أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، ذلكم الكتاب الحاوي الجامع للشريعة الإسلامية عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات، حقاً والله إنه لمنهج المسلم لو سلكه ما خسر أبداً.
وها نحن مع الآداب، وعرفنا الآداب الواجبة علينا لإخواننا المسلمين، وقد بلغت اثنين وعشرين واجباً، درسناها في حصتين، والآن مع [ الأدب مع الكافر].
هل المسلم يتأدب مع الكافر؟ إي والله. أليس الكافر عبد الله وأنت عبد الله أم لا؟ فهيا بنا نصغي مستمعين متأملين متفكرين لنعرف هذه الحقوق حتى نؤديها لله تعالى.
قال: [ وذلك لقوله تعالى ] إذ مصدر العلم عندنا قال الله قال رسوله، لا قالت أمي ولا جدي ولا شيخي.
مصدر العلم عندكم ما هو؟ قال الله قال رسوله، وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] [ وذلك لقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] ] لِم لا نحفظ أيها العوام هذه الجملة؟ هل هي صعبة؟ الأغاني نحفظ منها عشرات الكلمات، والتراهات والحكايات مئات الحكايات، وجملة كهذه يعيش المسلم أربعين سنة لا يحفظها!
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] تغن بها وارفع صوتك، إن الدين الحق عند الله الذي يقبله ويسعد أهله: الإسلام، الذي هو إسلام القلب والوجه للرب تبارك وتعالى. هذه آية من كتاب الله أبطلت كل الأديان، ورمت بها عرض الحائط إلا الإسلام: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فقط، كل الملل والنحل والأديان نسخها ومسحها وبطلت [ وقوله سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ [آل عمران:85] ] أي: يطلب [ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85] ] يتدين به [ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] ] آية من كتاب الله.
(ومن يبتغ) أي: يطلب.
(غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) أبداً ولو صام الدهر كله وقام الليل كله وخرج من ماله كله، فلن يقبل منه.
(وهو في الآخرة): دار الجزاء والله (لمن الخاسرين)، آية من كتاب الله.
[ وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] ] الحمد لله رضي الله لنا الإسلام ديناً، فرضينا بما رضي ربنا لنا، فلا نطلب ديناً غيره أبداً.
هذه الآيات كافية في الدلالة أم لا؟ هذا كله دلالة على أن المسلم الحق يعتقد أن سائر الملل والأديان باطلة وأن أصحابها كفار إلا الدين الإسلامي فقط، وأهله هم المؤمنون المسلمون.
تعرفون النسخ؟ تنسخ ما في الورقة فلا يبقى فيها شيء، فبهذه الأخبار الإلهية الصادقة علم المسلم الحق أن سائر الأديان التي قبل الإسلام قد نسخت، لا فرق بين الصابئة واليهودية والنصرانية والبوذية وسائر الملل والنحل، فكلها نسخها الله، ووالله ما بقي دين يعبد الله به وتقبل العبادة من صاحبه إلا الإسلام.
وعندنا مثل -والأوعياء والبصراء يفهمون- قد يقول القائل: أليست التوراة كتاب الله؟ أليس الإنجيل كتاب الله؟ أليس موسى رسول الله؟ أليس عيسى رسول الله؟ لم نتعبد بغير ما جاء به موسى وعيسى؟
قلنا لهم: تلك الشريعة عبارة عن قوانين الملك استبدلها بغيرها، هل يجوز لك أن تعمل بها؟ لا.
مثاله المحسوس: أصدرت الحكومة قراراً بفعل كذا أو بترك كذا، وطبقته على فوره، فهل يصح للمواطن أن يطبق الماضي ويحتج به؟ ممكن؟ مستحيل. الحكومة أصدرت قراراً أبطلت كذا ومضى على هذا القرار عام أو عامان، فهل هناك من يقول: هذا سنته الحكومة عام كذا ولا نعمل به؟ هذا مستحيل عند العقلاء !
أقول: قضية النسخ، أولاً: الملك جل جلاله وعظم سلطانه هو العليم الحكيم، هو الذي يقرر ويقنن ويشرع ما فيه سعادة عباده، فإذا علم أن الوقت غير مناسب لمثل هذه العبادة نسخها وأبدلها بأخرى. هل هناك من يعترض عليه؟ لا.
والمثال المحسوس: قلنا: إذا أصدرت الحكومة قراراً في أي ناحية من النواحي وأبطلت ما كانت تعمل به، فهل يجوز لمواطن أن يعمل بذاك الماضي المنسوخ؟ يجوز؟ يقبل؟ والله ما يقبل في أية دولة، هذا القرار قرار نسخ وأبطل.
فلهذا لا يصح لذي عقل أن يقول: لا بأس أنا أعمل بالدين المسيحي أو الدين اليهودي؛ لأنه دين الله، الجواب: لأنه نسخ واستبدل بغيره.
من المستبدل؟ من الناسخ؟ أليس الله العليم الحكيم؟ بلى، هو الذي يقرر ويقنن لعباده ما يكملهم ويسعدهم.
البشرية.. اليابان والصين والأمريكان والعالم بأسره واليهود والعرب والمسلمين البشرية كلها دينهم واحد ألا وإنه الإسلام، فمن آمن وأسلم نجا، ومن كذب وكفر هلك أحب أم كره، فمن أراد أن يسعد أمة أو جيلاً أو أهل قرية أو أسرة فعليه أن يدخلهم الإسلام بيضاً كانوا أو حمراً، فمستحيل أن تسعد البشرية على غير قانون وضعه الله للإسعاد.
وهل البشرية الآن مع رقيها وسموها وطيرانها سعيدة؟ آه فهي تحمل في قلوبها الخبث والبلاء والكروب والحزن والمآسي والقتل الجماعي. لماذا؟ لأنهم ليسوا على دين الله الحق. فوالله لن تجد سعيداً في تلك الأمم وإن ظهر لك في لباسه وطعامه أنه سعيد إلا أن قلبه على خلاف ذلك فهو في كرب وهم وحزن، يعاني من الأخباث والأباطيل [ فبهذه الأخبار الإلهية الصادقة علم المسلم أن سائر الأديان التي قبل الإسلام قد نسخت بالإسلام، وأن الإسلام هو دين البشرية العام، فلم يقبل الله من أحد ديناً غيره، ولا يرضى بشرع سواه].
ثانياً: عدم الرضا به، فلا يرضى بدينه ذلك الذي عليه هذا الكافر، والعلة في ذلك: لأن الرضا بالكفر كفر.
إذاً: يجب أن تبغض كل كافر ببغض الله له، لا لماله ولا لدولته ولا لغير ذلك، بل لأن ربك ووليك أبغضه، فأنت تبغضه ولا تحبه أبداً، ومن أحب كافراً كفر وناقض ولاية الله عز وجل [ إذ الحب في الله والبغض في الله، وما دام الله عز وجل قد أبغضه لكفره به فالمسلم يبغض الكافر ببغض الله تعالى له ] والأمر واقع. ألست ولي الله؟ قل: بلى. بم تمت لك ولاية الله؟ بحبك ما يحبه وكرهك ما يكره، فإذا عاكسته أصبحت عدوه أم وليه؟ عدوه. إذا الله يحب كذا وأنت تكره، الله يكره كذا وأنت تحب، والله لهي العداوة بالآية، ولا إيمان ولا ولاية.
إذاً: يبغض المؤمن الكافر لأجل بغض الله تعالى للكافر؛ إذ الحب في الله والبغض في الله، فنحن لا نحب إلا بحب الله، ولا نبغض إلا ببغض الله.. كل الحياة، وما دام الله عز وجل قد أبغض هذا الكافر به فالمسلم إذن يجب أن يبغضه ببغض الله تعالى له، حتى ولو كان أباك أو كان ابنك.
افترض أن أباك كافراً فهل تحبه؟ أعوذ بالله! إذن تقطع صلتك بالله وتعلن حربك على الله! الله يبغض وأنت تحب؟!
(عدم موالاته) والاه يواليه بأن يقف إلى جنبه ينصره ويؤيده، هذه الموالاة، فلا موالاة ولا مودة، والمودة هي الحب، فإذا أحببت الكافر الذي يكرهه الله ويبغضه الله قطعت صلتك بالله، وانتهت ولايتك لله [ لقوله تعالى:] دليل على عدم موالاة الكافر وموادته [ لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28] ] وهذه اللام لام الناهية (لا يتخذ)، لا تتخذوا أيها المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فأولياؤكم المؤمنون مثلكم، أما الكافرون فهم أعداؤكم وليسوا بأولياء لكم. وهذا النهي بالإجماع أنه نهي حق وأن الموالاة محرمة وتتنافى مع ولاية الله، لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28] أي: يحبونهم وينصرونهم، فالموالاة هي المحبة والنصرة [ ولقوله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] ] (لا تجد) يا رسول الله! لا تجد أنت يا عبد الله! والله ما تجد قوماً يؤمنون بالله حق الإيمان ويوادون من حاد الله ورسوله، ولو كانوا أقرب قريب إليهم كالآباء والأبناء، تبحث ما تجد.
(لا تجد) من قائل هذا القول؟ أليس الله؟ بلى. والمخاطب من هو؟ رسول الله. لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22] وقبيلتهم.
آمنا بالله! والله لو تفتش القلوب بالآلاف فلن تجد قوماً أو أفراداً آمنوا بالله حق الإيمان يحبون الكفار، ولو كانوا من أقرب أقربائهم؛ وهذا لأن حبهم يتنافى مع حب الله عز وجل، فإذا كان الله يبغض وأنت تحب فقد نقضت العهد ولست له بولي. وإن قلت: لم يبغضهم الله؟ أيخلقهم ويرزقهم ويخلق كل شيء من أجلهم ثم يعرضون عنه ويكذبون ويكفرون به. أي مسخ هذا؟ هم أشر من القردة والخنازير لو تتفكر، أيخلقك ويرزقك ويخلق كل الحياة من أجلك ويعد لك دار السلام ثم يدعوك إلى أن تؤمن به فقط وتتبعه فتتكبر وتعرض وتؤثر دنياك وشهوتك وتعرض عنه. أي مسخ هذا؟ إن الذين كفروا أشر من القردة والخنازير، واقرءوا قول الله تعالى من سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، والبرية ما هي؟ الخليقة أو لا؟ من شر الخلق؟ القردة والخنازير والذئاب والكلاب؟ لا والله بل الكافرون المشركون.
عرفتم سر هذا أم لا؟ يبني لك هذا البناء ويسكنك هذا السكن ويطعمك وتكفر به ولا تذكره. هذا إنسان؟! هذا مخلوق هذا؟! هذا شر الخلق.
من أعداؤنا الآن؟ اليهود هم المحاربون لنا، بريطانيا سالمت نعم، فرنسا سالمت ومعها إيطاليا، ما بقي إلا اليهود. فكيف نحاربهم؟ هل من استطاع أن يصل إلى اليهودي يقتله؟ ينفع هذا؟ بهذا جاء الإسلام؟ لا. يجب أن نبايع إماماً لنا بيعة إسلامية ربانية، ويجب عليه أن يقودنا مربياً لنا عقائداً وآداباً وأخلاقاً، فإذا قوينا وقدرنا على حرب عدونا أعلن الحرب عليه وخضناها ونصرنا الله على عدونا، وبدون هذا والله لا يجوز، وكل هذه أباطيل وترهات.
وقد يقول قائل: لعل الشيخ هذا واهم أو مجنون أو كذا؟ فأقول: خمسة وأربعون سنة وأنا أقول هذا، كلامنا على نور من الله عز وجل.
إخوانكم في الجزائر يأكل بعضهم بعضاً، اذبح اقتل اصلب، وستنتقل من بلد إلى بلد. ما سبب ذلك؟ لأن أهل الإسلام ما استطاعوا أن يجتمعوا على شخص واحد يقودهم بسم الله إلى سبل النجاة وطرق السعادة، لا يتفقون، كل جماعة يرأسها الشيطان ويقودها إبليس وتريد أن تكون وتكون،. وبعد ما هي النتائج؟ اذبح واصلب واقتل بسم الإسلام، فيسبون الإسلام، والإسلام إسلام القلب للرب تعالى أولاً وليس للدنيا ولا للهوى ولا للنزعة والأغراض الشيطانية.
إذاً: يا أهل المدينة! يا أهل القرية! لا تستطيعون أن تلتفوا حول عالم يقودكم أربعين سنة حتى تكملوا وتسعدوا، بم تتكلمون وتريدون أن تفعلوا؟ آه واحر قلباه ممن قلبه شبم.
إخواننا في فلسطين لو بايعوا إماماً لهم والتفوا حوله وصالحوا اليهود وعاهدوهم حتى يكملوا ويقدروا ولو بعد أربعين سنة أو مائة سنة لكان هو الواجب، فإذا أصبحت أنوار الله في قلوبهم تلوح وفي وجوههم وأبصارهم وكانوا على كلمة واحدة حاربوا العدو، قال الإمام: الله أكبر. قالوا: الله أكبر. والله لو حاربهم من على الأرض ما كسرهم ولا هزمهم، أما ونحن بعيدون كل البعد عن الله وولايته، نتخبط في الضلال والفتن ونريد أن ننتصر، فلا ، عيب هذا ومعرة هذه، اطلبوا كيف تنجو فقط من الخزي والعذاب والعار.
يقول: إلى متى واليهود يفعلون بنا ما يفعلون؟ أسلموا. لا لا ما نسلم. ما تسلمون إذاً أذلكم الله وزاد هزائمكم.
ماذا يفعل الله بكم؟ لا نقدر على أن نسلم؟ لم لا نجتمع على فريضة ونعلن عن إمام للمسلمين ونجلس بين يديه أمة واحدة، فإذا قال: الله أكبر، كبر الكون كله.
يقولون: لا نريد الإسلام. إذاً ماذا تريدون؟ تنتصرون بالتفجيرات والاغتيالات والخداع والكذب والنفاق، أعوذ بالله! والله ما هذا بالإسلام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر