فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى. آمين.
قالت العلماء: إما أن يكون مشتقاً من سؤر الماء أو الطعام، وهو ما فضل وتبقى من شراب أو طعام، وعليه فالهمزة حذفت للتخفيف، بدل سؤر (سورة).
وقالوا: جائز أن تكون مأخوذة من سور البلد، إذ هو يحصن البلد ويحميها، أو من سؤر المنزلة وهو علوها وارتفاعها.
والعلماء يتلمسون لمَ قيل فيها: (سورة)، ولهم الحق، ولا مانع، وإن لم يكن هناك كبير فائدة، وإذا عرفنا ما قيل في أول سورة تركنا هذا في كل القرآن الكريم.
وقيل: هي مأخوذة من السورة التي هي علو الشأن وارتفاعه، واستشهدوا بقول القائل:
ألم ترَ أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
فقوله: (أعطاك سورة) أي: منزلة عالية، ومكانة رفيعة وشأناً، وهي حقاً السورة ذات شأن، وذات منزلة عالية، ومكان رفيع. كيف لا وهي تحوي كلام رب العالمين؟!
وإن قلنا: مأخوذ من السؤر بمعنى: بقية من آيات الكتاب، والقطعة من تلك الآيات العظيمة يقال فيها: سورة، هذا من حيث كلمة (سورة).
إذاً السورة: هي القطعة من القرآن، مسورة؛ إذ لها بداية ولها نهاية، ذات شأن ورفعة، ومنزلة عالية.
أرأيت إن سألك يهودي أو نصراني: كم سور كتابكم؟ تقول: ما أدري. لمَ ما تدري؟! ما سمعت أبداً من يقول: عدد سور القرآن كذا؟ لا يحق أن نقول: ما ندري. كتابنا، وما ندري كم سورة فيه؟! ينبغي أن ندري، سواء كنا عواماً أو طلبة علم، فلو سئلنا: كم سورة في القرآن؟ أجبنا: مائة وأربع عشرة سورة، متيقنين بذلك.
منهم من يقول: (إذا جاء نصر الله) سورة بكاملها، وهذا لم يثبت ثبوتاً حقيقياً.
ومن الجائز أن تكون هي؛ لأنها تنعي لرسول صلى الله عليه وسلم حياته، وقد فهم هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واسمع: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] وبعد فتح مكة: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:2] هذا عام الوفود، فقد كان في كل أسبوع تأتي وفود: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، وهذا فيه نعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بوفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقوله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هذا يوم القيامة ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ أي: ما كسبته بيديها وعملته بجوارحها لا يُظْلَمُونَ .
الجواب: هي آية الدين من سورة البقرة، وهي بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واسمع طولها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا .. [البقرة:282].
إذاً: أطول آية في كتاب الله هي آية الدين، والدين معروف إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282]، هذا أعطى وهذا أخذ، هذا دائن وهذا مدين، لِم سميت آية الدين؟ لأنها خاصة بالتداين، وطريقة الكتابة، والإشهاد.
الخلاصة أننا تعودنا أن نكتب في نهاية المؤلف: كتبه فلان. فجاء إخوان جدد يقولون: وكتبه فلان، هذه الواو لماذا؟ ما عرفنا لها معنى، فعثرنا اليوم على رسالة جاءت من أحد العلماء من الرياض قال: قاله وكتبه فلان. فتبين أن (كتبه) من الجائز أن يكون ما قاله، فقط نقله أو أملي عليه، لكن إذا قلت: (وكتبه) معناه: قاله وكتبه، خذها فائدة بلا شيء.
المهم: يجب أن نفرح بالعلم، على الأقل كفرحنا بالطعام والشراب.
إنها قول الله تعالى من سورة الرحمن: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64]، أي: جنتان مدهامتان، فكلمة (مدهامتان) آية من كتاب الله.
الحمد لله العجائز يعرفن، أطول سورة في القرآن هي البقرة، فيها جزءان ونصف؛ خمسة أحزاب.
أقصر سورة: سورة الكوثر، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
ستة آلاف ومائتان وكسر، منهم من يقول: أربع وعشرون .. ست وثلاثون .. إلى أربعين، وهذا مكتوب عندنا في التفسير.
كم آي القرآن؟ كم آية فيه؟ ستة آلاف ومائتان وكسر، وهذا الكسر ما بين: (14- 40).
المهم: عرفنا أن آي القرآن أو آيات القرآن: ستة آلاف آية ومائتان وزيادة.
الآية العلامة الدالة على الشيء، كأن تضع أعمدة في الطريق تدل الماشي على الطريق.
الآية في القرآن علامة على أي شيء، تدل على ماذا؟ تدل على أنه: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
ما وجه الدلالة؟ هذه الآية كلمات، من أنزلها، من تكلم بها؟ الله، إذاً: الله موجود، الله عليم، الله حكيم، الله قدير، وقل ما شئت من صفات الكمال.
هذه الآية علامة على وجود الله وعلمه وقدرته وإلوهيته، وأنه لا إله إلا هو، علامة واضحة، لو ما كان الله موجود، من أين يأتي كلامه؟! هل هناك غير موجود يتكلم. معقول عندكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل هذا، مستحيل أن يوجد كلام بدون متكلم، أليس كذلك؟ فهذا الكلام كلام الله.
ومن أين لنا أنه كلام الله؟ الجواب: أنه لم يدعه إنس ولا جن ولا ملك، وقال: هذا كلامي. ولكن الله هو الذي قال: هذا كلامي، فهو دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، وأنه لا إله إلا هو، ودال على أن محمداً رسول الله، لو ما كان رسول الله كيف يوحي إليه كلامه؟! كيف ينزل عليه إياه، لولا أنه رسوله؟! إذاً: فكل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إذاً: عندنا ستة آلاف ومائتان وأربعون شاهداً.
الآية: العلامة الدالة على شيء، مثاله: لو قلت: يا فلان! اذهب إلى فلان وقل له: يعطيك ألف ريال، وإذا سألك وقال لك: ما آية ذلك؟ فقل له: لقاؤك معه في الدكان. فأنت هنا أعطيته آية أو هذه علامة، فهي تسمى آية، وتسمى علامة.
إذاً: عرفنا أطول آية، وأقصر آية، وعرفنا معنى الآية، الحمد لله، هذا علم كثير، وخير كثير.
قالت العلماء: من الفاتحة إلى الفاء من وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا نصف القرآن، آية آية وحرفاً حرفاً.
لا إله إلا الله، الحمد لله، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة .. سلسلة إلى الكهف، لما تقرأ من الكهف حوالي ثمن الحزب أو أكثر تجد وَلْيَتَلَطَّفْ فتفهم أن الفاء هي الفاصل بين النصف الأول والنصف الثاني، هذه ما هي صعبة، فالقرآن ينصف، وفي المصاحف يكتبون نصفه من الفاتحة إلى الكهف، والنصف الثاني يقولون: من الكهف إلى الناس، ومنهم من يجعل الكهف في النصف الأول، ومن مريم إلى الناس النصف الثاني، لكن بالدقة .. بالحساب .. بالكلمة .. نصفه من الفاتحة إلى قول الله تعالى: وَلْيَتَلَطَّفْ أي: إلى الفاء، الطاء من هنا، والفاء من هنا.
إذاً لو قيل لك: ما نصف القرآن؟
قلت: من البقرة إلى وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا النصف الأعلى، وبقية المصحف هو النصف الأسفل.
أما الثلث الثاني فمن الآية المائة من سورة التوبة إلى المائة والواحدة من سورة الشعراء.
وأما الثلث الأخر فمن الشعراء إلى الناس، فقسموا القرآن ثلاثة أثلاث.
عرفتم عناية المسلمين بكتاب الله أو لا؟ عدوا كلماته، بعد أن عدوا آياته، بعد أن عدوا سوره، بعد أن عرفوا أنصافه وأثلاثه، وأجزاءه وأحزابه.
هذه عناية عظيمة أو لا؟! كيف يعدون الحروف! الذي عرفهم بعدد السور، عرفهم بعدد الآيات، عرفهم بعدد الكلمات، عرفهم بعدد الحروف.
الجواب: لأن الله افتتح بها كلامه وكتابه، فهي له كالمفتاح، فإذا أردت أن تدخل في القرآن تبدأ بالفاتحة، ومنها تنتقل إلى غيرها، فهي الفاتحة.
وتسمى أيضاً بالصلاة، إذ لا تصح صلاة بدونها، وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين: إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل )، فسماها الله تعالى بالوحي إلى رسوله بالصلاة.
وتسمى بأم القرآن لحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ) ، وحديث: ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ).
وتسمى بالسبع المثاني لقول الله تعالى من سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فلِمَ سميت بالسبع المثاني؟ لأنها سبع آيات، وهي تثنى دائماً في الصلاة وتقرأ، فالسبع المثاني هي سبع آيات تثنى في الصلاة، آية بعد آية بعد آية كالذي يثني ويطوي الشيء على نفسه.
وتسمى أيضاً بالشافية، ودليل هذا الاسم: أن الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجباية الزكاة نزلوا على حي من أحياء العرب، والأحياء عبارة عن خيام، واستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فباتوا جياعاً، وفجأة إذا بسيد أهل الحي قد لدغته عقرب، فجاءوا يصرخون: هل فيكم من يرقي؟ قالوا: نعم. قالوا: إن سيد الحي قد لدغته عقرب، قالوا: نعم نرقيه بشرط أن تجعلوا لنا قطيعاً من الغنم أربعين شاة؟ قالوا: لا بأس. فجيء به، فأخذ الصحابي رضي الله عنه يقرأ عليه الفاتحة، وينفث من ريقته الطاهرة على مكان اللدغة، فقرأ الفاتحة سبع مرات، فقام الرجل كأنما نشط من عقال، وأخذوا القطيع من الغنم، وأبوا أن يذبحوا ويأكلوا، قالوا: ما ندري أيجوز لنا أو لا يجوز حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسأل؟ وامتنعوا من الأكل وثبتوا، على الجوع.
وأخذ علماء الشريعة من هذا أنه لا يحل لمسلم القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، فهؤلاء ما دروا: أيحل لهم أو لا؟ فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه قال للراقي: ( بِمَ رقيته؟ قال: بالفاتحة. قال: وما يدريك أنها رقية؟ فابتسم صلى الله عليه وسلم وقال: خذوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم )، أي: أعطونا معكم كبشاً أو نعجة، من باب تطييب خواطرهم، ووالله ما أخذ خروفاً ولا كبشاً.
والشاهد عندنا: رقاه بِمَ؟ بسورة الفاتحة، فتسمى الشافية، وتسمى الرقية؛ لأنه رقى بها، وشفى الله بها، فهي الرقية والشافية.
وتسمى الكافية، فلو قرأت القرآن من البقرة إلى الناس في صلاة العشاء أو المغرب أو الظهر ولم تقرأ الفاتحة ما يكفي، وصلاتك باطلة، ولو أنك قرأت الفاتحة وآية فقط، يكفيك، وصلاتك صحيحة، إذاً: هي الكافية.
والعرب يقولون: كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى.
إذاً: عرفنا سورة الفاتحة، كم اسماً لها؟ خمسة بالكتاب والسنة، وزيادة مشتقة ومستنبطة ذكرها أهل العلم.
ما هناك فرق بين الآيات والآي؟ اللفظ مختلف والمعنى واحد، الآي جمع آية، والآيات جمع آية كذلك، فهي سبع آيات.
اختلف أهل العلم هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة الفاتحة أو ليست آية؟ مع الإجماع أنها سبع آيات لقول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فإن عددناها أصبحت ثمان آيات! فما المخرج؟
هذا الموضوع كتب فيه العلماء عشرات الصفحات، لكن الخلاصة الذهبية والتي ستدخرونها في صدوركم لا في جيوبكم، هي: أن الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، فنزلت مرة مع (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة بدونها. فمن هنا من قال: هي آية، وقرأها في كل ما قرأ الفاتحة، هو على حق، ومن قال: ليست آية وما قرأها مع الفاتحة لا شيء عليه، وهو على حق، وصلاته صحيحة.
يبقى العد، إذا قلنا: بسم الله آية، هيا نعد السبع الآيات: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]، سبع بالبسملة.
إذا قلنا: نسقط البسملة، اسمع! الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] هذه أولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:1-5] خمسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6] سادسة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] السابعة، سبع آيات، ماذا تقولون؟ هذا علم محرر صحيح، لا تشكوا أبداً، لا نقدم لكم مشكوكاً فيه.
فمن هنا: إذا قال الشافعي تلميذ محمد بن إدريس الشافعي: بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، وقال المالكي: لا.. لا. لا تلم هذا ولا هذا، هذا يعتقد أن البسملة آية يجب أن يقرأها وإلا فإن صلاته باطلة. وذاك يعتقد أنها ليست بآية، قرأ أو لم يقرأ صلاته صحيحة.
ومن ثَم اتحدنا ولم نختلف، واتفقنا ولم نتفرق أبداً، ولاحت أنوار علمنا ومعرفتنا، بخلاف لو كنا لا نعلم فإننا سنتقاتل.
بعضهم يقول: المكية ما نزلت في مكة، والمدنية ما نزلت في المدينة.
وهناك ما نزل لا في مكة ولا في المدينة: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] أين نزلت؟ في الطريق، نقول: مدنية أو مكية.
إذاً: الذي عليه الإجماع الصحيح: أن ما نزل من القرآن قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني.
لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة عام العمرة أو عام الفتح، ونزلت سورة، لا تقل: هذه مكية، قل: مدنية، لِم؟ لأنه أضبط للقضية: ما نزل قبل الهجرة في مكة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة بالمدينة فهو مدني، ولو نزل في الطريق أو مكة.
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].
تأملوا هذا الكلام، ما معنى التفسير؟ معناه في اللغة: الشرح والبيان. لكن في الاصطلاح القرآني ما التفسير؟ قال: شرح كلام الله. والتفسير لِمَ؟ قال: ليفهم مراد الله منه. ولِم يفهم مراد الله منه؟ من أجل أن يطاع في أمره وفي نهيه، ومن أجل أن يؤخذ بهدايته وإرشاده، إذ القرآن يحمل الهداية والإرشاد، ويعتبر بقصصه، فالقرآن ثلثه قصص، لِمَ القصص؟ للعبرة، ويتعظ بمواعظه، إذ القرآن يحمل المواعظ.
قال: [السورة: السورة قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر]، وهي سورة الكوثر، [وسور القرآن الكريم مائة وأربعة عشر سورة، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].
قال: [الفاتحة] ما معنى الفاتحة؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته، وفاتحة القرآن الكريم: الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب والصلاة] وكذلك تسمى بالشافية والكافية.
قال: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة. والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة، وتقريرها والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة: توحيد الله تعالى في عبادته، وإثبات نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد، والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام]، من تشريع في السياسة وفي الحرب وفي السلم كما علمتم.
قال: [الآيات: جمع آية وهي لغة العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم: ستة آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة].
إذاً: نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر