الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
[ فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال، وهو المستور، ثم البدعة إما بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور والثاني يقبل ما لم يكن داعية في الأصح إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار ].
تقدم لنا أن الجهالة لها ثلاثة أسباب:
السبب الأول: أن يكون الراوي له نعوت كثيرة، أو أسماء كثيرة أو ألقاب، فينعت أو يسمى أو يلقب بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض.
والسبب الثاني: أن يكون مقلاً من رواية الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والسبب الثالث: أن لا يسمى على وجه الاختصار. وتقدم الكلام على هذه الأسباب.
قال المؤلف: (فإن سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين، أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور).
الجهالة قسمها الحافظ رحمه الله تعالى إلى قسمين:
القسم الأول: جهالة العين.
والقسم الثاني: جهالة الحال.
من هو مجهول العين؟ مجهول العين الذي سمي، أي: ذكر اسمه لكن لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق، وأما إذا لم يسم فهذا مبهم، وإذا قيل رجل.. إلى آخره.. شيخ.. هذا مبهم، لكن إذا سمي قيل فلان، لكن لم يرو عنه إلا واحد ولم يوثق فهذا يسمى مجهول العين، وحكمه أنه لا يقبل إلا إذا وثق.
القسم الثاني: مجهول الحال. قال: (أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فمجهول الحال وهو المستور)، ومجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعداً.
اختلف أهل الحديث في ذلك على أقوال:
فقيل: بأنها ترتفع إذا روى عنه عدلان وهذا قال به ابن الصلاح .
وقيل: إذا روى عنه اثنان من أهل العلم مشهوران بالعلم. وهذا قال به الخطيب البغدادي .
وقيل: إذا اشتهر حديثه. وهذا قال به ابن المديني رحمه الله والإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول: إذا اشتهر حديثه وروى عنه الثقات. وقيل: بأن الجهالة ترتفع عن الراوي بعدة أمور: ينظر إلى الراوي عن ذلك المجهول، من هو الذي روى عن ذلك المجهول، وكذلك أيضاً ينظر إلى الحديث الذي أتى به ذلك الراوي، وكذلك أيضاًينظر إلى العصر الذي وجد فيه ذلك الراوي، وكذلك أيضاً ينظر إلى موقف الأئمة من ذلك الحديث قبولاً ورداً.
فمثل هذه الأشياء ترفع الجهالة عن الراوي، فقد يكون الراوي عن هذا الشخص شعبة، وشعبة إمام كبير، ترفع الجهالة عنه به، وقد يكون الراوي عنه ابن سيرين رحمه الله وهو إمام أيضاً، فهذه ترفع الجهالة عنه، قد يكون كما ذكرنا في العصر. يعني: قد يكون في التابعين.. إلى آخره، فهذا يختلف.
والبدعة في اللغة: مأخوذة من بدع الشيء إذا أنشأه.
وأما في الاصطلاح فهي: كل قول أو فعل أو اعتقاد أو ترك تعبد به لغير الله عز وجل، ولم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والراوي إذا كان مبتدعاً هل ترد روايته مطلقاً أو نقول بأن روايته لا ترد مطلقاً؟ المؤلف قال لك (إما أن تكون بمكفر أو بمفسق، فالأول لا يقبل صاحبها الجمهور).
القول الأول الذي اختاره ابن حجر رحمه الله: تقبل روايته ما لم يكن داعية، إلا إن روى ما يقوي بدعته، وإن كان غير داعية نقبل روايته إلا إن روى ما يقوي بدعته.
فالخلاصة في هذا القول: نقبل رواية المبتدع بشرطين: الشرط الأول: أن لا يكون داعية.
والشرط الثاني: أن لا يروي ما يقوي بدعته.
هذا الرأي الأول، وهو الذي اختاره الحافظ رحمه الله تعالى.
الرأي الثاني: أن روايته مردودة مطلقاً، قياساً على الفاسق، لكن هذا قيل بأنه خلاف الإجماع، فالقول بأن روايته مردودة مطلقاً هذا يكاد يخالف الإجماع فلا عبرة به.
القول الثالث -وهذا هو الذي عليه الأئمة- أنه تقبل روايته إذا كان متحرزاً عن الكذب، موصوفاً بالديانة، فالعبرة بصدق الراوي وضبطه حتى ولو كان مبتدعاً. ما دام أنه صادق وضابط، فإننا نقبل روايته، وهذا ما عليه الأئمة.
وهذا يختصر لك كلام كثير ممن تكلم عليهم العلماء رحمهم الله في مصطلح الحديث، فنقول: الخلاصة في ذلك أن المبتدع نقبل روايته بشرط أن يكون صادقاً ضابطاً، فإذا كان صادقاً ضابطاً نقبل روايته، ويدل لذلك أن الشيخين في الصحيحين البخاري ومسلم خرجا لبعض المبتدعة، فخرجا لـعدي بن ثابت وهو شيعي، وكذلك أيضاً عمران بن حطان وكان خارجياً، وكذلك أيضاً أبو معاوية الضرير وكان رأساً في الإرجاء.. إلى آخره، هذه جملة من المبتدعة خرج لهما في الصحيحين.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر