أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله عز وجل، وأخلصوا له في الأقوال والأفعال، فإن الإخلاص لله أهم شرط في قبول العمل، فالعمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله سبحانه، صواباً على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7] قال: أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً.
وقد دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] وقال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3].
وأما نية المعمول له، فهو الإخلاص لله في كل ما يأتي العبد ويذر، وفي كل ما يقول ويفعل، فيكون قصده في جميع أعماله رضا الله وطلب ثوابه من غير التفاف للخلق وتلمس رضاهم ورجاء نفعهم ومحمدتهم، بل يكون حريصاً على تحقيق الإخلاص وتكميله، ودفع كل ما يضاده من الرياء والسمعة وقصد المحمدة عند الناس ورجاء ثنائهم ومدحهم.
وقال بعض السلف: ملاك هذه الأعمال النيات، فإن الرجل يبلغ بنيته ما لا يبلغ بعمله.
وقال آخر: لا يزال العبد بخير إذا قال، قال لله، وإذا عمل، عمل لله.
وعاتب بعضهم نفسه بقوله: يا نفس! أخلصي تتخلصي.
وقال بضعهم: طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا وجه الله تعالى.
الله أكبر! ما أعظم شأن الإخلاص، وما أعز أهله! لا سيما في أزمنة طغت فيها الماديات، وغلب على أهلها المطامع والشهوات، ونظر فيها إلى السائرين في برد الإخلاص نظرة استهانة وازدراء.
إخوة الإسلام: إن الإسلام يرقب بعناية تامة ما يقارن أعمال الناس من نيات، وما يلابسها من مقاصد وإرادات.
وقيمة العمل في الإسلام ترجع إلى نية صاحبه وقصده الذي تمخضت عنه، وإن صلاح النية، وسلامة السريرة، وإخلاص الفؤاد لله رب العالمين يرتفع بمنزلة العمل الدنيوي، فيجعله عبادة متقبلة، وإن فساد النية، وخبث الطوية يهبط بالأعمال الصالحة، فيجعلها معاصٍ خطيرة لا ينال المرء منها بعد التعب والنصب إلا الرد والخسارة.
ألا فليعلم ذلك من أقفرت قلوبهم من الإخلاص، وفسدت ضمائرهم، وباعوا آخرتهم بدنياهم، وفتك الرياء بأعمالهم، وفتكت العلل القاتلة بأجسادهم الناحلة، وتتبعوا محامد الخلق ومنافعهم، وتلمسوا رضاهم وثناءهم؛ ليأكلوا من ورائهم، فصلاتهم وصدقاتهم، وتعلمهم ونفقاتهم، وسائر أعمالهم شابتها شوائب الرياء والسمعة، وسفت عليها سوافل المقاصد الدنيئة، وغلب عليها حزب الظهور والشرف والشهرة؛ وقد سبب ذلك الشقاء والرجوع بالأمة إلى الوراء، ولو كان الإخلاص رائد جميع العاملين، من علماء ومتعلمين، والنصح في الأعمال ديدن كل من ولي أمراً من أمور المسلمين، لما حصل تقصيرٌ في الأعمال، وتضييعٌ في الحقوق، ومماطلةٌ في أداء الواجبات، واتكاليةٌ في القيام بالمعاملات.
فاتقوا الله عباد الله! والزموا الإخلاص لوجه الله تنالوا ثمراته المباركة من النصر والنجاة، والرفعة والهدى، والخير في الآخرة والأولى، وتنجو من الهزيمة والعذاب، والضلال والشقاء، والفضيحة في الدنيا والآخرة.
اللهم ارزقنا الإخلاص لوجهك الكريم، اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا، وجميع تصرفاتنا، وأعذنا من النفاق والرياء المحبط للأعمال يا حي يا قيوم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله وأطيعوه، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، ووطنوا أنفسكم على الإخلاص في كل شيء، وعودوها إرادة وجه الله، والاحتساب فيما تأتون وتذرون، وفيما تسرون وتعلنون، واعمروا قلوبكم بالإخلاص لله، وتجريد العمل له.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ).
فاتقوا الله عباد الله! وأخلصوا جميع أعمالكم لوجه الله، وصلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.
اللهم أصلح حال الأمة، اللهم أبرم لها أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم وفق المسلمين قاطبةً إلى تحكيم كتابك واتباع سنة نبيك يا رب العالمين.
اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين بتوفيقك، وأيده بتأييدك، وأعلِ به دينك، وارزقهم البطانة الصالحة يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر