أما بعد:
هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الرابعة والعشرون في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة أو عن الموت وما بعده، وهي الحلقة الثالثة في الجنة، عسى رب العباد سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.
اللهم لا تجعل بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذا الجمع الطيب ولا في هذه الليلة العظيمة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا هديته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً.
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.
اللهم فك الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، ويسر حاجتنا وحوائج المحتاجين.
اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا. اللهم يا مولانا! إننا مقهورون فانصرنا، وذليلون فأعزنا، وتائهون فأرشدنا، ومشتتون فاجمعنا، وأصحاب شهوات فتب علينا.
اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم تب علينا من الذنوب كبيرها وصغيرها، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، ولا تجعل يا مولانا! للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
اللهم إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا، فارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.
اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة، وزحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم فرح بنا قلب نبينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم شفعه فينا، اللهم اسقنا من يده الشريفة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبدا.
اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم، اللهم متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم.
ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا رب! تسليماً كثيراً.
إن لكل شيء مفتاحاً، وإذا ولج الإنسان باباً أو أراد أن يلج باباً فلا بد له أن يحصل على هذا المفتاح الذي يستطيع به أن يفتح الباب، وأهم المفاتيح هو مفتاح الدخول على الله عز وجل، وهو الذلة والمسكنة لله، وعدم التكبر على عباد الله، حتى قال بعض الصالحين: يا ابن آدم! لا تغتر برؤية الصالحين، فلم يكن هناك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينتفع به بعض أقاربه كـأبي جهل وأبي لهب وأبي طالب .
وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا
ويقول صلى الله عليه وسلم (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
ولما سئل الكليم وقالوا له: أن ربنا هو الذي يكلمك بقوله: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [طه:12]؟
فقال: عرفت من شيء واحد، وهو أني كلما اقتربت أو ابتعدت ما ازداد الصوت ولا نقص.
والحسن البصري رحمه الله يقول في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وقوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وقوله تعالى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وأحاديث الصفات مثل قوله: (حتى يضع الرحمن فيها أصبعه، فتقول: قط قط، بعزتك قد امتلأت، وينزوي النار بعضها إلى بعض)؛ خشية من غضب الجبار سبحانه: سبحان الذي استوى على العرش، بالطريقة التي قال، وعلى الوجه الذي أراد، لا العرش يحمله ولا الكرسي، بل العرش وعظمته والكرسي وحملته كل محمول بقدرته وفي قبضته.
فلا يحاط به ولا يحده زمان ولا مكان، فهو قبل خلق الزمان والمكان، على ما كان كيف كان، لا يدري أحد كيف كان إلا من خلق الزمان والمكان.
وكل ما خطر ببالك، فالله بخلاف ذلك، لأن العقل والفكر والحس محدودة، ولا يدري قدرة الله عز وجل إلا القادر الحكيم سبحانه. فلا إله إلا الله.
وقد قال سيدنا عمر للعباس لما من الله عليه بالإسلام: والله يا عم رسول الله! لإسلامك أحب إلى قلبي من إسلام الخطاب أبي. قال: لأن إسلام أبي يدخل السرور على قلبي، وإسلامك يدخل السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرور الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من سروري، فانظر إلى الإيمان بالله، فهو يريد أن يدخل السرور على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم ويقول: إسلام العباس يفرح به الحبيب صلى الله عليه وسلم جداً، حتى قال أبو بكر : وددت أن يسلم أبو طالب ولا يسلم أبو قحافة . وهذا نفس المنطق، وانظر إلى هذا الكلام، وهذه مشاعر عالية جداً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أي: إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله فانظر فيما أقامك، يعني: إن أقامك كل يوم في الخمس الصلوات في المسجد فهذه نقطة جيدة، وإن أقامك لتخرج زكاة مالك وتفرج الكرب عن المسلمين وتبتسم مع الناس وتلين لهم الكلام، وتقوم الليل ولو قليلاً بقراءة القرآن فهذا جيد.
وقد أقامك الله فيما يريد وفيما يحب، فأنت مقامك عند الله كبير.
ولكن الذي يقوم يطبل وراء رقاصة فهذا قد أقامه الله في شر مقام، واحد ربنا أقامه يخرج في حفلات ليلية، فأقامه في شر مقام.
وقد تعلمنا من الخليل الأدب، فقد قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ [الشعراء:78-80]، ولم يقل: والذي إذا أمرضني، وهذا من الأدب.
وانظر إلى الرجل الصالح صاحب سيدنا موسى عليه السلام الذي علمه فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79] فقال: (أردت أن أعيبها) ففي العيب أتى بالإرادة ونسبها إلى نفسه، وفي اليتيمين قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82]، فالخير نسبه إلى الله، والشر نسبه إلى نفسه، وهكذا المؤمن مؤدب وسيدنا أبو بكر استفتي في فتوى فقال: أقول فيها برأيي، فإن كان حسناً فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن الشيطان ومن نفسي، وهذا من الأدب.
ومن الأدب في الدعاء: يا رب! إن عذبتني فبعدلك، وإن رحمتني فبفضلك. اللهم عاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك. وهكذا كان الصاحون يدعون، وربنا لا يظلم، وحاش لله أن يظلم، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، فإن عذبتني فهذا بمحض العدل؛ لأنك عادل، وأنت الحكم العدل، وإن رحمتني فبفضلك، فعاملني بفضلك ولا تعاملني بعدلك.
أولاً: من ناحية الهدية في ذاتها: أنها على قدر حال المهدي، فحين أهدي لك طاقية أو سواكاً أو قلماً تكتب به فهذا على قدر حالي، وهو الذي أستطيعه، ولكن الواحد من كبار المسئولين يعطيك على قدر حاله، فقد يعطيك قلم ذهب بخمسمائة جنيه، فكل هدية على قدر مهديها.
وثانياً: أنه فكر فيك ولم ينسك، وأهدى لك لأنه يحبك، وهذه نعمة ثانية.
وثالثاً: تقول: والله بقي أن أكتب له بهذا القلم جواب شكر، فأنت تريد أن تشعر نفسك بالمنة، فتكتب له جواب شكر بالقلم، ولله المثل الأعلى.
فالبشر يهديك حطاماً من حطام الدنيا، وأما الله فيهديك أعظم هدية وهي الهداية نفسها، فيهديك إلى درس العلم، وإلى سورة تحفظها من القرآن، وإذا حفظ الرجل القرآن وظن أن أحداً أعطي خيراً منه، فقد استقل نعمة الله عليه.
وفي إحدى البلاد القريبة للقاهرة كان هناك مسيحي نصراني ثري، فجلس مسلم يكلمه عن الإسلام وحلاوته وعظمته، وجمال القرآن وحلاوته وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فتفتحت أذنه وانقطع عن الكنيسة، فبعثوا له ثلاثة من القساوسة، فجاءوا إليه وقالوا له: ما الذي أغضبك منا؟ فقال: بصراحة الإنجيل هذا فيه حاجات لا تعجبني، فقالوا: كيف؟ هذا لا يعقل، هذا كتاب الرب. فقال: هاتوه، فأتوا بالأنجيل، ففتحه وقال: هذه الحكاية لا تعجبني فاشطبوها، فشطبوها، فقلب الصفحة الذي بعدها وقال: هذه الآية أيضاً نشطبها، فجلسوا يشطبون؛ فقال: انتظروا، وخرج إلى رجل مقرئ لا يؤبه له، فدعاه ليقرأ سورة مريم ، فخاف وهو يرى القساوسة أمامه، فقال له: اقرأ يا أخي! يمكن ربنا يهدينا، فقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:1-2]، حتى وصل إلى قوله تعالى: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34]. فقال الرجل: هذه الآية: قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مريم:34] لا تعجبني، فقال القارئ: يعني ماذا؟ فقال له: نشطبها ونعطيك خمسين ألف جنيه، فقال القارئ: امشوا من هنا.
وهذه القصة حصلت والله، ودخل في دين الله.
فقارئ القرآن لا يقدر أن يفرط في القرآن ولا في آية ولا حتى في حرف؛ لأن هذا مثال مصداق لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابة هؤلاء كانوا متمسكين بالقرآن والسنة بأيديهم وأسنانهم، لا يزحزحهم عن كتاب الله عز وجل شيء.
إذاً: إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر فيما أقامك، فإن كانت أغلب أوقاتك لله رب العالمين فاعرف أنك على الحق، فإن لقيت أوقاتك قد ضاعت في غير ما يرضي الله ولقيت أحب الناس يعرض عنك بعد أن كان حبك قد تسرب إلى قلوب الناس فابحث لك عن قلب فإنه لا قلب لك.
اللهم أحي موات قلوبنا يا رب العالمين!
اللهم لا تحرمنا من دخول الجنة يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من أصحابها يا رب!
والمرأة الأوروبية عالمة الفلك الألمانية الشهيرة التي أسلمت في سنة خمسه وستين قالت: عجبت لنبيكم محمد، ما ترك شيئاً إلا ووضحه لكم وبينه! حتى آداب دورة المياه قد حدثكم عنها! فقال: ادخل بالرجل الشمال، واستعذ بالله، واقعد من ناحية الشمال، ونظف جيداً، ثم توضأ، فتخرج طاهراً، ولا تتبول في شقوق الأرض، فالرسول صلى الله عليه وسلم يخاف عليك إلى هذه الدرجة، وهو أحن عليك من أبيك وأمك، فقال: (لا تتبول في شقوق الأرض)، خوفاً من أن يكون فيها حشرات أو شيء يضرك، ولا في الأرض الصلبة؛ حتى لا يرجع الرشاش عليك وينجس ثيابك، فهو يخاف على ثيابك. فهذا حنين قوي، وقد قال الله له: يا محمد! أنجعل إليك حساب أمتك؟ قال: يا رب! بل أكلهم إليك، فأنت أرحم بهم مني.
فيا شقاء من ابتعد عن حنان الحبيب المصطفى! وقد كان إذا أراد أن يؤدب خوف بالسواك، وقد خدم أنس النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين يأتي له بوضوئه وما يحتاج إليه، وعبد الله بن مسعود كان يحمل نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما كان يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم من أنس يقول: يا أنيس ! ويهز له السواك هكذا، لولا مخافة القصاص يوم القيامة لأوجعتك ضرباً بهذا السواك.
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنساً إلى السوق ليشتري أقطاً -وهو مثل الجبنة، واللبن الرايب الناشف- فذهب فوجد في الطريق صبياناً يلعبون فجلس يلعب معهم فضاع منه المال، فخاف الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون قد تاه، وهو أمانة عنده، فأمه أتت به ليخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويتعلم منه العلم، ويرق قلبه، فذهب يبحث عنه فوجده يلعب مع الصبيان، فأمسكه من قفاه، وقال : (يا
فلماذا لا نتعلم الأدب من أستاذ الأدب؟ فهو هنا يقول: أنت أرحم بهم مني، فإذا بالعلي القدير يقول: يا جبريل! نبئ محمداً وقل له: إننا لن نخزيه في أمته أبداً، فهذه أمثلة لرحمته صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل أنعم علينا بهذه النعم: نعمة الهداية، ونعمة مجالس العلم، ونعمة القرآن، فننظر إليها على أنها نعمة من المنعم المتفضل سبحانه، ونستخدم هذه النعمة في إرضائه سبحانه وتعالى، وأين ما يهديه إليك البشر مما يهديه إليك رب البشر؟
ولو جاء عبد من عباد الله إلى باب أحد منكم يسأله فلساً أو فلسين لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاها له، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها خير وهي مثل المطر، لا يدرى الخير في أولها أم في آخرها؟ فلا طريق إلى الجنة إلا طريق واحد، وهو طريق كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم.
يعني: لو أكلت يا آدم! أنت وحواء من هذه الشجرة حصل لكما واحدة من اثنتين: فإما أن تكونا ملكين من الملائكة، وكل إنسان فينا يتمنى أن يصير ملكاً، وعندما تجد شخصاً فاضل الأخلاق متواضعاً في ألفاظه طيباً ودوداً تقول: فلان هذا ملك، ولذلك صويحبات يوسف: وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31]، أي: من شكله ومن حيائه؛ لأن المتبجح تلقاه شيطاناً، ولكن المؤمن حيي، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال له: (دعه فإن الحياء من الإيمان)، فالذي عنده إيمان عنده حياء، والذي ليس عنده حياء ليس عنده إيمان، والمرأة الموظفة التي تلبس إلى ركبتها وتجلس واضعة رجلاً على رجل وسط الموظفين وزميلها يولع لها السجارة ليس عندها حياء وإيمان.
وقد كان عند بناتنا حياء العذارى، فلو سمعت طلبها للزواج احمر وجهها وهربت إلى غرفتها وجلست تبكي.
والحياء ثمرة من ثمار الإيمان، فالإنسان الحيي مؤمن، والإنسان الذي ليس عنده حياء شيطان.
قال تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [الأعراف:20] يعني: تخلد فلا تموت، وكلنا نحرص على الحياة، ونريد أن يمتد بنا الأجل.
قال تعالى: وَقَاسَمَهُمَا [الأعراف:21] حلف لهما وأقسم لهما: إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21].
وقد قال ابن سيدنا آدم لأبيه آدم: يا أبت! أتطيع الشيطان وتعصي الرحمن، قال: يا بني! ما ظننت أن أحداً يقسم بالله كاذباً.
واليوم الواحد يحلف ويحلف وهو يعلم أنه كاذب، وهذا القسم والعياذ بالله هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في النار والعياذ بالله، ولا كفارة لها.
فإبليس دخل إلى أبينا آدم وأمنا حواء الجنة، وحلف لهما إذا أكلا من الشجرة فسيخلدان، فبدت لهما سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.
قال تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة:38] أي: أنزلوا إلى الأرض منها بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [طه:123].
فجنة الخلد التي وعد المتقون لا يدخلها الشيطان، وهذه الجنة دخلها الشيطان، وجنة الرضوان التي يدخل الله فيها عباده لا حزن فيها ولا كآبة، وأبونا آدم لما أكل من الشجرة حزن وندم، والندم هذا ألم نفسي، والجنة لا حزن فيها.
والجنة التي وعد المتقون ما هم منها بمخرجين، ولكن آدم أخرج وحواء من الجنة.
وهناك أدلة أخرى من الكتاب والسنة تدل على أن هذه الجنة التي دخلها أبونا آدم وأمنا حواء ليست جنة الرضوان، إنما هي جنة أخرى فيها جميع مقومات الحياة، من أكل وشرب، وليس فيها شغل ولا تعب ولا حاجة وهذا كما إذا جاءك ضيف ووضعت له الأكل والشرب في الثلاجة وقلت له: انظر هذا هو البوتجاز، وهذه الثلاجة، وهذا الماء، وهذه دورة المياه، وهذه الفوطة، وهذه السجادة، ثم تركته وقلت: قد عملت له كل الفروض التي يستطيع أن يقيم بها حياته.
هذه هي النقطة الأولى.
والنقطة الثانية: يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرحته بنا: (لكظيظهم على أبواب الجنة أحب إلي من شفاعتي)، والشفاعة هي فخر للرسول صلى الله عليه وسلم، وهي المقام المحمود، ورغم ذلك يقول: أنا فرحتي بزحمة أمتي على أبواب الجنة أحسن لي وأحب لي من الشفاعة؛ لأن ثمرة الشفاعة دخول الجنة، والثمرة أحسن من الفعل.
وأنت عندما تجد المساجد مزدحمة، والناس بعضهم يصلون على ظهر بعض، ومزدحمين عند الباب في الدخول وفي الخروج تفرح؛ لأن هذه صورة من صور رحمة الله سبحانه، لأنه كلما كثر العدد كثر احتمال وجود صالح، ونظرية الاحتمال أو الاحتمالات تقول: لو كثر العدد كثر احتمال وجود صالح أو صالحة يستجاب الدعاء من أجله.
وحج عطاء بن أبي رباح فلما كان في الموقف نظر إلى الناس وقال: لولا أن عطاء بينكم لقبل الله أهل الموقف، فنام عشرة من المريدين في هذه الليلة في مزدلفة فرأوا في النوم أن القيامة قد قامت، ومناد ينادي: قد قبل الله أهل الموقف في هذا اليوم من أجل عطاء بن أبي رباح.
فالحرق هو: الذي مات محروقاً، كأن احترق عليه البيت بدون قصد، والغريق: الذي مات غرقاً، والمبطون: الذي مات من استقاء أو من مرض خبيث أو سرطان أو غيره، اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين، فيصبر كل مريض على ما ابتلاه الله به.
والمرأة تموت في نفاسها، فكل هؤلاء شهداء، والحمد لله.
والشهداء درجات.
قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].
فالإنسان الذي يصلي ويؤدي حقوق الله ويتقي الله ويحصل له هذا الابتلاء يكون شهيداً.
وأما شخص لا يصلي ولا يصوم ثم تقول: مات المرحوم، فمن أعلمك أنه مرحوم؟ فأنت كذاب تتألى على الله، فمن أعلمك أنه قد رحمه الله؟ فهل أعطاك ضماناً أو آتاك جواباً؟ فقل: رحمه الله في الدنيا والآخرة. وأما المرحوم أو المغفور له فلان الفلاني وكتابة ذلك على الجبانة هكذا أو على الضريح أو على المقابر فلا.
يعني: كأن تقول في نفسك: لو أنهم ينتدبوننا لنحرر بيت المقدس، ونحارب ونخرج الاستعمار من البلدة الفلانية المسلمة. فهذا حديث النفس، أن تحدث نفسك بالجهاد، وهذا أمر مهم، فيجب أن تحدث نفسك بالغزو، فمن مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق.
ومن خرج ليتعلم العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، وسيدنا أنس بن النضر رضي الله عنه يقول: والله إني لأشم رائحة الجنة من دون أحد، وصحابي آخر يقول: يا رسول الله! إن قاتلت صابراً محتسباً فقتلت، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، فقال: عجباً، ثلاث تمرات تؤخرني عن دخول الجنة! فرمى بهن ودخل في سبيل الله مقاتلاً محتسباً، فرزق الشهادة.
ومن رابط في سبيل الله ليلة حرم الله عليه النار.
وسيدنا أبو هريرة خرج ليلة فبحث عنه الصحابة فلم يجدوه، ثم جاء في الفجر إلى الجامع فسألوه: أين كنت يا أبا هريرة ؟! فقال: كنت أحرس حدود المدينة.
وفي الجنة باب يسمى باب الريان يدخل منه الصائمون، وباب للعلماء وقائدهم سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه، فهو حامل راية العلماء يوم القيامة، وهذا تشريف عظيم، فهو ليس إمام العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل والعلماء من جميع الأمم يأتون تحت راية معاذ بن جبل رضي الله عنه.
وللصابرين باب، ويأتون تحت قيادة سيدنا أيوب عليه السلام.
وهذا النداء ليس إزعاجاً، وإنما نداء من العلي الأعلى. فقال أبو بكر : وهل هناك من ينادى من الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
فقال أبو بكر : ما أعجب وما أحلى وما أجمل هذه الآية يا رسول الله!
فقال: إن أحد أمتي يناديه الله بها يوم القيامة على رءوس الأشهاد، فقال له: من؟ قال: أنت يا أبا بكر !
وعمر أول من يأخذ كتابه بيمينه، وأما أبو بكر فلا يقف لحساب، وإنما يدخل الجنة بدون حساب، وأبو بكر تناديه النار وهو مار على الصراط: يا أبا بكر ! أسرع بالمرور من فوقي فإن نورك طغى على ناري.
وقد كان أبو بكر يقول: لو كانت إحدى قدمي داخل الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله.
والمؤمن من فضل الله أن له عند الله جنتين، كما قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وقد قلنا: إن الإنسان عندما يولد يكتب الله عز وجل له مكاناً في الجنة ومكاناً في النار، فإن أطاع الله أخذ مكانه في الجنة، ويأخذ أيضاً جنة الكافر ويرثه في جنته، قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون:10] والوارث هو الذي يأخذ شيئاً كان لغيره.
والرواية الثانية: عدد درجات الجنة كعدد آيات كتاب الله، فعدد آيات القرآن ستة ألف ومائتان وستة وثلاثون آية، وعدد حروفه ثلاث مائة وأربعون ألفاً ومائتان وخمسة وستون حرفاً، ونصفه الأول ينتهي عند الفاء من (فليتلطف)، التي في سورة الكهف.
يجاء بقارئ القرآن يوم القيامة العامل به ويقال له: اقرأ وارتق، فيقرأ حتى يأتي على آخر ما يحفظ من كتاب الله، فإذا كان قد حفظ الكتاب كله وعمل به قدر استطاعته قرأ إلى آخر سورة الناس، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:6].
فيجد نفسه قرب خير الناس في الفردوس الأعلى، وهذا كرم من الله عظيم؛ لأن قارئ القرآن لا يفضل عليه إنسان أبداً.
ولما أدخلت جنازتان إلى المسجد للصلاة عليهما، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان حافظاً أكثر من الآخر، وجعل حافظ القرآن كله من ناحية الإمام، والثاني من ناحية القبلة، وهذا التفضيل في الصلاة على الميت، فحتى وهو ميت نكرمه ما دام حافظاً للقرآن عاملاً به.
وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعثاً -يعني: جماعة- فقال: ليخبرني كل منكم ما يحفظ، فقال أحدهم: أنا أحفظ جزء عم، وقال الثاني: أنا أحفظ كذا، وقال الثالث :أنا أحفظ كذا، وقال الرابع: أنا أحفظ كذا، فقال صبي في الخامسة عشرة من عمره: أنا أحفظ البقرة وآل عمران، فقال: أنت أميرهم. اللهم حفظنا القرآن جميعاً، وثبته في قلوبنا. اللهم لا تجعله يتفلت من قلوبنا. اللهم احفظ لنا الكتاب في قلوبنا يا رب العالمين! واجعلنا من العاملين به والتالين له آناء الليل وأطراف النهار. آمين يا رب العالمين!
وهاتان الروايتان في عدد درجات الجنة صحيحتان، ولا يعلم درجات الجنة وحقيقتها إلا من أعدها وصنعها لعباده. اللهم لا تحرمنا من الدخول في هذه الدرجات يا رب العالمين!
وقد قال سيدنا موسى عليه السلام: يا رب! قبل أن تبعث ملك الموت فابعث لي قبله رسولاً يعرفني أنه سيأتي، ثم جاءه ملك الموت فسأله: لماذا لم تبعث لي رسولاً؟ قال: قد شاب شعرك، ورق عظمك، وانحنى ظهرك.
والغارة الثانية: غارة الورثة على مالك، فأنت تجمع لهم من اليمين ومن الشمال، ومن الحلال ومن الحرام، ومن كذب ومن زور ومن بهتان ومن رشاوى ومن فوضى، وفي الآخرة تحاسب عليه أنت وهم يستمتعون به، وقد كان سيدنا عمر يدعو قائلاً: اللهم إني أعوذ بك من مال يتمتع به ورثتي من بعدي وأحاسب أنا عليه في قبري.
فعلى الإنسان أن يوازن بين الأرباح والخسائر من ناحية الدنيا والآخرة.
الغارة الثالثة: غارة الدود على جسدك في القبر، ولو ظهرت رائحة الميت الذي مات قبل أربعة أو خسمة أيام فلن تستطيع أن تمر بجوار القبر.
الغارة الرابعة: غارة أصحاب المظالم على حسناتك يوم القيامة.
قال تعالى: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26]، أي: في الدنيا كنا خائفين من هذه الغارات، فقد كنا خائفين من ملك الموت، ونخشى أن يرانا ربنا على معصية.
وفي الحديث: (يا
ولو راقبت الله في كل وقت وجعلت في ذهني أن ربنا ينظر إلي فلن أكذب، ولن أسرق، ولن أقطب الجبين، ولن يخرج من لساني بذاءات، ولن أخطو خطوة إلى حرام، ولن أمد يدي إلى ما حرم الله، ولن أغتاب مسلماً أو أحقد عليه.
ونسأل الله سبحانه أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاه، يا رب العالمين!
وصفة أهل النار السرور، فقد كانوا دائماً أصحاب جلسات أُنس ونكت، والحسن البصري لما رأى شاباً معجباً بشبابه يضحك، قال له: يا بني! هل بلغك أنك وارد على جهنم؟ قال له: بلغني، قال له: وهل بلغك أنك قد نجوت منها؟ قال: لا، قال: فعلام الضحك؟!
وأنت في قراءتك للقرآن تخيل وكأنه قد نزل عليك وحدك، فإذا قرأت القرآن بهذا المنطق فستكون خائفاً لا تنبسط كثيراً، فاقرأه بحزن؛ فإن القرآن نزل بحزن، ولا تقرأه بلحون أهل العشق ولا بالشعر.
فمن الشهوات أن تملأ بطنك من الأكل، فاقلل منه، ومن الشهوة ومن الغريزة أن تنام كثيراً، فاقلل منه، ومن الشهوات ألا تزور عمك الذي تخاصمت معه، لكن من إرضاء الله أن تزوره وتصله. وهكذا تأخذ الأمر مأخذ الجد، وتأخذ الأمر مأخذ التنفيذ العملي، وتقول: سمعنا وأطعنا، ولا تجادل؛ فإن الموضوع لا يحتاج إلى جدال، ولكن كما قال الصحابة: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].
اللهم ألحقنا بصحابة رسولك يا رب العالمين! وما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يرفع يديه إلى السماء ويقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) هذه في وراية مسلم ، ورواية الترمذي يزيد عليها: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا قال الله عز وجل له يوم القيامة: عبدي ادخل من أي أبواب الجنة شئت).
فأحسن وضوء الظاهر والباطن، وليس الأمر أن تغسل يديك بالصابونة وتجعل فيها رائحة معطرة وهي ترتشي، فهذه أنجس من اليد الملطخة بالطين وبالقار وبالقاذورات. فإذا مددتها إلى ما حرم الله أو إلى إيذاء مسلم، فلست نظيف اليد، وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لا بورك في يوم لم أزدد فيه من الله قرباً)، لأنه يوم ضائع، فإذا عملت خيراً زدت عند الله، وإن عملت شراً فإنك تنقص من رصيدك.
وسهل بن عبد الله التستري أستاذ الحارث بن أسد المحاسبي وصل به الأمر في تحريه الحلال والحرام إلى أن الله رزقه عرقاً في يده ينبض عليه إذا امتدت يده إلى حرام أو إلى شبهة.
وعندنا لما أحدثوا الرادار لمراقبة الطرق السريعة أتى الناس بآلات أو أجهزة يشوشون بها على الرادار، والمصري لا يوجد أذكى منه، ولكنه يعمل أشياء غريبة، فوجدوا أنه لا يوجد عربية نقل أخذ الرادار عليها مخالفة، فاكتشفوا أن سائق عربية النقل كان يضع سلسلة في آخر العربية تسحب على الأرض، فإذا سحبت في الأرض لا يستطيع أن يلتقطها الرادار، ولو كان هذا الذكاء في الإيمان وفي طاعة الله لسيطرنا على العالم، وربنا قال عن اليهود: إنهم جبناء، لا يقاتلوننا إلا من وراء جدر، أو وهم في داخل حصون، قال تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14].
فسيدنا أبو بكر لما شرب جرعة اللبن اشتعلت بطنه فدعا للخادم وسأله: من أين أحضرت اللبن؟ فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية، يعني: كان في الجاهلية يشتغل كاهناً، أو مثل ما نقول: عراف، يفتح المندل والكتشينة، ويقرأ الفنجان والخط في الرمل، ويقرأ الكف، وكل هذا دجل وشعوذة، ومن ذهب إلى عراف أو كاهن فصدقة بما قال فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، وإن لم يصدقه بما قال فلن يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً.
فاتق الله عبد الله!
قال: فمررت عليهم فلقيت عندهم فرحاً فأعطوني قليلاً من اللبن، فوضع أبو بكر رضي الله عنه أصبعه في فمه فتقيأ ما في بطنه، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم هذا ما أملك، فاللهم لا تلمني بما اختلط باللحم والعروق.
فشربة لبن جعلت أبا بكر رضي الله عنه يخرج الذي في بطنه، فكيف بالذي يبتلع خمسة فدادين وسبع عمارات وأرض الشاطئ والمنتزه وغيره وغيره! يبتلعها ولا تشتعل بطنه!
وكل أمة لها باب رئيسي، وباب هذه الأمة مسيرة الراكب ثلاثة أيام بالفرس المضمر، يعني: الفرس المعد للسباق.
اللهم اجعلنا من الداخلين يا رب العالمين!
ونحن لا نعرف شيئاً إلا منه صلى الله عليه وسلم، فهو الذي بلغنا كلام ربنا، وحببنا إليه، وعرفنا رحمته.
فإذا وصلوا إلى الجنة إذا هم عندها بشجرة في أصلها عينان تجريان، فيشربون من إحداهما، فلا تترك في بطونهم قذىً ولا أذىَ إلا رمته، فتنظف بطونهم عند أول شربة، واليوم الطبيب إذا أراد أن يعمل لك تحليلاً يقول: اعطوه حقنة شرجية، تنظف الأشياء التي أكلها من الصباح، ولله المثل الأعلى، وهذه الشجرة يقال: إنها شجرة طوبى.
ونحن سنبعث على ما متنا عليه، فالذي مات وهو في درس العلم يبعث يوم القيامة وهو في درس علم، والذي يموت وهو يصلي يبعث يوم القيامة يصلي، والذي يموت وهو يحج يبعث يوم القيامة محرماً ملبياً، والذي يموت وهو يقرأ القرآن يكون في ظل العرش يقرأ القرآن حتى يفرغ الناس من الحساب، والذي يموت وهو يؤذن يبعث يوم القيامة وهو يؤذن، والذي يموت وهو يلعب طاولة يبعث وهو يلعب طاولة، وإذا نصحته وقلت له: يا سيدي! إن هذا حرام، يقول لك: فيها نص؟ وأنت إذا ذهبت إلى الدكتور وقال لك: خذ ثلاث ملاعق، لا تقل له: فيها نص.
فلا تترك في بطونهم قذىً ولا أذىً إلا رمته. (ويغتسلون من الأخرى فتجري في وجوههم نضرة النعيم فلا تشعث رءوسهم).
ولما دخل أحدهم على الحبيب صلى الله عليه وسلم في المسجد منتفش الشعر، قال: (ما بال أحدكم يدخل علي أشعث الرأس كأنه شيطان، أفلا كان في بيته مشط؟) فمن الأدب في المظهر أن تمشط شعرك، (ويغتسلون من الأخرى فتجري في وجوههم نظرة النعيم، فلا تشعث رءوسهم، ولا تغير أبشارهم)، وجلدك وأنت ابن ستة أشهر غير جلدك وأنت ابن ست سنين، غير جلدك وأنت ابن ستين سنة، غير جلدك وأنت ابن مائة سنة، فالجلد يتغير ويتجعد.
وكان أبو بكر وعمره ستون سنة عندما يلقى أباه أبا قحافة وهو راكب الجمل لا ينتظر حتى ينيخ الجمل، بل كان يقفز من فوق الجمل حتى يلحق أباه ويأخذ بيده، اللهم لا تحرمنا صحبته في الجنة يا رب العالمين!
طبتم: طاب الشي: أينع، وطاب الطعام: استوى، وطاب الثمر: وصل حد القطاف.
وطاب الإنسان أي: ليس فيه خبث ولا نكد ولا جفاء ولا أذى ولا كلمة قبيحة أو سيئة، أو طيبكم الله بالطيب، فيدخل الرجل وهو يعرف منزله، ويتلقاه الولدان الذين قال الله عنهم: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا [الإنسان:19] فيستبشرون برؤيته كما يستبشر الأهل بالحميم، ويرحبون بهم أهلاً وسهلاً تأخرتم علينا.
هجم السرور علي حتى إنه من فرط ما قد سرني أبكاني
ويستبشرون بهم كالحميم يقدم من الغيبة، فينطلقون إلى أزواجهم من الحور العين -وقد دفعت مهرها إيمانك بالله، وحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطبيقك لشرع الله- فيخبرونهم بمعاينتهم، فتقول: أنت رأيته؟ يعني: الحور العين تقول بعضهن لبعض: وصل ولي الرحمن، وصل وفد الرحمن، وصل فلان الفلاني، فيستبشرون بك وأنت كنت في الدنيا ما أحد كان ينظر في خلقتك، فيدخل المؤمن، فيتكئ على سريره.
وهذا السرير مرصع باللؤلؤ، فينظر في ألوانه أخضر وأصفر وأحمر، فيرفع رأسه إلى سماء بيته، فيجد عرش الرحمن سبحانه سقف الجنة، وهذا من فضل الله عز وجل، وهي من أعظم النعم التي يكرم الله سبحانه وتعالى عباده بها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر