بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمع سؤال خطير هام حساس، هذا السؤال تغزى به بيوت المسلمين، وورد لنا السؤال في الجمعة الماضية أمام الإخوة الجالسين بعد الصلاة، وورد أيضاً من جهات أخرى، ومن بيوت على مستوى رفيع، وهم أصحاب حق في السؤال، وصيغة السؤال التي تغزى به البيوت: الرجل له زوجات في الجنة، وأنت أيتها المرأة المسلمة! ما لك في الجنة؟ وأنا أستأذنكم أن أنزل قليلاً إلى اللغة العامية؛ لأن الدرس خاص بأخواتنا المؤمنات.
أولاً: الإسلام -يا أخت الإسلام- لم يفرق بين المرأة والرجل في التمتع بالنعيم إطلاقاً، فنعيم الجنة للرجال والنساء على حد سواء، ولنأخذ ماذا قدم الإسلام للمرأة، في الدنيا أولاً، وباختصار.
التسوية في أصل الخلق
التسوية والتكريم في العقل والعقيدة
التكريم في العمل
المساواة والتكريم في استجابة الدعوة
يبقى السؤال الذي طرحنه النساء، فإنهن يقلن: نحن عرفنا المساواة في الدين والعقل، والعمل والدعاء، والنفس الواحدة، والأصل والخلق، هذا كله ذكره ربنا في القرآن، لكن ماذا لنا في الجنة؟ فنقول: النعيم في الجنة للرجال والنساء على حد سواء، ولا يوجد أحد يقول: النعيم في الجنة للرجل فقط، ومن قال هذا سنقول له: هات ما عندك من دليل، إن كنت صادقاً؟
ما ذكر في سورة الواقعة من النعيم للجنسين
الفرق بين نساء الدنيا وبين الحور العين
تعالي يا أخت الإسلام: لنعرف ما الفرق بينك وبين الحور العين؛ من أجل ألا تغضبي أو تثيري أسئلة حساسة وخطيرة، الله يقول في سروة الواقعة عنكن:
إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً [الواقعة:35]، إذاً: أنت في الجنة سينشئك الله إنشاءً آخر، فيبقى أول تكريم للمرأة المسلمة في الجنة إنشاء الله لها.
الثاني:
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا [الواقعة:36] يعني: أنت ستكونين بكراً بقدرة الله في الجنة، وكلما أتاك زوجك في الجنة تعودين بكراً، كما كنت مطهرة بقدرة الله.
ولعل إحداكن تقول: هل الحور العين مثلنا في هذا الأمر؟
أقول لها: نعم، كيف؟ قال تعالى:
عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة:37]، فوصف (عرباً أتراباً) هو الذي سيحل لنا هذا السؤال.
لنعرف أولاً: ما معنى (عرباً)، عُرُب: جمع عروب، يقال: امرأة عروب، وعربة.
يعني: متحببة متذللة لزوجها، مازحة ضاحكة مستبشرة، لها نبرة صوت خلاب، ومزاج جذاب، تقول لزوجها: والله ما في الجنة أجمل منك، ولا أبهى منك، ولا أكمل منك، الحمد لله الذي خلقني لك وخلقك لي، هذا معنى (عرباً).
أما (أتراباً): فجمع ترب، يقال: امرأة ترب، يعني: امرأة متساوية؛ متساوية مع الحور العين في الإنشاء، ومن الذي أنشأ الحور العين؟ ومن الذي سينشئ زوجة الدنيا؟ الله، إذاً: التساوي في الإنشاء.
(فجعلناهن أبكاراً) من الذي سيجعل الحور العين بكراً كلما عاد لها زوجها؟ الله، من الذي سيجعل زوجة الدنيا بكراً كلما أتاها زوجها؟ الله، إذاً: التساوي في البكارة أيضاً، بل حتى متساويات في السن، فالحور العين أعمارهن ثلاث وثلاثون سنة، وأنتِ يا امرأة الدنيا عمرك ثلاث وثلاثون سنة، وبهذا نعلم أنه لا فرق بينكن في الإنشاء، ولا فرق في البكارة، ولا في العمر وإنما أنتن عرباً أتراباً.
وأنتِ تزدادين على الحور العين بأنك سيدة عليها في الجنة، وسيدة القصر، ولماذا أنت سيدة ومفضلة على الحور العين؟ فضلكِ الله بصلاتكِ في الدنيا، وصيامكِ في الدنيا، وحجك في الدنيا، وصبرك في الدنيا، صبرت على مكايد الزوج، صبرت على فراق الأهل، صبرت على موت الولد، صبرت على موت الوالد، صبرت على فراق الأحبة، فيتوجك الله بتاج في الجنة، فيجعلك زعيمة ورئيسة على كل من تحت يدك في الجنة بقدرة الله رب العالمين.
هل لنساء الدنيا أزواج في الجنة
سيبقى السؤال الحساس الذي هو ختام اللقاء، إذا كان للزوج في الجنة زوجات، فما للنساء؟ وفي ظاهر هذا السؤال أن الزوجة تتمتع بأقل ما يتمتع به الرجل، لكن إذا أحللناه ونظرنا في المسألة بعمق، نجد أن المرأة أوفر حظاً من الرجل في هذا الجانب.
ونبدأ في الجواب فنقول: أولاً: التعدد للرجل في الدنيا وفي الجنة مباح، لكن أقول لكل امرأة حرة عفيفة: أتقبلين تعدد الأزواج في الدنيا؟ وأن يكون لك زوجان .. أو ثلاثة ..؟ فستقول: لا؛ لأني حرة عفيفة، ولا أقبل ذلك أبداً، فأقول لها: إذا كنت لا تقبلين ذلك في الدنيا أتنادين به في جوار الله في الجنة؟! ستقول: لكن المسألة هو يتمتع أكثر مني، أقول لها: لا، هو لا يتمتع أكثر منك.. فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (
إن أحدكم -يعني: من الرجال- ليعطى قوة مائة رجل في الأكل، والشرب، والجماع، والشهوة)، قد تقول إحداكن: طالما هو يعطى قوة مائة رجل، ونحن ماذا نعطى؟ أقول: لو فكرتم في قوله صلى الله عليه وسلم: (ليعطى قوة مائة رجل في الجماع) لعلمتنَّ أن ذلك لصالحكنَّ.
وسأذكر قصة رجل وزوجته، وفيها جواب عن هذه المسألة، وهي قصة حقيقية.
أحدهم أمه ماتت، وله زميل طيب يعمل دكتوراً، فالدكتور ذهب ليعزي زوجة الأخ الذي أمه ماتت، فقال لها: عظم الله أجرك في أم زوجك، فقالت: يا دكتور! كلنا لها، يعني: كلنا سنموت، ثم قال لها: كنت قد كشفت على صحة زوجك، فوجدت صحته -ما شاء الله- مثل الحديد، فقالت: الحمد لله يا دكتور! كلها لنا!!!
فإذى أعطى رب العالمين للرجل في الجنة قوة مائة رجل في الجماع والأكل والشهوة، فيبقى عائد ذلك على من؟ طبعاً على المرأة، وعليه فتكونين قد تساويت مع الحور العين في الخلق والإنشاء والبكارة، والسن وقصر العين، وتفضلين عليهن بأنك سيدة القصر، وتتمتعين برجلك الذي أعطي قوة مائة رجل.
مع العلم أن الجنة ليس فيها غيرة، وليس فيها حقد، وليس فيها حسد؛ لأن الله يقول:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
إذاً: الجنة فيها ما فيها من النعيم للنساء، وفيها ما فيها من التكريم للنساء، وسبحان من يرضي الجميع، نسأل الله أن يرضينا جميعاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه.