادمة، ولا تستطيع ترتيب أي أمر من أمور البيت، فلماذا لا تشغل هذه الفتاة بالقيام بأمور البيت من الطهي وإعداد البيت والقيام به فلا تجد بعد ذلك وقتاً لمشاهدة ومتابعة هذه الأفلام، ثم أيضاً يكون هذا وسيلة لإعداد الفتاة المؤهلة لحمل مسئولية المنزل.

    توسيع التوعية بأضرار الأفلام

    الأمر السادس: ضرورة توسيع الدعوة العامة والتوعية خاصة الحديث عن هذه القضايا والمشاكل في كل المناسبات، في المناسبات العائلية.. في الخطب.. في المحاضرات.. الكتب.. دروس المساجد.. في المدارس.. أن نستعمل كافة القنوات والوسائل للدعوة لمثل هذه التوعية وإبراز الجوانب الضارة والدعوة إلى التخلي عنها.

    تبني برامج توزيع الشريط الإسلامي

    الأمر السابع: تبني برامج في الأحياء لتوزيع الشريط الإسلامي بقوة، كأن يتفق أهل كل حي أو مدرسة أو جهة معينة على أن يقوموا بتنظيم برنامج لتوزيع الشريط الإسلامي، سواءًَ ما يعالج هذه القضايا أو غيرها، كي يمثل غزواً إعلامياً -إن صحت العبارة- من الداخل، ويمكن أن يشتري هؤلاء جهاز نسخ والذي لا يتجاوز ثمنه ثمن الدش الذي يشتريه الكثير من أصحاب الدخل المحدود حتى أصحاب الأحياء الفقيرة جداً، بل أصحاب البيوت الطينية كما ذكرنا من قبل، لماذا هؤلاء يشترون هذا الجهاز بالثمن الباهظ، فلو اجتمع عشرة أو ثمانية لا ستطاعوا أن يوفروا مبلغاً يمكن أن يؤمنوا به جهاز نسخ وتسجيل لهذه الأشرطة، ويستطيعون أن يقوموا بتوزيع كميات من هذه الأشرطة في المناسبات العائلية وفي المساجد والمدارس، لا بد أن يكون لنا مساهمة فعالة، أما الحديث العاطفي والتألم فإنه لا يجدي شيئاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756002751